الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / العقود اللؤلؤية في تبيين رجوع السلف عن آرائهم وخطئهم في المسائل الخلافية الفقهية
العقود اللؤلؤية في تبيين رجوع السلف عن آرائهم وخطئهم في المسائل الخلافية الفقهية
سلسلة
من شعار أهل الحديث
(14)
العـقــود اللـؤلــؤيـة
في تـبـيـين
رجــوع الســلـف عن آرائهم وخـطـئـهـم في المسائل الخــلافــيـة الفقـهيـة
تأليف
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الأثري
XØ`©Y JðY/@ XÝHTWÙ`QW£Ö@ Yy~YQW£Ö@
¼ WÝÿY¡PVÖ@ WäQSTÿKVH;TTWÿ Nv éSÞWÚ ò N éSÅ~YºVK JðW/@ N éSÅ~YºVK Wè WÓéSªQW£Ö@ øYÖOèRK Wè X£`ÚKKVô@ $`yRÑÞYÚ ÜXMWTÊ `ØST`ÆW¥HTWTÞWT Á xòpøW® SâèPR S£WTÊ øVÖXM JðY/@ XÓéSªQW£Ö@ Wè ÜMX `ØSÞRÒ WÜéSÞYpÚëST YJð/@Y Yz`éW~Ö@ Wè &X£Y@ ðÐYÖ.V¢ b¤`kTW SÝfTT©`VK Wè ½ÿXè<KWT (59) » [النساء:59]
مــعــرفــة الســنــة وأهـلهـا
قال الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله في الجرح والتعديل[ج1ص2]: ( فإن قيل كيف السبيل إلى معرفة ما ذكرت من معاني كتاب الله عزوجل ومعالم دينه ؟ قيل : بالآثار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه النــجباء الألـبـاء الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل رضي الله تعالى عنهم .
فإن قيل : فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة ؟ قيل : بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة ، ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان ) . اهـ
قال عبده بن سليمان المروزي قيل لابن المبارك ؟ هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال: ( يعيش لها الجــهـابـذة ) .
أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [ج2ص3] بإسناد صحيح .
من درر السلف الصالح رضي الله عنهم
1) قال مالك بن دينار رحمه الله : ( اصطلحنا على حب الدنيا فلا يأمـر بعضنا بعضا ، ولا ينهى بعضنا بعضا ، ولا يذرنا الله تعالى على هذا ، فليت شعري أي عذاب ينزل). أثر صحيح
أخرجه أبو نعيم في الحلية [ج2ص363] والبيهقي في شعب الإيمان [ج13ص275] من طريق يحيى بن معين حدثنا سعيد بن عامر عن جعفر بن سليمان قال : قال مالك به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
2)وقال الشافعي رحمه الله : ( ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة ).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي [ص92] وابن حجر في توالي التأسيس [ص114] من طريق الحسن بن الصباح سمعت الشافعي به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
3) وعن جعفر بن برقان قال : قال ميمون بن مهران رحمه الله : ( يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره ).
أثر حسن
أخرجه المروزي في حديث يحيى بن معين [ص156] وابن عساكر في تاريخ دمشق [ج17ص483] وأبو نعيم في الحلية [ج5ص75] من طريق أبي يزيد الخزاعي عن جعفر به .
قلت : وهذا سنده حسن .
يقول العلامة ابن القيـم رحمه الله :
( فـإذا ظفرت بـرجـل واحد من أولـي العلم ، طـالب للدليل ، مـحـكـم لـه، مـتــبع للحق حيث كان ، وأين كان ، ومع مـن كان ، زالت الوحـشـة ، وحصلت الألـفــة ، ولـو خالفك ، فـإنـه يـخـالفك ويعذرك.
والجاهل الظـالم يخـالفك بـلا حـجـة ، ويــكـفــرك أو يبـدعك بـلا حـجـة، وذنبــك : رغـبـتـك عن طـريقـته الوخـيمة ، وسـيرته الذمـيمـة ، فـلا تـغـتر بـكـثرة هذا الضـرب ، فـإن الآلاف الـمؤلـفـة منهم لا يـعــدلــون بـشـخص واحد من أهـل العـلم ، والواحد من أهـل العـلـم يـعدل بـملء الأرض مـنهـم ) .
( إعلام الموقعين ) [ج/3 ص 408 ـ 409]
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
إن الحــمـد لله نــحــمــده ونــســتــعــينــه ونــسـتـغـفــره ونــعـوذ بالله مــن شــرور أنفــسـنـا وسـيـئـات أعـمـالــنـا مــن يــهــده الله فـلا مــضــل لــه ومــن يــضــلـل فـلا هـادي لــه، وأشـهــد أن لا إلــه إلا الله وحـده لا شــريك لــه وأشـهـد أن مــحــمـدا عــبــده ورســولــه.
¼ WäQSTÿKVH;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@ N éSÞWÚ ò N éSTÍPVT@ JðW/@ VPÌW -YãYWÍST WWè JðÝSTéSÙWT PVMX ØSßKV Wè WÜéSÙYÕó©QSÚ » . آل عمران الآية [102] .
¼ WäQSTÿKVH;TTWÿ ñ§PVÞÖ@ N éSTÍPVT@ SØRÑPVð¤ ÷Y¡PVÖ@ yRÑWÍVÕW ÝYQÚ w¨pTÉTPVß xáðY.Wè WÌVÕWWè Wä`ÞYÚ WäW`èW¦ JðWTWè WÙSä`ÞYÚ ^WX¤ _¤kYVÒ _ò:&ð©YTßWè N éSÍPVT@ Wè JðW/@ ÷Y¡PVÖ@ WÜéSTÖò:W©WT -YãY &W×W`¤VKô@ Wè QWÜMX JðW/@ WÜVÒ `ØRÑ`~VÕWÆ _T~YÎW¤ (1) ». النساء الآية [1].
¼ WäQSTÿKVH;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@ N éSÞWÚ ò N éSÍPVT@ JðW/@ N éRÖéSTÎWè ¾óéTWTÎ _ÿYWª (70) óYÕp±STÿ óØRÑVÖ `yRÑVÕHTWÙ`ÆVK ó£YÉpTTçÅWTÿWè `ØRÑVÖ %óØRÑWTéSTßS¢ ÝWÚWè XÄTY¹STÿ JðW/@ ISãVÖéSªW¤Wè `WÍWTÊ W¦WTÊ Z¦óéTWTÊ [Ù~YÀ¹WÆ (71) » . الأحزاب الآية [70 ـ 71] .
أمــا بــعــد ،،
فـإن أصـدق الحــديث كــتــاب الله وخـيـر الهـدي هـدي مـحـمـد صــلـى الله عــلــيـه وســلـم ، وشـر الأمـور مـحـدثـاتـهـا وكـل مـحـدثـة بـدعـة ، وكـل بــدعـة ضـلالـة ، وكل ضـلالـة فـي النــار .
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما السهمان من سهام الإسلام ، والعمادان العظيمان من أعمدة هذا الدين ، والركنان الكبيران من أركانه ، وهو مــجمع على وجوبهما إجماعا من سابق هذه الأمـة ولاحقهــا لا يــعــلــم في ذلك خلاف (1).
قال ابن تيمية رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ص9] : (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله ، وهو من الدين ) . اهـ
وقال القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن [ج4ص27] : ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانا واجبين في الأمم المتقدمة ،وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة ).اهـ
وقال ابن حزم رحمه الله في الفصل [ج54ص19] : ( اتفقت الأمـة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منها ). اهـ
وقال الجصـاص رحمه الله في أحكام القرآن [ج2ص486] : ( أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكــر في مواضع من كتابـه الكريم ، وبينـه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني [ج4ص586] .
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة وأجمع السلف وفقهاء الأمصار رحمهم الله على وجوبه ).اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير [ج1ص450] : ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرمن أعظم واجبات الشريعة المــطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، وركن مـشيد من أركانها ، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها ).اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد [ج8ص148] : ( وعلى العالم أن يغضب عند المنكر ويغيره إذا لم يكن لنفسه ).اهـ
وقد فرضه الله تعالى على الأمة الإسلامية ، حيث أن مسؤولية المسلمين جميعا ، قال تعالى : ¼ óØSÞRÒ W¤`kTW ]àTTPVÚRK pWX£pTTRK X§PVÞYÕÖ WÜèS£SÚ<KWT gÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y fûóéTWä`ÞWTWè XÝWÆ X£W|ÞSÙ<Ö@ WÜéSÞYpÚëSTWè %YJð/@Y »(1)
وهذه الآية تدل على مشروعية الإنكار على العلماء وطلبة العلم والوالدين وغيرهم لأنها تشمل جميع أصناف الناس ، لأن هذه الأمة أخرجت لنفع الناس ونفعها إياهم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .
قال ابن تيمية رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ص12] : (فبين الله سبحانه أن هذه الأمة خير الأمم للناس فهم أنفعهم لهم ، وأعظمهم إحسانا إليهم ، لأنهم كل خير ونفع للناس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [110] .
وقال تعالى : ¼ ÝRÑW<ÖWè óØRÑÞPYÚ(1) bàTTQWÚRK WÜéSÆ`WTÿ øVÖXM X¤`kTW<Ö@ WÜèS£SÚ<KWTÿWè gÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y WÜóéTWä`TÞWTÿWè XÝWÆ &X£VÑÞSÙ<Ö@ ðÐMXù;HTTVÖOèKR Wè SØSå »fûéSYÕpTÉSÙ<Ö@ (2).
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره [ج2ص86] : ( والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة مــتصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من أفراد الأمـة بــحــسبه ، لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره ..) .اهـ
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلاصة وصفة هذه الأمة التي لا تزال أبدا على هذا الحال الذي أخبر ، والجماعة وهم العصابة الطائفة المنصورة في الحديث النبوي ( لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) وفي الحديث بشارة عظيمة لمن اتــصف بالصفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال العلماء : معنى قولـه ( أمـة ) ؛ ( أي أئمة ، فتكون ( من ) هنا للتبعيض ، أي أئمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الدعاء إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصلح إلا لمن علم المعروف والمنكر وكيف يرتب الأمر في إقامته ، وكيف يباشر الأمر ، فإن الجاهل ربما أمر بمنكر ونهى عن معروف ، وقد يغلط في موضع اللين أو يلين في موضع التغليظ ، فعلى هذا يكون متعلق الأمر ببعض الأمة وهم الذين يصلحون لذلك ) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [ص49] .
2) سورة آل عمران آية [104] .
المذكورة أنه لا يخاف الضرر وإن كثر أهل الفساد فيكون أبدا مطمئن النــفـس منشرح الصدر لأن المؤمنين الذين أوجب لهم النصرة بمجرد الفضل هم الموصوفون في الحديث (1).
فلا يزال في كل عصر طائفة قائمين لله بالحق ، منحوا بحسن المتابعة رتبة الدعوة العلمية ، وجعلوا للمتقين قدوة حقيقية ، قد ظهرت في الخلق آثارهم وأشرقت في الآفاق أنوارهم ، من اقتدى بهم اهتدى ، ومن خالفهم ضل عن طريق الحق واعتدى ، ¼ V¢WÙWTÊ W`ÅWT QXÌW<Ö@ PVMX $ñÔHTVÕJðµÖ@ » (2) ، تالله ما اهتم بالخلاص إلا أهل التقى والإخلاص ، أيامهم بالأمر بالمعروف زاهرة ، ودولتهم بالنهي عن المنكر قاهرة ، قد باعوا عرض الدنيا بجوهرة الآخرة وأسبغ عليهم مولاهم نعمه باطنة وظاهرة ، ووعدهم بتأييدهم ونصرتهم على أهل الفساد بعد تعظيم الأجور فقال تعالى : ¼ ðóéVÖWè SÄpTTÊW JðY/@ ð§QWTÞÖ@ ØSäWµ`ÅWT w´`ÅWYT pWÚJYTSäPVÖ SÄYÚ.WéW² cÄW~YTWè t.WéVÕW²Wè SYHTW©TWÚWè S£W{<¡STÿ Wä~YÊ SØpTª@ JðY/@ % _¤kYW{ UfûW£S±ÞW~VÖWè JðS/@ ÝWÚ ,I%SâS£S±ÞWTÿ UfûMX JðW/@ QdüXéWÍVÖ e¥ÿX¥WÆ (40) WÝÿY¡PVÖ@ ÜMX óØSäHTPVTÞPVÑQWÚ Á X³`¤KKVô@ N éSÚWTÎVK WáléVÕUfT±Ö@ N SéWT òWè WáléTW{QW¥Ö@ N èS£WÚVK Wè gÇèS£`ÅWÙ<Ö@YT N óéWäWTßWè XÝWÆ X%£VÑÞSÙ<Ö@ YãPVÕYÖWè SàWYÍHTWÆ Y¤éSÚRKô@ (41) » (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [ص25] .
2) سورة يونس آية [23] .
3) سورة الحج آيتا [40 ، 41] .
وأمرهم بالصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على لسان عبده لقمان الحكيم حين وصى ابنه دلالة على استباق الخيرات والأجر الموفور حيث قال : ¼ JðøWÞTSHTWTÿ gyYÎVK WáléVTÕJð±Ö@ ó£TSÚK< Wè YÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y Wã`Tß@ Wè XÝWÆ X£VÑ`ÞTSÙ<Ö@ `¤Yip²@ Wè uøVÕWÆ :WÚ ð$ÐWW²VK QWÜMX ðÐYÖ.V¢ óÝYÚ X×ó¥TWÆ X¤éSÚRKô@ (17) » (1) .
وقال تعالى ¼ fûéSMXù;HTTPVÖ@ fûèSYHTWÅ<Ö@ fûèSYÙHTW<Ö@ fûéSMXù;HTJð©Ö@ fûéSÅY{.QW£Ö@ fûèSYHTJð©Ö@ WÜèS£YÚ@ YÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y fûéSåQWÞÖ@ Wè XÝWÆ X£W|ÞSÙ<Ö@ WÜéRÀ¹YÉHTW<Ö@ Wè Y èSSYÖ %JðY/@ X£PYWTWè fûkYÞYÚ`ëSÙ<Ö@ (112) » (2) الآية .
وقال تعالى : ¼ WÜéSÞYÚpëTSÙ<Ö@ Wè ñHTWÞYÚ`ëSÙ<Ö@ Wè óØSäSµ`ÅWT Sò:WT~YÖ`èVK &w´`ÅWT fûèS£SÚ<KWTÿ YÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y WÜ`éWä`ÞWTÿWè XÝWÆ X£VÑÞSÙ<Ö@ fûéSÙ~YÍSTÿWè WáléVÕJð±Ö@ fûéST`ëSTÿWè WáléTW{QW¥Ö@ fûéSÅ~Y¹STÿWè JðW/@ ,I&SãVÖéSªW¤Wè ðÐMXù;HTTVÖOèKR SØSäSÙW`¤WkWTª %JðS/@ QWÜMX JðW/@ d¥ÿX¥WÆ cy~Y|W (71) » (3).
وهذه سنـة الله تعالى التي رسمها للمسلمين في كل زمان ومكان . لا تكلف العلماء وحدهم بالتغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل تفرض على سائر فئات المجتمع من ذكور وإناث .
قال العلامة السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن [ج3ص264] : (قولـه [والمؤمنون والمؤمنات ] أي ذكورهم وإناثهم [ بعضهم أولياء بعض ] في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة لقمان آية [17] .
2) سورة التوبة آية [112] .
3) سورة التوبة آية [71] .
المحبة والموالاة والانتماء والنــصرة [ يأمرون بالمعروف ] وهو اسم جامع ، لكل ما عــرف حــسنــه ، من العـقـائـد الحسنة ، والأعمال الصالحـة ، والأخـلاق الفاضلة ، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم [ وينهون عن المنكر ] وهو : كل ما خالف المعروف وناقضه ، من العقائد الباطلة والأعمال الخبيثة ، والأخلاق الرذيلة ).اهـ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رآى منــكم منـكـرا فــلــيــغــيره بــيــده ، فـإن لــم يــســتــطــع فــبــلــســانــه فـإن لــم يــســتــطــع فــبــقــلــبــه ، وذلك أضــعــف الإيمــان ) (1).
قال الدمشقي رحمه الله في الكنز الأكبر [ص76] : ( فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الإيمان فلا يجوز لأحد السكوت عنه أصلا لأنه واجب بأمر الله ورسوله ).اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: ( وأجمع المسلمون على أن تغيير المنكر واجب على من قدر عليه ، وأنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه فإن لم يقدر فبلسانه ، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك ، وإذا أنكر بقلبه فقد أدى ما عليـه إذا لم يستطيـع سـوى ذلـك)(2).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص69] وأبو داود في سننه [ج1ص297[ والترمذي في سننه [ج4ص469] والنسائي في سننه [ج8ص111] وابن ماجه في سننه [ج1ص40] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
2) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [ص119] .
قلت : فالعاجز ليس عليه إلإنكار إلا بقلبه .
فكان لزاما على كل المسلمين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر عظيم في الدين ، وهو الذي ابتعث الله له الرسل ، ولو طــوي بساطه وأهــمــل تعليمه وتطبيقه لتعطلت النبوة ، واضـمـحــلـت الرسالة .
قال الدكتور الشيخ صالح السحيمي في منهج السلف في العقيدة [ص46] : (فإن من أعظم وسائل نشر الدين وظهور الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..).اهـ
قال ابن الجعدي رحمه الله: ( اعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل الدين لأنه شغل الأنبياء ، وقد خلفهم خلفاؤهم ، ولولاه شاع الجهل وبطل العلم ) (1).اهـ
لكنه مما يلاحظ أن الكثير ممن يشعرون بمسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يحصرونها فكريا وعمليا في دائرة المنكرات الظاهرة كـ ( الربا والزنا وشرب الخمر ..) ويظن أولئك أنه ما عليهم اتجاه ذلك من شئ إلا المنكرات الظاهرة ، فيترتب على هذا من الفساد وتغيير الدين مالا يخفى على ذي لــب وبصيرة .
وإننا لا نــنكر أن هناك فائدة من إنكار المنكرات الظاهرة ، لكننا في الوقت نفسه نرى هذه الفائدة لا تجدي ولا جدوى لها في عالم التغيير إذا اكتفي بها ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [191] .
وإنما يكون أيضا بتصحيح الاعتقاد للناس وأمرهم بالمعروف الأكبر كـ (التوحيد) ونهيهم عن المنكر الأكبر ومقاومته وإزالته كـ ( الشرك ...) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قولـه تعالى : ¼ fûèS£SÚ<KWTÿ YÇèS£`ÅWÙ<Ö@Y WÜ`éWä`ÞWTÿWè XÝWÆ X£VÑÞSÙ<Ö@ » يأمرون بتوحيد الله وينهون عن المنكر أي الشرك ) (1) .اهـ
فالفائدة تكون قاصرة حين ينهى الداعية الناس عن الزنا والربا وشرب الخمر ... ولا ينهى الناس عن الشرك والبدع والاعتقاد الفاسد ... بل لا ينهى الناس عن زلات وأخطاء العلماء والتعصب المذهبي ونابتة أهل المناهج الجديدة من الحزبيين وغيرهم التي خرجت عن صف العلماء وطلبة العلم وصار ديدنها مهاجمة الدعوة السلفية ، والكيد لعلمائها ودعاتها ، واختلاق الأخطاء لهم ، وإلصاق التهم بهم ، ضاربين عرض الحائط بمنهج النصيحة الشرعي ، ومنهج النقد العلمي النـزيه ، المبني على الأدلة الشرعية ، البعيد عن التعصب والحزبية.
ولم يخصص الله عز وجل أناسا دون آخرين ينفعهم أفراد هذه الأمة ، فهم ينفعون ـ علمائهم وشيوخهم وإخوانهم وأصدقائهم وأقاربهم ـ وآباءهم وأمهاتهم بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كما ينفعون غيرهم من الناس (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [45] .
2) انظر الاحتساب على الوالدين د/ فضل إلهي [ص10] .
قال الجويني رحمه الله في الكافية [ص24] : ( ... فإذا رأى العالم مثله ، يزل ويخطئ في شئ من الأصول والفروع وجب عليه من حيث وجوب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر دعاؤه عن الباطل وطريقه إلى الحق وطريق الرشد والصواب فيه فإذا لـح في خطابه ، وقوى على المحـق شبهـته بما أمكنه من طريق البرهان وحـسـن الجدال فحصل ـ إذ ذاك بينهما المجادلة ، من حيث لم يجد بــدا منها في تحقيق ما هو الحق وتمحيق ما هو الشبهة والباطل ، وصار بذلك بهذا المعنى الجدال من آكد الواجبات والنظر من أولى المهمات ، وذلك يعم أحكام التوحيد والشريعة ).اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج4ص13] : ( ... ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ، ومن يغلط في الرأي والفتيا ، ومن يغلط في الزهد والعبادة ، وإن كان المخطئ المجتهد مغفورا له خطؤه ، وهو مأجور على اجتهاده . فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب ؛ وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله . ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم فإن الله غفر له خطئه بل يجب لما فيه من إيمان وتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك ).اهـ
وقال ابن رجب رحمه الله: ( فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يــبينه للأمـة ، وينصح لهم ، ويأمرهم باتباع أمره ، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة ، فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يــعظـم ويــقتدى به من رأي أي مـعظـم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنـة صحيحة ، وربما أغلظوا في الرد (1) ، ، لا بغضا له ، بل هو محبوب عندهم مــعظـم في نــفوسـهم، ولـكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم ، وأمره فوق أمر كل مخلوق ، فإذا تعارض أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر غيره ؛ فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أولى أن يــقدم ويــتـبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره وإن كـان مغفـورا له ، بل ذلك المخالف المغـفور له لا يكره أن يخالف أمـره إذا ظـهر أمـر الرسول صلى الله عليه وسلم بخلافه ) (2).اهـ
وهكذا شرط النبي صلى الله عليه وسلم على جرير ر ضي الله عنه (( النصح لكل مسلم )) حين جاء يبايعه .
عن جرير بن عبد الله قال : ( أما بعد فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم قلت أبايعك على الإسلام فشرط علي والنـصــح لكل مــسلــم ، فبايعته على ذلك).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج1ص139] من طريق أبي عوانة عن زياد قال سمعت جرير به .
قال ابن عبد السـلام رحمـه الله لحقـوق بعـض المكلفـين على بعـض أمثـلة كـثـيـرة : ( ومـنهـا الإعـانــة عــلى البـر والتــقـوى وعلــى كــل مـبـاح ، ومنهـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال الشيخ ناصر الدين الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم [ص45] : (حتى ولو على آبائهم وعلمائهم ).
2) انظر إيقاظ الهمم للفلاني [ص93] .
الأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الآمر بالمعروف سـعى في جلب مصالح المأمور والنهي عن المنكر سعي في درء مفاسد النهي ، وهذا هو النصح لكل مسلـم وقـد بـايع رسـول الله صلى الله عليه وسلم جريرا على الـنـصـح لكل مسـلـم) (1) اهـ
ومما لا شك فيه أن جميع أصنف الناس بما فيهم العلماء يدخلون فيمن شرط لهم النبي صلى الله عليه وسلم النصح وقت المبايعة ، ومن النصح لهم أمرهم بالمعروف إذا تركوه ، ونهيهم عن المنكر إذا فعلوه .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم [ج2ص22] : ( وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهي أيضا من النصيحة التي هي من الدين ).اهـ
فيأمر العلماء بالمعروف وينهاهم عن المنكر كما يأمر وينهى غيرهم بموجب حديث جرير رضي الله عنه .
ويدل على شرعية الإنكار على العلماء كذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم الداري رضي الله عنه .
عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النـــصــيحــة قــلــنــا لــمـن قال لله ولــكــتــابــه ولــرســوله ولأئـمـة المــســلمين وعـامـتهم ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [ص85] .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص74] وأبو داود في سننه [ج4ص286] والنسائي في سننه [ج7ص156] من طريق سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري به .
فوجبت لهذا النصيحة من الصغير للكبير ومن الكبير للصغير ولا ينبغي أن يتكبر عند قول الحق من الصغير والكبير والجاهل والعالم(1) .
قال الشافعي رحمه الله : ( ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة ).
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي [ص92] بإسناد صحيح .
إلى جانب الآيات العامة الدالة على مشروعية الاحتساب على الجميع قال تعالى : ¼ `¤Y¡ßVK Wè ðÐWTW¤kYWÆ WÜkYTW£pTTÎKKVô@ (214) » (2).
ففي هذه الآية أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته الأقربين (3).
وقال الله تعالى : ¼ WäQSTÿKVH;TTWTÿ fÛTÿY¡PVÖ@ N éSÞWÚ ò N éSTßéRÒ fûkYÚ.QWéWTÎ YãPVÕYÖ ò: WWäS® $Y¸ó©YÍ<Ö@YT WWè óØS|QWTÞWÚX£`ðmïm SÜWLTTTWÞW® ]zóéTWÎ uvøVÕWÆ PVKV &N éSTÖY`ÅWT N éSTÖY`Æ@ WéSå SW£pTTÎKV $uüWépTÍPVÕYÖ N éSÍPVT@ Wè &JðW/@ UfûMX JðW/@ =S¤kYW WÙYT fûéSTÕWÙ`ÅWT (8) » (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للصالحي الدمشقي [ص121].
2) سورة الشعراء آية [24] .
3) انظر الاحتساب على الوالدين د/ فضل إلهي [ص12] .
4) سورة المائدة آية [8] .
ونقل العلامة القاسمي رحمه الله في تفسير الآية عن بعض المفسرين قوله : ( ثمرة الآية الدلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالقسط ، يدخل فيه الشهادة بالعدل والحكم به ، وكذلك الفتوى ، وأن قول الحق لا يــترك وجوبه بعدو ولا صديق ، ولا يجوز اتباع الهوى ) (1). اهـ
وقال الله تعالى : ¼ WäQSTÿKVH;TTWÿ WÝÿY¡PVÖ@ N éSTÞWÚ ò Nv éSTÎ `yRÑW©SÉßKV `yRÑ~YÕ`åVK Wè _¤WTß WåS éSTÎWè ñ§PVÞÖ@ SáW¤WY<Ö@ Wè » .الآية .
ففي هذه الآية الكريمة أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يــقــوا أنفسهم وأهليهم من نار جهنم فأما وقايتهم أنفسهم (2) ـ كما ذكر الحافظ ابن الجوزي ـ فبامتثال الأوامر واجتناب النواهي ، وأما وقاية الأهل فبأن يــأمــروا بالطاعة ويــنهــوا عن المعصية (3).
وقال الله تعالى : ¼ ! <¢MX Wè WÓWTÎ ñy~TYå.W£`TXM YãTTg~VKY W¤W¦ ò S¡YPVWTVK [ÚWÞTTp²VK [$àWäYÖ ò õøPYßMX ðÐHTúW¤VK ðÐWÚóéTWTÎWè Á wÔHTVÕð¶ xÜgkSQÚ (74) » (4) .
قال ابن حبان رحمه الله في البحر المحيط [ج4ص169] مبينا دلالة الآية : (وفيه دليل على الإنكار على من أمــر الإنسان بإكرامه إذا لم يكن على طريقة مستقيمة ، وعلى البداءة بمن يقرب من الإنسان كما قال : ¼ `¤Y¡ßVK Wè ðÐWTW¤kYWÆ WÜkYTW£pTTÎKKVô@ (214) » .اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تفسير القاسمي [ج6ص117] .
2) انظر الاحتساب على الوالدين د/ فضل إلهي [ص115] .
3) انظر زاد المسير لابن الجوزي [ج8ص312] .
4) سورة الأنعام آية [74] .
وقال القاسمي رحمه الله في تفسيره [ج6ص586] : ( ثمرة الآية الدلالة على وجوب النصيحة في الدين لا سيما للأقارب ، فإن من كان أقرب فهو أهم ولهذا قال تعالى: ¼ `¤Y¡ßVK Wè ðÐWTW¤kYWÆ WÜkYTW£pTTÎKKVô@ (214) » وقال تعالى : ¼ Nv éSTÎ `yRÑW©SÉßKV `yRÑ~YÕ`åVK Wè _¤WTß » وقال صلى الله عليه وسلم : ( ابــدأ بــمــن تــعــول ).اهـ
فهذه النصوص عامة تدل على مشروعية الاحتساب والإنكار على الجميع .
قال ابن تيمية رحمه الله في رفع الملام عن الأئمة الأعلام [ص12] : ( ليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يتعمـد مخالفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شئ من سنته دقيق ولا جليل فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أن كل أحدا من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ).اهـ
وإننا والحال هذه لندعوا بدعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما هم فيه يختلفون ، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص734] وأبو داود في سننه [ج1ص487] والترمذي في سننه [ج5ص484] والنسائي في سننه [ج3ص212] من حديث عائشة رضي الله عنها.
فالاكتفاء بإنكار المنكرات الظاهرة فحسب والانشغال بها دون الاهتمام بالهدف الأساسي كما تقدم الذي إذا تحقق تلاشت المنكرات الظاهرة ، فهذا طريق مسدود لا يوصل إلى شاطئ الأمان وبر السلامة ، وعودة الإسلام إلى الحياة من جديد .
فالشريعة الإسلامية تبين أن الخطأ والنقص والجهالة تــعــتــور البشر على مختلف أشكالهم وألوانهم وفئاتهم وأزمانهم .... والعلم ليس مانعا لصاحبه من الخطأ ، ولا مانعا لغيرها من الاحتساب عليه ، فالعالم هناك من هو أعلم منه ، كما أن هناك من انتفع بعلمه واتقى ، وهناك من اغتر بعلمه فجهل واستعلى ، فالاحتساب على العلماء حقيقة ، واحتياجهم إليه واضح .
والعصمة غير ثابتة لأحد من البشر ســوى من عصمه الله تعالى عن الوقوع في الخطأ ، من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم .
والعلماء درجات ومنازل ، ولقد أخذ الله سبحانه العهد والميثاق على العلماء أن يــبينوا ما يحتاجه غيرهم من بيان ، وأن يحملوا دين الله للناس ، وعلى هذا سار علمائنا الأجــلاء يــفيد كل واحد منهم الآخر فيما يحتاجه إليه من جهة ، ويسدده في جوانب النقص التي عنده من جهة أخرى ويبين له وجه الحق إذا أخفى عليه .
وأن العالم المــحــتــسـب عليه يتأثر كثيرا إذا سيقت له الأخبار الواردة في تلك المعصية التي يقترفها فإن ذلك أجدى وأنجح في التأثير (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر د/ العمار [ص115] .
والإنكار على العلماء لا يــقلل من قيمتهم ومكانتهم قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين [ج3ص283] : ( ... ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده ، فلا يجوز أن يــتبع فيها ولا يجوز أن تــهدر مكانته وإمامته من قلوب المسلمين ).اهـ
وقال الشاطبي رحمه الله في الموافقات [ج4ص170] في الكلام على زلة العالم: ( لا ينبغي أن يــنــســب صاحبها إلى التقصير ، ولا أن يــشنع عليه بها ، ولا يــنتــقص من أجلها ، أو يعتقد فيه المخالفة بحتا ، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتــبته في الدين ).اهـ
نظرا إلى ذلك ورغبة في تذكير المسلمين وتبصيرهم بمسئوليتهم في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا سواء أن كان في المنكرات الظاهرة أو في المسائل الإعتقادية أو في المسائل الخلافية الفقهية .
وعزمت بعون الله وتوفيقه على دراسة موضوع من خلال أقوال وأفعال علماء الأمة حول ( الرد على المقلدين أصحاب الأهواء ) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في الفرق بين النصيحة والتعيـير [ص26ـ33] : ( اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره محرم ؛ إذا كان المقصود منه مجرد الذم ، والعيب والنقص .
فأما إذا كان فيه مصلحة عامة للمسلمين ، أو خاصة لبعضهم ، وكان المقصود به تحصيل تلك المصلحة ؛ فليس بمحرم ، بل مندوب إليه .
وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل ، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة ، وردوا على من سوى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه .
ولا فرق بين الطعن في رواة ألفاظ الحديث ، ولا التمييز بين ما تــقبل روايته منهم ومن لا تــقبل ، وبين تبيين خطأ من أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة ، وتأول شيئا منها على غير تأويله ، وتمسـك بما لا يــتمسـك به ؛ لــيــحذر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه .
وقد أجمع العلماء على جواز ذلك ـ أيضا ـ
ولهذا تجد في كتبهم المصنــفة في أنواع العلوم الشرعية من : التفسير ، وشروح الحديث ، والفقه ، واختلاف العلماء ، وغير ذلك ؛ ممتلئة من المناظرات، وردوا أقوال من تــضعف أقواله من أئمة السلف والخلف ، من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ولم يترك ذلك أحد من أهل العلم ، ولا ادعى فيه طعنا على من رد عليه قـولـه ، ولا ذما ولا نقصا .. اللهم إلا أن يكون المصنـف ممن يــفحش في الكلام ، ويسئ الأدب في العبارة ؛ فيــنكـر عليه فحاشته وإساءته ، دون أصل رده ومخالفته ، إقامة الحجة بالحجـة الشرعية ، والأدلة المعتبرة .
وسبب ذلك أن علماء الدين كلهم مجمعون على قصد إظهار الحق ، الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمته هي العليا .
وكلهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شئ منه ليس هو مرتبة أحد منهم ، ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين .
فلهذا كان أئمة السلف المــجمع على علمهم وفضلهم ، يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيرا ، ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم .
وكان بعض المشهورين إذا قال في رأيه بشئ يقول : ( هذا رأينا فمن جاءنا برأي أحسن منه قبلناه ) .
وكان الشافعي [150 ـ 204هـ] يبالغ في هذا المعنى ، ويوصي أصحابه باتباع الحق ، وقبول السنة إذا ظهر لهم على خلاف قولـه ، وأن يـضرب بقولـه حينئذ الحائط ، وكان يقول في كتبه : ( لابد أن يـوجد فيها ما يخالف الكتاب أو السنة ، لأن الله تعالى يقـول : ¼ `éVÖWè WÜW{ óÝYÚ YÞYÆ X¤`kTWTçÆ JðY/@ N èSWWéVÖ Yã~YÊ _TTÉHTTVÕYpTT@ _¤kYW{ » (1).
فحينئذ فــرد المقالات الضعيفة ، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية ، ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء ، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله ، ويثنون عليه، فلا يكون داخلا في باب الغيبة بالكلية .
فلو فـرض أن أحدا يكره إظهار خطئه المخالف للحق ، فلا عبرة بكراهته لذلك ، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) النساء آية [82] .
بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له ، سواء كان في موافقته أو مخالفته .
وهذا من النصيحة لله ، ولكتابه ، ورسوله ، ودينه ، وأئمة المسلمين ، وعامــتهم ، وذلك هو الدين ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله ، إذا تأدب في الخطاب ، وأحسن الرد والجواب ، فلا حرج عليه ، ولا لوم يتوجه إليه ، وإن صدر منه من الاغترار بمقالته فلا حرج عليه .
وقد كان بعض السلف إذا بلغه قول ينكره على قائله يقول : ( كذب فلان ) .
ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( كذب أبو السنابل )) لما بلغه أنه أفتى : أن المتوفـى عنها زوجها إذا كانت حاملا لا تحل بوضع الحمل ، حتى تأتي عليها أربعة أشهر وعشر .
وقد بالغ الأئمة الورعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء ، وردها أبلغ الرد ، كما كان الإمام أحمد يـنكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفردوا بها ، ويـبالغ في ردها عليهم .
هذا كله حكم ظاهر .
أما في باطن الأمر ، فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته ، فلا ريب أنه مثاب على قصده ، ودخل بفعله هذا ـ بهذه النية ـ في النصح لله ، ورسوله ، وأئمة المسلمين ، وعامتهم . وسواء كان الذي بيـن الخطأ صغيرا أو كبيرا ، فله أسوة بمن رد من العلماء مقالات ( ابن عباس ) التي يشذ بها وأنكرت عليه من العلماء ، مثل: المتعة ، والصرف ، والعمرتين ، وغير ذلك .
ـ ثم ذكر :
أن العلماء ردوا مقالات لمثل : ( سعيد بن المسيب ) ، و ( الحسن ) ، و(عطاء ) ، و(طاووس) ، وعلى غيرهم ممن أجمع المسلمون على هدايتهم ، ودرايتهم ، ومحبتهم ، والثناء عليهم .
ولم يعد أحد منهم مخالفوه في هذه المسائل طعنا في هؤلاء الأئمة ولا عيبا لهم .
وقد امتلأت كتب أئمة المسلمين من السلف والخلف بتبيين هذه المقالات وما أشبهها ، مثل: (كتب الشافعي) ، و( إسحاق ) ، و( أبي عبيد ) ، و( أبي ثور ) ، ومن بعدهم من أئمة الفقه والحديث.
وإما مراد الراد بذلك : إظهار العيب على من رد عليه وتنقصه ، وتبيين جهله ، وقصوره في العلم ، سواء كان رده لذلك في وجه مـن رد عليه أو في غيبته ، وسواء كان في حياته أو بعد موته ، وهذا داخل فيما ذمه الله في كتابه ، وتوعد عليه ، في الهمز واللمز.
وهذا كله في حق العلماء ليـقتدى بهم في الدين .
فأما أهل البدع والضلالة ، ومن تشبه بالعلماء وليس منهم ، فيجوز بيان جهلهم ، وإظهار عيوبهم ، تحذيرا من الاقتداء بهم .
وليس كلامنا الآن في هذا القبيل ، والله أعلم .
ومن عرف منه أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله فإنه يجب أن يــعامــل بالإكرام والاحترام والتعظيم كسائر علماء المسلمين الذين سبق ذكرهم وأمثالهم ، ومن تبعهم بإحسان .
ومن عرف أنه أراد برده عليهم التنقيص ، والذم ، وإظهار العيب ، فإنه يستحق أن يـقابل العقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة ) . اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج11ص434] : ( ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة وبالنسخ أخرى ، وهذا الدين لا ينسخ أبدا ، لكن يكون فيه من يدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق من الباطل ، ولابد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفا عن الرسل ، فينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فيحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون ) . اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الرد على المخالف [ص21] : ( ومن استقرأ الوحيين الشريفين رأى في مواقف الأنبياء مع أممهم ، والمصلحين مع أهليهم ، مواقف الحجاج والمجادلة ، والرد على كل ضلالة ومخالفة ، وهكذا ورثتهم من بعدهم على تطاول القرون ) . اهـ
فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في زماننا قائم بالركن الأعظم في الدين ، والمهم الذي ابتعث الله به جميع المرسلين لأنه عليه مدار أمر الدين ، فهذا أتم شرف وأكمل فضل .
وعاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا ، والمـنـكر الآمر طريدا ، والساكت المتحلى حبيبا ، ولم يبق إلا القليل الذي لا تأخذه في الله لومة لائـم ¼ bÔ~YÕWTÎWè WQÚ %óØTSå » (1) يـلـحـقــون بــأول هـــذه الأمــة فـي جـهــادهــم ونــصـرهــم ديــــــن الله قال تعالى : ¼ fûèSXäHTWTmïmñ Á XÔ~YfTTª JðY/@ WWè WÜéSTÊWWTÿ WàWÚóéVÖ &xyMXú:W ðÐYÖ.W¢ SÔpµWTÊ JðY/@ Yã~YTpëSTÿ ÝWÚ &Sò:fTTWTÿ SJðJðS/@ Wè eÄgª.Wè }y~YÕWÆ » (2) وقـــال تــعــالــى: ¼ N èSXäHTWWè Á JðY/@ VPÌW -&YâY WäY WéSå óØRÑHùWWT`@ » (3).
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ( لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها ، ولا تغتر بكثرة الهالكين).(4) اهـ
فلا يردهم راد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يصدهم عنه صاد ، ولا لوم لائم ولا عذل عاذل فلا يخافون في الله لومة الناس ، أي هم صـلاب في دينه لا يبالون بمن لام فيه، فمتى شرعوا في أمر بمعروف أو نهي عن المنكر أمضوه لا يمنعهم اعتراض معترض ولا قول قائل ، وهذان الوصفان ـ الجهاد والصلابة في الدين ـ نتيجة الأوصاف السابقة في قولـه ¼ óØSäQSYSTÿ ,ISãWßéQSmïmYñWè » لأن من أحب الله لا يخشى سواه ، فلا يلاحظون في زلة عالم ولا في خطأ طالب علم ولا في أب إن خالف وأخ ولا صحبة حميم ولا صديق ولا يركنون إلى ثناء مجامل ولا يراعون مصالح دنيوية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة ص آية [24] .
2) سورة المائدة آية [54] .
3) سورة الحج آية [78] .
4) انظر الآداب الشرعية لابن مفلح [ج1ص297] .
وقد بوب النووي رحمه الله في الأذكار [ص474] على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال: (وهذا الباب أهم الأبواب ، أو من أهمها لكثرة النصوص الواردة فيه ولـعـظـم موقعه وشدة الاهتمام به ، وكثرة تساهل أكثر الناس فيه ) . اهـ
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله في قواعد الأحكام في مصالح الأنام [ص109] : (من أتى شيئا مختلفا في تحريمه معتقدا تحريمه وجب الإنكار عليه ، لانتهاك الحرمة ، وإن اعتقد تحليله لم يجب الإنكار عليه إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفا تنقض الأحكام بمثله لبطلانه في الشرع ، إذ لا ينقض إلا لكونه باطلا ) . اهـ
فبيان الخلاف بإظهار الحق من الباطل مقصد عظيم من مقاصد بعثة الرسل لتزول عن الأمة غشاوة الخلاف الطائش والاختلاف الجائر ، وبهذا نجد مجموعة وافرة من الآيات في الجدل والمحاجة ، وإقامة الحجة والبرهان لإقامة الدين وظهوره وحراسته (1).
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في صفة الصلاة [ص60] : ( وأما الاختلاف القائم بين المقلدة فلا عذر لهم فيه غالبا ، فإن بعضهم قد تتبين له الحجة من الكتاب والسنة ، وأنها تؤيد المذهب الآخر الذي لا يتمذهب به عادة ، فيدعها لا لشئ إلا لأنها خلاف مذهبه ، فكأن المذهب عنده هو الأصل ، أو هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، والمذهب الآخر هو دين آخر منسوخ !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الرد على المخالف من أصول الإسلام للشيخ بكر [ص22] .
وآخرون منهم على النقيض من ذلك ، فإنهم يرون هذه المذاهب ـ على ما بينها من اختلاف واسع ـ كشرائع متعددة ، كما صرح بذلك بعض متأخريهم : لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها شاء ، ويدع ما شاء ، إذ الكل شرع ! وقد يحتج هؤلاء وهؤلاء على بقائهم في الاختلاف في ذلك الحديث الباطل ( اختلاف أمتي رحمة ) وكثيرا ما سمعناهم يستدلون به على ذلك ويعلل بعضهم الحديث ويوجهونه بقولهم أن الاختلاف إنما كان رحمة لأن فيه توسعة على الأمة ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة وفحوى كلمات الأئمة السابقة فقد جاء النص على بعضهم برده .
قال ابن قاسم رحمه الله : ( سمعت مالكا والليث يقولان : في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كمال قال الناس فيه توسعة ، ليس كذلك إنما هو خطأ وصواب ) (1).
وقال أشهب رحمه الله : ( سئل مالك عن من يأخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتراه من ذلك سعة فقال : لا والله حتى يصيب الحق ، ما الحق إلا واحد قولان مختلفان يكونان صوابا جميعا ما الحق والصواب إلا واحد).اهـ الألباني
وقال الدمشقي رحمه الله في الكنز الأكبر [ص128] : ( ولا يسقـط عـن المكلــف وجـوب الأمـر بالمعـروف والنــهي عـن المـنكر لكونه لا يفيد في ظنه ، بل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الجامع لابن عبد البر [ج2ص922] .
يجـب عليه فعلـه لقـولـه تعالى : ¼ ó£TPY{W¢Wè QWÜXMVÊ uüW£`{YP¡Ö@ SÄWÉÞW fûkYÞYÚ`ëSÙ<Ö@ » (1) .
فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول لقوله تعالى : ¼ QWÚ øVÕWÆ XÓéSªQW£Ö@ PVMX %SçÄHTVÕWT<Ö@ » (2).
ولا يسقط فرضه أيضا بالتوهم لأنه لو قيل له لا تأمر فلانا بالمعروف فإنه يقتلك لم يسقط عنه لذلك… ولا يسقط وجوبه أيضا بتأويل ولا مداهنة... ولا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعزلة وعدم الاختلاط بالناس ). اهـ
قلت : كما أوجب الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإقامة الحجة على الخلق قال تعالى : ¼ PVWLùYÖ WÜéRÑWTÿ X§PVÞÕYÖ øVÕWÆ JðY/@ =SàQWS W`ÅWT &XÔSªQS£Ö@ » (3).
وإننا نناشد العلماء وطلبة العلم في كل مكان أن يتركوا الخلاف ، وعليهم أن يسعوا جادين مخلصين في طلب الحق واتباعه ليلتقوا على نقطة واحدة ، وعليهم أن يدركوا أن الاختلاف في بعض المسائل الفقهية الفرعية أمر حتمي لا تــسلم منه الأمة ، بل ولم يسلم منه خير هذه الأمة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم أن يعلموا أن الاختلاف ينبغي ألا يؤثر في إلفتهم ومحبتهم وتعاونهم في الدعوة إلى الله إذا كان كل واحد منهم متبعا للدليل غير متعصب لمذهب أو رأي أو حزب ولا متحيز لفئة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الذاريات آية [55] .
2) سورة المائدة آية [99] .
3) سورة النساء آية [165] .
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [19ص191] : ( بل يضل عن الحق من قصد الحق وقد اجتهد في طلبه فعجز عنه فلا يعاقب وقد يفعل بعض ما أمر به فيكون له أجر على اجتهاده وخطئه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنها بدعة إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم وإذا اتـــقى الرجل ربــه ما استطاع دخل في قوله تعالى: ¼ WTÞQWTW¤ W :WTß`¡Y WëST ÜMX :WÞ~Y©PVTß `èVK &WTßK<V¹`KV » وفي الصحيح : (أن الله تعالى قال قد فعلت ) . اهـ
قال الحليمي رحمه الله في المنهاج [ج3ص218] : ( ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مميزا يــرفــق في موضع الرفــق ، ويــعنف في موضع العــنــف ، ويــكلــم كل طبقة من الناس بما يعلم أنه أليق بهم وأنجح فيهم ، وأن يكون غير محابي ولا مــداهــن وأن يــصلح نفسه أولا ويقومها ، ثم يــقبل على إصلاح غيره وتقويمه قال الله عز وجل : ¼ WÜèS£SÚK<WTKV ð§PVÞÖ@ QY¤Yi<Ö@YT WÜóéTW©ÞWTWè óØRÑW©SÉßKV » .اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد في الرد على المخالف [ص45] : ( إذا كان من الواجب كشف الوهم والغلط والخطأ والسقط والسهو وعبور النظر ونحوها من الأسباب الصارفة عن وجه الصواب مع أنه لا غول فيها ولا تأثيم لكن في ترك الوهم وما جرى مجراه ممن علمه إبقاء لشرع مبدل وهذا غش ، فوجب على من علمه النصح للأمة ببيان الغلط والوهم حتى يعاد الحق إلى نصابه .
فإذا كان هذا فيما لا إثم فيه فكيف بكشف المخالفة والنقض على المخالف لإنقاذ الناس من ضلالة أو هوى هذا أوجب وألزم والله أعلم وأحكم .
وهذا واجب الإنقاذ وهو شأن المصلحين وانظر إلى قول الله تعالى : ¼ ò:WWè óÝYÚ W±<ÎVK YàWÞÿYWÙ<Ö@ bÔSW¤ uøWÅ`©WTÿ WÓWTÎ YzóéWÍHTWTÿ N éSÅYPVT@ fûkYÕfTTTªó£SÙ<Ö@ (20) » الآية ، ففي هذه الآية شدة عناية هذا الداعي بالإصلاح وإنقاذ الناس من الشر باتباع المرسلين ).اهـ
علما بأننا لم نأتي في هذا البحث بشئ لم يكن موجودا قبل عند العلماء ، بل هو موجودا قبل عند العلماء ، ولكنه منثور في بطون الكتب لا يصل كله إلى عامة الناس بل كثير من طلبة العلم أيضا .
هذا والشكر والحمد والثناء على الله الحي القيوم الذي أنعم على عبده بإعداد هذا البحث ، ويــرجى بفضله وكرمه وعفوه ورحمته ومنــه وإحسانه قبوله إنه سميع مجيب .
أبو عبد الرحمن الأثري
ذكر الدليل على رجوع السلف الصالح
عن فتواهم المخالفة للكتاب والسنة وعدم إصرارهم عليها (1)
فإن رجوع السلف الصالح بعضهم إلى بعض ، ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب ، وعنده طلب الدليل من الكتاب والسنة ، ولو كان الصواب في قولين متدافعين ما خطـأ السلف بعضهم بعضا ولا رجع بعضهم إلى بعض ، ومن تدبر رجوع السلف عن فتواهم المخالفة للكتاب والسنة علم صحة ما قلناه وإليك الدليل :
1) عن أبي وائل قال : ( جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال : جلس إلى عمر في مجلسك هذا فقال : هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين ، قلت: ما أنت بفاعل . قال : لم ؟ قلت : لم يفعله صاحباك . قال : هما المرآن يقتدى بهما ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج13ص249] من طريق سفيان عن واصل عن أبي وائل به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) فأين رجوع الحزبيين المعاندين والمقلدين والمتعالمين المصرين على فتواهم ومناهجهم المخالفة للكتاب والسنة !! فهم لمنهج السلف مخالفون !! ، وهم عنه حائدون ! ، وإلى غيره داعون ، فإني أنقل ذلك عنهم على الجادة ، أي : على سبيل الاعتبار ، على أن يكون ذلك تعديلا لهم ، وتصحيحا لفتواهم وطرائقهم في المنهج ، والله يهدي من شاء من عباده إنه وحده المستعان .
فأنكر شيبة على عمر عزمه هذا على توزيع مال الكعبة ، حيث لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا خليفته أبو بكر رضي الله عنه بعده ، فلم يكن من عمر إلا الرجوع عن رأيه .
قال ابن بطال رحمه الله: ( أراد عمر قسمة المال في مصالح المسلمين ، فلما ذكره شيبة أن النبي وأبا بكر بعده لم يتعرضا له ، لم يسعه خلافهما ، ورأى أن الاقتداء بهما واجب ) (1). اهـ
2) وعن عكرمة قال : ( أتـى علي بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه)) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص149] وأبو داود في سننه [ج4ص520] والترمذي في سننه [ج4ص59] والنسائي في السنن [ج7ص104] وأحمد في المسند [ج1ص282] وابن ماجه في سننه [ج2ص848] والشافعي في المسند [ج2ص87] والبغوي في شرح السنة [ج10ص238] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص195] والدارقطني في سننه [ج3ص113] وأبو يعلى في المسند[ج4ص409] وابن حبان في صحيحه [ج12ص421] والحميدي في المسند [ج1ص244] من طريق أيوب عن عكرمة به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر فتح الباري لابن حجر [ج13ص252] .
وفي رواية عند الترمذي ( فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
قال العلامة السندي تعليقا على القصة في حاشيته على سنن النسائي [ج7ص105] : (قالوا: كان ذلك منه عن رأي واجتهاد لا عن توقيف ، ولهذا لما بلغه قول ابن عباس رضي الله عنهما استحسنه ورجع إليه كما تدل عليه الروايات).اهـ
3) وعن ابن عباس أنه طاف مع معاوية بالبيت ، فجعل يستلم الأركان كلها (1) فقال له ابن عباس : لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما ، فقال معاوية : ليس شئ من هذا البيت مهجورا ، فقال ابن عباس : ] لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ ، فقال معاوية : صدقت ) .
حديث حسن
أخرجه أحمد في المسند [ج12ص41 ـ البلوغ ] من طريق مروان بن شجاع حدثني خصيف عن مجاهد عن ابن عباس به .
قلت : وهذا سنده حسن .
وأخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص204] من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء به .
وأخرجه الترمذي في سننه [ج3ص204] من طريق عبد الرزاق أخبرنا سفيان ومعمر عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال كنت مع ابن عباس ومعاوية به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني الأربعة الأركان اليمانيين والشاميين . انظر بلوغ الأماني للبنا [ج12ص41] .
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
فأنكر ابن عباس على معاوية فعله هذا محتجا بمعارضته سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن من معاوية رضي الله عنه إلا تأييد موقف ابن عباس رضي الله عنهما والاعتراف بخطئه (1).
قال العلامة أحمد البنا في تعليقه على القصة في بلوغ الأماني [ج12ص41] : (فرجع معاوية إلى قول ابن عباس حينما ظهر له الدليل ، وقال ( صدقت ) وهكذا شأن المؤمن إذا ظهر له الحق ، وكان مخالفا لرأيه ، طرح رأيه واتبع الحق ، والرجوع إلى الحق فضيلة ) . اهـ
4) وعن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري : ( أن أنس بن مالك قدم من العراق ، فدخل عليه أبو طلحة وأبي بن كعب فقرب لهما طعاما قد مسته النار ، فأكلوا منه ، فقام أنس فتوضأ ، فقال أبو طلحة وأبي بن كعب : ما هذا يا أنس ؟ أعراقية (2) فقال أنس : ليتني لم أفعل ، وقام أبو طلحة وأبي بن كعب ، فصليا ولم يتوضآ ) .
حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ [ج1ص288] من طريق موسى عن عبد الرحمن به.
فهذا أنس بن مالك يتوضأ بعدما أكل مما قد مسته النار ، فأنكر عليه أبو طلحة وأبي بن كعب ، وليس له إلا التسليم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر حكم الإنكار في مسائل الخلاف للدكتور فضل إلهي [ص26] .
2) أي بالعراق استفدت هذا العلم ، وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5) وعن حيان العدوي قال : ( سـئل لاحق بن حميد أبو مجلز ، وأنا شاهد عن الصرف ، فقال: كان ابن عباس لا يرى بأسا زمانا من عمره ، حتى لقيه أبو سعيد الخدري ، فقال له : يا ابن عباس ألا تتقي الله ! حتى متى توكل الناس الربا ؟ أما بلغك أن رسول الله r قال ذات يوم وهـو عند أم سلمـة زوجتـه : إني أشتـهي تمر العجوة ، وأنها بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل رجل من الأنصار ، فأوتيت بدلهما تمرة عجوة ، فقدمته إلى رسول الله r فأعجبه ، فتناول تمرة ثم أمسك فقال : من أين لكم هذا ؟ قالت : بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل فلان ، فأتينا بدلهما من هذا الصاع الواحد ، فألقى التمرة من يده ، وقال : ردوه ردوه ، لا حاجة فيه ، التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير ، والذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، يدا بيد مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان ، فمن زاد أو نقص فقد أربا ، في كل ما يكال أو يوزن . فقال : ذكرتني يا أبا سعيد أمرا نسيته ، أستغفر الله وأتوب إليه ، وكان ينهى بعد ذلك أشد النهي) (1).
حديث حسن
أخرجه الحاكم في المستدرك [ج2ص142] وابن عدي في الكامل [ج2ص831] والبيهقي في السنن الكبرى [ج5ص281] والمروزي في السنة [ص55] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص372] من طرق عن حيان به .
قلت : وهذا سنده حسن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وأخرجه أبو يعلى في المسند [ج2ص489] بلفظ قال ابن عباس : ( اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي به الناس في الصرف ) .
قلت : والمراد مناقشة الآراء المخالفة للنصوص ، وبيان وجه مخالفتها ثم إرجاعها على صاحبها . والله ولي التوفيق .
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد [ج21ص75] : ( الحجة عند الاختلاف السنة ، وإنها لحجة على من خالفها ، وليس من خالفها بحجة عليها ) . اهـ
6) وعن عبد الله بن عمر كان يكري أرض آل عمر فسأل رافع بن خديج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض ، فترك ذلك ابن عمر ) .
وفي رواية : ( كنا نخابر(1) ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فتركناها من أجل ذلك ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج3ص1179] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص368] وفي التاريخ [ج1ص357] وفي الكفاية [ص86] وأبو نعيم في الحلية [ج6ص264] والشافعي في الرسالة [ص445] وأبو داود في سننه [ج3ص682] وابن ماجه في سننه [ج2ص819] وأحمد في المسند [ج1ص234] والنسائي في السنن الكبرى [ج3ص103] وفي السنن الصغرى [ج7ص48] والطبراني في المعجم الكبير [ج4ص285] والبيهقي في السنن الكبرى [ج6ص128] والبغوي في شرح السنة [ج8ص257] وابن عبد البر في التمهيد [ج3ص42] والحميدي في المسند [ج1ص198] من طرق عنه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المخابرة : هي مزارعة الأرض بجزء مما يخرج منها كالثلث أو الربع أو بجزء معين من الخارج .
انظر فتح الباري لابن حجر [ج5ص17] .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص445] : ( فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالا ، ولم يتوسـع ، إذ أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها أن يـخابر بعد خبره ، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله ، ولا يقول ما عاب هذا علينا أحد ونحن نعمل به إلى اليوم ) . اهـ
7) وعن ابن عباس أن زيد بن ثابت قال له : ( أتفتي أن تـصـدر(1) الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ فقال ابن عباس فاسأل فلانة الأنصارية (2) هل أمرها بذلك رسول الله ، فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول : ما أراك إلا قد صدقت ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص963] وأحمد في المسند [ج3ص307] والشافعي في الأم [ج2ص181] وفي الرسالة [ص440] والبيهقي في السنن الكبرى [ج5ص163] من طريق طاووس به .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص441] : ( سمع زيد النـهي أن يصـدر أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ، وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي ، فلما أفتاها ابن عباس بالصـدر إذا كانت قد زارت بعد النحر أنكر عليه زيد ، فلما أخبره عن المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك ، فسألها فأخبرته فصدق المرأة ورأى عليه حقا لأن يرجع عن خلاف ابن عباس ، وما لابن عباس حجة غير خبر المرأة ) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أن تصدر الحائض أي ترجع لا تطوف طواف الوداع .
2) هي أم سليم بنت ملحان .
8) وعن الخولاني ( أنه قدم العراق فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود ، فتذاكروا الإيمان ، فقلت أنا مـؤمن ، فقال ابن مسعود : أتشهد أنك في الجنـة ؟ فقـلت : لا أدري مـما يحدث الليل والنهار ، فقال ابن مسعود : لو شهدت أني مؤمن لشهدت أني في الجنة ، قال أبو مسلم : فقلت: يا ابن مسعود : ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله r على ثلاثة أصناف : مؤمن السريرة مؤمن العلانية ، كافر السريرة كافر العلانية ، مؤمن العلانية كافر السريرة ؟ قال : نعم، قلت : فمن أيهم أنت ؟ قال : أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية . قال أبو مسلم : قلت : وقد أنزل الله عز وجل ¼ WéSå ÷Y¡PVÖ@ `yRÑWÍVÕW `yRÑÞYÙWTÊ c£YÊW{ yRÑÞYÚWè &cÝYpÚëQSÚ » ، فمن أي الصنفين أنت ؟ قال : أنا مؤمن. قلت : صلى الله على معاذ ، قال : وما له ؟ قلت : كان يقول : ( اتقوا زلة حكيم ) ، وهذه منك زلة يا ابن مسعود !! فقال : استغفر الله )
أثر حسن
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين [ج2ص333] من طريق هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا محمد بن عبد الله الشعيثي عن حرام بن حكيم ويونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي مسلم الخولاني به .
قلت : وهذا سنده حسن .
9) وعن أبي بكر قال : ( سمعت أبا هريرة يقص ، يقول في قصصه : ( من أدركه الفجر جنبا فلا يصم ) ، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحارث فأنكر ذلك ، فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، فسألهما عبد الرحمن عن ذلك ، قال : فكلتاهما قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم ) ، قال : فانطلقنا حتى دخلنا على مروان ، فذكر ذلك له عبد الرحمن ، فقال مروان : عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة، فرددت عليه ما يقول : قال : فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كله ، قال : فذكر له عبد الرحمن ، فقال أبو هريرة : أهما قالتاه لك ؟ قال : نعم ، قال : هما أعلم . ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس ، فقال أبو هريرة : سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص779] من طريق ابن جريج أخبرني عبدالملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر به .
قال ابن عبد البر في التمهيد [ج7ص157] : ( وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . اهـ
10) وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن عمر رضوان الله عليه ناشد الناس في الجنين فقام حمل بن مالك النابغة فقال : كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى فقتلها وجنينها فقضى رسول الله r فيه بغرة عبد أو أمة وأن تقتل بها ) (1) وقال عمر : لو لم نسمع بمثل هذا قضينا بغيره .
حديث صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة وحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما.
أخرجه أبو داود في سننه [ج4ص689] وابن ماجه في سننه [ج2ص882] والدارقطـنـي في السـنن [ج3ص116 ـ 117] والـدارمي في السنـن [ج2ص196] وأحمد في المسـند [ج1ص364] وابـن حبـان في صحيحـه [ج7ص605]
وعبد الرزاق في المصنف [ج10ص58] وابن أبي عاصم في الآحاد والثاني [ج2 ص308 ] وفي الديات [ص74] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص114] وابن الأثير في أسد الغابة [ج2ص58] والطبراني في المعجم الكبير [ج4ص8] والنسائي في السنن الكبرى [ج4ص218] وفي السنن الصغرى [ج8ص21] والحاكم في المستدرك [ج3ص575] من طريق عمرو بن دينار أنه سمع طاووسا يخبر عن ابن عباس به.
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه الشافعي في الأم [ج6ص107] وفي الرسالة [ص427] وفي المسند [ج2ص103] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص114] وعبد الرزاق في المصنف [ج10ص58] من طريق ابن طاووس عن أبيه عن عمر فذكره مرسلا به.
وقال عمر رضي الله عنه : ( لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا . إن كدنا نقضي فيه برأينا) .
وأخرجه أبو داود في سننه [ج4ص699] من طريق عمرو بن دينار عن طاووس مرسلا به.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج4ص237] وفي السنن الصغرى [ج8ص47] والشافعي في المسند [ج2ص103] .
قال الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص148] : ( قد رجع عمر عما كان يقضي به لحديث الضحاك، إلى أن خالف حـكم نفسه ، وأخبر في الجنين أنه لو لم يسمع هذا لقضى فيه بغيره وقال ـ عمر ـ : إن كـدنا أن نقضي فيه برأينا ) . اهـ
قلت : وفي الحديث أن الوقائع الخاصة في الأحكام قد تخفى على الأكابر من الصحابة والعلماء ويعلمها من دونهم من طلبة العلم ، وفي ذلك رد على المقلد المتعصب إذا استدل عليه بخبر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف رأيه فيجبب : لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا ، فإن ذلك إذا جاز خفاؤه عن مثل عمر رضي الله عنه فخفاؤه عمن بعده أجوز .
ويؤيده حديث البراء بن عازب رضي الله عنه .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( ليس كــلــنا كان يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت لنا ضيعة وأشغال ، ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون ، فيــحدث الشاهد الغائــب ).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص137] وفي معرفة علوم الحديث [ص14] وابن حزم في الإحكام [ج2ص143] وأبو نعيم في أخبار أصبهان [ج2ص2] والرامهرمزي في المحدث الفاصل [ص133] والخطيب في الجامع [ج1ص55] وفي الكفاية [ص385] والفهري في السنن [ص117] والفسوي في المعرفة والتاريخ [ج2ص434]. بإسناد صحيح
قلت : والأصل الرجوع في الوقائع إلى علم آثار النبي صلى الله عليه وسلم .
عن سفيان الثوري قال : ( إنما العلم بالآثار ) .
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى [ص200] وأبو نعيم في الحلية [ج6ص367] و[ج7ص57] وابن عبد البر في جامع بيان العلم [ج2ص34] من طريق عبد العزيز بن أبي رزمة يقول سمعت عبدا لله بن المبارك يقول سمعت سفيان به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، رجاله كلهم ثقات .
ولفظ ابن عبد البر : ( إنما الدين بالآثار ) .
وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد ، إذ قال : ( إن الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل ) ، وقال ابن مسعود : ( إنما كان ذلك والثياب قليلة ) فخرج عمر مغضبا فقال : ( اختلف رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ينظر إليه ويؤخذ عنه ، وقد صدق أبي ولم يأل ابن مسعود ، ولكني لا أسمع أحدا يختلف فيه بعد مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا ) (1).
قلت : فصوب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب لأنه أصاب السنــة، وقطع النزاع بها ، ورجع في الواقعة إلى علم آثار النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يــقـر الخلاف ، وإليك الدليل :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر [ج2ص911] .
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة ، واضعا طرفيه على عاتقه).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص368] من طريق يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمر به .
قال الشافعي رحمه الله : ( كل متكلم من الكتاب والسنة فهو الحق وما سواه هذيان ) (1).
11) وعن عبد الله بن عباس : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد ـ أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ـ فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام قال ابن عباس : فقال عمر : ادع لي المهاجرين الأولين ، فدعاهم ، فاستشارهم ، وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام، فاختلفوا : فقال بعضهم : قد خرجنا لأمر ، ولا نرى أن ترجع عنه ، وقال بعضهم : معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نرى أن تــقدمهم على هذا الوباء . فقال : ارتفعوا عني ، ثم قال : ادع لي الأنصار ، فدعوتهم ، فاستشارهم ، فسلكوا سبيل المهاجرين ، واختلفوا كاختلافهم ، فقال : ارتفعوا عني. ثم قال : ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم فلم يختلف منه عليه رجلان فقالوا : نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء . فنادى عمر في الناس : إني مــصــبـح على ظهر ، فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح : أفرارك من قدر الله ؟ فقال عمر : لو غـيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توالي التأسيس لابن حجر [ص110] .
نـفر من قدر الله إلى قدر الله . أرأيت إن كانت لك إبل هبطــت واديا له عــدوتــان : إحداهم خــصــيمة ، والأخرى جــدبة ، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله ،وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟ قال فجاء عبد الرحمن بن عوف ـ وكان متغيـبا في بعض حاجته ـ فقال : إن عندي في هذا علما ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه ) . قال فحمد الله عمر ، ثم انصرف ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص179] ومسلم في صحيحه [ج4ص1740] من طريق ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن عبدالله بن عباس به .
فائدة :
قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري [ج10ص190] : ( ـ وفي الحديث ـ أن العالم قد يكون عنده ما لا يكون عند غيره ممن هو أعلم منه ، وفيه وجوب العمل بخبر الواحد ، وهو من أقوى الأدلة على ذلك ) . اهـ
12) وعن بــجـالـة قال : ( لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هــجـر).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج6ص257] وأبو داود في سننه [ج3ص431] والترمذي في سننه [ج2ص393] وأحمد في المسند [ج1ص190] والنسائي في السنن الكبرى [ج5ص235] والحميدي في المسند [ج1ص35] والدارمي في السنن [ج2ص152] والشافعي في الرسالة [430] وعبدالرزاق في المصنف [ج6ص68] وابن زنجويه في الأموال [ج1ص136] والبغوي في شرح السنة [ج11ص168] وابن الجارود في المنتقى [ص408] والدارقطني في السنة [ج2ص154] وأبو عبيد في الأموال [ص36] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص247] والخطيب في الكفاية [ص80] والطيالسي في المسند [ص31] من طرق عن عمرو بن دينار عن بجالة به .
قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
قال الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص431] : ( فقــبــل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف في المجوس عن النبي صلى الله عليه وسلم فاتــبعه ).اهـ
قلت : لأن ذلك كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رأي واجتهاد لا عن توقيف من الكتاب والسنة ، ولهذا لما أخبره عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه استحسنه ورجع إليه .
13) وعن عبد الله بن كعب أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال زيد يغتسل . فقال له محمود إن أبي بن كعب ، كان لا يرى الغسل . فقال له زيد بن ثابت إن أبي بن كعب نـزع عن ذلك قبل أن يموت) .
أثر صحيح
أخرجه مالك في الموطأ [ج1ص47] من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه الشافعي في اختلاف الحديث [ص91] والخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص366] من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن أبي بن كعب به .
14) وعن البويطي قال سمعت الشافعي يقول : (لقد ألفت هذه الكتب ، ولم آل فيها ، ولابد أن يوجد فيها الخطأ ، لأن الله تعالى يقول : ¼ `éVÖWè WÜW{ óÝYÚ YÞYÆ X¤`kTWTçÆ JðY/@ N èSWWéVÖ Yã~YÊ _TTÉHTTVÕYpTT@ _¤kYW{ » فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه ) .
أثر صحيح
أخرجه ابن حجر في توالي التأسيس [ص106] من طريق أحمد بن عثمان ثنا محمد بن الحسن ثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا محمد بن عامر عن البويطي به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
15) وعن أبي ثور قال : ( لما ورد الشافعي العراق وجاءني الحسين بن علي الكرابيسي وكان يختلف معي إلى أهل الرأي فقال لي : [ ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه ، فقم بنا نسخر منه ] ، فذهبنا إليه فسأله الحسين عن مسألة فلم يزل يقول [ قال الله ] ، [ قال رسول الله ] حتى أظلم علينا البيت فتركنا بدعتنا واتبعناه ). (1)
أثر صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لأن أبا ثور أولا كان يتفقه بالرأي ويذهب إلى قول أهل العراق حتى قدم الشافعي بغداد فاختلف إليه ورجع عن الرأي إلى الحديث .
قال أبو حاتم : ( هو رجل يتكلم بالرأي فيخطئ ويصيب ) .
انظر حاشية تذكرة السامع لابن جماعة [116] .
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي [ص66] من طريق أبي عبد الله الفسوي عن أبي ثور به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في توالي التأسيس [ص89] .
وقوله ( فتركنا بدعتنا ) أي سخريتنا بأهل الحديث والاستخفاف بهم ، والتعنت معهم أو التغالي في الرأي ، والتمادي فيه .
وقوله ( واتبعناه ) أي اتبعنا ما عند الشافعي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال ميمون بن مهران رحمه الله : ( من أساء سرا فليتــب سرا ، ومن أساء علانية فليتــب علانية ) (1).
16) وعن أنس بن مالك قال : ( كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ (2) وتمر فجاءهم آت فقال : إن الخمر قد حــرمت . فقال أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها ، قال أنس : فقمت إلى مهراس (3) لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج10ص36] ومسلم في صحيحه [ج3ص1572] ومالك في الموطأ [ج2ص846] والشافعي في الرسالة [ص409] والبيهقي في السنن الكبرى [ج8ص286] وفي المعرفة [ج13ص8] من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر تهذيب الكمال للمزي [ج29ص222] .
2) الفضيح : شراب يــتخذ من البــسر .
3) المهراس : حجر مستطيل منقور يتوضأ منه ويدق فيه .
انظر فتح الباري لابن حجر [ج10ص36] .
الله أكبر هذا هو الاتـــباع حقا ،والصدق في حـب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والرجوع إلى الحق وعدم التمادي في الباطل .
فوجب على الناس أن يسلكوا سبيل السنة المحمدية وآثار السلف أخذا بالكتاب والسنة والآثار ، وأما أن نخالف حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا عنه وآثارا عن السلف ثابتة عنهم بالتقليد والتعصب هذا هو المحرم بعينه .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص409] : ( وهؤلاء في العلم والمكان من النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم، وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه ، فجاءهم آت ، وأخبرهم بتحريم الخمر ، فأمر أبو طلحة ، وهو مالك الجرار ، ولم يقل هو ولا هم ولا واحد منهم نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع قربه منـا ، أو يأتينا خبر عامة … والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم).اهـ
عن أبي سعيد الخدري قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه ، فاشتد عليه ، حتى قال له : أحـرج عليك ألا قضيتني ، فانتهره أصحابه ، وقالوا : ويحك ! تدري من تكلم ! قال : إني أطلب حقي ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( هـلا مع صاحب الحق كنتم ؟ ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها : إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك فقالت : نعم يا بأبي أنت يا رسول الله قال : فأقرضته ، فقضى الأعرابي وأطعمه ، فقال : أوفيت أوفى الله لك ... الحديث ).
حديث صحيح
أخرجه ابن ماجه في سننه [ج2ص810] من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه البوصيري في مصباح الزجاجة [ج2ص249] والألباني في صحيح ابن ماجه [ج2ص55] .
والشاهد قوله : ( هـلا مع صاحب الحق كنتم ) .
حيث حثهم النبي صلى الله عليه وسلم على القيام ـ والوقوف ـ مع صاحب الحق أي ينبغي لكم أن تكونوا مع صاحب الحق (1).
فالمؤمن يجب عليه الرجوع إلى الحق ، وأن يكون مع أهل الحق .
قلت : وفي الحديث حــسـن خــلــق النبي صلى الله عليه وسلم وعــظــم حلمه وتواضعه وعفوه وإنصافه ، فكان ذلك درسا هائلا وتوجيها عمليا .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ومن خاصم في باطل(2) وهو يعلمــه لم يزل في سخط الله حتى ينزع (3)منه ، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال(4) حتى يخرج مما قال ) .
حديث صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه [ج2ص79] .
2) أي يعلم أنه باطل أو يعلم نفسه أنه على الباطل أو يعلم أن خصمه على الحق أو يعلم الباطل أي ضده الذي هو الحق ويصر عليه .
3) أي يترك وينتهى عن مخاصمته .
4) ردغة الخبال : هي طين ووحل كثير ... عصارة أهل النار .
انظر عون المعبود للآبادي [ج3ص332] .
أخرجه أبو داود في سننه [ج4ص23] وأحمد في المسند [ج2ص70] والحاكم في المستدرك [ج2ص27] والبيهقي في السنن الكبرى [ج6ص82] وفي شعب الإيمان [ج6ص121] من طريق زهير ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن ابن عمر به .
قلت : وهذا سنده صحيح ، وقد صححه الألباني في الصحيحة [ج1ص798].
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي .
وقال المنذري في الترغيب [ج3ص152] : ( رواه أبو داود والطبراني بإسناد جيد ) .
قلت : فليحذر أهل التقليد من هذا الوعيد .
قال القرطبي في تفسيره [ ج3ص194] : ( فلا يجوز لأحد أن يخاصم على أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق ) . اهـ
ولذلك أعظم الناس خطايا وآثام يوم القيامة أكثرهم خوضا في الشر والباطل اللهم سلم سلم .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إن أكثر الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل ) .
أثر صحيح
أخرجه أحـمد في الزهد [ص233] والطبراني في المعجم الكبير [ج9ص108] وابن أبي الدنيا في الصمت [ص80] من طريق الأعمش عن صالح بن خنباب عن حصين بن عقبة قال قال عبد الله به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وقال العراقي في المغني [ج3ص122] : ( سنده صحيح ) .
وقال الهيثمي في المجمع [ج10ص303] : ( رجاله ثقات ) .
قلت : وما ضل قوم إلا أوتوا الجدل والباطل والخصام والله المستعان .
قال ابن قدامة رحمه الله في روضة الناظر [ص196] : ( أما الإجماع فإن الصحابة رضي الله عنهم اشتهر عنهم في وقائع لا تــحصى إطلاق الخطأ على المجتهد ـ ثم ذكر الآثار في ذلك ـ ثم قال : وهذا اتفاق منهم على أن المجتهد يخطئ). اهـ
17) وعن سليمان بن يسار أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا في المتوفى عنها الحامل ، تضع عند وفاة زوجها ، فقال : تعتد آخـر الأجلـين (1)، فقال أبو سلمة حين تضع ، فقال أبو هريرة : وأنا مع ابن أخي ، فأرسلوا إلى أم سلمة فقالت : قد وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بيسير ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) آخر الأجلين : أي يتربصن أربعة أشهر وعشرا ، ولو وضعت قبل ذلك ، فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع .
انظر فتح الباري لابن حجر [ج8ص654] .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج2ص1122] والبيهقي في المعرفة [ج11ص204] من طريق يحيى بن سعيد أخبرني سليمان به .
وأخرجه البخاري في صحيحه [ج8ص653] ومالك في الموطأ [ص580] والشافعي في الأم [ج5ص224] والترمذي في سننه [ج4ص119] والنسائي في السنن الصغرى [ج6ص192] وفي التفسير [ج2ص447] وابن عبد البر في التمهيد [ج23ص152] من طريق يحيى قال أخبرني أبو سلمة به .
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح [ج8ص654] : ( قوله : قال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة أي وافقه فيما قال ) .اهـ
قلت: يعني صار مع صاحب الحق .
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار [ج18ص177] : ( وأما ابن عباس فقد روي عنه أنه رجع إلى القول بحديث سبيعة ) . اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد [ج23ص150] : ( وفيه دليل على أن العلماء لم يزالوا يتناظرون ، ولم يزل منهم الكبير لا يرتفع على الصغير ، ولا يمنعون الصغير إذا علم أن ينطق بما علم ورب صغير في السن كبير في علمه ، والله يمن على من يشاء بحكمته ورحمته .
وفيه دليل على أن المناظرة وطلب الدليل وموقع الحجة ، كان قديما من لدن زمن الصحابة هلم جرا لا ينكر ذلك إلا جاهل .
وفيه دليل على أن الحجة عند التنازع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من كتاب الله ، وفيما فيه نص أيضا إذا احتمل الخصوص لأن السنة تفيد مراد الله من كتابه ) . اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله تحت هذا الحديث في إعلام الموقعين [ج2ص291] : ( وقد تقدم من ذكر رجوع عمر وأبى موسى وابن عباس عن اجتهادهم إلى السنة). اهـ
قلت : فالسلف يرجعون عند مخالفتهم للكتاب والسنة ، فليتنا نتخذهم قدوة لنكون من زمرتهم يوم القيامة .
18) وعن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس: (أهدي رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن الله حرمها ؟ فقال : لا ، فسار إنسانا إلى جنبه قال : ثم ساررته فقال : أمرته أن يبيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الذي حرم شربها حرم ثمنها ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج5ص1205] ومالك في الموطأ [ج2ص849] والبيهقي في المعرفة [ج13ص8] من طريق زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري به .
19) وعن أنس بن مالك قال : ( كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ ـ البسر ـ والتمر ، فإذا مناد ينادي ، إن الخمر قد حرمت . قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال أبو طلحة : اخرج فأهرقها ..) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج5ص112] ومسلم في صحيحه [ج ص1570] وأبو داود في سننه [ج3ص325] والبيهقي في المعرفة [ج13ص11] من طريق حماد حدثنا ثابت عن أنس به .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص424] : ( ودلالة على أنه لو مضى أيضا عمل من أحد من الأئمة ، ثم وجد خيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف عمله لترك عمله لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودلالة على أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بنفسه ، لا يعمل غيره بعده … بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله ، وترك كل عمل خالفه).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة [ص486] : ( فالناس متعبدون بأن يقولوا ويفعلوا ما أمروا به ، وينتهوا إليه ، لا يجاوزونه ) . اهـ
20) وعن خالد بن عبد الرحمن قال : ( كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك ، فسمع غناء من الليل ، فأرسل إليهم بكوة فجئ بهم ، فقال : إن الفرس لتصهل فتستودق له الرمكة ، وإن الفحل ليحظر فتضبح له الناقة ، وإن التيس ليثب فتستحرم له العنز ، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة ، ثم قال : اخصوهم ، فقال عمر بن عبد العزيز : هذا مـثلة ولا يحل ، فخلى سبيلهم).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي [ص52] والحكيم في المنهيات [ص107] والبيهقي في شعب الإيمان [ج9ص332] من طريق الفضل بن موسى عن داود بن عبد الرحمن عن خالد به .
قلت : وهذا سنده حسن .
21) وقال ابن وهب : ( سمعت مالكا ســئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس ـ يعني ليس بسنة ـ قال : فتركته حتى خف الناس فقلت له عندنا في ذلك سنـة ، فقال : وما هي ؟ قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلـك بخنصره ما بين أصابع رجليه(1) ، فقال : إن هذا الحديث لحسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة ، ثم سمعته بعد ذلك يــسأل ، فيأمر بتخليل الأصابع ).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [ج1ص31] من طريق أحمد بن عبدالرحمن قال سمعت عمي ابن وهب به .
قلت :وهذا سنده صحيح .
الله أكبر ... هكذا الرجوع والتسليم للسنة . ¼ `ÔWäWTÊ ÝYÚ w£Y{PVQSÚ » .
قال الأثري : فهؤلاء أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها ، ¼ ðÐMXù;HTTVÖOèKR WÝÿY¡PVÖ@ ÷WWå $JðS/@ SØSäHTúWTSäYWTÊ %`âYWT<Î@ » .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث صحيح
أخرجه أبو داود في سننه [ج1ص57]والترمذي في سننه [ج1ص50] وابن ماجه في سننه [ج1ص152] وأحمد في المسند [ج4ص229] والطبراني في المعجم الكبير [ج20ص306] والبيهقي في السنن الكبرى [ج1ص76] والبزار في المسند [ج8ص390] وأبو نعيم في معرفة الصحابة [ج5ص2604] وابن قانع في معرفة الصحابة [ج3ص109] من عدة طرق عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد به.
قلت : وهذا سنده صحيح .
هذا ولو تتبعنا أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسانلطال المقال ، واتسع نطاق الأقوال على أنه معلوم من آرائهم أنهم لا يــقدمون على سنته صلى الله عليه وسلم قول أحد من الرجال (1).
قال أحمد بن سلمة النيسابوري سمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه يقول : (ناظرت الشافعي بمكة في كرى بيوت مكة فاحتج بالحديث : هل ترك عقيل ـ يعني ابن أبي طالب ـ لنا من ظل ؟ فقلت له فيما كنت أحتج به عليه كيف جعفر بن محمد عندك ؟ فقال ثقة كتبنا عن إبراهيم بن أبي يحيى عند العمارة حديثا عنه . فقلت حدثني جعفر بن غياث القاضي ، عن جعفر بن محمد وسردت الباب في الكراهية في كــرى بيوت مكة ) فلما فرغت نظر الشافعي إلي وقد احمـرت عيناه ووجـنــتــاه واختلط فقال لي : يا خراساني لو كنت مثلك كنت أحتاج أن أسلسل).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي [ص177] وإسناده صحيح .
قلت : حيث يحتج الشافعي عليه بالحديث ، ويعارضه هو بقول جعفر !!.
قال ابن عبد البر رحمه الله في جامع بيان العلم [ج2ص919] : ( هذا كثير في كتب العلماء ، وكذلـك اختـلاف أصحاب رسـول الله صلى الله عليه وسلم والتابعـين ومن بعدهم من الخالفين ، وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد أن يحيط به كتاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر إرشاد النــقاد إلى تيسير الاجتهاد للصنعاني [ص140] .
فضلا أن يجمع في باب ، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتـنا ، وفي رجوع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم جائز ما قلت أنت ، وجائز ما قلت أنا ، وكلانا نجم يــهتدى به ، فلا علينا شئ من اختلافنا .
ثم قال ابن عبد البر : والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد ، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضاياهم وفتاواهم، والنظر يأبى أن يكون الشئ وضده صوابا .
ولقد أحسن القائل :
إثـبات ضدين معا في حال أقبح ما يأتي من المحال
وتدبر رجوع عمر رضي الله عنه إلى قو معاذ في المرأة الحامل وقوله ( لولا معاذ هلك عمر ) تعلم صحة ما قلنا ).اهـ
قلت : وهذا القول نفيس جدا من الحافظ ابن عبد البر رحمه الله ، تقر به عين المؤمن المنصف الحق ، فعلى الذي ابتلي بمعصية المكابرة على الحق وعدم رجوعه عن الخطأ والغلط أن يراجع الصواب من قريب ويتوب إلى الله ويقلع بدلا من أن يظل مستمرا على المخالفة ، ¼ `ÔWäWTÊ ÝYÚ w£Y{PVQSÚ ».
وقال الإمام المزني رحمه الله صاحب الإمام الشافعي في الحديث : (أصحابي كالنجوم ) (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث موضوع . وهو مخرج في كتابي ( اجتماع جيوش الأسلاف لتبيين فقه الخلاف).
( قال : إن صح هذا الخبر فمعناه : فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به ، لا يجوز عندي غير هذا ، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كانوا عند أنفسهم كذلك ما خطــأ بعضهم بعضا ، ولا أنكر بعضهم على بعض ، ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه فتدبر ) (1).
وقال الشيخ عبد الله المحمود رحمه الله في الحكم الشرعي [ص4] : (وحسبــنا سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين من الرد من بعضهم على بعض في أصول الدين وفروعه ، ولا يجدون فيه غضاضة ولا هضما ، وما من الناس إلا راد ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ).اهـ
وقال الذهبي رحمه الله في السير [ج19ص327] : ( ما زال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده وكــل منهم معذور مأجور ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور وإلى الله تــرجع الأمور ) . اهـ
وقال الشافعي رحمه الله : ( وصنع ذلك الذين بعد التابعين والذين لقيناهم ، كلهم يــثبت الأخبار ويجعلها سنة ، يـحمد من تبعها ويــعــاب من خالفها ، فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم بعدهم إلى اليوم وكان من أهل الجهالة ) (2).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر [ج2ص923] .
2) انظر مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة للسيوطي [ص74] .
وقال الشافعي رحمه الله أيضا : ( ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحدا أخبــر عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم إلا قـــبــل خـبـره وانتــهى إليه وأثــبـت ذلك سنـة)(1).اهـ
الله أكبر فنأتي إلى زمان إذا تمسك المسلم بالأثر والسنة عابــوه ! وإذا خالف حمدوه !.
ضاع الـوفــاء وضاعت بعده الهــمـم والدين ضاع وضاع المـجــد والكــرم
والجور في الناس لا تخــفـى مـعالـمه والعـدل من دونه الأســتــار والظــلـم
وكـل مـن تـابع الشيطان(2) مــحتـــرم وكل من عــبــد الرحــمـن مـهــتـضم(3)
فالمتمسك بالسنة حق التمسك في هذا الزمان غريب بين الناس يــشار إليه بالأصابع لتــبــايــن منهجه مع مناهجهم وطريقه مع طريقهم وسبيله مع سبيلهم.
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص209] : ( فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه ، وفقها فيسنة رسوله ، وفهما في كتابه ، وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات ، وتــنــكبـهم عن الصراط المستقيم ، الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا أراد أن يسلــك هذا الصراط فليــوطــن نفسه قدح الجــهــال ، وأهل البدع فيه وطعنهم عليه، وإزرائهم به ، وتنفير الناس عنه ، وتحذيرهم منه ... إن دعاهم إلى ذلك ـ إلى تحكيم الكتاب والسنة وآثار السلف ـ وقدح فيما هـم عليه ـ من الهوى ـ فهنالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر المصدر السابق [ص73] .
2) تابع الشيطان أهل التحزب فوجدوا من يهتف لهم ، ومن ينصرهم ممن هتف لهم ، وأهل السنة لا يجدون من يذب عنهم وعن عرضهم لكن ¼ QWÜMX ðÐPVW¤ »Y W²ó£TYÙ<Ö@YVÖ
3) انظر البدر الطالع للشوكاني [ج1ص285] .
تــقـوم قيامتهـم ، ويبغون له الغوائل ، وينصبون له الحبائل ... فهو غريب في دينه لفساد أديانهم ، غريب في تمسكه بالسنــة لتمسكهم بالبدع ، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم ، غريب في صلاته ، لسوء صلاتهم ، غريب في طريقه ، لضلال وفساد طرقهم ، غريب في نسبه ، لمخالفة نسبهم ، غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم .
وبالجملة : فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا تجد من العامــة مساعدا ، ولا معينا ، فهو عالم بين جــهـال صاحب سنـة بين أهل البدع ، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع ، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم مــنكر والمــنكر معروف ).اهـ
والغريب صاحب صلاح ودين بين قوم فاسدين ، وصاحب علم ومعرفة بين قوم جهال ، وصاحب صدق وإخلاص بين أهل كذب ونفاق .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص211] : ( ... وهو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين أو عالم بين قوم جاهلين أو صديق بين قوم منافقين).اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في مشكل الآثار [ج1ص299] : ( الإسلام دخل على أشياء ليست من أشكاله ، فكان بذلك معها غريبا لا يــعرف ، كما يقال لمن نزل على قوم لا يعرفونه إنه غريب بينهم ) . اهـ
وقال الآجري رحمه الله في الغرباء [ص23] : ( إن الأهواء المضلة تكثر ، فيضل بها كثير من الناس ، ويبقى أهل الحق الذين هم على شريعة الإسلام غرباء في الناس).اهـ
فلذلك بيــن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام سيرجع إلى الصفة التي كان عليها ابتداؤه ، وهي اغتراب أهله بقلتهم بين أهل الباطل .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريبا ،وسيعود كما بدأ غريبا ، فطــوبــى للغــربــاء ).
أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص130] وابن ماجه في سننه [ج2ص1320] وأحمد في المسند [ج2ص389] وأبو عوانة في صحيحه [ج1ض101] وابن منده في الإيمان [ج1ص521] والآجري في الغرباء [ص20] والبيهقي في الزهد الكبير [ص115] والخطيب في تاريخ بغداد [ج11ص307] وفي شرف أصحاب الحديث [ص23] وفي الموضح [ج1ص141] والطبراني في المعجم الكبير [ج6ص202] وفي المعجم الصغير [ج1ص104] والدولابي في الكنى [ج1ص192] وابن عدي في الكامل [ج2ص462] والقضاعي في مسند الشهاب [ج2ص138] وابن أبي شيبة في المصنف [ج13ص237] والطحاوي في مشكل الآثار [ج1ص298] وبحشل في تاريخ واسط [ص146] والخليلي في الإرشاد [ج2ص658] وتمام في الفوائد [ج5ص113] من عدة طرق عنه به.
قولـه ( بدأ الإسلام غريبا ) أي عند بدء الدعوة في مكة ، وموقف المشركين منها ، ووقوفهم ضد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم إياه ، واستنكارهم ما جاء به من الحق .
وقوله ( وسيعود غريبا كما بدأ ) أي بالتدريج ، حيث تضعف قواعد الدين ، وتنسى أحكامه ، وتذهب معالمه وسننه وتستبدل السنن بالبدع والمحدثات ، وتصبح البدع شرعا يــتبع ، فينكر على أهل السنة ، ومحيـيها ما هم عليه ، لغرابة ذلك عليهم ، وطول العهد بينهم وبين ما قبلهم (1).
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( كيف أنتم إذا لــبــســتـكــم فتنة ؟ يهرم فيها الكبير ، ويربــو فيها الصغير ، ويتخذها الناس سنة ، فإذا غــيرت ، قالوا : غــيـرت السنـة ، قالوا : ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إذا كــثــر قــراؤكم ، وقلـت فقهاؤكم ، وكثرت أمراؤكم ، وقــلـت أمناؤكم ، والتمست الدنيا بعمل الآخر، زاد في رواية : وتفقه لغير الدين ).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في سننه [ج1ص64] والحاكم في المستدرك [ج4ص514] وأبو نعيم في الحلية [ج1ص136] بإسناد صحيح .
فآخر الزمان فإن أهله غرباء كما كان الإسلام عند بدء الدعوة النبوية في مكة، وما لاقاه المسلمون من المعارضة والمحاربة من أهل الشرك والأوثان ، فإن أهل الحق يلاقون في آخر الزمان المحاربة والإنكار من مخالفيهم من أهل الكفر وأهل الأهواء والبدع .
قال ابن رجب رحمه الله في كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة [ص28] : ( وهم في آخر الزمان الغرباء المذكورون في هذه الأحاديث : الذين يــصلون إذا فسد الناس ، وهم الذين يــصلحون ما أفسد الناس من السنــة ، وهم الذين يفرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الفتن للشمري [ص102] .
بدينهم من الفتن ، وهم النـــزاع من القبائل ، لأنـهـم قـــلـوا ، فلا يوجد في كل قــبيلة منهم إلا الواحد والاثنان ، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحد كما كان الداخلون في الإسلام في أول الأمر كذلك وبهذا فســر الأئمة هذا الحديث .
قال الأوزاعي رحمه الله : ( في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ) أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنــة حتى ما يبقى في البلد منهم إلا رجل واحد ) .
ولهذا المعنى يوجد في كلام الســلف كثيرا مدح السنـة ووصفها بالغربة ووصف أهلها بالقــلــة ...
وقال يونس بن عبيد رحمه الله : ( ليس شئ أغرب من السنـة وأغرب منها من يعرفها)(1)...
ومراد هؤلاء الأئمة بالسنـة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات .... ولهذا وصــف أهلها بالغــربة في آخر الزمان لقلتهم وغربتهم فيه ... وفي هذا إشارة إلى قلــة عددهم وقلة المستجيبين لهم والقابلين منهم وكثرة المخالفين لهم والعاصين لهم ، ولهذا جاء في آحاديث متعددة مدح المتمسك بدينه في آخر الزمان وأنه كالقابض على الجمر ، وأن للعامل منهم أجر خمسين ممن قبلهم ، لأنهم لا يجدون أعوانا في الخير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثر صحيح .
أخرجه اللالكائي في الاعتقاد [ج1ص58] وأبو نعيم في الحلية [ج3ص21] .
وهؤلاء الغرباء قسمان :
أحدهما : من يــصلح نفسه عند فساد الناس .
والثاني : من يــصلح ما أفسد الناس ، وهو أعلى القسمين وهو أفضلهما ...
فوصف في هذا الحديث المؤمن العالم بالســنـة الفقيه في الدين بأنه سيكون في آخر الزمان عند فساده مقهورا ذليلا لا يجد أعوانا ولا أنصارا ... وإنما ذل المؤمن آخر الزمان لغربته بين أهل الفساد من أهل الشبهات والشهوات ، فكلهم يكرهه ويؤذيه لمخالفة طريقته لطريقتهم ومقصوده لمقصدهم ومباينته لما هم عليه .. وقد كان السلف قديما يصفون المؤمن بالغــربــة في زمانهم ...).اهـ
ومهما بلغت غربة الإسلام في زماننا فنحن على يقين أن الله مــظـهـر دينه ، ومــنجــز وعده الذي وعد (1).
قال تعالى : ¼ WéSå vüY¡PVÖ@ ðÔWª`¤KV ISãVÖéSªW¤ uüWSä<Ö@ XÝÿY Wè JXÌW<Ö@ ISâW£XäpÀ¹S~YÖ øVÕWÆ XÝÿPYÖ@ -YãPYÕTS{ óéVÖWè WâX£W{ fûéRÒX£pTSÙ<Ö@ » (2).
فالحق أبلج والباطل لجلج ، فإنه ينبغي على أهل الحق أن يدركوا أن العاقبة له ولهم كما قال سبحانه : ¼ SàWYÍHTÅ<Ö@ Wè WÜkYÍQWTSÙ<ÕYTÖ » ... ومهما يحاول الخصوم من تعويق فلن يفلحوا ¼ WÚWè S`~TW{ WÝÿX£YÉHTVÑ<Ö@ PVMX Á wÔHTVÕW¶ » .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر عودة إلى السنة للشيخ علي الأثري [ص18] .
2) سورة التوبة آية [33] .
قال الإمام سهل بن عبدالله التستري رحمه الله : ( عليكم بالأثر والسنـة فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذمـوه ونفروا عنه وتبرؤوا منه ، وأذلــوه وأهانــوه ).
قال العلامة سليمان بن عبد الله رحمه الله في تيسير العزيز الحميد [ص61]: ( رحم الله سهلا ما أصدق فراسته ، فلقد كان ذلك وأعظم ، وهو أن يكفر الإنسان بتجريد التوحيد والمتابعة ، والأمر بإخلاص العبادة لله ، وترك عبادة ما سواه والأمر بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمه في الدقيق والجليل ).اهـ
وهذا المسلم الحق المتجرد للتوحيد والمتابعة ، هو الغريب حقا بين أهل الهوى ، وكلما قوي إيمان العبد وتمسكه بالسنة قويت غربته .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يأتي على الناس زمان ، الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر ) .
حديث حسن
أخرجه الترمذي في سننه [ج4ص526] وفي العلل الكبير [ج2ص831] وابن بطة في الإبانة [ج1ص196] وابن عدي في الكامل [ج5ص1711] والعطار في الاعتقاد [ص87] من طريق إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا عمر بن شاكر عن أنس به .
قلت : وهذا سنده حسن في المتابعات والشواهد .
وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) راجعها في كتاب القابضين على الجمر للشيخ سليم الهلالي .
وعن أبي أمية الشيباني قال : ( أتيت أبا ثعلبة الخــشــني فقلت : يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قلت : قول الله تعالى ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مــؤثــرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ، ودع أمر العــوام ، فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ) .
حديث حسن
أخرجه أبو داود في سننه [ج4ص123] والترمذي في سننه [ج5ص225] والبخاري في خلق أفعال العباد [ص74] وابن ماجه في سننه [ج2ص1330] والطبري في جامع البيان [ج7ص62] والحاكم في المستدرك [ج4ص322] وابن أبي الدنيا في الصبر [ص19] وفي الأمر بالمعروف [ص41]وأبو نعيم في الحلية [ج2ص30] والمقدسي في الأمر بالمعروف [ص19] والبغوي في شرح السنة [ج14ص347] وفي معالم التنزيل [ج2ص72] والطحاوي في مشكل الآثار [ج2ص64] وابن وضاح في البدع [ص160] وابن حبان في صحيحه [ج1ص301] والطبراني في المعجم الكبير [ج22ص220] وفي مسند الشاميين [ج1ص428] وابن بطة في الإبانة [ج2ص589] والبيهقي في سننه [ج10ص92] وفي شعب الإيمان [ج6ص83] وفي الاعتقاد [ص252] وفي الآداب [ص134] وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ [ص286] والداني في الفتن [ /ق/642/ط] والمروزي في السنة [ص14] والهروي في ذم الكلام [ق/133/ط] والجصاص في أحكام القرآن [ج2ص487] من طريق عتبة بن أبي حكيم عن عمرو بن جارية عن أبي أمية به.
قلت : وهذا سنده حسن في المتابعات والشواهد .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد .
وله شواهد يتـقوى بها (1).
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص207] : ( فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شــحـهم وأعـجــب كل منهم برأيه ... وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم ).اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في دقائق التفسير [ج3ص86] : ( .... فإذا قوي أهل الفجور(2) حتى لا يبقى لهم إصغاء إلى البر يــؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعــجب سقط التغيير باللسان في هذه الحال ، وبقي بالقلب ، والشح : هو شدة الحرص التي توجب البخل والظلم ، وهو منع الخير وكراهته ، والهوى المتبع : في إرادة الشر ومحبته ، والإعجاب بالرأي : في العقل والعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) راجعها في كتاب ( القابضين على الجمر ) للشيخ سليم الهلالي .
2) أصحاب الأهواء وهؤلاء لهم غربة مذمومة ، أهل وحشة على كثرتهم .
قال ابن القيم في مدارج السالكين [ج3ص209] بعدما ذكر غربة محمودة قال : (غربة مذمومة ، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق ، فهي غربة بين حزب الله المفلحين ، وإن كثر أهلها فهم غرباء على كثرة أصحابهم وأشياعهم ، أهل وحشة على كثرة مؤنسهم...).اهـ
فذكر فساد القوى الثلاث التي هي العلم والحب والبغض ، كما في الحديث الآخر : ( ثلاث مــهــلــكات ، شــح مــطــاع ، وهــوى مــتــبع ، وإعــجــاب المرء بنفسه ) ، وبإزائها الثلاث المنجيات : ( خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الفقر والغنى ، وكلمة الحق في الغضب والرضــا ) (1).
وهي التي سألها في الحديث الآخر : ( اللهــم إنـي أسـألــك خــشــيــتـك فـي السـر والعــلانــيـة ، وأسـألــك كــلـمـة الحـق في الغــضـب والرضـا ، وأسـألــك القــصـد في الفــقـر والغــنـى) (2).
فخشية الله بإزاء اتباع الهوى ، فإن الخشية تمنع ذلك ، كما قال : ¼ QWÚKV Wè óÝWÚ ðÇW W×WÍWÚ -YãYQTW¤ øWäWTßWè ð¨pTÉPVÞÖ@ XÝWÆ uüWéWä<Ö@ (40) » (3).
والقصد في الفقر والغني بإزاء الشح المطاع .
وكلمة الحق في الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه .
وما ذكره الصديق ظاهر ؛ فإن الله قال : ¼ óØRÑ`~VÕWÆ $óØRÑW©SÉßKV » أي : الزموها وأقبلوا عليها ، ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي .
وقال : ¼ W ØS{QS£ñµWTÿ ÝQWÚ QWÔTW¶ V¢XM &`yTS`TÿWWT`å@ » وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله ، وأدى الواجب من الأمر والنهي وغيرهما ؛ ولكن في الآية فوائد عظيمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث حسن لغيره ، وهو مروي عن جماعة من الصحابة وأسانيده لا تسلم من ضعف .
2) حديث صحيح .
أخرجه النسائي في سننه [ج3ص54] وغيره من عدة طرق عن عمار بن ياسر به .
3) سورة النازعات آية [40] .
أحدها : أن لا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذا كان مهتديا .
الثاني : أن لا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم ، فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى ، والحزن على ما لا يضر عـبـث ، وهـذان المعنيان مذكـوران في قولـه : ¼ `¤Yip²@ Wè WÚWè ðÏS¤`iTW² PVMX YJð&/@Y WWè óÜW¥ímð` `yä`~VÕWÆ WWè ñÐWT Á xÌ`~ð¶ QWÙQYÚ WÜèS£S|`ÙWTÿ (127) » (1).
الثالث : أن لا يركن إليهم ، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات ، كقولـه : ¼ W QWÜPVSÙW ðÐ`~WTÞ`~WTÆ uøVÖXM WÚ WTÞ`ÅPVWTÚ ,-YãYT _.Wè`¦KV `ySä`ÞTQYÚ WWè óÜW¥`WT `ØXä`~VÕWÆ » (2) .
فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية ، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية ، فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم إما راغبا وإما راهبا .
الرابع : أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم ، أو نهيهم أو هجرهم ، أو عقوبتهم ؛ بل يقال لمن اعتدى عليهم عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت ، كما قال : ¼ WWè óØS|QWTÞWÚX£`ðmïm SÜWLTTTWÞW® ]zóéTWÎ » (3).
وقال : ¼ N éSTÕYHTWTÎWè Á XÔ~YfTTª JðY/@ WÝÿY¡PVÖ@ `yRÑWTßéSTÕYHTWÍSTÿ WWè &Nv èSWT`ÅWT UfûMX JðW/@ W JñYSTÿ fÛTÿYTWT`ÅSÙ<Ö@ (190) » . (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النحل آية [127] .
2) سورة الحجر آية [88] .
3) سورة المائدة آية [8] .
4) سورة البقرة آية [190] .
وقال : ¼ XÜXMWTÊ N óéTWäWß@ ðTWTÊ WÜ.Wè`TSÆ PVMX øVÕWÆ WÜkYÙYÕHTJðÀ¹Ö@ » (1).
فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم ، وهذا باب يجب التثبت فيه ، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين .
الخامس : أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع من العلم والرفق ، والصــبــر ، وحـسـن القــصــد ، وسلوك السبيل القصد فإن ذلك داخل في قولـه : ¼ óØRÑ`~VÕWÆ $óØRÑW©SÉßKV » .
وفي قوله : ¼ V¢XM &`yTS`TÿWWT`å@ ».
فهذه خمسة أوجه تــســتــفــاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفيها المعنى الآخر . وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا، وإعراضه عما لا يعنيه ، كما قال صاحب الشريعة : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) (2).
ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه، لا سيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة .
وكذلك العمل ؛ فصاحبه إما معتد ظالم ، وإما سفيه عابث ، وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد في سبيل الله ، ويكون من باب الظلم والعدوان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة البقرة آية [193] .
2) حديث ضعيف ، وقد استوفيت تخريجه في الأضواء السماوية في تخريج أحاديث الأربعين النووية [ص100] .
فتأمل الآية في هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء ، وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة : علمائها ، وعــبـادها ، وأمرائها ، ورؤساؤها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل :
كما بغت الجهمية على المــستـنـة في محنة الصفات والقرآن ؛ محنة أحمد وغيره .
وكما بغت الرافضة على المــستـنـة مرات متعددة .
وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته .
وكما قد بغت المشبهة على المنزهة .
وكما قد بغت بعض المستنة إما على بعضهم ، وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم : ¼ WTÞQWTW¤ ó£YÉ<çÆ@ WTÞVÖ WTÞWéSTñߢ WTÞWTÊ W£óªXM Wè õøYÊ WTßX£`ÚVK » (1).
وبإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق ، أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأمور كلها ، فما أحسن ما قال بعض السلف :
ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين ـ لا يبالي بأيهما ظفر : غلو أو تقصير .
فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تارك الإعانة على البر والتقوى ، وفاعل المأمور به وزيادة منهي عنها بإزائه تارك المنهي عنه وبعض المأمور به ، والله يهدينا الصراط المستقيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة آل عمران آية [147] .
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص206] : ( وأهل هذه الغربة ، هم أهل الله حقا فإنهم لم يأووا إلى غير الله ، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به ، وهم الذين فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم ، فإذا انطلق الناس يوم القيامة مع آلهتهم ، بقــوا في مكانهم ، فيقال لهم : ( ألا تنطلقون حيث انطلق الناس ؟ فيقولون : فارقنا الناس ، ونحن أحوج إليهم منا اليوم وإنا نـنـتظر ربنا الذي كنا نعبده ) فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس ، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا ، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا ، وإن عاداه أكثر الناس وجفــوه ).اهـ
قلت : وهؤلاء هم الغرباء .
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص207] : ( القابضون على الجمر حقا ، وأكثر الناس لائم لهم ، فلغربتهم بين هذا الخلق يــعــدونــهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم ).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص206] : ( ومن صفات هؤلاء الغرباء ـ الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ التمسك بالسنة إذا رغب الناس عنها ، وترك ما أحدثوه ، وإن كان هو المعروف عندهم ، وتجريد التوحيد ، وإن أنكر ذلك أكثر الناس ،وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة ، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده ، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده ، وهؤلاء القابضون على الجمر حقا وأكثر الناس لائم لهم . فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ، ومفارقة للسواد الأعظم ) . اهـ
وقال الآجري رحمه الله في الغرباء [ص38] : ( من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه وزوجته وإخوانه وقربته .
فإن قال قائل : فــلــم يجفوني وأنا لهم حبيب وغمهم لفقدي إياهم إياي شديد؟
قيل : لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها ، ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم، فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب ، وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك الحق جفا عليهم أمرك (1)، فالأبوان متبرمان بفعلك ، والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك ، والإخوان والقرابة فقد زهدوا في لقائك ، فأنت بينهم مكروب محزون ، فحينئذ نظرت إلى نفسك بعين الغربة فأنست ما شاكلك من الغرباء ، واستوحشت من الإخوان والأقرباء ، فسلكت الطريق إلى الله الكريم وحدك ، فإن صبرت على خشونة الطريق أياما يسيرة واحتملت الذل والمداراة مدة قصيرة وزهدت في هذه الدار الحقيرة أعقبك الصبر أن ورد بك إلى دار العافية ، أرضها طيبة ورياضها خضرة ، وأشجارها مثمرة ، وأنهارها عذبة ، ¼ fTTä~YÊWè WÚ Yã~XäWTpTWT ñ¨SÉßVKô@ PR¡VÕWTWè $SÜSkT`ÆKKVô@ » وأهـلـها فـيـها مـخـلــدون ¼ WÜ`éWÍpT©Sÿ ÝYÚ wÌ~YQW¤ ]zéSpTWQÚ » .اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) لكن لا ضرر على أهل التوحيد والسنة من جعجعة المرجفين ، ولمز المبطلين فصيحتهم كمثل دخان ، وهذه سنة الله في عباده المؤمنين ، وما على المسلم إلا الصبر والاحتساب حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا وليتأســى بمن قبله فقد تناولتهم الألسنة البذيئة من أعدائهم وخصومهم وأخرجوا من ديارهم وأوطانهم كما جرى ذلك لأئمة الإسلام وهــداة الأنام فكيف بمن كان في آخر الزمان مع غربة الدين بين الأنام .
وقال الآجري رحمه الله في الغرباء [ص79] : ( الغرباء في وقـتـنا هذا من أخـذ بالسنن وصبر عليها وحذر البدع وصبر عنها ، واتبع آثار من سلف من أئمة المسلمين وعرف زمانه وشدة فساده وفساد أهله فاستغنى بإصلاح شأنه من حفظ جوارحه وترك الخوض فيما لا يعنيه وعمل في إصلاح كسرته وكان طلبه من الدنيا ما فيه كفايته في ترك الفضل الذي يطغيه ، ودارى أهل زمانه ولم يداهنهم وصبر على ذلك فهذا غريب ، من يأنس إليه من العشيرة والإخوان قليل ولا يضره ذلك .
فإن قال قائل : افرق لنا بين المداراة والمداهنة . قيل له : المداراة يثاب عليها العاقل ويكون محمودا بها عند الله ـ عز وجل ـ وعند من عقل عن الله عز وجل ، هو الذي يداري جميع الناس الذين لابد له منهم ومن معاشرتهم ، لا يبالي ما نقص من دنياه وما انتهك به من عرضه بعد أن يسلم دينه ، فهذا رجل كريم غريب في زمانه .
والمداهنة : فهو الذي لا يبالي ما نقص من دينه إذا سلمت له دنياه قد هان عليه ذهاب دينه وانتهاك عرضه بعد أن سلمت له دنياه ، فهذا فعل مغرور ، فإذا عارضه عاقل فقال : هذا لا يجوز لك فعله ، قال : نداري ، فيكسبوا المداهنة المحرمة اسم المداراة ، وهذا غلط كبير من قائله فاعلم ذلك ) . اهـ
قلت : وفي الحديث ( مـداراة النـاس صدقـة ) . فالمؤمن يــداري ولا يــماري ويــداهــن .
قال ابن بطال رحمه الله: ( المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول وذلك من أقوى أسباب الألفة ، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط ، لأن المداراة مندوب إليها ، والمداهنة محرمة ، والفرق بين المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشئ ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك ) (1). اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح [ج10ص528] : ( باب المداراة بين الناس ، هو بغير همز ، وأصله الهمز ، لأنه من المدافعة ، والمراد به الدفع برفق ).اهـ
وقال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم [ص65] : (المداراة لا المداهنة : المداهنة خلق منحط أما المداراة فلا ، لكن لا تخلط بينهما فتحملك المداهنة إلى حضار النفاق مجاهرة ، والمداهنة هي التي تمس دينك ).اهـ
وأصحاب المداهنة هم أصحاب الأهواء ، وإنما يكثرون ويظهرون إذا قل العلم وفشا الجهل ، وفيهم يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج28ص213] : ( فإن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها ، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها ، من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال ، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك والمحال ).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر الفتح لابن حجر [ج10ص528] .
فإذا اشتد ساعدك في العلم فاقمع المبتدع وبدعته بلسان الحجة والبيان والسلام (1).
فالزم السبيل ¼ WWè N éSÅYQWWT WÔSTTJñ©Ö@ ðËQW£WÉWWTÊ óØRÑY ÝWÆ -&YãYÕ~YfTTª » .
قال تعالى : ¼ ðTWTÊ XÄTY¹ST WÜkYPY¡VÑSÙ<Ö@ (8) N èPR Wè óéTVÖ SÝYå`ST fûéSÞYå`TS~TWTÊ (9) » (2).
وقال تعالى : ¼ SÿX£STÿWè fÛTÿY¡PVÖ@ WÜéSÅYQWTWÿ g.WéWäPVÖ@ ÜKV N éSTÕ~YÙWT ½TT`~WÚ _Ù~YÀ¹WÆ » (3).
فالمسلم حاسم في موقفه من الدين لا يدهن ولا يلين (4).
لأن الله أمرنا بطاعته وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يحل مخالفتها إذ أنه عين الضلال وعين المــحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد عمــت البلوى في هذا الزمان ، فلا يقبل الكثير منهم إلا آراء الرجال أما الكتاب والسنة فقد رغب عنهما الكثير ممن سفه نفسه وأعلن عليها بالفجور ولا يعــول عليهما إلا عند الحاجة !!! .
وقد أقسم الله بنفسه في سورة النساء أنهم لا يؤمنون حتى يـحكـمـون النـبـي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله [ص32] .
2) سورة القلم آية [8ـ9] .
3) سورة النساء آية [27] .
4) انظر القابضون على الجمر للشيخ سليم الهلالي [ص50] .
صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فقال تعالى : ¼ ðTWTÊ ðÐQYTW¤Wè W fûéSÞYpÚëSÿ uøPVW ðÏéSÙYPÑWSÿ WÙ~YÊ W£fTTTTW® `ySäWTÞ`~WT QWØR W N èSTTmïYðm õøYÊ `ØXäY©STÉßKV _W£W QWÙQYÚ ð`~ðµWTÎ N éSÙPYÕW©SÿWè _Ù~YÕpT©WT (65) » (1).
وهذا هو مصدر إصرار المسلم على المــضـي في الطريق المملوء بالجمر ، يتعرض لأصناف العذاب فيتضاعف له الأجر ، ويتساقط من حوله الخاذلون فيكون قائد الصبر وإنه لموكب لن ينقطع أبدا حتى يــتــم الله نوره ، ويكبت الباطل وشروره (2).
قلت : ولو كره الحزبيون .
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين [ج3ص203] : ( قال شيخ الإسلام [باب الغربة] قال الله تعالى : ¼ WóéTVÕWTÊ WÜVÒ WÝYÚ XÜèS£TSÍ<Ö@ ÝYÚ óØRÑYÕ`TWTÎ N éSTÖOèKR xàQWT~YÍWT WÜóéTWä`ÞWTÿ XÝWÆ Y fT©WÉ<Ö@ Á X³`¤KKVô@ PVMX ¾~YÕWTÎ óÝQWÙYQÚ WTÞ`~mìðKV %`ySä`ÞYÚ WÄTWTPVT@ Wè fÛTÿY¡PVÖ@ N éSÙVÕVÀº :WÚ N éSTÊX£`TRK Yã~YÊ N éSTßW{Wè fûYkÚX£`SÚ (116) » (3).
استشهاده بهذه الآية في الباب : يدل على رسوخه في العلم والمعرفة ، وفهم القرآن . فإن الغرباء في العالم : هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية . وهم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في قولـه : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ، قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يــصلحون إذا فسد الناس ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء آية [65] .
2) انظر القابضون على الجمر للشيخ سليم الهلالي [ص9] .
3) سورة هود الآية [116] .
فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المــغـبــوطـون ، ولقلتهم في الناس جدا : سمــوا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات ، فأهل الإسلام في الناس غـربـاء . والمؤمـنون في أهـل الإسلام غــربـاء ، وأهل العـلم في المؤمنين غــربـاء (1) . وأهل السـنة ـ الذين يميزونها من الأهواء والبدع ـ فهم غرباء . والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين : هم أشد هؤلاء غربة . ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا . فلا غــربة عليهم . وإنما غربتهم بين الأكثرين ، الذين قال الله عز وجل فيهم: ¼ ÜMX Wè óÄTY¹ST W£WT`{KV ÝWÚ Á X³`¤KKVô@ ðÏéPRÕgµSTÿ ÝWÆ XÔ~YfTTTª &JðY/@ » (2) فأولئك هم الغــرباء من الله ورسوله ودينه . وغــربتهم هي الغربة المــوحشة وإن كانوا هم المعروفين ...
وكيف لا تكون فــرقة واحدة قليلة جدا ، غريبة بين اثـنـتين وسبعين فرقة . ذات أتباع ورئاسات ، ومناصب وولايات . ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فإن نفس ما جاء به : يضاد أهواءهم ولذاتهم ، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم ، والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم ) . اهـ
وقال الآجري رحمه الله في الغرباء [ص24] : ( فإن قال قائل : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وهل يكون إيمان صادق بلا علم ؟ أو يكون إيمان صادق بلا محاربة للبدع والأهواء ؟ دعوة إلى هدى الله وجهاد في سبيله وطاعة رسوله ، وصبر على الأذى في مرضاته .
2) سورة الأنعام الآية [116] .
قيـل لـه : كان الناس قبل أن يــبعث النبي صلى الله عليه وسلم أهل أديان مختلفة : يهود ونصارى ومجوس وعبدة أوثان ، فلما بــعث النبي صلى الله عليه وسلم كان من أسلم من كل طبقة منهم غريبا في حيــه ، غريبا في قبيلته ، مستخفيا بإسلامه ، قد جفاه الأهل والعشيرة ، فهو عنهم ذليل حقير ، محتمل للجفاء ، صابر على الأذى حتى أعز الله عز وجل الإسلام وكثــر أنصاره ، وعلا أهل الحق وانقمع أهل الباطل ، فكان الإسلام في ابتدائه غريبا بهذا المعنى ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( وسيعود غريبا ) معناه ـ والله أعلم ـ أن أهل الأهواء المضلة تكثر فيضل بها كثير من الناس ويبقى أهل الحق الذين هم على شريعة الإسلام غرباء في الناس ، ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، فقيل من هي يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي ) (1). اهـ
وقال الآجري رحمه الله في الغرباء [ص27] : ( فإذا أراد المؤمن العاقل الذي قد فقهه الله عز وجل في الدين وبصره عيوب نفسه وفتح له ما الناس عليه ورزقه معرفة بالتمييز بين الحق والباطل وبين الحسن والقبيح وبين الضار والنافع، وعلم ما له مما عليه ، إذ ألزم نفسه العمل بالحق بين ظهراني من قد جهل الحق بل الغالب عليهم اتباع الهوى ، لا يبالون ما نقص من دينهم إذا سلمت لهم دنياهم ، فإذا نظروا إلى من يخالفهم على طريقتهم ثقل ذلك عليهم فمقتوه وخالفوه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث حسن .
أخرجه الترمذي في سننه [ج ص ] والحاكم في المستدرك [ج1ص1229] والطبراني في المعجم الصغير [ج1ص256] والآجري في الشريعة [ص15] وابن وضاح في البدع [ص85] وقال الترمذي : حديث حسن .
وطلبوا له العيوب ، فأهله به متضجرون ، وإخوانه به مثتقلون ومعاملوه به غير راغبين في معاملته ، وأهل الأهواء على غير مذهب الحق مخالفون فصار غريبا في دينه لفساد دين أكثر الخلق ، غريبا في معاملته لكثرة فساد معايش أكثر الخلق، غريبا في مؤاخاته وصحبته لكثرة فساد صحبة الناس مؤاخاتهم ، غريبا في جميع أمور الدنيا والآخرة ، لا يجد على ذلك مساعدا يفرح به ولا مؤانسا يسكن إليه فمثل هذا غريب مستوحش لأنه صالح بين فساق ، وعالم بين جهال ، حليم بين سفهاء ، يصبح حزينا كثير غمه ، قليل فرحه ، كأنه مسجون ، كثير البكاء ، كالغريب الذي لا يــعرف ولا يأنس به أحد ، يستوحش به من لا يعرفه ، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وسيعود غريبا كما بدأ ) . اهـ
قال ابن القيم رحمه الله في التبيان [ج2ص318] : ( قوله تعالى ¼ ðTWTÊ ðÐQYTW¤Wè W fûéSÞYpÚëSÿ uøPVW ðÏéSÙYPÑWSÿ WÙ~YÊ W£fTTTTW® `ySäWTÞ`~WT QWØR W N èSTTmïYðm õøYÊ `ØXäY©STÉßKV _W£W QWÙQYÚ ð`~ðµWTÎ N éSÙPYÕW©SÿWè _Ù~YÕpT©WT (65) ».
أقسم سبحانه ، بنفسه المقدسة ، قسما مؤكدا بالنفي قبله ، على عدم إيمان الخلق ، حتى يــحكــمـوا رسوله ، في كل ما شجر بينهم ، من الأصول والفروع ، وأحكام الشرع ، وأحكام المعاد ، وسائر الصفات وغيرها .
ولم يــثــبــت لهم الإيمان ، بمجرد هذا التحكيم ، حتى ينتفي عنهم الحرج ، وهو ضيق الصدر ، وتنشرح صدورهم لحكمه ، كل الانشراح ، وتنفسح له كل الانفساح ، وتقبله كل القبــول .
ولم يــثــبــت لهم الإيمان بذلك أيضا ، حتى ينضاف إليه ، مقابلة حكمه بالرضا والتسليم ، وعدم المنازعة ، وانتفاء المعارضة والاعتراض .
فهنا ، قد يــحــكـم الرجل غيره ، وعنده حرج من حكمه .
ولا يلزم من انتفاء الحرج ، الرضا والتسليم ، والانقياد ، إذ قد يحكمه وينتفي الحرج عنه في تحكيمه ، ولكن لا ينقاد قلبه ، ولا يرضى كل الرضا بحكمه .
والتسليم ، أخص من انتفاء الحرج . فالحرج ، مانع ، والتسليم ، أمر وجودي.
ولا يلزم من انتفاء الحرج ، حصوله بمجرد انتفائه إذ قد ينتفي الحرج ، ويبقى القلب فارغا منه ومن الرضا به ، والتسليم له . فتأمله .
وعند هذا يــعلم ، أن الرب تبارك وتعالى ، أقسم على انتفاء إيمان أكثر الخلق.
وعند الامتحان تعلم : هل هذه الأمور الثلاثة موجودة في قلب أكثر من يدعي الإسلام أم لا ؟
والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ).اهـ
وقال ابن القيـم رحمه الله فـي الرسالة التبوكية [ص66] : ( وقال تعالى : ¼ WÚWè WÜVÒ wÝYÚ`ëSÙYÖ WWè ]àWÞYÚ`ëSÚ V¢XM øWµWTÎ JðS/@ ,ISãSTÖéSªW¤Wè [£T`ÚKV ÜKV WÜéRÑWTÿ SØSäVÖ SáW¤WkY<Ö@ óÝYÚ %óØYåX£`ÚVK » ، فدل هذا على أنه إذا ثبت لله ورسوله في كل مسألة من المسائل حكم طلبي أو خبري ، فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه ، وأنـى ذلك لمؤمن ولا مؤمنة أصلا ، فدل على أن ذلك مناف للإيمان).اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفرقان [ص80] : ( ومع هذا فكان عليه أن يعتصم بم جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يقبل ما يرد عليه حتى يعرضه على الرسول ، ولا يتقدم بين يدي الله ورسوله ، بل يجعل ما ورد عليه إذا تبـيـن له من ذلك أشياء خلاف ما وقع له فيرجع إلى السنة ) . اهـ
فالذي أمرنا به عند الاختلاف هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ، فمن وجدناه يخالف ما جاء في الكتاب والسنة ، فإننا مأمورون بالإنكار عليه حسب الاستـطاعـة(1).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .
أخرجه مسلم في صحيحه [ج1ص69] وأبو داود في سننه [ج1ص297] و[ج4ص123] والترمذي في سننه [ج4ص469] والنسائي في سننه [ج8ص111] وابن ماجه في سننه [ج1ص406] و[ج2ص1130] وأحمد في المسند [ج3ص20] وابن حبان في صحيحه [ج1ص262] وعبد الرزاق في المصنـف [ج3ص285] والطيـالـسي فـي المـسـنــد [ص292] والجـوزقـاني في الأبـاطـــيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر حكم الإنكار في مسائل الخلاف للدكتور / فضل إلهي [ص34] .
[ج1ص35] والبيهقي في السنن الكبرى [ج1ص90] وفي شعب الإيمان [ج1ص61] وعبد بن حميد في المنتخب [ص284] وأبو يعلى في المسند [ج2ص289] وابن منده في الإيمان [ج1ص341] وابن الجوزي في الحدائق [ج2ص425] وأبو نعيم في الحلية [ج10ص27] والعسكري في الأوائل [ص125] وابن جماعة في مشيخته [ج2ص510] وابن عبد البر في التمهيد [ج10ص259] وعبد الغني في الأمر بالمعروف والنـهي عن المنكر [ص3] وابن أبي الدنــيا في الأمـر بالمعـروف والنهي عن المنكر [ص51] والأصبهاني في الترغيب والترهيب [ج1ص81] والجصاص في الأحكام [ج2ص486] والمؤمل بن إيهاب في جزئه [ص122] من طرق عنه .
وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يمــنـعــن أحدكم مــخافــة الناس أن يتــكــلـم بحق إذا علــمــه ) . قال أبو سعيد : فما زال بنا البلاء حتى قصـرنا .
حديث صحيح
أخرجه الطيالسي في المسند [ص286] وأحمد في المسند [ج3ص84] وابن حبان في صحيحه [ج1ص511] وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[ص50] والبيهقي في السنن الكبرى [ج10ص90] من طريق شعبة عن قتادة سمع أبا نضرة عن أبي سعيد به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وقد توبع قتادة ، تابعه :
1) سعيد بن إياس الجريري .
أخرجه أحمد في المسند [ج3ص87] وابن حبان في صحيحه [ج1ص509].
وإسناده صحيح .
2) سليمان بن طــرخان التيمي .
أخرجه أحمد في المسند [ج3ص5] والطبراني في المعجم الصغير [ج2ص33] والأصبهاني في الترغيب والترهيب [ج1ص217] .
وإسناده صحيح .
3) سعيد بن يزيد الأزدي :
أخرجه أحمد في المسند [ج3ص44] وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده [ص275] .
وإسناده صحيح .
4) علي بن زيد بن جدعان :
أخرجه الترمذي في سننه [ج4ص419] وابن ماجه في سننه [ج2ص1328] وعبد الرزاق في المصنف [ج11ص346] وأحمد في المسند [ج3ص19] والحاكم في المستدرك [ج4ص505] .
وإسناده حسن في المتابعات .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
5) المستمر بن الريـان الإيادي :
أخرجه أحمد في المسند [ج3ص46] والطيالسي في المسند [ص287] وأبو يعلى في المسند [ج2ص72] وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ص58] .
وإسناده صحيح .
قلت : فكان السلف رضوان الله عليهم يشتد نكيرهـم على من خالف الأحاديث بالآراء والتعســفــات المريضة وربما هجروه تعظيما للسنــة وتوقيرا لها .
عن الزبير بن عربي قال : ( سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما عن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ، قال قلت : أرأيت إن زحمت ، أرأيت إن غلبت ، قال: اجعل أرأيت باليمن ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ) .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص475] والترمذي في سننه [ج3ص20] والنسائي في السنن الصغرى [ج5ص231] والهروي في ذم الكلام [ج2ص13] وأحمد في المسند [ج2ص152] والطيالسي في المسند [ص254] من طريق حماد بن زيد عنه به .
وعند الطيالسي ( اجعل أرأيت مع ذلك الكوكب ) .
وأخرجه الهروي في ذم الكلام [ج1ص131] وابن بطة في الإبانة [ج2ص517] بلفظ: (جعل رجل يقول لابن عمر أرأيت ، أرأيت ، قال : اجعل أرأيت عند الثريا ) .
والثريا : المراد بها النجم المعروف .
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح [ج3ص475] معلقا على قول ابن عمر (اجعل أرأيت باليمن ) وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي ) . اهـ
وعن أيوب قال : ( سأل الحكم بن عتبة ، الزهري وأنا شاهد على عدة أم ولد فقال : السنـة أربعة أشهر وعشرا ، فقال الحكم : ما يقول ذلك أصحابنا ، قال: فغضب وقال : ( يأتيكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تعرضون له برأيكم ) قال : إن بريرة أعتقت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد عدة الحرة ) .
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه [ج1ص385]من طريق محمد بن أيوب أنا أبو الربيع حدثنا حماد نا أيوب به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وعن وكيع بن الجراح رحمه الله قال : ( لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا فإن الإشعار سنـة وقولهم بدعة ) .
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في سننه [ج3ص241] بإسناد صحيح .
وعن ابن شهاب رحمه الله قال : ( سلمـوا للسنـة ولا تعارضوها ) .
أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه [ج1ص385] بإسناد حسن .
لكن أصحاب الأهواء لا يقبلون أمثال هذه الآثار في تبيين السنة ، قال عثمان الدارمي في ( الرد على الجهمية ) [ص106] : ( وقال بعضهم : إنا لا نقبل هذه الآثار ، ولا نحتج بها ، قلت : أجل ، ولا كتاب الله تقبلون ، أرأيتم إن لم تقبلوها ، أتشكون أنها مروية عن السلف ، مأثورة عنهم ، مستفيضة فيهم ، يتوارثونها عن أعلام الناس وفقهائهم قرنا بعد قرن ؟ قالوا : نعم . قلنا : فحسبنا إقراركم بها عليكم حجـة لدعوانا أنها مشهورة مروية ، تداولتها العلماء والفقهاء ، فهاتوا عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كذبتها الآثار كلها ، فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر ولا أثر ، وقد علمتم ـ إن شاء الله ـ أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحكامهم وقضاياهم إلا بهذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف ، وهي السبب إلى ذلك ، والنهج الذي درج عليه المسلمون ، وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله عز وجل . منها يقتبسون العلم ، وبها يقضون ، وبها يقيمون ، وعليها يعتمدون ، وبها يتزينون ، يرثها الأول منهم الآخر ، ويبلغها الشاهد منهم الغائب ، احتجاجا بها ، واحتسابا في أدائها إلى من لم يسمعها، يــســمـونها السنن والآثار والفقه والعلم ، ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها ، يــحــلــون بها حلال الله ويــحــرمون بها حرامه ، ويميزون بها بين الحق والباطل والسنن والبدع ، ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه ، ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى . فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم ، ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه ، وليتأول كتاب الله برأيه خلاف ما عنى الله به .
فإن كنتم من المؤمنين ، وعلى منهاج أسلافهم ، فاقتبسوا العلم من آثارهم ، واقتبسوا الهدى في سبيله ، وارضوا بهذه الآثار إماما ، كما رضى بها القوم لأنفسهم إماما . فلعمري ما أنتم أعلم بكتاب الله منهم ولا مثلهم ، ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما تــروى . فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتــبع غير سبيل المؤمنين وقال الله تعالى : ¼ `ÄTYQWWTÿWè W¤`kTWTçÆ XÔ~YfTTª WÜkYÞYÚ`ëSÙ<Ö@ -YãPYÖWéSTß WÚ uøPVÖWéWT -YãYÕTp±STßWè $WØPVÞWäW pò:WªWè [¤kY±WÚ » (1).
فقال قائل منهم : لا بل نقول بالمعقول ، قلنا : ها هنا ضللتم عن سواء السبيل ، ووقعتم في تيه لا مخرج لكم منه ) . اهـ
وقال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام [ج1ص162] : ( إن لفظ ( أهل الأهواء) وعبارة ( أهل البدع ) إنما تطلق حقيقة على الذين ابتدعوها ، وقدموا فيها شريعة الهوى بالاستنباط والنصر لها ، والاستدلال على صحتها في زعمهم ، حتى عــد خلافهم خلافا ، وشبههم منظورا فيها ، ومحتاجا إلى ردها والجواب عنها . كما نقول في ألقاب الفرق من المعتزلة والقدرية والمرجئة والخوارج والباطنية ومن أشبههم ـ بأنها ألقاب لمن قام بتلك النحل ما بين مستنبط لها وناصر لها ، وذاب عنها ، كلفظ ( أهل السنة ) إنما يطلق على ناصريها ، وعلى من استنبط على وفقها، والحامين لذمارها .
ويرشح ذلك أن قول الله تعالى : ¼ QWÜMX WÝÿY¡PVÖ@ N éSTÎQW£WTÊ óØSäWÞÿY N éSßW{Wè _ÅW~TY® » يــشعــر بإطلاق اللفظ على من جعل ذلك الفعل الذي هو التفريق ، وليـس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء آية [115] .
إلا المخترع أو من قام مقامه . كذلك قوله تعالى : ¼ WWè N éSTßéRÑWT WÝÿY¡PVÖ@TVÒ N éSTÎQW£WÉWT N éSÉVÕWTp@ Wè » وقوله تعالى : ¼ QWÚVKWTÊ WÝÿY¡PVÖ@ Á `yXäYéSTÕSTÎ bçÄ`TÿW¦ WÜéSÅYQWW~WTÊ WÚ WãWHTWWT Sã`ÞYÚ » فإن اتــباع المتشابه يختص بمن انتصب منصب المجتهد لا بغير .
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتــوا بغير علم ) لأنهم قاموا أنفسهم مقام المسـتـنبط للأحكام الشرعية المقتدى به فيها .
بخلاف العوام ، فإنهم متبعون لما تقرر عند علمائهم لأنه فرضهم ، فليسوا بمتبعين للمتشابه حقيقة ، ولا هم متبعون للهوى ، وإنما يتبعون ما يقال لهم كائنا ما كان ، فلا يطلق على العوام لفظ ( أهل الأهواء ) حتى يخوضوا بأنظارهم فيها ويحسنوا بنظرهم ويقبحوا . وعند ذلك يتعين للفظ أهل الأهواء وأهل البدع مدلول واحد ، وهو أن من انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره . وأما أهل الغفلة عن ذلك والسالكون ســبل رؤسائهم بمجرد التقليد من غير نظر فلا .
فحقيقة المسألة أنها تحتوي على قسمين : مبتدع ومقتد به . فالمقتدى به كأنه لم يدخل في العبارة بمجرد الاقتداء لأنه في حكم المتبع ، والمبتدع هو المخترع . أو المستدل على صحة ذلك الاختراع ، وسواء علينا أكان ذلك الاستدلال من قبيل الخاص بالنظر في العلم ، أو كان من قبيل الاستدلال العامي ، فإن الله سبحانه ذم أقواما قالوا : ¼ QWTTßXM :WTß`WWè WTßò:WT ò uvøVÕWÆ xàTTQWÚRK PVTßMX Wè uvøVÕWÆ ØYåX£HTWT ò WÜèSWT`äQSÚ » فكأنهم استدلوا إلى دليل جــمــلــي ، وهو الآباء إذا كانوا عندهم من أهل العقل ، وقد كانوا على ذلك الدين ، وليس إلا لأنه صواب فنحن عليه ، لأنه لو كان خطأ لما ذهبوا إليه .
وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يــشـار إليه بالصلاح ولا ينظر إلى كونه من أهل الاجتهاد في الشريعة أو من أهل التقليد ، ولا كونه يعمل بعلم أو بجهل . ولكن مثل هذا يــعد استدلالا في الجملة من حيث جعل عمدة في اتباع الهوى واطـراح ما سواه . فمن أخذ به فهو آخذ بالبدعة بدليل مثله، ودخل في مسمى أهل الابتداع ، إذ كان من حق من كان هذا سبيله أن ينظر في الحق إن جاءه ، ويبحث ويتأنـى ويسأل حتى يتبين له فيتبعه ، أو الباطل فيجتنبه ، ولذلك قال تعالى ردا على المحتجين بما تقدم : ¼ ! WÔHTWTÎ `éVÖWèKV yRÑST`LùY uüW`åVKY QWÙYÚ `ØPRWWè Yã`~VÕWÆ $`ØS{ò:fTTTT ò » فقال تعالى : ¼ óéVÖWèVK WÜVÒ óØSåSê:T ò W WÜéSÙVÕ`ÅWTÿ _TLTTT`~TW® WWè WÜèSWpTäWTÿ » وفي الآية الأخرى : ¼ óéTVÖWèKV WÜW{ SÝTðHT¹`~JðÖ@ óØSåéSÆ`WTÿ uøVÖXM Y W¡WÆ Y¤kYÅJð©Ö@ » وأمثال ذلك كثير.
وعلامة من هذا شأنه أن يــرد خلاف مذهبه بما عليه من شبهة دليل تفصيلي أو إجمالي ، ويتعصب لما هو عليه غير ملتفت إلى غيره ، وهو عين اتباع الهوى، فهو المذموم حقا . وعليه يحصل الإثم ، فإن من كان مسترشدا مال إلى الحق حيث وجده ولم يرده ، وهو المعتاد في طالب الحق ، ولذلك بادر المحققون إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبين لهم الحق .
فإن لم يجد سوى ما تقدم له من البدعة ، ولم يدخل مع المتعصبين لكنه عمل بها ، فإن قلنا : ( إن أهل الفترة معذبون على الإطلاق إذا اتبعوا من اخترع منهم، فالمتبعون للمبتدع إذا لم يجدوا محقا مؤاخذون أيضا . وإن قلنا : ( لا يعذبون حتى يــبعث لهم الرسول وإن عملوا بالكفر ) فهؤلاء لا يؤاخذون ما لم يكن فيه محق ، فإذ ذاك يؤاخذون من حيث إنهم معه بين أحد أمرين : إما أن يتبعوه على طريق الحق فيتركوا ما هم عليه . وإما أن لا يتبعوه فلابد من عناد ما وتعصب فيدخلون إذ ذاك تحت عبارة ( أهل الأهواء ) فيأثمون ) . اهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أخشى عليكم بعدي الفقر ، ولكني أخشى عليكم التكاثر ، وما أخشى عليكم الخطأ ولكني أخشى عليكم العمد ) .
حديث صحيح
أخرجه ابن حبان في صحيحه [ج8ص16] وأحمد في المسند [ج2ص308] والحاكم في المستدرك [ج2ص534] والبيهقي في شعب الإيمان [ج7ص282] من طريق جعفر بن برقان قال سمعت يزيد بن الأصم يحدث عن أبي هريرة به .
قلت : وهذا سنده صحيح رجاله كلهم ثقات .
وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
وقال الهيثمي في المجمع [ج10ص2236] : ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) .
والحديث صححه الألباني في الصحيحة [ج5ص250] .
فائدة :
قال ابن القيم في إعلام الموقعين [ج4 ص304] : (وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ، ويهجرون فاعل ذلك ، وينكرون على من يضرب له الأمثال ، ولا يسـوغـون غير الانقياد له والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان ، بل كانوا عاملين بقـوله : ¼ WÚWè WÜVÒ wÝYÚ`ëSÙYÖ WWè ]àWÞYÚ`ëSÚ V¢XM øWµWTÎ JðS/@ ,ISãSTÖéSªW¤Wè [£T`ÚKV ÜKV WÜéRÑWTÿ SØSäVÖ SáW¤WkY<Ö@ óÝYÚ %óØYåX£`ÚVK » (1) . وبقوله تعالى : ¼ ðTWTÊ ðÐQYTW¤Wè W fûéSÞYpÚëSÿ uøPVW ðÏéSÙYPÑWSÿ WÙ~YÊ W£fTTTTW® `ySäWTÞ`~WT QWØR W N èSTTmïYðm õøYÊ `ØXäY©STÉßKV _W£W QWÙQYÚ ð`~ðµWTÎ N éSÙPYÕW©SÿWè _Ù~YÕpT©WT (65) » (2) وبقوله تعالى : ¼ N éSÅXPVT@ :WÚ WÓX¥ßKR ØRÑ`~VÖMX ÝYQÚ `yRÑTQYTQW¤ WWè N éSÅYPVTWT ÝYÚ ,-YãTTYßèS %ò:WT~YÖ`èVK ¾~YÕWTÎ QWÚ WÜèS£PV{W¡WT (3) » (3) وأمثالها .
فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا ، يقول : من قال هذا؟ ويجعل هذا دفـعـا في صـدر الحديث أو يجعـل جـهـله بالقائل به حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأحزاب ، آية : 36
2) سورة النساء ، آية : 65
3) سورة الأعراف ، آية : 65
الكلام من أعظم الباطل ، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل ، وأقبح من ذلك عذره في جهله ، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين ، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع ، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة ، والله المستعان .
ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتـــة قال : لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به ، فإن جهل من بلغه الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به كما يقول هذا القائل….
قلت : ولا يجوز إخراج النص عن ظاهره بتأويلات فاسدة .
قال ابن القيم تابع قوله : إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نحلته وهواه ، ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه ، وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الإسلام قديما وحديثا ) . اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين [ج4ص148] : ( فصل : في جواز الفتوى بالآثار السلفية ، والفتاوى الصحابية ، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ، وأن قــربــهـا إلى الصواب بحسب قــرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يــؤخذ بها من فتاوى التابعين ، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين وهــلــم جرا ، وكلما كان العهد بالرسول صلى الله عليه وسلم أقرب كان الصواب أغلب ، وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد من المسائل ) . اهـ
وعن الإمام الشافعي قال : ( ما أوردت الحق والحجة على أحد فقــبــلها مني إلا هــبــتـه واعتقدت مــودتـه ولا كــابــرنــي على الحق أحد ودافع الحــجـة إلا سقط من عينــي ) (1).
وجرت بين الإمام مالك بن أنس مع أبي يوسف صاحب أبي حنيفة مناظرة في بعض المسائل الفقهية منها : ( سأل أبو يوسف مالك عن الخضراوات فقال هذه مباقيل أهل المدينة (2) لم يؤخذ منها صدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما يعني وهي تنبت فيها الخضراوات ... فقال أبو يوسف في كل قد رجعت يا أبا عبد الله ، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت...).
لقد تعلم هؤلاء التلاميذ في مدارس العلماء الكبار وعــلــم الله قصد سرائرهم وصــدق توجههم فجعل لهم القبول ... ولقد كانوا قدوة صالحة في كيفية اتباع الحق أينما كان وإن خالفوا في ذلك إمامهم حتى قالوا : ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . عملا واتباعا للسنــة (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توالي التأسيس لابن حجر [ص137] .
2) أي مزارع أهل المدينة التي تنبت البقل .
3) انظر الإنكار في مسائل الخلاف للدكتور عبد الله الطريقي [ص26] .
الخاتمة
فتبين مما تقدم عدم الإصرار على الخطأ والرجوع إلى الحق عند ظهوره وبيانه ، وهذا صنيع العلماء أيضا وإليك الدليل :
1) صنيع الحاكم مع الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي رحمهما الله .
وفي ذلك يقول الحافظ عبد الغني : ( لما رددت على أبي عبد الله الحاكم بعث إلي يشكرني ويدعو لي فعلمت أنه رجل عاقل ) (1).
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية [ج12ص7] : ( وقد صنف الحافظ عبد الغني هذا كتاب فيه أوهام الحاكم ، فلما وقف عليه الحاكم ، جعل يقرؤه على الناس ، ويعترف لعبد الغني ـ بالفضل ويشكره ـ ويرجع فيه إلى ما أصاب فيه من الرد عليه رحمهما الله تعالى ) . اهـ
2) وعن أبي محمد قاسم بن أصبغ قال : ( لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان فأخذت على بكر بن حماد حديث مسدد ثم رحلت إلى بغداد ولقيت الناس فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد فقرأته عليه فيه يوما حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه( قدم قوم من مصر مجتابي النمار )(2) فقال:( مــجــتـابي الثمار)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر تذكرة الحفاظ للذهبي [ج3ص1048] والسير له [ج17ص270] .
2) يشير إلى ما أخرجه مسلم [1017] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا عند رسول الله في صدر النهار قال : فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء . متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ...). الحديث .
فقلت له : إنما هو ( مجتابي النمار ) هكذا قرأته على كل من قرأت عليه بالأندلس وبالعراق ، فقال لي : بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا أو نحو هذا ثم قال لي: قم بنا إلى ذلك الشيخ ـ لشيخ كان بالمسجد ـ فإن له بمثل هذا علما فقمنا إليه وسألناه عن ذلك فقال : إنما هو ( مجتابي النمار ) ، كما قلت ، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم ، والنمار : جمع نمرة . فقال بكر بن حماد: وأخذ أنفه ، رغــم أنفي للحق وانصرف ) (1).
هذا هو خــلــق أهل الإنصاف أما نظرة أهل الجور والظلم والبغي والهوى لنا فهي كما تمثل بعضهم قول الشاعر :
لـو كـل كـلـب عـوى ألـقـمته حجرا لـعــز الصخـر مثــقـال بـدينـار(2)
قال الذهبي : ( وبين الأئمة اختلاف كثير في الفروع ، وبعض الأصول ، وللقليل منهم غلطات وزلقات ومفردات منكرة ، وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ، ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة ، وكلما خالفوا فيه لقياس أو تأويل .. ومازال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله ، وأنه ليس كمثله شئ وأن ما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابهم واحد ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق وإفادة العالم الأذكى لمن دونه وتنبيه الأغفل الأضعف ، فإذا وجد النص الصحيح الصريح فلا مجال لمخالفته سواء كان متواترا أم آحادا )(3).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر [ج1ص123] .
2) انظر الإنصاف لابن غازي [ص64] .
3) انظر الائتلاف والاختلاف للشيخ صالح السدلان [ص54] .
وقال ابن تيمية في الفتاوى [ج35ص372] : ( وليس لأحد أن يخرج عن شئ مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به ، ويجب على المجاهدين الجهاد عليه ، ويجب على كل واحد اتباعه ونصره ).اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا ، ويحط عني فيه وزرا ، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين