القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / تسلية الحزين بفضل موت الصغار من البنين

2023-11-27

صورة 1
تسلية الحزين بفضل موت الصغار من البنين

             سلسلة

من شعار أهل الحديث                                                            

76

 

 

 

 

                                                                                 

 

تسلية الحزين

بفضل

موت الصغار من البنين

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر وأعن فإنك نعم المعين

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد...

فإن الموت رزية أليمة، ومصيبة عظيمة، تبكي العيون، وتشجي الصدور، وتذهل العقول.

* كيف لا: وقد وصفه الله تعالى بالبلاء.

فقال تعالى: ]ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون[ [البقرة: 154 و155 و156 و157].

قلت: فهذه الآيات، تبين بشارات الصابرين في هذه الحياة.

قال الإمام عبد المؤمن الدمياطي في «التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» (ص24): (قال الله تعالى: ]ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون[ [البقرة: 155 و156 و157]؛ فقوله تعالى: ]ولنبلونكم[؛ خطاب للمسلمين.

ومعنى: ]ولنبلونكم[؛ ولنصيبكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم، هل تصبرون وتثبتون على ما أنتم عليه من الطاعة والتسليم لأمر الله وحكمه أم لا؟.

وقوله تعالى: ]بشيء[؛ بقليل من كل واحد من هذه البلايا، وطرف منه، وإنما قال الله في قوله: ]بشيء[؛ ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان، وإن جل([1])، ففوقه ما يقل عنه، وليخفف عنهم، ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم([2])، وإنما وعدهم بذلك قبل كونه، ليوطنوا([3]) عليه نفوسهم.

وقوله تعالى: ]ونقص[؛ عطف على: ]بشيء[، أو على: ]الخوف[، بمعنى: وشيء من نقص الأموال، والخوف، والجوع، والنقص من الأموال، ومن الأنفس، والأمراض، ومن الثمرات، وموت الأولاد.

وقيل: الخوف من الأعداء في الحروب، والجوع، والجدب، والشدة، والسنة.

والمصائب، والأنفس: بالموت، والقتل، والثمرات: بالعاهات.

* ثم وصف الله تعالى الصابرين الذين بشرهم بقوله تعالى: ]الذين إذا أصابتهم مصيبة[؛ وجعل هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب، لما جمعت من المعاني المباركة، وهي: توحيد الله، والإقرار له بالعبودية، والبعث من القبور، واليقين بأن رجوع الأمر كله إليه كما هو له، وهذا الابتلاء للزيادة في ثوابهم.

والخطاب للنبي r: ولكل من تأتي منه البشارة، أي: وبشر الصابرين، المسترجعين عند البلاء، لأن الاسترجاع تسليم، وإذعان.

وقوله تعالى: ]أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة[؛ نعم من الله على المسترجعين، الصابرين، وصلوات الله على عبده: عفوه، ورحمته، وتزكيته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة.

* وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا، وهي من أعظم جزاء الصلاة منه تعالى.

وقوله تعالى: ]وأولئك هم المهتدون[؛ لطريق الصواب حيث استرجعوا؛ وسلموا لأمر الله تعالى.

وقال عمر بن الخطاب t حين تلا هذه الآية: «نعم العدلان، ونعم العلاوة»([4])؛ أراد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء). ([5]) اهـ

قلت: فالموت مصيبة من المصائب العظيمة على العبد، وقد وصفه الله تعالى بذلك.

فقال تعالى: ]فأصابتكم مصيبة الموت[ [المائدة: 106].

* وهو سبحانه: جعل الموت، والحياة: لجميع الخلق، بلاء، وامتحانا.

فقال تعالى: ]تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور[ [الملك: 1و 2].

وقال تعالى: ]كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون[ [الأنبياء: 35].

وقال تعالى: ]لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور[ [آل عمران: 186].

قلت: بيد أن موت الأولاد، ووقعه على النفس: أشد مضاضة من وقع الحسام المهند. ([6])

* فالولد: ثمرة الفؤاد، وفلذة الأكباد، ومن يصاب بفقد الولد: مصابه عظيم، وخطبه جلل.

* ففقد الولد يصدع القلب، بصدع لا يشعب، ولا يرأب، ويوهي الجسد، ويوهن العظم والعافية، إذا لم يؤمن العبد بالقضاء والقدر في ذلك.

* وفقده مر المذاق، بل صعب لا يطاق، لولا سكينة الله تعالى، ورحمته بالعباد.

* لكن الله تعالى ألهم أهل الإيمان، وأصحاب الحجى، والعقول: الصبر، وجعله من خلقهم الفاضل، الذي يمتنع به فعل ما لا يحسن.

* فوفقوا مع البلاء بحسن الأدب، مع قضاء الله تعالى وقدره، فتركوا الشكوى وثبتوا، ولم يقولوا؛ إلا ما يرضي الله تعالى.

قال تعالى: ]والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار[ [الرعد: 22 و23 و24].

وقال تعالى: ]ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[ [النحل: 96].

وقال تعالى: ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون[ [النحل: 97].

وقال تعالى: ]أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون[ [القصص: 54].

وقال تعالى: ]ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور[ [الشورى: 126].

وقال تعالى: ]ولئن صبرتم لهو خير للصابرين[ [النحل: 126].

وقال تعالى: ]واصبر وما صبرك إلا بالله[ [النحل: 127].

وقال تعالى: ]واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور[ [لقمان: 17].

وقال تعالى: ]فصبر جميل[وسف: 18].

وقال تعالى: ]وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور[ [آل عمران: 186].

قلت: فهذه الأدلة، تبين فضل الصبر، وأن الله تعالى أمر به العباد عند المصائب، ولما لهم من الأجور العظيمة في الدنيا والآخرة.

* وحصول الثواب للعبد على المصيبة تصيبه، فهذا حاصل: بسبب صبره لله تعالى عليها، وامتثاله لأمر الله تعالى، الذي أمر الخلق بالصبر عند المصائب.

قلت: وأما أن يكون الحزن عبادة يتعبد الله تعالى بها، أو هو أمر مطلوب، فلم يثبت في الشرع، بل نهي عنه الخلق.

قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص459): (اعلم: أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين.

* ولهذا لم يأمر الله تعالى به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه: جزاء، ولا ثوابا.

* بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: ]ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين[ [آل عمران: 139]، وقال تعالى: ]ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون[ [النحل: 127]، وقال تعالى: ]فلا تأس على القوم الفاسقين[ [المائدة: 26]، وقال تعالى: ]إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا[ [التوبة: 40].

* فالحزن: هو بلية من البلايا، التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول، أهل الجنة إذا دخلوها: ]الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن[ [فاطر: 34]، فحمدوه على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها). اهـ

* والحزن والهم، قرينان: وهما الألم الوارد على القلب.

1) فإن كان على ما مضى، فهو الحزن.

2) وإن كان على ما يستقبل، فهو الهم.

* فالألم الوارد: وإن كان مصدره فوت الماضي أثر الحزن، وإن كان مصدره خوف الآتي أثر الهم. ([7])

لذلك؛ لا يجوز للعبد الاستمرار في الحزن، والهم، بل يجب عليه الابتعاد عنهما على قدر المستطاع في حصول المصائب.

قلت: والحزن والاستمرار فيه، من شأن الرهبان، وهو انخلاع عن السرور، وملازمة الكآبة، لتأسف عن فائت.

* وإنما كان من شأن الرهبان، لأن فيه نسيان المنة، والبقاء في رق الطبع. ([8])

قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج2 ص25): (من أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه.

* فإن من أحب شيئا غير الله تعالى عذب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالا، ولا أنكد عيشا، ولا أتعب قلبا.

* ومحبة غير الله تعالى: هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم، والنكد، والعناء). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص462): (فإن من عرف الله تعالى: أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم، والغموم، والأحزان، وعمر قلبه بالسرور، والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب.

* فإنه لا حزن مع الله تعالى أبدا، ولهذا قال تعالى: حكاية، عن نبيه r، أنه قال، لصاحبه أبي بكر t: ]لا تحزن إن الله معنا[ [التوبة: 40].

* فدل أنه لا حزن مع الله تعالى، وأن من كان الله تعالى معه فما له وللحزن؟.

* وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله تعالى، فمن حصل الله تعالى له، فعلى أي شيء يحزن؟، ومن فاته الله تعالى، فبأي شيء يفرح؟، قال تعالى: ]قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا[ونس: 58].

* فالفرح بفضله، ورحمته، تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به: من حبيب، أو حياة، أو مال، أو نعمة، أو ملك.

* يفرح المؤمن بربه سبحانه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها في قلبه، ونضرتها في وجهه.

* فيصير له حال من حال أهل الجنة، حيث لقاهم الله تعالى نضرة وسرورا، فلمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

* فهذا هو: العلم الذي شمر إليه أولو الهمم والعزائم، واستبق إليه أصحاب الخصائص والمكارم). اهـ

قلت: فهذه الأمور: تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر، فنسأل الله تعالى أن يسترنا بعافيته.

قال تعالى: ]إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون[ [آل عمران: 153].

وقال تعالى: ]فحملته فانتبذت به مكانا قصيا * فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا * فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا[ [مريم: 22 و23 و24].

وقال تعالى: ]ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ونس: 62].

وقال تعالى: ]إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون[ [فصلت: 30].

قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص458): (وأما عبد السراء، والعافية: الذي يعبد الله تعالى على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه.

* فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته، فلا ريب أن الإيمان الذي يثبت على محل الابتلاء والعافية: هو الإيمان النافع وقت الحاجة.

* وأما إيمان العافية: فلا يكاد يصحب العبد، ويبلغه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمان يثبت على البلاء والعافية). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص458): (العاشر: أن يعلم أن الله تعالى يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص457): (السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة، هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرعه، ولا يتقيأه بتسخطه، وشكواه، فيذهب نفعه باطلا). اهـ

قلت: فالحزن ليس يحصل بالاختيار، ولكن النهي في الحقيقة، إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن، وعن اكتسابه. ([9]) 

قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص457): (التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ: هل يصلح لاستخدامه، وجعله من أوليائه وحزبه أم لا.

* فإن ثبت: اصطفاه، واجتباه، وخلع عليه خلع الإكرام، وألبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءه وحزبه خدما له، وعونا له.

* وإن انقلب على وجهه، ونكص على عقبيه: طرد، وصفع قفاه، وأقصي، وتضاعفت عليه المصيبة، وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعما عديدة.

* وما بين هاتين المنزلتين، المتباينتين؛ إلا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة). اهـ

قلت: وكان النبي r، يتعوذ من الحزن، والهم.

فعن أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله r يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال). ([10])

قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص461): (والمقصود أن النبي r: جعل الحزن مما يستعاذ منه، وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة.

* ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: ]إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون[ [المجادلة: 10].

* فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره.

* والثواب عليه ثواب المصائب، التي يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض، والألم، ونحوهما.

* وأما أن يكون عبادة مأمورا بتحصيلها وطلبها، فلا). اهـ

* ولا بأس للخشوع للميت، والبكاء الذي لا صوت معه، وحزن القلب، وكان r يفعل ذلك.

* فتدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه.

قال تعالى: ]وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [البقرة: 216].

وقال تعالى: ]فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا[ [النساء: 19].

فأخرج أحمد في «المسند» (13013)، والبخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1303)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2315) من حديث أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين ([11])، يقال له أبو سيف، فانطلق يأتيه، واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، قد امتلأ البيت دخانا ([12])، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله r فقلت: يا أبا سيف أمسك، جاء رسول الله r فأمسك، فدعا النبي r بالصبي، فضمه إليه، وقال: ما شاء الله أن يقول.

فقال أنس t: لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله r، فدمعت عينا رسول الله r فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون). لفظ: مسلم في «صحيحه» (2315).

وقوله: «وهو يكيد بنفسه»؛ أي: يجود بها، والمراد: وهو في النزع.

وأخرج أحمد في «المسند» (12102)، والبخاري في «الأدب المفرد» (376)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2316) من طريق عمرو بن سعيد، عن أنس بن مالك t قال: (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله r كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، فكان r ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخن -وكان ظئره([13]) قينا- فيأخذه فيقبله، ثم يرجع.

قال عمرو: فلما توفي إبراهيم، قال رسول الله r: إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، فإن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة). لفظ: أحمد في «المسند» (12102).

وقوله r: «وإنه مات في الثدي»؛ أي: وهو في سن الرضاع.

وأخرج أحمد في «المسند» (21838)، والبخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1284)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (923) من حديث أسامة بن زيد قال: (كنا عند النبي r فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره، أن صبيا لها -أو ابنا لها- في الموت، فقال للرسول: ارجع إليها، فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب، فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي r وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل ، وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة([14])، ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟، قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)، لفظ: مسلم في «صحيحه» (923).

وأخرج أحمد في «المسند» (12460)، والبخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1252)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (926) من حديث أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (الصبر عند الصدمة الأولى)، لفظ: مسلم في «صحيحه» (926).

* وقد جاء في لفظ؛ عند مسلم في «صحيحه» (926)، وغيره؛ (أن رسول الله r أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب r، قيل لها: إنه رسول الله r، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه، فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، فقال r: إنما الصبر عند أول صدمة).

* وقد جاء في «الصحيح» أيضا؛ «أن النبي r مر بامرأة عند قبر... الحديث».

قال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج1 ص499): (وسن r الخشوع للميت، والبكاء الذي لا صوت معه، وحزن القلب، وكان يفعل ذلك ويقول: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب».([15])

* وسن r لأمته الحمد والاسترجاع، والرضى عن الله، ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين، وحزن القلب، ولذلك كان أرضى الخلق عن الله في قضائه، وأعظمهم له حمدا، وبكى مع ذلك يوم موت ابنه إبراهيم رأفة منه، ورحمة للولد، ورقة عليه، والقلب ممتلئ بالرضى عن الله عز وجل وشكره، واللسان مشتغل بذكره وحمده.

* ولما ضاق هذا المشهد والجمع بين الأمرين على بعض العارفين يوم مات ولده، جعل يضحك، فقيل له: أتضحك في هذه الحالة؟ قال: إن الله تعالى قضى بقضاء، فأحببت أن أرضى بقضائه، فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم، فقالوا: كيف يبكي رسول الله r يوم مات ابنه إبراهيم وهو أرضى الخلق عن الله، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هدي نبينا r كان أكمل من هدي هذا العارف، فإنه أعطى العبودية حقها، فاتسع قلبه للرضى عن الله، ولرحمة الولد، والرقة عليه، فحمد الله، ورضي عنه في قضائه، وبكى رحمة ورأفة، فحملته الرأفة على البكاء، وعبوديته لله، ومحبته له على الرضى والحمد، وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الأمرين، ولم يتسع باطنه لشهودهما والقيام بهما، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة). اهـ

وأخرج البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1301)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2144)، وأبو داود في «سننه» (4951) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة؛ أنه سمع أنس بن مالك t يقول: (اشتكى ابن لأبي طلحة، قال: فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيأت شيئا ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟، قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي r ثم أخبر النبي r بما كان منهما، فقال رسول الله r: لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما).

قال سفيان بن عيينة: فقال رجل من الأنصار، فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن.

وأخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2144) من طريق ابن سيرين، عن أنس بن مالك t قال: (كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة، قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان، فقربت إليه العشاء، فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ، قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله r فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟، قال: نعم، قال r: اللهم بارك لهما، فولدت غلاما.

فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي r، فأتى به النبي r، وبعثت معه بتمرات، فأخذه النبي r فقال: أمعه شيء؟، قالوا: نعم تمرات، فأخذها النبي r فمضغها، ثم أخذها من فيه، فجعلها في في الصبي، ثم حنكه، وسماه: عبد الله).

قال العلامة الشيخ الألباني / في «أحكام الجنائز» (ص32): (ويجب على أقارب الميت حين يبلغهم خبر وفاته؛ أمران:

الأول: الصبر والرضا بالقدر؛ لقوله تعالى: ]ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون[ [البقرة: 155 - 157]، ولحديث أنس بن مالك t قال: «مر رسول الله r بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: هو رسول الله r، فأخذها مثل الموت، فأتت باب رسول الله r فلم تجد عنده بوابين، فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله r: إن الصبر عند أول الصدمة».

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص115 - 116)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص40 - 41)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص65)، والسياق له.

* والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة، أذكر بعضها:

أولا: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم».

أخرجه الشيخان، والبيهقي (67/ 4) عن أبي هريرة.

ثانيا: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وأبويهم الجنة بفضل رحمته، قال: ويكونون على باب من أبواب الجنة، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يجئ أبوانا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم بفضل رحمة الله».

أخرجه النسائي (1/265)، والبيهقي (4/68)؛ وغيرهما عنه، وسنده صحيح على شرط الشيخين.

ثالثا: «أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان؟، قال: واثنان».

أخرجه البخاري (3/94)، ومسلم، والبيهقي (4/67) عن أبي سعيد الخدري t.

ر ابعا: «إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة».

أخرجه النسائي (1/ 264) عن عبد الله بن عمرو، بسند حسن.

الأمر الثاني: مما يجب على الأقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون»؛ كما جاء في الآية المتقدمة، ويزيد عليه قوله: «اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها» لحديث أم سلمة ڤ قالت: سمعت رسول الله r يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: ]إنا لله وإنا إليه راجعون[ اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله r؟، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله r، قالت: أرسل إلي رسول الله r حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة»؛ أخرجه مسلم «3/ 37»، والبيهقي «4/ 65»، وأحمد «6/ 309»). اهـ

وقال تعالى: ]وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون * إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون[ [النحل: 126-128].

وأخرج أحمد في «المسند» (8033)، والبخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (5641)، و(5642)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2573) من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة عن النبي r قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)، لفظ: البخاري في «صحيحه» (5641).

* وقد جاء؛ عند مسلم في «صحيحه» (2573)، قوله r: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته).

وأما النصب: فهو التعب، والوصب: الوجع الدائم الملازم، ومنه قوله تعالى: ]ولهم عذاب واصب[ [الصافات: 9]؛ أي: دائم ملازم، وأما السقم: فهو: المرض العارض.

* واعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله تعالى به في موضع قط، ولا أثنى عليه، بل نهى عنه في غير موضع، ولم يأت الحزن في القرآن، إلا منهيا عنه، أو منفيا، فالمنهي عنه كقوله تعالى: ]ولا تهنوا ولا تحزنوا[ [آل عمران: 139]، وقوله تعالى: ]ولا تحزن عليهم[ [الحجر: 88]؛ في غير موضع، وقوله تعالى: ]لا تحزن إن الله معنا[ [التوبة: 40]، والمنفي كقوله تعالى: ]فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ [البقرة: 38].

* وسر ذلك؛ أن الحزن موقف غير مسر، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: ]إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا[ [المجادلة: 10]، ونهى النبي r الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث، لأن ذلك يحزنه.

* فالحزن: ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي r، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»([16])، فهو قرين الهم، والفرق بينهما؛ أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم.

* فالحزن: هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: ]الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن[ [فاطر: 34]، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن، كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم.

* وأما قوله تعالى: ]ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون[ [التوبة: 92]؛ فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم، حيث تخلفوا عن رسول الله r لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم، بل غبطوا نفوسهم به.

* وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل عليه السلام: ]وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم[وسف: 84]؛ فهو إخبار على حاله بمصابه بفقد ولده، وحبيبه، وأنه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه، وبينه.

وأما قوله r في الحديث الصحيح: «ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته»، فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد، يكفر بها من سيئاته، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه، واستيطانه.

وخلاصة القول في الحزن: أنه محنة، وبلاء من الله تعالى، بمنزلة المرض، والهم، والغم، وأما أنه من منازل الطريق، فلا. ([17])

أقول وبالله التوفيق: ليس المراد من كل ما تقدم أنه لا يحزن المرء، فالحزن شعور خارج عن إرادة البشر، لما جبلوا عليه من مشاعر وعواطف، ويكفي أن سيد البشر r حزن في عدة مواقف، منها؛ حزنه على حمزة t يوم استشهاده، وعلى ولده إبراهيم يوم موته، وعلى من استشهد من صحابته الكرام y يوم أحد، وغيرها من المواقف المؤلمة التي مر بها النبي r.

ولكن المراد؛ أن لا يمتلك الحزن قلب المؤمن، ويستولي على فكره، ويغلب على إرادته، ويشتد به الأمر إلى ملازمة الكآبة، والاعتراض على القدر، والتسخط من قضاء الله عز وجل، بل يكون الحزن أمرا طارئا، سرعان ما يزول، إلى الرضى، والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره: يذعن، وإليه أمره يؤول: ]وإلى الله ترجع الأمور[ [البقرة: 210].

* فالله العظيم؛ أسأل أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يكتبنا في زمرة الذابين عن سنة نبيه r؛ إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                                              كتبه

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

    

ذكر الدليل

على أن من مات له واحد من الولد، أو مات اثنان، أو مات ثلاثة من الولد، فيصبر، ويحتسب الأجر عند الله تعالى، إلا دخل الجنة، ولا تمسه النار، لا هو، ولا ولده الذي مات في الصغر، لم يبلغ في العمر في الحياة

 

1) قال تعالى: ]ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون[ [البقرة: 154 و155 و156 و157].

2) وعن أم مبشر الأنصارية ڤ؛ أنها: سمعت النبي r، يقول عند حفصة ڤ: (لا لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها قالت: بلى، يا رسول الله فانتهرها، فقالت حفصة: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] فقال النبي r: قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} [مريم: 72]).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2496)، وأحمد في «المسند» (ج44 ص590)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج11 ص125)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص601)، وابن جريج في «تفسير القرآن» (ص145)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11259)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج10 ص425)، وأحمد في «المسند» (27362)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص77)، والبيهقي في «البعث والنشور» (420)، وفي «شعب الإيمان» (365)، و(371)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج25 ص103)، والحسين المروزي في «زياداته على الزهد» (1417)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (10945)، واللالكائي في «الاعتقاد» (2193) من طريق الحسن بن محمد بن الصباح، وهارون بن عبد الله، ويوسف بن مسلم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، ويحيى بن معين، وأحمد بن عبيد الله النرسي، وعباس الدوري، وإسحاق بن خالد البالسي، والصغاني؛ جميعهم: عن حجاج بن محمد المصيصي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه: سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرتني أم مبشر ڤ به.

وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (ج13 ص104 و105)، وابن حجر في «النكت الظراف» (ج13 ص105).

* ورواه عبد الله بن إدريس، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة وضاح بن عبد الله، وجرير بن عبد الحميد؛ فرووه: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر، امرأة زيد بن حارثة t، قالت: قال رسول الله r، وهو في بيت حفصة: (لا يدخل النار رجل شهد بدرا، والحديبية، فقالت حفصة ڤ: يا رسول الله، أليس: قد قال الله: ]وإن منكم إلا واردها [ [مريم: 71]، فقال رسول الله: فمه: ]ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا[ [مريم: 72]).

أخرجه ابن راهويه في «المسند» (1995)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص362)، والطبراني في «المعجم الكبير» (265)، و(266)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص601)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3316)، و(3318)، وفي «السنة» (861)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (126)، و(7391)، وابن حبان في «المسند الصحيح من التقاسيم والأنواع» (4800)، وابن الأعرابي في «المعجم» (2441)، وتمام الرازي في «الفوائد» (1522)، وابن ناصر الدين في «مجالس في التفسير» (ص221).

وإسناده صحيح.

* وأخطأ أبو معاوية في هذا الحديث:

فجعله من مسند: «حفصة ڤ»، والصواب، أنه من مسند «أم مبشر ڤ» ([18])، وقد سبق.

قال الحافظ ابن ناصر الدين في «المجالس في التفسير» (ص220): «والمشهور: أنه من مسند أم مبشر الأنصارية».

* فخالفهم: أبو معاوية، فأخطأ، وحديثه: أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص237 و238)، وابن راهويه في «المسند» (1986)، و(1996)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص285)، وأبو يعلى في «المسند» (7044)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص602)، والفاكهي في «أخبار مكة» (2874)، وابن البختري في «حديثه» (121)، وهناد في «الزهد» (230)، وابن أبي عاصم في «السنة» (860)، وابن ماجه في «سننه» (4281)، والطبراني في «المعجم الكبير» (358)، و(363)، والبغوي في «شرح السنة» (3994) من طريق الحسن بن شبيب، ومحمد بن حماد، وأحمد بن عبد الجبار، وعبد الله بن هاشم، وابن أبي شيبة، وأبي كريب، جميعهم: عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة ڤ قالت: قال رسول الله r، فذكره.

وذكره المزي في «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» (ج11 ص292 و293).

قال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج15 ص202): (يرويه الأعمش، واختلف عنه: فرواه أبو معاوية الضرير، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة عن النبي r.

* وخالفه: عبد الله بن إدريس، وأبو عوانة، وسفيان الثوري، وجرير بن عبد الحميد، رووه: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر أنها: سمعت النبي r).

قال الإمام ابن بلبان / في «الإحسان» (ج11 ص125): (ذكر البيان بأن نفي دخول النار، عمن شهد بدرا، والحديبية، إنما هو سوى الورود).

* يمرون على الصراط، وهو جسر على نار جهنم، يعني: الجواز على الصراط، لأنه ممدود عليها([19]).

3) وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: (لا يموت لأحد من المسلمين: ثلاثة من الولد، فتمسه النار، إلا تحلة القسم).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (6656)، وفي «الأدب المفرد» (143)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (3632)، ومالك في «الموطإ» (ج1 ص322)، والترمذي في «الجامع المختصر من السنن» (1060)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص22)، وفي «عوالي مالك بن أنس» (13)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص10)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج14 ص78)، وأبو مصعب الزهري في «الموطإ» (982)، والبغوي في «شرح السنة» (1542)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص473)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص67)، و(ج7 ص78)، و(ج10 ص64)، وفي «معرفة السنن» (4054)، وفي «شعب الإيمان» (9742)، والحدثاني في «الموطإ» (403)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (2942)، وابن العطار في «الفوائد» (2)، وأبو طاهر السلفي في «معجم السفر» (1487)، وابن القاسم في «الموطإ» (15)، وأبو علي الطوسي في «مختصر الأحكام» (ج5 ص93)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2015)، وفي «المجتبى» (ج4 ص25)، وابن بكير في «الموطإ» (ج1 ص662)، وعبد المؤمن الدمياطي في «التسلي والاغتباط» (ص31)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (11489)، والكندي في «عوالي مالك بن أنس» (67)، والبزار في «المسند» (7710)، والقعنبي في «الموطإ» (94)، والجوهري في «مسند الموطإ» (135)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص309)، وابن وهب في «الموطإ» (ص321) من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة t به.

فأفاد الحديث: أن العبد المؤمن الذي يموت له ثلاثة من الولد، فيحتسب، ويصبر، ويرضى بقضاء الله وقدره، لا تمسه النار.

* وإن وردها على الصراط، لا يؤذيه لظاها، إن كان من الأبرار، وإنما يجتازها: كلمح البصر، أو أقرب من هذا.

* فهنيئا، وبشرى لمن سبقه ثلاثة من الولد، أو أقل من ذلك؛ فكان من الصابرين.

قال الإمام القرطبي / في «المفهم» (ج6 ص638): (قوله r: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار...»؛ الولد: يقال على الذكر والأنثى: بخلاف الابن، فإنه يقال على الذكر: ابن، وعلى الأنثى: ابنة، وقد تقيد مطلق هذه الرواية، بقوله في الرواية الأخرى: «لم يبلغوا الحنث» كما تقيد مطلق حديث أبي هريرة بحديث أبي النضر السلمي؛ فإنه قال فيه: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم»؛ فقوله: «لم يبلغوا الحنث»؛ أي: التكليف، و«الحنث»: الإثم، وإنما خصه بهذا الحد، لأن الصغير حبه أشد، والشفقة عليه أعظم، وقيده بالاحتساب لما قررناه غير مرة: أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر والاحتساب، وإنما خص الولد بثلاثة، لأن الثلاثة أول مراتب الكثرة، فتعظم المصائب، فتكثر الأجور). اهـ

وقال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج8 ص604): (أحاديث فضل الصبر على موت الأولاد: قوله r: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد»؛ الولد: يعم الذكر والأنثى، والابن الذكر، والابنة الأنثى، ويقيد مطلق هذه الرواية بما في الآخر من قوله: «لم يبلغوا الحنث»؛ أي: التكليف، والحنث: الإثم، وبقوله في الآخر: «فيحتسبهم»، أما التقييد بالأول: فلأن حب الصغير أشد، والشفقة عليه أعظم، وأما التقييد: بالثاني: فإن الأجر على المصيبة لا يحصل إلا بالصبر والاحتساب، ومعنى الاحتساب: إدخار الأجر عند الله سبحانه وتعالى، وخص الحكم بالثلاثة: لأنها أول مراتب الكثرة، والأجر يكثر بكثرة المصائب). اهـ

وقال العلامة السنوسي / في «مكمل إكمال الإكمال» (ج8 ص604): (قوله r: «ثلاثة من الولد»؛ الولد يعم الذكر والأنثى، ويقيد مطلق هذه الرواية بما في الأخرى من قوله: «لم يبلغوا الحنث»؛ أي: التكليف، وبقوله في الآخر: «فيحتسبهم»، أما التقييد بالأول: فلأن حب الصغير أشد، والشفقة عليه أعظم، وأما التقييد بالثاني: فلأن الأجر على المصيبة لا يحصل إلا بالصبر والاحتساب، ومعنى الاحتساب: ادخار الأجر عند الله تعالى، وخص الحكم بالثلاثة: لأنه أول مراتب الكثرة، فالأجر يكثر بكثرة المصائب). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج4 ص513): (في هذه الأحاديث: أن الرسول r بين من مات له ثلاثة أولاد، أو ولدان -ولم يسألوه عن الواحد- صاروا سترا له من النار، وحجابا منها، يعني: فلا يدخل النار؛ لأن هؤلاء صاروا سترا له وحجابا، لكن لا بد من صبر واحتساب، ولا بد أيضا أن يكون له بهم عناية ورحمة؛ لأنه علل في الحديث، فقال: «بفضل رحمته إياهم»، فلو أن إنسانا لا يعرف أطفاله، ولا يهتم بهم، ولا يصبر على أذاهم ونكدهم، فإنه لا يكون له هذا، فالمراد بالرحمة في الحديث: رحمة عملية.

وقوله r: «لم يبلغوا الحنث»؛ يعني: الصغار، فإذا بلغوا الحنث لم يكونوا سترا له من النار، لأنهم: انفردوا بأنفسهم.

* وقوله r: «إلا تحلة القسم»؛ ظاهره: أن الناس كلهم يلجون النار، وينجي الله الذين اتقوا، وهذه الآية التي استشهد بها البخاري /، وهي قوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها[ [مريم:71]، اختلف فيها العلماء رحمهم الله: هل المراد بالورود: الدخول، أو العبور على الصراط؟.

فمنهم من قال: إنه الدخول، وأن كل إنسان لا بد أن يدخل النار، لكن من كان من المؤمنين الذين لا يستحقون العذاب بالنار تكون عليهم بردا وسلاما، كما كانت النار على إبراهيم عليه السلام، والله على كل شيء قدير، ومن لم يكن كذلك، وكان يستحق أن يعذب في النار؛ عذب بحسب ما تقتضيه مشيئة الله عز وجل.

وقال آخرون: بل المراد بالورود: العبور على الصراط([20])؛ لأن كل من يعبر على الصراط يقال له: وردها؛ لأنه فوقها، لكن كل خائف أن يزل في النار، ويصدق على من مر من فوقها أنه: وارد عليها، قالوا: لأنه في كثير من الآيات في القرآن الكريم، وفي قول النبي r: نفى الدخول مطلقا عمن لا يستحق العقوبة). اهـ

وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ص669)، باب: فضل من يموت له ولد فيحتسبه.

* إلا تحلة القسم: ما ينحل به القسم، وهو اليمين، وهو مصدر: حلل اليمين، أي: كفرها.

وتحلة القسم: المراد من ذلك، الورود على الصراط، لقوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها[ [مريم: 71]؛ فلم يرد المؤمن؛ إلا عابر سبيل، يعني: الجواز على الصراط، ومعناه: لا يدخل النار، ليعاقب بها، ولكنه يمر على الصراط، وهو المضروب على جهنم، فيمر من فوقها بالصراط، بفضل الله تعالى، ورحمته([21]).

قال الحافظ النووي / في «رياض الصالحين» (ج4 ص574): (باب: فضل من مات له أولاد صغار؛ «وتحلة القسم» قول الله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها[ [مريم: 71]؛ والورود: هو العبور على الصراط، وهو جسر منصوب على ظهر جهنم، عافانا الله منها). اهـ

وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج14 ص78): (والمراد بالقسم: ما هو مقدر، في قوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها [ [مريم: 71]؛ أي: والله منكم.

* والمستثنى: منه «تمسه»، لأنه في حكم البدل، من لا يموت: فكأنه قال: لا تمس النار من مات له ثلاثة، إلا بقدر الورود). اهـ

وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص112): (قوله r: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة، فتمسه النار، إلا تحلة القسم»؛ أي: ما تحلل به القسم، وهو اليمين.

* وجاء تفسير القسم في الحديث، قوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها [ [مريم: 71]؛ وإلى هذا ذهب: أبو عبيد، وغيره.

* والقسم: قوله عند بعضهم: ]فوربك لنحشرنهم والشياطين[؛ أول الآية [مريم: 68].

* وقيل: في قوله تعالى: ]وإن منكم[ [بمريم: 71]؛ أي: فوالله إن منكم.

* وقيل: يدل عليه قوله تعالى: ]حتما مقضيا[ [مريم: 71]؛ فسره الحسن، وابن مسعود؛ قسما، واجبا). اهـ

وقال الإمام القرطبي / في «المفهم» (ج6 ص639): (قوله r: «إلا تحلة القسم»؛ أي: ما يحلل به القسم، وهو اليمين.

* وقد اختلف في هذا القسم، هل هو قسم معين، أم لا؟:

فالجمهور: على أنه قسم بعينه.

فمنهم: من قال، هو قوله تعالى: ]فوربك لنحشرنهم والشياطين[ [مريم: 68].

وقيل: هو قوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها [ [مريم: 71].

وقيل: هو قوله تعالى: ]كان على ربك حتما مقضيا[ [مريم: 71]، أي: قسما، واجبا؛ كذلك فسره ابن مسعود، والحسن البصري). اهـ

وقال الحافظ البغوي / في «شرح السنة» (ج5 ص450 و451): (تحلة: مصدر حللت اليمين تحليلا، وتحلة؛ أي: أبررتها، يريد: إلا قدر ما يبر الله تعالى قسمه فيه، وهو قوله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها [[مريم: 71]؛ فإذا مر بها، وتجاوزها، فقد أبر قسمه). اهـ

وقوله تعالى: ]كان على ربك حتما مقضيا[ [مريم: 71]؛ أي: قضاء، واجبا، وقسما، واجبا ([22]).

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (ج4 ص575): (قال المؤلف /: في كتابه رياض الصالحين: باب فضل من له أولاد صغار؛ يعني: باب الفضل الذي يعطى إياه من مات له أولاد صغار، يعني: فاحتسب الأجر من الله عز وجل، وصبر -ثم ذكر فيه حديث أنس، وأبي هريرة، وأبي سعيد y، وكلها تدل على فضل ذلك، أن الإنسان إذا مات له أولاد صغار لم يبلغوا الحنث- يعني: لم يبلغوا- فإنهم يكونون له سترا من النار بفضل رحمته إياهم؛ لأن هؤلاء الأولاد الصغار هم محل الرحمة، فالأولاد إذا كبروا استقلوا بأنفسهم، ولم يكن عند والدهم من الرحمة لهم كالرحمة التي عنده للأولاد الصغار، فإذا كان له أولاد صغار وماتوا واحتسب الأجر من الله وهم ثلاثة -فإنهم يكونون له سترا من النار، فلا تمسه النار إلا تحلة القسم، يريد بـ«تحلة القسم» قول الله تعالى: ]وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا[ [مريم: 71 و72].

* وفي حديث أبي سعيد الخدري t في اجتماع النساء حتى أتى إليهن النبي r فعلمهن مما علمه الله، وأخبرهن «أنه ما من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا لم تمسها النار، إلا تحلة القسم، فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: واثنتين، وعلى هذا فيكون هذا من فضل الله أيضا، أنه إذا مات للإنسان اثنان من الولد ذكورا أو إناثا - ثم صبر واحتسب كان ذلك له حجابا من النار، والله الموفق). اهـ

4) وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار؛ إلا تحلة القسم)([23])؛ ثم قرأ سفيان: ]وإن منكم إلا واردها[ [مريم: 71].

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1251)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2632)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11258)، وابن ماجه في «سننه» (1603)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص239 و240)، والحميدي في «المسند» (1020)، وعبد الغني المقدسي في «السنن» (ق/109/ط)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج6 ص240)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (9988)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص285)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص10)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص360)، وابن أبي عاصم في «السنة» (762)، وابن الجارود في «المنتقى في السنن المسندة» (554)، والبغوي في «شرح السنة» (1543)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص204)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج6 ص226) من طريق علي بن المديني، وروح بن عبادة، وإبراهيم بن محمد الشافعي، وزهير بن حرب، وعبد الرحيم بن منيب، وعمرو بن محمد الناقد، وعبد الله بن هاشم، ومحمد بن عبد الله المقرئ؛ جميعهم: عن سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة t به.

وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في «السنن» (ق/109/ط): «هذا حديث صحيح، متفق عليه».

وذكره السخاوي في «ارتياح الأكباد؛ بأرباح فقد الأولاد» (ص148)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج10 ص119).

وقال الحافظ البزار في «المسند» (ج14 ص152): (ورواه مالك، وابن عيينة، وغيرهما، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة t). اهـ

وقال الحافظ البزار في «المسند» (ج14 ص169): (وهذا الحديث: رواه ابن عيينة، أيضا: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة t).

5) وعن أبي هريرة t؛ أن النبي r قال: (من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، لم تمسه النار؛ إلا تحلة القسم)؛ يعني: ورود الصراط.

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2632)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج2 ص360)، وأحمد في «المسند» (ج13 ص155)، والطبري في «جامع البيان» (ج15 ص605)، وعبد الغني المقدسي في «السنن» (ق/109/ط)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» (ص32)، والبيهقي في «الآداب» (748)، وفي «السنن الكبرى» (ج4 ص167) من طريق معمر أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في «تخريجه للمسند» (ج2 ص276).

وذكره السخاوي في «ارتياح الأكباد: بأرباح فقد الأولاد» (ص136).

* وذكر الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج9 ص144)؛ أن الحديث ورد بعدة طرق، عن أبي هريرة t، ولا يثبت إلا بهذا الطريق، حيث قال: (ولا يثبت هذا؛ إلا عن سعيد بن المسيب).

قال أهل اللغة: الحنث، الذنب. ([24])

وقال أهل التفسير: في قوله تعالى: ]وكانوا يصرون على الحنث العظيم[ [الواقعة: 46]؛ أي: على الإثم العظيم. ([25])

قال الإمام المازري / في «المعلم بفوائد مسلم» (ج3 ص174): (قوله r: «لم يبلغوا الحنث»؛ قيل: معناه: قبل أن يبلغوا فيكتب عليهم الإثم). اهـ

6) وعن أبي هريرة t؛ أن امرأة أتت النبي r، بصبي، فقالت: ادع له، فقد دفنت ثلاثة، فقال r: (لقد احتظرت بحظار شديد([26]) من النار).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2636)، والبخاري في «الأدب المفرد» (144)، و(147)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (9746)، وأبو يعلى في «المسند» (6065)، وتمام الرازي في «الفوائد» (492)، والنسائي في «المجتبى» (ج4 ص26)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط» (ص35) من طريق حفص بن غياث قال: سمعت طلق بن معاوية قال: سمعت أبا زرعة عن أبي هريرة t به.

7) وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة، لم يبلغوا الحنث؛ إلا أدخله الله الجنة، بفضل رحمته إياهم).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (1248)، و(1381)، وفي «الأدب المفرد» (151)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2013)، وفي «المجتبى» (ج4 ص24)، وابن ماجه في «سننه» (1605)، وأحمد في «المسند» (12535)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط» (ص40 و41)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص356)، وعبد الغني المقدسي في «السنن» (ق/109/ط)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص67)، والبغوي في «شرح السنة» (1545)، وأبو يعلى في «المسند» (3927) من طريق عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني، كلاهما: عن أنس بن مالك t به.

وقوله r: (من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث)؛ أي: لم يبلغوا، مبلغ الرجال. ([27])

قال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية» (ج2 ص173): (قوله r: «من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث»؛ أي: لم يبلغوا: مبلغ الرجال، ويجري عليهم القلم، فيكتب عليهم الحنث، وهو الإثم). اهـ

وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص200)؛ باب: فضل من مات له ولد، فاحتسب.

* سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل شفاعة الأطفال الصغار لوالديهم، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، أم أن الشفاعة تخص الأطفال الذكور فقط؟.

فأجاب فضيلته: (الشفاعة تعم الجميع، الذكور والإناث والحمد لله، يقول النبي r: «من مات له ثلاثة أفراط، لم يبلغوا الحنث، كن له حجابا من النار»، قالوا: يا رسول الله، أو اثنين، قال: «أو اثنين» ([28])، ولم يسألوه عن الواحد، ويقول r: «من مات له صفيه من الدنيا فصبر واحتسب عوضه فيه الجنة»([29])، أو كما قال r.

المقصود: أن الإنسان إذا أصاب قريبه الذي هو صفيه من الدنيا: قريب، أو صديق، واحتسب؛ عوضه فيه الجنة، هذا معنى الحديث عن النبي r، وفي اللفظ الآخر: «من أخذت صفيه من الدنيا فاحتسبه عوضته فيه الجنة» ([30])، وهكذا الأفراط، إذا احتسبهم والدهم وأمهم: كانوا لهم شفعاء، سواء كانوا ثلاثة أو أكثر، أو اثنين، أما الواحد فلم يسألوه عنه r، لكنه داخل في الصفي، إذا صبر واحتسب: عوضه فيه الجنة، وإن كان واحدا). اهـ

8) وعن أبي سعيد الخدري t، أن النساء قلن للنبي r: اجعل لنا يوما، فوعظهن، وقال r: (أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار، قالت امرأة: واثنان، قال r: واثنان).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر» (101)، و(1249)، و(7310)، ومسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (633)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص358)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص34)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5896)، وأبو يعلى في «المسند» (1279)، وابن حبان في «المسند الصحيح» (2944)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (9743)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط» من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي سعيد الخدري t به.

* وعلقه البخاري في «صحيحه» (1250)؛ عن أبي سعيد الخدري t، وأبي هريرة t، معا: عن النبي r، قال أبو هريرة t: (لم يبلغوا الحنث).

* وهذا المعلق: وصله ابن أبي شيبة في «المصنف» (11876)، وابن أخي ميمي الدقاق في «الفوائد» (160)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص459) من طريق ابن الأصبهاني، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري t، وأبي هريرة t، أن رسول الله r قلن له النساء: اجعل لنا يوما، كما جعلت للرجال، فأتاهن، فوعظهن وذكرهن، وقال r: (ما من امرأة تدفن ثلاثا، إلا كانوا لها حجابا من النار، فقالت امرأة: يا رسول الله، دفنت اثنين؟، فقال r: واثنين، قال: ولم تسله عن الواحد). وقال في حديث أبي هريرة t: «من لم يبلغ الحنث».

وذكره السخاوي في «ارتياح الأكباد» (ص136).

وأخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2634) من طريق محمد بن المثنى، وابن بشار، وعبيد الله بن معاذ، عن محمد بن جعفر، ومعاذ، كلاهما: عن شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، في هذا الإسناد، بمثل: معناه، وزادا: «جميعا»، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم يحدث عن أبي هريرة t قال: (ثلاثة لم يبلغوا الحنث).

قال الحافظ المنذري في (الترغيب والترهيب» (ج3 ص75): (الحنث: بكسر الحاء، وسكون النون: هو «الإثم والذنب»، والمعنى: أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم فيه الذنوب). اهـ

وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص151): (وفي الحديث: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، دخل من أي أبواب الجنة شاء» ([31])، قال النضر بن شميل([32]): معناه: قبل أن يبلغوا، فيكتب عليهم الإثم.

ويقال: حنث في يمينه، أي: أثم، وقيل: الحنث: الحمل الثقيل، وبه سمي الذنب حنثا.

ويقال: بلغ الغلام الحنث، أي: الحد الذي يجري عليه القلم بالحسنات والسيئات). اهـ

9) وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r؛ قال لنسوة من الأنصار: (لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه، إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله، قال r: أو اثنين).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2632)، وعبد الغني المقدسي في «السنن» (ق/109/ط)، والبخاري في «الأدب المفرد» (148)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص378)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص67)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج4 ص261)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» (ص33)، والحميدي في «المسند» (1019) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة t به.

قال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص115): (قوله r: «فتحتسبه»؛ يدل أن هذا الأجر، إنما  هو لمن احتسب أجره على الله تعالى وصبر.

* والاحتساب، والحسبة، والحساب: بالكسر: ادخار الأجر عند الله تعالى، وأن يعتد مصابه، ويحسبه من حسناته، وهو مأخوذ من الحساب). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص119): (قوله r: «فاحتسب»؛ أي: صبر راضيا، بقضاء الله تعالى، راجيا فضله). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص119): (وقد عرف من القواعد الشرعية، أن الثواب، لا يترتب إلا على النية، فلا بد من قيد الاحتساب، والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة). اهـ

قلت: فلا بد من النية الصادقة، والاحتساب في ذلك، لنيل الثواب.

قال تعالى: ]وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون[ [البقرة: 155 و156 و157].

10) وعن أبي سعيد الخدري t قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن رسول الله r فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كانوا لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين، واثنين، واثنين؟، فقال رسول الله r: واثنين، واثنين، واثنين).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2633) من طريق أبي عوانة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري t به.

11) وعن أبي حسان قال: قلت، لأبي هريرة t: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله r، بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟، قال: قال نعم، صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم أباه -أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه -أو قال: بيده- كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى -أو قال: فلا ينتهي- حتى يدخله الله، وأباه الجنة).

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح المختصر من السنن» (2635)، وأحمد في «المسند» (10325)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص67)، وفي «شعب الإيمان» (9752) من طريق المعتمر، عن أبيه، عن أبي السليل، عن أبي حسان به.

وذكره السخاوي في «ارتياح الأكباد» (ص121).

وأخرجه مسلم في «المسند الصحيح» (2635)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» (ص34) من طريق يحيى بن سعيد، عن التميمي، عن أبي السليل، عن أبي حسان به.

وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (145) من طريق عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد الجريري، عن خالد العيشي أبي حسان به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وقوله: (دعاميص الجنة)؛ واحد دعموص، أي: صغار أهلها في الجملة، فإذا دخلوها كانوا في أمر آخر من السن المعتبر في الجنة.

وأصل: الدعموص، دويبة تكون في الماء، لا تفارقه، أي: أن هذا الصغير في الجنة، لا يفارقها.

وكذلك: يراد به الآذن على الملك، المتصرف بين يديه. ([33])

* بصنفة: هي طرف الثوب.

* يتناهى: أي، لا يتركه. ([34])

12) وعن شرحبيل بن شفعة قال: لقيني، عتبة بن عبد السلمي t فقال: سمعت رسول الله r يقول: (ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية، من أيها شاء دخل).

حديث حسن

أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1604)، وأحمد في «المسند» (17639)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص343)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2291)، والدمياطي في «التسلي والاغتباط» (ص64)، والطبراني في «المعجم الكبير» (309)، وفي «مسند الشاميين» (1070)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج2 ص266)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص424 و425) من طريق حريز بن عثمان، عن شرحبيل بن شفعة به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه ابن حجر في «فتح الباري» (ج2 ص121)، والسخاوي في «ارتياح الأكباد» (ص143)، والمنذري في «الترغيب والترهيب» (ج3 ص75).

وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (ج1 ص530): (هذا إسناد فيه: شرحبيل بن شفعة، ذكره: ابن حبان في «الثقات»، وقال أبو داود: «شيوخ حريز كلهم ثقات»، وباقي رجال الإسناد على شرط البخاري، وأصله في «الصحيحين»، وغيرهما: من حديث أبي هريرة t).

وقال الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (ج2 ص440): «رواه ابن ماجه؛ بإسناد حسن».

وبوب عليه الحافظ ابن ماجه في «السنن» (ج2 ص533)؛ باب: ما جاء في ثواب من أصيب بولده.

وقال الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج3 ص74): (ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد، أو اثنان، أو واحد، فيما يذكر من جزيل الثواب).

13) وعن جابر بن عبد الله t قال: سمعت رسول الله r يقول: (من مات له ثلاثة من الولد، فاحتسبهم دخل الجنة، قلنا: يا رسول الله، واثنان؟، قال: واثنان، قلت لجابر: والله، أرى لو قلتم: وواحد، لقال، قال: وأنا أظنه والله).

حديث حسن

أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (146)، وأحمد في «المسند» (14285)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (2946)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (9745) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمود بن لبيد، عن جابر بن عبد الله t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.....................................................................................................

5

2)

ذكر الدليل على أن من مات له واحد من الولد، أو مات اثنان، أو مات ثلاثة من الولد، فيصبر، ويحتسب الأجر عند الله تعالى، إلا دخل الجنة، ولا تمسه النار، لا هو، ولا ولده الذي مات في الصغر، لم يبلغ في العمر في الحياة.......................................................................

14

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) صغر، ودق.

([2]) أي: لا تفارقهم.

([3]) أي: ليحملوا نفوسهم عليه، وطن نفسه على الشيء: حملها عليه.

([4]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص105) تعليقا.

     وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص196)، والقرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج1 ص558). 

([5]) وانظر: «التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» للدمياطي (ص24)،و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج1 ص555 و558)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص197)، و«جامع البيان» للطبري (ج2 ص26).

([6]) الحسام: سيف قاطع.

     والمهند: السيف المصنوع من حديد الهند.

     والمراد: أشد من وقع السيف القاطع.

     وانظر: «الرائد» لجبران (ص427 و778 و842).

([7]) وانظر: «طريق الهجرتين وباب السعادتين» لابن القيم (ص460).

([8]) وانظر: «طريق الهجرتين وباب السعادتين» لابن القيم (ص459).

     قلت: والحزن ليس هو من مسالك الحنفاء، فافهم لهذا ترشد.

([9]) انظر: «مفردات القرآن» للراغب (ص116).

([10]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (893)، ومسلم في «صحيحه» (1365).

     * ضلع الدين: ثقل الدين.

([11]) القين: الحداد.

([12]) قوله: « قد امتلأ البيت دخانا»؛ أي: من كير الحداد.

([13]) الظئر: تطلق على المرضعة وعلى زوجها.

([14]) قوله: «ونفسه تقعقع كأنها في شنة»؛ أي: وروحه تتحشرج في صدره، كأنها ماء يضطرب في قربة ماء من جلد.

([15]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص139)، ومسلم في «صحيحه» (2315)، وأبو داود في «سننه» (3126) من حديث أنس بن مالك t.

([16]) قال الإمام ابن القيم /: وأما حديث هند بن أبي هالة في صفة النبي r إنه كان متواصل الأحزان، فحديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف، وكيف يكون متواصل الأحزان، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟، فمن أين يأتيه الحزن؟، بل كان دائم البشر، ضحوك السن، كما في صفته صلوات الله وسلامه عليه.

     انظر: «طريق الهجرتين» (ص459).   

([17]) انظر: «طريق الهجرتين وباب السعادتين» لابن القيم (ص459 و460 و461 و462)، و«زاد المعاد في هدي خير العباد» له (ج1 ص498 و499)، و«جامع الفضائل» للدمشقي (ص283 و284)، و«أحكام الجنائز» للشيخ الألباني (ص7).

([18]) وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج11 ص292 و293)، و(ج13 ص104 و105)، و«النكت الظراف» لابن حجر (ج13 ص105)، و«إتحاف المهرة» له (ج16 ص916 و917).

([19]) انظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج8 ص112)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج8 ص607)، و«المعلم بفوائد مسلم» للمازري (ج3 ص174)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج3 ص362).

([20]) وهو الصحيح، والأدلة والآثار، تؤيده.

([21]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص123 و124)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج4 ص513 و514)، و«شرح رياض الصالحين» له (ج4 ص574 و575)، و«ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد» للسخاوي (ص148)، و«التسلي والاغتباط بثواب من تقدم من الأفراط» للدمياطي (ص28 و29).

([22]) وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج8 ص112)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج8 ص607).

([23]) تحلة القسم؛ يعني: الجواز على الصراط.

     انظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج8 ص112).

([24]) انظر: «العين» للخليل (ج1 ص206)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج4 ص277).

([25]) انظر: «جامع البيان» للطبري (ج23 ص131)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص538)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج5 ص223).

([26]) احتظرت بحظار: الحظار: الحائط، وكل ما حال بينك، وبين شيء، فهو حظار.

     * والاحتظار: اتخاذ الحظيرة، والمعنى: احتميت بحظار عظيم من النار، يقيك حرها، ويؤمنك من دخولها، أي: امتنعت بمانع وثيق، وأصل: الحظر، المنع، كأن المرأة: امتنعت عن النار بمن مات لها من ولدها.

([27]) انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج3 ص358)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (ج3 ص75).

([28]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (101)، ومسلم في «صحيحه» (2633).

([29]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6424).

([30]) سبق تخريجه.

([31]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (102)، ومسلم في «صحيحه» (2634) من حديث أبي سعيد الخدري t.

([32]) انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج4 ص278).

([33]) وانظر: «الترغيب والترهيب» للمنذري (ج3 ص76)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج6 ص641).

([34]) انظر: «الترغيب والترهيب» للمنذري (ج3 ص76).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan