القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / الدر الفريد في أن يوم عرفة يوم عيد

2023-11-25

صورة 1
الدر الفريد في أن يوم عرفة يوم عيد

                                         

سلسلة

من شعار أهل الحديث

شكل بيضاوي: 67 

 

 

 

 

 

الدر الفريد

في

أن يوم عرفة يوم عيد

 

دراسة أثرية منهجية علمية في أن يوم عرفة يعتبر عيدا من أعياد المسلمين، فلا يصام، ويظهر فيه السرور والفرح، والأكل والشرب؛ للحاج وغير الحاج؛ كما ذهب إلى ذلك جماعة من العلماء المتقدمين!، وهو الأصح، لثبوت الأحاديث والآثار، فتغني عن التكلف الذي وقع فيه المقلدة في تأويلهم لها بالتعسفات!

 

 

ومعه:

قمع المعاند المقلد الحاقد

    

الحمد لله أولا وآخرا

المقدمة

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف خلقه نبينا محمد r، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فهذا جزء لطيف في أن يوم عرفة: يوم عيد للمسلمين، وقد اختاره الله تعالى لهم؛ كسائر الأعياد المباركة؛ ليتعبدوا فيه، ويخصوا الله تعالى بالذكر والتكبير، والتسبيح والتحميد، ويظهروا الفرح والسرور، والأكل والشرب تعبدا له وشكرا على نعمة هذا اليوم العظيم الذي جعله الله تعالى عيدا للمسلمين الحجاج وغير الحجاج! بمنه وفضله.

* وقد بين النبي r ذلك لأمته الكريمة أن يوم عرفة يوم عيد بيانا شافيا: ]أفلا يبصرون[ [السجدة: 27].

وإليك الدليل:

(1) عن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: (يوم عرفة([1])، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سـننـه» (2419)، والـترمـذي في «سـننـه» (ج3ص148)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2829) و(4181)، وفي «السنن الصغرى» (ج5ص252)، وأحمد في «المسند» (ج4ص152)، والدارمي في «المسند» (ج2ص23)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2100)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3ص104)، و(ج4ص21)، والطبري في «تهذيب الآثار» «562- مسند عمر)، والبغوي في «شرح السنة» (1796)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2ص71)، وفي «مشكل الآثار» (ج4ص111)، وابن حبان في «صحيحه» (3603)، والروياني في «المسند» (200)، والفاكهي في «حديثه» (ص134)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج21ص263)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17ص803)، وفي «المعجم الأوسط» (3209)، والفريابي في «أحكام العيدين» (11)، والحاكم في «المستدرك» (ج1ص434)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4ص298)، وفي «فضائل الأوقات» (ص408) من طرق عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال  سمعت عقبة بن عامرt به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج4ص130).

وقـولـه r: (عـيدنا أهـل الإسـلام)، هذا عـام لـجمـيع الـمسـلمين مـن الـحـجـاج، وغيرهم.([2])

* ولم يثبت أي دليل يخصص هذا العام؛ بأن هذا خاص بمن كان بعرفة من الحجاج([3]). اللهم غفرا.

قلت: فالحديث يدل على أن هذه الأيام الخمسة - بما فيها يوم عرفة - أيام أكل وشرب للحاج، وغير الحاج.

* وهذا المعنى يوجد في العيدين، وأيام التشريق أيضا، فإن الناس كلهم فيها في ضيافة الله عز وجل؛ لا سيـما عيد النحر؛ فإن الناس يأكلون من لحوم نسكهم أهل الموقف، وغيرهم، فلا يصومن أحد.

لذلك ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه؛ كصوم يوم النحر.([4])

قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج4 ص240): (قوله r (عيدنا أهل الإسلام)؛ فيه دليل على أن يوم عرفة، وبقية أيام التشريق التي بعد النحر أيام عيد). اهـ

قلت: فقد جاء في السنة النبوية تسمية يوم عرفة عيدا، فلا يصام، والعيد موسم الفرح والسرور، والأكل والشرب، يجتمع عليه الناس، فلا يتجاوز به ما شرعه الله تعالى: لرسوله r، وشرعه الرسول r: لأمته.

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص148): (وقد جاء تسميته عيدا في حديث مرفوع؛ خرجه أهل السنن من حديث عقبة بن عامر، عن النبي r قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل، وشرب)، وقـد أشـكل وجهه([5]) على كثير مـن العلماء؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين([6])، وحمله بعضهم([7]) على أهل الموقف!([8])). اهـ

قلت: فصار يوم عرفة؛ يوم عيد بالشرع والاتباع، ولله الحمد والمنة.

قال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361): (... وقد صح عندك الخبر عن رسول الله r، بأنه جعله في أيام العيد التي آثر الأكل فيها، والشرب على الصوم، وثبت عندك عن جماعة من السلف كراهتهم صوم ذلك اليوم، لكل أحد، في كل موضع، وكل بقعة من بقاع الأرض([9])، وإنكار بعضهم([10]) الخبر الذي روي عن أبي قتادة عن رسول الله r في فضل صومه). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن جماعة من السلف نهوا عن صيام يوم عرفة لغير الحاج مما يدل أيضا بأنهم لا يرون صيام يوم عرفة لغير الحاج.

قال الإمام العيني الحنفي / في «نخب الأفكار» (ج8 ص378): (قال أبو جعفر الطحاوي /: (فذهب قوم إلى هذا الحديث([11])، فكرهوا به صوم يوم عرفة وجعلوا صومه؛ كصوم يوم النحر!).([12]).

أراد بالقوم هؤلاء: بعض أهل الحديث([13])، وبعض الظاهرية([14])؛ فإنهم قالوا: صوم

 يوم عرفة كصوم يوم النحر حرام!، واحتجوا في ذلك بالحديث([15]) المذكور سواء كان للحاج، أو غيره!). اهـ يعني: يحرم على المقيم.

وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له؛ لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج24 ص222): (وفي الحديث الآخر الذي في السنن، وقد صححه الترمذي: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله)، قال : ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الأمصار يكبرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لهذا الحديث، ولحديث آخر رواه الدارقطني عن جابر عن النبي، ولأنه إجماع من أكابر الصحابة والله أعلم). اهـ

وقد نقله الشيخ الفوزان في «الملخص الفقهي» (ج1ص279).

قلت: فأنت ترى أن أهل العلم استدلوا بحديث عقبة بن عامر t: (وذكر لله)، على سنية التكبير من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فيدخلون يوم عرفة في الذكر فقط لهذا الحديث؛ لأهل الأمصار، ولا يدخلون يوم عرفة في الأكل والشرب لأهل الأمصار أيضا!.

* رغم أن يوم عرفة ذكر فيه الأكل والشرب معا في الحديث لأهل الأمصار، فلماذا هذا التفريق في الحديث الواحد([16])؟!.

* فنأمر أهل الأمصار أن يكبروا من فجر يوم عرفة، ونمنعهم الأكل والشرب بالصوم في هذا اليوم، بأمرهم بالصوم للاستحباب!؛ والسلف لم يفرقوا بين التكبير، وبين الأكل والشرب في يوم عرفة، اللهم غفرا.

(2) وعن عمار بن أبي عمار قال: (قرأ ابن عباس ﭭ: هذه الآية: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة:3]، وعنده يهودي فقال: لو نزلت هذه الآية علينا، لاتخذنا يومها عيدا، فقال  ابن عباس: فإنها أنزلت في يوم عيدين: يوم جمعة، ويوم عرفة). وفي رواية: (فإنها نزلت في يوم عيد، في يوم جمعة، ويوم عرفة).

أثر صحيح

أخرجه الطيالسي في «المسند» (2832) من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار به.

وأخرجه الترمذي في «سـننـه» (ج5 ص250)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج5 ص184- الدر المنثور) من طريق يزيد بن هارون.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق وكيع.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12835) من طريق سليمان بن حرب.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق قبيصة.

وأخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج6 ص308) من طريق حبان بن هلال.

وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص446)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج6 ص309)، والطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق حجاج بن منهال.

وأخرجه ابن أبي زمنين في «تفسير القرآن» (ج2 ص8) من طريق يحيى بن سلام.

وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (ص140) من طريق أبي قتيبة؛ كلهم: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (ج3 ص45).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، من حديث ابن عباس، وهو صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص316) وابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص105)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص154).

قلت: وهـذه الـروايـة نـصـت على أن يوم عرفة: يوم عيد؛ لأن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد!.([17])

قال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص409): (وخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه، وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة، ويوم عرفة([18])). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص409) معلقا على أثر ابن عباس المتقدم: (العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله، ومغفرته؛ كما قال  تعالى: ]قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون[ [يونس:58]). اهـ

قلت: فصار يوم عرفة من أعياد المسلمين بالشرع والاتباع.([19])

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص271): (والتنصيص على أن تسمية يوم عرفة: يوم عيد يغني عن هذا التكلف([20])). اهـ

وقال المفسر الواحدي / في «أسباب النزول» (ص220): (نزلت هذه الآية: يوم الجمعة، وكان يوم عرفة). اهـ

(3) وعن كعب الأحبار قال: (لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم؛ فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه، فقال عمر t: أي آية يا كعب؟ فقال: ]اليوم أكملت لكم دينكم» [المائدة:3]، فقال عمر t: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والمكان الذي أنزلت فيه، يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد!).

أثر حسن

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص83)، ومسدد في «المسند» (ج1 ص105- فتح الباري) من طريق ابن علية، قال: ثنا رجاء بن أبي سلمة، قال: أخبرنا عبادة بن نسي، قال: ثنا أميرنا إسحاق عن قبيصة بن ذؤيب، قال: قال كعب الأحبار به.

قلت: وهذا سنده حسن، وقد حقق إسناده في كتاب «جامع البيان» للطبري (ج9 ص526).

قلت: وإسحاق الأمير؛ هو إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، يرويه عن أبيه قبيصة بن ذؤيب، وإسحاق هذا «صدوق»؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ج1 ص122).

وقد صرح باسمه الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص253) من طريق زيد بن الحباب قال: أخبرني رجاء بن أبي سلمة أبو المقدام عن عبادة بن نسي عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب عن كعب الأحبار قال: قلت لعمر بن الخطاب: (إني لأعرف قوما لو نزلت عليهم هذه الآية لنظروا إلى يوم نزلت فيه، فاتخذوه عيدا، فقال  عمر t: أية آية؟ فقال: ]اليوم أكملت لكم دينكم[ [المائدة:3] إلى آخر الآية، فقال  عمر t: إني لأعرف في أي يوم أنزلت: ]اليوم أكملت لكم دينكم[ [المائدة:3]، في يوم جمعة، ويوم عرفة، وهما لنا عيدان!).

وإسناده حسن، وإسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، يروي عن أبيه، وعن كعب الأحبار.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسحاق بن قبيصة، إلا عبادة بن نسي، ولا عن عبادة إلا رجاء، تفرد به زيد بن الحباب.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص174) من طريق ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسي قال : حدثنا أميرنا إسحاق بن قبيصة قال : (تلا عمر بن الخطاب هذه الآية: ]اليوم أكملت لكم دينكم[ [المائدة:3]، وعنده كعب، فقال  كعب: إني لأعرف أهل دين لو أنزلت عليهم في يوم لاتخذوه عيدا، فقال  عمر: أنزلت عشية عرفة، يوم جمعة).

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن رجاء بن أبي سلمة؛ إلا ضمرة.

قلت: وهذا يدل أن الإمام الطبري وهم في «تفسير القرآن» (ج8 ص87) بقوله: أن إسحاق هو ابن خرشة، ولم أجد في الرواة، ولا في الأمراء: «إسحاق بن خرشة»، وأما: «ابن خرشة»، فهو: «عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشي، وهو ثقة؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ج2 ص433)، روى عن الزهري، ولم يذكر لعبادة بن نسي رواية عنه، ولا هو كان أميرا.([21])

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص83) من طريق ابن حميد قال : ثنا حكام الكناني عن عنبسة بن سعيد عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال : (كنا جلوسا في الديوان، فقال  لنا نصراني: يا أهل الإسلام: لقد نزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم، وتلك الساعة عيدا، ما بقي منا اثنان: ]اليوم
أكملت لكم دينكم
[ [المائدة:3]، فلم يجبه أحد منا، فلقيت محمد بن كعب القرظي، فسألته عن ذلك، فقال : ألا رددتم عليه؟ فقال، قال عمر بن الخطاب t: أنزلت على النبي r، وهو واقف على الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم أحد).

وإسناده حسن لغيره؛ أي بما قبله، وبما بعده.

وأخرجه ابن راهويه في «المسند» (3962- المطالب العالية)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج5 ص183- الدر المنثور)، والهروي في «ذم الكلام وأهله» (ج1 ص282) من طريق عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : «كانوا عند عمر t، فذكروا هذه الآية: ]اليوم أكملت لكم دينكم[ [المائدة:3]، فقال  رجل من أهل الكتاب: لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية، لاتخذناه عيدا، فقال  عمر t: الحمد لله الذي جعله لنا عيدا، واليوم الثاني، نزلت يوم عرفة، واليوم الثاني، يوم النحر، فأكمل لنا الأمر، فعلمنا أن الأمر بعد ذلك في انتقاص».

وإسناده حسن لغيره، من أجل أبي جعفر الرازي، فإنه «صدوق» سيئ الحفظ، كما في «التقريب» لابن حجر (ج4 ص171).

فالإسناد لا بأس به في المتابعات، والشواهد.

وأخرجه ابن وهب في «الجامع في تفسير القرآن» (ج2 ص68) من طريق أبي صخر حدثني محمد بن كعب القرظي قال: (أن رجلا من اليهود مر على عمر بن الخطاب t، فقال : يا أمير المؤمنين، بارك الله عليك، ما الآية من القرآن أنزلت في كتابكم لا أراكم ترفعون باليوم الذي نزلت فيه رأسا، والذي نفسي بيده، لو أنزلت في توراة، أو إنجيل جعلنا اليوم الذي نزلت فيه لنا عيدا ما بقينا، فقال  عمر t: أي آية هي، ويحك، قال  قول الله: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة:3]، قال: فتبسم عمر t، ثم قال: ويحك، وتدري متى نزلت، قال : لا أدري، قال : نزلت على رسول الله، وهو واقف بعرفة يوم حجة الوداع، وهل تزال لنا عرفة عيدا ما كان الإسلام).

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص315): (وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر). اهـ

وقال الحافظ الطبري / في «جامع البيان» (ج6 ص84): (وأولى الأقوال في وقت نزول الآية، القول الذي روي عن عمر بن الخطاب، أنها نزلت يوم عرفة، يوم جمعة، لصحة سنده ووهي أسانيد غيره). اهـ

قلت: وأثر عمر بن الخطاب ألفاظه متقاربة في أن يوم عرفة: يوم عيد لجميع المسلمين، الحاج منهم، وغير الحاج، وأصله في «الصحيحين»، فقد أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص105)، و(ج8 ص108)، و(ج8 ص270)، و(ج13 ص152)، ومسلم في «صحيحه» (ج18 ص152) عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب t: (أن رجلا من اليهود قال  له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال : أي آية؟ قال: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على
النبي
r، وهو قائم بعرفة يوم جمعة).([22]) وفي رواية: (أنزلت يوم عرفة).

قال الحافظ ابن حجر / في «المطالب العالية» (ج4 ص109): (أصله مخرج عندهم من حديث طارق بن شهاب عن عمر دون ما هنا). اهـ

وقال الحافظ البوصيري / في «إتحاف الخيرة المهرة» (ج8 ص68): (أصل مخرجه عندهم من حديث طارق بن شهاب عن عمر دون ما هنا).اهـ

وأثر عمر t: ذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص316)، والقاسمي في «محاسن التأويل» (ج6 ص48)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص105).

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص389): (وقد خرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» من وجه آخر عن عمر t، وزاد فيه أنه قال: وكلاهما بحمد الله لنا عيد). اهـ

قلت: فأشار عمر بن الخطاب t به إلى: أن يوم عرفة لنا عيد([23])، فكيف يصام وهو عيد لنا؟ اللهم غفرا.

قال الإمام البغوي / في «تفسير القرآن» (ج2 ص10): (أشار عمر t إلى أن ذلك اليوم كان عيدا لنا). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص486): (وقد يجتمع في يوم واحد عيدان؛ كما إذا اجتمع يوم الجمعة مع يوم عرفة، أو يوم النحر؛ فيزداد ذلك اليوم حرمة وفضلا؛ لإجتماع عيدين فيه، وقد كان ذلك اجتمع للنبي r في حجته يوم عرفة؛ فكان يوم جمعة، وفيه نزلت هذه الآية: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينـا[ [المائدة: 3]). اهـ

قلت: وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل به العيد الذي هو موسم الفرح والسرور، والأكل والشرب، والاجتماع على طاعة الله تعالى([24])، والتقوي به على اجتماع المسلمين، وإظهار تمام نعمته، وفضله على الأمة الإسلامية.([25])

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص158): (فهذه الآية لما تضمنت إكمال الدين، وإتمام النعمة أنزلها الله في يوم شرعه عيدا، لهذه الأمة من وجهين:

أحدهما: أنه يوم عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة.

والثاني: أنه يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر، وموقفهم الأعظم). اهـ

وقال الإمام سفيان الثوري / في «تفسير القرآن» (ص99) في قوله تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينـا[ [المائدة:3]، قال: (نزل في يوم عرفة في يوم جمعة).

وعن محمد بن سعيد قال: (رأيت ابن عمر يوم عرفة وهو يأكل).

أثر حسن

أخرجه ابن الجعد في «حديثه» (ج1 ص471) من طريق شعبة عن محمد بن مرة عن محمد بن سعيد به.

قلت: وهذا سنده حسن.

 وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (كان معبد بن عمير يصوم يوم عرفة فنهاه أبي وقال: إنما هو يوم طعم وذكر).

أثر صحيح

أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص32) من طريق عبد الله بن رجاء عن عثمان بن الأسود عن عبد الله بن عبيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

قلت: وهذا يدل على أن صوم يوم عرفة لأهل الآفاق خلاف السنة، بل السنة فطره؛ لاختياره r ذلك لنفسه، وعمل خلفاؤه بعده بالفطر، وأصحابه y من بعده، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة صوم يوم عرفة في الحضر ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90]، فعلى الناس أن يقتدوا بهم([26])، والله ولي التوفيق.

 وعن ابن عباس t قال: (من صحبني من ذكر وأنثى، فلا يصومن يوم عرفة؛ فإنه يوم أكل وشرب وذكر الله تعالى).([27])

أثر حسن

أخرجه مسدد في «المسند» (ج11 ص173- المطالب العالية)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص283) من طريقين عن عثمان بن حكيم حدثتني ندبة قالت:
سمعت: ابن عباس
به.

قلت: وهذا سنده حسن.

* هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وهو نعم المولى ونعم النصير.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

                   كتبه: أبو عبد الرحمن الأثري 

ﭑ ﭒ   

من اعتصم بالله نجا

ذكر الدليل على أن يوم عرفة، يوم عيد للحاج وغير الحاج، وقد قرن في السنة النبوية بأعياد المسلمين المعتبرة في الشريعة المطهرة للدلالة على أنه عيد للمسلمين فيحرم صيامه، كما يحرم صيام يوم عيد الفطر، وعيد الأضحى،
ويوم الجمعة، وأيام التشريق

 

اعلم رحمك الله: أن يوم عرفة من الأيام الفاضلة في العشر الأول من ذي الحجة؛ لأنه يوم عيد لأهل الموقف، ولأهل الأمصار، وهو يوم سرور وفرح، ويوم أكل وشرب، ويوم ذكر، ودعاء، وصدقة، وطاعة، وهو يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة على هذه الأمة، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولهذا جعله الله تعالى خاتمة الأديان، لا يقبل من أحد دين سواه.

وإليك الدليل:

(1) عن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: (يوم عرفة([28])، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب).

حديث صحيح

أخرجه أبو داود في «سـننـه» (2419)، والـترمـذي في «سـننـه» (ج3ص148)،

والنسائي في «السنن الكبرى» (2829) و(4181)، وفي «السنن الصغرى» (ج5ص252)، وأحمد في «المسند» (ج4ص152)، والدارمي في «المسند» (ج2ص23)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2100)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3ص104)، و(ج4ص21)، والطبري في «تهذيب الآثار» «562- مسند عمر)، والبغوي في «شرح السنة» (1796)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2ص71)، وفي «مشكل الآثار» (ج4ص111)، وابن حبان في «صحيحه» (3603)، والروياني في «المسند» (200)، والفاكهي في «حديثه» (ص134)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج21ص263)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17ص803)، وفي «المعجم الأوسط» (3209)، والفريابي في «أحكام العيدين» (11)، والحاكم في «المستدرك» (ج1ص434)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4ص298)، وفي «فضائل الأوقات» (ص408) من طرق عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال  سمعت عقبة بن عامرt به.

قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

والحديث صححه الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج4ص130).

وقـولـه r: (عـيدنا أهـل الإسـلام)؛ هذا عـام لـجمـيع الـمسـلمين مـن الـحـجـاج، وغيرهم.([29])

* ولم يثبت أي دليل يخصص هذا العام بأن هذا خاص بمن كان بعرفة من الحجاج([30]). اللهم غفرا.

قلت: فالحديث يدل على أن هذه الأيام الخمسة  - بما فيها يوم عرفة - أيام أكل وشرب للحاج، وغير الحاج.

* وهذا المعنى يوجد في العيدين، وأيام التشريق أيضا، فإن الناس كلهم فيها في ضيافة الله عز وجل؛ لا ســيـما عيد النحر؛ فإن الناس يأكلون من لحوم نسكهم أهل الموقف، وغيرهم، فلا يصومن أحد.

لذلك ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه كصوم يوم النحر.([31])

قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج4ص240): (قوله r: (عيدنا أهل الإسلام)؛ فيه دليل على أن يوم عرفة، وبقية أيام التشريق التي بعد النحر أيام عيد). اهـ

وقال العلامة المباركفوري / في «تحفة الأحوذي» (ج3ص481): (قوله r: (يوم عرفة)؛ أي: اليوم التاسع من ذي الحجة، (ويوم النحر)؛ أي: اليوم العاشر من ذي الحجة، (وأيام التشريق)؛ أي: اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، (عيدنا)؛ بالرفع على الخبرية، (أهل الإسلام)؛ بالنصب على الاختصاص (وهي)؛ أي: الأيام الخمسة، (أيام أكل وشرب)؛ في الحديث دليل على أن يوم عرفة، وأيام التشريق أيام عيد؛ كما أن يوم النحر يوم عيد، وكل هذه الأيام الخمسة أيام أكل وشرب). اهـ

قلت: فقد جاء في السنة النبوية تسمية يوم عرفة عيدا، فلا يصام، والعيد موسم الفرح والسرور، والأكل والشرب، يجتمع عليه الناس، فلا يتجاوز به ما شرعه الله تعالى: لرسوله r، وشرعه الرسول r: لأمته.

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص148): (وقد جاء تسميته عيدا في حديث مرفوع: خرجه أهل السنن من حديث عقبة بن عامر، عن النبي r قال : (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل، وشرب)، وقـد أشـكل وجهه([32]) على كثير مـن العلماء؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين([33])، وحمله بعضهم([34]) على أهل الموقف!([35])). اهـ

قلت: فصار يوم عرفة، يوم عيد بالشرع والاتباع، ولله الحمد والمنة.

قال  الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361): (... وقد صح عندك الخبر عن رسول الله r؛ بأنه جعله في أيام العيد التي آثر الأكل فيها، والشرب على الصوم، وثبت عندك عن جماعة من السلف كراهتهم صوم ذلك اليوم، لكل أحد، في كل موضع، وكل بقعة من بقاع الأرض([36])، وإنكار بعضهم([37]) الخبر الذي روي عن أبي قتادة عن رسول الله r في فضل صومه). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن جماعة من السلف نهوا عن صيام يوم عرفة لغير الحاج مما يدل أيضا بأنهم لا يرون صيام يوم عرفة لغير الحاج.

وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ

قلت: ونهي السلف الصالح y عن صيام يوم عرفة؛ لأنه ليس من السنة صيامه؛ كما أسلفنا.

وكـــــل خـــيــــر في اتــــبـــــاع مـــن سلف

وكــــل شــــر في ابـــتـــــــداع مــــن خلف

قلت: فأين الإجماع على صوم يوم عرفة؟؛ لذلك لا يجوز الفتوى بالتقليد المذموم؛ لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك.([38])  

قال عبـد الله بن أحمـد / في «المـسائـل» (ج3 ص1314): (سـمعت أبي

يعني: الإمام أحمد- يقول: ما يدعي الرجل فيه الإجماع، هذا الكذب، من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا، هذا دعوى بشر المريسي، والأصم([39])، ولكن يقول: لا يعلم الناس يختلفون، أو لم يبلغه ذلك، ولم ينته إليه فيقول: لا نعلم الناس اختلفوا). اهـ

ونقل الحافظ ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص30) هذه الرواية؛ ثم بين مراد الإمام أحمد / بإنكاره الإجماع؛ فقال: (ونصوص رسول الله r أجل عند الإمام أحمد، وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع([40])، مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد، والشافعي من دعوى الإجماع، ولا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده).اهـ

قلت: ويتبين من هذا أن استحباب صوم يوم عرفة غير مجمع عليه، بل مختلف فيه بين أهل العلم.([41])

وذكر الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص365) ذلك الاختلاف بقوله: (بل ذلك مختلف فيه([42])...). اهـ

قلت: وإذا اختلف في صوم يوم عرفة لغير الحاج، الاختلاف الذي ذكرناه، ولم يكن هناك أي حديث عن رسول الله r في الاستحباب في صومه بغير عرفة، وبينت الأحاديث عن النبيr، وعن الصحابة، وعن التابعين في عدم صومه، فالأولى اتباع ذلك، والتفرغ للعبادة من دعاء، وغيره في يوم عرفة، لما فيه من الخير العظيم.

وذكر هذا الاختلاف كذلك: الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص161) بقوله: (وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة، وغير عرفة للدعاء). اهـ

وبوب الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361) بقوله: (ذكر من كره صوم يوم عرفة لكل أحد، لكل موضع).

وقال  الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361): (... وقد صح عندك الخبر عن رسول الله r؛ بأنه جعله في أيام العيد التي آثر الأكل فيها، والشرب على الصوم، وثبت عندك عن جماعة من السلف كراهتهم صوم ذلك اليوم، لكل أحد، في كل موضع، وكل بقعة من بقاع الأرض([43])، وإنكار بعضهم([44]) الخبر الذي روي عن أبي قتادة عن رسول الله r في فضل صومه). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن جماعة من السلف نهوا عن صيام يوم عرفة لغير الحاج مما يدل أيضا بأنهم لا يرون صيام يوم عرفة لغير الحاج.

قال الإمام العيني الحنفي / في «نخب الأفكار» (ج8 ص378): (قال أبو جعفر الطحاوي /: (فذهب قوم إلى هذا الحديث([45])، فكرهوا به صوم يوم عرفة وجعلوا صومه؛ كصوم يوم النحر!).([46]).

أراد بالقوم هؤلاء: بعض أهل الحديث([47])، وبعض الظاهرية([48])؛ فإنهم قالوا: صوم يوم عرفة كصوم يوم النحر حرام!، واحتجوا في ذلك بالحديث([49]) المذكور سواء كان للحاج، أو غيره!). اهـ يعني: يحرم على المقيم.

وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص1548): (وقد جاء تسميتة عيدا في حديث مرفوع: خرجه أهل السنن من حديث عقبة بن عامر، عن النبي r قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل، وشرب)، وقد أشكل وجهه([50]) على كثير من العلماء ؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة: يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين([51])، وحمله بعضهم([52]) على أهل الموقف!([53])). اهـ

وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ

فائدة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج24 ص222): (وفي الحديث الآخر الذي في السنن، وقد صححه الترمذي: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، و هي أيام أكل وشرب وذكر لله)، قال : ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الأمصار يكبرون من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق لهذا الحديث، ولحديث آخر رواه الدارقطني عن جابر عن النبي، ولأنه إجماع من أكابر الصحابة، والله أعلم). اهـ

وقد نقله الشيخ الفوزان في «الملخص الفقهي» (ج1ص279).

قلت: فأنت ترى أن أهل العلم استدلوا بحديث عقبة بن عامر t: (وذكر لله)، على سنية التكبير من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فيدخلون يوم عرفة في الذكر فقط؛ لهذا الحديث لأهل الأمصار، ولا يدخلون يوم عرفة في الأكل والشرب لأهل الأمصار أيضا!.

* رغم أن يوم عرفة ذكر فيه الأكل والشرب معا في الحديث لأهل الأمصار، فلماذا هذا التفريق في الحديث الواحد([54])؟!.

* فنأمر أهل الأمصار أن يكبروا من فجر يوم عرفة، ونمنعهم الأكل والشرب بالصوم في هذا اليوم؛ بأمرهم بالصوم للاستحباب!؛ والسلف لم يفرقوا بين التكبير، وبين الأكل والشرب في يوم عرفة، اللهم غفرا.

(2) وعن عمار بن أبي عمار قال: (قرأ ابن عباس ﭭ: هذه الآية: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة:3]، وعنده يهودي فقال: لو نزلت هذه الآية علينا، لاتخذنا يومها عيدا، فقال  ابن عباس: فإنها أنزلت في يوم عيدين: يوم جمعة، ويوم عرفة). وفي رواية: (فإنها نزلت في يوم عيد، في يوم جمعة، ويوم عرفة).

أثر صحيح

أخرجه الطيالسي في «المسند» (2832) من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار به.

وأخرجه الترمذي في «سـننـه» (ج5 ص250)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج5 ص184- الدر المنثور) من طريق يزيد بن هارون.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق وكيع.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12835) من طريق سليمان بن حرب.

وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق قبيصة.

وأخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج6 ص308) من طريق حبان بن هلال.

وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص446)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج6 ص309)، والطبري في «جامع البيان» (ج6 ص82) من طريق حجاج بن منهال.

وأخرجه ابن أبي زمنين في «تفسير القرآن» (ج2 ص8) من طريق يحيى بن سلام.

وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (ص140) من طريق أبي قتيبة؛ كلهم: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس به.

قلت: هذا سنده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (ج3 ص45).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، من حديث ابن عباس، وهو صحيح.

وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص316) وابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص105)، وابن رجب في «فتح الباري» (ج1 ص154).

قلت: وهـذه الـروايـة نـصـت على أن يوم عرفة يوم عيد؛ لأن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد!.([55])

قال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص409): (وخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه، وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة، ويوم عرفة([56])). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص409) معلقا على أثر ابن عباس المتقدم: (العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله، ومغفرته؛ كما قال  تعالى: ]قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون[ [يونس:58]). اهـ

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan