الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / الإجازة في سنية الإسرار والجهر بالقراءة في صلاة الجنازة
الإجازة في سنية الإسرار والجهر بالقراءة في صلاة الجنازة
سلسلة
من شعار أهل الحديث
(31)
الإجــازة
في
سنية الإسرار والجهر
بالقراءة في صلاة الجنازة
تأليف
فضيلة الشيخ
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الأثري
3
الإجازة : من أجاز الشئ إذا جعله مقبولا.
معجم المصطلحات [ص26].
قال الحافظ أبو مزاحم الخاقاني رحمه الله:
أهل الكلام وأهل الرأي قد عدموا
علم الحديث الذي ينجو بـه الرجل
لو أنهم عرفوا الآثار ما انحرفوا
عنها إلى غيرها ، لكنهم جهلوا
شرف أصحاب الحديث [ص143].
درة نادرة
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح قول صاحب حدائق الأزهار : ( والمخافتة ) :
( أقول : ( قد ورد الجهر ـ أيضا ـ فأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس : ( أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنه من السنة ) فمعلوم أن قراءته هذه لا تكون إلا جهرا حتى يعلم ذلك من صلى معه ، وزاد النسائي بعد فاتحة الكتاب ( سورة ) وذكر أنه جهر ولفظه هكذا (فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر ) ويؤيد ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عوف بن مالك قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظنا من دعائه ...) الحديث ، فإن هذا يدل على أنه جهر بالدعاء فلا وجه لجعل المخافتة مندوبة ) (1) (2). اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني وكذلك الجهر يندب إليه .
2) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار [ج1ص358] .
بسم الله الرحمن الرحيم
عونك يارب يسـر
المقدمة
إن الحمـد لله نحمده ونستـعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
¼ WäQSTÿKVH;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@ N éSÞWÚ ò N éSTÍPVT@ JðW/@ VPÌW -YãYWÍST WWè JðÝSTéSÙWT PVMX ØSßKV Wè WÜéSÙYÕó©QSÚ ». [ آل عمران:102] .
¼ WäQSTÿKVH;TTWÿ ñ§PVÞÖ@ N éSTÍPVT@ SØRÑPVð¤ ÷Y¡PVÖ@ yRÑWÍVÕW ÝYQÚ w¨pTÉTPVß xáðY.Wè WÌVÕWWè Wä`ÞYÚ WäW`èW¦ JðWTWè WÙSä`ÞYÚ ^WX¤ _¤kYVÒ _ò:&ð©YTßWè N éSÍPVT@ Wè JðW/@ ÷Y¡PVÖ@ WÜéSTÖò:W©WT -YãY &W×W`¤VKô@ Wè QWÜMX JðW/@ WÜVÒ `ØRÑ`~VÕWÆ _T~YÎW¤ (1) » [النساء:1]
¼ WäQSTÿKVH;TTWTÿ WÝÿY¡PVÖ@ N éSÞWÚ ò N éSÍPVT@ JðW/@ N éRÖéSTÎWè ¾óéTWTÎ _ÿYWª (70) óYÕp±STÿ óØRÑVÖ `yRÑVÕHTWÙ`ÆVK ó£YÉpTTçÅWTÿWè `ØRÑVÖ %óØRÑWTéSTßS¢ ÝWÚWè XÄTY¹STÿ JðW/@ ISãVÖéSªW¤Wè `WÍWTÊ W¦WTÊ Z¦óéTWTÊ [Ù~YÀ¹WÆ (71) » [الأحزاب: 70ـ71] .
أما بعد ،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
فلم يزل أهل العلم من العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين في كل زمن ينصرون الحديث والسنة ويدعون الناس إليهما ، وهذا نابع مما حملهم الله تعالى من أمانة التبليغ لهذا الدين لا يخافون في الله تعالى لومة لائم .
ودرء حسد الحاسدين ، وتعالم المتعالمين حتى يكون الدين لله رب العالمين .
ونظرا لخروج عدد من الدعوات المخالفة للسنة ، والتي تنكر جهارا نهارا على من يبين السنة النبوية بالدليل الصحيح ... تارة بالتشويش عند المسؤولين !... وتارة بالتشويش عند العامة(1) ، ونحو ذلك من مكرهم ولكن ¼ WWè SÌ~Ymïmð S£<ÑWÙ<Ö@ LSøQY~Jð©Ö@ PVMX -&YãYÕ`åVKYT » (2). و ¼ S£`|WÚWè ðÐMXù;HTTVÖOèKR WéSå S¤éSWTÿ » (3) أي يبطل ويزول اللهم غفرا .
علما بأنني أردت في هذا الكتاب أن أبين منهج من يدعي العلم من هؤلاء ، وهو ليس كذلك ، فهو يكشف زيف هذا الانتساب ويبين طريقته الضعيفة في تلقي الفتاوى من الكتب ، ويصحح جملة المفاهيم الخاطئة حول العلم الشرعي وكيفية البحث في أحكامه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وهذه عادة ضعفاء العلم والجهل بالأصول والقواعد التي وضعها أئمة المذاهب وغيرهم في فقه الخلاف وكيفية التعامل معه اللهم غفرا .
2) سورة فاطر آية [43] .
3) سورة فاطر آية [10] .
وبيان مشاغبتهم للفتاوى التي تبين السنة الصحيحة التي تكلم عليها هؤلاء المتعالمون والله المستعان .
أنه رد على كل حاسد يحاول تمييع معنى السنة الصحيح ، ويكيد لأهلها ، أو إلباسها غير ثوبها .
ولوجود محاولات جادة لتمييع فتاوى السنة وأحكامها والكيد لأهلها (1) ولكن ¼ ÜMX Wè N èS¤Yip±WT N éSÍPVWTWè W óØS{QS£ñµWTÿ óØSåS`~VÒ %[TLTTT`~W® QWÜMX JðW/@ WÙY fûéSTÕWÙ`ÅWTÿ b¸~oYS » (2) اللهم سلم سلم .
فرأيت أن من الواجب علي أن أشارك في إحياء السنة النبوية والدفاع عنها بتأليف هذا الكتاب وغيره ، على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم .
وقد نص الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم على صحة ما عليه السلف الصالح رضي الله عنهم ، وجعله علامة على إصابة الحق في الدنيا والنجاة يوم القيامة .
قال تعالى : ¼ fûéSTÍYHTJð©Ö@ Wè WÜéRÖPVèKKVô@ WÝYÚ WÝÿX£YHTWäSÙ<Ö@ Y¤W±ßKKVô@ Wè WÝÿY¡PVÖ@ Wè ØSåéSÅWTPVT@ wÝHTW©`MXY øY¶PV¤ JðS/@ óØSä`ÞWÆ N éS¶W¤Wè SãTT`ÞWÆ » (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) فأخذوا في النيل من طلبة العلم وشرعوا في تشويه علمهم بالدس والافتراء ، وهذا الذي أشرت إليه نرى شيئا منه في مساجدنا أيضا ... وكأننا فرض علينا ذلك... فيفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلا مركزه الاجتماعي ، فهذا ليس سبيل أهل العلم وهو مقابلة الحجة بالحجة ومقارنة الدليل بالدليل .
2) سورة آل عمران آية [120] .
3) سورة البقرة آية [100] .
ولا يرضى الله إلا عمن صح دينه وثبتت عدالته على الدوام(1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم مجيبا من سأله عن صفة (الفرقة الناجية) فقال : ( ما أنا عليه وأصحابي ) (2).
فوضع بذلك معيارا للحق وميزانا للطريق الذي يجب اتباعه والتمسك به (3).
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتوى الحموية [ص109] : ( السنة هي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتقادا واقتصادا وقولا وعملا ) . اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في الفرقان [ص85] : ( ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار ، وآمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجهه ) . اهـ
وقال الأوزاعي رحمه الله : ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس ، وإياك ورأي الرجال ، وإن زخرفوه لك بالقول ، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على صراط مستقيم ) (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر تعريف الخلف بمنهج السلف للدكتور إبراهيم البريكان [ص14] .
2) حديث حسن .
أخرجه الترمذي في سننه [ج5ص26] والحاكم في المستدرك [ج1ص128] وابن وضاح في البدع [ص62] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
3) انظر تعريف الخلف بمنهج السلف للدكتور إبراهيم البريكان [ص14].
4) أثر صحيح .
أخرجه البيهقي في المدخل [199] والهروي في ذم الكلام [ج1ص259] والخطيب في شرف أصحاب الحديث [ص7] بإسناد صحيح .
وهذا متضمن لوجوب اتباع ما هم عليه من الحق لأنهم طريق هذه الأمة الإسلامية في تلقي دينها والحفاظ على كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان القدح في الأحكام التي يصدرونها قدحا في الدين كله فافطن لهذا .
وبذا يعلم بطلان القول الذي يخص الفتاوى في الأحكام بدون آثار السلف الصالح ، ومنع الاهتمام بها ، ورفض ما وافق مذهبهم .
ومن هنا تعلم النسبة إليهم دون الالتزام بمنهجهم قولا وعملا .
فما خالف هذا المدلول فهو من إلباس السنة غير لباسها وإظهارها بغير مظهرها المحدد شرعا .
فمن كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في العلم والعمل هو أسعد بإصابة الحق ، وهو المصيب قطعا .
وهذه المسألة التي بين أيدينا وهي ( مسألة الجهر بالفاتحة وسورة بعدها في صلاة الجنازة ) قد فعلها السلف الصالح (1)، وأثبتوا أنها (سنة وحق ) كـ ابن عباس وسهل بن حنيف رضي الله عنهم (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يطلق السلف عند علماء التوحيد ويراد به الصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم وأئمة الإسلام العدول ممن اتفقت الأمة على إمامتهم وعظم شأنهم في الدين ، وتلقى المسلمون كلامهم خلفا عن سلف بالقبول .
2) قلت : وقال بها بعض العلماء من الشافعية وغيرهم كما سيأتي .
ومنه يعلم أن الحق لا يكون إلا مع السلف الصالح قطعا ، وأن طريقهم هو الطريق الموصل إلى معرفة الله على سبيل البيان والكمال فلا يجوز لأحد أن يتعبد الله تعالى إلا عن طريقهم علما واعتقادا وعملا .
وبذا يعلم خطأ قول من شوش وحرش وهوش من المتعالمين في هذه المسألة ـ وغيرها ـ ، وإنها ليست من السنة ، ولم يقل بها أحد من أهل العلم !.
فمن نفى شيئا من الدين ، ومطابقته لحقيقته ، فيكون ذلك من المغالطة على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنه يرفض ما وافق منهج السلف الصالح وعلى هذا فهو يرفض الصواب ويقبل الخطأ .
وسبيل الله تعالى وسبيل الرسول صلى الله عليه وسلم وسبيل الصحابة الكرام جامعة بين الهدى الذي هو العلم النافع ، ودين الحق الذي هو العمل الصالح ، فمن كان على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وصحبه في العلم والعمل هو أسعد بإصابة الحق، وهذا واضح في مسألة ( الجهر بالفاتحة وسورة بعدها في صلاة الجنازة ) كما سيأتي .
فهذا سبيل الرجوع وطريق العودة ، التمسك بما كان عليه أهل القرون الثلاثة الفاضلة ، فهم ثابتون في أصول الدين وفروعه على ما أنزله الله تعالى وأوحاه على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) (1). الحديث .
إن الذي يتدبر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويتأملها يعرف حقا سبيل الرجوع وطريق العودة وذلك بإشارة النبي وصراحة قوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .
إذ أن المتتبع لأحداث الزمن بصدق على مر العصور وكر الدهور ـ يرى بجلاء ووضوح ـ أن أشد الناس تمسكا بسبيل أهل القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير هم أهل الحديث ، أهل الأثر (2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ قال : ( أنا ومن معي، قال : قيل له : ثم من يا رسول الله ؟ قال : ( الذين على الأثر ) قيل له : ثم من يا رسول الله ؟ قال: فرفضهم ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أخرجه البخاري في صحيحه [ج5ص191] ومسلم في صحيحه [ج4ص1963].
2) انظر التصفية والتربية للشيخ علي بن حسن الأثري [ص8] .
وفي لفظ : ( أنا والذين معي ثم ( الذين على الأثر ) ثم (الذين على الأثر ) ثم كأنه رفض من بقي ) (1).
وهذا صريح بأن ( أهل الحديث أهل الأثر ) شرفهم الله هم الطائفة الخيرية بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفض بقية الطوائف ، وهذا واضح في الحديث اللهم سلم سلم .
وعليه فكل مسألة في الأحكام تختلف فيها الأمة الإسلامية فميزانها كونها على ( الصواب ) أو على ( الخطأ ) هو ما عليه سلف الأمة سواء كان ذلك في الأمر العلمي الاعتقادي أو العلمي العملي فهم المرجع لنا في ذلك كله وعلى كلامهم نعول دون سواهم .
وهذا الكتاب الذي بين يديك ـ رحمك الله ـ إنما كان الباعث على الشروع في تجميعه ونشره بين الناس هو ما يرى من حاجة الناس إلى معرفة السنة النبوية في عبادتهم .
وأرجو أن يكون ضالة المسلم الحق يجد فيه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حديث حسن .
أخرجه أحمد في المسند [ج3ص155] وأبو نعيم في الحلية [ج2ص78] بإسناد حسن .
هذا وأبتهل إلى الله العلي القدير أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع في خدمة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويجعله خالصا لوجهه الكريم ويوفقني لما يحبه ويرضاه ولمزيد من خدمة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إنه نعم المولى ونعم النصير .
وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أبو عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر ولاتعسر
تمهيد
تحريم معاداة أهل العلم من العلماء وطلبة العلم وما يحملونه من الفتاوى العلمية المنهجية
اللهم فلك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، وأنت حسبنا ونعم الوكيل .
وبعد ،
فإن ثمة موضوعا مهما جديرا بالطرح حقيقا بأن يبحث ويكتب فيه لشدة حاجة الأمة الإسلامية إليه في عصرنا هذا … ولكثرة الاختلاف فيها … وانتشار الجهل فيها بأصول الدين .. ولخطورة النتائج المترتبة عليه … وإن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ماسة إلى ترشيد وتوجيه لكي لا تؤتي من داخلها ، ولله در القائل :
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
إن لم تجد هذه الأمة المباركة من يوجهها ويرشدها ، فإنني أخشى عليها من نفسها من الداخل ، قبل أن أخشى عليها من أعدائها من الخارج .
والحديث عن معاداة أهل العلم أصبح في زماننا المعاصر أمرا ضروريا … لأننا نعيش في هذه الأيام في فتن كقطع الليل المظلم من ينهش أعراض العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين وأتباعهم الصادقين إذا أصدروا الفتاوى الموافقة للكتاب والسنة لأن بعض الناس تضيق صدورهم من هذه الفتاوى ومن ثم يطعنون … بل فتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب… حتى تطاول العام والخاص من أهل الاختلاف والتفرق على أحكام الكتاب والسنة ، والله سبحانه أمرهم أن يقدروا ويحفظوا حرماته فقال تعالى : ¼ ÝWÚWè óØPYÀ¹WÅSTÿ gHTWÚS£S JðY/@ WéSäWTÊ b¤`kTW ISãVPTÖ WÞYÆ -Y%ãYQTW¤ » (1) وقال تعالى : ¼ ÝWÚWè óØPYÀ¹WÅSTÿ W£MXù;HTTWÅTW® JðY/@ WäPVTßXMWTÊ ÝYÚ üWépTÍWT géSTÕSÍ<Ö@ » (2) .
فـنـيل أهل الاختلاف من علماء السنة وطلبتهم وإيذاؤهم يـعد إعراضا أو تقصيرا في تعظيم شعيرة من شعائر الله … فأعراض العلماء وطلبتهم على حفرة من حفر جهنم يدل على خطورة إيذاء مصابيح الأمة الإسلامية.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : (( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الحج آية [30] .
2) سورة الحج آية [32] .
أخرجه البخاري في صحيحه [ج11ص340] من طريق خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمير عن عطاء عن أبي هريرة به .
قلت : فمن آذى أولياء الله تعالى وأولياء الرسول r فقد حارب الله ورسوله .
قال تعالى : ¼ <¢XM ISãWTß`éPVÍWTÕWT `yRÑYWÞY©<ÖVKY WÜéSTÖéSÍWTWè yRÑYå Wé<ÊVKY QWÚ W¨`~VÖ ØRÑVÖ -YãY cy<ÕYÆ ISãWTßéSW©`ðímWè _TÞQY~WTå WéSåWè WÞYÆ JðY/@ cØ~YÀ¹WÆ (15) » (1).
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ( قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ، فقال : ( ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ، أو قال : على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) .
حديث صحيح
أخرجه الترمذي في سننه [ج5ص11] وابن ماجه في سننه [ج2ص1314] وأحمد في المسند [ج5ص45] من عدة طرق عن معاذ به .
وإسناده صحيح .
ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير … ولإجلال وحفظ الحرمات والشعائر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النور آية [15] .
لكن للأسف رأينا عكس ذلك في مساجدنا من ينتصر لجمعيته وحزبه … ويقدح في غيرهم حتى لو كانوا من العلماء وطلبة العلم … سبحان الله أليس هذا من التعصب المذموم … أليس من الشطط أن يتعصب الشخص لحزبه مع مخالفته للكتاب والسنة … إن هذا التعصب مخالف للمنهج الصحيح ، الذي يدعونا إلى أن نأخذ بالحق مما كان قائله … وهذه عادة ضعفاء العلم يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق… ولقد كثر المتعالمون في عصرنا… فتجد من يتصدر لنقد الفتاوى الدالة على الكتاب والسنة … ونقد من يأخذ بها … ويحذر منه ويعادي … وهذا الأمر خطير على صاحبه في دنياه وآخرته .
إن المتعالمين الكارهين للحق وأمثالهم من أشد الناس أكلا للحوم العلماء الربانيين وطلبة العلم المتمكنين وأتباعهم الصادقين لما في قلوبهم من البغض لما يحملونه من فتاوى الكتاب والسنة … ومعاداة لورثة الأنبياء وما يحملونه من الحق … فهو تعصب قائم على اتباع الهوى والعياذ بالله .
ولقد أدرك هؤلاء المقلدة أنه لا يمكن أن تقوم لهم قائمة والعلماء وطلبتهم وأتباعهم لهم شأن وهيبة في البلدان … فأخذوا في النيل منهم .. وشرعوا في تشويه علمهم بالدس والافتراء والكذب … وهذا الذي أشرت إليه نرى شيئا منه في مساجدنا أيضا … وكأننا فـرض علينا ذلك… فيفرض أحدنا على الآخر رأيه بالقوة مستغلا مركزه الاجتماعي … فهذا ليس سبيل أهل العلم وهو مقابلة الحجة بالحجة ، ومقارنة الدليل بالدليل .
بل وصم أهل الفتوى من قبل الخصوم بألقاب لم نكن نعرفها ، وصفوا بالشاذين … بالمفرقين … بالجاهلين للفقه والسياسة … بأصحاب الفتنة … إلى آخر هذا القاموس الذي سلطه الحاقدون على أهل الحق تشويها لسمعتهم وتبشيعا لواقعهم في عقول الناس لكي لا يأخذ عنهم أحكام الدين والله المستعان .
وقد يشاع عن العلماء وطلبة العلم أقوال من قبل الخصوم لأغراض لا تخفى فيجب التأكد منها …
فكأن هؤلاء القوم لضعف حجتهم وخواء جعبتهم يريدون قهر الناس المخالفين على رأي لهم ارتأوه لا عن دراسة وتمحيص ، ونقد وتـنقيد … فيتسرع أحدهم في إخلاق الأحكام المخالفة للكتاب والسنة والإكثار منها بما يخرجه من سمت العلماء وحكمهم ورأيهم …
فمثلهم كمثل ما قاله القائل :
ما عندهم عند التناظر من حجة أنــى بهــا لمقلــد حيران
لا يفزعون إلى الدليل وإنـما في العجز مفزعهم إلى السلطان(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توفيق الباري في حكم الصلاة بين السواري للشيخ علي الأثري [ص6] .
وقال ابن القيم في النونية [ص404] :
فـإذا تـيـقـن إنـه المغلوب عند تقابــل الفرسـان فـي المــيـدان
قال اشتكوه إلى القضاة فإن هم حكموا وإلا اشكوه إلى السلطان
فنقول للمتعالمين فالصدع ببيان الحق أمر مشروع بل واجب ببـيان الفتوى بالدليل الراجح فنأخذ بها … ويجوز لنا ألا نأخذ بالفتوى إذا لم توافق الدليل الراجح لكن لا يجوز لنا الطعن في أهل العلم إذا أصدروا بعض الفتاوى التي تضيق صدور هؤلاء منها والتي لا تليق لهم وأنها تسبب فتنة ¼ VKV Á YàWTÞ`YÉ<Ö@ %N éR¹WÍfTTTª » (1).
ونقول للمتعالمين نحن غير ملتزمين بقول أحد من الناس إلا إذا كان مقرونا بالدليل الراجح الصحيح .
والمتأمل في واقع هؤلاء يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله الشخص … أو يردوا كل ما يقوله الشخص … وهذا خلاف ما أمر الله به من العدل والإنصاف .
قال تعالى : ¼ WWè óØS|QWTÞWÚX£`ðmïm SÜWLTTTWÞW® ]zóéTWÎ uvøVÕWÆ PVKV &N éSTÖY`ÅWT N éSTÖY`Æ@ WéSå SW£pTTÎKV $uüWépTÍPVÕYÖ » (2).
والعدل والإنصاف هو منهج أهل السنة والجماعة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة التوبة آية [49] .
2) سورة المائدة آية [8] .
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى : ( أهل السنة أعدل مع المبتدعة ، من المبتدعة بعضهم مع بعض ) . اهـ
قلت : والظلم ظلمات يوم القيامة .
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان [ج2ص137] : ( وأصل كل خير العلم والعدل، وأصل كل شر الجهل والظلم ) .اهـ
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في وجوب التعاون بين المسلمين [ص13] : ( فما ارتفع أحدا إلا بالعدل والوفاء ، ولا سقط أحد إلا بالظلم والجور والغدر).اهـ
قلت : فهل من يقظة أيها المتعالمون من تصحيح المسار … اللهم غفرا .
إن هناك عواقب وخيمة ونتائج خطيرة وآثارا سلبية تـترتب على هؤلاء الحزبية يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع … يؤدي إلى اتساع الخلاف والشقاق … واختلاف القلوب … واختلاف القلوب حرام وهو خطر يتهدد الايمان ، وعدم قبول الحق ، ومن ثم ينقلب البحث عن الحقيقة إلى ضرب من العناد لا صلة له بالعلم الشرعي المنهجي .
وإن المسائل الخلافية التي تقع بين العلماء ليس الترجيح بينها يكون بالكثرة والقلة والقوة… أو برجال الحزب والمشورة … أو بمجلس الجمعية الفلانية … ولا بالقال والقيل ... ولا بمذهب فلان … إنما بالحجة والدليل … وهذه الخلافيات يتسع فيها الأمر لـ (صواب ) أو ( خطأ ) لـ ( ترجيح ) أو (مرجوح) … لكنه لا يتسع بحال لـ (ضلال) أو ( تكشير ) أو ( غضبة ) أو ( هجر ) أو (تشويش عند المسؤولين )!! .
فإذا درست مسألة خلافية دراسة وافية من طرفين يرد كل منهما رأيه إلى الدليل والحجة… فما وافق الدليل يكون القبول الكافي لأخذ رأي صاحبه لموافقته للدليل والحجة … دون تكشير وغضب من الصاحب الآخر … ودون تشويش على الصاحب الموافق للدليل … فإن هذا الأمر والفعل مأجور عند الله تعالى .
وأما إذا أخذ برأي في مسألة خلافية لا عن بحث عن الدليل والحجة … وإنما لعصبية … أو لغضبة من الصاحب … فهذا ما لا يرضاه الله سبحانه ولا رسوله r بل إن فيه محاداة لمنهج السلف الصالح .
ومع هذا وذاك : فإنهم ـ غفر الله لهم وهداهم ـ يتـهمون طلبة العلم ودعاة السنة بالتشدد والتزمـت والغلظة في معاملة الناس ، وهي أوصاف لو قـلبت على كثير من هؤلاء المـتـهمين للبستهم لـبـوسا لا شك فيه ولا ريب (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر توفيق الباري للشيخ علي الأثري [ص8] .
وإننا لنسمع من هؤلاء القوم دندنة من طراز آخر لا يفتأون أن يتكلموا بها بين الفينة والأخرى ، فإذا تكلم واحد من طلبة العلم ودعاة السنة بمسألة فقهية مقرونة بدليلها كتابا وسنة، ولم ( ترق ) هذه المسألة لهؤلاء لسبب أو آخر ، فإنهم سرعـان ما يصيحـون والغضـب يكاد يفتـق أمعـاءهـم (!!) : ما هذا ؟ اليهـود … الصليبيون ... الشيوعيون... استضعاف المسلمين ، اغتصاب أراضيهم ، الجهاد في سبيل الله … ليس الآن وقت هذه المسائل… دعوا الناس يفعلون ما شاؤوا.. دعوهم يصلـون … دعوهم كذا وكذا … الخ !!!
أقول : سبحان الله !
يا عجبا لهؤلاء القوم ، ألا يفكـرون بعقولهم مرة ؟ ألا يقصون عاطفتهم عن طريق العلم مرة ؟ ألا يقدرون الأمور بمقاديرها ؟
هل إذا سكتنا عن هذه ( المسائل ) فتركنا أمرا نبويا ، أو واقعنا نهيا شرعيا نكون قد (جاهدنا) و( قاتلنا الصليبيين واليهود... ورددنا على المسلمين (استضعافهم )؟؟ أم أن سكوتنا عن هذه (الشرعيـات) هو مما يخطط له أعداؤنا أيضا ليقطعوا صلاتنا بالعلم الشرعي والهدي النبوي ؟! فتنبهوا يا ( قوم ) !
هل هذا هو السبيل المجدي حقا ؟ أم أنه سبيل يقتل في النفوس حب السنة لأمور عاطفية لا تجدي ـ كما يقال ـ في العير أو النفير!!
والأعجب من هذا وذاك : أنـك تسمع هذه العبارات ( كلاما ) فقط !! أما في الواقع فلا ترى من ذلك شيئا !! فلا ( السنة ) طبقوا .. ولا بـ ( الجهاد ) قاموا !!
ونحن ـ طلبة العلم ودعاة السنة ـ لا نتـبنـى حكما ما في مسألة خلافية ، إلا بعد مطالعة دقيقة فاحصة لكتب ومجلدات لو وزنت بهؤلاء المخالفين لوزنتهم بأكثر من عشرين ضعفا !! فاللهم غفرا .
وما أجدرنا جميعا أن نتذكر كلمة العلامة الفيروز آبادي في ديباجة (قاموسه) [ص37] حيث قال : ( بل زعم الشامتون بالعلم وطلابه ، بدولة الجهل وأحزابه ، أن الزمان بمثلهم لا يجود ، وأن وقتا قد مضى بهم لا يعود ، فرد عليهم الدهر مراغما أنوفهم ، وتبيـن الأمر بالضد جاليا حتوفهم ، فطلع صبح النـجح من آفاق حسن الاتفاق ، وتباشرت أرباب تلك السـلع بنفاق الأسواق).اهـ
ومنه قول ابن الوردي في ( لاميـته ) المشهورة :
لا تقل ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل(1)
قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ [ج2ص730] : ( ومازال العلماء يختلفون في المسائل الصغار والكبار (2)، والمعصوم من عصمه الله بالتجاء إلى الكتاب والسنة وسكوت عن الخوض في مالا يعنيه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) . اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر المصدر السابق [ص9] .
2) وقد اختلف العلماء في مسائل مهمة لكن اختلافهم كان ينتهي: =
قلت : فالاختلاف الذي يسبب الافتراق والتمزق يعد ابتعادا عن هدي النبوة ومنبع الرسالة ودين الحق … ومن اختلف في الكتاب والسنة وخرج عنهما كان من أهل الأهواء والضلالات… اللهم سلم سلم .
ولقد أرشد الله المسلمين في أكثر من آية من القرآن الكريم إلى أن يتآلفوا ويتضامنوا ويتعاونوا وينهجوا الطريق الأمثل ممتثلين لأمر الله مقتدين برسول الله r ليكون بناؤهم قويا وصفوفهم متراصة وجهودهم مثمرة.
قال تعالى : ¼ N éSÙY±WT`Æ@ Wè XÔTT`mîWg JðY/@ _TÅ~YÙW WWè &N éSTÎQW£WÉWT » (1).
والاعتصام بحبل الله يتضمن الاجتماع على الحق والتعاون على البر والتقوى والتناصر على أعداء الله وأعداء المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1) إما بالإجماع .
2) أو العمل على ما يترجح .
3) أو يفصل في الأمور المختلف فيها أهل الحل والعقد أو السلطان .
4) أو يبقى الخلاف سائغا .
5) أو لم يتفقوا في المسألة المختلف فيها مع بقاء الألفة وعدم اختلاف القلوب ، ولم يبغ بعضهم على بعض .
1) سورة آل عمران آية [103] .
قال الطبري في تفسيره [ج3ص30] : ( يعني بذلك جل ثناؤه ... وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به ، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله ).اهـ
قال الطبري رحمه الله في تفسيره [ج 3ص 32 ] : ( يعني أن لا تتفرقوا عن دين الله وعهده إليكم … في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعة الله وطاعة رسوله r والانتهاء إلى أمره ).اهـ
وقال تعالى : ¼ WWè N éSÆW¥HTWTÞWT N éSTÕWpTÉWWTÊ ðWåp¡TWTWè p$yRÑmïmSX¤ » (1) .
فالاعتصام بدين الله تعالى يقتضي الاتفاق والائتلاف والتعاون والتفاهم … وانتفاء الخلاف والشقاق … وترك الاعتصام بدين الله تعالى فإنه يورث الاختلاف والشقاق والله المستعان.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج3ص421] : ( فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب ) . اهـ
ولا سبيل إلى تحاشي الوقوع في تلك المزالق إلا باتباع قواعد يحتكم إليها في الاختلاف وضوابط تـنظمه وآداب تهيمن عليه ، وإلا تحول إلى شقاق وتنازع … وسادت الفوضى وذر الشيطان قرنه .
وقال تعالى : ¼ ! WÃW£W® ØRÑVÖ WÝYQÚ XÝÿPYÖ@ WÚ uøJð²Wè -YãY _éSTß v÷Y¡PVÖ@ Wè :WTÞ`T~W`èVK ðÐ`T~VÖMX WÚWè WTÞT`~Jð²Wè ,-YãY WØ~TYå.W£T`TXM uøWªéSÚWè uv$øW©~YÆWè óÜKV N éSÙ~TTYÎVK WÝÿPYÖ@ WWè N éSTÎQW£WÉWTW Y&ã~YÊ » (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنفال آية [46] .
2) سورة الشورى آية [13] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره [ج4ص118] ¼ óÜKV N éSÙ~TTYÎVK WÝÿPYÖ@ WWè N éSTÎQW£WÉWTW Y&ã~YÊ »أي أوصى الله تعالى جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالائتلاف والجماعة ونهاهم عن التفرق والاختلاف). اهـ
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ ج3ص421] : ( تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول ¼ N éSÍPVT@WTÊ JðW/@ N éSYÕp²VK Wè ð V¢ $`ØS|YÞ`~TW »(1) وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف … وإني لا أحب أن يؤذي أحد من عموم المسلمين بشئ أصلا لا باطنا ولا ظاهرا فإنه لا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهدا مصيبا أو مخطئا أو مذنبا فالأول مأجور مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له ، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين ، وتعلمون أنـا جميعا متعاونين على البر والتقوى واجب علينا نصرة بعضنا البعض… وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها وكبرائها هو الذي أوجب تسليط الأعداء عليها ، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الأنفال آية [13] .
قلت: وأساس الألفة بين الناس التعاون لا التناحر … والتآلف لا التخالف … والتواصل لا التقاطع …
قال تعالى : ¼ WäQSTÿKVH;TTWÿ ñ§PVÞÖ@ PVßXM yRÑHTWTÞpTÍVÕW ÝYQÚ x£W{V¢ uøVßRK Wè `yRÑHTWTÞ<ÕWÅWWè _TéSÅS® WÔMXú:WWTÎè &N ;éSTÊW¤WÅWYÖ QWÜMX `yRÑWÚW£`{VK WÞYÆ JðY/@ &`ØRÑHùWÍpTTVK QWÜMX WãPVÕÖ@ dØ~YÕWÆ c¤kYW (13) » (1).
وقال تعالى : ¼ ðÈPVÖVK Wè WÜ`kTWT `&ØXäYTéSTÕSTÎ `éVÖ ðpTÍWÉßVK WÚ Á X³`¤KKVô@ _TÅ~YÙW :QWÚ ð`TÉPVÖVK fû`kTWT `yXäYTéSTÕSTÎ QWÝYÑHTVÖWè JðW/@ ðÈPVÖVK &`ØSäWTÞ`~WT ISãPVßMX e¥ÿX¥WÆ cy~Y|W (63) » (2).
ومن القواعد الكلية المتفق عليها بين علماء أهل السنة الحرص على الألفة والاجتماع ، والنهي عن التفرق والاختلاف ، ولذا سمى أهل السنة بالجماعة لأنهم يأمرون بالاجتماع على ما كانت عليه الجماعة الأولى ، جماعة الصحابة رضي الله عنهم ، ومن كان بعدهم على ما كانوا عليه ، فالواجب الشرعي أن نسعى إلى التوحيد والاجتماع على سنة رسول الله r بفهم وتطبيق الخلفاء الراشدين ومن معهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن نحارب البدع والأهواء المفرقة للأمة حتى يقل أنصارها وأتباعها أو ينعدموا … فاليأس من الاجتماع إذن من وسوسة الشيطان وعمله لأنه يصد المسلمين عن العمل الواجب عليهم شرعا بالبعد عن أسباب الاختلاف والتباغض والأخذ بأسباب الاجتماع والتآلف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة الحجرات آية [13] .
2) سورة الأنفال آية [63] .
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج1ص17] : ( إن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما أمر به باطنا وظاهرا .
وسبب الفرقة : ترك حظ مما أمر العبد به ، والبغي بينهم .
ونتيجة الجماعة : رحمة الله ورضوانه وصلواته ، وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه .
ونتيجة الفرقة : عذاب الله ولعنته ، وسواد الوجوه ، وبراءة الرسول منهم).اهـ
قلت : لذلك يجب أن تتسع صدورنا للخلاف بين العلماء ، فلكل واحد منهم فهمه ، ولكل واحد اطلاعه على الأدلة ، ولكل واحد نظرته في ملابسات الأمور فمن الطبيعي أن يوجد الخلاف بينهم ، وانظر ما ذكره كثير من العلماء في هذا الموضوع ككتاب ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية .
قال الذهبي رحمه الله:(وبين الأئمة اختلاف كبير في الفروع وبعض الأصول ، وللقليل منهم غلطات وزلقات ، ومفردات منكرة ، وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا ، ونجزم بأن غرضهم ليس إلا اتباع الكتاب والسنة ، وكل ما خالفوا فيه لقياس أو تأويل . قال : وإذا رأيت فقيها خالف حديثا أو رد حديثا أو صرف معناه فلا تبادر لتغليطه فقد قال علي لمن قال له : أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل، يا هذا : إنه ملبوس عليه إن الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله.
ومازال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكل على تعظيم الباري جل جلاله ، وأنه ليس كمثله شئ ، وأن ما شرعه رسوله حق ، وأن كتابهم واحد ، ونبيهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وإنما وضعت المناظرة لكشف الحق ، وإفادة العالم الأذكى لمن دونه وتـنبيه الأغفل الأضعف ) (1) . اهـ
وقال القرطبي رحمه الله في الجامع لأحكام القرآن [ج4ص194] : ( وأما حكم مسائل الاجتهاد فإن الاختلاف فيها بسبب استخراج الفرائض ودقائق معاني الشرع ، ومازال الصحابة يختلفون في أحكام الحوادث وهم مع ذلك متآلفون ) . اهـ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر فيض القدير للمناوي [ج1ص210] .
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن فإنك نعم المعين
ذكر الدليل على سنية الإسرار بقراءة الفاتحة
وما تيسر من القرآن بعدها في صلاة الجنازة
عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم ، وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله r أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره: (أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب سرا في نفسه ، ثم يختم الصلاة في التكبيرات الثلاث ).
قال الزهري : فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري ، قال : وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في الصلاة على الجنازة مثل الذي حدثك أبو أمامة .
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار [ج1ص500] من طريق شعيب عن الزهري به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [ج3ص298] وابن المنذر في الأوسط [ج5ص437] وعبد الرزاق في المصنف [ج3ص489] وابن الجارود في المنتقى [216] والقاضي في فضل الصلاة على النبي r [ص191] من طريق معمر عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال : ( إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي r ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ،ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه ) .
قلت : وإسناده أيضا صحيح ، وقد صححه ابن القيم في جلاء الأفهام [ص110] والألباني في الإرواء [ج3ص181] .
والحديث صححه أبو العباس القرطبي في المفهم [ج2ص613].
وأخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص360] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص39] من طريق يونس عن ابن شهاب ـ الزهري ـ قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرا مع رسول الله r أخبره رجال(1) من أصحاب رسول الله r في الصلاة على الجنازة به .
ولم يذكر قراءة الفاتحة .
قال الزهري : حدثني بذلك أبو أمامة ، وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) هكذا وقع عند الحاكم ، أما عند الطحاوي فالذي أخبره إنما هو رجل واحد كما تقدم .
ثانيا : رواية الحاكم لم تذكر ( القراءة بفاتحة الكتاب ) ، وهي مذكورة في رواية الطحاوي وذكرها هو الصواب .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج1ص644] وفي السنن الصغرى [ج4ص75]وابن حزم في المحلى[ج5ص129] من طريق الليث عن ابن شهاب عن أبي أمامة أنه قال : ( إن السنة في الصلاة على الجنائز أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة(1) ثم يكبر ثلاثا والتسليم عند الآخرة ) .
قلت: وهذا سنده صحيح ، وقد صححه الألباني في أحكام الجنائز [ص154] .
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري [ج3ص204] : ( إسناده صحيح).
وقال النووي رحمه الله في المجموع [ج5ص33]:(على شرط الصحيحين).
وأخرجه الشافعي في الأم [ج1ص239] وفي المسند [ص359] والبيهقي في السنن الكبرى[ج4ص39] وفي المعرفة [ج5ص300] وفي السنن الصغرى [ج2ص21] من طريق مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي r : ( أن السنة في الصلاة في الجنازة ـ الحديث ) .
قلت : وهذا سنده واه فيه مطرف بن مازن الصنعاني قال عنه ابن معين كذاب وضعفه غيره .
انظر الميزان للذهبي [ج4ص125] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني سرا .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج1ص644] وفي السنن الصغرى [ج4ص75] من طريق الليث عن ابن شهاب عن محمد بن سويد الدمشقي عن الضحاك بن قيس به .
قلت : والجمهور على هذا أن السنة في صلاة الجنازة هي الإسرار بفاتحة الكتاب (1).
وهذا يبطل قول من يقول إن الإسرار بالفاتحة في صلاة الجنازة قد اتفقوا عليه !.
بل الخلاف قائم بين أهل العلم في هذه المسألة كما هو ظاهر ويأتي تفصيل ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر ترتيب مسند الإمام الشافعي [ج1ص1210] وتحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري [ج4ص111] ونيل الأوطار للشوكاني [ج3ص61] والمغني لابن قدامة [ج2ص370] .
ذكر الدليل على سنية الجهر بقراءة الفاتحة
وما تيسر من القرآن بعدها في صلاة الجنازة
عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : ( صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده فسألته فقال : ( إنما جهرت لتعلموا أنها سنة وحق ) (1).
أخرجه البخاري في صحيحه [ج3ص203] وأبو داود في سننه [ج2ص68] والترمذي في سننه [ج2ص142] والنسائي في السنن الكبرى [ج1ص644] وفي السنن الصغرى [ج4ص74] وابن الجوزي في التحقيق [ج2ص272] والشافعي في الأم [ج1ص270] وفي المسند [ص359] والحاكم في المستدرك [ج1ص358] وعبد الرزاق في المصنف [ج3ص489] وابن الجارود في المنتقى [ص216] وابن حزم في المحلى [ج5ص129] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص38] وفي السنن الصغرى [ج2ص21] والدارقطني في السنن [ج1ص191] وابن المنذر في الأوسط [ج5ص437] من طريق سعد بن إبراهيم قال سمعت طلحة بن عبد الله به .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) وفي رواية النسائي في السنن الكبرى [ج1ص644] : ( نعم إنه حق وسنة ) .
وفي رواية الترمذي في سننه [ج2ص142] : ( إنه من السنة أو من تمام السنة ) يعني الجهر كما هو ظاهر .
فوجب الحكم بأن هذا هو السنة ، وقد تحقق من بعض السلف كما سيأتي .
وأخرجه ابن الجارود في المنتقى [ص216] وابن أبي مريم في ما أسند سفيان الثوري [ق1/40/ط] من طريق سفيان عن زيد بن طلحة التيمي قال سمعت ابن عباس به .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى [ج1ص644] وفي السنن الصغرى [ج4ص74] وأبو يعلى في المسند [ج5ص67] وابن المنذر في الأوسط [ج5ص437] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص38] وفي المعرفة [ج5ص298] وابن الجارود في المنتقى [ص216] والبغوي في شرح السنة [ج5ص353] من طريق إبراهيم بن سعد قال ثني أبي عن طلحة بن عبد الله بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف قال : ( صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة فجهر حتى سمعنا فلما انصرف أخذت بيده فسألته عن ذلك فقال : ( سنة (1) وحق ) يعني الجهر كما هو ظاهر .
قلت : وهذا سنده صحيح .
وأخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص358] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص39] وفي المعرفة [ج5ص299] والشافعي في المسند [ص359] وفي الأم [ج1ص270] من طريق ابن عييـنة ثنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قوله ( سنة ) أي ليست بدعة . بل سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري [ج4ص141] .
ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول : ( صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد لله ثم قال إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، وقد أجمعوا على أن قول الصحابي سنة حديث مسند (1).
وأخرجه الحاكم في المستدرك [ج1ص359] والطحاوي في شرح معاني الآثار [ج1ص500] مختصرا من طريق سعيد بن أبي مريم ثنا موسى بن يعقوب الزمعي حدثني شرحبيل بن سعد قال: (حضرت عبد الله بن عباس صلى بنا على جنازة بالأبواء وكبر ثم قرأ بأم القرآن رافعا صوته بها ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم عبدك وابن عبدك ... ثم انصرف فقال يا أيها الناس إني لم أقرأ علنا إلا لتعلموا أنها السنة).
وفيه موسى بن يعقوب الزمعي صدوق سيئ الحفظ كما في التقريب لابن حجر [ص987] ولكنه لم يتفرد به كما تقدم .
فهؤلاء ثلاثة من التابعين ينقلون عن ابن عباس رضي الله عنهما الجهر بالفاتحة وسورة بعدها في صلاة الجنازة ، وهم أعلم منا بالأحكام الشرعية .
قلت: فالجهر بالفاتحة وسورة بعدها سنة وحق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم [ج1ص270] : ( وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولون بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى ) . اهـ
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار [ج3ص61] : ( قوله وسورة ) فيه مشروعية سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة ولا محيص عن المصير إلى ذلك لأنها زيادة خارجة من مخرج صحيح .
وقوله ( وجهر ) فيه دليل على الجهر في قراءة صلاة الجنازة).اهـ
فالحديث فيه سنية الجهر في صلاة الجنازة بفاتحة الكتاب وسورة بعدها وبه أخذ بعض العلماء من الشافعية وغيرهم (1).
قـال النـووي الشـافعـي رحمـه الله فـي المجمـوع [ج5ص234] : (والثـانـي : ـ يعني الوجه الثاني للشافعية ـ يستحب الجهر ـ يعني بالفاتحة ـ قاله الداركي(2) وصرح به صاحبه الشيخ أبو حامد الإسفراييني(3) وصاحباه المحاملي(4) وسليم الرازي(5) في ( الكفاية )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر نيل الأوطار للشوكاني [ج3ص61] وبلوغ الأماني للبنا [ج7ص242] والمجموع للنووي [ج5ص234] .
2) هو عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو القاسم الداركي [375هـ] أحد الأئمة ومن كبار فقهاء الشافعية .
انظر الطبقات الكبرى للسبكي [ج3ص330] وطبقات الشافعية للاسنوي [ج1ص508] .
3) هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو حامد الإسفراييني [406هـ ] شيخ الشافعية بالعراق.
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص172] وطبقات الفقهاء للعبادي [ص133].
4) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسن المحاملي [415هـ] أحد أئمة الشافعية .
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص174] وتاريخ بغداد للخطيب [ج4ص372] والبداية والنهاية لابن كثير [ج12ص18] وطبقات الشافعية للسبكي [ج3ص20] .
5) هو سليم بن أيوب أبو الفتح الرازي الفقيه [447هـ] .
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص224] وطبقات الشافعية للسبكي [ج3ص168] .
والبندنيجي(1) ونصر المقدسي(2) في كتابيه (التهذيب) و (الكافي ) والصيدلاني(3)وصححه القاضي حسين(4)واستسحنه السرخسي(5)).اهـ
وهؤلاء العلماء القائلون بالجهر بالفاتحة في صلاة الجنازة وهم موافقون للسنة ولله الحمد والمنة .
وهذا يرد قول من يقول إنما جهر ليعلمهم فقط اللهم غفرا .
وعلى قول من يقول إنما جهر ليعلمهم تعلم خطأ المتعالمين الذين يعلمون الناس صلاة الجنازة قبل الصلاة اللهم غفرا (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) هو الحسن بن عبيد الله بن يحيى أبو علي البندنيجي [425هـ] أحد الأئمة من أصحاب الوجوه .
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص206] وتاريخ بغداد للخطيب [ج7ص343] والأنساب للسمعاني [ج2ص338] .
2) هو نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم أبو الفتح المقدسي [490هـ] شيخ المذهب الشافعي بالشام وصاحب التصانيف .
انظر طبقات الشافعية للسبكي [ج5ص351] وطبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص301] .
3) هو محمد بن داود بن محمد أبو بكر المعروف بـ ( الصيدلاني ) من علماء الشافعية.
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص214] .
4) هو الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي المعروف بـ ( القاضي حسين ) [462هـ] وكان فقيه خراسان .
انظر طبقات الشافعية للسبكي [ج4ص356] وطبقات الفقهاء للعبادي [ص112].
5) هو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد أبو الفرج السرخسي [494هـ] فقه مرو .
انظر طبقات الشافعية لابن قاضي [ج1ص266] .
6) لأن السنة عند بعض العلماء رحمهم الله أن يعلمهم في الصلاة فافطن لهذا .
وقال العلامة العيني الحنفي رحمه الله في عمدة القاري شرح صحيح البخاري [ج7ص53] : ( فقد يستدل به ـ يعني أثر ابن عباس ـ على الجهر بها ـ يعني الفاتحة ـ وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي فيما إذا كانت الصلاة عليها ليلا ) .اهـ
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح قول صاحب حدائق الأزهار : (والمخافتة ) :
أقول : ( قد ورد الجهر ـ أيضا ـ فأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس : ( أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنه من السنة ) فمعلوم أن قراءته هذه لا تكون إلا جهرا حتى يعلم ذلك من صلى معه ، وزاد النسائي بعد فاتحة الكتاب (سورة) وذكر أنه جهر ولفظه هكذا ( فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر ) ويؤيد ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عوف بن مالك قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظنا من دعائه ...) الحديث ، فإن هذا يدل على أنه جهر بالدعاء فلا وجه لجعل المخافتة مندوبة) (1) (2).اهـ
وقال العلامة أحمد البنا رحمه الله في بلوغ الأماني [ج7ص242] : (وظاهر حديث ابن عباس استحباب الجهر بالفاتحة والسورة في صلاة الجنازة ).اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يعني وكذلك الجهر يندب إليه .
2) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار [ج1ص358] .
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في إجابة السائل على أهم المسائل [ص81] : ( أما صلاة الجنازة ففي الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه صلى بأصحابه وجهر بالحمد لله رب العالمين، وخارج الصحيح أنه قرأ معها سورة ) . اهـ
وقال العلامة أحمد البنا رحمه الله في بلوغ الأماني [ج7ص243] : ( وإلى استحباب السورة بعد الفاتحة ذهبت الشافعية ) . اهـ
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي [ج4ص122] : ( وهذا يدل على أن السنة قراءة فاتحة الكتاب وسورة معها ) .اهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط [ج5ص440] : ( يقرأ بعد التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب ، وإن قرأ بفاتحة الكتاب وسور قصيرة فحسن).اهـ
فقوله ( سنة وحق ) راجع إلى الجهر بالفاتحة وسورة بعدها ، وإلا لا فائدة بجهر ابن عباس رضي الله عنهما بالفاتحة وسورة بعدها . لأنه لا يخفى على أئمة التابعين الإسرار بقراءة الفاتحة ، بل يخفى عليهم الجهر بها وسورة بعدها في صلاة الجنازة (1) لذلك أعلمهم ابن عباس رضي الله عنهما هذه السنة النبوية ( الله أكبر إنها السنن ) ، ولا تغتر يا أخي المسلم بمن ينكر ذلك ولا يقول به فإنه فعله نبي الهدى وسلف الأمة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) كما خفي على كثير من الناس في العصر الحاضر اللهم غفرا .
وإليك الدليل :
عن عبيد بن السابق قال : ( صلى بنا سهل بن حنيف على جنازة ، فلما كبر التكبيرة الأولى قرأ بأم القرآن حتى أسمع من خلفه ثم تابع تكبيره ) .
أثر حسن
أخرجه الدارقطني في السنن [ج2ص61] والبيهقي في السنن الكبرى [ج4ص64] وابن عبد البر في الاستذكار [ج8ص260] وابن أبي شيبة في المصنف [ج3ص298] وابن العربي في عارضة الأحوذي [ج4ص242] من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبيد به.
قلت : وهذا سنده حسن .
قوله ( حتى أسمع من خلفه ) هذا يدل على أن سهل بن حنيف رضي الله عنه جهر بالفاتحة ، وجه الدلالة أنه لو لم يكن جهره مسموعا للمأموم لم يعلم به فتنبه يارعاك الله .
قلت: والقول بفتوى الصحابي وبفعله أولى من فتوى من بعده كما هو مقرر عند أهل العلم .
قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين [ج4ص148] : ( فصل في جواز الفتوى بالآثار السلفية والفتاوى الصحابية ، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم ) . اهـ
وهذا القول نفيس جدا من ابن القيم رحمه الله تقر به عين المؤمن المنصف الحق ، فعلى الذي ابتلي بمخالفة الأحاديث النبوية والسنة المطهرة أن يراجع الصواب من قريب ويتوب إلى الله ويقلع عنها بدلا من أن يظل مستمرا بها والله المستعان .
إذا يا أخي المسلم وفقك الله قد عرفت مما سبق غلط القول بعدم سنية الجهر بفاتحة الكتاب وسورة بعدها ، ثم لو سلم لهم فما هي حجتهم في مخالفة الحديث الصحيح في الجهر بالفاتحة وسورة بعدها ، وليت شعري ما الذي يحملهم على الجهر بمخالفة السنة بمثل هذا التأويل الخطأ .
أفلا أخذوا به وقالوا بسنة الإسرار أحيانا والجهر أحيانا (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج22ص335] : ( أن العبادات التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على أنواع ، يشرع فعلها على جميع تلك الأنواع لا يكره منها شئ ) . اهـ
قلت :كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية وأخذ به بعض العلماء على أن هذا الجهر من السنة وإليك الدليل : عن أبي قتادة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليتين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية (ويسمع الآية أحيانا ..الحديث) أخرجه البخاري في صحيحه [ج2ص243] ومسلم في صحيحه [ج1 ص333 ] .
فما المانع من الإسرار بالقراءة أحيانا والجهر بالقراءة أحيانا في صلاة الجنازة بعد ثبوت السنة في كلا الحالتين .
بل من السنة أحيانا الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة وإليك الدليل :
1) عن واثلة بن الأسقع قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين ... فأسمعه يقول : اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك =
فيكونوا أصابوا السنة وأخذوا بأمر نبيهم r ، ومع هذه المخالفة الصريحة لهذه السنة وغيرها ينسبون من يبين هذه السنة المصطفية ـ وغيرها ـ والآثار الصحابية والفتاوى السلفية بأنه يسبب الفتن ! بل من يخالف السنة ويشوش عليها هو الفتنة ، وهي الفتنة ¼ VKV Á YàWTÞ`YÉ<Ö@ %N éR¹WÍfTTTª » (1). ¼ `ÔWT øgå bàWÞTT`YÊ QWÝYÑHTVÖWè `ØSåW£WpT{KV W WÜéSÙWTÕ`ÅWTÿ » (2).
وأهل الفتنة يعظمون ما عليه هم من الفتاوى التي عرفوها قديما(3)، ويغضبون لها إذا خولفت لأنها عادة تعودوا عليها ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به ، ولا يحل لأحد عندهم مخالفتها ، ولو كان ذلك اتباعا لقول الله تعالى وقول رسوله r.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فقه فتنة القبر وعذاب النار ... الحديث) أخرجه أبو داود في سننه [ج2ص68] وابن ماجه في سننه [ج1ص456] وأحمد في المسند [ج3ص471] وإسناده صحيح .
وقوله ( فأسمعه ) ظاهره أنه كان يجهر بالدعاء في صلاة الجنازة .
2) وعن عوف بن مالك قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : ( اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ..الحديث) يعني كان يجهر بالدعاء فسمعه فحفظ منه الدعاء في صلاة الجنازة.
انظر سبل السلام للصنعاني [ج1ص198] .
قال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار [ج1ص358] : ( فإن هذا يدل على أنه جهر بالدعاء ) . اهـ
إذا من عرف حجة على من لم يعرف ، وقد عرف هذه السنن المصطفية والآثار السلفية غيرهم ولله الحمد والمنة .
1) سورة التوبة آية [49] .
2) سورة الزمر آية [49] .
3) ويغضبون لها إذا تركت أو بين ما فيها من الخطأ والزلل اللهم سلم سلم .
والواجب أن يجعل ما أنزله الله تعالى من الكتاب والسنة أصلا في جميع الأمور ، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك .
انظر زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون للشيخ حمد العثمان [ص11].
وهؤلاء شأنهم شأن العوام الذين يعظمون العادات الجارية التي يأمر بها المطاعون ، ويغضبون لها إذا انتهكت أعظم من غضبهم لحرمات الله إذا انتهكت والله المستعان .
قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة [ج5ص130] : ( بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة ) .اهـ
فيجب التسليم المطلق لله تعالى ورسوله r ، لا رأي شيخ ، ولا لعرف ، ولا لاستحسان ، ولا لتجربة ، ولا لعقل ، ولا لرأي ، بل نستجيب لله جل جلاله ولرسوله r ، ونسلم تسليما ظاهرا وباطنا .
ومن المعلوم أن كل ما نص عليه الكتاب والسنة نصا صريحا لا يجوز العدول عنه إلى ما يؤدي إليه الاجتهاد أو التقليد ، وقد صرح العلماء بالنهي عن الاجتهاد والتقليد وتقديم النص على آرائهم.
وأخيرا أقول :
والذي يقتضيه الإنصاف في هذه المسألة أن يقال إن الامر متسع بحمد الله وأنه من باب تنوع صفة العبادة لله عز وجل وأنه لا دليل على الاقتصار على الإسرار فقط .
والصواب : أن كلا الأمرين جائز وسنة .
والأولى في مثل هذا أن يقال : إن الأمر متسع بحمد الله وإنه من باب تنوع العبادة ، فيعمل بهذا وهذا .
وهذا الكل سنته r ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [ج22ص66] : ( ... مذهب أهل الحديث ومن وافقهم وهو تسويغ كل ما ثبت من ذلك عن النبي r لا يكرهون شيئا من ذلك ..).اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا ، ويحط عني فيه وزرا ، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ذلك الجامع r (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1)