الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / تحبير الحجة في أن النبي لم يصم العشر الأول من شهر ذي الحجة

تحبير الحجة في أن النبي لم يصم العشر الأول من شهر ذي الحجة
سلسلة من شعار أهل الحديث |
80 |
تحبير الحجة
في
أن النبي r لم يصم العشر الأول من شهر ذي الحجة
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ومعه:
دراسة أصولية في معرفة السنة التركية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
استغراب
شيخنا الفقيه الإمام الشيخ ابن عثيمين /
بعض الفتاوى لأهل العلم في الأحكام!
* فقد يظن الناس في عاداتهم أن من حولهم في بلدانهم قد اتفقوا على حكم ما، ويظنون على حسب اجتهادهم من القديم ألا مخالف لهم؛ لاعتقادهم أن ذلك الحكم قد حكموا بمقتضى الأدلة، فيجتمع في أذهانهم دليلان: النص والإجماع!، فيحكمون على حسب اجتهادهم أنه لا خلاف([1])، والأمر قد يكون بالأدلة بالعكس، والله المستعان.
قال شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين / في «الخلاف بين العلماء» (ص20): (وما أكثر ما نسمع من ينقل الإجماع، ولكنه عند التأمل لا يكون إجماعا.
* ومن أغرب ما نقل في الإجماع ، أن بعضهم قال: أجمعوا على قبول شهادة العبد، وآخرون قالوا: أجمعوا على أنها لا تقبل شهادة العبد. هذا من غرائب النقل؛ لأن بعض الناس إذا كان من حوله قد اتفقوا على رأي، ظن أن لا مخالف لهم، لاعتقاده أن ذلك مقتضى النصوص، فيجتمع في ذهنه: دليلان: النص والإجماع، وربما يراه مقتضـى القياس الصحيح، والنظر الصحيح فيحكم أنه لا خلاف، وأنه لا مخالف لهذا النص القائم عنده مع القياس الصحيح عنده، والأمر قد كان بالعكس). اهـ
قلت: فانظر كيف استغرب شيخنا ذلك في نقل الإجماع على خلاف حقيقته، وهذا الأمر بنفس حكم صوم يوم عرفة، فإن البعض ينقل للإجماع في صومه، وهو مختلف فيه بين العلماء المتقدمين والمتأخرين، والإجماع فيه قائم بين الصحابة الكرام على عدم صومه؛ لأن النبي r لم يصمه، فنقل الإجماع على صوم يوم عرفة من غرائب النقل!، والله المستعان.
* سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين / تعالى: هب أن رجلا خالف كثيرا من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله، وهل تشن عليه الهجمات ؟!.
فأجاب فضيلته: (لا، أبدا. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها؛ فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى نفوس الناس دونه أبدا، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به، كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، ويظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا
الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه).([2]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وأدام الله التوفيق
المقدمة
الحمد لله الذي أوضح الطريق لأوليائه، وأظلم السبل على معانديه وأعدائه، أحمده على جزيل نعمائه، وأشكره على كثير عطائه، وصلى الله على نبيه سيد المرسلين المبعوث إلى كافة الخلق أجمعين.
أما بعد:
فإن من أصول دعوة أهل الحديث الرجوع إلى المعين الصافي للسنة النبوية، والدعوة إلى إحياء منهج السلف الصالح في الأصول والفروع، وتنقية ركام الجهل، وعلاج عيوب التقليد.([3])
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة، قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170] ). اهـ
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى، ورسوله r بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «القول المفيد» (ص108): (إن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون ... وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين!). اهـ
وقال الفقيه العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين! يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده، ويترك الكتاب والسنة!). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص996): (ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد). اهـ
قلت: وهذا المنهج هو القائم على ترك الجهل، ونبذ التقليد، والاعتماد على الكتاب، والسنة، والآثار، وهذه الأصول هي أســاس الدعوة الأثرية التي بلغت بركاتها أقطار الأرض.
* بل هذه الدعوة المباركة غزت بعدتها وعتادها أعتى القلوب، وأعدى النفوس، فما برحت أن خالطت بشاشة القلوب، واسـتـلـت عداوات النفوس، وشرحت الصدور، لما كان قد انشرح له صدر أصحاب رسول الله r، وعلمت أنه الحق.
* وبناء على ذلك: فإني لا أحل لمن لم يتشرب قلبه المنهج الأثري القائم على نبذ التقليد، واعتماد الدليل، أن يقرأ هذا البحث؛ فإنك لست محدثا قوما بحديث لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة، وأي: فتنة أعظم من فتنة الجهل؟ وفتنة من يرى التقليد هو العلم، ويعد اتباع الدليل فتنة إذا ما قرأ بحثا قائما على ضد ما يراه هذا المقلد.
أقول ذلك: لأني في هذا البحث([4]) قد ناقشت تقليد المقلدة، وجعلت مسألة: «صوم العشر من ذي الحجة» قابلة للنقد، والعرض على الدليل.([5])
قال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص22): (وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله، إذا تأدب في الخطاب، وأحسن في الرد والجواب فلا حرج عليه، ولا لوم يتوجه إليه). اهـ
أقول هذا كله: لشدة ثقتي بصحة ما توصلت إليه، ولأني لم أترك سبيلا من سبل التحري، والتثبت إلا وسلكته، وكبحت نفسي بالحلم والأناة؛ حتى عزمت على نشر ما أثمره ذلك الجهد والتدبر والاستدلال.
قلت: وإن لم تكن هذه المسألة من مسائل العقيدة في الظاهر، لكنها بحق خرجت من أحاديث ضعيفة: وهي تحتوي على ألفاظ مضطربة، وألفاظ فيها مجازفات، وألفاظ شاذة، وأحاديث ممزوجة بعضها مع بعض.
* لذلك ابتدأت التفكير في نسف هذه الأحاديث، ومناقشتها على طريقة أئمة الجرح والتعديل بعد أن تنبهت لخطر هذا الأحاديث على السنة، ولا بد من الدفاع عن السنة النبوية. ([6])
* وقد أعانتني أيضا النتائج المهمة التي توصلت لها في كتابي «جزء فيه تخريج صوم يوم عرفة»، فازددت يقينا بصحة ما كانت قد قادتني إليها الأدلة من السنة، والآثار، وأقوال العلماء.
* وقد بدأت إعلان ذلك في دروسي .. وتكرر إلي الطلب بنشر بحثي في هذه المسألة مطبوعا ... ومما عاجلني بإخراج بحثي في تخريج حديث أبي قتادة t في «صوم يوم عرفة» أني مع ما أتوقعه من تشنيع المقلدين الحزبيين علي فيه، إلا أني ضنين بنسبة نتائجه إلي، معتز بما توصلت إليه فيه؛ لأني لا أعلم أحدا من قرون متطاولة قد أفصح بما ذكرته، ولا قرر ما حررته.
قلت: وأول من أثار نقد حديث: «صوم يوم عرفة» هو الإمام البخاري / في كتابه: «التاريخ الكبير» (ج5 ص192 و198)، وكتابه: «التاريخ الأوســط» (ج1 ص411)، ثم تتابع الأئمة في نقد الحديث، اللهم سدد.
* فأذكر كل قارئ لهذه الكتب([7]) التي ألفتها في عدم صوم النبي r، والصحابة y ليوم عرفة، أن ينصح لنفسه بحسن القراءة وتمام التفهم، والتجرد من الإلف العلمي، والتحرر من قيود التقليد، وأن يقبل على القراءة وهو مستعد لتغيير فهمه السابق دله الدليل على بطلان فهمه لحديث أبي قتادة tفي «صوم يوم عرفة»، باحثا عن العثرات فيه، راغبا في اكتشاف الزلات في المقلدة.([8])
قال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج32 ص239): (وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء). اهـ
* وأن يحرص على مخالفة سنن الذين في قلوبهم زيغ من أهل التحزب، فلا يتبع المتشابه، بل يرد المتشابه إلى المحكم.
قال الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي / في «جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر» (ص139): (من نشأ على أمر، وأفنى عمره فيه قل أن يخرج من قلبه، ولو تاب منه، ولو رجع عن بعضه لا يمكن أن يرجع عن كله!). اهـ
قلت: وعليه بعد ذلك من واجب إحسان النية، وحمل الكلام على أفضل محامله، وعلى الصواب ما أمكن.
فعن عمر بن الخطاب t قال: (فلا تظن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا، وأنت تجد لها من الخير محملا).
أثر حسن
أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص395)، وابن أبي الدنيا في «مداراة الناس» (ص50)، والطامذي في «الفوائد» (ص44) من طريق نافع بن عامر الجمحي عن سليمان بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وتابعه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب به.
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص360)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج1 ص305) من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.
وعلقه أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» (ص189).
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن العظيم» (ج4 ص227)، وابن رجب في «النصيحة والتعيير» (ص26).
قلت: وسوء الظن بالمسلم من سوء الخلق، اللهم سلم.
وبوب الحافظ ابن أبي الدنيا / في «مداراة الناس» (ص83)؛ باب: ذم سوء الخلق.
وبوب أبو الشيخ / في «التوبيخ والتنبيه» (ص183)؛ باب: الأمر بفحش الطعن بالمسلمين.
قال تعالى: ]والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[ [التوبة:71].
قلت: والمفروض أن يكون الأخ واثقا من أخيه، مطمئنا إليه، فلا يؤول كلامه إلا بخير ما دام يجد في الكلام مجالا للتأويل الحسن.
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم[ [الحجرات:12].
* يقول الله تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة، والتخون للأهل، والأقـارب، والنــاس في غيـر مـحـلـه؛ لأن بعـض ذلـك يـكون إثـمـا مـحـضا، فليجتنب كثير منه احتياطا.([9])
قال الحافظ ابن رجب / في «الفرق بين النصيحة والتعيير» (ص26): (ومن حمل كلامه، والحال على ما ذكر، فهو ممن يظن بالبريء الظن السوء، وذلك من الظن الذي حرمه الله تعالى، ورسوله r، وهو داخل في قوله سبحانه وتعالى: ]ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا[ [النساء:112]، فإن الظن السوء ممن لا تظهر منه - أعني هذا الظان - أمارات السوء، مثل: كثرة البغي، والعدوان، وقلة الورع، وإطلاق اللسان، وكثرة الغيبة، والبهتان، والحسد للناس، على ما آتاهم الله من فضله والامتنان، وشدة الحرص على المزاحمة على الرئاسات قبل الأوان، فمن عرفت منه هذه الصفات التي لا يرضى بها أهل العلم والإيمان، فإنه إنما يحمل تعرضه للعلماء، ورده عليهم على الوجه الثاني فيستحق حينئذ مقابلته بالهوان، ومن لم تظهر منه أمارات بالكلية تدل على شيء، فإنه يجب أن يحمل كلامه على أحسن محملاته، ولا يجوز حمله على أســوأ حالاته، وقد قال عمر t: «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا([10])). اهـ
قلت: فالعلة إذا تتبع الأخ، وسوء الظن به، اللهم غفرا.
* وأنصح القارئ المبتغي للحق، بما نصح به شيخ الإسلام ابن تيمية / أحد مناظريه؛ بقوله له: (المعاني الدقيقة تحتاج إلى إصغاء، واستماع، وتدبر).([11]) اهـ
قلت: فإن خالف حزبي هذه الأخلاق؛ فليعلم أنه أول مخذول؛ فالحق أبلج، والباطل لجلج، والدين محفوظ؛ فلن ينفعه أن يشنـع علـى الحـق، ولا أن يسعـى إلى إشعال الفتن([12])؛ لأنه ليست له حجة ولو ركب كل مركب، فليرح وليسترح!.([13])
قال الله تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [ [الأعراف: 3].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن العظيم» (ج2 ص209): (قال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم[؛ أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كل شيء ومليكه، ]ولا تتبعوا من دونه أولياء[؛ أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره). اهـ
وقال الله تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ [القصص: 50].
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص18): (قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين [ [القصص: 50]. فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما: إما الاستجابة لله تعالى، والرسول r، وما جاء به، وإما اتباع الهوى، فكل ما لم يأت به الرسول r فهو من الهوى). اهـ
هذا؛ والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن الله أسـأل المعونة، والتوفيق، والإرشاد إلى أوضح الطريق.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية
في أنه لم يثبت أن الرسول r صام العشر الأول من ذي الحجة!.
* سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء؛ كما في «الفتاوى» (ج10 ص400)؛ هل ثبت أن الرسول r صام عشر ذي الحجة؟.
فأجابت: (لم يثبت فيما نعلم أن الرسول r صام عشر ذي الحجة، أي: تسعة الأيام التي قبل العيد ([14])، لكنه r حث على العمل الصالح فيها، فقد ثبت عنه r أنه قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». رواه البخاري.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو... عضو... نائب رئيس اللجنة... الرئيس
عبد الله بن قعود... عبد الله بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن عبد الله بن باز). اهـ.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
ذكر الدليل على أن النبي r إذا ترك الصوم في العشر الأول من شهر ذي الحجة، وجب علينا تركه، والاقتداء به r، لأن ذلك من السنة التركية في الشريعة المطهرة
قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا[ [الأحزاب: 21].
قلت: لقد كان لكم، أيها المؤمنون في أقوال رسول الله r، وأفعاله: قدوة حسنة، تتأسون بها.
* فالزموا سنته، فإنما يسلكها ويتأسى بها من كان يرجو الله تعالى، واليوم الآخر.([15])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن العظيم» (ج6 ص350): (هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله r، في أقواله، وأفعاله، وأحواله). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص527): (وليس التأسي خاصا بأفعاله، بل بأفعاله وأقواله، فمن تابعه على فعله، فهو: متأس، من أجل أنه فعل، ومن امتثل أمره، فهو: متأس؛ لأنه تابعه). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص505): (قول الله تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب: 21]؛ فإن ظاهر الآية، أن تتأسى بكل قول يقوله، وبكل فعل يفعله). اهـ.
وقال الإمام الشافعي / في «جماع العلم» (ص11): (لم أسمع أحدا -نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم- يخالف في أن فرض الله تعالى اتباع أمر رسول الله r، والتسليم لحكمه؛ بأن الله تعالى لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله تعالى، أو سنة رسوله r، وأن ما سواهما تبع لهما). اهـ.
وقال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].
وقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص529): (فائدة: الأصل في أوامر الرسول r: الطاعة، قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص500): (وقوله: «وهي حجة»؛ يعني: سنة الرسول r: حجة؛ القولية، والفعلية... فما تركه فهو: سنة، كما أن ما فعله فهو: سنة). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص457): (وقوله: «والسنة وهي مخبرة عن حكم الله تعالى»: خبر بالقول، وخبر بالفعل؛ ولهذا نقول: إن السنة: إما قول، وإما فعل، وإما إقرار؛ فهي مخبرة عن حكم الله تعالى). اهـ.
* وبذلك يعلم أن الاحتجاج بالسنة: أصل ثابت من أصول هذا الدين. ([16])
قلت: وهذه الأدلة تدل على الترك التشريعي، وهو ما تركه r بيانا للشرع، كتركه للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة.
* وهذا القسم من تركه r، هو المراد من السنة التركية، فيجب ترك ما تركه r في الدين. ([17])
قال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج4 ص191): (لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، تكون في التروك). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص172): (والترك الراتب: سنة، كما أن الفعل الراتب: سنة.
* فأما ما تركه r من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة y: فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة). اهـ.
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص282): (وأما نقلهم لتركه r فهو نوعان، وكلاهما سنة:
* أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا، ولم يفعله، كقوله في شهداء أحد: «ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم»، وقوله: في صلاة العيد: «لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء».
* والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم، ودواعيهم: أو أكثرهم، أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدا؛ علم أنه: لم يكن، وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين، وهم يؤمنون على دعائه دائما.
* ومن الممتنع أن يفعل ذلك، ولا ينقله عنه صغير، ولا كبير، ولا رجل، ولا امرأة البتة، وهو مواظب عليه هذه المواظبة، لا يخل به يوما واحدا؛ وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة، فإن تركه r سنة، كما أن فعله سنة). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «مناسك الحج والعمرة» (ص42): (ومن المقرر عند ذوي التحقيق، من أهل العلم: أن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله r، بقوله، ولم يتقرب هو بها، إلى الله تعالى بفعلها: فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية، فما تركه r من تلك العبادات، فمن السنة تركها). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج14 ص216): (وأما إذا دعي الناس للتحاكم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r: فعلا لما فعل، وتركا لما ترك؛ فإن عليهم قبول ذلك، وإن خالف ما اعتادوه، قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[ [الأحزاب: 36]). اهـ.
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص42): (تركه r للشيء، كفعله له في التأسي به فيه). اهـ.
قلت: فالذي يصوم في العشر الأول من ذي الحجة، فهذا لم يتأس برسول الله r، وخالف سنته في صومه هذا، والله المستعان.
قال تعالى: ]هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين[ [القصص: 15].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 50 و51].
وقال تعالى: ]وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون[ [النور: 56].
وعن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما في العشر قط). وفي رواية: (أن النبي r لم يصم العشر). ([18])
* يعني: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
قلت: فالترك هذا معدود من الأفعال المكلف بها في الشرع. ([19])
وبوب الإمام أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله المصري الحنفي، وهو من أئمة الحنفية / في «الإحسان» (ج8 ص372)؛ ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة وإن أمن الضعف لذلك.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ: قالت: «ما رأيت رسول الله r صام العشر قط».([20])
قلت: وهذا يدلعلى أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، فوجب ترك هذا الصيام، لأن هذا الترك، من السنة التركية.
وبوب الحافظ أبو داود في «السنن» (ج4 ص102)؛ باب: في فطر العشر.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ: قالت: «ما رأيت رسول الله r صائما العشر قط».([21])
قال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «قواطع الأدلة» (ج3 ص311): (إذا ترك النبي r شيئا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه). اهـ
وقال الفقيه الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج1 ص343): (عليك أن تأخذ بالحق، وأن تتبع الحق إذا ظهر دليله، ولو خالف فلانا، وعليك أن لا تتعصب وتقلد تقليدا أعمى). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص104): (في القصة -أي: قتال مانعي الزكاة- دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال كيف خفي ذا على فلان والله الموفق). اهـ
* فوقع هذا الترك من النبي r على وجه التشريع والبيان.
* فترك النبي r فعل الصوم، ليبين لأمته أن المشروع في هذا الصوم تركه، وعدم فعله.
قال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج2 ص165): (وإذا نقل عن النبي r: أنه ترك كذا، كان أيضا من السنة الفعلية). اهـ.
قلت: فصيام تسع ذي الحجة الأولى، لم يثبت فيها دليل بخصوصه في العشر من ذي الحجة.
* وقد بين أهل العلم، الحكمة من ترك النبي r، وصحابته y: الصوم في العشر الأول من ذي الحجة، وذلك للتقوي على العبادات الأخرى، من صلاة، ودعاء، وأذكار، وغير ذلك، لأن فعل الصوم يضعف عن فعل بعض العبادات. ([22])
* ولم يكن هناك أي حديث عن رسول الله r في استحباب صومه بغير عرفة، وبينت الأحاديث عن النبي r، وعن الصحابة، وبعض التابعين عدم صومه؛ فالأولى اتباع ذلك، والتفرغ للعبادة من دعاء، وغيره في يوم عرفة لما فيه من الخير العظيم.
وذكر هذا الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص161) بقوله: (وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة، وغير عرفة للدعاء). اهـ.
وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ
قلت: وثبت عن ابن مسعود t أنه لم يصم العشر الأول من ذي الحجة، لأنه يضعفه عن الصلاة، وغيرها.
فعن عبد الرحمن بن يزيد: (أن عبد الله لا يكاد يصوم، فإذا صام، صام ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إلي من الصوم).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج7 ص418) من طريقين عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* والذين أفتوا بالصوم في العشر الأول من ذي الحجة، قد استدلوا بحديث عام([23])، في فعل الأعمال الصالحة، ويستثنى من الأعمال الصالحة، ترك الصوم فقط، لأن النبي r تركه، واقتدى بعده صحابته y في ترك الصوم في العشر من ذي الحجة، فوجب تركه، لأن سنة الترك، دليل خاص، يقدم على كل عموم. ([24])
قلت: والسنة التركية تعتبر من الأمور التعبدية، وأن مخالفة هذه السنة، يدخل تحت معنى الابتداع في الدين.
* وذلك أن من تعبد الله تعالى بعبادة، لم يفعلها النبي r، فهو مشمول، بقوله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). ([25])
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج8 ص612)؛ باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور.
* وهذا الحديث: أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: «الأعمال بالنيات»، ميزان للأعمال في باطنها.
* فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب.
* فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله تعالى، ورسوله r، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ورسوله r، فليس من الدين في شيء. ([26])
قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[ [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ [الشورى: 21].
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص52): (فهذا الحديث: يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينه وشرعه، كالمراد: بقوله في الرواية الأخرى: «من أحدث في أمرنا هذا ليس منه».
فالمعنى إذا: أن من كان عمله خارجا عن الشرع وليس متقيدا به، فهو مردود.
وقوله r: «ليس عليه أمرنا»، إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، وتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشرع موافقا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجا عن ذلك، فهو مردود). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج8 ص612): (قوله r: «من أحدث في أمرنا هذا»([27]): الأمر هنا بمعنى: الشأن، والمراد به: الشريعة التي جاء بها نبي الله r.
وقوله: «ما ليس منه»؛ أي: ما لم يكن ثابتـا فيه؛ لأن كل ما لم يكن ثابتـا فليس منه؛ فإن الأصل في العبادات المنع، حتى يقوم دليل على مشروعيتها، ويراد بذلك أيضا ما هو أوسع، وهو تحريم ما أحل الله عز وجل؛ فإن تحريم ما أحل الله إحداث في دين الله تعالى ما ليس منه، فيكون هذا التحريم مردودا على صاحبه.
إذن: تحليل الحرام، وتحريم الحلال داخل في هذا الحديث، ولهذا يعتبر هذا الحديث ميزان الأعمال الظاهرة، وحديث عمر t: «إنما الأعمال بالنيات»؛ ميزان الأعمال الباطنة). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص201): (قوله r: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ وعملا: نكرة في سياق الشرط، فتعم كل عمل، سواء كان عبادة، أو معاملة، أو قضاء، أو غير ذلك، وقوله r: «فهو رد»، أي: مردود). اهـ.
* ومن هنا يتبين أصل مهم: وهو أن سنة الترك تتميز بها البدع، وتعرف، وذلك أن مخالفة سنة الترك بدعة في الدين. ([28])
قال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج2 ص196): (وأما التأسي في الترك: فهو أن تترك ما تركه، لأجل أنه تركه). اهـ.
قلت: فالسنة التركية، هي حجة شرعية معتبرة، وذلك أن ترك الرسول r للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة: دليل على تحريمه؛ فيجب حينئذ ترك ما تركه رسول الله r. ([29])
* وقد اجتمعت القرائن الدالة على مواظبته r على ترك الصوم في العشر الأول من ذي الحجة.
* ولو أن الرسول r فعل هذا الصوم، لتوافرت همم الصحابة y، ودواعيهم على نقله؛ فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدا، علم أنه لم يكن هذا الصوم المزعوم في شهر ذي الحجة. ([30])
قلت: فهذه السنة التركية، تدخل تحت السنة النبوية المطهرة، ويحصل بها معرفة الحكم الشرعي.
قال تعالى: ]فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[ [الأعراف: 158].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح ذي الجلال والإكرام» (ج3 ص324): (في الحديث: «إن العمرة للعمرة»؛ لا تدل على أنه ينبغي للإنسان وهو في مكة، أن يكثر من التردد إلى الحل ليأتي بعمرة، لماذا؟؛ لأن السنة التركية، كالسنة الفعلية، فمادام النبي r لم يفعل ذلك، دل على أنه ليس بمشروع.
* أما ما يفعله العامة الآن من كونهم يترددون إلى الحل بحيث يصل الأمر إلى أن يأتي بعمرة في أول النهار، وعمرة في آخر النهار فهذا ليس بصحيح). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني /: (الفرق بين السنة الفعلية، والسنة التركية: وبخاصة أن مثل هذا الاصطلاح أعرف أنه غريب، ولا غرابة في ذلك؛ لأننا نعيش في غربة عجيبة من العلم، والبعد عن فقه الكتاب والسنة.
* أقول: وذلك لأن بعض السلف الأولين: من الصحابة الموقرين الممجدين، وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان t صاحب رسول الله r، كان يقول تأييدا لما قلناه آنفا، من أن السنة قد تكون تركية؛ أي: تركها الرسول r، وما فعلها، فنحن لا نفعلها، ولو كان مظهرها مظهر عبادة من العبادات، بل قد تكون هي حقيقة عبادة في ذاتها، فنحن نفعل كما فعل رسول الله r، نجهر في الصلاة حيث جهر، ونسر حيث أسر، لأن الرسول r ترك)([31]). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني /: (نحن نتعبد باتباع سنة الرسول r، في سنته الفعلية، كذلك: نتعبد في اتباع الرسول r في سنته التركية؛ لأن هذه السنة التي تركها الرسول r، لو كان في فعلها خير، لفعله الرسول r، من جهة، ثم لاقتدت به الأمة، وسلف الأمة، من جهة أخرى، وهذه أمثلتها كثيرة، وكثيرة جدا، من أشهرها: ترك الرسول r الأذان لصلاة العيدين، وترك الأذان لصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف) ([32]). اهـ.
قلت: فالله تعالى، أوجب على الرسول r أن يبين الشرع، إما بالقول، وإما بالفعل، وبيان هذا الترك للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة، حصل بفعله r، فوجب ترك هذا الصوم. ([33])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص515): (قوله: «فواجب عليه»، فيجب على الرسول r، أن يبين، لقوله تعالى: ]فإنما عليك البلاغ[ [آل عمران: 20]، وقوله تعالى: ]ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك[ [المائدة: 67]؛ فإذا فعل النبي r، فعلا مشروعا وجب عليه أن يبينه للناس، فإذا بينه بالقول، أو الفعل عند الحاجة، حصل المقصود). اهـ.
وقال الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج9 ص92)؛ باب: الاقتداء بسنن رسول الله r، وقول الله تعالى: ]واجعلنا للمتقين إماما[ [الفرقان: 74].
قلت: فلا بد أن تمتثله على الوجه الذي فعله الرسول r، بترك ذلك الصوم، لأنه r تركه، فإن خالفت، وفعلت ذلك الصوم، فلست بمتأس بالرسول r.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص527): (فائدة: التأسي فعلك، كما فعل لأجل أنه فعل: صحيح، فالتأسي الذي أمر الله تعالى به بقوله: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب: 21]؛ هو أن تفعل الشيء لأنه r فعل، فلا بد من هذا، لأنك إذا شعرت هذا الشعور، فأنت متبع له تمامـا؛ قال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران: 31]). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص280): (وذلك: لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل؛ فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان، أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك). اهـ.
* يا معشر المقلدة، أخبروني عن هذا الصوم في أول ذي الحجة، والذي تدعون الجهلة إليه: أشيء دعا إليه رسول الله r، أو فعله، لا.
* وهل هو شيء دعا إليه صحابة رسول الله r، أو فعلوه في الدين، لا.
* وليس يخلو أن تقولوا: إنكم علمتم بهذا الصوم، ولم يعلم به الرسول r، ولا صحابته الكرام، وهذا باطل بلا شك. ([34])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص290): (فإن تركه r: سنة، كما أن فعله سنة([35])، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا: ترك ما فعله، ولا فرق). اهـ.
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص365): (لأن ترك العمل به من النبي r في جميع عمره، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم؛ قد تقدم أنه نص في الترك، وإجماع من كل من ترك؛ لأن عمل الإجماع كنصه). اهـ.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص615): (فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا، محضا، أو راجحا: لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r، وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص.
* وإنما كمال محبته، وتعظيمه في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته، باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث له، والجهاد على ذلك، بالقلب، واليد، واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان). اهـ.
قلت: فلا بد من النظر فيما تركه النبي r من العبادات، وتركه صحابته الكرام من بعده r، والتابعون الأفاضل.
* فهذا الصوم المزعوم، لم يفعله النبي r، ولا الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، فهو بدعة في الدين.
قلت: فكل عبادة لم يتعبد بها الرسول r، وأصحابه y، فلا تتعبدوا بها، لأنها بدعة، فاتقوا الله يا معشر المقلدة، وخذوا طريق السلف الصالح في الدين. ([36])
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين). ([37])
وعن حذيفة بن اليمان t قال: (يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا، لقد ضللتم ضلالا بعيدا). ([38])
* وكتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز / يسأله عن القدر، فكتب: (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه r، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك - بإذن الله – عصمة.
ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر([39])، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا). ([40])
وقال الإمام الطرطوشي / في «الحوادث والبدع» (ص74)؛ في إبطاله لبعض البدع: (ولو كان هذا لشاع وانتشر، وكان يضبطه طلبة العلم، والخلف عن السلف، فيصل ذلك إلى عصرنا، فلما لم ينقل هذا عن أحد ممن يعتقد علمه، ولا ممن هو في عداد العلماء، علم أن هذه حكاية العوام([41])، والغوغاء). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص798)؛ في إنكاره لبعض البدع: (ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله تعالى عليه، لكان النبي r أعلم الناس بذلك، ولكان يعلم أصحابه ذلك، ولكان أصحابه y أعلم بذلك، وأرغب فيه ممن بعدهم.
* فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك علم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها: عبادة، وقربة، وطاعة، فمن جعلها عبادة، وقربة وطاعة، فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى). اهـ.
* وسئل تقي الدين السبكي / في «الفتاوى» (ج2 ص549)؛ عن بعض المحدثات، فقال: (الحمد لله: هذه بدعة، لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تعرف في زمن النبي r، ولا في زمن أصحابه y، ولا عن أحد من علماء السلف). اهـ.
قلت: فهذا أصل في الدين، أن ترك النبي r، قد تقترن به قرائن تجعل من هذا الترك حجة قاطعة؛ فيتعين إذ ذاك متابعته r في هذا الترك.
* وأقرب هذه القرائن، أن يقترن بتركه r، ترك السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان. ([42])
والأصل في ذلك: أن كل عبادة اتفق على تركها الرسول r، وسلف الأمة من بعده، فهي بلا شك بدعة وضلالة ليست من الدين.
* فإذا تواطأ النبي r، وسلف الأمة من بعده على ترك عبادة، فهذا دليل قاطع على أنها بدعة.
قلت: فما هو المانع من صوم النبي r للعشر الأول من ذي الحجة، وكذا الصحابة y.
* فلم يمنعهم عن فعل هذه العبادة: مانع، ولم يشغلهم عن بيان هذه العبادة: شاغل، مما يتبين أن هذا الصوم ليس من الدين، فيجب تركه. ([43])
* ومن هنا يتبين أن كل عبادة من العبادات ترك فعلها السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم؛ فإنها تكون بدعة في الدين.
ومنه: قال الفقيه العز بن عبد السلام / في «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» (ص9): (ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة ([44])، أن العلماء الذين هم: أعلام الدين، وأئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم، ممن دون الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض، والسنن، لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة، ولا دونها في كتابه، ولا تعرض لها في مجالسه.
* والعادة تحيل أن تكون مثل هذه: سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم: أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، وهم: الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن، والحلال والحرام). اهـ.
قلت: فاستدل الفقيه العز بن عبد السلام، في إنكار صلاة الرغائب، وبيان بدعيتها على قاعدة: ترك السلف الصالح لها. ([45])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص172): (فأما ما تركه -يعني: النبي r- من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة y؛ فيجب القطع: بأن فعله بدعة وضلالة([46])، ويمتنع القياس في مثله). اهـ.
* ومن هنا يظهر لكل ذي بصيرة أن العمل بالسنة التركية أمر متعين شرعا، وهو ضرورة دينية، لا بد من المصير إليها، وذلك أن الاحتجاج بسنة الترك، مبني على أدلة ثابتة راسخة.
* وأضف إلى ذلك: كمال هذا الدين، واستغناءه التام عن زيادات الجاهلين، واستدراكات المستدركين، فقد أتم الله تعالى هذا الدين، فلا ينقصه أبدا، ورضيه فلا يسخطه أبدا. ([47])
قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].
وعن العرباض بن سارية t، عن النبي r قال: (وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء، لا يزيغ عنها إلا هالك). ([48])
قلت: وبين النبي r هذا الدين، وقام بواجب التبليغ خير قيام، فلم يترك أمرا من أمور هذا الدين: صغيرا كان، أو كبيرا؛ إلا بلغه لأمته.
قال تعالى: ]ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك[ [المائدة: 67].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص502): (ولا يمكن أن يبلغ شيئـا مما جاء به إلا وهو صادق). اهـ.
* إذا فعدم الاحتجاج، بسنة الترك، وإهدار العمل بها، والغفلة عنها: يلزم منه الوقوع في مفاسد شرعية، ومحاذير دينية، فمن ذلك:
المفسدة الأولى: القول بعدم قيام الرسول r، بواجب التبليغ، وأن الرسول r لم يعلم أمته بعض الدين.
المفسدة الثانية: القول بضياع بعض الدين، وأن الرسول r فعل هذه العبادة وبلغها للأمة، لكن الصحابة y: كتموا نقل ذلك.
المفسدة الثالثة: فتح باب الابتداع، والإحداث في الدين عامة، وفي باب العبادات خاصة، دون قيد، ولا شرط. ([49])
المفسدة الرابعة: الإفتاء في الدين بأحاديث العموم، وترك أحاديث الخصوص، وفي هذا من المفسدة ما فيها، بل هو مذهب أهل الأهواء، من الخوارج وغيرهم.
قال تعالى: ]ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين[ [الحاقة: 44-47].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن الرسول r، لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، خاصة يوم عرفة، وقد جزمت عائشة ڤ بذلك، وهي أعلم الناس؛ بسنة الرسول r في صوم التطوع، ولم يعلم لها مخالف من الصحابة y، فيكون حجة شرعية، وهو إجماع([50])، وقد اقتدى الصحابة y به r، فلم يصوموا العشر الأولى من ذي الحجة، لتطبيقهم للسنة التركية، التي جهلها كثير من الناس في هذا العصر الحاضر؛ خاصة المقلدة المتعصبة منهم
عن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما في العشر قط). يعني: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283)، والترمذي في «سنـنـه» (756)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2872)، وابن راهويه في «المسند» (1505)، وأحمد في «المسند» (ج6ص42)، والسراج في «المسند» (ق/99/ط)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج2 ص739)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن حبان في «صحيحه» (3608)، والبغوي في «شرح السنة» (1793)، وفي «شمائل النبي r» (ج2 ص481)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عـن الأســود عن عائشة ڤ به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283) من طريق سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ قالت: (إن النبي r لم، يصم العشر).([51])
وأخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص276) من طريق الفرات الرقي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما أيام العشر قط).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص42) من طريق يعلى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2874) من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2103) من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو داود في «سـننـه» (ج2 ص816)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص124) من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص120): (هكذا رواه غير واحد
عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة). اهـ
* ثم ذكر أن هذه الرواية أصح، وأوصل إسنادا.([52])
فقال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص121): (وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا). اهـ
قال الإمام وكيع بن الجراح /: (الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور).([53])
وحديث منصور: أخرجه ابن ماجه في «سـنـنـه» (1726) من طريق أبي الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.
قال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج7 ص201): (رواية ابن ماجه عن منصور متصلة صحيحة الإسـنـاد، فهي تؤكد أصحية رواية الأعمش). اهـ
قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.([54])
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن راهويه في «المسند»
(1506) من طريق جرير عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر قط)، هكذا مرسلا.
وأخرجه ابن الجعد في «حديثه» (ج2 ص735) من طريق سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال حدثت: (أن رسول الله r، لم يصم العشر قط).
ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص378).
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص103): (وروى الثوري، وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر)، وروى أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، ولم يذكر فيه عن الأسـود، وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا).([55])اهـ
ثم قال الحافظ الترمذي /: وسمـعت محمد بن أبان يقول سمعت وكيعا يقول: (الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور). اهـ
* وقد ذكر مثل كلام الترمذي: أبو حاتم، وأبو زرعة، فيما نقله عنهما ابن أبي حاتم في «العلل» (ج2 ص71).
وذكر الحافظ الدارقطني /: اختلاف منصور، والأعمش على إبراهيم النخـعي، فالأعمـش كـمـا سـبـق روى الحـديث عـن إبـراهـيـم عـن الأســود عن عائشة، متصلا مرفوعا، وروى منصور الحديث عن إبراهيم مرسلا، ومتصلا.
* ولم يرجح الحافظ الدارقطني / أحد الجانبين على الآخر، والظاهر أنه يرجح الإرسال.([56])
حيث قال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص529): (وأخرج مسلم حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: ما صام رسول الله r العشر).
قال أبو الحسن الدارقطني: (وخالفه منصور: رواه عن إبراهيم مرسلا). اهـ
وقد صرح بترجيحه للإرسال في كتابه «العلل» (ج5 ص129)؛ مجيبا عن سؤال وجه إليه عن هذا الحديث: (يرويه: إبراهيم النخعي، واختلف عنه: فرواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ولم يختلف عن الأعمش فيما حدث به عنه أبو معاوية، وحفص بن غياث، وزائدة بن قدامة، وعبدة بن سليمان، والقاسم بن معين، وأبو عوانة.
* واختلف عن الثوري، فرواه ابن مهدي عن الثوري عن الأعمش كذلك.
* وتابعه يزيد بن زريع، واختلف عنه: فرواه حميد المروزي عن يزيد بن زريع، عن الثوري عن الأعمش مثل قول عبد الرحمن بن مهدي.
* وحدث به شيخ من أهل أصبهان: يعرف بعبد الله بن محمد النعمان عن محمد بن منهال الضرير عن يزيد عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
* وتابعه معمر بن سهل الأهوازي عن أبي أحمد الزبيري عن الثوري.
والصحيح: عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: حدثت: أن رسول الله r، وكذلك رواه أصحاب منصور مرسلا: منهم: فضيل بن عياض، وجرير). اهـ
* فنرى الحافظ الدارقطني / هنا قد رجـح الإرســـال، واحتج لذلك بأن أصحاب منصور قد رووه مرسلا.
* ولكن الاختلاف بين الأعمش، ومنصور الحق فيه: أن الوصل الذي رواه الأعمش، هو الصواب والراجح، كما سبق ذكر ذلك.
ويؤيد ذلك: رواية منصور المتصلة السابقة عن ابن ماجه في «سننه» (1726).
قال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج7 ص201): (رواية ابن ماجه عن منصور متصلة صحيحة الإسـنـاد، فهي تؤكد أصحية رواية الأعمش). اهـ
قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.
* إذن فالراجح هو الوصل.
قلت: فالمتن صحيح من هذا الطريق الذي اعترضه الحافظ الدارقطني /.
قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «تعليقه على التتبع للدارقطني» (ص531): (فعلى هذا لا يلزم الاعتراض مسلما؛ لأنه أخرج الطريق المتصلة، وهي المعتمدة؛ كما أفاده الترمذي عن وكيع). اهـ
وأورد الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص392) حديث عائشة هذا، وأورد عليه إيرادات غير قادحة؛ كما سبق، فقال: (وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث؛ فأجاب مرة؛ بأنه قد روي خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار على أنه اختلف في إسناد حديث عائشة فأسـنـده الأعمش، ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا). اهـ
قلت: وهذا الحديث نص صريح على أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، واليوم التاسع منها، وهو يوم عرفة، والله ولي التوفيق.
فقولها: (ما رأيته صائما في العشر قط)، يتعذر تأويل بعض العلماء فيه، لأنه صريح في أن النبي r لم يصم مطلقا في أيام العشر من ذي الحجة، وعلى هذا مما جاء أنه ما صام r في جميع العشر هو الأصل فليتأمل.([57])
قال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص392): (وهذا الجمع يصح في رواية من روى: (ما رأيته صائما العشر)، وأما من روى: (ما رأيته صائما في العشر)؛ فيبعد، أو يتعذر الجمع فيه). اهـ
قلت: ولذلك لم يرض الإمام ابن باز / في «الفتاوى» (ج15 ص417) بهذه التأويلات: لحديث عائشة ڤ؛ لأنها غير مقنعة، فقال /: (قد تأملت الحديثين، واتضح لي أن حديث حفصة ڤ فيه اضطراب([58])، وحديث عائشة ڤ أصح منه، والجمع الذي ذكره الشوكاني فيه نظر، ويبعد جدا أن يكون النبي r يصوم العشر، ويخفى ذلك على عائشة ڤ، مع كونه يدور عليها في ليلتين، ويومين من كل تسعة أيام؛ لأن ســـودة ڤ وهبت يومها لعائشة ڤ، وأقر النبي r ذلك، فكان لعائشة ڤ يومان، وليلتان من كل تسع([59])، ولكن عدم صومه r العشر لا يدل على عدم أفضلية صيامها؛ لأن النبي r قد تعرض له أمور تشغله عن الصوم([60])). اهـ
قلت: وقول الإمام ابن باز /: (ولكن عدم صومه r العشر...) هذا في مقابلة النص، فيغني عن الاجتهاد.
فعن أنس t قال: «كان للنبي r تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن، لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي r يده، فتقاولتا حتى استخبتا، وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث في أفواههن التراب، فخرج النبي r، فقالت عائشة: الآن يقضي النبي r صلاته، فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النبي r صلاته، أتاها أبو بكر، فقال لها قولا شديدا، وقال: أتصنعين هذا؟».([61])
وعن عائشة ڤ قالت: «ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في
مسلاخها من سودة بنت زمعة، من امرأة فيها حدة، قالت: فلما كبرت، جعلت يومها من رسول الله r لعائشة، قالت: يا رسول الله، قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان رسول الله r، يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة».([62])
قلت: وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة لم يكن معروفا عند النبي r، مما يؤكد بأن الحديث الوارد في الترغيب في صومه غير ثابت عنه r.
وهذا فيه رد على الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص237) بأنه قال: (هذا([63]) يشعر بأن الصوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر([64])، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل). اهـ
قلت: وهذا اجتهاد في مقابلة النص، فإذا وجد النص فلا رأي ولا اجتهاد، فالنقل هو الأصل، وهو المقدم على كل شيء في حالة ما يشبه التعارض.
* ومن المعلوم أن كل ما نص عليه الكتاب، والسنة نصا صريحا لا يجوز العدول عنه إلى ما يؤدي إليه الاجتهاد.
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص504): (باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص). اهـ
وقال الحافظ ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص287): (فصل في تحريم الإفتاء، والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسـقـوط الاجتهاد، والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك). اهـ
وبوب الإمام أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله المصري الحنفي، وهو من أئمة الحنفية / في «الإحسان» (ج8 ص372)؛ ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة، وإن أمن الضعف لذلك.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صام العشر قط).([65])
قلت: وهذا يدل على أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، فوجب ترك هذا الصيام؛ لأن هذا الترك، من السنة التركية.
وبوب الحافظ أبو داود في «السنن» (ج4 ص102)؛ باب: في فطر العشر.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صام العشر قط).([66])
قلت: ويدل أيضا على أن النبي r لم يصم صوم يوم عرفة حديث: أبي هريرة t.
فعن أبي هريرة t: (أن أبا بكر الصديق t بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله r قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1622)، ومسلم في «صحيحه» (1347) من طريق ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا الدليل ضربة قاضية للمجوزين لصوم يوم عرفة، وذلك أن النبي r كان حجه في السنة العاشرة في حجة الوداع، وقد حج أبو بكر الصديق t بالناس في السنة التاسعة بأمر النبي r، وكان النبي r في المدينة في الحضر، ولم يكن حاجا، ولم ينقل عنه r أنه صام يوم عرفة، وهو في المدينة في السنة التاسعة، مما يدل على أن صوم يوم عرفة، غير مشروع صومه، ولو كان مشروعا لصامه r، وأمر الناس بصيامه؛ كما فعل r في أمره بصوم يوم عاشوراء([67])، وغيره من صوم النفل.
قال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج4 ص10): (فلما كان سنة تسع أراد رسول الله r أن يحج، ثم قال: (إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة) ([68])، فبعث أبا بكر t تلك السنة أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج ... فسار أبو بكر t أميرا على الحج). اهـ
* فهذا يدل أن أبا بكر t، هو الأمير في الحج لسنة تسع من الهجرة.([69])
* والنبي r كان في المدينة، ولم يثبت أنه r صام يوم عرفة، ولم ينقل عنه هذا الصوم، لذلك صوم يوم عرفة ليس من السنة.
قلت: فعدم ذكر الصوم في يوم عرفة، دليل على أن النبي r لم يفعله، ولو كان r صامه لنقل إلينا، لكن لما لم ينقل، دل ذلك على أنه لم يفعله r، ومثل هذا يحفظ ويضبط، وتتوفر الهمم، والدواعي على نقله، فلو كان قد صام يوم عرفة لذكر ذلك الصحابة الكرام.
قلت: فالذين وصفوا صفة صوم النبي r لم ينقلوا هذا الصوم المزعوم([70])؛ فإنه لم ينقل عن النبي r، ولا عن أحد من الصحابة الكرام، أنهم تحروا صوم يوم عرفة، وإنما عمدة من يصوم يوم عرفة ما نقل عن ابن معبد عن أبي قتادة t، وهو اسـتـدلال ضعيف، وخلاف السنة.
ومنه: قول شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج23 ص48)؛ في عدم ثبوت التشهد في سجود السهو: (وليس في شيء من أقواله أمر بالتشهد بعد السجود، ولا في الأحاديث المتلقاة بالقبول؛ أنه يتشهد بعد السجود؛ بل هذا التشهد بعد السجدتين عمل طويل بقدر السجدتين، أو أطول ، ومثل هذا مما يحفظ ويضبط، وتتوفر الهمم، والدواعي على نقله، فلو كان قد تشهد لذكر ذلك من ذكر أنه سجد، وكان الداعي إلى ذكر ذلك أقوى من الداعي إلى ذكر السلام ، وذكر التكبير عن الخفض والرفع ، فإن هذه أقوال خفيفة، والتشهد عمل طويل، فكيف ينقلون هذا، ولا ينقلون هذا؟!). اهـ
قلت: لذلك فقد نقل الصحابة الكرام تسبيح النبي r في السجود، ولم ينقلوا تسبيحه r في سجود السهو، فكيف ينقلون هذا، ولا ينقلون هذا؟!، فدل على أن تسبيح سجود السهو لم يثبت عنه r، لا من قوله، ولا من فعله([71])، والسلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج23 ص281): (إن تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام في نفس الأمر، فإن ذلك وصف حادث بعد النبي، ولكن يسلكه من لم يكن عالما بالأدلة الشرعية في نفس الأمر، لطلب الاحتياط). اهـ
قلت: ويؤيد ما تقدم أن النبي r لم يتحر في السنة؛ إلا يوم عاشوراء، مع أن كفارة صوم يوم عرفة أعظم من كفارة صوم يوم عاشوراء([72])، فهل يعقل أن النبي r يتحرى صوم يوم عاشوراء وأجره دون أجر صوم يوم عرفة؟!، ولا يتحرى هذا اليوم الذي أجره يكفر السنة الماضـية، والباقية!، فهذا يبعد بلا شك، فهل أنتم أحـرص مـن النبي r في صوم يوم عرفة، اللهم غفرا.
وإليك الدليل:
عن ابن عباس ﭭ قال: (ما رأيت رسول الله r يتحرى صيام يوم يلتمس فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وشهر رمضان). ولم يذكر صوم يوم عرفة!. وفي رواية: (ما رأيت النبي r صام يوما يتحرى فضله على الأيام([73]) إلا هذا اليوم؛ يعني: يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان). وفي رواية: (ما صام رسول الله r يوما يطلب فضله سوى رمضان، إلا يوم عاشوراء).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص251)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص797)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص123)، وفي «السنن الصغرى» (ج4ص204)، وأبو نعيم في «المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص212)، والبغوي في «شرح السنة» (ج6 ص333)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص89)، وفي «شمائل النبي r» (ج2 ص479)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص287)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص58)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص287)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص286)، وفي «المعرفة» (ج6 ص356)، وفي «فضائل الأوقات» (ص437) والشافعي في «السنن» (ص315)، وفي «المسند» (ج1 ص457)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص402)، وابن البختري في «الأمالي» (ص169)، وضياء الدين المقـدسي في «فضائل الأعمال» (ص259)، والمهرواني في «الفوائد المنتخبة» (ص121)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص75)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج2 ص744)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص385 و386 و387)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج2 ص219)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج11 ص126 و127)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص180)، والمخلص في «المخلصيات» (ج2 ص19) من طرق عن عبيد الله بن أبي زيد أنه سمع ابن عباس ﭭ به.
* وهذا يدل على أن صيام يوم عاشوراء كان معروفا عند الصحابة y، بل وحتى عند الأنبياء في السابق.([74])
قلت: وأما صوم يوم عرفة لم يكن معروفا عندهم، وإلا لذكره ابن عباس ﭭ.
* وهذا الحديث يدل على أن النبي r لم يتحر فضل صوم يوم عرفة، بل كان يطلب فضل صوم يوم عاشوراء على غيره من الأيام، وهذا نص صريح، ولا اجتهاد مع وجود نص.
قلت: والسلف على هذا الاتباع؛ أي: أنهم لم يتحروا إلا صوم يوم عاشوراء فقط، ولم يأمروا إلا به.
فـعـن الأسـود بـن يـزيـد، قال: (مـا رأيـت أحـدا مـمـن كان بالكوفة من أصحاب
رسول الله r أمر بصوم عاشوراء من علي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري).
أثر صحيح
أخرجه الطيالسي في «المسند» (1212)، وعبد الرزاق في «المصنف» (7836)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص312)، والبغوي في «الجعديات» (ج2ص230)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4ص286)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج22 ص150)، وأبو ذر الهروي في «جزء من فوائد حديثه» (11)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص389 – مسند عمر)، ولوين في «جزئه» (42) من طرق عن أبي إسحاق قال: سمعت الأسود بن يزيد به.
قلت: وهذا سـنـده صحيح، وقد صححه الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (ج11 ص146).
تنبيه:
وأما ما أخرجه ابن سمعون في «الأمالي» (ص89) من طريق أحمد بن سليمان حدثنا هشام بن عمار حدثنا شعيب بن إسحاق حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن يحيى بن أبي كثير عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت ابن عباس ﭭ يقول: (ما كان رسول الله r يتحرى صيام يوم إلا يوم عاشوراء، ويوم عرفة).
فهو حديث منكر بزيادة «يوم عرفة».
قلت: وهذا سنده منكر؛ فيه أحمد بن سليمان بن زبان، وهو ضعيف، وهشام بن عمار السلمي يخالف ويخطئ، ولما كبر صار يتلقن؛ فلا يحتج بحديثه؛ إلا إذا توبع، وسعيد بن أبي عروبة مختلط.
انظر: «السير» للذهبي (ج11 ص431)، و«التقريب» لابن حجر (ص384).
قلت: فلا يحتج به في هذا الباب.
قلت: وقد بين النبي r أن أفضل الصيام، بعد شهر رمضان، صيام شهر محرم([75])، ولم يذكر صيام يوم عرفة في شهر ذي الحجة، مع أن الأجر الذي ذكر في صوم يوم عرفة أعظم؛ لأنه يكفر السنة الماضية، والسنة الباقية، وهذا يدل على أن صوم يوم عرفة غير مشروع في الدين.
وإليك الدليل:
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أفضل الصيام، بعد شهر رمضان، شهر الله المحرم([76])، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص821)، وأبو داود في «سنـنـه» (ج2 ص811)، والترمذي في «سنـنـه» (ج2 ص301)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2907)، وفي «السنن الصغرى» (ج3 ص206)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص342 و344)، وابن البختري في «حديثه» (ص168)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص96)، والخلعي في «الخلعيات» (ص339)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ج1 ص215)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص1103)، والبغوي في «شرح السنة» (1788)، وفي «معالم التنزيل» (ج6 ص306)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص299)، وعبد بن حميد في «المسند» (1421)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج4 ص242 و243)، والشجري في «الأمالي» (ج2 ص203)، وابن نصر في «قيام الليل» (ص35)، والسلفي في «السلماسـيـات» (ص42)، وابن حبان في «صحيحه» (ج5 ص258)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص181)، والدبيثي في «ذيل تاريخ مدينة السلام» (ج2 ص545)، والآجري في «فضل قيام الليل» (ص82)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص290)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص121)، وفي «شعب الإيمان» (ج4 ص290)، وفي «فضائل الأوقات» (ص429)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص163)، وابن شاهين في «الترغيب في فضائل الأعمال» (ص423)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص252) من طرق عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله عن أبي بشر جعفر بن إياس عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص821)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج2 ص290)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص303 و329 و342 و535)، والحنائي في «الحنائيات» (ج1 ص743)، والبغوي في «شرح السنة» (1923)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص101)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص142)، وابن ماجة في «سنـنـه» (1742)، وابن الـمـنذر في «الأوســـط» (ج5 ص147)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص298)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص1102)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص282)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج2 ص274)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص307)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2905)، و(2906)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص291)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص121)، وفي «فضائل الأوقات» (ص431)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص281 و283)، والطيوري في «الطيوريات» (ج2 ص384)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص386)، وضياء الدين الـمـقـدسي في «فضائل الأعمال» (ص261)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص251) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة t به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
وقال الإمام أبو حاتم / في «العلل» (ج3 ص129)؛ بعدما ذكر الاختلاف على الحديث: (والصحيح متصل: حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبيr).([77])
وقال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (1656)؛ بعد ما ذكر الاختلاف: (ورفعه صحيح)؛ يعني: رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي r مرفوعا.
وصحح الحافظ المزي / في «تحفة الأشراف» (3266) الرواية المرفوعة، وكذلك الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة» (3997).
قلت: وفي رواية في الحديث: (ســئـل أي الصيام أفضل بعد صيام شهر رمضان؟ فقال r: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم)، ولم يقل r: (صوم يوم عرفة)، ولم يقل r: (صوم العشر الأولى) من ذي الحجة.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج7 ص54) باب: فضل صوم المحرم.
وقال الحافظ ابن خزيمة / في «صحيحه» (ج3 ص282)؛ كتاب الصوم: – جماع أبواب صوم التطوع، باب: فضل الصوم في المحرم إذ هو أفضل أيام الصيام بعد شهر رمضان.
قلت: فأين إذا فضل صوم يوم عرفة المزعوم الذي يكفر السنة الماضية، والباقية، إذا كان صوم شهر المحرم أفضل الصيام بعد شهر رمضان بشهادة النبي r، نعوذ بالله من التعصب والتقليد.
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج7 ص55): (قوله r: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله المحرم): تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم). اهـ
وعن عائشة ڤ قالت: (إن النبي r كان يصوم يوم عاشوراء، ويأمرنا بصيامه).
حديث صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (1801)، والبيهقي في «معرفة السنن» (8977) من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فأين صوم النبي r ليوم عرفة؟!، وأين أمره بصيامه؟!.
قلت: لذلك أمر الصحابة الكرام بصيام يوم عاشوراء؛ لأنهم يرون له فضلا في الصوم على سائر الأيام سوى شهر رمضان، ولم يأمروا بصيام يوم عرفة، بل لم يكن صوم يوم عرفة معروفا عندهم، اللهم غفرا.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني به وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسـلـم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
استغراب شيخنا الفقيه الإمام الشيخ ابن عثيمين بعض الفتاوى لأهل العلم في الأحكام!....................................................................... |
5 |
2) |
المقدمة..................................................................................................... |
8 |
3) |
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في أنه لم يثبت أن الرسول صام العشر الأول من ذي الحجة!................................................................................................... |
18 |
4) |
ذكر الدليل على أن النبي إذا ترك الــصــوم في العشر الأول من شهر ذي الحجة، وجب علينا تركه، والاقتداء به، لأن ذلك من السنة التركية في الشريعة المطهرة.................................................................... |
20 |
5) |
ذكر الدليل على أن الرسول، لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، خاصة يوم عرفة، وقد جزمت عائشة بذلك، وهي أعلم الناس؛ بسنة الرسول في صوم التطوع، ولم يعلم لها مخالف من الصحابة، فيكون حجة شرعية، وهو إجماع، وقد اقتدى الـصــحابة به، فلم يصوموا العشر الأولى من ذي الحجة، لتطبيقهم للسنة التركية، التي جهلها كثير من الناس في هذا الــعــصـر الحاضر؛ خاصة المقلدة المتعصبة منهم......................................................................................... |
44 |
([1]) فيشنون الحرب بجهلهم، أو اجتهادهم على من خالف هذا الحكم في بلدانهم، والحكم بالصواب مع من خالفهم بالدليل من الكتاب، أو السنة، أو الآثار؛ اللهم غفرا.
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في «إلى متى الخلاف» (ص40)؛ وهو يرد على هؤلاء: (يظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به، واتباعه!). اهـ
([3]) انظر: «رسالة التقليد» لابن القيم (ص22)، و«المدخل» لابن بدران (ص388)، و«الإحكام» لابن حزم (ج2 ص836)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص261)، و«الأجوبة المفيدة» للشيخ الفوزان (ص46).
([4]) فأوصلني هذا البحث الأثري إلى نسف هذا التقليد، وبيان أن: «صوم العشر من ذي الحجة» ليس له من الحق نصيب.
([8]) وإلا فماذا يرجو ذوو الهمم العلية، والعقول الذكية، والنفوس الزكية من تعلم العلوم، إذا كان دأبهم التقليد الأعمى!.
أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص395)، وابن أبي الدنيا في «مداراة الناس» (ص50)، والطامذي في «الفوائد» (ص44) من طريق نافع بن عامر الجمحي عن سليمان بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وتابعه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب به.
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج44 ص360)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج1 ص305) من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب به.
وعلقه أبو الشيخ في «التوبيخ والتنبيه» (ص189).
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج4 ص227)، وابن رجب في «النصيحة والتعيير» (ص26).
([12]) وحتى من فتن أهل التحزب بقولهم، إنني لم أسبق في ذلك ولم يكن لي أي سلف في تضعيف حديث أبي قتادة، إذا فأين أئمة الإسلام الذين ضعفوا الحديث من مثل: الإمام البخاري /، والإمام العقيلي /، والإمام ابن عدي /، والإمام محمد بن طاهر المقدسي /، وغيرهم؛ ولكن تأبى القلوب المريضة إلا أن تنضح بما فيها.
([14]) وهذا هو القول الصحيح، أن النبي r لم يصم هذه العشر؛ منها: يوم عرفة: فوجب ترك الصوم في هذه الأيام؛ لأن النبي r ترك هذا الصوم، فلا يلتفت إلى الفتاوى التي تقول بصوم العشر، وصوم يوم عرفة؛ لأن ذلك خلاف السنة.
([15]) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ج6 ص350)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص290)، و«جماع العلم» للشافعي (ص11 و12)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص190)، و«الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص31 و32)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج2 ص121)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص282)، و(ج26 ص172)، و«فتح ذي الجلال والإكرام» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص324)، و«شرح مختصر التحرير» له (ص505 و527).
([16]) وانظر: «مفتاح الجنة» للسيوطي (ص34)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص85 و86)، و«قواطع الأدلة» للسمعاني (ج2 ص190)، و«جماع العلم» للشافعي (ص11 و12)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج1 ص49 و50)، و(ج2 ص289)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص496 و505 و527).
([22]) انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص161)، و«تهذيب الآثار» للطبري (ج1 ص364)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج7 ص418).
([23]) وهو حديث ابن عباس ﭭ، عن النبي r قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص457).
* فقالوا: بالصيام، لدخوله في الأعمال الصالحة، وسنة الترك، تقضي على هذا الاجتهاد، وتنقضه.
([26]) وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص52)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ص202).
([28]) انظر: «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» للعز بن عبد السلام (ص9)، و«الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص74)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص390)، و«صون المنطق» للسيوطي (ص150)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص457 و458).
([30]) وكأن هذا المقلد يقول: إن النبي r، وصحابته الكرام، لم يعلموا بهذا الصوم، وعلمه هو!.
* فيا لكع بن لكع: فهل النبي r والصحابة الكرام لم يعلموا بهذا الصوم، وتعلمه أنت، والعامة الجهلة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [سورة ص: 5].
([36]) انظر: «الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص62)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص390 و718)، و«الشريعة» للآجري (ص63)، و«الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص174)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج1 ص365).
([41]) وهذا مثل: حكاية صوم العشر الأولى من ذي الحجة، فإن ذلك حكاية ممن ينتسب إلى العلم، وهو من فصيلة العوام.
([44]) يعني: صلاة الرغائب المبتدعة.
وهي: اثنتا عشرة ركعة، تصلى بين العشائين، ليلة أول جمعة في شهر رجب، بكيفية مخصوصة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وسورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة.
انظر: «الإبداع في مضار الابتداع» لابن محفوظ (ص58).
أخرجه ابن ماجة في «سننه» (43)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص96)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ج1 ص55)، والآجري في «الشريعة» (ص47)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص247)، وفي «مسند الشاميين» (2017)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص27)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ص482)، والمخلص في «سبعة مجالس من أماليه» (ج4 ص164)، والزنجاني في «المنتقى من فوائده» (ص50).
وإسناده حسن.
([50]) وقد اشتهر هذا الحديث؛ بين الصحابة y، ولم يظهر من أحد إنكاره، فهذا إجماع منهم في عدم الصوم في العشر الأولى من ذي الحجة، وهو أيضا حجة شرعية؛ لأنه في حكم المرفوع، من فعله r في عدم الصوم في هذه العشر، ويقدم على القياس، ويخص به العموم في حديث: ابن عباس ﭭ: في «فضل الأعمال الصالحة» فيها، بترك الصوم فقط في هذه الأيام.
* إذا؛ فهذا النقل من صحابية اشتهر بين الصحابة، ولم يعلم لها مخالف من الصحابة y، فيكون حجة شرعية، وهو إجماع: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام: 90].
قال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص5): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة). اهـ
وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف فهو إجماع وحجة على من بعدهم). اهـ
([51]) فأيام العشر من ذي الحجة تشمل يوم عرفة؛ كما هو واضح في الحديث.
انظر: «لطائف المعارف» لابن رجب (ص398).
([55]) قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «تعليقه على التتبع» للدارقطني (ص531): (فالظاهر هو ما رجحه الترمذي /، لكون الأعمش أحفظ لحديث إبراهيم). اهـ
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص287) وغيره.
وانظر: «إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج4 ص111).
([59]) قلت: وهذا يدل أن عائشة ڤ أعلم الناس بعبادات النبي r، فالأمر إليها في ذلك، كما أوضح الشيخ ابن باز /.
([63]) يشير إلى حديث أم الفضل بنت الحارث ڤ بقولها: (أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي r.... الحديث).
([64]) وهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه ثبت عن بعض الصحابة y اجتهادات في بعض العبادات ثم تبين لهم بأنها خطأ، وذلك بعد تبيين النبي r لهم ذلك، فرجعوا عنها، وقد بينت هذا الأمر في كتابي (العقود اللؤلؤية في تبيين رجوع السلف عن آرائهم وخطئهم في المسائل الخلافية الفقهية)، ولله الحمد والمنة.
([70]) قلت: والصحابة الكرام نقلوا عن النبي r ما هو دون ذلك، ولم ينقلوا صومه r في هذا اليوم العظيم، فهذا من المستحيلات، والله المستعان
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج23 ص48).
([71]) قلت: فكل ما حكاه الصحابة الكرام أنهم رأوا النبي يفعله في العبادة دخل تحت الأمر، وصح الاستدلال به على شرعيته في الدين، وما لم يحكه الصحابة الكرام فلا يدخل تحت الأمر، إلا أن يثبت بدليل آخر، والله ولي التوفيق.
([72]) وهذا الحديث: يعل حديث: أبي قتادة t في يوم عرفة، وقد جعله الإمام مسلم / في أصوله من «المسند الصحيح»، مما يدل أنه يرى القول به، دون حديث أبي قتادة.
([73]) فلم يذكر ابن عباس t فضل يوم عرفة على سائر الأيام؛ إلا يوم عاشوراء، بل نفى t أن النبي r صام على سبيل التحري في السنة إلا يوم عاشوراء.
وانظر: «تهذيب الآثار» للطبري (ج1 ص385 و386 – مسند عمر).
وانتبه؛ لقوله: (صيام يوم يلتمس فضله على غيره)، يعني: فضيلة صوم: «يوم عاشوراء»، فهو مقدم على غيره من الأيام، فأين فضيلة: صوم العشر الأولى من ذي الحجة!.
* وهذا يدل على أن صيام: «يوم عاشوراء» كان معروفا عند الصحابة y، وأما صوم: «العشر» لم يكن معروفا عندهم، وإلا لذكره ابن عباس ﭭ، وهذا نص صريح، ولا اجتهاد مع وجود النص.
([75]) وهذا الحديث: يعل حديث: أبي قتادة t في يوم عرفة، وقد جعله الإمام مسلم / في أصوله من «المسند الصحيح»، مما يدل أنه يرى القول به، دون حديث أبي قتادة.