الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / المفحم في أن المضحي في الحضر لا يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم
المفحم في أن المضحي في الحضر لا يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم
المفحم
في
أن المضحي في الحضر لا يمسك
عن شيء مما يمسك عنه المحرم
تأليف
العلامة المحدث الفقيه فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه
ومعه:
إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن المضحي إذا أراد أن يضحي لا يمسك بشيء من شعره وظفره، فلا يلتفت إلى اختلاف المتأخرين بعد هذا الإجماع.
بالإضافة:
إلى بيان ضعف حديث أم سلمة رضي الله عنها في منع المضحي أن يمسك عن شعره وظفره في العشر الأولى من ذي الحجة.
وقد أعله الإمام مالك، والإمام الليث بن سعد، والإمام يحيى بن معين، والإمام البخاري، والإمام النسائي، والإمام الطحاوي، والإمام البيهقي، والإمام ابن أبي عيسى، والإمام الدار قطني، والإمام عبد الحق الإشبيلي، والإمام ابن عبد البر، والإمام ابن العربي، والإمام الذهبي، والإمام ابن حجر، والإمام أبو مسعود الدمشقي وغيرهم.
وقد ترك الحديث الإمام سعيد بن المسيب / وهو راوي الحديث بعد ما تركه الناس في
عهد السلف
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
هل من مدكر
كل الناس من زمن الصحابة y والتابعين، والأئمة، والعلماء، وكل الدنيا في سالف الزمان على مر العصور، وكر الدهور يقولون: يجوز للمضحي المقيم أن يأخذ من شعره وظفره في العشر الأول من شهر ذي الحجة إذا أراد أن يضحي.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أجمع
الصحابة y على أن من أراد أن يضحي فإنه يباح له أن يحلق شعره، وأن يقلم أظافره، ولا يحرم عليه، ولا يكره له أن يأخذ من شعره وظفره في العشر الأول من شهر ذي الحجة
عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال الزهري /: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النبي r).
قال الزهري : فأخبرني عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبي r قالت : (إن كنت أفتل قلائد الهدي هدي رسول الله، فيبعث بهديه مقلدا وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه، فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا بقولها، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ ([1])!).
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 5 ص234).
وهذا سنده صحيح.
قال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2ص268): (وأما قول ابن عباس ﭭ فقد خالفه: ابن مسعود، وعائشة، وأنس بن مالك، وعبد الله ابن الزبير، وغيرهم y). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أجمع
التابعون الكرام على أن من أراد أن يضحي فإنه يباح له أن يحلق شعره، وأن يقلم أظافره، ولا يحرم عليه، ولا يكره له أن يأخذ من شعره وظفره في العشر الأول من شهر ذي الحجة
عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال الزهري /: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النبي r).
قال الزهري : فأخبرني عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبي r قالت : (إن كنت أفتل قلائد الهدي هدي رسول الله، فيبعث بهديه مقلدا وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه، فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا بقولها، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ ([2])!).
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 5 ص234).
وهذا سنده صحيح.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
الإمام مالك بن أنس /
في
أن من أراد أن يضحي وهو مقيم فلا بأس أن يأخذ من شعره وظفره إذا دخل شهر ذي الحجة ولا يحرم عليه ذلك
قال الإمام مالك / في «الموطأ» (ج1 ص435)؛ فيما اختلف الناس فيه من الإحرام ممن لا يريد الحج، ولا العمرة، فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك: قول عائشة أم المؤمنين ڤ أن «رسول الله r بعث بهديه، ثم أقام؛ فلم يحرم([3]) عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه»). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
الإمام الشافعي /
في
أن من أراد أن يضحي وهو مقيم فلا بأس أن يأخذ من شعره وظفره إذا دخل شهر ذي الحجة ولا يحرم عليه ذلك
قال الإمام الشافعي /: (فإن قال قائل ما دل على أنه اختيار لا واجب؛ يعني: الأخذ من الشعر، والظفر، قيل له روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة ڤ قالت: «أنا فتلتقلائد هدي رسول الله r بيدي ثم قلدها رسول الله r بيده، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله r شيء أحل الله له حتى نحر الهدي»، قال الشافعي: وفي هذه دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه، يقول: البعثة بالهدي أكثر من إرادة الضحية).([4])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أفتى
الإمام أبو حنيفة، والإمام أبو يوسف، والإمام محمد بن الحسن، والإمام سفيان الثوري بجواز الأخذ من الشعر والظفر وغير ذلك لمن أراد أن يضحي وهو مقيم، وهو مذهب الجمهور من المتقدمين والمتأخرين
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص185): (فقال مالك: لا بأس بحلق الرأس، وقص الأظفار، والشارب، وحلق العانة في عشر ذي الحجة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص221): (تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإحرام، وهذا المعنى الذي سبق له الحديث، وهو الحجة عند التنازع). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): عن مذهب الشافعي الصحيح: (قال الشافعي: فإن أخذ من شعره، أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة ڤ: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r... الحديث).اهـ
قلت: فصح أنه r كان يضحي، ويحض على الضحية، ولم يصح عنه r أنه كان يمتنع من الأخذ من الشعر والظفر، ولم ينقل عنه r ذلك بنقل صحيح الإسناد!.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (وعلى القول بحديث عائشة ڤ... جمهور أهل العلم([5])، وأئمة الفتوى بالأمصار). اهـ
قلت: فما شاع في البلدان الإسلامية في هذا الزمان على ألسنة المقلدة، والعامة([6])من قولهم: أن من أراد أن يضحي وجب عليه أن يحرم، ولو بترك الأخذ من الشعر، والظفر، والجلد!.
قلت: فلا يلزم العمل بحديث أم سلمة ڤ لضعفه، ويجب العمل بحديث عائشة لصحته، والعمل به في الأمصار.
وذكر الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص182) حديث أم سلمة مرفوعا، ثم ذكره موقوفا ورجحه، ثم قال: (فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم أجمعين، وقد روي ذلك أيضا عن جماعة من المتقدمين). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
الإمام ابن عبد البر المالكي
في
جواز الأخذ من الشعر والظفر في أول عشر شهر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ولا يحرم عليه شيء
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): (وهو أترك... – يعني: سعيد بن المسيب - لما رواه عن أم سلمة؛ وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع([7]) في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، وأن ذلك مباح فحلق الشعر والأظفار أحرى أن يكون مباحا). اهـ
قلت: فاستقر الأمر على سعيد بن المسيب / ترك حديث أم سلمة ڤ، وقال: لا بأس بالأخذ من الشعر والظفر في عشر ذي الحجة. ([8])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
جمهور العلماء
على جواز الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي في العشر الأولى من شهر ذي الحجة وهو مقيم
قال العلامة أبو يحيى الأنصاري / في «تحفة الباري» (ج2 ص415): (من أرسل الهدي إلى مكة لا يحرم بذلك على المحرم، وهو مذهب جمهور العلماء؛ خلافا لابن عباس). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج9 ص70): (من بعث هديه لا يصير محرما، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة). اهـ
وقال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (ج5 ص338): (وهذا مذهب الجمهور). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أنه لا فرق
بين: «الهدي»، وبين: «الأضحية»
في الشريعة المطهرة
فمرة: شيخنا يرى أن هناك فرق بين تسمية «الهدي»، و«الأضحية».
فقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج6 ص429)؛ معلقا على حديث عائشة ڤ: (في هذا استحباب بعث الهدي من البلد إلى مكة، وأنه إذا بعثه فلا يحرم عليه شيء بخلاف من أراد أن يضحي، فإنه لا يأخذ من شعره وبشرته وأظفاره شيئا من حين دخول ذي الحجة حتى يضحي.
وهذا من الفروق بين الهدي والأضحية: أن الأضحية إذا أرادها الإنسان؛ فإنه من حين أن يدخل العشر يتجنب الأخذ من الشعر والظفر والبشرة بخلاف الهدي([9])، ولهذا نصت أم المؤمنين عائشة ڤ؛ أن النبي r كان لا يحرم عليه شيء مما كان مباحا). اهـ
ومرة: شيخنا لا يرى الفرق بين تسمية «الهدي»، و«الأضحية» في الجملة.
فقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج12 ص372) معلقا على حديث جابر «لحوم الأضاحي»، و«لحوم الهدي»: (المراد بالأضاحي هنا : «الهدي»، ولهذا كان يقول أحيانا([10]): «لحوم الهدي»، ولا يمكن أن يراد به «الأضحية»([11]) التي هي: «الأضحية»؛ لأن النبي r لم يضح في سفر([12]) أبدا، بل وقت عيد الأضحى في السنوات التي قبل حجة الوداع([13]) كان في المدينة، وكان يضحي عشر سنوات في المدينة عليه الصلاة والسلام). اهـ
قلت: وهذا التفريق بين: «الهدي»، و«الأضحية» لم يكن عليه السلف، وأن السلف يطلقون على «الأضحية»؛ باسم: «الهدي»، و«الهدي»؛ باسم: «الأضحية».
وقد ثبت ذلك في السنة([14]) والآثار، سواء كان المضحي بعث ذبحه إلى مكة، أو ذبحه وهو مقيم، فالهدي يسمى أضحية.
وإليك الدليل:
فعن عبد الله بن عمر ﭭ، قال رسول الله r: «كلوا من الأضاحي ثلاثا»، وكان عبد الله «يأكل بالزيت([15]) حين ينفر من منى، من أجل لحوم الهدي».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5252)، ومسلم في «صحيحه» (1970) من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر ﭭ به.
قلت: فسمى النبي r: «الهدايا»، «بالضحايا»؛ رغم أنه r كان في الحج.
وهذا يدل أن لا فرق بين تسمية: «الهدي»؛ «بالأضحية».([16])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص29): (قوله: «من أجل لحوم الهدي»؛ فيدخل فيه لحم الأضحية، وأما تعبيره في الحديث بالهدي، فيحتمل أن يكون ابن عمر كان يسوي بين لحم الهدي، ولحم الأضحية في الحكم، ويحتمل أن يكون أطلق على «لحم الأضحية»، «لحم الهدي» لمناسبة أنه كان بمنى).اهـ
قلت: وهذا ليس فيه احتمال، بل السلف كانوا يساوون بين مسمى: «الهدي»، و«الأضحية» في الحكم ولا فرق عندهم.([17])
وبوب الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج5 ص2115)؛ باب: إذا بعث بهديه ليذبح لم يحرم عليه شيء.
ثم ذكر الإمام البخاري حديث عائشة ڤ: (فيبعث هديه r إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجل من أهله، حتى يرجع الناس).
وهذا يدل على أن الإمام البخاري يضعف حديث أم سلمة ڤ في المنع من الأخذ من الشعر، والظفر.
وعن عطاء: سمع جابر بن عبد الله ﭭ، قال: (كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي r إلى المدينة. وقال غير مرة: لحوم الهدي).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5247) من طريق سفيان قال: عمرو أخبرني عطاء به.
قلت: فسمى «الهدي» بـ «الأضحية»، فمرة يقول: «لحوم الأضاحي»، ومرة يقول: «لحوم الهدي»، ولا فرق بين «الهدي»، و«الأضحية» في لغة العرب، فافهم لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص25): (قوله: «وقال: غير مرة: لحوم الهدي»؛ فاعل قال، وهو سفيان بن عيينة، وقائل ذلك الراوي عنه علي بن عبد الله، وهو: ابن المديني بين أن سفيان كان تارة يقول: «لحوم الأضاحي»، ومرارا يقول: «لحوم الهدي»). اهـ
وبوب الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج5 ص2115)؛ باب: ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها.
وقال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج17 ص282): (قوله: «وقال غير مرة»؛ أي: قال سفيان غير مرة، وابن المديني كان يقول: قال سفيان مرة: «لحوم الأضاحي»، ومرارا يقول: «لحم الهدي»). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج12 ص370): (وقال غيره مرة: «لحوم الهدي»؛ بدل «لحوم الأضاحي»). اهـ
يعني: لا فرق في ذلك.
وذكر الإمام البخاري في «صحيحه» (5246)؛ حديث عائشة ڤ بلفظ: «الهدي»؛ وهو في كتاب: «الأضاحي».
وهذا يدل على أن الإمام البخاري لا يفرق بين: «الهدي»، و«الأضحية» للحاج وغير الحاج.
وعن عائشة ڤ قالت: الضحية كنا نملح منها، فنقدم به إلى النبي r بالمدينة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5250) من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ڤ به.
قلت: فقالت ڤ: «الضحية» ولم تقل: «الهدي»؛ لأنه لا فرق بينهما عند السلف، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص26): (قوله: «نملح منه»؛ أي من لحم الأضحية). اهـ
* فأحيانا يطلقون عليها: «هدايا»، وأحيانا «ضحايا» ولا فرق في ذلك عند العرب، وهذا فعل أهل العلم لشروحهم للأحاديث، وفي بعضها في حجة الوداع. ([18])
وبوب الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج2 ص414)؛ باب ما جاء في تقليد الهدي([19]) للمقيم.
وذكر حديث عائشة ڤ في «سننه» (924)؛ بلفظ: «الهدي».
وعن عائشة ڤ قالت: دخل علي رسول الله r بسرف وأنا أبكي، فقال: (ما لك أنفست). قلت: نعم، قال: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)، وضحى رسول الله r عن نسائه بالبقر.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5239) من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ به.
قلت: فذكرت ڤ أن النبي r ضحى في «حجة الوداع» يعني: باسم «الأضحية»، ولم تقل «الهدي» لأن لا فرق بينهما، سواء في الحج، أو في غير الحج.
وبوب الإمام البخاري / في «صحيحه» (ج5 ص2113)؛ باب: من ذبح ضحية غيره.
ولمسلم في «صحيحه» (1319) من حديث جابر رضي الله عنه قال: (نحر النبي r عن نسائه بقرة في حجته)؛ يعني: في حجة الوداع.([20])
وعن القاسم: أن ابن خباب أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث: (أنه كان غائبا فقدم، فقدم إليه لحم، قالوا: هذا من لحم ضحايانا، فقال: أخروه، لا أذوقه، قال: ثم قمت فخرجت، حتى آتي أخي أبا قتادة، وكان أخاه لأمه، وكان بدريا، فذكرت ذلك له، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5048) من طريق يحيى بن سعيد، عن القاسم: أن ابن خباب به.
وفي رواية لأحمد في «المسند»؛ وفيه: (أن النبي r قام في حجة الوداع).([21])
والشاهد: (قالوا: هذا من لحم ضحايانا)؛ رغم ذلك كان في الحج، فلم يقولوا: (لحم هدايانا)، لأنه بمعنى واحد في لغة العرب.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: (أن النبي r أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5235) من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه به.
وعن عبد الله بن عباس، قال: (من أهدى هديا).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1321) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سمعت عائشة ڤ به.
قلت: فسمى ابن عباس ﭭ: «الأضحية»؛ «هديا»، والله ولي التوفيق.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأعن فإنك نعم المعين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا «70» يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد...
فإن الله تعالى حينما تكفل بحفظ كتابه الكريم؛ كما قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر:9]، تكفل أيضا بحفظ سنة نبيه r؛ بأن خلق لها رجالا يذبون عنها، ويكشفون ما أدخل فيها، وذلك بتدوينها في الكتب، سواء كانت تلك الكتب للأئمة على حسب المسانيد، أو على حسب الأبواب الفقهية.
وقد اتبع كل إمام بمنهج في الـتأليف؛ فمنهم من اشترط الصحة في أحاديثه على ما تبين عنده؛ كما فعل الإمام البخاري، والإمام مسلم؛ دون أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، ومنهم من لم يشترط الصحة، بل أورد كل ما عن له، وحكم على ما رأى أنه لازم، كما فعل الإمام الترمذي، والإمام أبو داود.
قلت: وأهل الحديث من خصائصهم الجليلة أن علومهم بينة، وكتبهم منتشرة، وذكرهم للأحاديث منوطة بالإسناد الصحيح من رواية الثقات، والمثبت من الأثبات، لا يأخذون بالحديث الضعيف، ويفتشون عن الرجال في أحوالهم تفتيش الصيارفة النقاد، فلا يروج عليهم مغشوش، ولا يجوزهم منحول مصنوع، رائدهم الحق المحض، وسائقهم الدليل الصادق، والإسناد الناطق.
فما اتفقوا عليه؛ فهو الصحيح الثابت، وما طرحوه؛ فهو الساقط، وما اختلفوا فيه؛ فالأقرب إلى الحق، والصواب الأسعد منهم بالدليل ... فانظر في حجج الفريقين، ثم رجح الراجح من المرجوح، مع العلم أن المقلد المتعصب لا يترك من قلده، ولو جاءته كل آية، وأن طالب الدليل لا يأتم بسواه، ولا يحكم إلا إياه، ولقد عذر من حمل ما انتهى إليه إجتهاده، وسعى إلى حيث انتهى إليه علمه.([22])
قلت: والمسائل العلمية، والمباحث الحديثية، التي اختلفت فيها أنظار السابقين، واضطربت فيها أقوال اللاحقين؛ ليس سبيل حلها، وطريق توضيحها هو اتباع الكثرة، أو تقليد رأى، أو التأثر بالأجواء المحيطة بالمرء، أو بعادة بلد، أو شهرة حكم بين الناس، أو غير ذلك من سبل ليس لها في المنهجية وجه في العلم.([23])
وهذه الرسالة التي أضعها بين يدي القارئ الكريم تكشف القناع عن ضعف إسناد حديث أم سلمة ڤ: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره، وأظفاره)، الذي نسب إلى النبي r!، وذلك في ضوء قواعد علم الحديث، تلك القواعد الرضية، والأصول المتينة التي أرساها حاملو ألوية السنة النبوية، فمن أتقنها، وتمرس عليها أمكنه معرفة درجة، أي: حديث، ولو لم ينصوا عليها، وحسبهم أنهم نقلوا وسيلة ذلك، لأن من ذكر الإسناد فقد برئت عهدته؛ فمن أسند فقد أحال.
قلت: ومناهج أهل الأهواء قامت على الباطل، وقد يكون عندهم شيء من الحق على تفاوت بينهم، لكن الحق الذي عندهم قليل، وملتبس بالباطل، ولا ينفردون به على أهل السنة، بل يكون عند أهل الحق مثله وأفضل منه، ولا لبس فيه.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (دعـاء الضـلال في وقتنا
الحاضر أكثر من دعاة الهدى فلا يغتر بهم).([24]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص348): (فإذا أعرض عن سمع الحق، وأبغض قائله بحيث لا يحب رؤيته امتنع وصول الهدى الى القلب).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص518): (ومن أراد أن ينقل مقالة عن طائفة؛ فليسم القائل والناقل، وإلا فكل أحد يقدر على الكذب!). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /: (علينا أن لا نيأس لكثرة الأعداء، وقوة من يقاوم الحق، فإن الحق منصور ممتحن).([25]) اهـ
فالأصل في أهل الأهواء؛ الباطل، والشر، والابتداع، وإن وجد بين أفرادهم من هو على الاستقامة في الجملة، لكنه قليل([26])، ولا يعد قدوة فيهم، وكل من سوى أهل الحق فلا ينفرد عنهم بحق، ولا قول صحيح، فكل حق، أو قول صحيح هم فيه أفضل وأسبق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص167): (وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق، فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون مـعه مـن دين الإسـلام ما هـو حـق، وبـسـبـب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات، وقيل فيهم: إنهم يلبسون الحق بالباطل). اهـ
قلت: فكثير ممن تصدر للوعظ عرف عنه بعدم المبالاة بالنقل للأحاديث، فما وقعت عليه عيناه من شيء من الأحاديث في الكتب، أو سمعه من الأشرطة أخذ به على وجه الصحة من غير أن يعرف بصحة هذه الأحاديث، أو ضعفها!.([27])
ثم إن كثيرا ما يختلف العلماء في الحكم على بعض الأحاديث، وقد يزداد الخلاف بينهم على حديث ما حتى إنك لتجد منهم من يصحح الحديث، ومنهم من يضعفه... ويقف المسلم أمام هذا الاختلاف عاجزا عن معرفة الصواب في حكم هذا الحديث، لا سيما إذا لم يكن ذا علم بتحقيق الأحاديث ونقدها، اللهم غفرا.
قلت: ومن الأحاديث التي وقع فيها اختلاف؛ هو حديث: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره)، لذا عزمت على تخريج هذا الحديث، ونقده ملتزما بقواعد مصطلح الحديث، ومقتديا بأقوال أئمتنا الفحول، والله ولي التوفيق.
قلت: وعلم تخريج الحديث من أدق العلوم الحديثية وأصعبها، وهو علم لا يخوض غماره إلا من عرف السنة وأصولها... وهذا الجزء الحديثي في بيان حال حديث؛ (منع المضحي أن يأخذ من شعره وأظفاره)؛ جمعت فيه تخريجه، مع الكلام على إسناده جرحا وتعديلا، وبيان علته والحكم عليه، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه... وذلك لأن علم العلل هو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.
قال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، وإطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص662): (اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه؛ يحصل من وجهين:
أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين؛ لأن الثقات، والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.
الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف، والرفع، ونحو ذلك.
وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طلبة المطالعة في كلام الأئمة العارفين به؛ كيحيى بن سعيد القطان، ومن تلقى عنه؛ كأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهما، فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم في «الفروسية» (ص44): (وربما يظن الغالط الذي ليس له ذوق القوم، ونقدهم أن هذا تناقض منهم، فإنهم يحتجون بالرجل، ويوثقونه في موضع، ثم يضعفونه بعينه، ولا يحتجون به في موضع آخر، ويقولون: إن كان ثقة وجب قبول روايته جملة، وإن لم يكن ثقة وجب ترك الاحتجاج به جملة. وهذه طريقة فاسدة مجمع بين أهل الحديث على فسادها، فإنهم يحتجون من حديث الرجل بما تابعه غيره عليه، وقامت شهوده من طرق، ومتون أخرى، ويتركون حديثه بعينه إذا روى ما يخالف الناس، أو انفرد عنهم بما لا يتابعونه عليه. إذ الغلط في موضع، لا يوجب الغلط في كل موضع، والإصابة في بعض الحديث، أو في غالبه لا توجب العصمة من الخطأ في بعضه، ولا سيما إذا علم من مثل هذا أغلاط عديدة، ثم روى ما يخالف الناس، ولا يتابعونه عليه، فإنه يغلب على الظن، أو يجزم بغلطه.
وهنا يعرض -لمن قصر نقده وذوقه هنا عن نقد الأئمة، وذوقهم في هذا الشأن؛ نوعان من الغلط ننبه عليهما لعظيم فائدة الاحتراز منهما:
1) أحدهما: أن يرى مثل هذا الرجل قد وثق، وشهد له بالصدق، والعدالة، أو خرج حديثه في الصحيح، فيجعل كل ما رواه على شرط الصحيح، وهذا غلط ظاهر؛ فإنه إنما يكون على شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل، والشذوذ، والنكارة، وتوبع عليه؛ فأما مع وجود ذلك، أو بعضه فإنه لا يكون صحيحا، ولا على شرط الصحيح، ومن تأمل كلام البخاري، ونظرائه في تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم في صحيحه، علم إمامته، وموقعه من هذا الشأن، وتبين به حقيقة ما ذكرنا.
2) النوع الثاني من الغلط: أن يرى الرجل قد تكلم في بعض حديثه، وضعف في شيخ، أو في حديث؛ فيجعل ذلك سببا لتعليل حديثه، وتضعيفه أين وجد، كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم، وهذا أيضا غلط؛ فإن تضعيفه في رجل، أو في حديث ظهر فيه غلطه لا يوجب التضعيف كحديثه مطلقا، وأئمة الحديث على التفصيل، والنقد، واعتبار حديث الرجل بغيره، والفرق بين ما انفرد به، أو وافق فيه الثقات، وهذه كلمات نافعة في هذا الموضع، تبين كيف يكون نقد الحديث، ومعرفة صحيحه من سقيمه، ومعلوله من سليمه ]ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[ [النور:40]). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج2 ص105): (وإنما تحمل مثل هذه الأحاديث -على تقدير صحتها- على معرفة أئمة أهل الحديث الجهابذة النقاد، الذين كثرت ممارستهم لكلام النبي r، ولكلام غيره، ولحال رواة الأحاديث، ونقلة الأخبار، ومعرفتهم بصدقهم وكذبهم وحفظهم وضبطهم، فإن هؤلاء لهم نقد خاص في الحديث يختصون بمعرفته، كما يختص الصيرفي الحاذق بمعرفة النقود جيدها ورديئها، وخالصها ومشوبها، والجوهري الحاذق في معرفة الجوهر بانتقاد الجواهر، وكل من هؤلاء لا يمكن أن يعبر عن سبب معرفته، ولا يقيم عليه دليلا لغيره، وآية ذلك أنه يعرض الحديث الواحد على جماعة ممن يعلم هذا العلم، فيتفقون على الجواب فيه من غير مواطأة... وبكل حال، فالجهابذة النقاد العارفون بعلل الحديث أفراد قليل من أهل الحديث جدا). اهـ
وقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص140): (ذكر النوع السابع والعشرين من علوم الحديث؛ هذا النوع منه معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح والسقيم، والجرح والتعديل... فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص294): (مـعرفة العلل أجل أنواع علم الحديث)، وقال أيضا: (فمن الأحاديث ما
تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ومضي الزمن البعيد). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص81): (اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث، وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص352)؛ عن أهل الحديث أنهم: (يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا «علم علل الحديث» وهو من أشرف علومهم؛ بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط، وغلط فيه). اهـ
وقال الحافظ العلائي /: (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غايصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة. ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن، وحذاقهم؛ كابن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وأمثالهم).([28]) اهـ
قلت: ولذلك على المسلم الحق أن يطلب العلم، ويسلك سبيله، ويعمل بحقه لكي يضبط أصول الكتاب الكريم، والسنة النبوية.([29])
فيعمل جادا في البحث([30]) عما يستنبط منهما من معاني وأحكام فقهية لكي يتعبد الله تعالى بما شرعه في دينه، وفيما ثبت وصح عن النبي r، لأن لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرعه في دينه.
قلت: ولذلك يحرم على المسلم أن يتعبد الله بالأحاديث الضعيفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة» (ص162): (لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة، ولا حسنة).اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص48): (الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح، والحسن لذاته، أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك، وثبوته عن الشارع). اهـ
قلت: والتعبد لله بغير ما شرعه من أخطر الأمور على العبد؛ لما يجعله يحاد الله تعالى، ورسوله r.([31])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج7 ص367): (الحق ما قام عليه الدليل، وليس الحق فيما عمله الناس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج6 ص302): (وصاحب الهوى يقبل ما وافق هواه بلا حجة توجب صدقه ويرد ما خالف هواه بلا حجة توجب رده). اهـ
وقال الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج2 ص326): (لو سكت من لا يدري لاستراح وأراح، وقل الخطأ، وكثر الصواب). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (هدفنا هو اتباع الحق لا الانتصار للآراء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص449): (ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذبا، وإن كان لا يتعمد الكذب). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (الذي يريد الحق، يفرح بالنصيحة، ويفرح بالتنبيه على الخطأ).([32]) اهـ
وقال العلامة اللكنوي الهندي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص140): (لا يجوز الاحتجاج في الأحكام بكل ما في الكتب المذكورة وأمثالها من غير تعمق يرشد إلى التمييز لما مر أنها مشتملة على الصحاح، والحسان، والضعاف، فلابد من التمييز بين الصحيح لذاته، أو لغيره، أو الحسن لذاته، أو لغيره، فيحتج به، وبين الضعيف بأقسامه، فلا يحتج به، فيأخذ الحسن من مظانه، والصحيح من مظانه، ويرجع إلى تصريحات النقاد الذين عليهم الاعتماد وينتقد بنفسه إن كان أهلا لذلك، فإن لم يوجد شيء من ذلك توقف فيما هنالك).([33]) اهـ
قلت: إذا فيحرم الاعتراض على السنن النبوية بالفهم السقيم سواء بنصوص، أو آثار.([34])
قال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص72): (فلهذا كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص80): (فالسبيل القصد هو طريق الـحق، ومـا سـواه مـن الـطـرق جـائـر عـن الـحـق أي: عـادل عـنـه، وهـي طـرق الـبـدع
والضلالات، وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي). اهـ
قلت: فالمتعصب والمقلد لآراء الرجال ليس من زمرة أهل العلم، وإن ادعى ذلك.
قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا[ [الإسراء:36].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد – يعني: من تقليد– فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق!!!).اهـ
وقـال الحافظ ابن حزم / في «المـحلى» (ج1 ص69): (والمـجتهد المخـطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب). اهـ
وقال المفسر أبو حيان / في «البحر المحيط» (ج4 ص367): (التقليد باطل إذ ليس طريقا للعلم). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص140)- عن الذي يتكلم بلا علم-: (فالواجب على العاملين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله). اهـ
وقد تكلم أئمة أفاضل في بعض أحاديث صحيح الحافظ مسلم / على قواعد أهل الحديث لحفظ السنة النبوية.
وإليك أسماءهم مرتبة على تاريخ وفياتهم:
1) الحافظ البخاري / نفسه (المتوفى سنة:256هـ).
2) الحافظ أبو داود / (المتوفى سنة:275هـ).
3) الحافظ ابن خزيمة / (المتوفى سنة:311هـ).
4) الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد / (المتوفى سنة:317هـ).
5) الحافظ ابن حبان / (المتوفى سنة:354هـ).
6) الحافظ الدارقطني / (المتوفى سنة:385هـ).
7) الحافظ الخطابي / (المتوفى سنة: 388هـ).
8) الحافظ البيهقي / (المتوفى سنة:458هـ).
9) الحافظ ابن عبد البر / (المتوفى سنة:465هـ).
10) الحافظ أبو علي الغساني / (المتوفى سنة:498هـ).
11) الحافظ القاضي عياض / (المتوفى سنة:544هـ).
12) الحافظ عبد الحق الإشبيلي / (المتوفى سنة:581هـ).
13) الحافظ ابن الجوزي / (المتوفى سنة:597هـ).
14) الحافظ ابن الصلاح / (المتوفى سنة:643هـ).
15) الحافظ المنذري / (المتوفى سنة:656هـ).
16) الحافظ النووي / (المتوفى سنة:676هـ).
17) الحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية / (المتوفى سنة:728هـ).
18) الحافظ ابن عبد الهادي / (المتوفى سنة:744هـ).
19) الحافظ الذهبي / (المتوفى سنة:748هـ).
20) الحافظ ابن القيم / (المتوفى سنة:751هـ).
21) الحافظ البلقيني / (المتوفى سنة:805هـ).
22) الحافظ ابن حجر / (المتوفى سنة:852هـ).
فهذا الجم الغفير من الأئمة الكبار، ممن تكلموا في بعض أحاديث صحيح الحافظ مسلم /، فهل كل هؤلاء لا يعتد بقولهم في الشريعة المطهرة؟.([35])
وهناك بعض الأحاديث في الصحيحين خاصة في «صحيح مسلم» عرض لها بعض الأئمة بالنقد والتعليل، إما لأسانيدها، وإما لمتونها، وإما لهما معا، فهي من المختلف فيه مما يسوغ فيه الانتقاد، ويتعارض فيه الاجتهاد، وهذا مما يدل على فضائل أهل الحديث، وصفاء مصادرهم، وكتبهم.([36])
وقـد انـتـقـد الأئـمـة، والـحفاظ أحـاديـث؛ أخـرجها مسلم في «صحيحه»، وبينوا
عللها وأنكروها، وطعنوا فيها، وأقاموا الحجج، والبينات على ضعفها، بل ونكارتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص256): (ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه). اهـ
وبهذا يتبين بأن أحاديث صحيح الحافظ مسلم / لم يجمع على صحتها، وليس فيه أن كل الأحاديث التي فيه متلقاة بالقبول.([37])
إذا لم يحصل الإجـماع على صـحة أسانيد صحيح الحافظ مسلم /، وذلك
لنقد أئمة أهل الحديث لها؛ كما سبق القول في ذكر أسمائهم، وهذا صنيع أئمة أهل الحديث، الذي يدل على إمامتهم وفهمهم لهذا العلم. ([38])
قال الحافظ مسلم / في «التمييز» (ص218): (صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم؛ إنما هي لأهل الحديث خاصة). اهـ
قلت: فلا يـجـوز لأحـد كـائـنـا من كان أن يـأتي محاكما لهم، مرجحا بينهم بلا
معرفة لعلم الحديث وعلله، لأن أمور العلل من دقائق علم الحديث.
وهذا العمل سار عليه عمل أئمة هذا الشأن من غير نكير من أحدهم بحيث إنك إذا تصفحت أي كتاب من كتبهم في نقد أسانيد صحيح الحافظ مسلم /، وغيره لوجدت في ذلك الشيء الكثير.([39])
فقد خلف لنا هؤلاء الأئمة الحفاظ ثروة([40]) علمية زاخرة، من تأمل في فنونها، وعلمومها المختلفة علم الجهد الشاق، والصبر الطويل، الذي بذله سلفنا، وعلماؤنا في جمعها، وبيانها والاستنباط منها، وتمييز ضعيفها من صحيحها، وبذل الغالي، والنفيس في سبيل ذلك، وعلم أيضا مقدار ما حظي به السلف من تأييد رباني، وفضل إلهي، وتوفيق من الله لما صدقوا في الطلب، والعلم، والعمل، والدعوة، وصبروا على ذلك([41]) ]ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ [الجمعة:4].
قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة:3].
قلت: فإذا تقرر ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزيد في دين الله تعالى ما ليس منه، ولا أن يعبد الله تعالى إلا بما شرع الله تعالى، ورسوله r، بل يجب على المسلمين جميعا أن يخضعوا لأمر الله تعالى، ورسوله r، وأن لا يتبعوا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ولم يشرعه رسوله r مهما رأوه حسنا؛ لأن الدين قد كمل.
فعن ابن عمر ﭭ قال: «كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنا».
أثر صحيح
أخرجه المروزي في «السنة» (83)، والبيهقي في «المدخل» (191)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (205)، واللالكائي في «الاعتقاد» (126) من طريق هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الزيلعي / في «نصب الراية» (ج1 ص355): (وما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف، وترك التعصب). اهـ
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة الإسلامية، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على عبده، ورسوله محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.
أبوعبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي
|
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]خلق الإنسان «3» علمه البيان[ [الرحمن: 3 و4].
ذكر الدليل على ضعف حديث أم سلمة ڤ في: أن المضحي لا يأخذ من شعره وظفره، وجلده! في العشر الأول من ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته في يوم العيد
عن أم سلمة ڤ أن النبي r قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا». وفي رواية: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره».
حديث ضعيف شاذ
وهذا الحديث: روي مرفوعا، وموقوفا من رواية سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ.
والمرفوع: عن سعيد بن المسيب له طريقان:
الأولى: عن عبد الرحمن بن حميد بن عوف سمع سعيد بن المسيب يحدث عن أم سلمة ڤ ؛ أن النبي r قال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا بشره([42]) شيئا».
وهذا إسناد ضعيف، والخبر منكر، وهو غير محفوظ.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1565)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص336)، وفي «المجتبى» (ج7 ص212)، وابن ماجه في «سننه» (3149)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص289)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص266)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص132)، والحميدي في «المسند» (293)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص76)، والطبراني في « المعجم الكبير» (565)، والشافعي في «اختلاف الحديث» (ص122)، وفي «المسند» (ج1 ص160)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص206)، والبغوي في «شرح السنة» (1127)، وابن البخاري في «مشيخته» (ج1 ص335) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عبدالرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ به.
وعند الحميدي في «المسند» (293)، وإحدى روايتي مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1565): قيل لسفيان بن عيينة: فإن بعضهم لا يرفعه، قال: لكني أرفعه.([43])
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (ج3 ص351) من طريق عبدالله بن أحمد بن أبي مسرة حدثنا إبراهيم بن عمرو حدثنا مسلم بن خالد عن عبد الرحيم بن عمر عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي r به.
وهذا سنده منكر، وهو من أوهام مسلم بن خالد الزنجي، فمرة: يرويه من طريق عبد الرحمن بن حميد، ومرة: من طريق الزهري؛ كذلك فيه مجهول.
وأخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص207)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج6 ص2312)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص351) من طريق مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب به مرفوعا.
ومسلم بن خالد الزنجي ضعيف الحديث، وكثير الأوهام([44])، قال البخاري عنه: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث لا يحتج به.
وقال ابن عدي: (وهذا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب، لا أعرفه إلا من هذا الوجه).
وذكره الدارقطني في «العلل» (ج9 ص463)؛ أن مسلم بن خالد الزنجي رواه: عن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال فذكره؛ يعني: من قوله وهو مقطوع عليه.
وهذا أيضا يؤكد أوهام الزنجي في هذا الإسناد.
قلت: والذي يظهر لي: أن مسلم بن خالد الزنجي قد اضطرب في هذا الحديث، ولم يضبطه، وهذا ظاهر.
والثانية: عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ، أن النبي r قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1565)، وأبو داود في «سننه» (2791)، والترمذي في «سننه» (1523)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص335)، وفي «المجتبى» (ج7 ص211)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (857)، وابن ماجه في «سننه» (2150)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص301و311)، والحاكم([45]) في «المستدرك» (ج3 ص220)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج22 ص242)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج8 ص363) وفي «مثير العزم الساكن» (175)، وفي «التحقيق» (ج6 ص307)، وابن المنذر في «الإقناع» (ج1 ص375)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص204)، والشحامي في «تحفة عيد الأضحى» (ص38)، وابن أبي عيسى في «اللطائف» (ص123)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص349 و350)، وابن شاذان في «المشيخة الصغرى» (ص16)، والذهبي في «السير» (ج8 ص118)، وفي «المعجم المختص بالمحدثين» (ص148)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص305)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص128)، وابن حبان في «صحيحه» (5916)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص266)، وفي «فضائل الأوقات» (214)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص223)، وابن رشيد في «ملء العيبة» (ج5 ص148)، والخلعي في «الخلعيات» (ص147)، وابن طولون في «الأحاديث المئة» (ص64)، وابن مخلد في «ما رواه الأكابر عن مالك» (17) و(18) و(19)، والخطيب في «تالي التلخيص» (260)، والدارقطني في «السنن» (ج4 ص278)، وأبو يعلى في «المسند» (6911) ، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص4)، والطبراني في «المعجم الكبير» (562و564) من طرق عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ به.
قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج8 ص118): (هذا غريب، وليس ذا في الموطأ).([46])
فالإسناد منكر من طريق مالك بن أنس في رفعه، لأنه ليس من حديثه، فهو خطأ عليه؛ كما ذكر الحافظ الذهبي.
واختلف في عمر بن مسلم؛ فمرة يقال: عمر بن مسلم، ومرة يقال: عمرو بن مسلم، ومرة يقال: ابن مسلم، ومرة يقال: عمرو بن مسلم أو عمر على الشك، ومرة يقال: عمرو بلا شك!.([47])
قال الحافظ المزي / في «تحفة الأشراف» (ج13 ص6): (عن أحمد بن عبد الله بن الحكم الهاشمي، عن غندر، عن شعبة، عن مالك، عن عمر أو عمرو بن مسلم به... عن سليمان بن سلم البلخي، عن النضر بن شميل، عن شعبة، عن مالك، عن ابن مسلم به ولم يسمه!). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت الظراف» (ج13 ص6): (عمر بن مسلم كذا ذكر أبو مسعود، وفي كتاب خلف: عمرو بن مسلم، كنا في رواية: أبي داود، أخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من طريق غندر وغيره، فقال: «عمرو بن مسلم»، أو «عمر» على الشك، ومن حديث: معاذ عن «عمرو» بلا شك). اهـ
ووقع عند مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (1816): «عمر بن مسلم».
ووقع عند النسائي في «السنن الكبرى» (4451)، وفي «المجتبى» (ج7 ص211)، وابن ماجه في «سننه» (3150)، وأبي يعلى في «المسند» (6911)، وغيرهم: «عمرو بن مسلم».
ووقع عند الترمذي في «سننه» (1602)، وغيره: «عن عمرو أو عمر» على الشك.
وقد سماه المزي في «تهذيب الكمال» (ج22 ص240): «عمرو ابن مسلم»، وذكر أنه يقال له: «عمر بن مسلم».
ووقع في مطبوعي النسائي من «السنن الكبرى» (4451)، و«المجتبى» (ج7 ص211): عن «أبي مسلم»، وهو خطأ، صوابه: عن «ابن مسلم».
قلت: فهذا اضطراب في إسناد هذا الحديث في اسم الراوي.([48])
وقال الحافظ أبو داود / في «السنن» (ج4 ص419): (اختلفوا على مالك، وعلى محمد بن عمرو في: عمرو بن مسلم، قال بعضهم «عمر»، وأكثرهم قال: «عمرو»، وهو عمرو بن مسلم بن أكيمة الليثي الجندعي).
وقال الحافظ ابن حجر / في «إتحاف المهرة» (ج18 ص110): (قال أحمد: قال محمد بن عمرو - يعني: ابن علقمة - عن عمر بن مسلم ابن عمار بن أكيمة، وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن مالك، وعن إسماعيل ابن محمد عن معاذ بن معاذ عن محمد بن عمرو، كلاهما عن عمر بن مسلم به، قال مالك في حديثه: عن عمر أو عمرو بن مسلم، وقال معاذ: عن عمر بن مسلم بن عمار بن أكيمة، ولم يشك). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج5 ص170): (عمرو بن مسلم بن عمارة بن أكيمة، روى عنه الزهري، وأخوه عمرو بن مسلم بن عمارة يروي عن سعيد بن المسيب... روى عنه مالك، وقال: عمرو بن مسلم، وإنما هو عمر بن مسلم، لا عمرو؛ لأن مالكا لم يدرك عمرا). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج13 ص238)؛ (وهم فيه مالك حيث قال: عمرو بن مسلم، وإنما هو عمر بن مسلم([49]) بن عمار بن أكيمة، وأخوه عمرو بن مسلم لم يدركه مالك، وهو تابعي، روى عنه الزهري). اهـ
قلت: وقيل إنهما واحد، وقد جزم بذلك الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (ج2 ص320).
ورد ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج8 ص104)؛ قول ابن حبان هذا؛ وقال: (لم يوافقه أحد علمته على ذلك). اهـ
وعلى كل حال، فالإسناد في أصله خطأ، وهو معلول بالوقف أيضا.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، والترمذي في «سننه» (1602)، والنسائي في «السنن الكبرى» (4451)، وفي «المجتبى» (ج7 ص211)، وابن ماجه في «سننه» (2150)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص489)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (ج11ص185)، والبيهقي في «السنن الصغرى» (ج2 ص223)، وفي «معرفة السنن» (18922)، والطيوري في «الطيوريات» (ج1 ص4)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص206)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص307)، والخلعي في «الخلعيات» (ص147)، والذهبي في «المعجم المختص بالمحدثين» (ص148)، وابن طولون في «الأحاديث المئة» (ص64)، وأبو يعلى في «المسند» (6911)، والحاكم في «المستدرك»([50]) (ج4 ص220)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (ج2 ص320)، والدارقطني في «السنن» (ج4 ص278)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص181)، وفي «مشكل الآثار» (5506)، وابن حبان في «صحيحه» (5916)، والطبراني في «المعجم الكبير» (564)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص349 و350) من طريق شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم بهذا الإسناد؛ مرفوعا.
قال عمران بن أبان([51]) راوي الحديث: (سألت مالك بن أنس عنه فقال: ليس من حديثي!).
قلت: وعلى هذا فالحديث غير محفوظ من رواية مالك بن أنس.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17ص237): (وقد ذكر عمران بن أنس أنه سأل مالكا عن حديث أم سلمة هذا فقال ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه قد رواه عنه شعبة، وحدث به عنه، وهو يقول: ليس من حديثي، فقالوا لي: إنه إذا لم يأخذ بالحديث، قال فيه: ليس من حديثي). اهـ
وقال الإمام ابن العربي / في «عارضة الأحوذي» (ج6 ص312)؛ عن حديث أم سلمة: (هذا حديث غريب: يرويه شعبة عن مالك لم يحدث به مالك في «المدونة»؛ لأنه كان لا يراه، ولا رآه أحد من أهلها). اهـ
وقال الشافعي ومالك: إلى أنه متروك.([52])
وتابع شعبة بن الحجاج على هذا الإسناد: القعنبي، وعبد الله بن يوسف؛ فروياه: فيما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (562)عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب.
وخالفهم عبد الله بن وهب، وعثمان بن فارس؛ فروياه موقوفا: فيما أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص182)، وفي «مشكل الآثار» (5508) و(5509)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص350) عن مالك عن عمر بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة زوج النبي r أنها قالت: (من أراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من أظفاره إذا استهل ذو الحجة).
وهو موقوف على أم سلمة ڤ.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (857)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص205)، والشحامي في «تحفة عيد الأضحى» (5)، وابن رشيد في «ملء العيبة» (ج5 ص149)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (6949) من طريق معاذ العنبري حدثنا محمد بن عمرو الليثي عن عمر بن مسلم بن عمار بن أكيمة الليثي قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت أم سلمة زوج النبي r تقول: قال رسول الله r: (من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره شيئا، حتى يضحي).
قال الإمام يحيى بن معين /: مازال الناس يتقون حديث محمد بن عمرو.([53])
وقال الحافظ النسائي / في «السنن الكبرى» (ج4 ص335): (عمرو بن مسلم بن عمار بن أكيمة وقد اختلف في اسمه فقيل «عمر»، وقيل: «عمرو»، وهو مدني).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص335)، وفي «المجتبى» (ج3 ص212)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص1240)، والطبراني في «المعجم الكبير» (563) وابن حبان في «صحيحه» (5897)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص301)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص181)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص131)، وابن منده في «الأمالي» (ص93)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص680)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (ج3 ص1683)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص350)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص206) من طرق عن سعيد بن أبي هلال عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ مرفوعا به.
قال الإمام الليث بن سعد /: قد جاء هذا. يعني: يستنكر الإسناد في رفعه.
وأخرجه المخلص في «المخلصيات» (ج3 ص351)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص206)، وابن عدي في «الكامل» (ج6 ص310) من طريق عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة حدثنا إبراهيم بن عمرو بن أبي صالح أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ أن النبي r فذكره.
قلت: وهذا من أوهام مسلم بن خالد الزنجي، وهو إسناد منكر.
والحاصل: أن هذا الحديث لا يصح عن النبي r؛ يعني: رفعه.
ورواه عبد الغني بن أبي عقيل حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد بن عبدالرحمن عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ قالت: (إذا دخل العشر الأول، فأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا).
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص131)، وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج18 ص109).
وإسناده صحيح موقوف، رجاله ثقات رجال الشيخين.
قال الإمام الطحاوي: (هكذا وجدنا هذا الحديث عن ابن أبي عقيل بهذا اللفظ).
قلت: وهو شاذ بزيادة: (ولا من بشره شيئا).
ورواه موقوفا؛ أنس بن عياض - وهو ثقة من رجال الشيخين([54]) -: فيما أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (5512)؛ عقب الحديث؛ عن عبد الرحمن بن حميد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قالت أم سلمة ڤ وذكره موقوفا، ولم يرفعه.
قلت: وهذا سنده صحيح موقوف على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص546)، والطبراني في «المعجم الكبير» (557)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص220) من طريق الحارث بن عبدالرحمن المدني عن أبي سلمة عن أم سلمة ڤ به موقوفا عليها.([55])
قلت: وهذا سنده صحيح، وهذا يؤيد حديث سعيد بن المسيب الموقوف.
ورواه ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن عمر بن مسلم الجندعي عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ موقوفا به.
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص129)، وفي «معاني الآثار» (ج4 ص181)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص350).
وإسناده صحيح موقوف على شرط مسلم.
وتابعه عثمان بن عمر بن فارس أخبرنا مالك بن أنس عن عمر بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ، ولم يرفعه.
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص130)، وفي «شرح معاني الآثار» (ج4 ص181)، والطبراني في «المعجم الكبير» (562).
وإسناده صحيح موقوف كسابقه.
ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج18 ص109)؛ ثم قال: «موقوف».
وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج9 ص266): (ورواه ابن وهب، وعثمان بن عمر، وغيرهما عن مالك بن مسلم موقوفا على أم سلمة ڤ). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص129): (هكذا روى شعبة هذا الحديث عن مالك، وقد رواه غيره عن مالك، فخالفه في ابن مسلم الذي رواه مالك عنه، فقال فيه: عمر بن مسلم، وأوقفه على أم سلمة، ولم يتجاوزها به إلى رسول الله r!). اهـ
وعلى هذا فالمحفوظ هو الموقوف؛ يعني: عن أم سلمة من قولها.
قلت: وانفرد الإمام مسلم في تخريج حديث أم سلمة ڤ، ولم يخرجه الإمام البخاري لضعفه عنده، وخرج حديث عائشة ڤ، لأنه يعله، فافهم لهذا.
قلت: وخفيت علة الوقف على الإمام مسلم / ([56])؛ حيث إن الرواة الثقات كلهم رووه موقوفا؛ كما خفيت عليه بعض العلل في أحاديث أخرى. ([57])
والحديث روي مرفوعا وموقوفا.
والإمام مسلم / رواه مرفوعا فأخطأ.
والحفاظ رووه موقوفا.
والأشبه بالصواب الموقوف.
والحديث أعله الحافظ الدارقطني /؛ بالوقف في «العلل» (ج9 ص463)، بقوله: (وهو الصحيح عندي أنه موقوف!). ([58])
وأقره الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (ج4 ص1485)؛ بعلة الوقف.
وكذا صوب الوقف الحافظ أبو مسعود الدمشقي في «أجوبته» (17).
وذكر الرواية المرفوعة من حديث أم سلمة ڤ: عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (ج4 ص125)، ثم قال: (هذا الحديث قد روي موقوفا، قال الدارقطني: وهو الصحيح عندي أنه موقوف!). اهـ
وذكره الحافظ عبد الحق الإشبيلي / في «الأحكام الشرعية الصغرى» (ج2 ص775) أيضا.
قال الإمام ابن أبي عيسى / في «اللطائف» (ص123): (ورواه عثمان بن عمرو بن وهب عن مالك موقوفا). اهـ
وذكره الإمام ابن عبد الهادي / في «المحرر في الحديث» (ج2 ص820)؛ مرفوعا، وعزاه إلى مسلم في «صحيحه»، ثم قال: (وقد روي موقوفا).اهـ
فالحديث المرفوع غير محفوظ، ولم يعرف عند السلف، بل المحفوظ هو الموقوف، فوردت فتوى في المنع من الأخذ من الشعر، والظفر لمن أراد أن يضحي باجتهاد، ثم لما ورد خلاف ذلك عن النبي r ترك الناس هذه الفتوى بعد أن روت عائشة ڤ عن النبي r ذلك.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (557) من طريق سهل بن عثمان عن جنادة بن سلم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة ڤ به مرفوعا.
قلت: وهذا سنده منكر فيه جنادة بن سلم السوائي، وهو ضعيف الحديث، وله أغلاط؛ لا يحتج به.([59])
قال الحافظ الأزدي: منكر الحديث.
قال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج9 ص463) : (يرويه عمرو بن مسلم بن عمار بن أكيمة الجندعي عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة، واختلف عنه في رفعه:
فرواه سعيد بن أبي هلال عن عمرو عن ابن المسيب عن أم سلمة عن النبيr.
وتابعه محمد بن عمرو بن علقمة، رواه أيضا عنه مرفوعا.
ورواه مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم، واختلف عنه في رفعه:
فرواه شعبة عن مالك مرفوعا، واختلف عن ابن وهب:
فرواه عثمان بن صالح عن ابن وهب عن مالك موقوفا.
وكذلك رواه عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن مسلم موقوفا.
ورواه عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن المسيب، واختلف عنه في رفعه:
فرواه ابن عيينة عنه مرفوعا.
وتابعه عبد الرحيم بن عمر؛ من رواية مسلم بن خالد الزنجي عنه.
ورواه يحيى القطان، وأبو ضمرة أنس بن عياض عن عبد الرحمن بن حميد موقوفا.
وروي عن الزهري عن سعيد بن المسيب، واختلف عنه:
فرواه مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج عن الزهري عن سعيد بن المسيب من قوله.
ورواه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة من قولها.
ورواه عمار بن عبد الله مرسلا.
ورواه عبد الرحمن بن حرملة، وقتادة، وصالح بن حسان عن سعيد بن المسيب من قوله.
ورواه ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة من قولها.
وأحمد بن حنبل / يذهب إلى هذا الحديث، والصحيح عندي قول من وقفه). اهـ
ويؤيده: ما رواه الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة ڤ قالت: «إذا دخل عشر ذي الحجة، فلا تأخذن من شعرك، ولا من أظفارك، حتى تذبح أضحيتك».
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص220) من طريق آدم بن أبي إياس ثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة ڤ موقوفا به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد تابع أبو سلمة؛ سعيد بن المسيب على الموقوف، وقد سبق.
قال الحافظ الحاكم: (هذا شاهد صحيح لحديث مالك، وإن كان موقوفا)، ووافقه الذهبي.
قلت: فالمحفوظ هو الموقوف.
ومن هذا الوجه ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج18 ص184).
وقال الإمام ابن أبي عيسى / في «اللطائف من دقائق المعارف» (ص123): (وروي عن غندر عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن يحيى بن يعمر من قوله!).
قلت: وهذا من الاختلاف في الإسناد.
وقال الإمام ابن أبي عيسى / في «اللطائف من دقائق المعارف» (ص123): (هذا الحديث مشهور من حديث شعبة عن مالك، رواه عنه أصحابه كذلك، غير أن غندرا قال عنه: عمرو أو عمر بن مسلم.
وقال ابن وهب عن مالك: عمر بن مسلم، وكذلك: رواه سعيد بن أبي هلال عن عمر بن مسلم نفسه.
ورواه محمد بن عمرو بن علقمة عن عمرو بن مسلم نفسه.
ورواه عثمان بن عمرو بن وهب عن مالك موقوفا.
ورفعه عثمان بن صالح عن ابن وهب.
وروي عن غندر أيضا عن شعبة([60]) عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن يحيى بن يعمر من قوله.
وأورده مسلم في الصحيح من حديث شعبة عن مالك، ومن طرق سواه).اهـ
وأخرجه أبو نعيم في «ذكر من اسمه شعبة» (ص57): من طريق سعيد بن أبي أيوب حدثني شعبة المدني قال: أرسلني عامر بن عبد الله بن عمر إلى سعيد بن المسيب أسأله عن النورة في عشر ذي الحجة فقال: «لقد كان يكره أخذ الشعر وتقليم الأظفار في العشر، ولا أحسب النورة إلا كما مثل هذه».
وإسناده ضعيف فيه شعبة بنعبدالرحمن المدني ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج4 ص369)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول.
قلت: وقد ترك الناس الفتوى بمنع المضحي من الأخذ من الشعر والظفر إلى السنة، وترك حديث أم سلمة ڤ.
فعن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال: (كنا في الحمام قبيل الأضحى، فاطلى فيه ناس([61])، فقال: بعض أهل الحمام إن سعيد بن المسيب يكره هذا، أو ينهى عنه، فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له، فقال يا ابن أخي: هذا حديث قد نسي وترك([62]). حدثتني أم سلمة زوج النبيr قالت: قال رسول الله rبمعنى حديث معاذ عن محمد بن عمرو).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج5 ص205)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص266)، وابن حبان في «صحيحه» (ج13 ص240)، وأبو داود في «سننه» (2791) من طريق محمد بن عمرو حدثنا عمرو بن مسلم به.
قلت: وقول ابن المسيب: (هذا حديث قد نسي وترك)، فهذا تصريح من ابن المسيب أن الناس في القرون المفضلة نسوا هذه الفتوى الموقوفة وتركوها عندما علموا أنها مخالفة للسنة المرفوعة، فتأمل.
وأخرجه هشام بن عمار في «حديثه» (ص278) من طريق سعيد بن يحيى اللخمي ثنا محمد بن عمرو قال: دخلنا الحمام قبل الأضحى، فاطلى ناس في الحمام، فقال بعض القوم: إن سعيد بن المسيب يكره هذا، وينهى عنه، فلقيت سعيد بن المسيب فذكرت ذلك له فقال: يا ابن أخي، إن هذا حديث قد نسي وترك، حدثتني أم سلمة ڤ أن النبي r قال:)من كان له ذبح يريد أن يذبحه، فأهل هلال ذي الحجة، فلا يمس من شعره، ولا من أظفاره شيئا حتى يذبح). ([63])
قلت: فلم يلتفت علماء السلف إلى حديث أم سلمة ڤ هذا لشذوذه، وردوه بحديث عائشة ڤ لتواتر طرقه عنها وصحته، وما يصحبه من جهة النظر والمعنى. ([64])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص233): (وفي حديث عائشة ڤ أيضا من الفقه: ما يرد الحديث الذي؛ رواه شعبة عن مالك بن أنس عن عمر بن مسلم بن أكيمة عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ؛ أن رسول الله rقال: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا بشره([65]) شيئا»، ففي هذا الحديث أنه لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يحلق شعرا ولا يقص ظفرا.
وفي حديث عائشة ڤ أن رسول الله r: (لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حين قلد هديه، وبعث به)، وهو يرد حديث أم سلمة ڤ ويدفعه، ومما يدل على ضعفه ووهنه أن مالك روى عن عمارة بن عبد الله عن سعيد بن المسيب قال: (لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة)، فترك سعيد لاستعمال هذا الحديث - وهو راويه - دليل على أنه عنده غير ثابت، أو منسوخ.
وقد أجمع العلماء على أن الجماع مباح في أيام العشر لمن أراد أن يضحي فما دونه أحرى أن يكون مباحا، ومذهب مالك: أنه لا بأس بحلق الرأس، وتقليم الأظفار، وقص الشارب في عشر ذي الحجة، وهو مذهب سائر الفقهاء بالمدينة، والكوفة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص226): (ج17 ص235): (وردوه بحديث عائشة ڤ لتواتر طرقه عنها وصحته وما يصحبه من جهة النظر إلى ثبوته من طرق الأثر). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص266): (ج17 ص235): (رواه مسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد عن عائشة ڤ.
وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ڤ وابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة ڤ.
وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ وأفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة ڤ.
ذكر معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ڤ، وذكر ابن وهب، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة، عن عائشة). اهـ
ورواه حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب؛ أن رسول الله r قال: (إذا دخل الرجل في العشر، وابتاع أضحيته، فليمسك عن شعره وأظفاره، قلت: النساء؟ قال: أما النساء فلا). ولم يذكر ابن عقيل في حديثه أم سلمة. ([66])
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص237 و238)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ص308).
قال الفقيه ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج17 ص238): (لم يذكر ابن عقيل في حديثه أم سلمة ڤ). اهـ
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (4453)، وفي «المجتبى» (ج7 ص212) من طريق شريك بن عبد الله النخعي عن عثمان بن حكيم بن عباد الأحلافي عن سعيد بن المسيب، قال: (من أراد أن يضحي فدخلت أيام العشر، فلا يأخذ من شعره، ولا أظفاره؛ فذكرته لعكرمة، فقال: ألا يعتزل النساء، والطيب!).
وهو مقطوع على ابن المسيب.
وشريك بن عبد الله النخعي سيئ الحفظ.([67])
قلت: لو كان المقصود التشبيه بالمحرم، لكان اللائق حينئذ ترك النساء والطيب، والنكاح، وهذا أولى للمحرم، لا ترك الشعر والظفر([68]): قال تعالى: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
وقال الفقيه ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): (من الاختلاف في حديث أم سلمة، أن ابن عيينة رواه عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي r.
ورواه يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة موقوفا عليها.
وكذلك رواه ابن وهب قال: أنس بن عياض عن الليث عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: قالت أم سلمة... فذكره موقوفا على أم سلمة). اهـ
وقال الفقيه ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص185): (ترك مالك أن يحدث بهذا الحديث في آخر عمره، وقاله عنه عمران بن أنس، فقال: ليس من حديثي([69])!). اهـ
قلت: فبين العلماء أن حديث أم سلمة ڤ لا يصح رفعه، وإنما هو موقوف عليها.
ووقفه عبد الله بن عامر الأسلمي، ويحيى القطان، وأبو ضمرة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب. ([70])
ووقفه ابن عقيل على سعيد بن المسيب من قوله.
ووقفه يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة ڤ من قولها.
ووقفه ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أم سلمة ڤ من قولها.
ووقفه عبد الرحمن بن حرملة، وقتادة، وصالح بن حسان عن سعيد بن المسيب من قوله... وغيرهم من الذين أوقفوه.
قال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج9 ص461): (والمحفوظ عن مالك موقوف... والصحيح عندي قول من وقفه). اهـ
قلت: فاضطرب الرواة في هذا الحديث؛ فمرة يروى مرفوعا، ومرة موقوفا، ومرة مرسلا، ومرة مقطوعا، كما مر علينا في تخريج الحديث، وهذا الاضطراب يوجب ضعفه أيضا.
قلت: كذلك متون الحديث غير مستقيمة، وذلك بسبب عدم ضبط الرواة للحديث، فمثل: (من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة)، فهذا اللفظ يخالف لفظ: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي)، ولفظ: (من رأى منكم هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي)، ولفظ: (ولا من بشره شيئا).
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص133): (وكان في متن حديث محمد بن عمرو ما يخالف ما في متون الآثار التي رويناها قبله في هذا الباب). اهـ
قلت: ولا يقبل الحديث إذا كانت أسانيده مضادة، ومختلفة، وكذلك متونه لم ينتف عنها التضاد والاختلاف.
قلت: وقد كشف الناس علة حديث أم سلمة ڤ في عهد الصحابة y.
(1) فعن شعيب بن أبي حمزة قال: قال الزهري /: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النبي r).
قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير ، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أن عائشة زوج النبي r قالت : (إن كنت أفتل قلائد الهدي هدي رسول الله، فيبعث بهديه مقلدا وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه، فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا بقولها، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ ([71])!).
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 5 ص234) من طريق أبي يحيى عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو اليمان الحمصي أنا شعيب بن أبي حمزة قال: قال الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج5 ص234): (وروي في هذا المعنى: مسروق، والأسود عن عائشة). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3ص546): (نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس ﭭ ([72])، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه: وأخرجه البيهقي من طريقه قال: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ، فذكر الحديث عن عروة، وعمرة عنها، قال: (فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ). اهـ
وقال الإمام ابن التين /: (خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء).([73])اهـ
قلت: فما احتجت عائشة ڤ بفعل النبي r، وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه. ([74])
قال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص77): (استدراكها على عبد الله بن عباس ﭭ: ثم ذكر حديث عائشة ڤ، وقال: فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ، وحديث عائشة إسناد صحيح، بلا خلاف بين أهل العلم، ومعه النظر، والمعنى). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2ص268): (وأما قول ابن عباس ﭭ فقد خالفه: ابن مسعود، وعائشة، وأنس بن مالك، وعبد الله ابن الزبير، وغيرهم y.
بل جاء عن الزهري:ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قاله، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عنه.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» من طريقه عنه قال: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ ... فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها.
وقال: (لما بلغ الناس قول عائشة ڤ أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ)، وفيه دلالة على أن قوله كان مهجورا، ومن ثم لم يأخذ أحد من أئمة الأمصار المعروفين به). اهـ
وقال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج5 ص339): (إنما قالته – يعني: عائشة - ردا لما بلغها من فتيا ابن عباس ﭭ، فيمن بعث هديا إلى مكة أنه يحرم عليه ما يحرم على المحرم([75])،حتى يبلغ الهدي محله وينحر). اهـ
وقال العلامة القاري / في «مرقاة المصابيح» (ج5 ص520): (سبب هذا القول عائشة ڤ، أنه بلغها فتيا ابن عباس ﭭ، فيمن بعث هديا إلى مكة، أنه يحرم عليه ما يحرم على الحاج من لبس المخيط وغيره حتى ينحر هديه بمكة، فقالت ذلك ردا عليه). اهـ
وقال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج8 ص202): (وردوا قول ابن عباس ﭭ؛ فإنه كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده الإحرام، ويجتنب كل ما يجتنب الحاج حتى ينحر هديه). اهـ
وقال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص 77): (وأخرج البيهقي في «سننه» عن شعيب بن أبي حمزة قال: قال الزهري: (أول من كشف العمي([76])عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ([77])، فأخبرني عروة، وعمرة أن عائشة ڤ فذكر الحديث، فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ). اهـ
(2) وعن الليث بن سعد عن خالد بن زيد عن سعيد بن أبي هلال عن عمرو بن مسلم أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أم سلمة ڤ زوج النبي r عن النبي r قال: (من رأى منكم هلال ذي الحجة، فأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي).
قال الإمام الليث بن سعد /: (قد جاء هذا، وأكثر الناس على غيره).([78])
أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص181).
وإسناده صحيح.
وذكره القرطبي في «المفهم» (ج5 ص382).
(3) وعن أبي صالح قال الليث بن سعد قال يونس قال نافع قال عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي r كانت تقول: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r وهو مقيم بالمدينة ولم يكن يجتنب شيئا ما يجتنب المحرم؛ لا نساء ولا غيرهن، فأخذ الناس بحديث عائشة ڤ).
أخرجه ابن بشران في «الأمالي» (477).
وإسناده حسن.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص148): (وقال الليث بن سعد، وقد ذكر له حديث سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي r قال: (من أهل عليه منكم هلال ذي الحجة، وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي؛ فقال الليث بن سعد: قد روي([79]) هذا والناس على غير هذا!). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «المفهم» (ج5 ص382): (وقال الليث: قد جاء هذا الحديث – يعني: حديث أم سلمة -، وأكثر الناس([80]) على خلافه). اهـ
قلت: وحديث عائشة ڤ يوهن حديث أم سلمة ڤ، ويعلله، لثبوته عن رسول الله r بأسانيد صحيحة متواترة، وقد عمل به السلف في القرون المفضلة.
فعن عائشة ڤ قالت: «كان رسول الله rيهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم». وفي رواية: «فتلت قلائد بدن رسول الله r بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حلا». وفي رواية: «ثم أقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء». وفي رواية: «ثم ما يحرم عليه شيء مما يحل للرجل من أهله حتى يرجع الناس».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1696)، و(1698)، و(1699)، و(1705)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص957 و958)، وأبو داود في «سننه» (1757)، و(1758)، والترمذي في «سننه» (908)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص64)، وفي «المجتبى» (ج5 ص171)، وابن ماجه في «سننه» (3094)، و(3098)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص93)، وسعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص36 و78)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص73)، وابن حبان في «صحيحه» (4009)، و(4013)، وضياء الدين المقدسي في «بلغة الطالب الحثيث في صحيح عوالي الحديث» (ص337)، وابن وهب في «الموطأ» (ص68)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص232)، وفي «معرفة السنن» (ج7 ص517)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص214)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص93 و93) وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص264)، وابن خزيمة في «صحيحه» (6208)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص335)، وابن راهويه في «المسند» (ج2 ص191)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص266) وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص138)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص229)، وأبو مصعب في «الموطأ» (ج1 ص434)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص395)، وفي «المسند المستخرج على صحيح البخاري» (ص158)، وفي «معرفة الصحابة» (ج6 ص3211 و3212)، وأبوبكر السجستاني في «مسند عائشة» (ص94)، وابن الجارود في «المنتقى» (423)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص291)، وفي «جامع المسانيد» (ج8 ص148)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (ج4 ص161)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص178 و179)، والطيالسي في «المسند» (1441)، ومالك في «الموطأ» (ج1ص340)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ح2 ص766 و768)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ص155)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص228)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص525)، وابن خلاد النصيبي في «الفوائد» (ص110)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص104)، وأبو يعلى في «المسند» (4852) و(4658)، والقعنبي في «الموطأ» (ص381 و382)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (901)، والمراغي في «مشيخته» (ص257) و(258)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (52)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (150)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (49)، والحدثاني في «الموطأ» (ص453)، والجوهري في «مسند الموطأ» (499)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (ص159) من طرق عن عائشة ڤ به.
قال الإمام مالك / في «الموطأ» (ج1 ص435)؛ فيما اختلف الناس فيه من الإحرام ممن لا يريد الحج، ولا العمرة، فقال: الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك: قول عائشة أم المؤمنين ڤ أن «رسول الله r بعث بهديه، ثم أقام؛ فلم يحرم([81]) عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه»). اهـ
وقال الإمام الشافعي /: (فإن قال قائل ما دل على أنه اختيار لا واجب؛ يعني: الأخذ من الشعر، والظفر، قيل له روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة ڤ قالت: «أنا فتلت قلائد هدي رسول الله r بيدي ثم قلدها رسول الله r بيده، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله r شيء أحل الله له حتى نحر الهدي»، قال الشافعي: وفي هذه دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه، يقول: البعثة بالهدي أكثر من إرادة الضحية).([82])
وذكر الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص182) حديث أم سلمة مرفوعا، ثم ذكره موقوفا ورجحه، ثم قال: (فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة ڤ، فهذا حكم هذا الباب، من طريق الآثار.
وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء، مما قد كانت كلها قبله حلالا، منها: الجماع، والقبلة، وقص الأظفار، وحلق الشعر، وقتل الصيد، فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام، وأحكام ذلك مختلفة.
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه، فسد إحرامه، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام.
ثم رأينا من دخلت عليه أيامالعشر، وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك.
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم أجمعين، وقد روي ذلك أيضا عن جماعة من المتقدمين). اهـ
قلت: أن الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس المحرم اللباس المعتاد، ولا يتطيب، ولا يتزين، ولا يتزوج، ولا يجامع، فلما أبيح للمضحي المقيم هذه الأمور المعتادة، فقد جاز له الأخذ من الشعر، والظفر من باب أولى؛ أي: فلما لم يكن مقصوده الإحرام في الحج، أو العمرة فلم يمنع من ذلك. ([83])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): (وهو أترك... – يعني: سعيد بن المسيب - لما رواه عن أم سلمة؛ وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، وأن ذلك مباح فحلق الشعر والأظفار أحرى أن يكون مباحا). اهـ
قلت: فاستقر الأمر على سعيد بن المسيب / ترك حديث أم سلمة ڤ، وقال: لا بأس بالأخذ من الشعر والظفر في عشر ذي الحجة. ([84])
فكان النبي r يضحي، ولم ينقل عنه أنه كان يمتنع من الأخذ من شعره، وأظفاره، أو بشرته، ولو ثبت ذلك لنقل إلينا عن طريق صحابته y.
وكذلك الصحابة الكرام كانوا يضحون، ولم ينقل عنهم أنهم امتنعوا أن يأخذوا من شعورهم، وأظفارهم، وأبشارهم، بل ثبت عنهم النكير على من امتنع أن لا يأخذ من شعره، وظفره شيئا.
فالصواب: أن الذي يضحي لا يحرم عليه أن يأخذ شيئا من شعره، أو ظفره، أو غير ذلك.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي r أنه قال: «إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره»؛ لأن في هذا الحديث النهي من أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره، أو من شعره كل من أراد أن يضحي والهدي في حكم الضحية.
وفي حديث عائشة ڤ؛ أن رسول الله r بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم، فهو معارض لأم سلمة، وهو أثبت منه وأصح.
لأن طائفة من أهل العلم بالنقل تقول: إن عمر بن مسلم شيخ مالك مجهول، يقول فيه شعبة، وبعض أصحاب مالك عن مالك: عمرو بن مسلم وكذلك قال فيه سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي r.
وقال فيه ابن وهب عن مالك عن عمرو بن مسلم، وتابعه جماعة من أصحاب مالك.
وكذلك قال فيه محمد بن عمر عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص185): (فقال مالك: لا بأس بحلق الرأس، وقص الأظفار، والشارب، وحلق العانة في عشر ذي الحجة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص221): (تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإحرام، وهذا المعنى الذي سبق له الحديث، وهو الحجة عند التنازع). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): عن مذهب الشافعي الصحيح: (قال الشافعي: فإن أخذ من شعره، أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة ڤ: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r... الحديث).اهـ
قلت: فصح أنه r كان يضحي، ويحض على الضحية، ولم يصح عنه r أنه كان يمتنع من الأخذ من الشعر والظفر، ولم ينقل عنه r ذلك بنقل صحيح الإسناد!.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (وعلى القول بحديث عائشة ڤ... جمهور أهل العلم([85])، وأئمة الفتوى بالأمصار). اهـ
قلت: فما شاع في البلدان الإسلامية في هذا الزمان على ألسنة المقلدة، والعامة([86])من قولهم: أن من أراد أن يضحي وجب عليه أن يحرم، ولو بترك الأخذ من الشعر، والظفر، والجلد!.
فهذا مما لا صحة له إطلاقا، إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج، أو العمرة.
قلت: لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب، والجماع، واللباس، وإن احتاج إلى حلق شعره، أو تقليم ظفره فعل ذلك ولا فدية عليه، ولا كراهة فيه.
قلت: فلا يلزم العمل بحديث أم سلمة ڤ لضعفه، ويجب العمل بحديث عائشة لصحته، والعمل به في الأمصار.
فلا يمنع الأخذ من الشعر والظفر([87])،فإذا منع ذلك فالأولى المنع من الوطء وهو أغلظ من الشعر والظفر، وكذلك الأحرى من منع لبس الثياب، والطيب، والزينة، فإذا لم يمنع ذلك، فأحرى أن لا يمنع من الأخذ من الشعر والظفر([88])، واللهم غفرا. ([89])
قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج13 ص139): (قال أصحابنا([90]) هذا غلط، لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس، وغير ذلك مما يتركه المحرم). اهـ
وقال العلامة أبو يحيى الأنصاري / في «تحفة الباري» (ج2 ص415): (من أرسل الهدي إلى مكة لا يحرم بذلك على المحرم، وهو مذهب جمهور العلماء؛ خلافا لابن عباس). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج9 ص70): (من بعث هديه لا يصير محرما، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة). اهـ
وقال الإمام المازري / في «المعلم» (ج3 ص60): (مذهبنا أن الحديث – يعني: حديث أم سلمة - لا يلزم العمل به، واحتج أصحابنا([91]) بقول عائشة ڤ: «كان النبي r يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم»، وظاهر هذا الإطلاق أنه لا يحرم تقليم الأظفار ولا قص الشعر).اهـ
وقال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (ج5 ص338): (وهذا مذهب الجمهور). اهـ
قلت: كيف وأن تحريم النساء، والطيب، واللباس أمر يختص بالإحرام لا يتعلق بالأضحية، فمن باب أولى أن أخذ الشعر، وتقليم الظفر لا علاقة له بالأضحية.([92])
قال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج2 ص343): (وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب، كما يحرمان على المحرم، فدل ذلك على سبيل الندب والاستحباب، دون الحتم والإيجاب). اهـ
قلت: حتى أن المتأخرين من الحنفية، والمالكية، والشافعية، قالوا هو مكروه كراهة تنزيه، وليس بحرام، فلا بأس عندهم أن يأخذ المضحي من شعره وأظفاره إذا أراد أن يضحي. ([93])
قلت: وقد شاع عند المقلدة، والعامة في البلدان الإسلامية أن من أراد أن يضحي، فإنه ينبغي له أن يمسك عن الأخذ من الشعر، والظفر في العشر من ذي الحجة الأولى.
وهذا القول ليس بصحيح، فلا إحرام إلا لمن أراد أن يحج، أو يعتمر.
قلت: وعائشة ڤ أفقه وأعلم بالسنة النبوية من أم سلمة ڤ؛ كما قال أهل العلم، ورسول الله r كان يضحي في كل سنة، وعن أهل بيته، ولم ينقل عنه r أنه كان يمسك عن شعره أو ظفره، أو غير ذلك، وهذا لا يخفى.
قلت: وفي العلم عند التعارض يقدم من الأدلة منها ما هو أقوى، وأصح، وأصرح، وليس فيه خطأ من الرواة.
ونظير ذلك: رواية ابن عباس ﭭ في نكاح ميمونة ڤ.([94])
فعن ابن عباس t: «أن النبي r تزوج ميمونة وهو محرم».
حديث معلول
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص165)، ومسلم في «صحيحه» (1410)، والترمذي في «سننه» (844)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5386)، وفي «المجتبى» (ج5 ص191)، وابن ماجه في «سننه» (1965)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص337)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص363)، وأبو يعلى في «المسند» (ج4 ص280)، والحميدي في «المسند» (503)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص368)، وابن حبان في «صحيحه» (4131)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص228)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (ص302)، والرافقي في «جزئه» (ص99)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (301)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص396)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص391)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص66)، وفي «معرفة السنن» (ج7 ص517)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص331)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص269)، وفي «مشكل الآثار»([95]) (ج14 ص509)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (518)، والطيالسي في «المسند» (2611)، وابن الجارود في «المنتقى» (423) من طريق عمرو بن دينار قال حدثنا أبو الشعثاء جابر بن زيد قال: أنبأنا ابن عباس ﭭ قال: «تزوج النبي r ميمونة وهو محرم».
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص509)، وأبو داود في «سننه» (1844)، والترمذي في «سننه» (842)، و(843)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3809)، و(5389)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص336 و346)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص263)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص280)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص260)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (515)، و(516)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص334)، و(ج5 ص121)، و(ج11 ص21 و22)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص142)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص111)، وفي «ناسخ الحديث» (ص345)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص269)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص233)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج2 ص594)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج11 ص275)، وفي «المعجم الأوسط» (ج3 ص125)، وابن راهويه في «المسند» (950)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص331) من طرق عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «تزوج النبي r ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف».
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1837)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3189)، و(3808)، و(3810)، و(5385)، وفي «المجتبى» (ج5 ص191 و192)، والترمذي في «سننه» (ج2 ص169)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص330 و362)، والطيالسي في «المسند» (2656)، وأبو يعلى في «المسند» (ج5 ص112)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج1 ص349) ، وابن هشام في «السيرة النبوية» (ج3 ص426)، والطبراني في «المعجم الكبير» (11297)، وفي «المعجم الأوسط» (ج2 ص487)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص269)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (517)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص141)، وفي «جامع المسانيد» (ج4 ص111)، وفي «ناسخ الحديث» (ص346)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (584)، والطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص1203)، والحنائي في «الحنائيات» (ج1 ص165)، والرافقي في «جزئه» (ص99)، وابن المأمون في «الفوائد المنتقاة عن الشيوخ العوالي» (19)، والبزار في «المسند» (5202)، والدارمي في «المسند» (1822)، وأبو عوانة في «المستخرج» (3086)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (543)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (301)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص225)، والأبرقوهي في «معجم الشيوخ» (ص385)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص232)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج36 ص427)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص212)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص50)، وابن حبان في «صحيحه» (ج9 ص441)، والسبكي في «معجم الشيوخ» (ص392)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158)، وفي «الاستذكار» (ج11 ص265)، وخيثمة بن سليمان القرشي في «الرقائق والحكايات» (ص196)، والبحيري في «الفوائد» (ق/28/ط)، والذهبي في «المعجم الكبير» (ج1 ص293)، والنقاش في «فوائد العراقيين» (ص61)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص177 و178)، وابن الشرقي في «أحاديث من المسند الصحيح» (ص135)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص50)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص136)، والخلدي في «الفوائد» (ص159 و184)، وابن منده في «الأمالي» (93)، وابن راهويه في «المسند» (805)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص256)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص281) من طرق عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: فهذا الحديث مع كونه في «الصحيحين» فقد عده العلماء بأنه غلط على رسول الله r، ولم يأخذوا به، لأن ابن عباس ﭭ أخطأ فيه على رسول الله r، ورجحوا عليه حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية ڤ، لأنها صاحبة القصة، ويؤيده: حديث عثمان بن عفان t في أن المحرم لا يجوز له أن يتزوج. ([96])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج3 ص432): (وهذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس ﭭ، لأنها هي المنكوحة، وهي أعلم بالحال التي تزوجها رسول الله r فيها من ابن عباس ﭭ).اهـ
فعن سعيد بن المسيب / قال: «وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم».
أثر حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (1845)، ومن طريقه: البيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص212) من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به، وقد كان السلف يخطئون ابن عباس ﭭ في هذا الحديث، وقد احتج به الإمام أحمد. ([97]) وقد روي من وجوه.
وقال الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص109): (حديث مقطوع صحيح). اهـ
وذكره ابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص145)، وفي «ناسخ الحديث» (ص347)، والذهبي في «تنقيح التحقيق» (ج6 ص144).
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص1315)، والشافعي في «اختلاف الحديث» (ص145) من طريق سعيد بن مسلمة ثنا إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه سعيد بن مسلمة الأموي، وهو ضعيف، كما في «التقريب» لابن حجر (ص388).
وأخرجه الخلدي في «الفوائد» (ص195) من طريق أبي حماد عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال: «أوهم ابن عباس في ميمونة؛ أن رسول الله ﷺ تزوجها وهو محرم».
وقال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص392): «وكان سعيد بن المسيب ينكر هذا الحديث». يعني: حديث ابن عباس ﭭ.
وروى الأوزاعي قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ﭭ؛ «أن النبي r تزوج ميمونة، وهو محرم». قال سعيد بن المسيب: (وهم ابن عباس، وإن كانت خالته، ما تزوجها إلا بعد ما أحل). وفي رواية: (إنما تزوجها حلالا).
أثر صحيح
أخرجه هكذا: ابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158)، وفي «الاستذكار» (ج11 ص265)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج26 ص427) و(ج54 ص123)، والحنائي في «الحنائيات» (ج1 ص165)، وخيثمة بن سليمان القرشي في «الرقائق والحكايات» (ص196)، والطيوري في «الطيوريات» (ج3 ص1203 و1204)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص233)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وفي «السنن الكبرى» (ج7 ص212)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (ج1 ص286)، والذهبي في «المعجم الكبير» (ج1 ص393) كلهم مع قول سعيد بن المسيب أيضا.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج3 ص158): (هكذا في الحديث قال سعيد بن المسيب فلا أدري أكان الأوزاعي يقوله أو عطاء بن أبي رباح).
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج11 ص265): (أظن القائل قال سعيد: عطاء، أو الأوزاعي).
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص635).
وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (ج4 ص336) من طريق ابن إسحاق حدثني ثقة عن ابن المسيب / أنه قال: «هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله r نكح ميمونة وهو محرم، وكذب، وإنما قدم رسول الله r مكة فكان الحل والنكاح جميعا، فشبه ذلك على الناس».
وإسناده لا بأس به.
وذكره ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص636)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (ج6 ص390).
والحديث أنكره سعيد بن المسيب على ابن عباس ﭭ؛ من رواية عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب به.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص135).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص110).
قلت: ومقصود ابن المسيب بقوله: «كذب»؛ أي: أخطأ ابن عباس، وهو لغة أهل الحجاز.
والأثر صححه الإمام أحمد، كما في رواية الأثرم (ج9 ص166 – فتح الباري)، ورواية المروذي (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة)، وابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص630)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (ج11 ص265)، وفي «التمهيد» (ج3 ص158)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166).
قال الإمام الأثرم في «المسائل» (ج9 ص165- فتح الباري)؛ قلت: لأحمد أن أبا ثور يقول: بأي شيء يدفع حديث ابن عباس ﭭ؛ أي: مع صحته، فقال أحمد: (الله المستعان، وابن المسيب يقول: وهم ابن عباس ﭭ، وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال).
وقال الإمام المروذي في «المسائل» (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة): (أذهب إلى حديث نبيه بن وهب، فقال له المروذي: أن أبا ثور قال لي: بأي شيء يدفع حديث ابن عباس ﭭ؟، فقال أبو عبدالله: (الله المستعان، قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس ﭭ، وميمونة ڤ تقول: تزوجها وهو حلال).
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص146): (وكان ابن المسيب يقول: نكحها حلالا، ذهبت العلة في أن يثبت من قال نكحها وهو محرم بسبب القرابة). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج1 ص533): (وقد ذكر سعيد بن المسيب أن ما حكاه ابن عباس من ذلك وهم، وحديث يزيد بن الأصم وهو ابن أخي ميمونة يؤكد ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج6 ص108): (وقد صرح بتوهيمه سعيد ابن المسيب، وهو قول جمهور أهل النقل، كما قال ابن القيم؛ وذلك لأن ميمونة صاحبة القصة أعلم بشأنها من غيرها، وقد أخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد). اهـ
وقال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث (ج1 ص474 – التعليقة الكبيرة)، وقد سئل عن حديث ابن عباس: (هذا الحديث خطأ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص630): (السلف طعنوا في رواية ابن عباس ﭭ هذه). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (346): (وأما حديث ابن عباس ﭭ؛ فإنما قاله بظنه، ووهم في ذلك). اهـ
قلت: فمن روى أنه r تزوجها حلالا، فقد اطلع على حقيقة الأمر، وأخبر به، لأنه معه مزيد علم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص632): (الصواب رواية من روى أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: فالذي اطلع على هذا الأمر، فإنه معه مزيد علم خفي على غيره.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4ص153): (وما أعلم أحدا من الصحابة y روى أن رسول الله r نكح ميمونة، وهو محرم إلا عبد الله بن عباس ﭭ.([98])
ورواية من ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أميل، لأن الواحد أقرب إلى الغلط.
وأكثر أحوال حديث ابن عباس ﭭ أن يجعل متعارضا مع رواية من ذكرنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها، ووجب طلب الدليل على هذه المسألة من غيرها.
فوجدنا عثمان بن عفان t قد روى عن النبي r: أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال r: «لا ينكح المحرم ولا ينكح»، فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها، لأنه يستحيل أن ينهى عن شيء ويفعله، مع عمل الخلفاء الراشدين لها، وهم: «عمر»، و«عثمان»، و«علي» y، وهو قول «ابن عمر»، وأكثر أهل المدينة).اهـ
قلت: فبين الإمام ابن عبد البر / أن الوهم إلى الواحد أقرب من الجماعة، وأقل أحوال الآثار أن تتعارض فيما بينها، فتطلب الحجة في ذلك.
قال الإمام ابن عبد الهادي / في «تنقيح التحقيق» (ج3 ص312 - المغني)؛ بعد ما ذكر حديث ابن عباس ﭭ: (وقد عد هذا من الغلطات التي وقعت في «الصحيح»، وميمونة ڤ أخبرت أن هذا ما وقع؛ فالإنسان أعرف بحال نفسه، فقالت: «تزوجني رسول الله ﷺ وأنا حلال، بعدما رجعنا من مكة»).اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «التحقيق» (ج6 ص142): (ميمونة أخبرت بضد هذا، والإنسان أخبر بحال نفسه من غيره). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «تنقيح التحقيق» (ج6 ص142): (ميمونة قد أخبرت بضد هذا، وهي أخبر بحال نفسها). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص259): (وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم، إلا ابن عباس ﭭ). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «التحقيق» (ج6 ص145): (روى أبو داود؛ أن سعيد بن المسيب قال: «وهم ابن عباس في قوله: تزوج ميمونة وهو محرم).اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166): (قال سعيد بن المسيب: ذهل ابن عباس ﭭ). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج4 ص331): (وقد خالف ابن عباس غيره في تزوج النبي r ميمونة وهو محرم).([99]) اهـ
قلت: وحديث ميمونة ڤ حجة على ما بينه ابن عباس ﭭ، فكان أولى بالتقديم.([100])
فعن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث ڤ: «أن رسول الله r تزوجها وهو حلال». وفي رواية: «تزوجني رسول اللهr بسرف، ونحن حلالان».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1461)، والشافعي في «اختلاف الحديث» (ص145)، وأبو داود في «سننه» (843)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5383)، والترمذي في «سننه» (845)، وابن ماجه في «سننه» (1964)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص282)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص332 و333 و335)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج8 ص95)، والحراني في «تاريخ الرقة» (ص65)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص229)، وابن حبان في «صحيحه» (4134)، و(4136)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص143)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص396)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص66)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص161)، وفي «دلائل النبوة» (ج4 ص332)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص511 و512)، وفي «معرفة السنن» (ج4 ص36)، والإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (410)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص509)، وفي «شرح معاني الآثار» (ج2 ص270)، وابن طهمان في «مشيخته» (123)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص316)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص316)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص68)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص410)، وابن الجارود في «المنتقى» (445)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص226)، والطبراني في «المعجم الكبير» (1059)، وأبو يعلى في «المسند» (7105)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (516) من طرق عن يزيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونة بنت الحارث ڤ به موصلا، قال: وكانت خالتي، وخالة ابن عباس.
قال الزهري: أخبرني يزيد بن الأصم، وهي خالته
قال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج5 ص105): (ويزيد بن الأصم لم يقله عن نفسه، إنما حدث به عن ميمونة بنت الحارث). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج1 ص512): (ورواه كذلك موصولا: ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة، وهي صاحبة الأمر، فهي أعرف بنكاحها). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الصغرى» (ج2 ص161): (فهذا قول صاحبة الأمر فهو أولى من قول غيرها). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص516): (فهذه ميمونة ڤ تخبر أن تزويج رسول الله r كان إياها، وهو حلال، فكان من الحجة عليه لمخالفيه في ذلك: أن ابن عباس ﭭ قد أخبر في حديثه أن تزويجه r كان إياها قبل ذلك، وهو محرم). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج9 ص166): (وعارض حديث ابن عباس ﭭ أيضا حديث يزيد بن الأصم: «أن النبي r تزوج ميمونة وهو حلال»؛ أخرجه مسلم). اهـ
وبوب عليه الحافظ أبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص228): باب ذكر تزويج رسول الله ﷺ في إحرامه ميمونة والخبر المعارض المبين تزوجها وهو حلال.
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج1 ص532): (وميمونة ڤ أعلم بشأنها من غيرها، وأخبرت بحالها، وبكيفية الأمر في ذلك العقد، وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس ﭭ). اهـ
وقد ذكر الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص566): (إن الجمهور أجابوا عن حديث ميمونة ڤ بأجوبة: (أصحها: أنه r تزوجها حلالا؛ هكذا رواه أكثر الصحابة). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (346): (وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث ميمونة ڤ: أن رسول الله r تزوجها، وهو حلال).اهـ
وقال الحافظ البغوي / في «مصابيح السنة» (ج2 ص282): (والأكثرون على أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: فحديث ابن عباس ﭭ، فهو معل بذلك، وقد أعله ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج4 ص633)، وأضف إليه حديث عثمان بن عفان رضي في النهي عن نكاح المحرم. ([101])
فعن عثمان بن عفان t عن النبي r قال: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح([102])، ولا يخطب».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1409)، وأبو داود في «سننه» (1846)، والترمذي في «سننه» (1840)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص88)، وفي «المجتبى» (ج5 ص192)، وابن ماجه في «سننه» (1966)، وأحمد في «المسند» (ج ص)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص298)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3ص 226و 227) وابن الجارود في «المنتقى» (444)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2649)، وابن حبان في «صحيحه» (4623)، والطيالسي في «المسند» (74)، والبزار في «المسند» (361)، (362)، والحدثاني في «الموطأ» (ص487)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (ص63)، والعسكري في «تصحيفات المحدثين» (ص372)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (7385)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص175)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص226)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج2 ص232)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص65)، و(ج7 ص210)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص160)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص37)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص1462)، والدارقطني في «العلل» (ج2 ص12 و13)، وفي «الأفراد» (ص109)، وفي «السنن» (ج3 ص260)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص149)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص36)، وفي «ناسخ الحديث» (ص345)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص268)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص506 و507)، وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» (ص519)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج6 ص148)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص756)، والشافعي في «المسند» (ج1 ص315)، وفي «اختلاف الحديث» (ص145)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص348)، والحميدي في «المسند» (33)، ومكرم البزاز في «الفوائد» (ص274)، وابن الدبيثي في «ذيل تاريخ بغداد» (ج4 ص428)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص391)، وابن بشران في «الأمالي» (1081)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص250)، وفي «مصابيح السنة» (ج2 ص281) من طريق أبان بن عثمان عن أبيه به.
وعن نبيه بن وهب؛ أن عمر بن عبيد الله بن معمر أراد أن ينكح ابنه طلحة؛ بنت شيبة بن جبير في الحج، وأبان بن عثمان يومئذ أمير الحاج، فأرسل إلى أبان إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر، فأحب أن تحضر ذلك، فقال له أبان: ألا أراك عراقيا جافيا([103])». إني سمعت: عثمان بن عفان t يقول: قال رسول الله r: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص1031)، وأبو داود في «سننه» (1846)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3811)، (3812)، (5390)، ومالك في «الموطأ» (70)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج3 ص227)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص250)، ومصعب بن عبد الله الزبيري في «حديثه» (ص110) من طرق عن نبيه بن وهب به.
قلت: وهذا الحديث ينهى النبي r المحرم أن يتزوج، وإليه ذهب الصحابة الكرام، وجمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وغيرهم.([104])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص625): (فقد عمل بذلك الخلفاء الراشدون، وغيرهم من أكابر الصحابة y). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص626)؛ بعدما ذكر آثار الصحابة في إبطال نكاح المحرم: (وهؤلاء أكابر الصحابةy لم يقدموا على إبطال نكاح المحرم، والتفريق بينهما، إلا بأمر بين، وعلم اطلعوه ربما يخفى على غيرهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص641): (أن أكابر الصحابة y قد عملوا بموجب حديث عثمان t، وإذا اختلفت الآثار عن رسول الله r نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون، ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا؛ إلا ابن عباس ﭭ، وقد علم مستند فتواه.
وعلم أن من حرم نكاح المحرم من الصحابة y يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علم عنده خفي على من لم يحرمه.
فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمع في دركه بتأويل أو قياس، وأصحاب رسول الله r أعلم بالله وأخشى من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، بخلاف من أباحه، فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية، وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند آخر مضطرب). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص145): (وعثمان t متقدم الصحبة، ومن روى أن النبي r نكحها محرما لم يصحبه إلا بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة ڤ، وإنما نكحها قبل عمرة القضية... ومع حديث عثمان ما يوافقه). اهـ
قلت: فلابد عند الاختلاف من الرجوع إلى النص، وترك الاجتهاد عند وجود النص. ([105])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص265): (واختلف أهل السير في تزويج رسول الله r، فقال: ابن شهاب: أنه تزوجها حلالا، وقال معمر بن المثنى: تزوجها وهو محرم، والأول أصح إن شاء الله، والحجة في ذلك حديث عثمان والحمد لله). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «ناسخ الحديث» (ص346): (العمل على حديث عثمان t، وإن المحرم لا يصح أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج7 ص179): (خبر يزيد عن ميمونة هو الحق، وقول ابن عباس وهم منه بلا شك لوجوه بينة:
أولها: أنها ڤ أعلم بنفسها من ابن عباس لاختصاصها بتلك القصة دونه؛ هذا ما لا يشك فيه أحد.
وثانيها: أنها ڤ كانت حينئذ امرأة كاملة؛ وكان ابن عباس رضي الله عنه يومئذ ابن عشرة أعوام وأشهر؛ فبين الضبطين فرق لا يخفى.
والثالث: أنه r إنما تزوجها في عمرة القضاء، هذا ما لا يختلف فيه اثنان، ومكة يومئذ دار حرب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص632): (فهذا سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعامة علماء المدينة، وهم أعلم الناس بسنة ماضية، وأبحثهم عنها، قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى، أنه تزوجها حلالا). اهـ
قلت: وقد ثبت حديث عثمان t، فيجب العمل به لأوجه؛ وهي:
الأول: أن حديث عثمان t لا اضطراب فيه، ولا معارض له.
الثاني: أن حديث عثمان t ناقل عن الأصل الذي هو الإباحة.
الثالث: أن حديث عثمان t كان بين في حجة الوداع لحاجة المحرمين إلى بيان محظورات الإحرام، فهو متأخر على حديث ابن عباسt، لأنه كان في عمرة القضاء قبل فتح مكة، وقبل فرض الحج، ولم تكن أحكام الحج قد مهدت، ولا محظورات الإحرام قد بينت.
الرابع: أن الصحابة الكرام قد عملوا بموجب حديث عثمان t، فيجب القطع بأنه إنما فعلوا ذلك عن علم عندهم خفي على من لم يحرمه.
الخامس: أن نقل الصحابة الكرام النهي عن تزويج المحرم أصح من نقل غيرهم من الأمصار، وهم أعلم بالسنة من سائر الناس، وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار الذين أمرنا باتباعهم بإحسان.
السادس: أن الإحرام يحرم جميع دواعي النكاح؛ مثل: المباشرة، والقبلة، والزينة، وغير ذلك لكي لا يقع المحرم في الجماع، وعقد النكاح من أسبابه ودواعيه، فوجب أن يمنع منه، ويعمل بحديث عثمان t. ([106])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص642): (وأهل المدينة متفقون على هذا علما ورثوه من زمن الخلفاء الراشدين إلى زمن أحمد ونظرائه، وإذا اعتضد أحد الخبرين بعمل أهل المدينة كان أولى من غيره في أصح الوجهين، وهو المنصوص عن أحمد في مواضع.
وقد تقدم أنه اعتضد في هذه المسألة أهل المدينة، لا سيما إذا كانوا قد رووا هم الحديث، فإن نقلهم أصح من نقل غيرهم من الأمصار، وهم أعلم بالسنة من سائر أهل الأمصار.
وكان عندهم من السابقين الأولين من المهاجرين، والأنصار الذين أمرنا باتباعهم بإحسان ما لم يكن عند غيرهم). اهـ
قلت: والحاصل أن من روى أن ميمونة ڤ تزوجها رسول الله ﷺ، وهما حلالان أكثر، وأحاديثهم أثبت مع ثبوت الرواية عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وحديث عثمان t، وما في معناه خال عن المعارض فهو المعتمد في هذه المسألة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص259): (فإن الآثار بأن رسول الله r تزوجها حلالا أتت متواترة... وهو قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شهاب، وجمهور علماء المدينة، يقولون: إن رسول الله r لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال.
وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس؛ وحديثه بذلك صحيح ثابت من نكاح ميمونة إلا أن يكون متعارضا مع رواية غيره... فإن عثمان بن عفان t قد روي عن النبي r: أنه نهى عن نكاح المحرم، وقال: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح» ولا معارض، له لأن حديث ابن عباس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره). اهـ
قلت: فيسقط الاحتجاج به، لأن ميمونة ڤ أعلم بنفسها من ابن عباس ﭭ، فحديثها أولى بالتقديم لو كان ابن عباس ﭭ كبيرا، فكيف وقد كان صغيرا، والكبير أضبط من الصغير([107])، والله ولي التوفيق.
قلت: وقد خطأ عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم؛ ابن عباس ﭭ في قوله هذا؛ وبينوا إنه وهم بأدلة كثيرة، كما سبق ذلك.([108])
قال العلامة الشيخ الألباني / في «إرواء الغليل» (ج4 ص228): (واتفاق هؤلاء الصحابة على العمل بحديث عثمان رضى الله عنه مما يؤيد صحته، وثبوت العمل به عند الخلفاء الراشدين، يدفع احتمال خطأ الحديث أو نسخه، فذلك يدل على خطأ حديث ابن عباس رضى الله عنه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج4 ص630)؛ عن رواية ميمونة ڤ: (وهذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس لوجوه:
أحدها: أنها هي المنكوحة، وهي أعلم بالحال التي تزوجها رسول الله r فيها هل كانت في حال إحرامه أو في غيرها من ابن عباس.
الثاني: أن أبا رافع كان الرسول بينهما، وهو المباشر للعقد، فهو أعلم بالحال التي وقع فيها من غيره.
الثالث: أن ابن عباس كان إذ ذاك صبيا له نحو من عشر سنين، وقد يخفى على من هذه سنه تفاصيل الأمور التي جرت في زمنه; أما أولا: فلعدم كمال الإدراك والتمييز، وأما ثانيا: فلأنه لا يداخل في هذه الأمور ولا يباشرها، وإنما يسمعها من غيره، إما في ذلك الوقت أو بعده.
الرابع: أن السلف طعنوا في رواية ابن عباس هذه، فروى أبو داود عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في قوله: «تزوج ميمونة وهو محرم».
وقال أحمد في رواية أبي الحارث وقد سئل عن حديث ابن عباس: هذا الحديث خطأ.
وقال في رواية المروذي: أذهب إلى حديث نبيه بن وهب، فقال له المروذي: إن أبا ثور قال لي: بأي شيء تدفع حديث ابن عباس؟ فقال أبو عبد الله: الله المستعان، قال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس، وميمونة تقول: تزوج وهو حلال.
فهذا سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، والزهري، وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعامة علماء المدينة، وهم أعلم الناس بسنة ماضية، وأبحثهم عنها، قد استبان لهم أن الصواب رواية من روى أنه تزوجها حلالا، وكذلك سليمان بن يسار يقول ذلك وهو مولاها.
الخامس: أن الرواية بأنه تزوجها حلالا كثيرون.
وأما الرواية الأخرى: فلم ترد إلا عن ابن عباس، وعن أصحابه الذين أخذوها عنه، قال ابن عبد البر([109]): ما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه «أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم» إلا ابن عباس.
وإذا كان أحد الخبرين أكثر نقلة ورواة قدم على مخالفه، فإن تطرق الوهم والخطأ إلى الواحد أولى من تطرقه إلى العدد، لا سيما إذا كان العدد أقرب إلى الضبط وأجدر بمعرفة باطن الحال.
السادس: أن في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي r تزوجها وهما محرمان([110])، وأن عقد النكاح كان بسرف، ولا ريب أن هذا غلط، فإن عامة أهل السير ذكروا([111]) أن ميمونة كانت قد بانت من زوجها بمكة، ولم تكن مع النبي r في عمرته، فإنه لم يقدم بها من المدينة، وإذا كانت مقيمة بمكة فكيف تكون محرمة معه بسرف؟ أم كيف وإنما بعث إليها جعفر بن أبي طالب خطبها؟ وهو يوهن الحديث ويعلله.
السابع: أن النبي r تزوجها في عمرة القضية في خروجه، ورجع بها معه من مكة، وإنما كان يحرم من ذي الحليفة فيشبه أن تكون الشبهة دخلت على من اعتقد أنه تزوجها محرما من هذه الجهة، فإن ظاهر الحال أنه تزوجها في حال إحرامه).اهـ
وعن ابن عمر ﭭ قال: «لا ينكح المحرم، ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره».
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (349)، والشافعي في «الأم» (ج5 ص78)، وفي «المسند» (ج1 ص526)، والمحاملي في «الأمالي» (114)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص463)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج7 ص213)، وفي «معرفة السنن» (ج5 ص350)، والبغوي في «الجعديات» (2810)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص177)، والحدثاني في «الموطأ» (ص487)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص227)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص149) من طريق نافع عن ابن عمر t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص512).
وتابعه سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال: «لا يتزوج المحرم، ولا يخطب على غيره».
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج3 ص54 - التمهيد) من طريق معمر بن راشد عن الزهري عن سالم بن عبد الله به.
وإسناده صحيح.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم[ [آل عمران: 31].
مشكاة النور
ذكر الدليل على أن المضحي لا يمسك عن الشعر والظفر، لما رأينا أن من دخلت عليه أيام العشر، وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع، والطيب، ولبس المخيط، والزواج، وهذه المحظورات أغلظ ما يحرم بالإحرام، وقد ثبت عن النبي r أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم
عن عائشة ڤ قالت: «كان رسول الله rيهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم». وفي رواية: «فتلت قلائد بدن رسول الله r بيدي، ثم أشعرها وقلدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حلا». وفي رواية: «ثم أقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء». وفي رواية: «ثم ما يحرم عليه شيء مما يحل للرجل من أهله حتى يرجع الناس».
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1696)، و(1698)، و(1699)، و(1705)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص957 و958)، وأبو داود في «سننه» (1757)، و(1758)، والترمذي في «سننه» (908)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص64)، وفي «المجتبى» (ج5 ص171)، وابن ماجه في «سننه» (3094)، و(3098)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص36 و78)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص73)، وابن حبان في «صحيحه» (4009)، و(4013)، وضياء الدين المقدسي في «بلغة الطالب الحثيث في صحيح عوالي الحديث» (ص337)، وابن وهب في «الموطأ» (ص68)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص232)، وفي «معرفة السنن» (ج7 ص517)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص214)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص264)، وفي «شرح السنة» (ج7 ص92 و93)، وابن خزيمة في «صحيحه» (6208)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص335)، وابن راهويه في «المسند» (ج2 ص191)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص266)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص138)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص229)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص434)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج3 ص395)، وفي «المسند المستخرج على صحيح البخاري» (ص158)، وفي «معرفة الصحابة» (ج6 ص3211 و3212)، وأبو بكر السجستاني في «مسند عائشة» (ص94)، وابن الجارود في «المنتقى» (423)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج6 ص291)، وفي «جامع المسانيد» (ج8 ص148)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (ج4 ص161)، والطيالسي في «المسند» (1441)، ومالك في «الموطأ» (ج1ص340)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ح2 ص766 و768)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ص155)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص228)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج2 ص525)، وابن خلاد النصيبي في «الفوائد» (ص110)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص104)، وأبو يعلى في «المسند» (4852) و(4658)، والقعنبي في «الموطأ» (ص381 و382)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (901)، وابن أبي صفرة في « المختصر النصيح » (ج2 ص178 و179)، وابن قراجا في «معجم الشيوخ» (ص439)، وسفيان الثوري في «حديثه» (ص93)، والمراغي في «مشيخته» (ص257 و258)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (150)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (ص52)، وسعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)، والسلفي في «المشيخة البغدادية» (49)، والحدثاني في «الموطأ» (ص453)، والجوهري في «مسند الموطأ» (499)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (ص159) من طرق عن عائشة ڤ به.
قال الإمام مالك / في «الموطأ» (ج1 ص435)؛ فيما اختلف الناس فيه من الإحرام ممن لا يريد الحج، ولا العمرة، فقال: (الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك: قول عائشة أم المؤمنين ڤ أن «رسول الله r بعث بهديه، ثم أقام؛ فلم يحرم([112]) عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه». اهـ
وقال الإمام الشافعي /: (فإن قال قائل ما دل على أنه اختيار لا واجب؛ يعني: الأخذ من الشعر، والظفر، قيل له روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة ڤ قالت: «أنا فتلت قلائد هدي رسول الله r بيدي ثم قلدها رسول الله r بيده، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله r شيء أحل الله له حتى نحر الهدي»، قال الشافعي: وفي هذه دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه، يقول: البعثة بالهدي أكثر من إرادة الضحية).([113])
وذكر الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج4 ص182) حديث أم سلمة مرفوعا، ثم ذكره موقوفا ورجحه، ثم قال: (فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة ڤ، فهذا حكم هذا الباب، من طريق الآثار.
وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء، مما قد كانت كلها قبله حلالا، منها: الجماع، والقبلة، وقص الأظفار، وحلق الشعر، وقتل الصيد، فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام، وأحكام ذلك مختلفة.
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه، فسد إحرامه، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام.
ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر، وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك.
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم أجمعين، وقد روي ذلك أيضا عن جماعة من المتقدمين). اهـ
قلت: أن الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس المحرم اللباس المعتاد، ولا يتطيب، ولا يتزين، ولا يتزوج، ولا يجامع، فلما أبيح للمضحي المقيم هذه الأمور المعتادة، فقد جاز له الأخذ من الشعر، والظفر من باب أولى؛ أي: فلما لم يكن مقصوده الإحرام في الحج، أو العمرة فلم يمنع من ذلك. ([114])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): (وهو أترك... – يعني: سعيد بن المسيب - لما رواه عن أم سلمة؛ وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي وأن ذلك مباح فحلق الشعر، والأظفار أحرى أن يكون مباحا). اهـ
قلت: فاستقر الأمر على سعيد بن المسيب / ترك حديث أم سلمة ڤ، وقال: لا بأس بالأخذ من الشعر والظفر في عشر ذي الحجة.([115])
فكان النبي r يضحي، ولم ينقل عنه أنه كان يمتنع من الأخذ من شعره، وأظفاره شيئا، ولو ثبت ذلك لنقل إلينا عن طريق صحابته y.
وكذلك الصحابة الكرام كانوا يضحون، ولم ينقل عنهم أنهم امتنعوا أن يأخذوا من شعورهم، وأظفارهم، وأبشارهم، بل ثبت عنهم النكير على من امتنع أن لا يأخذ من شعره، وظفره شيئا.
فالصواب: أن الذي يضحي لا يحرم عليه أن يأخذ شيئا من شعره، أو ظفره.
قلت: أيها المقلد إلا يعتزل المضحي النساء والطيب إذا أراد أن يضحي([116]):]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي r أنه قال: «إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره»؛ لأن في هذا الحديث النهي من أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره، أو من شعره كل من أراد أن يضحي والهدي في حكم الضحية.
وفي حديث عائشة ڤ؛ أن رسول الله r بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم، فهو معارض لأم سلمة، وهو أثبت منه وأصح.
لأن طائفة من أهل العلم بالنقل تقول: إن عمر بن مسلم شيخ مالك مجهول، يقول فيه شعبة، وبعض أصحاب مالك عن مالك: عمرو بن مسلم وكذلك قال فيه سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي r.
وقال فيه بن وهب عن مالك عن عمرو بن مسلم، وتابعه جماعة من أصحاب مالك.
وكذلك قال فيه محمد بن عمر عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص185): (فقال مالك: لا بأس بحلق الرأس، وقص الأظفار، والشارب، وحلق العانة في عشر ذي الحجة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثوري). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص221): (تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإحرام، وهذا المعنى الذي سبق له الحديث، وهو الحجة عند التنازع). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص186): عن مذهب الشافعي الصحيح: (قال الشافعي: فإن أخذ من شعره، أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة ڤ: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r... الحديث).اهـ
قلت: فصح أنه r كان يضحي، ويحض على الضحية، ولم يصح عنه r أنه كان يمتنع من الأخذ من الشعر والظفر، ولم ينقل عنه r ذلك بنقل صحيح الإسناد!.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (وعلى القول بحديث عائشة ڤ... جمهور أهل العلم، وأئمة الفتوى بالأمصار). اهـ
قلت: وهذا قول الإمام أبي حنيفة / وأصحابه، وقول الإمام مالك / وأصحابه، وقول الإمام الشافعي / وأصحابه. ([117])
قلت: فما شاع في البلدان الإسلامية على ألسنة المقلدة، والعامة([118]) من قولهم: أن من أراد أن يضحي وجب عليه أن يحرم، ولو بترك الأخذ من الشعر، والظفر، والجلد!.
فهذا مما لا صحة له إطلاقا، إذ لا إحرام إلا لمن أراد الحج، أو العمرة.
قلت: لهذا يجوز في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي أن يفعل سائر المباحات من الطيب، والجماع، واللباس، وإن احتاج إلى حلق شعره، أو تقليم ظفره فعل ذلك ولا فدية عليه، ولا كراهة فيه.
قلت: فلا يلزم العمل بحديث أم سلمة ڤ لضعفه، ويجب العمل بحديث عائشة لصحته، والعمل به في الأمصار.
فلا يمنع الأخذ من الشعر والظفر([119])، فإذا منع ذلك فالأولى المنع من الوطء وهو أغلظ من الشعر والظفر، وكذلك الأحرى من منع لبس الثياب، والطيب، والزينة، فإذا لم يمنع ذلك منه، فأحرى أن لا يمنع من الأخذ من الشعر والظفر([120])، واللهم غفرا. ([121])
قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج13 ص139): (قال أصحابنا هذا غلط، لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس، وغير ذلك مما يتركه المحرم). اهـ
وقال العلامة أبو يحيى الأنصاري / في «تحفة الباري» (ج2 ص415): (من أرسل الهدي إلى مكة لا يحرم بذلك على المحرم، وهو مذهب جمهور العلماء خلافا لابن عباس). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج9 ص70): (من بعث هديه لا يصير محرما، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافة). اهـ
وقال الإمام المازري / في «المعلم» (ج3 ص60): (مذهبنا أن الحديث – يعني: حديث أم سلمة - لا يلزم العمل به، واحتج أصحابنا([122])بقول عائشة ڤ: «كان النبي r يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم»، وظاهر هذا الإطلاق أنه لا يحرم تقليم الأظفار، ولا قص الشعر).اهـ
وقال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (ج5 ص338): (وهذا مذهب الجمهور). اهـ
قلت: كيف وأن تحريم النساء، والطيب، واللباس أمر يختص بالإحرام لا يتعلق بالأضحية، فمن باب أولى أن أخذ الشعر، وتقليم الظفر لا علاقة له بالأضحية.([123])
قال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج2 ص343): (وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب، كما يحرمان على المحرم، فدل ذلك على سبيل الندب والاستحباب، دون الحتم والإيجاب). اهـ
قلت: حتى إن الشافعية وغيرهم من المتأخرين، قالوا هو مكروه كراهة تنزيه، وليس بحرام، فلا بأس عندهم أن يأخذ من شعره وأظفاره حتى لو أراد أن يضحي. ([124])
قلت: وقد شاع عند المقلدة، والعامة في البلدان الإسلامية أن من أراد أن يضحي، فإنه ينبغي له أن يمسك عن الأخذ من الشعر، والظفر كالمحرم!.
وهذا القول ليس بصحيح، فلا إحرام إلا لمن أراد أن يحج، أو يعتمر.
قلت: وعائشة ڤ أفقه وأعلم بالسنة النبوية من أم سلمة ڤ؛ كما قال أهل العلم، ورسول الله ﷺ كان يضحي في كل سنة، وعن أهل بيته، ولم ينقل عنه ﷺ أنه كان يمسك عن شعره أو ظفره، أو غير ذلك، وهذا لا يخفى.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
من آثار السلف على أن من أمسك عن الشعر، أو الظفر، أو محظورات الإحرام إذا أراد أن يضحي وهو مقيم؛ فإنه ابتدع بدعة في الدين
1) عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: (أنه رأى رجلا متجردا بالعراق. فسأل الناس عنه. فقالوا: أنه أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد. قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فذكرت ذلك له. فقال: بدعة([125])، ورب الكعبة).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص340)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص267)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص233)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص434)، والحدثاني في «الموطأ» (ص454)، والقعنبي في «الموطأ» (ص381) من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره العيني في «عمده القاري» (ج8 ص202)، وابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص381)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص546).
2) وعن محمد بن إبراهيم، أن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أخبره: أنه رأى ابن عباس، وهو أمير على البصرة في زمان علي بن أبي طالب متجردا على منبر البصرة، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، فلقيت ابن الزبير فذكرت ذلك له، فقال: (بدعة ورب الكعبة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص120) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص546): (وروى مالك في «الموطأ» عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: (أنه رأى رجلا متجردا بالعراق، فسأل عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فذكرت له ذلك فقال: بدعة ورب الكعبة).
ورواه ابن أبي شيبة: عن الثقفي عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره: (أنه رأى ابن عباس ﭭ وهو أمير على البصرة في زمان علي رضي الله عنه متجردا على منبر البصرة فذكره)؛ فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك).اهـ
وقال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج8 ص202): (قال مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن ربيعة بن الهدير: (رأى رجلا متجردا بالعراق، فسأل عنه فقالوا: أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، فذكر ذلك لابن الزبير رضي الله عنه، فقال: بدعة ورب الكعبة)، وقال الطحاوي: لا يجوز عندنا أن يكون حلف ابن الزبير رضي الله عنه على ذلك إلا أنه قد علم أن السنة على خلافه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص174): (قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير، فذكرت له ذلك: فقال: بدعة ورب الكعبة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص233): (قد كان ابن الزبير يحلف إن فعل ما روي عن ابن عباس، وابن عمر ﭭ ([126])في هذا الباب بدعة ولا يجوز في العقول أن يحلف على أن ذلك بدعة؛ إلا وهو قد علم أن السنة خلاف ذلك). اهـ
قلت: فإذا كان الامتناع من الأخذ من الشعر، والظفر ليس من السنة، فهو بدعة، ولابد!.
لذلك السلف تركوا هذه الفتوى في القرون الفاضلة:
3) فعن شعيب قال: قال الزهري /: (أول من كشف العمي([127]) عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النبي r.
قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أن عائشة زوج النبي r، قالت: (إن كنت أفتل قلائد الهدي، هدي رسول الله r، فيبعث بهديه مقلدا، وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه) فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا بقولها وتركوا فتوى ابن عباس!).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص234) من طريق أبي يحيى عبد الكريم بن الهيثم، ثنا أبو اليمان الحمصي، أنا شعيب بن أبي حمزة، قال: قال الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح من نسخة أبي اليمان الحمصي.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص546): (نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس ﭭ؛ ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه: وأخرجه البيهقي من طريقه قال: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ)؛ فذكر الحديث عن عروة، وعمرة عنها قال: (فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ)). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2 ص268): (وأما قول ابن عباس ﭭ فقد خالفه: ابن مسعود، وعائشة، وأنس، وابن الزبير، وغيرهم، بل جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قاله، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عنه.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» من طريقه عنه قال: (أول من كشف كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة)؛ فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها.
وقال: (لما بلغ الناس قول عائشة ﭭ أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ).
وفيه دلالة على أن قوله كان مهجورا، ومن ثم لم يأخذ أحد من أئمة الأمصار المعروفين به). اهـ
وقال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص77): (وأخرج البيهقي في «سننه» عن شعيب قال: قال الزهري: (أول من كشف العمي([128]) عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ؛ فأخبرني عروة، وعمرة أن عائشة ﭭ قالت: (أني كنت لافتل قلائد هدي النبي r فيبعث بهديه مقلدا، وهو مقيم بالمدينة ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه)؛ فلما بلغ الناس قول عائشة ﭭ هذا أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ). اهـ
قلت: ولم يمتنع عن محظورات الإحرام إلا المحرم بالحج، أو العمرة، أما المقيم فلم يعرف عنه أن الشارع الحكيم منعه من الأخذ من الشعر، والظفر، وبشره، أو من محظورات الإحرام، ولأن المحرم لا يحل إلا بالرمي، والطواف بالبيت، وهذا لا يكون إلا في الحج، وأما المقيم لا يكون كذلك، ولا حاجة أن يحل؛ لأنه لا عنده كعبة، ولا غير ذلك، فكيف يجعله الشارع الحكيم يتشبه بالمحرم؟!، ويحل عن إحرامه بذبح أضحيته في يوم العيد؟!، وهو ليس بمحرم، ولا حاجة له بالإحرام وهو مقيم([129]): ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
4) فعن عروة بن الزبير قال: (دخل رجل على عائشة فقال إن ابن زياد قلد بدنه فتجرد؛ قالت عائشة ڤ فهل كانت له كعبة يطوف بها؟! قالوا: لا قالت: والله ما حل أحد من حج، ولا عمرة حتى يطوف بالبيت؛ ثم قالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r ثم يبعث بها فما يتقي، أو قالت: فما يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج17 ص227- التمهيد) من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص546- فتح الباري) من طريق هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة ڤ؛ وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة ڤ: (أوله كعبة يطوف بها!).
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص546- فتح الباري) من طريق يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة ڤ أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت: (إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي r ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص232) من طريق أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ڤ، أنها قالت: (إن كنت لأفتل قلائد هدي رسول الله r ثم يبعث بها وهو مقيم ما يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم، وكان بلغها أن زياد بن أبي سفيان أهدى وتجرد، قال: فقالت هل كان له كعبة يطوف بها؛ فإنا لا نعلم أحدا تحرم عليه الثياب تحل له حتى يطوف بالكعبة).
وإسناده صحيح.
وتابعه حسان بن إبراهيم حدثنا هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة ڤ.
أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج7 ص358) من طريق داود بن عمرو الضبي حدثنا حسان بن إبراهيم به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (5246) من طريق إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: (يا أم المؤمنين، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال([130]): فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس).
وفي رواية: لمسلم في «صحيحه» (1321) من طريق هشيم، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سمعت عائشة، وهي من وراء الحجاب تصفق، وتقول: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r بيدي، ثم يبعث بها وما يمسك عن شيء، مما يمسك عنه المحرم، حتى ينحر هديه).
وعن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته؛ (أن ابن زياد كتب إلى عائشة، أن عبد الله بن عباس، قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج، حتى ينحر الهدي، وقد بعثت بهديي، فاكتبي إلي بأمرك، قالت عمرة: قالت عائشة ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله r بيدي، ثم قلدها رسول الله r بيده، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله r شيء أحله الله له، حتى نحر الهدي).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1321) من طريق يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن عبد الله بن أبي بكر به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على مسلم» (ج6 ص433): (المحدثون اعتنوا بهذا الحديث حديث عائشة ڤ، ورووه بهذه الطرق، كأنه والله أعلم قد اشتهر رأي عبد الله بن عباس ﭭ: أن من بعث هديا أمسك عما يمسك منه الحاج، فلذلك صار الناس يتناقلون هذه السنة؛ لأن الدواعي تدعو إليها.
ولعل مأخذ عبد الله بن عباس ﭭ ظاهر الآية؛ حيث قال عز وجل: ]ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله[ [البقرة: 196]؛ لكن هذا فيما إذا كان الإنسان محرما بحج أو عمرة؛ فإنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله؛ كما هو ظاهر السياق.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم؛ فإنه لن يكون معصوما، قد يخطئ في الفهم، وقد لا يكون عنده من الشيء، وقد يحال بينه وبين الصواب، ولهذا كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»([131])). اهـ
قال مسلم في «صحيحه» (ج2 ص959)، ح: (1321): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته: أن ابن زياد كتب إلى عائشة ڤ أن عبد الله بن عباس ﭭ قال: فذكره.
هذا قد وهم فيه الإمام مسلم /؛ فقال: أن «ابن زياد» هو الذي كتب إلى عائشة ڤ.
والصحيح: هو «زياد بن أبي سفيان»، كما رواه يحيى بن يحيى الليثي في روايته.
هكذا قال مسلم في حديثه عن يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة: أن «ابن زياد» كتب إلى عائشة ڤ.
خالفه محمد بن عبد السلام: فرواه عن يحيى بن يحيى عن مالك بهذا الإسناد، وقال فيه: أن «زياد بن أبي سفيان» هو الذي كتب إلى عائشة ڤ.
وكذلك هو في «الموطأ» لمالك بن أنس من رواية يحيى بن يحيى الليثي، وأبي مصعب الزهري، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وكذلك رواه عبد الله بن يوسف، والقعنبي، وروح، والشافعي عن مالك بن أنس.
وقد أخرجه البخاري في «صحيحه» (1700) من طريق عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته أن «زياد بن أبي سفيان» كتب إلى عائشة ڤ به.
وهكذا: أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص340 و341)، وابن راهويه في «المسند» (1011)، والبغوي في «شرح السنة» (1819)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (398)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (3058)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص234)، وفي «معرفة السنن» (ج4 ص258)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1096).
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3ص545): (وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث أن: «ابن زياد» بدل قوله: أن «زياد بن أبي سفيان»، وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه). اهـ
قال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص77): (قال الحافظ أبو الحجاج المزي([132])، ومن خطه نقلت: هكذا وقع في كتاب مسلم: «أن ابن زياد»، ووقع في جميع الموطآت: «أن زياد بن أبي سفيان» كما وقع في البخاري). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج9 ص72): (هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم «أن ابن زياد» قال أبو علي الغساني، والمازري، والقاضي عياض، وجميع المتكلمين على: «صحيح مسلم» هذا غلط، وصوابه «أن زياد بن أبي سفيان» وهو المعروف بـ «زياد ابن أبيه»، وهكذا وقع على الصواب في «صحيح البخاري»، و«الموطأ»، و«سنن أبي داود» وغيرها من الكتب المعتمدة، ولأن: «ابن زياد»([133]) لم يدرك عائشة ڤ). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص220): (هكذا هذا الحديث في «الموطأ» عند جميع رواته فيما علمت)([134]). اهـ
5) وعن عائشة ڤ قالت: «أن النبي r أهدى مرة غنما مقلدة».
حديث صحيح
أخرجه ابن غيلان في «الغيلانيات» (626)، وابن قراجا في «معجم الشيوخ» (ص439)، وسفيان الثوري في «حديثه» (93)، والمراغي في «مشيخته» (ص268) من طريق منصور، والفضل بن دكين حدثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (1321)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص94) من طريق يحيى بن يحيى نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1701) من طريق أبي نعيم، وعبد الواحد عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ.
6) وعن عائشة ڤ قالت: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r بيدي هاتين، ثم يبعث بها لا يعتزل شيئا ولا يتركه؛ فلا يجتنب شيئا، قالت: ولا نعلم الحاج يحله إلا الطواف بالبيت).
حديث صحيح
أخرجه أبو القاسم البغوي في «حديثه» (259)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص128)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص283)، وابن راهويه في «المسند» (ج2 ص378)، والمراغي في «مشيخته» (ص349)، والسراج في «حديثه» (ج3 ص83)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ج2 ص768) من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه السراج في «حديثه» (ج3 ص84)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (ص102)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص85)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ج2 ص769)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص266)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص140)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (ص52)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (7390) من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ قالت: (فتلت قلائد هدي رسول الله r ثم لم يعتزل شيئا، ولم يتركه، إنا لا نعلم الحرام يحله إلا الطواف بالبيت).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1696)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص957)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص92)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص180) من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ڤ قالت: (فتلت قلائد بدن النبي r بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له).
وأخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)؛ ومن طريقه: أحمد في «المسند» (ج6 ص171) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن النخعي عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
7) وعن أبي العالية قال: سألت ابن عمر عن الرجل يبعث بهديه أيمسك عن النساء فقال ابن عمر: (ما علمنا المحرم يحل حتى يطوف بالبيت).
أثر صحيح
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص225) من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي العالية به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص225) من طريق معمر عن أيوب عن أبي العالية قال: سمعت ابن عمر يقول: (إذا بعث الرجل بالهدي فهو محرم والله لو كان محرما ما كان له حل دون أن يطوف بالبيت).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن علقمة عن عبد الله بن مسعود t: «كان يبعث بالبدن([135]) مع علقمة، ولا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص88) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن النخعي عن علقمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن أنس بن مالك t: «أنه كان يبعث بالهدي، ولا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ﭬ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن قتادة قال: «أن الحسن البصري كان يفتي بذلك، لا يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87 و88) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن سعيد بن المسيب، أنه قال: «لا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وهذه الأحاديث، والآثار مقدمة على كل قول بخلافها، وأن من أهدى إلى الحرم هديا أو أراد أن يضحي، وهو مقيم في بلده ليس بحاج ولا معتمر، فلا يحرم عليه شيء وهو مقيم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على شذوذ متن: أن الصحابة y إذا أراد الـمضحي أن يضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره
عن قتادة: أن كثير بن أبي كثير سأل سعيد بن المسيب: أن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان – يعني: كان يقول -: (إذا دخل عشر ذي الحجة، واشترى الرجل أضحيته، فسماها، لا يأخذ من شعره وأظفاره، فقال سعيد: قد أحسن، كان أصحاب رسول الله r يفعلون ذلك، أو يقولون ذلك).
هكذا على الشك: بالفعل، أو القول!.
أثر منكر
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص142) من طريق وهب بن جرير، حدثنا هشام بن أبي عبد الله، عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه كثير بن أبي كثير البصري مولى عبدالرحمن بن سمرة ([136])، وهو مجهول، ويخالف الثقات، لذلك لم يوثقه إلا العجلي في «معرفة الثقات» (ج2 ص226)، وابن حبان في «الثقات» (ج5 ص332).
فهذا إسناد ضعيف، والأثر منكر.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص809): «مقبول»؛ أي: حيث يتابع، وإلا فلين الحديث، ولا يوجد له أي متابع في هذا الأثر، فالإسناد ضعيف.
وكذلك خالف من هو أوثق منه، وأحفظ منه في ذكره أن الصحابة y يرون خلاف ما ذكرنا عنهم أنهم لم يمنعوا المضحي إذا أراد أن يضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره، كما سبقت الروايات في ذلك.
فهو أثر منكر.
قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج13 ص300): (كثير مولى ابن سمرة: مجهول، ولو كان مشهورا بالثقة، والحفظ لما خالفنا هذا الخبر، وقد أوقفه بعض رواته على أبي هريرة t) ([137]). اهـ
وتجريح ابن حزم هذا نقله الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص410)؛ وأقره، حيث قال: (قال ابن حزم: مجهول).
وقال الحافظ عبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (ج3 ص196): (كثير مولى بني سمرة مجهول، قاله: علي بن أحمد) ([138])؛ يعني: ابن حزم.
لذلك ذكره الحافظ العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج 4 ص1175)؛ لضعفه في الحديث.
وقد أعل الحافظ البخاري، كما في «السنن» للترمذي (ج3 ص481)؛ حديثا، لكثير بن أبي كثير هذا بالوقف، وهذا يدل على ضعفه عنده في الحديث. ([139])
لذلك ذكره الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص211)؛ ولم يذكر فيه جرحا وتعديلا، فهو مجهول عنده.
ويؤكد على هذا أن الحافظ ابن أبي حاتم ذكره في «الجرح والتعديل» (ج7 ص156)؛ ولم يذكر فيه جرحا وتعديلا أيضا، مما يدل على جهالته.
وكثير بن أبي كثير البصري هذا: لم يوثقه الحافظ يحيى بن معين في «التاريخ» (ج2 ص495).
وتابعه سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن كثير بن أبي كثير: (أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان: أن الرجل إذا اشترى أضحيته وسماها، ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: نعم، قلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد r).
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص143) من طريق مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة به.
قلت: وهذا سنده منكر كسابقه فيه كثير بن أبي كثير البصري مولى عبدالرحمن بن سمرة، وهو مجهول، منكر الحديث لا يحتج به في الحديث. ([140])
والخبر مرسل أيضا بإسناد ضعيف، وليس بمحفوظ.
ورواه بكر بن حماد نا مسدد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة نا ابن أبي كثير أن يحيى بن يعمر كان يفتي فذكره.
أخرجه ابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج6 ص28).
فأسقط قتادة عنه، وهو إسناد مرسل.
وهذا يدل على الاضطراب أيضا.
قلت: وهذا خلاف ما عليه آثار الصحابة y في عدم منع المضحي من الإمساك عن الشعر والأظفار إذا أراد أن يضحي، لأنه ليس بمحرم، ولا يشبه المحرم، ولو كان يشبه المحرم لكان أولى أن يمسك عن الجماع، والطيب، والنكاح، وغير ذلك من محظورات الإحرام.
فهو أثر منكر لا يصح عن الصحابة y.
قلت: والخبر المنكر: هو الخبر الذي يرويه الضعيف مخالفا للثقة. ([141])
وذكره الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» (ج10 ص445) عن مسدد حدثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة بن الحجاج عن قتادة، في الإسناد هذا خطأ هنا، وقد تصحف عنده من طريق مسدد به، إلا أنه جعل «شعبة بن الحجاج»، بدل: «سعيد بن أبي عروبة»، وهذا غلط، وصوابه: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وهو عند مسدد في «مسنده» على الوجه الصحيح.
أخرجه مسدد في «مسنده» (ج7 ص63 – إتحاف الخيرة) من طريق يزيد بن زريع ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به؛ وهو الصواب.
ومن هذا الوجه ذكره البوصيري في «إتحاف الخيرة» (ج7 ص63).
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص221) من طريق شعبة قال: سمعت قتادة يحدث قال: جاء رجل من العتك فحدث سعيد بن المسيب أن يحيى بن يعمر يقول: (من اشترى أضحية في العشر؛ فلا يأخذ من شعره، وأظفاره؛ قال سعيد: نعم، فقلت: عن من يا أبا محمد؟؛ قال: عن أصحاب رسول الله r).
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه رجل لم يسم، وهو الرجل من العتك، فبين قتادة، وبين سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر: رجل مبهم، وهو مرسل من قبل قتادة فإنه مكثر من الإرسال عن مثل: «سعيد بن المسيب»، و«يحيى بن يعمر»، وغيرهما.([142])
لذلك ذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج16 ص459) في «المبهمات» من أجل هذا الرجل المبهم.([143])
فقال الحافظ ابن حجر: (حديث: «جاء رجل من العتيك، فحدث سعيد بن المسيب، أن يحيى بن يعمر يقول: من اشترى أضحية في العشر، فلا يأخذ من شعره وأظفاره، قال سعيد: نعم، فقلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد r»).
وإسناده فيه رجل لم يسم، وهو قوله: «جاء رجل من العتيك». ([144])
وقال أحمد بن محمد الأثرم: قلت؛ لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: قتادة سمع يحيى بن يعمر قال: لا أدري، قد روى عنه، وقد روى عن رجل عن يحيى بن يعمر).([145])
وقال أبوداود في «سؤالاته» (ص411): سمعت أحمد يقول: (أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي؟، قد أدخل بينه، وبين سعيد بن المسيب نحوا من عشرة رجال لا يعرفون!).
وقال عبدالله بن أحمد في «العلل» (ج3 ص322): سمعت أبي يقول: (هؤلاء الرجال ما أدخل قتادة بينه، وبين سعيد بن المسيب، ثم ذكرهم).
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني في «مسائله» (ص465): (قال أحمد: قد عددت عشرة رجال بين قتادة، وبين سعيد بن المسيب، يروي عنهم قتادة عن سعيد أحاديث).
قلت: قتادة بن دعامة السدوسي قد أرسل عن سعيد بن المسيب في كثير من الأحاديث، ولم يسمع منه، فينبغي التأكد هل سمع منه أولا، والتأكد من نقله عن سعيد بن المسيب.
قال أبو داود في «سؤالاته» (ص227): سمعت: أحمد سأله رجل عن حديث لسعيد بن المسيب، فقال أحمد: (يحيى عن سعيد أصح من قتادة عن سعيد، أي شيء يصنع بقتادة).
وقال إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» (ج1 ص319 - التهذيب):؛ سمعت: علي بن المديني: يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفا شديدا، وقال: أحسب أن أكثرها بين قتادة، وسعيد بن المسيب فيها رجال).
قلت: وهذا الخبر لم يوافق قتادة لأحد من الثقات فلا يقبل منه.
فعن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: سمعت سعيد بن المسيب / يقول: (كل حديث حدثكموه - يعني: قتادة - فلا يوافقه عليه غيره لا تقبلوه منه).([146])
وهذا الأثر: قد اضطرب فيه قتادة بن دعامة، فمرة يقول: «أن كثير بن أبي كثير سأل سعيد بن المسيب: أن يحيى بن يعمر يفتي بخراسان»، ومرة يقول: «عن كثير بن أبي كثير: أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان»، ومرة يقول: «جاء رجل من العتك فحدث سعيد بن المسيب: أن يحيى بن يعمر يقول»، ومرة: «فقلت: يعني الرجل المبهم – عمن يا أبا محمد،قال: عن أصحاب رسول الله r»، ومرة: «قال قتادة: عمن يا أبا محمد، قال: عن أصحاب رسول الله r»، ومرة يقول: «قال سعيد بن المسيب: كان أصحاب رسول الله r يفعلون ذلك، أو يقولون ذلك» على الشك.
قلت: وهذا يدل على اضطراب قتادة في الأثر من جهة إسناده ومتنه، مع أنه لم يسمعه من سعيد بن المسيب، مع ضعف إسناده.
ثم أن قتادة خالف: ما رواه هو نفسه عن سعيد بن المسيب في فتاواه الصحيحة التي وافقت الصحابة y.
فعن سعيد بن المسيب / أنه قال: (لا يمسك عما يمسك عنه المحرم).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87) من طريق غندر، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح متصل.
وهذا أصح من الإسناد الآخر، لأن قتادة أتى به على وجهه الصحيح، فهو المحفوظ عن سعيد بن المسيب.
وقد رواه عن قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وهو ثبت في قتادة، وقد روى السند الموصول عنه. ([147])
قال أبو داود الطيالسي: (كان سعيد بن أبي عروبة أحفظ أصحاب قتادة). ([148])
وقال أبو حاتم: (وكان أعلم الناس بحديث قتادة). ([149])
وغندر ثقة ثبت، قد روى عن سعيد بن أبي عروبة قبل أن يستحكم في الاختلاط، ولم يطبق به.
فإن عامة الرواة عن سعيد بن أبي عروبة: سمعوا منه قبل استحكام اختلاطه، فما كان من صحيح حديثه أخذوه، وما لم يكن صحيحا طرحوه. ([150])
ويؤيد ذلك: أن سعيد بن أبي عروبة أثبت الناس في قتادة، وقد رواه هذا الأثر.
وهذه قرينة أن غندرا سمع منه هذا الأثر قبل اختلاطه المستحكم فيه، ومما تميز لديه.
قال ابن الجنيد في «سؤالاته» (ص290): (قلت: ليحيى بن معين: غندر سمع من سعيد بن أبي عروبة في الاختلاط أو قبل؟ فقال لي يحيى: زعموا أنه لم يسمع منه إلا في الصحة، وأن أول من عرف اختلاط سعيد بن أبي عروبة: غندر). اهـ
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل» (ج1 ص201): (سمعت عبدان الأهوازي يقول: سمعت عمرو بن العباس يقول: كتبت عن غندر حديثه كله؛ إلا حديث سعيد بن أبي عروبة، كان عبد الرحمن بن مهدي نهاني أن أكتبه، وقال: سمع سعيدا بعد الاختلاط، ذكرت هذه الحكاية لابن مكرم بالبصرة وكأنه أنكره، وقال: سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت غندر يقول: ما أتيت شعبة حتى فرغت من سعيد بن أبي عروبة).اهـ
وكل ما تقدم تبين لنا صحة رواية: غندر عن سعيد بن أبي عروبة.
وقد روى له مسلم في «صحيحه» (2279) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس t به.
وقد ذكر له متابعات مما يدل أنه وافق الثقات في الحديث، ولم يخالف.
وبذلك لا يبقى أدنى شك في إثبات صحة رواية غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قلت: ومن خلال ما تقدم من الكلام تبين لنا أن هذا الأثر لا غبار على صحته، وذلك لأن غندرا قد وافق الثقات: «في أن المضحي لا يمسك عما يمسك عنه المحرم»، كما سبق ذلك.
فقتادة قد اضطرب في سنده ومتنه: اضطرابا شديدا([151])، كما سبق، وهذا من دلائل ضعفه.
وقد زاد فيه ماليسمنه، فأدرج في الأثر عن سعيد بن المسيب، ووهم في ذلك.
وهذا الخطأ؛ إذ وقفه على الصحابة y، وهو وهم، والمحفوظ عنهم خلاف ذلك: «وأن المضحي لا يمسك عما يمسك عنه المحرم»، كما سبق.
وقد ذكر الحافظ الدارقطني في «العلل الواردة في الأحاديث» (ج9 ص463) هذا الاضطراب؛ فمرة: عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي r مرفوعا، ومرة: عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة موقوفا، ومرة: عن قتادة عن سعيد بن المسيب من قوله، ومرة: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن يحيى بن يعمر من قوله، ومرة: روي مرسلا.([152])
وكذلك خالف قتادة: ما قاله سعيد بن المسيب عن حديث أم سلمة ڤ: (هذا حديث قد نسي وترك) ([153])
قلت: وكان سعيد بن المسيب /، أحيانا ينكر على أصحابه الذين يحدثون عنه الأحاديث بالغلط.
مثل: إنكاره على عطاء الخرساني.
فعن القاسم بن عاصم قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن عطاء الخراساني حدثني عنك: (أن النبي r أمر الذي وقع على امرأته في رمضان بكفارة الظهار؛ فقال سعيد بن المسيب: كذب علي عطاء، ما حدثته، إنما بلغني أن النبي r قال له: تصدق تصدق). ([154])
قال الحافظ الترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص705): (وبعض أصحاب سعيد بن المسيب يقول: سألت سعيدا عن هذا الحديث فقال: كذب علي عطاء الخرساني. لم أحدث هكذا).
قلت: ولا ينظر فقط في عنعنة قتادة عن سعيد بن المسيب وغيره، بل لابد من النظر فيما غلط فيه من المتن على سعيد بن المسيب، لأنه قد يروي قتادة عنه خلاف ذلك، كما في حديثنا هذا، فإن قتادة غلط في نقله عن سعيد بن المسيب، وقد روي خلاف ذلك.
فقد روى قتادة عن سعيد بن المسيب / أنه قال: (إذا أقام أربعا صلى أربعا). يعني: في السفر. ([155])
فإن قتادة لم يسمعه منه، أخذه عن عطاء الخرساني.
فعن عطاء بن عبدالله الخرساني عن ابن المسيب قال: (إذا أقمت بأرض أربعا، فصل أربعا). ([156])
قال الترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص706): (روى عطاء الخرساني، عن سعيد بن المسيب / قال: «إذا أقام أربعا صلى أربعا».
وروى داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب خلاف هذا.
فعن داود بن أبي هند عن ابن المسيب قال: (إذا أزمعت بقيام خمس عشرة ليلة فأتم).
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج2 ص95): (وروى عنه داود بن أبي هند خلاف هذا). ([157])
قلت: فإن قتادة روى عن سعيد بن المسيب / قال: «إذا أقام أربعا صلى أربعا»؛ مثل: ما روى عطاء.
قال محمد البخاري: أرى قتادة أخذه عن عطاء).اهـ
قلت: ولم يسمع قتادة من سعيد بن المسيب؛ إلا عددا من الأحاديث، والباقي يرسلها؛ يعني: أحيانا يروي مرسلا عنه.
لذلك؛ قال الإمام أحمد /: (أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب ما أدري كيف هي؟ قد أدخل بينه، وبين سعيد بن المسيب نحوا من عشرة رجال لا يعرفون).([158])
قلت: كما هو هنا، فإن قتادة يروي عن رجل مبهم لايعرف.
وقد استنكر الإمام البخاري / أحاديث رواها قتادة عن سعيد بن المسيب، لم يسمعها منه. ([159])
قلت: قتادة لم يسمع من سعيد بن المسيب مطلقا، إلا بعض الأحاديث كما سوف يأتي ذكرها.
فلعله بلغه عن سعيد بن المسيب، فاشتبه أن يكون بلغه عنه فرواه عنه.
قال الحافظ الباجي / في «التعديل والتجريح» (ج1 ص295): (وقد ينقل الحديث ثقة عن ثقة، وهو ضعيف؛ أي: والحديث ضعيف – إما: لإرسال دخله، لأن الناقل لم يأخذ عن المنقول عنه، وإن كان عاصره... وقد يكون الحديث: يرويه الثقة عن الثقة، ولا يكون صحيحا؛ لعلة دخلته من جهة غلط الثقة فيه([160])، وهذه الوجوه كلها لا يعرفها إلا من كان من أهل العلم بهذا الشأن، وتتبع طرق الحديث، واختلاف الرواة فيه، وعرف الأسماء والكنى). اهـ
قلت: الحافظ البخاري لم يرو عن قتادة عن سعيد بن المسيب([161])، إلا أربعة أحاديث وهي([162]):
الأول: فقد روى شعبة بن الحجاج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن جابر t به في: (بيعة النبي r في الحديبية).
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ في كتاب: «المغازي»؛ باب: «غزوة الحديبية» (ج7 ص507)؛ الحديث رقم: (4153).
الثاني: روى شعبة بن الحجاج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر ﭭ به حديث: (الميت يعذب في قبره).
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ في كتاب: «الجنائز»؛ باب: «ما يكره من النياحة» (ج3 ص191)؛ الحديث رقم: (1292).
الثالث: روى شعبة بن الحجاج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (لقد رأيت الشجرة، ثم أتيتها بعد فلم أعرفها).
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ في كتاب: «المغازي»؛ باب: «غزوة الحديبية» (ج7 ص512)؛ الحديث رقم: (4162).
الرابع: روى هشام، وشعبة، قالا: حدثنا قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس ﭭ، قال: قال النبي r: (العائد في هبته كالعائد في قيئه).
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ في كتاب: «الهبة»؛ باب: «لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته» (ج3 ص924) والحديث رقم: (2478).
وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب، أو: يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: «لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع الناس فلم ينه عنه».([163])
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا؛ في كتاب: «الطب»؛ باب: «هل يستخرج السحر» (ج5 ص2175).
قلت: والحافظ مسلم / لم يرو عن قتادة عن سعيد بن المسيب؛ إلا أربعة أحاديث، وهي:
الأول: روى شعبة بن الحجاج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب عن النبي r: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه).
أخرجه مسلم في «صحيحه»؛ في كتاب: «الجنائز» (ج2 ص639)؛ الحديث رقم: (17).
الثاني: روى شعبة بن الحجاج عن سعيد بن المسيب عن عائشة ڤ حديث: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم).
أخرجه مسلم في «صحيحه»؛ في كتاب: «الحج» (ج2 ص856)؛ الحديث رقم: (67).
الثالث: روى شعبة بن الحجاج عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه: (لقد رأيت الشجرة، ثم أتيتها بعد فلم أعرفها).
أخرجه مسلم في «صحيحه»؛ في كتاب: «الإمارة» (ج3 ص1486)؛ الحديث رقم: (79).
الرابع: عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أن معاوية t قال: (ذات يوم إنكم قد أحدثتم زي سوء، وإن النبي r نهى عن الزور).
أخرجه مسلم في «صحيحه»؛ في كتاب: «اللباس والزينة» (ج3 ص1680)؛ الحديث رقم: (124).
قلت: ورواية شعبة عن قتادة محمولة على السماع، وإن عنعن في الإسناد.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
من آثار السلف على أنه يجوز للمضحي أن يأخذ من الشعر، والظفر، وغير ذلك إذا أراد أن يضحي وهو مقيم، وقد أجمع الصحابة على هذا الحكم
1) عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: (أنه رأى رجلا متجردا بالعراق. فسأل الناس عنه. فقالوا: أنه أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد. قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير t، فذكرت ذلك له. فقال: بدعة([164])، ورب الكعبة).
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص340)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص267)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص233)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (ج1 ص434)، والحدثاني في «الموطأ» (ص454)، والقعنبي في «الموطأ» (ص381) من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره العيني في «عمده القاري» (ج8 ص202)، وابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص381)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص546).
2) وعن محمد بن إبراهيم، أن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أخبره: أنه رأى ابن عباس، وهو أمير على البصرة في زمان علي بن أبي طالب متجردا على منبر البصرة، فسأل الناس عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، فلقيت ابن الزبير فذكرت ذلك له، فقال: (بدعة ورب الكعبة).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص120) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص546): (وروى مالك في «الموطأ» عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: (أنه رأى رجلا متجردا بالعراق، فسأل عنه، فقالوا: إنه أمر بهديه أن يقلد قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير t، فذكرت له ذلك فقال: بدعة ورب الكعبة).
ورواه ابن أبي شيبة: عن الثقفي عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره: (أنه رأى ابن عباس ﭭ وهو أمير على البصرة في زمان علي t متجردا على منبر البصرة فذكره)؛ فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك). اهـ
وقال الإمام العيني / في «عمدة القاري» (ج8 ص202): (قال مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن ربيعة بن الهدير: (رأى رجلا متجردا بالعراق، فسأل عنه فقالوا: أمر بهديه أن يقلد، فلذلك تجرد، فذكر ذلك لابن الزبير t، فقال: بدعة ورب الكعبة)، وقال الطحاوي: لا يجوز عندنا أن يكون حلف ابن الزبير t على ذلك إلا أنه قد علم أن السنة على خلافه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص174): (قال ربيعة: فلقيت عبد الله بن الزبير، فذكرت له ذلك: فقال: بدعة ورب الكعبة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص233): (قد كان ابن الزبير يحلف إن فعل ما روي عن ابن عباس، وابن عمر ﭭ ([165])في هذا الباب بدعة ولا يجوز في العقول أن يحلف على أن ذلك بدعة؛ إلا وهو قد علم أن السنة خلاف ذلك). اهـ
قلت: فإذا كان الامتناع من الأخذ من الشعر، والظفر ليس من السنة، فهو بدعة، ولابد!.
لذلك السلف تركوا هذه الفتوى في القرون الفاضلة:
3) فعن شعيب قال: قال الزهري /: (أول من كشف العمي([166]) عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة زوج النبي r.
قال الزهري: فأخبرني عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أن عائشة زوج النبي r، قالت: (إن كنت أفتل قلائد الهدي، هدي رسول الله r، فيبعث بهديه مقلدا، وهو مقيم بالمدينة، ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه) فلما بلغ الناس قول عائشة ڤ هذا أخذوا بقولها وتركوا فتوى ابن عباس!).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص234) من طريق أبي يحيى عبد الكريم بن الهيثم، ثنا أبو اليمان الحمصي، أنا شعيب بن أبي حمزة، قال: قال الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح من نسخة أبي اليمان الحمصي.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص546): (نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس ﭭ؛ ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب عنه: وأخرجه البيهقي من طريقه قال: (أول من كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ)؛ فذكر الحديث عن عروة، وعمرة عنها قال: (فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ)). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «التعليق الممجد» (ج2 ص268): (وأما قول ابن عباس ﭭ فقد خالفه: ابن مسعود، وعائشة، وأنس، وابن الزبير، وغيرهم، بل جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قاله، ففي نسخة أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عنه.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» من طريقه عنه قال: (أول من كشف كشف العمي عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة)؛ فذكر الحديث عن عروة وعمرة عنها.
وقال: (لما بلغ الناس قول عائشة ﭭ أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ).
وفيه دلالة على أن قوله كان مهجورا، ومن ثم لم يأخذ أحد من أئمة الأمصار المعروفين به). اهـ
وقال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص77): (وأخرج البيهقي في «سننه» عن شعيب قال: قال الزهري: (أول من كشف العمي([167]) عن الناس، وبين لهم السنة في ذلك عائشة ڤ؛ فأخبرني عروة، وعمرة أن عائشة ﭭ قالت: (أني كنت لافتل قلائد هدي النبي r فيبعث بهديه مقلدا، وهو مقيم بالمدينة ثم لا يجتنب شيئا حتى ينحر هديه)؛ فلما بلغ الناس قول عائشة ﭭ هذا أخذوا به، وتركوا فتوى ابن عباس ﭭ). اهـ
قلت: ولم يمتنع عن محظورات الإحرام إلا المحرم بالحج، أو العمرة، أما المقيم فلم يعرف عنه أن الشارع الحكيم منعه من الأخذ من الشعر، والظفر، وبشره، أو من محظورات الإحرام، ولأن المحرم لا يحل إلا بالرمي، والطواف بالبيت، وهذا لا يكون إلا في الحج، وأما المقيم لا يكون كذلك، ولا حاجة أن يحل؛ لأنه لا عنده كعبة، ولا غير ذلك، فكيف يجعله الشارع الحكيم يتشبه بالمحرم؟!، ويحل عن إحرامه بذبح أضحيته في يوم العيد؟!، وهو ليس بمحرم، ولا حاجة له بالإحرام وهو مقيم([168]): ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
4) فعن عروة بن الزبير قال: (دخل رجل على عائشة فقال إن ابن زياد قلد بدنه فتجرد؛ قالت عائشة ڤ فهل كانت له كعبة يطوف بها؟! قالوا: لا قالت: والله ما حل أحد من حج، ولا عمرة حتى يطوف بالبيت؛ ثم قالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r ثم يبعث بها فما يتقي، أو قالت: فما يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج17 ص227- التمهيد) من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص546- فتح الباري) من طريق هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة ڤ؛ وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة ڤ: (أوله كعبة يطوف بها!).
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وأخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج3 ص546- فتح الباري) من طريق يعقوب حدثنا هشام عن أبيه بلغ عائشة ڤ أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت: (إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي r ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص232) من طريق أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ڤ، أنها قالت: (إن كنت لأفتل قلائد هدي رسول الله r ثم يبعث بها وهو مقيم ما يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم، وكان بلغها أن زياد بن أبي سفيان أهدى وتجرد، قال: فقالت هل كان له كعبة يطوف بها؛ فإنا لا نعلم أحدا تحرم عليه الثياب تحل له حتى يطوف بالكعبة).
وإسناده صحيح.
وتابعه حسان بن إبراهيم حدثنا هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن عائشة ڤ.
أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج7 ص358) من طريق داود بن عمرو الضبي حدثنا حسان بن إبراهيم به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (5246) من طريق إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق: أنه أتى عائشة، فقال لها: (يا أم المؤمنين، إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس، قال([169]): فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله، حتى يرجع الناس).
وفي رواية: لمسلم في «صحيحه» (1321) من طريق هشيم، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سمعت عائشة، وهي من وراء الحجاب تصفق، وتقول: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r بيدي، ثم يبعث بها وما يمسك عن شيء، مما يمسك عنه المحرم، حتى ينحر هديه).
وعن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته؛ (أن ابن زياد كتب إلى عائشة، أن عبد الله بن عباس، قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج، حتى ينحر الهدي، وقد بعثت بهديي، فاكتبي إلي بأمرك، قالت عمرة: قالت عائشة ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلت قلائد هدي رسول الله r بيدي، ثم قلدها رسول الله r بيده، ثم بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله r شيء أحله الله له، حتى نحر الهدي).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1321) من طريق يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن عبد الله بن أبي بكر به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على مسلم» (ج6 ص433): (المحدثون اعتنوا بهذا الحديث حديث عائشة ڤ، ورووه بهذه الطرق، كأنه والله أعلم قد اشتهر رأي عبد الله بن عباس ﭭ: أن من بعث هديا أمسك عما يمسك منه الحاج، فلذلك صار الناس يتناقلون هذه السنة؛ لأن الدواعي تدعو إليها.
ولعل مأخذ عبد الله بن عباس ﭭ ظاهر الآية؛ حيث قال عز وجل: ]ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله[ [البقرة: 196]؛ لكن هذا فيما إذا كان الإنسان محرما بحج أو عمرة؛ فإنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله؛ كما هو ظاهر السياق.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم؛ فإنه لن يكون معصوما، قد يخطئ في الفهم، وقد لا يكون عنده من الشيء، وقد يحال بينه وبين الصواب، ولهذا كان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»([170])). اهـ
قال مسلم في «صحيحه» (ج2 ص959)، ح: (1321): حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته: أن ابن زياد كتب إلى عائشة ڤ أن عبد الله بن عباس ﭭ قال: فذكره.
هذا قد وهم فيه الإمام مسلم /؛ فقال: أن «ابن زياد» هو الذي كتب إلى عائشة ڤ.
والصحيح: هو «زياد بن أبي سفيان»، كما رواه يحيى بن يحيى الليثي في روايته.
هكذا قال مسلم في حديثه عن يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة: أن «ابن زياد» كتب إلى عائشة ڤ.
خالفه محمد بن عبد السلام: فرواه عن يحيى بن يحيى عن مالك بهذا الإسناد، وقال فيه: أن «زياد بن أبي سفيان» هو الذي كتب إلى عائشة ڤ.
وكذلك هو في «الموطأ» لمالك بن أنس من رواية يحيى بن يحيى الليثي، وأبي مصعب الزهري، ومحمد بن الحسن الشيباني.
وكذلك رواه عبد الله بن يوسف، والقعنبي، وروح، والشافعي عن مالك بن أنس.
وقد أخرجه البخاري في «صحيحه» (1700) من طريق عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته أن «زياد بن أبي سفيان» كتب إلى عائشة ڤ به.
وهكذا: أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص340 و341)، وابن راهويه في «المسند» (1011)، والبغوي في «شرح السنة» (1819)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (398)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (3058)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص234)، وفي «معرفة السنن» (ج4 ص258)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1096).
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3ص545): (وقع عند مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك في هذا الحديث أن: «ابن زياد» بدل قوله: أن «زياد بن أبي سفيان»، وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه). اهـ
قال الفقيه الزركشي / في «الإجابة» (ص77): (قال الحافظ أبو الحجاج المزي([171])، ومن خطه نقلت: هكذا وقع في كتاب مسلم: «أن ابن زياد»، ووقع في جميع الموطآت: «أن زياد بن أبي سفيان» كما وقع في البخاري). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج9 ص72): (هكذا وقع في جميع نسخ صحيح مسلم «أن ابن زياد» قال أبو علي الغساني، والمازري، والقاضي عياض، وجميع المتكلمين على: «صحيح مسلم» هذا غلط، وصوابه «أن زياد بن أبي سفيان» وهو المعروف بـ «زياد ابن أبيه»، وهكذا وقع على الصواب في «صحيح البخاري»، و«الموطأ»، و«سنن أبي داود» وغيرها من الكتب المعتمدة، ولأن: «ابن زياد»([172]) لم يدرك عائشة ڤ). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج17 ص220): (هكذا هذا الحديث في «الموطأ» عند جميع رواته فيما علمت)([173]). اهـ
5) وعن عائشة ڤ قالت: «أن النبي r أهدى مرة غنما مقلدة».
حديث صحيح
أخرجه ابن غيلان في «الغيلانيات» (626)، وابن قراجا في «معجم الشيوخ» (ص439)، وسفيان الثوري في «حديثه» (93)، والمراغي في «مشيخته» (ص268) من طريق منصور، والفضل بن دكين حدثنا الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (1321)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص94) من طريق يحيى بن يحيى نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1701) من طريق أبي نعيم، وعبد الواحد عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة ڤ.
6) وعن عائشة ڤ قالت: (كنت أفتل قلائد هدي رسول الله r بيدي هاتين، ثم يبعث بها لا يعتزل شيئا ولا يتركه؛ فلا يجتنب شيئا، قالت: ولا نعلم الحاج يحله إلا الطواف بالبيت).
حديث صحيح
أخرجه أبو القاسم البغوي في «حديثه» (259)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص128)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص283)، وابن راهويه في «المسند» (ج2 ص378)، والمراغي في «مشيخته» (ص349)، والسراج في «حديثه» (ج3 ص83)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ج2 ص768) من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه السراج في «حديثه» (ج3 ص84)، وأبو العباس الأصم في «حديثه» (ص102)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص85)، وابن غيلان في «الغيلانيات» (ج2 ص769)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص266)، وفي «مشكل الآثار» (ج14 ص140)، وأبو بكر العكري في «الفوائد» (ص52)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (7390) من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ڤ قالت: (فتلت قلائد هدي رسول الله r ثم لم يعتزل شيئا، ولم يتركه، إنا لا نعلم الحرام يحله إلا الطواف بالبيت).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1696)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص957)، والبغوي في «شرح السنة» (ج7 ص92)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص180) من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ڤ قالت: (فتلت قلائد بدن النبي r بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له).
وأخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)؛ ومن طريقه: أحمد في «المسند» (ج6 ص171) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن النخعي عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
7) وعن أبي العالية قال: سألت ابن عمر عن الرجل يبعث بهديه أيمسك عن النساء فقال ابن عمر: (ما علمنا المحرم يحل حتى يطوف بالبيت).
أثر صحيح
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص225) من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي العالية به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج17 ص225) من طريق معمر عن أيوب عن أبي العالية قال: سمعت ابن عمر يقول: (إذا بعث الرجل بالهدي فهو محرم والله لو كان محرما ما كان له حل دون أن يطوف بالبيت).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن علقمة عن عبد الله بن مسعود t: «كان يبعث بالبدن([174]) مع علقمة، ولا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص100)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص88) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن النخعي عن علقمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن أنس بن مالك t: «أنه كان يبعث بالهدي، ولا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ﭬ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن قتادة قال: «أن الحسن البصري كان يفتي بذلك، لا يمسك عن شيء مما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87 و88) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن سعيد بن المسيب، أنه قال: «لا يمسك عما يمسك عنه المحرم».
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن أبي عروبة في «المناسك» (ص99)؛ ومن طريقه: ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج4 ص87) من طريق غندر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وهذه الأحاديث، والآثار مقدمة على كل قول بخلافها، وأن من أهدى إلى الحرم هديا أو أراد أن يضحي، وهو مقيم في بلده ليس بحاج ولا معتمر، فلا يحرم عليه شيء وهو مقيم.
([5]) يعني: أكثر العلماء من المتقدمين والمتأخرين على أن المضحي لا يمتنع من الأخذ من شعره، وظفره في عشر ذي الحجة الأولى.
([6]) قلت: أن الذي جعل العامة يصل لهم هذا الجهل في الدين حتى تركوا الطيب والزينة في أثناء عشر ذي الحجة... هو كون الخطباء، والوعاظ وغيرهم يفتون لهم في عشر ذي الحجة بالتحريم من الأخذ من الشعر والظفر.
فالبدعة تجر إلى بدعة أخرى، ولابد.
ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير، لكي يسلكوه في هذا الحكم، وأنه لا تحريم، ولا كراهة في حلق الشعر، وقلم الظفر لمن أراد أن يضحي.
([7]) قلت: فالإحرام يمنع المحرم الاستمتاع بكل حال منعا مؤكدا في طول المدة المحددة في الحج، أو العمرة، ولم يمنع المضحي من الاستمتاع وهو مقيم في بلده.
ويستحيل أن النبي r يمنع المضحي من أخذه من شعره وظفره، ولا يمنعه من الجماع، وغيره الذي هو أشد في المنع!.
والشارع الحكيم لا يمكن أن يجزئ محظورات الإحرام، فيحل بعضها، ويحرم بعضها على المضحي.
فمحظورات الإحرام لا تتجزأ، فأما أن تحرم على المضحي كلها، أو تحل له كلها، فافهم لهذا ترشد.
([10]) فأحيانا يعبرون بـ «لحوم الهدي»، وأحيانا بـ «لحوم الأضحية» ولا فرق عند السلف، فيجب القول بقولهم.
([11]) بل الهدي هنا «الأضحية» في لغة العرب، كما صرح بذلك جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وبقية الصحابة الكرام.
([12]) بل النبي r قبل حجة الوداع كان يضحي عشر سنوات في المدينة باسم «الهدي»، والمراد: «الأضحية» في المسمى، ولا فرق كما بينت عائشة ڤ؛ أي: إنه r كان يفعل ذلك وهو مقيم بالمدينة، فهي أضحية في الأصل.
([13]) وفي حجة الوداع ضحى النبي r لنسائه بالبقر، وهذا في السفر، فمرة يقولون: أن النبي r «ضحى»، ومرة يقولون: «هدى». ولا فرق في الحضر والسفر بين «الهدي»، و«الأضحية» عند الصحابة الكرام.
([15]) بالزيت؛ أي: يأكل الخبز مؤتدما بالزيت، «ينفر)؛ أي: يرجع، من أجل لحوم الهدي؛ حتى لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاثة أيام، مدة بقائه في منى، والمراد بالهدي هنا الأضحية.
([16]) وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج13 ص139)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص28 و29)، و«عمدة القاري» للعيني (ج17 ص282).
([18]) وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج13 ص117 و123 و127)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص25 و27 و28)، و«عمدة القاري» للعيني (ج17 ص266 و267 و282)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج12 ص351 و358 و364)، و«عارضة الأحوذي» لابن العربي (ج6 ص293 و310).
([23]) قلت: ولا يبادر أحدكم يجده في نفسه بمجرد سماعه من «شيخ»، أو لمجرد قراءته من «كتاب»، أو نحو ذلك، فهذا ليس طريق العلم، بل هذا طريق المقلد للمذاهب الفقهية، بل عليه بالمطالعة في الآراء، والنظر في الأدلة، ثم الحكم بالراجح في الدين.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «رسالة الحجاب» (ص34): (وليحذر الكاتب، والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة، وتمحيصها، والتسرع إلى القول بغير علم!). اهـ
([27]) قلت: والواقع الذي نعيشه اليوم، قد اندفع فيه المقلدة في الفقه دون بحث دقيق فيما هم قائلون، أو نظر عميق فيما هم فاعلون، والله المستعان.
([29]) ومن هنا يظهر للمسلم الحق مدى الفرق الشاسع بين أهل العلم، وبين أهل الجهل؛ لأنهم أبعد ما يكونوا عن تفقه هذا العلم الثاقب، وعن معرفة أصوله. اللهم غفرا.
انظر: «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص257).
([30]) ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث هل هي صحيحة، أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء رحمهم الله تعالى، لأن هم بشر، ومن طبيعة البشر يخطئون ويصيبون، فافهم هذا ترشد.
قال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص15): (ما وقع التصريح ـ يعني: عن الحديث بصحته أو حسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه لم يجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم؛ لم يجز العمل به إلا بعد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك). اهـ
([31]) وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم مقلدون لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبئون بما يبلغهم منه أن يحتجوا به، والله المستعان.
قلت: وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان، ليس لهم إلا أراء الرجال أصابوا أم أخطئوا، إلا أن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبين، أو بين له الحق، وقد وردت أقوال العلماء تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم ، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم، وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها.
انظر: «هداية السلطان» للمعصومي (ص19)، وكتابي «الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد». والله ولي التوفيق.
([34]) ولا يلام ولا يؤاخذ من أظهر السنن بالبيان، والإيضاح، وأعطاها ما تستحقه من العناية.
والعبد إذا لم يعلم أسند العلم إلى أهله، أو يقول لا أدري... وهذا الأمر يغالط به أصحاب المراء فينزلوا فيه بلا علم فيهيج بذلك الشر والفتنة، لأنهم يعلمون في دين الله بدون دراسة متأنية.
([38]) ومن يخدم السنة بهذه الطريقة العلمية لا يكون متعديا، ولا مشوشا عليها، بل هذا عين العدل، والإنصاف، والتحقيق العلمي.
وانظر: «الضعيفة» للشيخ الألباني (ج3 ص465).
([40]) ومن هذه الثروة العلمية، وجوانبها جانب العناية بعلل الحديث وبيانها، فإن لعلم علل الحديث دورا كبيرا ودقيقا في حفظ السنة النبوية، والله المستعان.
([42]) هذه الرواية قال فيها: (لا يمس من بشره)، يعني: لا يمس من جلده شيئا، وهذه الزيادة منكرة، لأن كيف لا يأخذ من جلده!، لأن البشرة: ظاهر جلد الإنسان.
انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص59).
([43]) يعني: هكذا وجدته في كتابي مرفوعا، فرويته مرفوعا على ما وجدته في كتابي، ولا يلزم من ذلك أنه محفوظ، فتنبه.
([47]) قلت: وهذا الاضطراب من الرواة في تعيين اسمه يدل على ضعف الإسناد، للوهم فيه أيضا.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج11 ص183): (لأن طائفة من أهل العلم بالنقل تقول: إن عمر بن مسلم شيخ مالك مجهول!). اهـ
([48]) قلت: ومهما يكون فالاختلاف قائم في اسمه، كما أشار إلى ذلك الأئمة.
وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج11 ص183).
([49]) وقيل فيه أيضا: «عمارة»، و«عمرو»، و«عامر»، كذا في ترجمة جد: «عمرو بن مسلم»، وهو «عمارة بن أكيمة».
انظر : «تهذيب الكمال» للمزي (ج21 ص228)، و(ج22 ص240 و241).
([50]) قال الحافظ ابن حجر / في «الدراية» (ج1 ص212): (ووهم الحاكم؛ فاستدركه). اهـ
يعني: أنه أخرجه مسلم في «صحيحه».
([56]) والحديث المعل: هو الحديث الذي به علة، وهي سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث مع ظهور السلامة منه.
وانظر: «التقريب والتيسير» للنووي (ص44)، و«المجموع» له (ج1 ص55)، و«الملخص في معرفة علم الحديث» لأبي إسحاق المكي (ص57).
([63]) لكن هل المقلدة ينسوا الفتوى ويتركوها، لأنها مخالفة للسنة النبوية، ويقتدوا بالسلف في القرون المفضلة في تركهم ما خالف الكتاب والسنة والآثار. هيهات... هيهات!.
([64]) وهنا في زيادة في «التمهيد» (ج17 ص274- الحاشية): وحديث أم سلمة ڤ لم يدخله مالك في موطئه، ولو كان عنده صحيحا لأدخله في موطئه، كما أدخل فيه ما يعارضه ويدفعه.
([65]) هذه الرواية قال فيها: (لا يمس من بشره)، يعني: لا يمس من جلده شيئا، وهذه الزيادة منكرة، لأن كيف لا يأخذ من جلده!، لأن البشرة: ظاهر جلد الإنسان.
انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص59).
([68]) وانظر: «الحاشية على سنن النسائي» للسندي (ج7 ص212).
قلت: ثم إن ترك الظفر ليس من محظورات الإحرام، ولم يثبت عن النبي r المنع، ولا عن أصحابه y.
([73]) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص546).
قلت: وكذلك حديث أم سلمة ڤ أجمع الصحابة ﭫ على خلافه، وأنه لا مانع من الأخذ من الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي.
وانظر: «التعليق الممجد» للكنوي (ج2 ص268).
([77]) فكشفت عائشة ڤ عن الأمة الغمة، لأن لا دخل لغير المحرم في الامتناع من محظورات الإحرام، ولا دخل له في الامتناع عن الأخذ من الشعر والظفر، لما في ذلك من المشقة على الناس.
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185].
([78]) يعني: لا يرون هذا الحكم في حديث أم سلمة ڤ ، بل يرون قص الشعر، والظفر لمن أراد أن يضحي، أي: هم لم يعملوا بهذا الحديث المرفوع، لأنه غلط على النبي r.
([80]) يعني: أئمة الحديث في القرون المفضلة، وهم: الصحابة، والتابعون، وأتباعهم بإحسان. اللهم غفرا.
وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج4 ص386)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج4 ص386).
([83]) قلت: فالإحرام يمنع المحرم الاستمتاع بكل حال منعا مؤكدا في طول المدة المحددة في الحج، أو العمرة، ولم يمنع المضحي من الاستمتاع وهو مقيم في بلده.
ويستحيل أن النبي r يمنع المضحي من أخذه من شعره وظفره، ولا يمنعه من الجماع، وغيره الذي هو أشد في المنع!.
والشارع الحكيم لا يمكن أن يجزئ محظورات الإحرام، فيحل بعضها، ويحرم بعضها على المضحي.
فمحظورات الإحرام لا تتجزأ، فأما أن تحرم على المضحي كلها، أو تحل له كلها، فافهم لهذا ترشد.
([85]) يعني: أكثر العلماء من المتقدمين والمتأخرين على أن المضحي لا يمتنع من الأخذ من شعره، وظفره في عشر ذي الحجة الأولى.
([86]) قلت: أن الذي جعل العامة يصل لهم هذا الجهل في الدين حتى تركوا الطيب والزينة في أثناء عشر ذي الحجة... هو كون الخطباء، والوعاظ وغيرهم يفتون لهم في عشر ذي الحجة بالتحريم من الأخذ من الشعر والظفر.
فالبدعة تجر إلى بدعة أخرى، ولابد.
ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير، لكي يسلكوه في هذا الحكم، وأنه لا تحريم، ولا كراهة في حلق الشعر، وقلم الظفر لمن أراد أن يضحي.
([88]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج7 ص76)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج7 ص76)، و«المنهاج» للنووي (ج13 ص139).
قلت: فالمضحي لا يعتزل النساء، والطيب، واللباس، والزينة، ويعتزل الشعر والظفر: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
([93]) وانظر: «عون المعبود» للآبادي (ج7 ص492)، و« تهذيب السنن» لابن القيم (ج7 ص490)، و«المنهاج» للنووي (ج9 ص70).
([95]) سقط من إسناد الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص509)؛ جابر بن زيد، فكان هكذا عن عمرو بن دينار بن زيد، عن ابن عباس، فتنبه.
([98]) وقد تفرد ابن عباس ﭭ في هذه المسألة، ولم يوافقه أحد من الصحابة، وأما نقل ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص166) عن عائشة ڤ، وأبي هريرة t، فليس بصحيح لضعف الأسانيد.
وانظر: «المسند» للبزار (ج2 ص167)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج2 ص269 و270)، و«السنن» للدارقطني (ج3 ص263).
([99]) وانظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (ج2 ص375)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج3 ص173)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص443).
([102]) قال أبو أحمد العسكري / في «تصحيفات المحدثين» (ص272): (الأول: «لا ينكح» الياء مفتوحة، والكاف مكسورة من: «نكح ينكح» إذا تزوج، وقد يقال: «نكح» إذا جامع، و«أنكح» غيره إذا زوجة.
والثاني: «لا ينكح» الياء مضمومة، والكاف مكسورة أيضا، وهو من: «أنكح ينكح» إذا زوج غيره، ومن لا يعلم يرويه: «لا ينكح ولا ينكح» بفتح الكاف من الثاني وهو خطأ، والمعنى: أنه لا يتزوج، ولا يزوج غيره).اهـ
([103]) قوله: «عراقيا»، وفي بعض الروايات: «أعرابيا»، والمراد أنه جاهل بالسنة.
وانظر: «المنهاج» للنووي (ج9 ص194).
([104]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج4 ص153)، و«الاستذكار» له (ج4 ص118)، و«القبس» لابن العربي (ج2 ص564)، و«التحقيق» لابن الجوزي (ج6 ص140)، و«المغني» لابن قدامة (ج3 ص158)، و«المفهم» للقرطبي (ج4 ص105)، و«المنهاج» للنووي (ج9 ص194)، و«شرح العمدة» لابن تيمية (ج4 ص625 و641)، و«الفتاوى» له (ج20 ص310 و311)، و«إتحاف السادة المتقين» للزبيدي (ج5 ص338).
([108]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص165 و166)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج3 ص152)، و«إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج4 ص228 و228)، و«صحيح سنن أبي داود» له (ج6 ص107)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج3 ص147)، و«معالم السنن» للخطابي (ج6 ص532 و533)، و«التحقيق» لابن الجوزي (ج6 ص145).
([110]) قوله: «وهما محرمان» لم يثبت في رواية عكرمة، وإنما جاء في بعض الطرق عنه، وأكثر الثقات يروونه عنه بلفظ: «وهو محرم».
([114]) قلت: فالإحرام يمنع المحرم الاستمتاع بكل حال منعا مؤكدا في طول المدة المحددة في الحج، أو العمرة، ولم يمنع المضحي من الاستمتاع وهو مقيم في بلده.
ويستحيل أن النبي r يمنع المضحي من أخذه من شعره وظفره، ولا يمنعه من الجماع وغيره الذي هو أشد في المنع!.
والشارع الحكيم لا يمكن أن يجزئ محظورات الإحرام، فيحل بعضها، ويحرم بعضها على المضحي.
فمحظورات الإحرام لا تتجزأ، فإما أن تحرم على المضحي كلها، أو تحل له كلها، فافهم لهذا ترشد.
([117]) انظر: «المنهاج» للنووي (ج9 ص70)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج14 ص143)، و«تحفة الباري» للأنصاري (ج2 ص415)، و«المعلم» للمازري (ج3 ص60)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج11 ص185 و186).
([118]) قلت: إن الذي جعل العامة يصل لهم هذا الجهل في الدين حتى تركوا الطيب والزينة في أثناء العشر ذي الحجة... هو كون الخطباء، والوعاظ وغيرهم يفتون لهم في عشر ذي الحجة بالتحريم.
فالبدعة تجر إلى بدعة أخرى.
ولم يجدوا من يبين لهم طريق التيسير، لكي يسلكوه في هذا الحكم، وأنه لا تحريم، ولا كراهة في حلق الشعر، وقلم الظفر لمن أراد أن يضحي.
([120]) وانظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج7 ص76)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج7 ص76)، و«المنهاج» للنووي (ج13 ص139).
قلت: فالمضحي لا يعتزل النساء، والطيب، واللباس، والزينة، ويعتزل الشعر والظفر: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
([125]) قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص381): (فذكر ذلك لابن الزبير، فقال: بدعة ورب الكعبة؛ فلا يجوز أن يكون ابن الزبير حلف على ذلك أنه بدعة؛ إلا وقد علم أن السنة خلاف ذلك). اهـ
([127]) قلت: فكشفت الفقيهة عائشة ڤ هذه البدعة الخطيرة للناس، وبينت لهم السنة في إباحة الأخذ من، الشعر والظفر وغير ذلك لمن أراد أن يضحي، فكشفت ڤ الغمة عن الناس إلى يوم القيامة.
([128]) قلت: فكشفت ڤ عن الأمة الغمة؛ لأن لا دخل لغير المحرم في الامتناع من محظورات الإحرام، ولا دخل له في الامتناع عن الأخذ من الشعر والظفر، لما في ذلك من المشقة على الناس.
قال تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون[ [المائدة:6].
وقال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج:78].
وقال تعالى: ]لكي لا يكون على المؤمنين حرج[ [الأحزاب: 37].
([130]) (قال)؛ أي: مسروق؛ (تصفيقها)، وهو ضربها بإحدى اليدين على ظهر اليد الأخرى ليسمع لها صوت، وفعلت هذا تعجبا من ذلك الفعل وتأسفا على من فعله.
([136]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج24 ص152)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص1175)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج8 ص427)، و«بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (ج5 ص 390 و526).
([137]) وهذا يدل أن كثير بن أبي كثير البصري هذا يخالف الثقات الأثبات في الأحاديث.
وحديث أبي هريرة t مرفوعا: (في الطلاق).
من رواية: كثير بن أبي كثير البصري، والعهدة عليه.
والصحيح أنه موقوف، كما ذكر الحافظ البخاري، كما في «السنن» للترمذي (ج3 ص481).
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص256)، ثم قال: حديث منكر، لأن فيه كثير بن أبي كثير البصري.
وهذا يدل أنه منكر الحديث.
([138]) لذلك لم يصب الحافظ ابن القطان / في «بيان الوهم والإيهام» (ج5 ص390)؛ تعجبه على الحافظ عبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (ج3 ص196)؛ لاعتماده على توثيق الحافظ العجلي في «معرفة الثقات» (ج2 ص226) لكثير بن أبي كثير البصري.
([140]) انظر: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص1175)، و«السنن الكبرى» للنسائي (ج5 ص256)، و«الأحكام الوسطى» لعبدالحق الإشبيلي (ج3 ص196)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج7 ص211)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج13 ص300).
([144]) فأخطأ الشيخ الألباني / في «تصحيحه» لإسناد هذا الأثر في «إرواء الغليل» (ج4 ص378)، من أجل الرجل المبهم، والاختلاف في إسناده.
([147]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص9)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص110)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج6 ص413).
([150])وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص10)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص110)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج6 ص413).
([151]) وهي رواية شاذة مضطربة، وقد اضطرب قتادة في إسناده، ووهم فيه، ولم يقمه، مع جهالة إسناده.
وما يرويه: سعيد بن أبي عروبة أصح، فسلك فيه الجادة، وهو أشبه بالصواب.
([153]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1566)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج5 ص1566)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص266)، وأبو داود في «سننه» (2791)، وابن حبان في «صحيحه» (ج13 ص240).
أخرجه البخاري في «الضعفاء» (ص90)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج3 ص145).
وإسناده صحيح.
([155]) أخرجه الترمذي في «السنن» (ج2 ص95)، وعبدالرزاق في «المصنف» (4346)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص455) من طريق هشام، ومعمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب به.
([156]) أخرجه مالك في «الموطأ» (ج1 ص164)، وعبدالرزاق في «المصنف» (4347) من طريق مالك عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب به.
([157]) أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (4348)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج2 ص454) من طريق الثوري، وعبدالله بن إدريس عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب به.
([161]) قلت: وأعرض الحافظ البخاري عن كثير من أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب لما فيها من إرسال، وانقطاع، لم يسمعها منه.
يؤخذ: يحبس عن مباشرتها، ولا يصل إلى جماعها.
يحل عنه: يرقى، ويعوذ، ويعالج حتى يذهب ما به من سحر.
وينشر: من النشرة، وهي الرقية والتعوذ.
لا بأس: لا مانع من معالجته، حيث إن في ذلك إصلاحا له ونفعا.
([164]) قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص381): (فذكر ذلك لابن الزبير، فقال: بدعة ورب الكعبة؛ فلا يجوز أن يكون ابن الزبير حلف على ذلك أنه بدعة؛ إلا وقد علم أن السنة خلاف ذلك).اهـ
([166]) قلت: فكشفت الفقيهة عائشة ڤ هذه البدعة الخطيرة للناس، وبينت لهم السنة في إباحة الأخذ من، الشعر والظفر وغير ذلك لمن أراد أن يضحي، فكشفت ڤ الغمة عن الناس إلى يوم القيامة.
([167]) قلت: فكشفت ڤ عن الأمة الغمة؛ لأن لا دخل لغير المحرم في الامتناع من محظورات الإحرام، ولا دخل له في الامتناع عن الأخذ من الشعر والظفر، لما في ذلك من المشقة على الناس.
قال تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون[ [المائدة:6].
وقال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج:78].
وقال تعالى: ]لكي لا يكون على المؤمنين حرج[ [الأحزاب: 37].