القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / القمر الطالع في أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد وجب علي بقية البلدان الإسلامية أن تصوم وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع

2023-11-27

صورة 1
القمر الطالع في أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد وجب علي بقية البلدان الإسلامية أن تصوم وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع

 

 

 

 

القمر الطالع

في

أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد وجب

علي بقية البلدان الإسلامية أن تصوم وتفطر

بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع

 

تأليف

العلامة المحدث

أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره

 

دراسة أثرية، منهجية، علمية في أنه إذا ثبتت رؤية الهلال لدخول شهر رمضان وخروجه في بلد من بلدان المسلمين، وجب على بقية البلدان الإسلامية أن تصوم وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع، وذلك لتوحيد الأمة الإسلامية في عبادتها كلها على نهج الشريعة المطهرة.

 

ومعه:

كشف البلدان التي تدعي أنها تريد الوحدة، والاجتماع، والألفة مع بلدان المسلمين، وهي كاذبة في ادعائها، بل وتخالف الشريعة المطهرة وتصر على ذلك وتعاند، وتريد القضاء على الإسلام والمسلمين في أي فرصة تجدها من الفرص؛ ولكن هيهات، هيهات.

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه استعين

ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه، فإذا كان كذلك فلابد أن يعم الجهل في الناس([1])؛ لغربة أحكام الدين عندهم من جميع الوجوه خاصة في المساجد، فيتعبدون لله تعالى بالمخالفات الشرعية، وينكرون الأحكام الشرعية الصحيحة، ولا يعملون بها لغربتها عندهم في بلدانهم إلا القليل منها ولا يكفي ذلك في الإسلام

 

عن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء). وفي رواية: (إن الدين بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء).

أخرجه مسلم في «صحيحه» (145)، وابن ماجة في «سننه» (3986)، وابن منده في «الإيمان» (423)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص160 و165)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص307)، وفي «شرف أصحاب الحديث» (ص23)، وفي «موضح الأوهام» (ج1 ص141 و142)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج3 ص156)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج5 ص113)، والدينوري في «المجالسة» (ج3 ص225)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص132)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج5 ص226)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص101)، والآجري في «صفة الغرباء» (4)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص389)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1051)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص212)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص382)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص658)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج4 ص469)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص37)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص157)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص52)، وابن عدي في «الكامل» (ج2 ص462)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (204)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج13 ص237)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص298) من طرق عن أبي هريرة t به.

قلت: وهذا الحديث يبين رجوع الجهل بأحكام الإسلام مرة ثانية، وإن كانوا ينتسبون إليه، فطريقتهم في العبادة غربية عن الإسلام؛ لفساد طرقهم في العبادات، والدعوات، والمعاملات، والعقائديات، فهم يتعبدون في الإسلام على ما تهوى أنفسهم في المساجد وغيرها.([2])

وبوب الحافظ أبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص212)؛ باب: الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا.

قال الإمام ابن رجب في «كشف الكربة» (ص6): (أعمل الشيطان مكائده على المسلمين وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا حتى استحكمت مكيدة الشيطان وأطاعه أكثر الخلق، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما). اهـ

قلت: وهذا الحديث يفيد أن قلة من الناس يعرفون أحكام الإسلام، وأكثرهم لا يعرفون أحكامه لجهلهم به، فهم ينتسبون إلى الإسلام لكن لا يعرفون الإسلام الصحيح لإعراضهم عن تعلم العلم الشرعي.

قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص299): (فتأملنا هذه الآثار، فوجدنا الإسلام دخل على أشياء ليست من أشكاله، فكان بذلك معها غريبا لا يعرف، كما يقال لمن نزل على قوم لا يعرفونه: إنه غريب بينهم، ثم أخبر رسول الله r أنه يعود كذلك). اهـ

وعن أحمد بن عاصم الأنطاكي / قال: (أضر المعاصي عملك الطاعات بالجهل هو أضر عليك من المعاصي بالجهل).([3])

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص219): (وإنما غربتهم يعني: أهل السنة- بين الأكثرين، الذين قال الله عز وجل فيهم: ]وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله[ [الأنعام: 116]). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين»  (ج3 ص222): (وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة، ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول r فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم، والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص223): (فإذا أراد المؤمن ... وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله r وأصحابه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص224)؛ عن صاحب السنة: (فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال). اهـ

قلت: لذلك أكثر هؤلاء يعملون أعمالا يحسبون أنها من الإسلام، وليست هي من الإسلام في شيء([4])، فابتغوا دينا غير الإسلام، فلا تقبل هذه الأعمال([5]) وإن كثرت فيهم لمخالفتها للشريعة المطهرة.

قال تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ [آل عمران: 85].

وقال تعالى: ]إن الدين عند الله الإسلام[ [آل عمران: 19].

وقال تعالى: ]ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه[ [البقرة: 130].

وقال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان: 23].

وعن أحمد بن عاصم الأنطاكي / قال: (أنفع الأعمال ما سلمت من آفاتها وكانت مقبولة منك).([6])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص292): (ولهذا لما بدأ الإسلام غريبا لم يكن غيره من الدين مقبولا). اهـ

قلت: فيقل من يعرف أحكام الإسلام على التفصيل في الأصول والفروع([7])، وهذا هو الإسلام الغريب بين الناس في البلدان الإسلامية([8])، ولهذا قال r: (وسيعود كما بدأ غريبا).

فعن أحمد بن عاصم الأنطاكي /، قال: (إني أدركت من الأزمنة زمانا عاد فيه الإسلام غريبا كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريبا كما بدأ).([9])

قلت: فهذا وصف أهل زمانه؛ فكيف بما حدث بعده من الضلالات، والمنكرات التي لم تخطر بباله، ولم تدر في خياله!.

قال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص7): (فلما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما أصبحوا متقاطعين متباغضين بعد أن كانوا إخوانا متحابين متواصلين، فإن فتنة الشهوات عمت غالب الخلق ففتنوا بالدنيا وزهرتها وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون.

* وأما فتنة الشبهات، والأهواء المضلة؛ فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وأصبحوا أعداء وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا؛ قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية). اهـ

وقال الإمام ابن رجب / في «كشف الكربة» (ص14)؛ عن صاحب السنة: (لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات([10]) والشهوات)([11]). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (واعرف ما قص العلماء عن أصحابه يعني: أصحاب النبي- وأحوالهم وأعمالهم. لعلك أن تعرف الإسلام والكفر؛ فإن الإسلام اليوم غريب، وأكثر الناس لا يميز بينه وبين الكفر، وذلك هو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح).([12]) اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ج2 ص355): (وقد عفت آثار العلم، واشتدت غربة الإسلام حتى خاض في هذه المباحث، وتصدى للرد على علماء الأمة من لا يعرف حقيقة الإسلام، ولم يميز بين حق الله، وحق عباده، وأوليائه من الأنام). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ /: (فاجتهد في طلب العلم وتعليمه، والدعوة إلى دين الله وسبيله، فإنك في زمان قبض فيه العلم وفشا الجهل، وبدل الدين، وغيرت السنن، لا سيما أصول الدين، وعمدة أهل الإسلام واليقين).([13]) اهـ

 وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح الكافية الشافية» (ج4 ص238): (الغربة ليست غربة الوطن، ولكنها غربة الدين، وهذه أشد من غربة الوطن، إذ إن غريب الوطن ربما تزول غربته بما يحصل له من الفرح والسرور وتجدد الإخوان والأصحاب، لكن غربة الدين هي البلاء، وهي التي تحتاج إلى صبر). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (ج1 ص306): (من تأمل ما عليه الناس اليوم في كثير من البلدان الإسلامية تبين له ترك التوحيد، وغربة الدين). اهـ

قلت: وغلب الإثم على أكثر النفوس؛ لظهور الجهل، وخفاء العلم، فصار: المعروف منكرا، والمنكر معروفا، وتصير السنة بدعة، والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، اللهم سلم.([14])

وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص222)؛ عن ظهور الإسلام أولا: (ثم أخذ يعني: الإسلام- في الاغتراب والترحل، حتى عاد غريبا كما بدأ، بل الإسلام الحق الذي -كان عليه رسول الله r وأصحابه- هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة، فالإسلام الحقيقي غريب جدا، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس). اهـ

قلت: رحم الله الإمام ابن القيم، كيف لو عاش في عصرنا هذا؟!.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج3 ص80): (فكل من أعرض عن الطريقة السلفية الشرعية الإلهية، فإنه لابد أن يضل ويتناقض، ويبقى في الجهل المركب أو البسيط). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج3 ص157): (لا ريب أن إظهار الحق ونشره في هذا العصر، ودعوة الناس إليه يعتبر من الأمور الغريبة، وذلك لاستحكام غربة الإسلام، وقلة دعاة الحق، وكثرة دعاة الباطل، وهذا مصداق ما أخبر به نبينا ورسولنا محمد r حيث قال في الحديث الصحيح: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء»)([15]). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج23 ص192): (ولا سيما في هذا العصر، الذي اشتدت فيه غربة الإسلام، وكثر فيه دعاة الباطل، وانتشرت فيه أنواع الإفساد في غالب المعمورة، واختلط الحابل بالنابل، والظالم بالمظلوم، والمفسد بالمصلح، والجاهل بالعالم، فإن هذا العصر شديد الغربة، شديد الاختلاط، شديد البلاء إلا من عصم الله ووفقه). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (فإذا كان الإسلام يعود كما بدأ، فما أجهل من استدل بكثرة الناس)([16]).([17]) اهـ

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

    

عونك يا رب يسر

المقدمة

 

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.  

* ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([18])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب([19])، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([20])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([21])

* فهذه رسالة لطيفة أثرية في باب من أبواب الفقه السلفي؛ وهو وجوب صوم شهر رمضان وخروجه؛ على جميع المسلمين في وجه الأرض إذا ثبتت الرؤية في بلد من بلدان المسلمين.

قلت: وهذا مذهب أهل السنة والأثر قديما وحديثا، فلم نأت بمحدث من القول، ولا بمنكر من الفقه، وقد تحرينا فيه الاقتداء، والاتباع لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة y، والتابعين الكرام، والأئمة الفضلاء ممن جاء بعدهم، وسار على طريقتهم، واقتفى أثرهم.

قلت: وقد أمرنا بالاقتداء بهم، والتمسك بما كانوا عليه في الدين... لأنهم لا يثبتون أحكام الدين في الأصول والفروع إلا بأدلة من الكتاب، أو السنة، أو الآثار.([22])

قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب اللـه، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ

قلت: وفرض الصوم هو أحد المباني الخمسة للإسلام، وقد فرضه الله تعالى لغاية عظمى؛ وهي: التقوى، فقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون[ [البقرة:183].

* ولا تتحصل هذه الغاية إلا إذا التزم الناس في بلدانهم بما لهذه الفريضة من أحكام شرعية.

* وشهر رمضان هو الطريق الأعظم لحصول هذه الغاية الجليلة التي توصل الشعوب الإسلامية إلى السعادة والفلاح، واجتماع الكلمة، وحصول الوحدة الدينية الحقيقية([23])، والألفة الإيمانية.

قلت: ويكون ذلك ابتداء برؤية هلال شهر رمضان وخروجه، واجتماع البلدان الإسلامية كلها على صومه جميعا.

قلت: فإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم صوم شهر رمضان([24])، ولا يجوز لأهل بلد أن يتخلفوا عن ذلك، وهذا أقرب إلى اتحاد المسلمين، وتوحيد كلمتهم، وعدم التفرق بينهم.

* فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم، ويوم فطرهم واحدا كان ذلك أفضل، وأقوى للمسلمين في اتحادهم.

* لذلك يجب على أهل أي بلد أن يأخذوا برؤية الهلال لبلد من بلدان المسلمين إذا ثبتت في غير مطلعهم، لعموم الأدلة، وذلك للمحافظة على الوحدة الإسلامية في صوم شهر رمضان، وفي صلاتهم، وفطرهم وغير ذلك.

قلت: فإذا ثبت دخول شهر رمضان بالرؤية الشرعية لزم جميع المسلمين حكاما ومحكومين في جميع البلدان الإسلامية الصوم، وكذلك إذا ثبت خروج شهر رمضان لزمهم الإفطار؛ لعموم الأدلة الظاهرة من الكتاب والسنة، والإجماع.

وإليك الدليل من الكتاب:

(1) قال تعالى: ]شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه[ [البقرة:185].

قلت: فإذا رآه أهل بلد لزم جميع الناس في البلدان الإسلامية الصوم، لأنهم في ذلك شهدوا شهر رمضان؛ فيجب عليهم الصوم لأمر الله تعالى بالصوم لجميع المسلمين على وجه الأرض، ويحرم تخلف أي بلد من البلدان الإسلامية عن الأمر الإلهي، والله المستعان.

(2) وقال تعالى: ]وأن تصوموا خير لكم[ [البقرة:184].

قلت: ولا ريب أن النبي r أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته، وقد ثبتت أحاديث صحيحة في هذا الحكم، فإذا ثبتت رؤية الهلال؛ برؤية شرعية في بلد ما، وجب على بقية البلدان العمل بهذه الرؤية صوما وإفطارا.

وإليك الدليل من السنة:

(1) فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله r ذكر رمضان فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له).([25])

 (2) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r، قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).([26])

(3) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله r، أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصيامه).([27])

(4) وعن أبي هريرة t، قال: قال النبي r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين). وفي رواية: (إذا رأيتم الهلال فصوموا ...).([28])

قلت: وهذه الأحاديث تدل على أنه إذا رئي الهلال ببلد كبلد الحرمين- لزم الصوم جميع بلدان المسلمين، سواء اختلفت المطالع فيها، أو اتفقت([29])، وهو قول  جمهور علماء الأمة الإسلامية، وهو الراجح، بل هو الأنسب لتوحيد الأمة الإسلامية في عبادتها كلها على نهج الشريعة المطهرة!.

* وهذا هو الأقرب إلى اتحاد المسلمين، واجتماع كلمتهم في العبادات، وعدم التفرق بينهم، بحيث لا يكون هؤلاء مفطرين، وهؤلاء صائمين([30])، فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم، ويوم فطرهم واحدا كان ذلك أفضل، وأقوى للمسلمين في اتحادهم، واجتماع كلمتهم، وهذا مراد الشريعة المطهرة.([31])([32])

قال الإمام البهوتي / في «الروض المربع» (ص413): (وإذا رآه أهل بلد؛ أي: متى ثبتت رؤيته ببلد لزم الناس كلهم الصوم؛ لقوله r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، وهو خطاب للأمة كافة!). اهـ

قلت: وقد أجمع الصحابة y على هذا الحكم، وهو عدم الاعتداد في الصوم والفطر على اختلاف المطالع، وإن إجماعهم حجة على من بعدهم.

* فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([33])

قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع، وقد «أثبتوا بعدم الاعتداد على اختلاف المطالع في دخول شهر رمضان وخروجه»، فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.

قلت: ووجه الاستدلال بها([34])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([35])

* والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول اللـه r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([36])

قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([37]) الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([38])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم .

قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([39])

قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسول r متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ

قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا؛ قوله تعالى:] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[  [البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة y.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ

قلت: وهذا وعيد من اللـه تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([40])، اللهم غفرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r،  واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسولr  قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([41])

* فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص وهو دليل ثان مع النص). اهـ

قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([42])؛ إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([43])

قلت: والاعتراضات التي ذكرها المبتدعة على إجماع السلف، والأئمة في الأصول والفروع؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفوها حتى يروجوا البدع في الدين.

قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي : في جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.

* وسبيل المرء؛ يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذا: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.

 قلت: وإذا ثبت هذا لزم من المبتدع أن يتبع غير سبيل الرسول r، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من اعتقاد فاسد في الأسماء والصفات وغيرها، والله المستعان.

قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].

وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

* والظاهر أن مضمون الآية: أن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان، لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

ومنه؛ لقوله تعالى: ]يوم ندعوا كل أناس بإمامهم[ [الإسراء:71]، أي: أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.

فقوله تعالى: ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([44])، والعياذ باللـه.

قلت: ولا شك أن مخالفة المبتدع ما أجمع عليه السلف، والأئمة في الأحكام في الأصول والفروع لهو ضلال، وزيغ، وانحراف، لا مجرد أن هذا الرجل خالف؛ كما يقال: ولكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك المبتدع الكتاب والسنة والإجماع، وهذه هي مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار، فافطن لهذا ترشد.

قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص189): (ومن قولهم: إن من فرائض الدين لزوم جماعة المسلمين، وترك الشذوذ عنهم، والخروج من جملتهم، قال الله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115]). اهـ

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (ج25 ص132 و133)؛ اتفاق العلماء على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الصوم، والفطر ونحوهما.

ونقل الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص127)؛ عن الباجي المالكي: إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم!.

قال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (ج4 ص328): (وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان، وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان، بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين!)([45]). اهـ

هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم؛ نافعا لعباده، وأن يضاعف لي المثوبة والأجر، ويعلي درجتي في المهديين، إنه سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

       كتبه:

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

ذكر الدليل

على تحذير السلف من زلات وأخطاء العلماء([46]) التي اتخذتها: «فرقة المقلدة» دينا في مذهبهم

 

عن عمر بن الخطاب t قال: (يهدم الإسلام ثلاثة: زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن، وأئمة مضلون).

وفي لفظ: (أخاف عليكم بعدي ثلاثا، وبهن يهدم الإسلام: زلة عالم عهد الناس عنده علما، فاتبعوه على زلته، وجدال منافق بالقرآن لا يخطئ فيه واوا ولا ألفا، وأئمة مضلون).

وفي لفظ: (إن الإسلام اليوم في بناء، وإن له انهداما، وإن مما يهدمه: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين).

وفي لفظ: (أما إن الزمان منهدم لثلاث ...).

أثر صحيح

أخرجه الفريابي في «صفة المنافق» (30)، وابن المبارك في «الزهد» (520)، وفي «الرقائق» (1460)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص615)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص110)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص89) من طريق أبي حصين، عن زياد بن حدير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص169)، وابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص47)، والمروذي في «أخبار الشيوخ» (345)، والفريابي في «صفة المنافق» (29)، والذهبي في «السير» (ج11 ص463)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص574)، والآجري في «تحريم النرد» (ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص527)، والمستغفري في «فضائل القرآن» (ج2 ص268)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص615)، والعسكري في «المواعظ» (29405-كنز العمال)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص71)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص110)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص234) من طرق عن الشعبي عن زياد عن عمر بن الخطاب t به.

قلت: وهذا سنده صحيح أيضا.

وذكره الهندي في «كنز العمال» (ج10 ص269)؛ وعزاه إلى آدم بن أبي إياس في «العلم»، ونصر المقدسي في «الحجة»، وجعفر الفريابي في «صفة المنافق».

وأورد الحافظ ابن كثير في «مسند الفاروق» (ج2 ص662) طرقه ثم قال: فهذه طرق يشد القوي منها الضعيف، فهي صحيحة من قول عمر بن الخطاب t.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج5 ص238)، والشاطبي في «الموافقات» (ج4 ص89)، و(ج5 ص133).

وقوله: (ويهدم الإسلام)؛ أي: يزيل عزته.

وقوله: (زلة العالم)؛ أي: عثرته، بتقصير منه، أو اجتهاد منه.

وقوله: (وجدال المنافق)؛ الذي يظهر السنة، ويبطن البدعة.

وقوله: (بالقرآن)؛ وإنما خص؛ لأن الجدال به أقبح، وهو يؤدي إلى الكفر، وذلك لإفساده الدين.

وقوله: (وحكم الأئمة المضلين)؛ أي: على وفق أهوائهم، وإكراههم الناس عليه.([47])

وأخرجه أبو الجهم في «جزئه» (98)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص87)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص616) من طريق مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري t عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا عمر بن الخطاب t فقال: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين يضلون الناس بغير علم).

وإسناده حسن في المتابعات.

قال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج1 ص455): (قوله: «ما يهدم»؛ الهدم إسقاط البناء، وهدم الإسلام تعطيل أركانه الخمسة المذكورة في قوله عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس» ([48]) الحديث، وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم، وتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باتباع الهوى، ومن جدال المبتدعة وغلوهم في إقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائغة، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين وحكم المزورين، وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين، كما جاء: «زلة العالم زلة العالم»). اهـ

قلت: إن من أشر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة: عالم لا ينتفع بعلمه([49])، اللهم سلم سلم.

وبوب الحافظ البيهقي / في «المدخل» (ج2 ص870): باب ما يخشى من زلة العالم أو العمل.

وبوب الإمام ابن المبارك / في «الرقائق» (ج2 ص681): باب في زلة العالم.

 

قلت: وأكثر الناس يفتنون بزلة عالم، ولأن إذا زل العالم زل بزلته عالم كثير([50])، والعياذ بالله.

فعن الحسن البصري / قال: (لم يبق من العلم إلا غبرات([51]) قليل في أوعية سوء، فانظروا عمن تأخذوا دينكم).([52])

وبوب ابن أبي إياس / في «العلم» (ص162): باب أخذ العلم من غير أهله.([53])

قلت: وهؤلاء يضلون الناس ويحدثونهم بغير علم، والله المستعان.

* فالعلماء الزائغون عن الحق، والمنافقون المجادلون المبتدعون هم الذين يضعفون أركان الإسلام، وذلك لإقامتهم البدع في الناس في البلدان الإسلامية.

قال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج2 ص570): (باب: التحذير من علماء السوء، ممن ترك كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، واعتمد على رأيه، وجلب الناس بمنطقه، وتزين لهم بعلمه وزهده، وتصنع بقراءته وتعبده، وما يصدون بذلك عن الحق، ويقطعون عن الخير، ويمنعون من طلب العلم). اهـ

وعن وهيب بن الورد / قال: (ضرب مثل عالم السوء فقيل: مثل العالم السوء كمثل حجر وقع في ساقية، فلا هو يشرب من الماء، ولا هو يخلي عن الماء فيحيى به الشجر !).

أثر حسن

أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص571)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص140 و146)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (195) من طرق عن محمد بن يزيد بن خنيس، قال: سمعت وهيب بن الورد به.

قلت: وهذا سنده حسن.

* لذلك أحذركم من الفجار من المتعالمين، والجهال من المتعبدين، فإنه قد يقال للمرء إنه عالم وهو متعالم، وقد يقال للمرء عابد وهو جاهل!.

قلت: وإنما مثل هذا كالسائر على غير طريق صحيح؛ فإنه لم يزده الاجتهاد، والسرعة من الله تعالى إلا بعدا.([54])

قال العلامة حمد بن ناصر / في «الدرر السنية» (ج3 ص68): (من أراد الله فتنته، فلا حيلة فيه، بل لا تزيده كثرة الأدلة إلا حيرة، وضلالا). اهـ

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ويل للأتباع من زلة العالم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه فيلقى من هو أعلم منه برسول الله r منه فيخبره ويرجع، ويقضي الأتباع بما حكم).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص873)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص112)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص99)، وفي «الإيصال» (ص503)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص14) من طرق عن حماد بن زيد، عن المثنى بن سعيد، عن أبي العالية، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص455)، والشاطبي في «الموافقات» (ج4 ص90)،  و(ج5 ص134).

وعن معاذ بن جبل t قال: (أحذركم زيغة الحكيم يعني: العالم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.

قال يزيد بن عميرة الراوي عن معاذ-: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه ... فإنه لعله أن يراجع، وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا).

أثر صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (ج5 ص17)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص460)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص233)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص320)، والفريابي في «صفة المنافق» (42)، واللالكائي في «الاعتقاد» (116)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص210)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (444)، وفي «الأسماء والصفات» (135)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج65 ص337)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج32 ص218 و219)، وعبد الرازق في «المصنف» (ج11 ص363)، والآجري في «الشريعة» (ص47)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص585)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص22)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج7 ص418)؛ في ترجمة: «يزيد بن خالد بن وهب الرملي»؛ وفي «السير» (ج1 ص456)، و(ج8 ص143)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (70)، وجمال الدين الحنفي في «مشيخة ابن البخاري» (ج3 ص1840) من طرق عن الزهري قال: حدثني أبو إدريس الخولاني أنه أخبره يزيد بن عميرة صاحب معاذ؛ أن معاذا t كان يقول فذكره.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص981) من طريق ابن عجلان عن ابن شهاب أن معاذا t به.

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص232) من طريق ابن عجلان عن الزهري أن أبا إدريس أن معاذا t به.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (227)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص466)، وابن وضاح في «البدع» (63) من طريق حماد ابن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن يزيد بن عميرة به.

وأخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (117)، وأبو عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (27) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال معاذ بن جبل t به.

وأخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص185)، و(ج3 ص59)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (8581)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري به.

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص455).

قلت: فليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي r.

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (اغد عالما أو متعلما، ولا تغد إمعة([55]) بين ذلك)؛ يعني: جاهلا.

أثر صحيح

أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3  ص399)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص134)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج5 ص407)، وسعدان بن نصر في «جزئه» (140)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج6 ص188)، والخطيب في «التطفيل» (ص64 و65)، والحنائي في «الفوائد» (106)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1491)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص68)، والآمدي في «الإحكام» (ج6 ص234) من طريق سفيان بن عيينة، نا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله t به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص541)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص109)، ووكيع في «الزهد» (ج3 ص829)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص140) من طريق الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله t به.

قلت: وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود([56])، فالإسناد منقطع.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص163) من طريق معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن مسعود t به.

قلت: وعبد الملك بن عمير لم يدرك ابن مسعود([57])، فالإسناد منقطع.

وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص99)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص137) من طريق أبي سنان ضرار بن مرة عن سهل القراري عنه.

قلت: وسهل القراري هذا مجهول([58])، وهو لم يدرك ابن مسعود أيضا.

وأخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص97)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص399)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص144) من طريق الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب به.

قلت: وهارون بن رئاب لم يسمع من ابن مسعود([59])، فالإسناد منقطع.

وأخرجه ابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص126) من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود t قال: (اغد عالما، أو متعلما ولا تغد بين ذلك).

قلت: وهذا سنده حسن.

* فحبذا العالم والمتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم!.([60])

وأخرجه وكيع في «الزهد» (513)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص79)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1493) من طريق الحسن البصري عن ابن مسعود t به.

قلت: والحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود([61])، فالإسناد منقطع، وقد أعله بالانقطاع: البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص692).

وأخرجه الدارمي في «المسند» (349)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص463) من طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود t به.

قلت: والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن مسعود([62])، فالإسناد منقطع.

وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص367)، وأبو داود في «الزهد» (141) من طريق سالم بن أبي الجعد عن طرفة المسلي قال: قال عبد الله بن مسعود t.

قلت: وطرفة المسلي هذا مجهول([63])، ولم أجد من وثقه غير ابن حبان حيث ذكره في «ثقاته» (ج4 ص398).

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص166 و167)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص136 و137)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج1 ص124) من طريق المسعودي عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود t به.

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص181)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه المسعودي، وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات.

قلت: وهذه الطرق تؤكد أن له أصلا عن عبد الله بن مسعود t.

فالحديث بمجموع طرقه: صحيح.

قال الحافظ ابن عبد البر / في «الجامع» (ج2 ص982): (وشبه العلماء زلة العالم بانكسار السفينة؛ لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير وإذا ثبت وصح أن العالم يخطئ ويزل لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص453): (والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم؛ ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وينزل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه، وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ - ولا بد - فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه، والخطأ واقع منه ولا بد ... ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره؛ فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به). اهـ

وقال العلامة محمد جمال الدين القاسمي / في «المسح على الجوربين» (ص58): (وإنما هذه الجملة ينبغي أن ينتبه لها الذين يأبون إلا التقليد؛ ليعلموا أن من آثر التقليد فالأحرى به تقليد الصحابة؛ لأنهم الأعلم). اهـ

قلت: فلا يدرى ما عذر المقلد في ترجيح أقوال غير الصحابة y على أقوالهم؛ فكيف إذا منع الأخذ بقول الصحابة y فكيف إذا صار يرمى بالابتداع من عمل بها؟!، لا جرم أنه أخذ بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلت.

قلت: وكان السلف يسمون المقلد الأعمى الذي لا بصيرة له، وغير ذلك.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص573): (وكانوا يسمون المقلد الإمعة ومحقب دينه ([64])... وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يركنوا إلى ركن وثيق ... كما سماه الشافعي حاطب ليل([65])). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص554): (إن الاقتداء بهم يعني: الصحابة- هو اتباع القرآن والسنة، والقبول من كل من دعا إليهما منهم؛ فإن الاقتداء بهم يحرم عليكم التقليد، ويوجب الاستدلال وتحكيم الدليل). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص492): (والمجتهد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب ... ذم الله التقليد جملة، فالمقلد عاص، والمجتهد مأجور، وليس من اتبع رسول الله r مقلدا؛ لأنه فعل ما أمره الله تعالى به، وإنما المقلد من اتبع من دون رسول الله r؛ لأنه فعل ما لم يأمره الله تعالى به). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص488): (ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا، لا حيا ولا ميتا). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص462): (تحريم الإفتاء بالتقليد، فإنه إفتاء بغير ثبت؛ فإن الثبت الحجة التي يثبت بها الحكم باتفاق الناس). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «مداواة النفوس» (ص74): (المقلد راض أن يغبن([66]) عقله). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص281): (فإن التقليد لا يورث إلا بلادة). اهـ

وقال العلامة ابن بدران / في «المدخل» (ص495): (التقليد يبعد عن الحق، ويروج الباطل). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «المناظرات الفقهية» (ص37): (فإن من اعتاد الجري على أقوال لا يبالي دل عليها دليل صحيح أو ضعيف، أو لم يدل يخمد ذهنه، ولا ينهض بطلب الرقي، والاستزادة في قوة الفكر والذهن). اهـ

وقال العلامة محمد جمال الدين القاسمي / في «المسح على الجوربين» (ص69): (ونبرأ إلى الله من دفع النصوص بالأقيسة والآراء). اهـ

قلت: فالتقليد أن يعتمد الإنسان في فهم الحكم من الدليل على غيره لا على نفسه.([67])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة([68])، قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة 170]، وفي المائدة([69])، وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم([70])، وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون[ [الصافات: 69-70]، وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب: 66-67]. وقال: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]، وقال تعالى: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار[ [غافر: 47]، وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء[ [إبراهيم: 21]، وقال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25]. فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى: إما للعادة والنسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة: كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه أو سيده أو ذي سلطانه ... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه ). اهـ

قلت: وهذه الآيات التي ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية / للتدليل على فساد التقليد وذمه، قد استدل بها، وبما شابهها من القرآن كثير من العلماء.

ويقول الحافظ ابن عبد البر /: بعد أن ساق بعض هذه الآيات في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134): (قد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج2 ص836): (التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي r بغير برهان فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا، وقام البرهان؛ على بطلانه). اهـ

قلت: فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده.([71])

وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص265) عن التقليد: (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة). اهـ

قلت: إذا فالتقليد هو أن يتبع الإنسان غيره في قول، أو فعل، أو اعتقاد، أو سلوك من غير دليل، ولا نظر، ولا تأمل، ودون إدراك، ولا وعي.([72])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى ورسوله r بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص219): (قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها، لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل). اهـ

قلت: فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].

قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص548): (إن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص261): (ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل، وتبين له الحق الذي جاء به الرسول r؛ فهنا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص975)؛ وهو يعقد في كتابه بابا بعنوان: (باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع) ثم يقول: (قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه ... وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص228): (وأما هدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلا واحدا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يرد من أقواله شيئا، ولا يقبل من أقوالهم شيئا، وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث). اهـ

قلت: والإمام ابن القيم / لم يكن أول من قال إن هذا الأمر بدعة، ولا آخر من قال، اللهم غفرا.

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص236): (اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله؟، فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون([73]) الفاضلة).اهـ

قلت: إذا: يحرم الأخذ بآراء العلماء المخالفة للكتاب والسنة، والله المستعان.

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص347): (ولقد زل  بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال  أقوام، خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل.

* ولنذكر عشرة أمثلة: وبعد أن يذكر هذه الأمثلة، يقول: فالحاصل مما تقدم أن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا ضلال، وما توفيقي إلا بالله، وإن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غير).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي r بقول أحد من الناس). اهـ

قلت: والمقلد قد خالف السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا، اللهم غفرا.

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص144): (يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله عز وجل لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سنة عن رسول الله r أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه).اهـ

وقال الإمام العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده). اهـ

قلت: والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغى إليه، بل ينفر عنه كل النفور؛ كحمر مستنفرة فرت من قسورة.([74])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص67): (وأمرهم بالرد عند التنازع إلى الله تعالى، والرسول r فأبطل الرد إلى إمام مقلد، أو قياس عقلي فاضل). اهـ

قلت: فالحجة في الأدلة الشرعية التفصيلية فليس أن يقبل قولا ممن قاله إلا بقيام الأدلة الشرعية التفصيلية على صواب ذلك القول؛ فإن قبله بغير ذلك كان مقلدا التقليد المذموم المنهي عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص260): (قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله تعالى ورسوله r وهو: أن يتبع غير الرسول r فيما خالف فيه الرسول r، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان؛ في سره وعلانيته وفي جميع أحواله). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص996): (ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى، ورسوله r بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ

قلت: إذا فإن إقرار التقليد واتخاذه دينا ومذهبا أمر يحتاج إلى دليل؛ لأن الواجب حكم من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص من القرآن، أو حديث صحيح أو حسن من السنة، ولا نعلم في ذلك نقلا اعتمد عليه.

قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص64): (من يغلو في التقليد حتى يتعصب لآراء الرجال، وإن خالفت الدليل، وهذا مذموم، وقد يؤول للكفر). اهـ

قلت: فالتقليد عند العلماء غير الاتباع؛ لأن التقليد؛ كما بينا هو الأخذ بقول الغير بلا حجة.

قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص787): (والتقليد عند العلماء غير الاتباع؛ لأن الاتباع هو تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه.

* والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرف وجه القول، ولا معناه وتأبى من سواه، أو أن يتبين لك خطؤه فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله، وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه وتعالى).اهـ

وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي: (التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وهذا ممنوع منه في الشريعة.

 * والاتباع ما ثبت عليه حجة).([75])

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص145): (فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض). اهـ

قلت: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.([76])

قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص975): (باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بين التقليد، والاتباع قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه، فقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31]). اهـ

قلت: ولا خلاف بين العلماء أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم.

قال الحافظ السيوطي /: (إن المقلد لا يسمى عالما).([77]) اهـ

قلت: فيجب القبول باتباع الحجة والانقياد للدليل من كتاب، أو سنة، أو إجماع دون تقليد شخص بعينه؛ لأن التقليد ممنوع في الشريعة.([78])

قال العلامة الفلاني / في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص247): (فحينئذ ليس من شأن المسلم التجمد على التقليد فإن تجمد مع ذلك فما أشبهه بمن قال الله تعالى فيهم: ]ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك[ [البقرة: 145]). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص28): (وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا كبيرا، فنسأل حينئذ فرقة التقليد: هل يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسول الله r؛ كما خفي ذلك على سادات الأمة أو لا؟ فإن قالوا: «لا يخفى عليه» وقد خفي على الصحابة y مع قرب عهدهم؛ بلغوا في الغلو مبلغ مدعي العصم في الأئمة([79])، وإن قالوا: «بل يجوز أن يخفى عليهم» وهو الواقع وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة، قلنا: فنحن نناشدكم الله تعالى الذي هو عند لسان كل قائل وقلبه، وإذا قضى الله تعالى، ورسوله r أمرا خفي على من قلدتموه هل تبقى لكم الخيرة بين قبول قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه الله تعالى، ورسوله r عينا لا يجوز سواه؟ فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وللجواب صوابا؛ فإن السؤال واقع؛ والجواب لازم. والمقصود أن هذا هو الذي منعنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر، وتسوغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص204): (فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم؛ إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص205): (وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها، كما قال سبحانه: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59] ). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص136): (إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:

منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كان معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين.

ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافا([80]) في المسائل الشرعية). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص165): (وقد أجمع المسلمون أن الخلاف ليس بحجة، وأن عنده يلزم طلب الدليل والحجة ليتبين الحق منه). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج2 ص248): (ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط، وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد([81])؛ لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا يمعن النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص145): (فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «روضة الطالبين» (ج11 ص111): (وليس للمفتي والعامل على مذهب الإمام الشافعي في المسألة ذات الوجهين أو القولين أن يفتي أو يعمل بما شاء منهما من غير نظر، وهذا لا خلاف فيه). اهـ

وقال أشهب، سمعت مالكا / يقول: (ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان لا يكونان صوابا جميعا، ما الحق والصواب إلا واحد.

قال أشهب: وبه يقول الليث بن سعد).([82])

وقال أشهب /: سئل مالك بن أنس / عن اختلاف أصحاب رسول الله r فقال: (خطأ وصواب فانظر في ذلك).([83])

وقال ابن وهب: سئل مالك عمن أخذ بحديثين مختلفين حدث بهما ثقة عن أصحاب رسول الله r أتراه من ذلك في سعة؟ فقال: (لا والله حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا، وما الحق والصواب إلا في واحد).([84])

وقال ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: في اختلاف أصحاب رسول الله r: (مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد).([85])

وقال ابن القاسم، سمعت مالكا، والليث، يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله r ليس كما قال ناس: (فيه توسعة ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب).([86])

قلت: هذه عبارة علمية صدرت من إمام أهل السنة في زمانه ممن تلقى العلم من التابعين الذين أخذوه عن الصحابة الكرام عن الرسول r، وهو إمام عالم بالأدلة الشرعية، والمقاصد الشرعية.

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص80): (والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول على الصواب منها وذلك لا يعدم). اهـ

قلت: فعلى الناظر في مسائل الخلاف أن يختار القول الذي يرجحه الدليل بغض النظر عن طبيعة هذا القول من حيث اليسر والغلظة، وليس وجود الخلاف بمسوغ لأحد أن يأخذ بأي القولين شاء دون نظر وتثبت.([87])

* والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة، وذلك لا يعدم.

قال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59].

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص198): (فيا لله العجب، أيروج هذا الخداع والمكر والتلبيس على أحكم الحاكمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ثم إن هذه الحيلة كما هي مخادعة لله، ومكر بدين الإسلام، فهي باطلة في نفسها). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص234): (القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي صلى  الله عليه وسلم: لم يحتج إلى أقوال أهل اللغة).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص186):  (من كان أعظم اتباعا لكتابه الذي أنزله، ونبيه الذي أرسله؛ كان أعلم فرقانا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص236):  (لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل، ورأي، وقياس). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفرقان» (ص231):  (النزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعا، كخلاف الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة).اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج3 ص196): (والله لو نتأمل هذه الكلمة: ]اليوم أكملت لكم دينكم[؛ فلا يوجد شيء ناقص في الدين أبدا، فهو كامل من كل وجه، لكن النقص فينا، إما قصور في عقولنا، أو في أفهامنا أو في علومنا، أو في إرادات تكون غير منضبطة، فمن الناس من يريد أن ينصر قوله فيعمى عن الحق). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /  في «التحفة العراقية» (ص343): (ومن لم يقف عند أمر الله ونهيه فليس من المتقين). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التحفة العراقية» (ص299): (من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعا لهواه فإن ذلك يورثه الجهل والضلال حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح). اهـ

قلت: فما أبعد المقلدة عن فقه السلف المجمع عليه في الشريعة المطهرة؛ فإنهم يتركون فقههم ويذهبون إلى فقه المذاهب المختلف فيه!.

* وهذا ينبئ بخطر عظيم على المقلدة؛ لأن أكثرهم يحتج باختلاف الفقهاء من بعد إجماع الصحابة الكرام من أجل ترويج باطلهم في الدين.

قلت: ومن فعل ذلك ونصح ولم يتب وأصر على باطله؛ فهو مبتدع ضال كائنا من كان، لا لأنه خالف في مسألة فقهية، لكن لأنه أراد أن يروج بدعته عن طريق اختلاف العلماء([88])، وهذا أصل الفرقة التي نهى عنها الله تعالى، ورسوله r. ([89])

وبوب الحافظ البيهقي / في «شعب الإيمان» (ج16 ص463): فصل: من هذا الباب مجانبة الفسقة، والمبتدعة ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل.

وعن الإمام مسلم بن يسار / قال: (إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته). يعني: الجدل.

أثر صحيح.

أخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص109)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص187)، وابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص273)، وعبدالله بن أحمد في «زوائده على الزهد» (ص251)، والآجري في «الشريعة» (ص56)، وفي «أخلاق العلماء» تعليقا (ص77)، والهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص33 )، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص294)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (547)، وفي «الإبانة الصغرى» تعليقا (124)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص308)، وابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص61)، والفريابي في «القدر» (383)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج58 ص145) من طريق حماد بن زيد حدثنا محمد بن واسع عن مسلم بن يسار به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فما ثار قوم بفتنة إلا أوتوا الجدل، والمراء في الدين، اللهم غفرا.

قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص434): (لما سمع هذا أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين، ولم يجادلوا، وحذروا المسلمين المراء والجدال، وأمروهم بالأخذ بالسنن، وبما كان عليه الصحابة y، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى). اهـ

قلت: فلابد لطالب العلم أن يترك الخصومة في الدين، وأن يجانب أهل الخصومات، وذلك لأن الخصومة مدعاة للفرقة والفتنة، ومجلبة للتعصب، واتباع الهوى، ومطية للانتصار للنفس، والتشفي من الآخرين، وذريعة للقول على الله تعالى بغير علم.

قال تعالى: ]وإن تطيعوه تهتدوا[ [النور: 54].

وقال تعالى: ]ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله[ [النور: 26].

قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج17 ص252): (فإن الخير كل الخير في متابعة السنة، والتمسك بهدي الصحابة والتابعين y). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «النبذ» (ص61): (وبرهان ما قلنا من حمل الألفاظ على مفهومها من ظاهرها؛ قول الله تعالى في القرآن: ]بلسان عربي مبين[ [الشعراء: 195]. وقوله تعالى ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4]؛ فصح أن البيان لنا.

* إنما هو حمل لفظ القرآن والسنة على ظاهرهما وموضوعهما؛ فمن أراد صرف شيء من ذلك إلى تأويل بلا نص، ولا إجماع؛ فقد افترى على الله تعالى، وعلى رسوله r، وخالف القرآن، وحصل في الدعاوى، وحرف الكلم عن مواضعه). اهـ

قلت: فيرى ابن حزم / أنه يتعرض بالتأويل، والعدول عن ظواهر النصوص؛ إلا إذا دل على ذلك دليل، وشاهد من نص قرآن، أو سنة صحيحة، أو إجماع.

قال الإمام الملطي / في «التنبيه» (ص82): (وأهل البدع وافقوا إبليس في مجال القياس، وتركوا النص من التنزيل، وتأولوا تأويلا فاسدا: فعدلوا عن نص الخبر إلى القياس الفاسد). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص227): (الرافضة والجهمية، لا تحفظ أئمتهم القرآن، وسواء حفظوه أم لم يحفظوه لا يطلبون الهدى منه، بل إما أن يعرضوا عن فهمه وتدبره، كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، وإما أن يحرفوه بالتأويلات الفاسدة). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص344): (فإنما وقع الخروج عن السنة في أولئك لمكان إعمالهم الرأي وإطراحهم السنن، لا من جهة أخرى). اهـ

وقال العلامة السعدي / في «تفسير القرآن» (ص68): (أي ظلم أعظم، من ظلم، من علم الحق والباطل، فآثر الباطل على الحق). اهـ

وقال العلامة السعدي / في «تفسير القرآن» (ص65): (لا يعترض على أحكام الله، إلا سفيه جاهل معاند). اهـ

قال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء : 65].

وعن عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه حدثه: (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند النبي r في شراج([90]) الحرة ([91])، التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه؟ فاختصما عند النبي r، فقال رسول الله r للزبير: أسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله r، ثم قال: اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم[ [النساء: 65]).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص34)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1829)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص51)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص599)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص475)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص245)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص7)، والواحدي في «الوسيط» (ج2 ص75)، وفي «أسباب النزول» (ص163)، وابن أبي عيسى في «اللطائف» (ص203)، والطائي في «الأربعين» (ص64)، وابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (ج2 ص579)، والفاسي في «الأربعين» (ق/10/ط)، والأبرهوقي في «معجم شيوخه» (ق/103/ط)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص775)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج4 ص57)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص389)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص165)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص38)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج13 ص108)، والبيهقي في «المعرفة» (ج1 ص106)، وفي «السنن الكبرى» (ج6 ص153)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص203)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص158 و159)، وفي «تهذيب الآثار» (ص423)، وأبو يعلى في «المسند» (ج12 ص189)، والحاكم في «المستدرك» (ج3 ص364)، وابن الجارود في «المنتقى» (ص255)، والنحاس في «القطع والائتناف» (ص254)، وابن أبي حاتم في «العلل» (ج1 ص395)، و(ج2 ص93)، وفي «تفسير القرآن» (ج3 ص993)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص261)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص43)، والبغوي في «شرح السنة» (ج8 ص283)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص185)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص407)، ومحمد بن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص654)، والبزار في «المسند» (ج3 ص183) من طرق عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عبد الله بن الزبير به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص38)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص159)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص153)، وفي «المعرفة» (ج1 ص11)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج2 ص466)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص104)، ويحيى بن آدم في «الخراج» (ص106)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص165)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج1 ص448)، ومحمد بن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص653)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص308)، والشاشي في «المسند» (ج1 ص107) من طريق ابن شهاب عن عروة عن الزبير به.

قال الحافظ الطائي / في «الأربعين» (ص67): (والآية التي نزلت في تلك الحادثة تدل على أن الاستسلام والانقياد لحكم رسول الله r سرا وعلنا من شرط الإيمان). اهـ

وقال الإمام محمد بن طاهر / في «الحجة» (ج2 ص393): (فجعل تعالى في هذه الآية أن من شرط الإيمان، وصحته الانقياد لحكم رسوله r، ودل على أن من خالفه غير منقاد للحق، وغير ثابت الإسلام). اهـ

قلت: فيجب على الناس أن يسلموا، وينقادوا، ويذعنوا لما يأتي به النبي r من القضاء، ولا يعارضونه بشيء في ظاهرهم وباطنهم.([92])

قال العلامة الفلاني / في «إيقاظ همم أولي الإبصار» (ص248): (وليس الاستدلال بالحديث في المتنازع فيه إلا كتحكيمه r في ذلك، فقد وجب فيه الأخذ بقوله r؛ فقد قال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65] فمن تجمد على التقليد وأعرض عن اتباع قوله r بعد ظهوره من غير مانع له عن العمل إلا التقليد فليحذر كل الحذر بهذه الآية). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «التبيان» (ج2 ص318): (قوله تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].

* أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبله؛ على عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول، والفروع، وأحكام الشرع، وأحكام المعاد، ومسائل الصفات وغيرها.

* ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتنفسح له كل الانفساح، وتقبله كل القبول.

* ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم، وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.

فههنا ثلاثة أمور: التحكيم، وانتفاء الحرج، والتسليم.

* فلا يلزم من التحكيم انتفاء الحرج؛ إذ قد يحكم الرجل غيره وعنده حرج من حكمه.

* ولا يلزم من انتفاء الحرج الرضا والتسليم والانقياد؛ إذ قد يحكمه وينتفي الحرج عنه في تحكيمه، ولكن لا ينقاد قلبه، ولا يرضى كل الرضا بحكمه.

* فالتسليم أخص من انتفاء الحرج. فالحرج مانع، والتسليم أمر وجودي.

* ولا يلزم من انتفاء الحرج حصوله بمجرد انتفائه، إذ قد ينتفي الحرج ويبقى القلب فارغا منه، ومن الرضا والتسليم، فتأمله.

* وعند هذا تعلم أن الرب تبارك وتعالى أقسم على انتفاء إيمان أكثر الخلق.

* وعند الامتحان تعلم مثل هذه الأمور الثلاثة؛ هل هي موجودة في قلب أكثر من يدعي الإسلام أم لا؟

* والله سبحانه المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). اهـ

قلت: وهذا عين الفقه، والعلم، والله المستعان.

قال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج2 ص233): (الاتباع عند العلماء، هو الأخذ بسنن رسول الله r التي صحت عنه عند أهلها، ونقلتها، وحفاظها، والخضوع لها، والتسليم لأمر النبي r فيها). اهـ

وعن عمر بن الخطاب t أنه كتب إلى شريح القاضي: (إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في كتاب الله فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سن فيه رسول الله r).

وفي لفظ: (إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقض به، ولا تلتفت إلى غيره).

أثر صحيح

أخرجه النسائي في «المجتبى» (ج8 ص231)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص241)، والدارمي في «المصنف» (ج1 ص60)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص110)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (133 و134)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص99)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج23 ص19)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص136)، ووكيع في «أخبار القضاة» (ج2 ص399)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص846)، وابن حزم في «الإحكام» من طرق عن الشعبي عن شريح أنه كتب إلى عمر t يسأله؛ فكتب إليه ... وذكروه بألفاظ عندهم.

قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (ج1 ص120).

وتابعه أبو إسحاق الشيباني عن شريح به.

أخرجه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج3 ص146) من طريق علي بن مسهر عن أبي إسحاق به.

وأخرجه وكيع في «أخبار القضاة» (ج2 ص399).

وقال الإمام الشافعي /: (الأصل قرآن أو سنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله r وصح الإسناد منه فهو المنتهى). وفي رواية: (وصح الإسناد به، فهو سنة).([93])

وعن ابن وهب قال: قال لي مالك /، (الحكم الذي يحكم به بين الناس حكمان ما في كتاب الله، أو ما أحكمته السنة، فذلك الحكم الواجب، وذلك الصواب).([94])

وعن الإمام ابن خزيمة / قال: (ليس لأحد مع رسول الله r قول إذا صح الخبر عنه).

أثر صحيح

أخرجه محمد بن طاهر في «السماع» (ق/3/ط)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص38)،  والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).

وإسناده صحيح.

وذكره الذهبي في «السير» (ج14 ص373).

وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال).([95])

قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ [الأحزاب: 36].

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص86)؛ في تفسير هذه الآية: (فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه، وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ

قلت: وما كثرت البدع والأهواء في هذه الأمة، وفشت إلا بتقديم العقول على ما جاء به الرسول r ... فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب مخالفين للكتاب، والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص83): (فالبدع تكون في أولها شبرا ثم تكثر في الاتباع حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص83): (فإذا كان كلامه r في الشريعة حقا كله وواجبا؛ فهو من الله تعالى بلا شك، وما كان من الله تعالى فلا اختلاف فيه؛ لقوله تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82]، وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله: ]ولا تنازعوا[؛ فمن المحال أن يأمر رسول الله r باتباع كل قائل من الصحابة y، وفيهم من يحلل الشيء وغيره منهم يحرمه، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب([96])، ولكان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة، وحراما اقتداء بغيره منهم، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبا اقتداء بعلي، وعثمان، وطلحة، وأبي أيوب، وأبي بن كعب، وحراما اقتداء بعائشة، وابن عمر، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر؛ حراما اقتداء بغيره منهم، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص285): (وكذلك الكلام في عامة مسائل النزاع بين المسلمين إذا طلب ما يفصل النزاع من نصوص الكتاب والسنة وجد ذلك). اهـ

وعن الإمام أبي يوسف / قال: (لا يحل لأحد أن يقول: مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1393) من طريق محمد ابن عمر بن العلاء يقول: سمعت بشر بن الوليد يقول: قال أبو يوسف به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره الفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص258).

وعن الإمام الشافعي / قال: (مثل الذي يطلب العلم بلا حجة, كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1393)، وفي «مناقب الشافعي» (ج2 ص142)، وابن أبي حاتم في «آداب الشافعي» (ص100)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص125) من طريق الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الربيع بن سليمان: يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين؟ يكتب العلم، وهو لا يدري على غير فهم، فيكتب عن الكذاب، وعن الصدوق، وعن المبتدع، وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع الأباطيل([97])، فيصير ذلك نقصا لإيمانه، وهو لا يدري!.

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

    

مقامع من حديد

لمقلدة الزمان كبارهم وصغارهم

 

عن ابن مسعود t: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر».

وفي لفظ: «...فإن كنتم لابد فاعلين فببعض من قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة».

أثر صحيح

أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8764)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص97)، والمخلص في «المخلصيات» (1605)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص136)، وأبو داود في «الزهد» (ص140)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص93) من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص قال: سمعت عبدالله بن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.                                                                             

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص185): ورجاله رجال الصحيح.

وذكره ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص989).

وقال أبو داود: رواه أبو معاوية، وشجاع بن الوليد، ورواه شيبان، وشعبة ابن عمارة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله t: قال: «ألا لا يقلدن رجل رجلا دينه، فإن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإن كان مقلدا لا محالة فليقلد الميت، ويترك الحي، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة».

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص196) من طريق أبي الأحوص القاضي ثنا  محمد  بن  كثير  المصيصي  ثنا الأوزاعي حدثني عبدة ابن أبي لبابة أن ابن مسعود t.

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص147) من طريق هبيرة بن مريم، وأبي الأحوص عن ابن مسعود t، قال: «إذا وقع الناس في الشر، فقل لا أسوة لي بالشر».

وأخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص93) من طريق أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عن عبد الله بن مسعود t قال: «لا تقلدوا دينكم الرجال، فإن أبيتم فبالأموات لا بالأحياء».

قلت: وهذا كله نفي للتقليد، وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص204): (معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها، هو من فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر). اهـ

قلت: فلا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله، وعادة الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق، والعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في القول نفسه، فإن كان حقا قبله، وإن كان باطلا رده، وهذا هو المنهج الذي سار عليه أئمتنا بصفائه ونقائه.

قال الفقيه الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص63): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك؛ ولا يصلح فيها غير ذلك). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة؛ بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، لا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ

قلت: وما كثرت البدع والأهواء في هذه الأمة، وفشت إلا بتقديم العقول على ما جاء به الرسول r ... فتشعبت بهم الطرق، وصاروا مختلفين في الكتاب مخالفين للكتاب، والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص83): (فالبدع تكون في أولها شبرا ثم تكثر في الاتباع حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ

وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج6 ص83): (فإذا كان كلامه r في الشريعة حقا كله وواجبا؛ فهو من الله تعالى بلا شك، وما كان من الله تعالى فلا اختلاف فيه؛ لقوله تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82]، وقد نهى تعالى عن التفرق والاختلاف بقوله: ]ولا تنازعوا[). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص285): (وكذلك الكلام في عامة مسائل النزاع بين المسلمين إذا طلب ما يفصل النزاع من نصوص الكتاب والسنة وجد ذلك). اهـ

وعن الإمام أبي يوسف / قال: (لا يحل لأحد أن يقول: مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا).

أثر حسن

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1393) من طريق محمد بن عمر بن العلاء يقول: سمعت بشر بن الوليد يقول: قال أبو يوسف به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وذكره الفلاني في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص258).

وعن الإمام الشافعي / قال: (مثل الذي يطلب العلم بلا حجة؛ كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1393)، وفي «مناقب الشافعي» (ج2 ص142)، وابن أبي حاتم في «آداب الشافعي» (ص100)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص125) من طريق الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الربيع بن سليمان: يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين يكتب العلم؟ وهو لا يدري على غير فهم، فيكتب عن الكذاب، وعن الصدوق، وعن المبتدع، وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع الأباطيل، فيصير ذلك نقصا لإيمانه، وهو لا يدري!.

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

    

ذكر الدليل

على أنه إذا ثبتت رؤية الهلال لدخول شهر

رمضان، وخروجه في بلد من بلدان المسلمين، فوجب على بقية البلدان

الإسلامية أن تصوم، وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع؛ لتوحيد

الأمة الإسلامية في عبادتها كلها على نهج الشريعة المطهرة

 

* فلا ريب أن النبي r أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته، وقد ثبتت أحاديث صحيحة في هذا الحكم، فإذا ثبتت رؤية الهلال؛ برؤية شرعية في بلد ما، وجب على بقية البلدان العمل بهذه الرؤية صوما وإفطارا.

وإليك الدليل:

(1) فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله r ذكر رمضان فقال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له). ([98])

(2) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r، قال: (الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).([99])

 (3) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله r، أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصيامه).([100])

 (4) وعن أبي هريرة t، قال: قال النبي r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين). وفي رواية: (إذا رأيتم الهلال فصوموا ...).([101])

قلت: وهذه الأحاديث تدل على أن إذا رئي الهلال ببلد كبلد الحرمين- لزم الصوم جميع بلدان المسلمين، سواء اختلفت المطالع فيها، أو اتفقت([102])، وهو قول  جمهور علماء الأمة الإسلامية، وهو الراجح، بل هو الأنسب لتوحيد الأمة الإسلامية في عبادتها كلها على نهج الشريعة المطهرة!.

* وهذا هو الأقرب إلى اتحاد المسلمين، واجتماع كلمتهم في العبادات، وعدم التفرق بينهم، بحيث لا يكون هؤلاء مفطرين، وهؤلاء صائمين([103])، فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم، ويوم فطرهم واحدا كان ذلك أفضل، وأقوى للمسلمين في اتحادهم، واجتماع كلمتهم، وهذا مراد الشريعة المطهرة.([104])([105])

قلت: وللعلم أن ما شهد هذا الزمان من تطورات في وسائل الاتصالات يمكن أن يوصل الخبر إلى جميع أقطار الدنيا في أقل من ليلة.

قلت: حتى الأقليات الإسلامية في الدول الكافرة يصل إليها الخبر بكل يسر، فيجب عليها أن تعمل بهذا القول، وتتبع البلد الذي أعلن عن دخول شهر رمضان وخروجه، وهذا ميسر لهم.

قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج15 ص74): (لا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم، والفطر أمر طيب، ومحبوب للنفوس، ومطلوب شرعا، حيث أمكن، ولكن لا سبيل إلى ذلك إلا بأمرين:

أحدهما: أن يلغي جميع علماء المسلمين الاعتماد على الحساب، كما ألغاه رسول الله r ([106])، وألغاه سلف الأمة، وأن يعملوا بالرؤية، أو بإكمال العدة.

الأمر الثاني: أن يلتزموا بالاعتماد على إثبات الرؤية في أي دولة إسلامية تعمل بشرع الله([107])، وتلتزم بأحكامه، فمتى ثبت عندها رؤية الهلال بالبينة الشرعية دخولا، أو خروجا تبعوها في ذلك؛ عملا بقول النبي r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة).([108])

* ومعلوم أن خطاب النبي r ليس خاصا بأهل المدينة، بل هو خطاب للأمة جمعاء في جميع أعصارها، وأمصارها إلى يوم القيامة.

* فمتى توافر هذان الأمران أمكن أن تجتمع الدول الإسلامية على الصوم جميعا والفطر جميعا، فنسأل الله أن يوفقهم لذلك، وأن يعينهم على تحكيم الشريعة الإسلامية، ورفض ما خالفها.

* ولا ريب أن ذلك واجب عليهم؛ لقوله سبحانه: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65]، وما جاء في معناها من الآيات.

* ولا ريب أيضا أن تحكيمها في جميع شئونهم فيه صلاحهم، ونجاتهم واجتماع شملهم، ونصرهم على عدوهم، وفوزهم بالسعادة العاجلة والآجلة، فنسأل الله أن يشرح صدورهم لذلك ويعينهم عليه إنه سميع قريب). اهـ

وقال العلامة الشيخ عبد الله بن باز / في «الفتاوى» (ج15 ص78): (لا ريب أن الرسول r أمر أمته أن تصوم لرؤية الهلال، وتفطر لرؤيته ... فإذا ثبتت رؤية الهلال؛ برؤية شرعية في بلد ما، وجب على بقية البلاد العمل بها؛ لأن النبي r حين قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)([109])، لم يقصد أهل المدينة فقط، وإنما قصد عموم المسلمين، وبناء على ذلك، فإذا ثبتت رؤيته في الحجاز وجب على من بلغهم الخبر في سائر الأقطار أن يعتمدها؛ لأنها دولة إسلامية محكمة للشريعة فيعمل بإثباتها عملا بعموم الأحاديث وإطلاقها، وهكذا الحكم في بقية الدول التي تحكم الشريعة ...

* أما المطالع فلا شك في اختلافها في نفسها، أما اعتبارها من حيث الحكم فهو محل اختلاف بين العلماء، والذي يظهر لي أن اختلافها لا يؤثر وأن الواجب هو العمل برؤية الهلال صوما، وإفطارا، وتضحية؛ متى ثبتت رؤيته ثبوتا شرعيا في أي بلد ما ...

* وهو قول جمع كثير من أهل العلم، حيث قيل باعتبار اختلاف المطالع؛ فالظاهر أنه لا يقع بأكثر من يوم). اهـ

وقال العلامة الشيخ محمد ناصر الألباني / في «تمام المنة» (ص398): (يبقى حديث أبي هريرة t وغيره على عمومه؛ يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد، أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا([110]) ... وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هـو معلوم، ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «حقيقة الصيام» (ص124): (وإن ثبتت رؤيته بمكان قريب أو بعيد، لزم جميع البلاد الصوم، وحكم من لم يره كمن رآه، ولو اختلفت المطالع، نص عليه، وذكره جماعة؛ للعموم، واحتج القاضي، والأصحاب، وصاحب «المغني»، و«المحرر» بثبوت جميع الأحكام، فكذا الصوم).اهـ

وقال شيخنا العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق» (ص125): (إذا ثبتت رؤية الهلال ثبوتا شرعيا، في أي مكان من الأرض، شرقا، أو غربا، شمالا أو جنوبا، لزم الصوم جميع الناس، وهذا هو المذهب، وهو الذي نص عليه الإمام أحمد). اهـ

قلت: وهذه الفتوى عليها فقهاء الأمة الإسلامية، فيجب العمل بها لتأليف قلوب المسلمين في عبادتهم، والله ولي التوفيق.

قال الحنفية رحمهم الله: (يلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، إذا ثبت عندهم رؤية أولئك، بطريق موجب، وعليه أكثر المشايخ، وعليه الفتوى).([111])

وقال المالكية رحمهم الله: (إذا رئي الهلال، عم الصوم سائر البلاد، قريبا، أو بعيدا، ولا يراعى في ذلك مسافة قطر، ولا اتفاق المطالع، ولا عدمها، فيجب الصوم على كل منقول إليه).([112])

وقال الحنابلة رحمهم الله: (إذا ثبتت رؤية الهلال بمكان، قريبا كان أو بعيدا، لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه).([113])

  قلت: فهذه فتاوى المذاهب الفقهية المعتمدة في جميع بلدان المسلمين في هذه الدنيا!.

* وقد وافقت السنة النبوية، فعلى أتباع المذاهب الفقهية في البلدان الإسلامية في هذا الزمان أن يتبعوا هذه المذاهب، ويتوحدوا في صوم شهر رمضان وفطره، ولأنهم يدعون اتباعهم في الفقه الإسلامي!، وأنهم على مذاهبهم!، فلماذا يخالفون ذلك، فيصوم كل بلد على ما يشاء، وكيف شاء!، ويفطر على ما يشاء، وكيف شاء!([114])، فبذلك خالفوا السنة النبوية!، وخالفوا المذاهب الفقهية المعتمدة عندهم، والتي ينتسبون إليها ظاهرا!، والله المستعان.

قلت: وهذا الحكم الشرعي الذي يدعو الدول الإسلامية إلى الوحدة الصحيحة في الصوم والفطر في عصرنا الآن لا يكاد يعرف إلا عند بعض الدول الإسلامية التي تحب الاتفاق، وتكره الاختلاف.

* لكن أكثر الناس اليوم يظنون أن المسألة مبنية على اختلاف المطالع، أو على اختلاف الدول الإسلامية، فالكل يقرر على ما يفتى في دولتهم من قبل ما يسمى بـ(الشؤون الإسلامية)، وذلك بسبب تغلغل الأفكار الاعتقادية المخالفة للكتاب والسنة عند المفتين في دولهم.

* لذلك يحبون أن يخالفوا الدول الإسلامية، خاصة الدولة التي يخالفونها في اعتقادهم مثل: «دولة بلد الحرمين» حفظها الله تعالى.

قلت: بل وتسربت عندنا هذه الأفكار على بعض الذين ينتسبون إلى العلم، فتراهم يدندنون في الصحف وغيرها على تقرير: «الحساب الفلكي»، وغيره، بل ويغمزون فتاوى علماء الحرمين في صومهم على رؤية الهلال وفطرهم، ليقرروا ما شاءوا في البلد في أمر الصيام والفطر([115])، والله المستعان.

قال الإمام ابن حزم / في «الفصل» (ج4 ص171): (واعلموا -رحمكم الله - أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين!). اهـ

قلت: وخالف الجمهور؛ الشافعية -رحمهم الله- فقالوا: إذا رئي الهلال ببلد لزم حكمه البلد القريب لا البعيد، بحسب اختلاف المطالع في الأصح في مذهبهم.

* واستدلوا على اعتبار اختلاف المطالع بحديث ابن عباس رضي الله عنهما ([116])، وهو أقوى ما استدل به الشافعية رحمهم الله:

فعن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث، بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان([117]) وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: (لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله r).([118])

قلت: ولا يعارض حديث ابن عباس رضي الله عنهما عموم الأحاديث التي ذكرناها.

وبيان ذلك من وجوه:

أولا: أن هناك خلافا مشهورا بين أهل العلم في هذه المسألة على مذاهب عدة؛ كما تراه مبسوطا، في «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص125)، والمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة؛ لقوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء:59].

فعن الإمام ميمون بن مهران / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله[ [النساء:59] (إلى كتاب الله، والرد إلى رسول الله r إذا قبض إلى سنته). ([119])

قلت: والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة، وذلك لا يعدم، والله ولي التوفيق.([120])

ثانيا: أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورد فيمن صام على رؤية بلده، ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين أو يروا هلالهم.

ثالثا: أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصرح بأن النبي r أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من البلدان الإسلامية، فتنبه.

رابعا: أن ابن عباس رضي الله عنهما أراد أن يبين قول النبي r أنه أمرهم بإكمال الثلاثين أن يروه، ليبقى: «كريب»، على الصيام مع أهل بلده، ويفطر معهم، فلا يتقدمهم في الفطر، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه)، لأن الصوم بصوم يوم الناس، والفطر بفطر يوم الناس.

خامسا: أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم بخبر صوم معاوية بن أبي سفيان t في الشام ابتداء حتى يصوم معه، بل لم يعلم بذلك إلا آخر الشهر وذلك لقول كريب /: (فسألني عبد الله بن عباس فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة).

فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه). 

قلت: وهذا موافق لعموم أحاديث رؤية الهلال؛ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بقوله: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، ولذلك قال رضي الله عنهما: (هكذا أمرنا رسول الله r)؛ أي: أمرنا أن نصوم مع الناس، وأن نفطر مع الناس؛ أي: الصوم مع الأمة، والفطر مع الأمة.

قلت: إذا فعدم عمل ابن عباس -رضي الله عنهما- برؤية أهل الشام في هذا الشهر فقط، وذلك لأنه لا يدري بخبر صوم معاوية t للبعد الذي بينهما، ولتعذر سرعة الاتصالات، والمواصلات في ذلك الوقت.([121])

سادسا: أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما من أحاديث المتشابه، والعلم في ذلك أن المتشابه يحمل على المحكم، فهو يعتبر من باب الاجتهاد، وليس بحجة، فيجب أن يقتصر على النصوص المحكمة.([122])

قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «أسباب الخلاف بين العلماء» (ص18): (وطريق العلم أن يحمل المتشابه على المحكم). اهـ

قلت: فالاستدلال بهذا الحديث على صوم شهر رمضان باختلاف المطالع خطأ في الفهم والاستدلال أوقع الناس في خبط وخلط حتى تفرقوا في البلدان الإسلامية قديما وحديثا.

قلت: فهذا هو التوفيق بين حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والاستدلال به.([123])

قال الشيخ الألباني / في «تمام المنة» (ص398)؛ معلقا على صاحب كتاب «فقه السنة»: (وهذا كلام عجيب غريب؛ لأنه إن صح أنه مشاهد موافق للواقع، فليس فيه أنه موافق للشرع أولا، ولأن الجهات - كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها؛ ثانيا: وأنا - والله - لا أدري ما الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ، وأن يعرض عن الأخذ بعموم الحديث الصحيح، وبخاصة أنه مذهب الجمهور، كما ذكره هو نفسه، وقد اختاره كثير من العلماء المحققين؛ مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (المجلد 25)، والشوكاني في «نيل الأوطار»، وصديق حسن خان في «الروضة الندية» (1/224-225)، وغيرهم، فهو الحق الذي لا يصح سواه، ولا يعارضه حديث ابن عباس لأمور ذكرها الشوكاني /، ولعل الأقوى أن يقال: إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده، ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين، أو يروا هلالهم. وبذلك يزول الإشكال، ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه؛ يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد، أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا؛ كما قال ابن تيمية في «الفتاوى» (25/ 157)، وهذا أمر متيسر اليوم للغاية؛ كما هو معلوم، ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى.

* وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم على نفسه، فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها ممن تقدمت في صيامها أو تأخرت؛ لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد؛ كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين، والله المستعان).اهـ

وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص395): (سبق بالكتاب الناطق من الله تعالى، ومن قول النبي r، ومن أقوال الصحابة y: أنا أمرنا بالاتباع وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع، وزجرنا عنه). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص369): (أجمعوا على الأخذ بظاهر النصوص، وأنه حق على حقيقته، وأنه هو اللائق بالله عز وجل). اهـ

وعن الإمام الزهري / قال: (من الله العلم، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله r كما جاءت)([124]). وفي رواية: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت).

أثر صحيح

أخرجه البخاري في «صحيحه» مجزوما به؛ في كتاب: «التوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» (332) تعليقا، والخلال في «السنة» (1001)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميدي في «النوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1370)، وابن حبان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (520)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص620)، والذهبي في «السير» (ج5 ص346) من طرق عن الزهري به.

وإسناده صحيح.

وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص40): (والإجماع حجة قاطعة فإن الله لا يجمع أمة محمد عليه السلام على ضلالة). اهـ

قلت: وهذه أحاديث صحيحة في أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في أي بلد وجب على بقية البلدان الإسلامية أن تصوم وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع رواها جماعة من الصحابة y عن النبي r، وأصحاب الحديث فيما ورد في السنة النبوية، ولم يتكلم أحد من الصحابة y، والتابعين الكرام في تأويلها، اللهم غفرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ

قلت: فإجماع المسلمين قديما ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التمذهب؛ فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة؛ وهم: الصحابة الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين.

قال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص39): (وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص175): (ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد r على هدي كل أحد ... والإجماع هو: الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص346): (من قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة). اهـ

قلت: فمصادر المعرفة في أحكام الدين في الأصول والفروع موقوفة على هذه الأصول الثلاثة عند السلف الصالح، فعنها يصدرون، ومنها ينهلون، إذ لا حاجة لهم إلى غيرها في تلك المطالب، فقد ضمن الله لعباده فيها الهدى والنور، والعصمة من الغي والضلال، وفيها الكفاية والرحمة والذكرى لمن طلب الحق وصح قصده: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص136): (وأما الأمور الإلهية، والمعارف الدينية؛ فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول؛ فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة، وهذه الثلاثة بها يتم المقصود). اهـ

* وهذا المنهج المتين الذي قام عليه مذهب السلف في الاستدلال قد دلت عليه أدلة كثيرة من النقل والعقل السليم([125])، فمنها:

قوله تعالى: ]فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[ [الأعراف: 158].

وقوله تعالى: ]من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا [ [النساء: 80].

وقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].

قلت: والرد إلى النبي r يكون إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته.([126])

* وإن تمسك السلف بالكتاب والسنة في أبواب الأصول والفروع؛ لهو أعظم معالم منهجهم الذي خالفوا به عامة الطوائف المنحرفة، كما أنه من أعظم نعم الله عليهم، وذلك أن من فتح الباب لعقله في هذه المطالب الغيبية ضل، وانحرف عن السبيل، وتاه في ظلمات الغي والضلال.([127])

قلت: فأهل السنة يسلمون تسليما مطلقا؛ لكل ما صح في نصوص الوحي؛ فما أثبته النقل أثبتوه، وما نفاه نفوه، وما سكت عنه توقفوا فيه دون إثبات أو نفي.([128])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص41): (إن ما أخبر به الرسول r عن ربه؛ فإنه يجب الإيمان به سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق؛ فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها). اهـ

قلت: فالنبي r بين لأصحابه الكرام: القرآن لفظه ومعناه، فبلغهم معانيه؛ كما بلغهم ألفاظه، ولا يحصل البيان، والبلاغ المقصود إلا بذلك.([129])

وقال تعالى: ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4].

وقال الإمام الطحاوي / في «عقيدته» (ص149): (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام). اهـ

قلت: فقدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم.([130])

قال تعالى: ]والراسخون في العلم يقولون آمنا[ [آل عمران: 7].

* فيجب التسليم بجميع ما ورد عن الرسول r، وقبوله، واتباع سنته([131])؛ كما قال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].

قلت: فيجب التسليم، والقبول لآيات، وأحاديث الأحكام في الأصول والفروع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص169): (وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله دينا غيره). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص169): (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عنعبادته). اهـ

وقال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص168): (يجب الاستسلام والتسليم لنصوص الكتاب والسنة). اهـ

قلت: فلا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، وقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.

قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص538): (إنهم يعني: الصحابة- لم يكونوا يدعون ما يعرفون من السنة تقليدا لهؤلاء الثلاثة؛ كما تفعله فرقة التقليد، بل من تأمل سيرة القوم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحد كائنا من كان). اهـ

قال الإمام الشافعي: (لقد ضل من ترك حديث رسول الله r لقول من بعده).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386) من طريق يوسف ابن القاسم الميانجي، حدثني الحسين بن الفتح، قال: حدثني أبو محمد بن صاعد، نا بحر، نا الشافعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن مالك بن أنس، قال: سمعت ابن شهاب، يقول: (سلموا للسنة ولا تعارضوها).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص385)، والدارقطني في «الصفات» (ص44)، وأبو الفتح نصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص12) من طريق يحيى بن أيوب الزاهد، نا عبد الله بن وهب، عن مالك به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص55) من طريق أبان بن عيسى ابن دينار عن أبيه عن ابن القاسم عن مالك عن الزهري قال: (دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي).

وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص140).

وقال الإمام نعيم بن حماد، يقول: (من ترك حديثا معروفا فلم يعمل به، وأراد له علة أن يطرحه فهو مبتدع).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386) من طريق صالح بن أحمد التميمي، نا محمد بن عبد الله بلبل، نا أبو حاتم، قال: سمعت نعيم  به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال الإمام الزهري: (الاعتصام بالسنة نجاة). وفي لفظ: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة).

أثر صحيح

أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص281)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص281)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص592)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص25)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص369)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص14)، والبيهقي في «المدخل» (860)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص143)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص404)، والدينوري في «المجالسة» (ج2 ص235)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص320)، والآجري في «الشريعة» (ص313) من طريق يونس بن يزيد عن الزهري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الرسالة الصفدية» (ص257): (وحنيئذ فيكون حفظ الولي بمتابعة الكتاب والسنة، ولا ريب أن السنة؛ كما كان الزهري يذكر عمن مضى من سلف المؤمنين، قال: «كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة»). اهـ

وقال مخلد بن الحسين: (قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد، إذا بلغك عن رسول الله r حديث فلا تظنن غيره، ولا تقولن غيره، فإن محمدا إنما كان مبلغا عن ربه).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص387)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص353) من طريقين عن عبد الكريم بن الهيثم، نا أبو عثمان الصياد سعيد بن المغيرة، نا مخلد بن الحسين  به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وكـــــل خــــــيـــــر في اتبــــــــاع من سلف

 

 

وكـــــــل شـــــــر في ابـــتــــــداع من خلف

قال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص8): (لا يكون صاحبه من أهل السنة؛ حتى يدع الجدال، ويؤمن بالآثار). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص180): (فأما السلف، والأئمة، وأكابر أهل الحديث والسنة والجماعة([132])؛ فهم أولى الطوائف بموافقة المعقول الصريح، والمنقول الصحيح). اهـ

* لذا لما عول أهل البدع على عقولهم وتحاكموا إليها؛ كثر اضطرابهم، وتباينت آراؤهم، بل ووجد التضاد في أقوالهم في المسألة الواحدة، ولدى الطائفة الواحدة([133])؛ اللهم سلم سلم .

* وهؤلاء هم الحيارى؛ من التحير وهو الوقوع في الحيرة، وهي: التردد، والاضطراب، وعدم الاهتداء، وهم المتهوكون؛ من التهوك وهو: الذي يقع في كل أمر.([134])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدا r من البينات). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر: أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها فالمعيار على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها؛ فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه). اهـ

وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص216): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص409): (بعض الخائضين بالتأويلات الفاسدة يتشبث بألفاظ تنقل عن بعض الأئمة، وتكون إما غلطا أو محرفة). اهـ

وعن الإمام الشافعي / قال: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله r، فقولوا بسنة رسول الله r، ودعوا ما قلت).

أثر صحيح

أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).

وإسناده صحيح.

وعن الإمام ابن خزيمة / قال: (ليس لأحد مع رسول الله r قول إذا صح الخبر عنه).

أثر صحيح

أخرجه محمد بن طاهر في «السماع» (ق/3/ط)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص38)،  والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).

وإسناده صحيح.

وعن الإمام مجاهد / قال: (ليس أحد إلا يؤخذ من قوله، ويترك من قوله إلا النبي r).

أثر صحيح

أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص107)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص300)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص91) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176).

وإسناده صحيح.

وعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (من رد حديث رسول الله r فهو على شفا هلكة).

أثر صحيح

أخرجه الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص192)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص249)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص289)، واللالكائي في«أصول الاعتقاد» (733).

وإسناده صحيح.

قلت: إنا نتبع، ولا نبتدع، ونقتدي، ولا نبتدي، ولن نضل ما تمسكنا بالآثار.([135])

قال قوام السنة الأصبهاني  في «الحجة» (ج1 ص237): (أخذ رسول الله r السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله r، وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله r بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين من بعدهم). اهـ

وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص364): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ

وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([136]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص290): (وأما التأويل؛ بمعنى: صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه؛ فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف ... وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله تعالى، ورسوله r؛ التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص567): (وكل من خالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام فهو ضال، من أي الطوائف كان، فإن الله بعثهم بالحق، والمعقول الصريح دائما يوافق ما جاءت به الرسل عليهم السلام لم يخالف العقل الصريح شيئا مما جاءت به الرسل عليهم السلام). اهـ

قال تعالى: ]لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ [آل عمران:164].

وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].

قال الإمام ابن القيم / في «جلاء الأفهام» (ص286): (ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده بل كفاهم، وشفاهم، وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51]). اهـ

قلت: والنبي r كان أعلم الناس بربه ومولاه؛ كما قال r: (فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية).([137])

قال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص330): (إن محمدا r أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة.

* ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق شيء يأتي به غيره، وأخبر محمد r بكل ما يأتي من أشراط الساعة، والقيامة، والحساب، والصراط، ووزن الأعمال، والجنة وأنواع نعيمها، والنار وأنواع عذابها). اهـ

وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص150): (اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم، وزبدة رسالتهم: معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها ... فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله). اهـ

قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص655): (فإن الأمة كلها تنقل عمن قبلها، ومن قبلها عمن قبلها حتى ينتهي الأمر إلى الرسول r). اهـ

قلت: فتأمل هذا الفقه في الدين.

قال تعالى: ]قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض[ [العنكبوت: 52].

قلت: وإن إجماع أهل الأثر المنعقد على إثبات الأحكام من الكتاب والسنة والآثار، يمثل حقيقة الأمر، وأنه لم يخرج عن إجماعهم ([138]): ]إلا من سفه نفسه[ [البقرة: 130].

* فإذا ثبت إجماع الأمة على حكم في الأصول والفروع، لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة.([139])

قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].

قلت: وهذا تقرير لإجماع الأمة على وجوب تلقي أحاديث الرسول r في باب الفقه بالقبول والتسليم، والعمل بما دلت عليه، والإيمان بها.

قلت: فالصحابة y، والتابعون الكرام: أجمعوا على تلقي أخبار الرسول r بالقبول وعدم التكلف فيها، وهذا هو الواجب في هذا الباب؛ أن تقر هذه النصوص الشرعية بإثبات حقائقها، وفهم معانيها.([140])

قلت: فإجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول r، وأن كل ما أجمعوا عليه فلابد أن يكون فيه نص عن الرسول r.([141])

قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1165): (إن ما جاء به الرسول r من الإثبات معلوم بالضرورة من دينه؛ كما هو معلوم بالأدلة اليقينية فلا يمكن مع تصديق الرسول r مخالفة ذلك). اهـ

وقال الإمام الصابوني / في «عقيدة السلف» (ص321): (هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله r، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص203): (لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم). اهـ

قلت: ولهذا فإنه يترتب على العناية بالقواعد المأثورة، والأصول الكلية المنقولة عن السلف الصالح من الفوائد، والمنافع ما لا يعلمه إلا الله؛ لأن فيها تجلية للأحكام، وتوضيحا للمسائل، وإزالة للبس، وأمنا من الخلط والخبط في الدين.([142])

قلت: فمذهب الجمهور؛ أنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لعموم قوله r: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فيلزم غيرهم ما لزمهم.

* ولذلك؛ فيحرم إنشاء الخلاف في بلدان المسلمين على مخالفة هذا الحكم الشرعي في صوم جميع المسلمين برؤية بلد واحد شرقا وغربا([143])،لأن ذلك كان عليه العمل في عهد النبي r ([144]): ]ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء[ [المائدة:54].

تنبيه: لكن لو خالف حاكم البلاد ذلك، وأمر الناس بالصيام، والإفطار بناء على ما أخبر بواسطة نوابه، فيما يسمى: بــ(الشؤون الإسلامية)، أو أمرهم بالصيام على (التقويم الفلكي)، أو (الحساب الفلكي)، أو يقدم في الصيام، أو يؤخر كيف يشاء، فوجب على الناس في بلده أن يصوموا، وأن يفطروا معه درءا للفتنة في البلد، لأن الصوم يوم صوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس في البلد، والإثم عليه، وعلى من أفتاه بذلك، اللهم غفرا.

فائدة: ولا بأس بالصوم، أو الإفطار عن طريق: «المذياع»، الذي تبثه حكومة البلد إذا ثبت عندها دخول شهر رمضان، أو خروجه من طريق المحكمة الشرعية.

* وبذلك يجب على كل من سمع الخبر من الحكومة أن يعتمد خبر: «الإذاعة»، فيصوم بذلك، ويفطر تبعا لحاكمه، وإخوانه المسلمين في بلده.([145])

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك  ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عــنـي به وزرا،

وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسـلـم

وبارك على نبينا محمد وعلى آله

وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

 

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

ذكر الدليل على أن الإسلام سوف يعود في آخر الزمان غريبا بين الناس في البلدان الإسلامية في أحكام أصوله وفروعه، فإذا كان كذلك فلابد أن يعم الجهل في الناس؛ لغربة أحكام الدين عندهم من جميع الوجوه خاصة في المساجد، فيتعبدون لله تعالى بالمخالفات الشرعية، وينكرون الأحكام الشرعية الصحيحة، ولا يعملون بها لغربتها عندهم في بلدانهم إلا القليل منها ولا يكفي ذلك في الإسلام......................................................................................

5

2)

المقدمة.....................................................................................................

15

3)

ذكر الدليل على تحذير السلف من زلات وأخطاء العلماء التي اتخذتها: «فرقة المقلدة» دينا في مذهبهم..............................................

30

4)

مقامع من حديد لمقلدة الزمان كبارهم وصغارهم.............................

76

5)

ذكر الدليل على أنه إذا ثبتت رؤية الهلال لدخول شهر رمضان، وخروجه في بلد من بلدان المسلمين، فوجب على بقية البلدان الإسلامية أن تصوم، وتفطر بهذه الرؤية ولا عبرة باختلاف المطالع؛ لتوحيد الأمة الإسلامية في عبادتها كلها على نهج الشريعة المطهرة......................................................................................

81

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) حيث تتجارى بهم الأهواء، وتتجارى بالناس الفتن: من فتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الضلالات، اللهم سلم سلم.

      وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج18 ص291)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص224)، و«كشف الكربة في وصف أهل الغربة» لابن رجب (ص6 و7).

([2]) وانظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص224)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج2 ص467)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج1 ص229).

([3]) أثر حسن.

        أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص138)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص283).

     وإسناده حسن.

([4]) وذلك لأن هذه العبادات التي يتعبدونها قد دخلها الشيء الكثير من الشركيات، والبدع، والضلالات، والمخالفات، اللهم غفرا.

([5]) قلت: فلا تقبل هذه العبادات، لأنها لا تعتبر من الدين.

([6]) أثر حسن.

        أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في «طبقات الصوفية» (ص138)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص283).

     وإسناده حسن.

([7]) لذلك ترى كثيرا من الناس لا يعرفون كيف يصلون، ولا كيف يصومون، ولا كيف يحجون، ولا كيف يعتمرون، ولا غير ذلك من أحكام الدين! إلا القليل منها مع جهل فيها، والله المستعان.

       قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج3 ص224): (غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم). اهـ

([8]) ولا يعرفون الحلال، ولا الحرام في الدين، إلا القليل! ولا يكفي ذلك لمعرفة الدين.

([9]) أثر حسن.

       أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص286).

       وإسناده حسن.

([10]) هم: أهل البدع.

([11]) هم: أهل الفسق.

([12]) انظر: «مختصر سيرة الرسول r» (ص10).

([13]) انظر: «عيون الرسائل» (ج2 ص604).

([14]) وانظر: «الاعتصام» للشاطبي (ج1 ص12).

([15]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (145) من حديث أبي هريرة t.

([16]) يعني: كثرة الهمج والرعاع الذين يجهلون الإسلام، ولذلك لا يعتمد عليهم في الدين على كثرتهم.

([17]) انظر: «الدرر السنية» (ج1 ص41).

([18]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص282)؛ تعليقا على كلمة الإمام أحمد هذه: (هذه حقيقة حال أهل البدع؛ كما قال الإمام أحمد في كتابه «الرد على الزنادقة والجهمية»: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب). اهـ

([19]) قال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة: 176].

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص301): (قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه، فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء). اهـ

       وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص284): (وأما قوله: بأنهم (متفقون على مخالفة الكتاب)؛ فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم، وأذواقهم، وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب، ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من السماء). اهـ

([20]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص222)؛ (وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة). اهـ

([21]) انظر: «الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد (ص170).

([22]) قلت: وفقه السلف شجى في حلوق أهل البدع والأهواء قديما وحديثا.

([23]) لذلك لا يعتبر اختلاف المطالع في دخول شهر رمضان وخروجه، وذلك للمحافظة على الوحدة الإسلامية، فافطن لهذا ترشد.

([24]) قلت: ومن الفقهاء من رأى اعتبار اختلاف المطالع في دخول صوم شهر رمضان وخروجه، وقد اجتهدوا في هذا الحكم وأخطأوا، فلا يلتفت إلى حكمهم هذا في الشريعة المطهرة، وحكمهم هذا دائر بين الأجر والأجرين، لأن المعتبر في ديننا الحكم الموافق للكتاب والسنة، وإجماع الصحابة y، وذلك للمحافظة على الوحدة الإسلامية، وهو أقوى للمسلمين في اتحادهم في بلدانهم.

([25]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1906)، ومسلم في «صحيحه» (1080).

([26]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1907)، ومسلم في «صحيحه» (1080).

([27]) حديث صحيح.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (2342)، والدارقطني في «سننه» (ج2 ص152)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص337)، وابن حبان في «صحيحه» (3447)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص423)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص212).

    وإسناده صحيح، وقد صححه الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (ج2 ص187).

   قلت: وهذا يدل على أن النبي r أمر جميع الناس بالصوم على هذه الرؤية، مع أن الرؤية كانت في بلده r ؛ فافهم لهذا.

([28]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1909)، ومسلم في «صحيحه» (1081).

       قلت: وهو خطاب للأمة كافة!.

([29]) قلت: فإذا رآه أهل المشرق، وجب على أهل المغرب، وغيرهم أن يصوموا، سواء اختلفت المطالع عندهم، أو اتفقت، بل حتى لو تأخر الهلال عن الشمس في المشرق، فوجب على أهل المغرب الصوم، وعليهم أن يتهيأوا لصيام يومهم عند غروب الشمس، ثم عند طلوع الفجر، ولا بأس بتأخير غروب الشمس، أو طلوع الفجر أربع ساعات، أو أكثر، أو أقل بحسب المطالع في البلدان الإسلامية، لأن ذلك لا يضر في اجتماعهم على صوم رمضان، وقد كان هذا الأمر في عهد النبي r، فتنبه.

([30]) قلت: والفارق في الساعات بالنسبة لاختلاف المطالع في البلدان الإسلامية لا يضر في الصوم والفطر، فافطن لهذا ترشد.

([31]) قلت: ولا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم، والفطر أمر طيب، ومحبوب للنفوس، ومطلوب شرعا حيث أمكن.

([32]) وقد عمل الناس في عهد النبي r على هذا، وأنه إذا ثبتت رؤية الهلال لزم جميع البلدان أن يلتزموا بصوم، أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية: قول قوي.

([33]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.

      وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).

([34]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.

([35]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).

([36]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.

([37]) والمشاقة: المعاداة.

([38]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد للـه تعالى.

        قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.

      وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).

([39]) انظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).

([40]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1067).

([41]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذه المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.

([42]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.

     وانظر: «نهاية السول شرح منهاج الوصول» للإسنوي (ج2 ص282)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص357).

([43]) انظر: «الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص354)، و«معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للجزري (ج2 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص338)، و«نهاية السول شرح منهاج الوصول» للإسنوي (ج2 ص281)، و«الإجماع» الباحسين (ص220)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص208).

([44]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص132)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496).

([45]) قلت: واعتبار اختلاف المطالع في دخول صوم شهر رمضان وخروجه عند الشافعية الفقهاء، فهذا يعتبر مجالا للاجتهاد لهم فقط دون غيرهم، لأن الاختلاف في ذلك واقع ممن لهم الشأن في العلم والدين، وهو الذي يؤجر فيه المصيب أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة للحق، ويؤجر فيه المخطئ أجرا واحدا لاجتهاده، ولكن لا يؤخذ بقول المخطئ من الفقهاء.

([46]) والمقلدون في الدين يفتون الناس بزلات العلماء في الأصول والفروع، وهذا الإفتاء هو الإلحاد في الدين!

       قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص250): (ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد!). اهـ

([47]) وانظر: «مرعاة المفاتيح» للرحماني (ج1 ص356)، و«الموافقات» للشاطبي (ج4 ص90 و91)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج5 ص238)، و«الكاشف  عن حقائق السنن» للطيبي (ج1 ص455)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج1 ص525).

([48]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (8)، ومسلم في «صحيحه» (16) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

      قلت: ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء، والله المستعان.

([49]) انظر: «الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (ج1 ص455)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج1 ص525).

([50]) وانظر: «الرقائق» لابن المبارك (ج2 ص681)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (ج2 ص26)، و«ذم الكلام» للهروي (ج4 ص281)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج47 ص460)، و«جمع الجيوش والدساكر» لابن عبد الهادي (ص21).

([51]) غبرات: بالضم ثم التشديد: بقية الشيء.

      انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص3205)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص447).

([52]) أثر حسن.

       أخرجه ابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص163)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص161).

      وإسناده حسن.

([53]) قلت: وإن مما يوصى به طالب العلم أن يأخذ العلم عن أهله، وذلك بأن يبحث عن العالم العامل بعلمه ... فينظر إلى عبادته لله تعالى، وإلى سيرته وأخلاقه وشمائله؛ هل هي متفقة مع ذلك العلم أو تخالفه؟!، فإن العلم إنما يؤخذ عن العلماء الربانيين، ويحرص على صحبتهم ليتعلم منهم العلم، والعمل، والأخلاق.

([54]) وانظر: «الحجة على تارك المحجة» لأبي الفتح المقدسي (ج2 ص573).

([55]) الإمع: الذي يقول لكل أحد: أنا معك، ولا يثبت على شيء لضعف رأيه، والمقلد في الدين، والمتردد الذي لا يثبت على صنعة، والطفيلي، ويجعل دينه تبعا لدين غيره بلا حجة، ولا برهان.

         انظر: «المعجم الوسيط» (ص26)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص49)، و«النهاية» لابن الأثير (ج1 ص170).

       قال عبد الله بن مسعود t: (لا يكونن أحدكم إمعة قالوا: وما إمعة؟ قال: يجري مع كل ريح).

        أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص141)، وفي «اعتلال القلوب» (ج1 ص148)؛ بإسناد صحيح.

       قال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج4 ص49): (أصل الإمعة هو الرجل الذي لا رأي له ولا عزم؛ فهو يتابع كل أحد على رأيه ولا يثبت على شيء). اهـ

([56]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (256)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص70)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص79)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص165).

([57]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص370)، و«السير» للذهبي (ج5 ص438).

([58]) انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص337)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج2 ص206).

([59]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص82).

([60]) وانظر: «العلم» لابن أبي إياس (ص126 و127).

([61]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص95)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص67).

([62]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (94)، و«السير» للذهبي (ج4 ص598)، و«جامع التحصيل» للعلائي (199)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص155).

([63]) انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج4 ص367)؛ فإنه ترجمه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

([64]) قلت: فالمقلد ليس بعالم بإجماع الفقهاء.

       انظر: «قرة الموحدين» للشيخ عبد الرحمن بن حسن (ص26)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص233)، و«الحاشية على سنن ابن ماجة» للسندي (ج1 ص7).

([65]) فالمقلد المتعصب هذا ليس بعالم، بل هو حاطب ليل في الدين، اللهم غفرا.

([66]) المغبون: المنقوص، فالمقلد ينقص عقله، وذكاؤه، وتقل فطنته.

      وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص229).

([67]) انظر: «رسالة التقليد» لابن القيم (ص22)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص395)، و«المدخل» لابن بدران (ص388).

([68]) أي بلا حجة توجب هذا القبول، وعلى هذا فكل ما أوجبت الحجة قبوله ليس تقليدا.

([69]) آية المائدة المشار إليها هي؛ قوله تعالى:  ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون[ [المائدة: 104].

([70]) آية لقمان المشار إليها هي؛ قوله تعالى:  ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان: 21].

([71]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص143).

([72]) انظر: «التقليد والتبعية» للعقل (ص47).

([73]) قرن الصحابة، وقرن التابعين، وقرن تابعي التابعين.

([74]) انظر: «هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان» للمعصومي (ص71).

([75]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص993).

([76]) انظر: «جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص993).

([77]) نقله عنه السندي في «حواشيه على سنن ابن ماجة» (ج1 ص7)، وأقره.

([78]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج3 ص450)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص234)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1120)، و«رسالة التقليد» لابن القيم (ص22).

([79]) فصار المقلدة في التقليد لفلان وعلان؛ مثل: الرافضة الذين يقلدون أئمتهم بدون دراية، وهم يسخرون من الرافضة لمثل هذا التقليد، وهم واقعون في هذا التقليد الأعمى، وهم لا يشعرون!.

([80]) قلت: وهذا الخلاف محرم، وهو كل ما أقام الله تعالى به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه r منصوصا بينا، فلم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.

      وانظر: «الرسالة» للشافعي (ص560).

([81]) قلت: والذي وقع فيه: «الحزبي المقلد» من الضلالات بسبب تقليده لزلات العلماء بدون رواية ولا دراية ... وهذا وقع فيه كل المقلدين ... وهذا ما قد أصابنا في هذا العصر الحاضر فيما يتعلق بموضوع الفتاوى من قبل المقلدين؛ فإنهم قد قلدوا المتأخرين من أصحاب المذاهب بحجة أنهم علموا أحكام الدين، فقلدوهم بحجج واهية بالتقليد الأعمى، والتعصب المذهبي المقيت الذي انتشر في العصور المتأخرة انتشارا واسعا، بحيث وقع بسببه الحقد للمخالف، وإن كان على الحق!، برغم أن المقلدين يعلمون أن العلماء في الأحكام يصيبون ويخطئون في الدين، وقد حذر جميع العلماء من زلات العلماء، نصحا للأمة.

([82]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص922)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

     وإسناده صحيح.

      وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص75).

([83]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن أبي نصر في «جذوة المقتبس في ذكر تاريخ علماء الأندلس» (ج1 ص140)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

      وإسناده صحيح.

([84]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص408).

       وإسناده صحيح، وذكره الشاطبي في «الموافقات» (ج5 ص75)، والقاضي عياض في «ترتيب المدارك» (ج1 ص192).

([85]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

       وإسناده صحيح.

      وذكره ابن الصلاح في «آداب المفتي» (ص125).

([86]) أثر صحيح.

        أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص906)، وابن حزم في «الإيصال إلى فهم الخصال» (ص407).

       وإسناده صحيح.

([87]) انظر: «زجز السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء» للدوسري (ص36)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج1 ص188)، و«بيان الدليل» لابن تيمية (ص305)، و«الموافقات» للشاطبي (ج4 ص90)، و(ج5 ص134)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج5 ص236 و237)، و«الإحكام» لابن حزم (ج6 ص883).

([88]) كما هو شأن جميع المبتدعة، فإنهم إذا أرادوا أن يروجوا بدعهم لجؤوا إلى اختلاف العلماء، والله المستعان.

([89]) فكيف بهؤلاء المقلدة يتركون إجماع السلف، ويأخذون باختلاف الخلف: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص:6].

([90]) الشراج: جمع شرج، مثل بحر وبحار، ويجمع على شروج أيضا، وهو مسيل الماء، وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها فيها.

     انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج5 ص36).

([91]) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة، كأنها أحرقت بالنار بالمدينة النبوية.

    انظر: «معجم البلدان» للحموي (ج2 ص245).

([92]) وانظر: «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (ج5 ص391)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج6 ص502).

([93]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي» (ص231)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص533)، وابن الجوزي في «تعظيم الفتيا» (ص15)، والبيهقي في  «مناقب الشافعي» (ج1 ص167).

       وإسناده صحيح.

([94]) أثر صحيح.

      أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص267)، وفي «جامع بيان العلم» (ج1 ص757).

       وإسناده صحيح.

([95]) أثر صحيح.

    نقله عنه ابن تيمية في «الفتاوى» (ج20 ص212)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص470).

([96]) وقصة سمرة بن جندب رضي الله عنه في قصة الخمر لا تصح، فانتبه.

 

([97]) وهذا الذي وقع فيه المقلدون، حيث حملوا عن: «المقلد» الزلات وجعلوها من الدين، اللهم سلم سلم.

([98]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1906)، ومسلم في «صحيحه» (1080)، والخطيب في «جزء ترائي الهلال» (ص17 و20).

([99]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1907)، ومسلم في «صحيحه» (1080)، والخطيب في «جزء ترائي الهلال» (ص19 و21 و23).

([100]) حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سننه» (2342)، والدارقطني في «سننه» (ج2 ص152)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص337)، وابن حبان في «صحيحه» (3447)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص423)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص212).

وإسناده صحيح، وقد صححه الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير» (ج2 ص187).

* وهذا يدل على أن النبي r أمر جميع الناس بالصوم على هذه الرؤية، مع أنه r كانت الرؤية في بلده؛ فافهم لهذا.

   * وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

   انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج25 ص103 و105 و107).

([101]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1909)، ومسلم في «صحيحه» (1081).

([102]) قلت: فإذا رآه أهل المشرق، وجب على أهل المغرب، وغيرهم أن يصوموا، سواء اختلفت المطالع عندهم، أو اتفقت، بل حتى لو تأخر الهلال عن الشمس في المشرق، وجب على أهل المغرب الصوم، وعليهم أن يتهيؤوا لصيام يومهم عند غروب الشمس، ثم عند طلوع الفجر، ولا بأس بتأخير غروب الشمس، أو طلوع الفجر بأربع ساعات، أو أكثر، أو أقل بحسب المطالع في البلدان الإسلامية، لأن ذلك لا يضر في اجتماعهم على صوم رمضان، وقد كان هذا الأمر في عهد النبي r فتنبه.

([103]) قلت: والفارق في الساعات بالنسبة لاختلاف المطالع في البلدان الإسلامية لا يضر في الصوم والفطر، فافطن لهذا ترشد.

([104]) قلت: ولا شك أن اجتماع المسلمين في الصوم، والفطر أمر طيب، ومحبوب للنفوس، ومطلوب شرعا حيث أمكن.

([105]) وقد عمل الناس في عهد النبي r، وأبي بكر t، وعمر بن الخطاب t، وعثمان بن عفان t، وعلي بن أبي طالب t وغيرهم على هذا، وأنه إذا ثبتت رؤية الهلال لزم جميع البلدان أن يلتزموا بصوم، أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية: قول قوي.

([106]) يشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r أنه قال: (إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا). يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين.

      أخرجه البخاري في «صحيحه» (1814)، ومسلم في «صحيحه» (1080).

     قلت: والمراد من الحديث: لا نعرف حساب النجوم وسيرها، فلم نكلف في مواقيت عباداتنا ما يحتاج فيه إلى معرفة حساب، ولا كتابة.

([107]) ولو بجزء من شرع الله تعالى.

([108]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1810)، ومسلم في «صحيحه» (1081) من حديث أبي هريرة t.

([109]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1909)، ومسلم في «صحيحه» (1081) من حديث أبي هريرة t.

([110]) وأما كبر الأهلة، وصغرها، وارتفاعها، وانخفاضها، فليس عليه اعتبار، ولا يتعلق به حكم؛ لأن الشرع المطهر لم يعتبر ذلك.

     وانظر: «الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج15 ص8).

([111]) انظر: «تنوير الأبصار وجامع البحار» للتمرتاشي الحنفي (ج3 ص418)، و«مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح» للشرنبلالي الحنفي (ص656)، و«رد المحتار على الدر المختار» لابن عابدين الحنفي (ج3 ص418)، و«الحاشية على مراقي الفلاح» للطحطاوي الحنفي (ص656)، و«الدر المختار شرح تنوير الأبصار» للحصكفي الحنفي (ج3 ص418).

([112]) انظر: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لابن رشد المالكي (ج1 ص378)، و«القوانين الفقهية» لابن جزي المالكي (ص116).

([113]) انظر: «كشاف القناع عن متن الإقناع» للبهوتي الحنبلي (ج2 ص353).

([114]) فترى بلدا أهله يدعون أنهم على: «المذهب المالكي!»، لكنهم يخالفونه، ثم يصومون، ويفطرون على: «التقويم الفلكي!»، أو: «الحساب الفلكي!»، كـ:«ليبيا!، والجزائر!، والمغرب!، وتونس!» وغيرها، وإن بعضهم يصومون، ويفطرون على رؤية هلال بلدهم، فكذلك هؤلاء مخالفون للسنة، ومرادهم بتلك المخالفة  في صومهم لبلدان المسلمين، لأنهم على: «الفكر الصوفي»، أو: «الفكر الإباضي»، أو: «الفكر الإخواني»، أو: «الفكر الأشعري»، أو غير ذلك، فلماذا لا تتركون أفكاركم هذه وتتوحدون مع المسلمين في دول الخليج وغيرها في صومهم، وفطرهم، وغير ذلك من العبادات!.

     * وترى بلدا أهله يدعون أنهم على: «المذهب الحنفي!»، لكنهم يخالفونه، ثم يصومون، ويفطرون قبل المسلمين بيوم أو يومين على فتاوى المفتين عندهم من: «الصوفية» المخالفين دائما، كـ: «باكستان، والهند، وأفغانستان»، وغيرها، للخصومات التي بينهم، وبين البلدان الإسلامية، فلماذا لا تتركون أفكاركم هذه، وتتوحدون مع المسلمين في أصولهم وفروعهم؟!.

     * وترى: «الفرقة الإباضية» الذين يدعون التقريب بين المذاهب الإسلامية، يخالفون المسلمين نهارا جهارا في صوم شهر رمضان وفطره، كـ:«عمان» وغيرها، على فتاوى المفتين من «الإباضية» فيها!، وذلك للخصومات التي بينهم وبين المسلمين، فلماذا لا تتركون أفكاركم هذه، وتتوحدون مع المسلمين في أصولهم وفروعهم؟!.

     * وغير ذلك من البلدان التي تخالف المسلمين في صومهم وفطرهم، ألا يعلم هؤلاء أن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس!.

([115]) فهم لا يريدون أن يصوموا ويفطروا على رؤية: «المملكة العربية السعودية»، وهذا أمر ينذر بخطر كبير، وشر مستطير، يفرق أهل السنة في البلد، وهذه محنة في بداية عهدها فلابد من أخذ الحيطة، والحذر من تطبيق آرائهم التي تفرق ولا تألف، حتى لا يحل بنا ما حل بغيرنا من الفرقة والفتنة، نسأل الله السلامة والعافية.

([116]) قلت: والعجيب من أمر الذين يدعون التقريب بين الأمة الإسلامية وتوحيدها أنهم يفتون بلدانهم بالصوم والفطر على اختلاف المطالع في البلدان، فوقعوا في تفريق الأمة في عبادتها!، وهم لا يشعرون، والله المستعان.

([117]) أي: ظهر هلاله.

([118]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1087).

([119]) أثر صحيح.

      أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص474)، وابن شاهين في «شرح المذاهب» (ص44)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص144)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص67)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص190).

     وإسناده صحيح.

([120]) وانظر: «أسباب اختلاف العلماء» لشيخنا ابن عثيمين (ص5).

([121]) قلت: وأما الشهور الأخرى التي هي من رمضان، كان ابن عباس رضي الله عنهما يصوم مع الناس كلهم على وجه الأرض، ويستحيل منه أنه لا يصوم رمضان مع الأمة في عهده، بل كان- رضي الله عنهما- يصوم مع النبي r، ويفطر معه r.

([122]) قلت: وكذلك لا يصلح حديث ابن عباس رضي الله عنهما للتخصيص، لأن ابن عباس رضي الله عنهما، لم يأت بلفظ النبي r، ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه، وخصوصه، إنما جاءنا بصيغة مجملة: (هكذا أمرنا رسول الله r)، فيحمل هذا المرفوع المجمل على الأحاديث المرفوعة المحكمة، والله ولي التوفيق.

([123]) وانظر: «الدراري المضية في شرح الدرر البهية» للشوكاني (ج1 ص224)، و«نيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار» له (ج4 ص195)، و«الروضة الندية في شرح الدرر البهية» للقنوجي (ج1 ص737)، و«تمام المنة» للشيخ الألباني (ص398).

([124]) فقوله: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاءت)؛ هو من باب حمل المفرد على معنى الجمع، وهو يجوز في اللغة العربية، والجادة في العبارة؛ أن يقال: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت)، ويقال: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاء).

       انظر: «الخصائص» لابن جني (ج2 ص419).

([125]) وانظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج2 ص117).

([126]) وانظر: «القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص73).

([127]) وانظر: «قلب الأدلة على الطوائف المضلة» للقاضي (ج1 ص40 و41).

([128]) وانظر: «القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص71 و72)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص504).

([129]) انظر: «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج4 ص1411)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص28 و29)، و«الرسالة الصفدية» له (ص133 و258 و259)، و«مقدمة في أصول التفسير» له أيضا (ص21)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص246).    

([130]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (ج1 ص171)، و«شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص32 و33)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للهكاري (ص284)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص149)، و«عقيدة المسلمين» للبليهي (ج2 ص168)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص92 و93)، و«الفقه الأكبر» لأبي حنيفة (ص57)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص250).

([131]) كما يجب الإنكار الشديد على من يعترض على أخباره الصحيحة، أو بعضها على سبيل الإنكار، أو الاستبعاد لها، لأن التساهل في ذلك، وعدم الحزم فيه يساعد على فشو البدع، وانتشارها بين الأمة.

     وانظر: «عقيدة السلف» للصابوني (ص321).

([132]) قلت: فمن كادهم قصمه الله تعالى ... ومن عاندهم خذله الله تعالى ... لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم ... وإن الله على نصرهم لقدير.

([133]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج5 ص365)، و«الفتاوى» له (ج17 ص357)، و«الفتوى الحموية الكبرى» له أيضا (ص241 و243).

([134]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج4 ص222 و223)، و(ج10 ص508)،  و«مختار الصحاح» للرازي (ص662).

([135]) وانظر: «الحجة في بيان المحجة» لأبي القاسم الأصبهاني (ج1 ص104)، و«الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص333)، و«الفتاوى» له (ج16 ص410)، و(ج17 ص363).

([136]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» (ج2 ص339).

([137]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6101) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([138]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص1010)، و«إغاثة اللهفان» له (ج2 ص370).  

([139]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص90)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج4 ص1058)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص441)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص315).  

([140]) وانظر: «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» لابن القيم (ج2 ص208 و210)، و(ج4 ص1453)، و«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر (ج7 ص145). 

([141]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص38 و39)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص814)، و«حادي الأرواح» له (ص422)، و«الصواعق المرسلة» له أيضا (ج2 ص655).  

([142]) وانظر: «الرياض الناضرة» للشيخ السعدي (ص243)، و«طريق الوصول إلى العلم المأمول» له (ص18).

([143]) وانظر: «التعليق على رسالة حقيقة الصيام» لشيخنا ابن عثيمين (ص127).

([144]) لذلك يحرم على الذين ابتلوا بالحزبية، والطائفية من أتباع المذاهب العقدية، كــ:«المذهب الإباضي»، و«المذهب الصوفي»، وغير ذلك، الذين سيطروا على الفتاوى في الشؤون الإسلامية في بلدان المسلمين، أن يحملوا الناس على مخالفة الشرع أولا، ومخالفة بلدان المسلمين ثانيا، لاختلافهم معهم في الأصول والفروع.

      * بل رأينا من بعض الدول عجبا عجابا، إذا صلحت العلاقات بين الدولتين، فالرؤية واحدة!، وإن ساءت العلاقات اختلفت المطالع!، والله المستعان.

     وانظر: «التعليق على رسالة حقيقة الصيام» لشيخنا ابن عثيمين (ص127).

([145]) وانظر: «الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج15 ص86 و87 و88).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan