الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / الحلي المهداة في لباس المرأة في الصلاة
الحلي المهداة في لباس المرأة في الصلاة
الحلي المهداة
في
لباس المرأة في الصلاة
تأليف
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ijk
رب يسر وأعن فإنك نعم المعين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿ $pkr'¯»t tûïÏ%©!$# (#qãYtB#uä (#qà)®?$# ©!$# ¨,ym ¾ÏmÏ?$s)è? wur ¨ûèòqèÿsC wÎ) NçFRr&ur tbqßJÎ=ó¡B ﴾ [آل عمران:102].
﴿ $pkr'¯»t â¨$¨Z9$# (#qà)®?$# ãNä3/u
﴿ $pkr'¯»t tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qà)®?$# ©!$# (#qä9qè%ur Zwöqs% #YÏyÇÐÉÈ ôxÎ=óÁã öNä3s9 ö/ä3n=»yJôãr& öÏÿøótur öNä3s9 öNä3t/qçRè 3 `tBur ÆìÏÜã ©!$# ¼ã&s!qßuur ôs)sù y$sù #·öqsù $¸JÏàtã ÇÐÊÈ﴾[الأحزاب:70-71].
أما بعد،،
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي مـحـمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
فإن اللباس من النعم الكبرى التي امتن الله بها على عبادة، شرعه لهم ليستر به ما ينكشف من عوراتهم، ويكون لهم بهذا الستر زينة وجمالا بدلا من قبح العري وشناعته.([1])
قال تعالى: ﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون﴾ [الأعراف:26].
وقال تعالى: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون﴾ [الأعراف:32].
والمراد بالزينة في الآية: الملبس الحسن إذا قدر عليه صاحبه.([2])
ولذلك فإن الآية دالة على لباس الرفيع من الثياب، والتجمل بها في الجمع والأعياد، وعند لقاء الناس، ومزاورة الأقارب والإخوان، وعند الصلاة، وقد جاءت الأحاديث دالة على ذلك.
ولذلك فهذا جزء حديثي فقهي حوى المسائل المتعلقة بموضوع اللباس للمرأة في الصلاة، وقد درست تلك المسائل دراسة أثرية مع الترجيح والاستدلال من الكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال العلماء لهذه المسائل الفقهية العلمية، مع البعد عن التعصب لأي مذهب من المذاهب، بل كان مرادي الحق النابع من الدليل، لأن الله تعالى قد أكمل الدين، وأتم النعمة على هذه الأمة.
فقال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ [المائدة:3].
فما انتقل رسول الله r إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بين للناس جميع ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم.
وقد عنى العلماء على تعاقب العصور باستنباط الأحكام الفقهية من نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال العلماء.
وقد أردت أن أساهم في هذا المجال بالكتابة في هذا الموضوع المهم الذي لغي عناية كبيرة من العلماء، ألا وهو (الأحكام الفقهية المتعلقة بلباس المرأة في الصلاة).
وقد كان كلامهم عن ذلك مبثوثا في بطون الكتب المتفرقة فجمعته في هذه الرسالة الوجيزة مع بيان القول الصحيح الراجح من أقوالهم مع ذكر الدليل من الكتاب والسنة وآثار السلف لتعم الفائدة للمسلمين.
هذا وأبتهل إلى الله العلي القدير أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع في خدمة سنة رسوله r، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، ويوفقني لما يحبه ويرضاه، ولمزيد من خدمة كتابه وسنة رسوله r، إنه نعم المولى والنصير.
وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبدالرحمن الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
تعريف اللباس
تعريف اللباس في اللغة:
اللباس: بكسر اللام، وهو ما يلبس، وجمعه لبس ككتاب وكتب.
ولباس كل شيء: غشاؤه.
ويقال للشيء إذا غطاه كله: ألبسه، كقولهم: ألبسنا الليل، وألبس السماء السحاب أي: غطاها.([3])
وهذه المادة: اللام، والباء، والسين، تدور على المخالطة والمداخلة.
قال ابن فارس رحمه الله في معجم مقاييس اللغة (ج5 ص230): (اللام، والباء، والسين: أصل صحيح واحد يدل على مخالطة ومداخلة). اهـ
وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على المخالطة والمداخلة.
من ذلك قول الله تعالى: ﴿هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾ [البقرة:187].
وقول الله تعالى: ﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير﴾ [الأعراف:26].
قلت: فالمراد باللباس في قوله تعالى: ﴿قد أنزلنا عليكم لباسا﴾: ما تستر به العورات من الثياب.([4])
تعريف اللباس في الاصطلاح:
إذا أطلق العلماء اللباس فإنما يريدون به: ما يستر، ويغطي البدن، سواء كان هذا الستر، وهذه التغطية لأجل ستر العورة، أو لأجل دفع الحر والبرد، أو لأجل الزينة.([5])
õõõõõõõ
ذكر الدليل على اللباس الشرعي للمرأة المسلمة
في الصلاة
يجب على المرأة البالغة أن تستر في الصلاة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين والقدمين([6]) على القول الراجح من أقوال أهل العلم.([7])
فأما وجه المرأة البالغة في الصلاة فقد أجمع أهل العلم على جواز كشفه، وممن حكى الإجماع على ذلك ابن عبدالبر، وابن المنذر، وابن تيمية، وابن قدامة.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد (ج6 ص364): (وقد اجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة). اهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع (ص45): (أجمع أهل العلم أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج22 ص114): (وأما ستر ذلك – يعني الوجه – في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين). اهـ
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في المغني (ج2 ص326): (لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، لا نعلم فيه – يعني كشف الوجه في الصلاة – خلافا بين أهل العلم). اهـ
وأما الكفان، والقدمان فقد اختلف العلماء في حكم سترها في الصلاة للمرأة... والقول الراجح: لا يجب على المرأة ستر الكفين والقدمين في الصلاة، وإلية ذهب الإمام سفيان الثوري، والإمام المزني، وهو الرواية الصحيحة عند الحنفية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.([8])
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (لا يجب عليها ستر اليدين، ولا القدمين).([9])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج22 ص114): (فكذلك القدم يجوز إبداؤه – يعني للمرأة في الصلاة – عند أبي حنيفة، وهو الأقوى). اهـ
وفي رواية للإمام أحمد رحمه الله في جواز كشف الكفين،([10]) اختارها من الحنابلة المرداوي، وابن قدامة، وابن منجا، وابن تيمية.([11])
وجواز كشف الكفين هوقول الإمام الشافعي رحمه الله، والإمام الأوزاعي رحمه الله، وهو مذهب المالكية.([12])
قال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (ج5 ص75): (على المرأة أن تخمر في الصلاة جميع بدنها سوى وجهها وكفيها فيما صلت في ثوب، أو ثوبين، أو ثلاثة، أو أكثر من ذلك إذا سترت ما يجب عليها أن تستره في الصلاة). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (ج2 ص343): (واختلف الناس فيما يجب على المرأة الحرة أن تغطي من بدنها إذا صلت فقال الشافعي والأوزاعي: تغطي جميع بدنها إلا وجهها وكفيها...). اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (ج1 ص219): (ويباح لها كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي([13]) فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى النظر الأجنبي إليها فكلها عورة). اهـ
وقال النووي رحمه الله في المجموع (ج3 ص169): (وعورة الحرة جميع بدنها إلا الوجه والكفين وبهذا كله قال مالك وطائفة، وهي رواية عن أحمد، وقال أبو حنيفة والثوري والمزني قدماها ليسا بعورة...). اهـ
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج22 ص123) عن المرأة إذا صلت وظاهر قدمها مكشوف هل تصح صلاتها؟.
فأجاب: (هذا فيه نزاع بين العلماء، ومذهب أبي حنيفة صلاتها جائزة وهو أحد القولين). اهـ
وقد نقل الترمذي في السنن (ج2 ص378) عن بعض العلماء: إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة.([14])
إذا تبين من كلام أهل العلم أن المرأة تصلي بخمار يسترها في الصلاة، أي إذا صلت تغطي كل شيء منها، ولا يرى منها شيء إلا الوجه واليدين والقدمين، فهذه ليست بواجبة على المرأة وهي تصلي، وهذا القول هو الراجح من أقوال أهل العلم كما سبق ذكره.
قال البغوي رحمه الله في شرح السنة (ج2 ص436): (أما المرأة الحرة، فعليها أن تغطي جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه واليدين إلى الكوعين). اهـ
قلت: ولا يجوز للمرأة أن تصلي وشعرها مكشوف.
قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع (ص45): (أجمع أهل العلم أن على المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت وجميع([15]) رأسها مكشوف أن عليها إعادة الصلاة). اهـ
وقال ابن المنذر رحمه الله في الأوسط (ج5 ص69): (أجمع أهل العلم على أن المرأة الحرة البالغة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إن صلت وجميع رأسها مكشوف أن صلاتها فاسدة، وأن عليها إعادة الصلاة). اهـ
وعن عكرمة رحمه الله قال: (لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شيئا أجزأها مكان الخمار).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في المصنف (ج3 ص129) وابن المنذر في الأوسط تعليقا (ج5 ص75) من طريق يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم (ج2 ص197) عن عكرمة رحمه الله قال: (لو وارت جسدها في ثوب جاز).
قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (ج2 ص197): (يريد عكرمة: أن الواجب عليها في الصلاة ستر جميع جسدها، فلو وارته كله بثوب واحد جاز، ومراده بجسدها: بدنها ورأسها، فلهذا قال كثير من الصحابة، ومن بعدهم: تصلي المرأة في درع وخمار - إشارة منهم: إلى أنه يجب عليها ستر رأسها وجسدها.
فإن سترت جسدها بثوب ورأسها بثوب جاز، ولم تكره صلاتها، وهو أدنى الكمال في لباسها، وإن التحفت بثوب واحد خمرت به رأسها وجسدها صحت صلاتها، لكنه خلاف الأولى). اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج1 ص601): (وأجمع أهل العلم على أن للمرأة الحرة أن تخمر رأسها إذا صلت، وعلى أنها إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أنعليها الإعادة). اهـ
قلت: والصحيح أن ما ظهر من شعرها شيء أثناء صلاتها لا تبطل صلاتها، وخاصة إذا كان ذلك في بيتها، أما في غير بيتها فالصلاة لا تبطل أيضا،
ولكنها عورة يجب سترها عن الرجال.
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: (القدمان ليسا من العورة لأنها تظهران غالبا فهما كالوجه، وإن انكشف من المرأة أقل من ربع شعرها، أو ربع فخذها،
أو ربع بطنها لم تبطل صلاتها).([16])
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج22 ص123) عن المرأة إذا ظهر شيء من شعرها في الصلاة هل تبطل صلاتها أم لا؟.
فأجاب: (إذا انكشف شيء يسير من شعرها، وبدنها لم يكن عليها الإعادة عند أكثر العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وإن انكشف شيء كثير أعادت الصلاة في الوقت عند عامة العلماء الأئمة الأربعة وغيرهم والله اعلم). اهـ
قلت: ومن هذا يتضح أن المرأة إذا صلت بحضرة الأجانب عليها أن تستر جميع بدنها عنهم، وإذا صلت منفردة، أو بحضرة النساء، أو بحضرة محارمها تستر سائر بدنها أيضا باستثناء الوجه والكفين والقدمين.
قلت: وإذا ظهر منها شيء بحضرة الأجانب وهي عالمة فهي آثمة لكن لا تبطل صلاتها على الصحيح الذي ذهبنا إليه إذ لا دليل صحيح على بطلان الصلاة.
وإليك الدليل على ذلك:
فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي r قال: (لا يقبل الله صلاة حائض
بغير خمار).([17]) وفي لفظ: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار).
حديث صحيح
أخرجه أبو داود في سننه (ج1 ص173) والترمذي في سننه (ج2 ص215) وابن ماجه في سننه (ج1 ص214) وأحمد في المسند (ج6 ص150 و218 و259) وابن أبي شيبة في المصنف (6276) والحاكم في المستدرك (ج1 ص251) وابن راهويه في المسند (ج3 ص687) وابن خزيمة في صحيحه (ج1 ص380) وابن الجارود في المنتقى (ج1 ص166) وابن الأعرابي في المعجم (ج3 ص940) وابن حبان في صحيحه (ج4 ص612) والبيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص233) والطوسي في مختصر الأحكام (ج2 ص297) والبغوي في شرح السنة (ج2 ص436) وابن المنذر في الأوسط (ج5 ص69) وابن عبدالبر في التمهيد (ج6 ص378) من طرق عن حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة به.
قلت: وهذا سنده فيه قتادة بن دعامة السدوسي وهو مدلس، وقد عنعنه ولم يصرح بالتحديث.
انظر تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس لابن حجر (ص146).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة.
قلت: وحماد بن سلمة، تابعه حماد بن زيد ثنا قتادة عن محمد بن سيرين به.
أخرجه ابن حزم في المحلى (ج3 ص219).
وإسناده كسابقه.
وقال الذهبي في التلخيص (ج1 ص251): على شرط مسلم، وعلته ابن أبي عروبة.
ثم ساق الحاكم في المستدرك (ج1 ص251)، وكذلك البيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص233): (رواية ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري: أن رسول الله r قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار). هكذا رواه مرسلا.
وهذا المرسل علقه أبو داود في سننه (ج1 ص173) قال: رواه سعيـد – يعني: ابن أبي عروبة – عن قتادة عن الحسن عن النبي r).
قلت: وهذا الخلاف ذكره الدارقطني في العلل (ج14 ص431) فقال: (حديث: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)، يرويه محمد بن سيرين،واختلف عنه.
فرواه قتادة عن ابن سيرين، واختلف عن قتادة: فأسنده حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي r.
وخالفه شعبة، وسعيد بن بشير، فروياه عن قتادة موقوفا.
ورواه أيوب السختياني، وهشام بن حسان عن ابن سيرين مرسلا، عن عائشة: أنها نزلت على صفية بنت الحارث، حدثتها بذلك، ورفعا الحديث.
وقول أيوب، وهشام أشبه بالصواب). اهـ
قلت: فذكر الدارقطني الحديث المرفوع والموصول والمرسل والموقوف على أوجه.
وجزم الدارقطني بترجيح المرسل، وهو ترجيح يجري على طريقة بعض المحدثين.
ولكن يمكن أن يقال: لم ينفرد حماد بن سلمة بوصله، بل تابعة حماد بن زيد كما سبق عند ابن حزم في المحلى (ج3 ص219).
وكذا مرسل الحسن البصري الذي أخرجه الحاكم في المستدرك (ج1 ص251) والبيهقي في السنن الكبرى (ح2 ص233) من طريق عبدالوهاب بن عطاء عن قتادة عن الحسن عن النبي r.
قلت: ومخرج هذا المرسل بخلاف مخرج الموصول، فهو شاهد لا بأس به.
ثم أن اختلاف الروايتين في الرفع، والوقف لا تناف بينهما في الحقيقة كما حققه أهل العلم، ويكون الوصل زيادة من ثقة، بل من ثقتين، وهناك متابعات للوصل يأتي ذكرها فوجب المصير إليه.
وأطال التخريج الشيخ الألباني رحمه الله، وانتهى إلى تصحيح الحديث، فقال في إرواء الغليل (ج1 ص215): (وهذا المرسل علقه أبو داود عقب الموصول؛ كأنه يعله به وليس بعلة؛ فإن حماد بن سلمة ثقة، وقد وصله عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية عن عائشة؛ فهذا إسناد آخر لقتادة، وهو غير إسناده المرسل عن الحسن، فهو شاهد جيد للموصول، لا سيما وقد تابع حماد بن سلمة على وصله، سميه حماد بن زيد؛ كما أخرجه ابن حزم في المحلى (3/219). اهـ
وذكر هذا الخلاف في الوصل والإرسال المزي في تحفة الأشراف (ج12 ص297 و393) والزيلعي في نصب الراية (ج1 ص295).
قلت: ولا يضره رواية الآخرين وهما: هشام، وأيوب منقطعا بإسقاط صفية من الإسناد كما رواه بعضهم عنهما.([18])
قال الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (ج1 ص216) معلقا على تصويب الدارقطني: (وفي هذا التصويب عندي نظر؛ لأنه قائم على أساس ترجيح رواية الأكثر على الأقل، وهذا مقبول عند تعارض الروايتين تعارضا لا يمكن التوفيق بينهما بوجه من الوجوه المقرر في علم المصطلح، وليس كذلك الأمر هنا، ذلك لأن رواية قتادة للحديث موصولا بذكر صفية بنت الحارث في الإسناد لا ينافي رواية أيوب وهشام المرسلة، بل روايته تضمنت زيادة وهي الوصل، وهو ثقة؛ فيجب قبولها.([19])
وهذا يقال فيما إذا لم يرد الحديث موصلا من طريق المذكورين ذاتها، فكيف وقد صح عنهما موصولا – أيضا – كما سبق وبذلك تبين أن الحديث صحيح؛ كما قال الحاكم والذهبي، والحمد لله على توفيقه).اهـ
والرواية التي أشار إليها الشيخ الألباني. أخرجها ابن الأعرابي في المعجم (ج3 ص940) من طريق حماد عن هشام عن محمد بن سيرين عن حفصة بنت الحارث عن عائشة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في الإرواء (ج1 ص196 و216). وهشام بن حسان من أثبت الناس في محمد بن سيرين.
انظر تهذيب الكمال للمزي (ج30 ص181).
قلت: وفيها متابعة هشام بن حسان لقتادة السدوسي.
وأخرجها ابن الأعرابي أيضا في المعجم (ج3 ص940) من طريق حماد نا أيوب عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي r به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله ثقات.
قلت: وفيها متابعة أيوب السختياني لقتادة السدوسي.
وللحديث شاهد من حديث أبي قتادة t:
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (7606) وفي المعجم الصغير (ج2 ص54) من طريق إسحاق بن إسماعيل بن عبدالأعلى حدثنا عمرو بن هشام البيروتي حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعا: (لا يقبل الله من امرأة صلاة، حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر).
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه عمرو بن هاشم البيروتي وهو ضعيف، ليس بذاك، كان صغيرا حين كتب عن الأوزاعي.([20])
قال عنه العقيلي في الضعفاء الكبير (ج3 ص1009): مجهول النقـل لا
يتابع على حديثه ولذلك قال عنه ابن حجر في التقريب (ص747): (صدوق يخطئ).
وأورده الهيثمي في المجمع (ج2 ص52) ثم قال: (رواه الطبراني في الصغير والأوسط، تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبدالأعلى الأيلي.
قلت: ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات). اهـ
كذا قال، وإسحاق بن إسماعيل مترجم له في تهذيب الكمال للمزي (ج2 ص408)، وهو من رجال النسائي وابن ماجه.
قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب (ص127): (صدوق).
قلت: فقول الهيثمي بقية رجاله موثقون فيه نظر.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود (ج3 ص208).
قلت: ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي r نفى قبول صلاة المرأة إذا صلت مكشوفة الرأس، بلا خمار... وهذا يدل على وجوب ستر المرأة شعرها وسائر بدنها... لصحة صلاتها، إذ إن نفي القبول يقتضي نفي الصحة.([21])
قلت: ويستثنى من ذلك الوجه بالإجماع، والكفان والقدمان عند بعض أهل العلم.
ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب هي:
(1) الخمار: وهو المقنعة، وكل ما ستر شيئا فهو خماره، وجمعه: أخمرة، ومنه خمار المرأة تغطي به رأسها، وتديره تحت حلقها.([22])
(2) الدرع: وهو القميص، لكنه سابغ يغطي قدميها.([23])
(3) الملحفة: وتسمى الجلباب([24])، وهو ما يكون فوق الثياب، ويستر جميع بدن المرأة وثيابها.([25])
قال الفيومي رحمه الله في المصباح المنير (ص96): (الخمار: ثوب تغطي به المرأة رأسها، والجمع: خمر، و(ختمرت) المرأة، و(تخمرت) لبست الخمار).اهـ
وقال الأزهري في معجم تهذيب اللغة (ج2 ص1175): (الدرع: درع المرأة، مذكر، ودرع الحديد، تؤنث... والجمع القليل: أدرع وأدراع، فإذا كثرت؛ فهي: الدروع: وهو درع المرأة لقميصها، وجمعه أدراع... والدرع: ثوب تجوب المرأة وسطه، وتجعل له يدين وتخيط فرجيه، فذلك الدرع). اهـ
وقال الفيروز آبادي رحمه الله في القاموس المحيط (ص867): (لحفه: غطاه باللحاف ونحوه، والتحف به: تغطى... والملحفة: اللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه، كالملحفة والملحف). اهـ
وقد نص السلف الصالح على ذلك:
1) فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إذا صلت المرأة؛ فلتصل في ثيابها كلها: الدرع، والخمار، والملحفة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص118) من طريق عبدالله بن نمير عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
2) وعن عمر بن الخطاب t قال: (تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع، وخمار، وإزار([26])).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص116) والبيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص235) من طريقين عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
3) وعن عائشة رضي الله عنها: (أنها قامـت تصلي في درع وخمـار، فأتتها الأمة، فألقت عليها ثوبا).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص119) وابن المنذر في الأوسط (ج5 ص73) من طريق محمد بن فضيل عن عاصم الأحول عن معاذة عن عائشة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه مالك في الموطأ بلاغا (ج1 ص142) وأبو مصعب الزهري في الموطأ (ج1 ص146) والقعنبي في الموطأ (ص185) والحدثاني في الموطأ (ص139) والبيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص233).
4) وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: (تصلي المرأة في ثلاثة أثواب).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص118) من طريق ابن عليه عن أيوب عن محمد بن سيرين به.
قلت: وهذت سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص118) من طريق وكيع قال حدثنا أبو هلال عن ابن سيرين قال: (كان يستحب أن تصلي المرأة في ثلاثة أثواب؛ في الدرع والخمار والحقو([27])).
وإسناده صحيح.
5) وعن هشام بن عروة بن الزبير قال: (قالت امرأة لأبي – يعني عروة-: إني امرأة حبلى وإنه يشق علي أن أصلى في المنطق([28]) أفأصلي في درع وخمار قال: نعم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص118) ومالك في الموطأ (ج1
ص142) وعبدالرزاق في المصنف (ج3 ص130) وأبو مصعب الزهري (ج1 ص142) والقعنبي في الموطأ (ص185) والحدثاني في الموطأ (ص139) من طريق هشام بن عروة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
6) وعن عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: (تصلي المرأة في درع وخمار).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص119) من طريق عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال: قال عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
7) وعن شعبة قال: سألت الحكم فقال: في درع وخمار، وسألت حمادا فقال: تصلي في درع، وملحفة تغطي رأسها).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ج3 ص119) من طريق غندر عن شعبة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، والحكم هو ابن عتيبة الكوفي ثقة ثبت فقيه، وحماد هو ابن أبي سليمان الكوفي فقيه صدوق.
انظر التقريب لابن حجر (ص263 و269).
قلت: فيستحب للمرأة أن تأخذ زينتها في الصلاة – زيادة على ما يجب
عليها ستره في الصلاة([29]) – لأنها داخلة في عموم قول الله تعالى: ﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [الأعراف:31]. أي عند كل صلاة، حتى لو صلت المرأة وحدها فيستحب لها أخذ الزينة، لأن أخذ الزينة في الصلاة إنما هو لحق الله تعالى.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (اتفق عامتهم على الدرع والخمار، وما زاد فهو خير وأستر، ولأنها سترت ما يجب عليها ستره فاكتفى به).([30])
قلت: فالزينة التي ينبغي للمرأة أن تأخذها في صلاتها: صلاة المرأة في ثلاثة أثواب:
(1) درع سابغ – أي ساتر – يغطي البدن والرجلين.
(2) وخمار يغطي الرأس والعنق.
(3) وجلباب: وهو الملحفة تلتحف به من فوق الدرع.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (ج1 ص602): (والمستحب أن تصلى المرأة في درع، قال: الدرع يشبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها، وخمار يغطي رأسها وعنقها، وجلباب تلتحف به من فوق الدرع). اهـ
قلت: فعلى المرأة أن لا تصلي في الملابس الشفافة من (النايلون) و(الشيفون)، فإنها لا تزال كاسية سافرة، ولو غطى الثوب بدنها كله، حتى لو كان فضفاضا.
وإليك الدليل:
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا).([31])
قال ابن عبدالبر في التمهيد (ج13 ص204): (أراد r بقوله: (كاسيات عاريات) اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة). اهـ
عن هشام بن عروة: (أن المنذر بن الزبير قدم من العراق، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية وقوهية([32]) رقاق عتاق، بعدما كف بصرها، قال: فلمستها بيدها، ثم قالت: أف، ردوا عليه كسوته. قال فشق ذلك عليه، وقال: يا أمة، إنه لا يشف. قالت: إنها إن لم تشف، فإنها تصف).([33])
وقال السفاريني رحمه الله: (إذا كان اللباس خفيفا يبدي عورة لابسه، من ذكر، أو أنثى، فذلك ممنوع، محرم على لابسه، لعدم سترة العورة المأمور بسترها شرعا، بلا خلاف).([34]) اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (ج2 ص115): (يجب على
المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه، وهذا شرط ساتر العورة). اهـ
وعليه: فعلى المسلمات أن يعتنين بملابسهن في الصلاة – فضلا عن خارجها – وكثير منهن يبالغن في ستر أعلى البدن، أعني: الرأس، فيسترن الشعر والنحر، ثم لا يبالين بما دون ذلك، فيلبسن الألبسة الضيقة والقصيرة، التي لا تتجاوز نصف الساق!، أو يسترن النصف الآخر بالجوارب اللحمية، التي تزيده جمالا.
وقد تصلي بعضهن بهذه الهيئة، فهذا لا يجوز، ويجب عليهن، أن يبادرن إلى إتمام الستر، كما أمر الله تعالى، أسوة بنساء المهاجرين الأولين، حين نزل الأمر بضرب الخمر، شققن مروطهن، فاختمرن بها.([35])
قلت: ويكره أن تصلي المرأة وهي منتقبة وإليه ذهب المالكية والشافعية والحنابلة.([36])
قال ابن عبدالبر رحمه الله في التمهيد (ج6 ص365): (أجمع العلماء على أن المرأة لا تصلي منتقبة). اهـ
ويدل للكراهة: أن في انتقاب المرأة تغطية لفيها... وتغطية الفم في الصلاة يكره.
قلت: وهذا إذا كانت منفردة فلا تنتقب في الصلاة، وأما إذا صلت أمام الرجال الأجانب فيجب أن تنتقب في الصلاة.
ذكر الدليل على ضعف حديث أم سلمة
رضي الله عنها في لباس المرأة
في الصلاة.
عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها سألت النبي r: أتصلي المرأة في درع وخمار، ليس عليها إزار؟ قال: (إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها).
حديث ضعيف
أخرجه أبوداود في سننه (ج1 ص173) والبغوي في شرح السنة تعليقا (ج2 ص435) والحاكم في المستدرك (ج1 ص250) والبيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص233) من طريق عبدالرحمن بن عبدالله عن محمد بن زيد بن المهاجر عن أمه عن أم سلمة به.
قلت: وهذا سنده ضعيف وله علتان:
الأولى: جهالة أم حرام والدة محمد بن زيد، وهي جهالة عين حيث لم يرو عنها إلا ابنها، ولم يوثقها أحد.
قال ابن حجر في التقريب (ص1378): (أم حرام، والدة محمد بن زيد، يقال: اسمها آمنة، مستورة).
وذكرها ابن حجر في التهذيب (ج12 ص490) ولم يذكر لأحد فيها جرحا ولا تعديلا.
وقال الذهبي في الميزان (ج4 ص612) عنها: (لا تعرف).
وقال الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ج9 ص223): (فيه أم حرام، ولا تعرف).
الثانية: عبدالرحمن بن عبدالله العدوي هذا هو ولد عبدالله بن دينار مولى ابن عمر وهو يخطئ ويهم.
قال ابن حجر في التقريب (ص585): (صدوق يخطئ).
وقال أبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل (ج1 ص421): (لا يحتج به).
وترجمته ضمن شيوخ المصنف وقد خالف الجمع من الثقات، فروايته هذه شاذة مردودة.
قال أبو داود في السنن (ج1 ص173): (روى هذا الحديث مالك بن أنس، وبكر بن مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة، لم يذكر أحد منهم النبي r قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها).
وقال البيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص232): (رواه بكر بن مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا.
ورواه عثمان بن عمر عن عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن محمد ابن زيد مرفوعا... ثم ساقه).
وقال الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ج9 ص223): (والحديث رواه عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن محمد بن زيد... به مرفوعا؛ فأخطأ... ثم ساقه).
وقال ابن حجر في تلخيص الحبير – بعد ذكره لهذا الحديث – (ج1 ص229): (وأعله عبدالحق بأن مالكا وغيره رووه موقوفا وهو الصواب).
وقال ابن عبدالهادي في التنقيح (ج1 ص748): (غلط – أي ابن دينار– في رفع هذا الحديث). اهـ
قلت: فعبدالرحمن بن عبدالله إذا تفرد برفع هذا الحديث، وهو مع كونه من رجال البخاري فإن فيه ضعفا من قبل حفظه، وقد خالفه جماعة من الثقات فرووه من طريق محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا عليها.
قال المنذري في مختصر سنن أبي داود (ج1 ص325): (في إسناده عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار وفيه مقال).
وقال الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ج9 ص223): (تفرد عبدالرحمن بن عبدالله برفعه، وهو وإن كان صدوقا ومن رجال البخاري؛ فإن فيه ضعفا؛ فلا يحتج به عند المخالفة).
وقد روى الحديث جماعة من الثقات – كما سبق – عن محمد بن زيد به موقوفا على أم سلمة رضي الله عنها.
أخرجه مالك في الموطأ (ج1 ص142) وأبو داود في سننه (ج1 ص173) وابن المنذر في الأوسط (ج5 ص72) وأبو مصعب الزهري في الموطأ (ج1 ص141) والبيهقي في السنن الكبرى (ج2 ص232) وفي السنن الصغير (ج1 ص134) وفي معرفة السنن (ج2 ص91) والقعنبي في الموطأ (ص185) والبغوي في شرح السنة (ج2 ص435) ومحمد بن الحسن في الموطأ (ص72) والحدثاني في الموطأ (ص138) وابن أبي شيبة في المصنف (ج2 ص225) وابن وهب في الموطأ (ص131) وعلي بن حجر في حديثه (ص505) وعبدالرزاق في المصنف (ج3 ص128) وابن سعد في الطبقات الكبرى (ج8 ص350) من طريق محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه؛ أنها سألت أم سلمة – زوج النبي r -: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: (تصلي في الخمار، والدرع السابغ، إذا غيب ظهور قدميها).
قلت: وهذا سنده كسابقة ضعيف؛ لجهالة أم محمد بن زيد، واسمها أم حرام كما سبق ذلك.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود (ج9 ص221) بقوله: (وإسناده ضعيف؛ لأن أم محمد بن زيد هذه لا تعرف، كما قال الذهبي؛ واسمها: أم حرام، وقد روي مرفوعا؛ ولا يصح أيضا).
قلت: مع ذلك تبقى جهالة أم محمد بن زيد قادحة في صحته موقوفا.([37])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك – إن شاء الله – سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا...
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1]) انظر أحكام العورة للفالح (ص159).
[2]) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ج7 ص195).
[3]) انظر لسان العرب لابن منظور (ج6 ص202) وتاج العروس للزبيدي (ج16 ص470) والصحاح للجوهري (ج2 ص970) والقاموس المحيط للفيروز آبادي (ص738).
[4]) انظر جامع البيان للطبري (ج5 ص146) وتفسير ابن كثير (ج2 ص180).
[5]) انظر المجموع للنووي (ج4 ص435) والمغني لابن قدامة (ج2 ص292) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ج13 ص38) ومحاسن التأويل للقاسمي (ج7 ص35) ومفاتيح الغيب للرازي (ج14 ص51) والفتاوى لابن تيمية (ج15 ص218).
[6]) ولا يوجد دليل ينص على وجوب ستر القدمين للمرأة في الصلاة، وكذلك ستر جميع بدنها.
قلت: لأن القول بوجوب تغطية المرأة كفيها، وقدميها في الصلاة فيه حرج كبير، ولا سيما أن الصلاة المكتوبة تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة... وهذا مناف لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من رفع الحرج عن هذه الأمة، كما قال تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [الحج:78].
وانظر حجاب المرأة المسلمة، ولباسها في الصلاة لابن تيمية (ص30).
[7]) انظر الفتاوى لابن تيمية (ج22 ص114) والتمهيد لابن عبدالبر (ج6 ص364) وكنز الدقائق لأبي البركات النسفي (ج1 ص269) والمجموع للنووي (ج3 ص169) وفتح الباري لابن رجب (ج2 ص140) والمغني لابن قدامة (ج2 ص326) والأوسط لابن المنذر (ج5 ص69) ونيل الأوطار للشوكاني (ج2 ص68).
[8]) انظر المجموع للنووي (ج3 ص169) وفتح الباري لابن رجب (ج2 ص140) والهداية للمرغيناني (ج1 ص138) وكنز الدقائق لأبي البركات النسفي (ج1 ص269) والفتاوى لابن تيمية (ج22 ص114) والتمهيد لابن عبدالبر (ج6 ص364) وبدائع الصنائع للكاساني (ج1 ص219).
[9]) ذكره ابن رجب في فتح الباري (ج2 ص140).
[10]) انظر الفتاوى لابن تيمية (ج22 ص140) وفتح الباري لابن رجب (ج2 ص140) والإنصاف للمرداوي (ج1 ص452) وكشاف القناع للبهوتي (ج1 ص266) والفروع لابن مفلح (ج1 ص33) والكافي لابن قدامة (ج1 ص142).
[11]) انظر الإنصاف للمرداوي (ج1 ص452) والفتاوى لابن تيمية (ج22 ص114) وأحكام العورة للفالح (ص232).
[12]) انظر الأم للشافعي (ج1 ص452) والتمهيد لابن عبدالبر (ج6 ص364) والمجموع للنووي (ج3 ص169) وفتح الباري لابن رجب (ج2 ص140) والمدونة الكبرى للإمام مالك (ج1 ص95).
[13]) ولا يجوز للمرأة كشف وجهها بحضرة الأجانب أثناء صلاتها كما بين ذلك أهل العلم.
قلت: ويجوز للمرأة كشف وجهها بحضرة زوجها، أو محارمها أثناء صلاتها منفردة كما بين ذلك أهل العلم.
[14]) وانظر تحفة الأحوذي للمباركفوري (ج2 ص378) وعون المعبود لأبي عبدالرحمن آبادي (ج2 ص344).
[15]) قلت: وإذا صلت المرأة وشيء من شعرها مكشوف فليس عليها الإعادة وهو الراجح من أقوال أهل العلم.
وانظر الأوسط لابن المنذر (ج5 ص69) والفتاوى لابن تيمية (ج22 ص123) والمغني لابن قدامة (ج1 ص601).
[16]) ذكر ابن قدامة في المغني (ج1 ص601).
[17]) والحائض هنا: هي التي بلغت، سميت حائضا لأنها بلغت سن الحيض، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها فإن الحائض لا تصلي بوجه.
انظر جامع الأصول لابن الأثير (ج5 ص461) وطرح التثريب للعراقي (ج2 ص226).
قال البغوي رحمه الله في شرح السنة (ج2 ص437): (المراد بالحائض: البالغة، ففيه دليل على أن رأسها عورة، ولو صلت مكشوفة الرأس لا تصح صلاتها). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله في معالم السنن (ج1 ص325): (يريد بالحائض المرأة التي قد بلغت سن الحيض، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها، فإن الحائض لا تصلي بوجه). اهـ
[18]) وانظر إتحاف المهرة لابن حجر (ج17 ص523 و701) وتحفة الأشراف للمزي (ج12 ص297).
[19]) وانظر إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي لابن حجر (ج9 ص310).
[20]) انظر تهذيب الكمال للمزي (ج22 ص275).
[21]) وانظر طرح التثريب للعراقي(ج2 ص226) والمغني لابن قدامة (ج2 ص330).
[22]) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص412) والمصباح المنير للفيومي (ص96) ومعجم تهذيب اللغة للأزهري (ج1 ص1100) والمعجم الوسيط (ص255).
[23]) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص734) ومختار الصحاح للرازي (ص85) والمعجم الوسيط (ص280) ومعجم تهذيب اللغة للأزهري (ج2 ص1175).
[24]) الجلباب: بكسر الجيم هو: الملحفة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها.
انظر تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (ص57) والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (ج1 ص283).
[25]) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي (ص867) والمعجم الوسيط (ص818).
[26]) الإزار: اختلف في تفسيره:
فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه، وهذا قول ابن راهويه، وهو ظاهر كلام أحمد.
وقالت طائفة: أن المراد بالإزار: الجلباب، وهو الملحفة السابغة التي تغطى بها الرأس والثياب، وهو قول الشافعي.
انظر فتح الباري لابن رجب (ج2 ص199).
[27]) الحقو: موضع شد الإزار وهو الخاصرة، ثم توسعوا حتى سمو الإزار الذي يشد على العورة حقوا.
انظر المصباح المنير للفيومي (ص145).
[28]) المنطق: هو ما يشد به الوسط.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار (ج5 ص443): (المنطق – ههنا -: الحقو؛ وهو الإزار والسراويل).
[29]) ولا تصلي المرأة في ثياب رقيقة، يرى جسمها منها، فلا بد أن تكون الثياب كثيفة.
وانظر المجموع للنووي (ج3 ص171) وروضة الطالبين له (ج1 ص285) والمغني لابن قدامة (ج2 ص277) وكشاف القناع للبهوتي (ج2 ص264) ونهاية المحتاج للرملي (ج2 ص8).
[30]) انظر المغني لابن قدامة (ج2 ص330).
[31]) أخرجه مسلم في صحيحه (2128) ومالك في الموطأ (ج2 ص913).
[32]) من نسيج (قوهستان) ناحية بخراسات.
انظر معجم البلدان للحموي (ج4 ص416).
[33]) أثر صحيح.
أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج8 ص184) بإسناد صحيح.
[34]) انظر الدين الخاص لمحمود السبكي (ج6 ص180).
[35]) انظر حجاب المرأة المسلمة للشيخ الألباني (ص61).
[36]) انظر المدونة الكبرى للإمام مالك (ج1 ص94) والتاج والإكليل للمواق (ج1 ص502) وروضة الطالبين للنووي (ج1 ص289) والمغني لابن قدامة (ج2 ص331) والمبدع لابن مفلح (ج1 ص366).
قلت: أما الحنفية فلم أقف على نص لهم في هذه المسألة.
[37]) وانظر تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (ج1 ص748) ونصب الراية للزيلعي (ج1 ص229) وتلخيص الحبير لابن حجر (ج4 ص89).