الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف
الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف
الورد المقطوف
في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف
قدم له العلامة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
تأليف
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
مقدمة
لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
* فقد قرأت الكتاب المسمى بـ «الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف»، فوجدته كتابا قيما في موضوعه مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة في كل أبوابه ومسائله. تمس الحاجة إلى مثله. لا سيما في هذا الزمان الذي فشي الجهل، واتباع الهوى، والقول على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا علم ولا هدى. وأن المسلمين بحاجة إلى ما يجمع كلمتهم ويدفع كيد عدوهم الذي يريد لهم الفرقة، ويوقد بينهم الفتنة، فإن بيان الحق ورد الباطل في هذا الزمان، وكل زمان من أوجب الواجبات، وأهم المهمات.
* فجزى الله مؤلف هذا الكتاب الشيخ أبا عبد الرحمن فوزي الأثري خير الجزاء على ما قام به من بيان الحق ودحض الباطل.
* ونفع بكتابه هذا وبغيره مما فيه نفع للمسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه:
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
24/ 6/ 1418هـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأعن وبارك يا كريم
ديباجة
قال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: (لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم)([1]).
وقال كعب الأحبار: (مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط: الإسلام، والعمود: السلطان، والأطناب والأوتاد: الناس، ولا يصلح بعضه إلا ببعض)([2]).
* وقد علم بالضرورة من دين الإسلام؛ أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة.
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله في الأمراء: (هم يلون من أمورنا خمسا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم والله لغبطة، وأن فرقتهم لكفر)([3]). يعني: به كفرا أكبر.
* ولقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يولون هذا الأمر اهتماما خاصا، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة، نظرا لما يترتب على الجهل به، أو إغفاله من الفساد العريض في العباد، والبلاد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد([4]).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم)([5]). اهـ
وأعلى من هذا الكلام: ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعن عاصم بن ضمرة قال: (سمع علي رضي الله عنه قوما يقولون: لا حكم إلا لله؛ قال: نعم، لا حكم إلا لله، ولكن لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل فيه المؤمن، ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله فيها الأجل)([6]).
قلت: هذا الكلام من أجمع الكلام وأحكمه وأعذبه. وعلى من أراد لنفسه النجاة والفلاح، أن يتأمل في نصوص الشرع الواردة في هذا الباب، فيعمل بها ويذعن لها، ولا يجعل للهوى عليه سلطانا، فإن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الشرع المطهر، وأكثر فساد الناس في هذا الباب، إنما هو من جراء اتباع الهوى، وتقديم العقل على النقل.
* فبين يديك أيها الطالب للحق نصوص شرعية، ونقول سلفية فأرع لها سمعك، وأمعن فيها بصرك.
* جعل الله التوفيق حليفك، والتسديد رفيقك، وجنبك مضلات الأهواء والفتن.
قال العلامة الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين، ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس... ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه الله تعالى من الجهاد والعدول، وإقامة الحج والجمع، والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة... ويقال: ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك...)([7]). اهـ
عن الإمام الأوزاعي رحمه الله قال: (كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله)([8]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس.
* إلى أن قال: فإن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب الله تعالى من الجهاد، والعمل، وإقامة الحج، والجمع، والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا يتم إلا بالقوة والإمارة.
* ولهذا روي أن السلطان ظل الله تعالى في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان.
والتجربة تبين ذلك...
* فالواجب اتخاذ الإمارة دينا، وقربة يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن التقرب إليه فيها بطاعته، وطاعة رسوله من أفضل القربات.
* وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة والمال)([9]). اهـ
* إذا فهم مما تقدم أن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها؛ إلا بالإمامة والجماعة.
قال محمد بن عوف بن سفيان الحمصي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس)([10]).
وقال أبو بكر المروزي: سمعت أبا عبد الله، وذكر الخليفة المتوكل رحمه الله فقال: (إني لأدعو له بالصلاح والعافية، وقال: لأن حدث به حدث لتنظرن ما يحل بالإسلام)([11]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب زدني علما وحفظا وفهما
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد ألف أهل الحديث مؤلفات كثيرة في السنة، ولا تكاد ترى مؤلفا يخلو من تقرير وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، وهو أصل من أصول عقيدة أهل الحديث، التي باينوا بها أهل الأهواء، فكتبوا في هذا الموضوع لبيان عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين بإحسان ليقتدى بهم، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لولاة الأمور تنتظم الأمور الدينية والدنيوية معا، وسدا لباب الفتن.
* ولقد انعقد إجماع العلماء: على وجوب السمع والطاعة لهم، وهو مبني على النصوص الشرعية الواضحة، التي تواترت بذلك.
* وقد علم بالضرورة من دين الإسلام؛ أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة([12]).
قال الفقيه القلعي الشافعي رحمه الله: (نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود. لو لم نقل بوجوب الإمامة لأدى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلى يوم القيامة. لو لم يكن للناس إمام مطاع؛ لانثلم شرف الإسلام وضاع. لو لم يكن للأمة إمام قاهر؛ لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر. لو خلا عصر من إمام لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يحج البيت الحرام. لولا الأئمة والقضاة، والسلاطين والولاة، لما نكحت الأيامى ولا كفلت اليتامى. لولا السلطان لكان الناس فوضى، ولأكل بعضهم بعضا)([13]). اهـ
وقال الفقيه الجويني رحمه الله: (الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، تتضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف([14])والحيف([15])، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين. فنصب الإمام عن الإمكان واجب...)([16]). اهـ
وقال المؤرخ ابن خلدون رحمه الله: (أن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع؛ بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة: أبي بكر رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام)([17]). اهـ
* ومصالح الأمم والمجتمعات، لا تتم ولا تنتظم إلا بالتعاون بين الآمر والمأمور، وقيام كل بما يجب عليه من واجبات، وأداء ما حمل من أمانة ومسئوليات([18]).
* فلا يصلح الناس إلا أمير يؤمن الله عزوجل به السبل. ويجاهد به العدو، ويحج به البيت، ويقام به الصلاة، ويدرأ به المفاسد، ويجلب به المصالح، ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله.
قال الفقيه العز بن عبد السلام رحمه الله: (وأجر الإمام الأعظم، أفضل من أجر المفتي والحاكم- يعني: القاضي- لأن ما يجلبه من المصالح، ويدرؤه من المفاسد: أتم وأعم)([19]). اهـ
* وهكذا فهم علماء السلف الصالح، أن الإسلام دين ودولة، وتعرضوا في كتبهم لموضوع رئاسة الدولة، وأطلقوا عليها اسم الخلافة، أو الإمامة([20]).
وقد عرفها الفقيه الماوردي رحمه الله بقوله: (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين، وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة: واجب بالإجماع)([21]). اهـ
وقال الفقيه الجويني رحمه الله: (الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا...)([22]). اهـ
* ومما يزيد مبدأ اهتمام أهل السنة والجماعة؛ بهذا الأصل العقدي وترسيخه عند غلبة الجهل به أو فشو الأفكار المنحرفة عن منهج أهل السنة فيه.
* ولا ريب أن الزمن الذي نعيش فيه الآن اجتمع فيه الأمران: غلبة الجهل بهذا الأمر، وفشو الأفكار المنحرفة فيه؛ فواجب أهل العلم وطلبته: الالتزام بالميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم، في قوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187]، فليبينوا للناس هذا الأصل محتسبين لله تعالى مخلصين له أعمالهم، ولا يمنعهم من بيانه تلك الشبهات المتهافتة التي يروجها بعض من لا خلاق له([23]).
* وانطلاقا من مبدأ الاهتمام بهذا الأمر، وددت أن أضع لإخواني المسلمين هذا الكتاب الصغير؛ ليستفيدوا منه وسميته: «الورد المقطوف في وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف»، وليعلم أن الأدلة النقلية كثيرة في هذه الأبواب، وحيث اقتصرت على بعض الأدلة طلبا للاختصار، والمراعاة لجعل الكتاب أسهل للقراءة والفهم.
هذا وأسأل الله العظيم: أن ينفع بهذا الكتاب عباده المسلمين، وأن يهدينا جميعا إلى الصراط المستقيم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وحسبي الله ونعم الوكيل
التمهيد
* إن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، أصل من أصول العقيدة السلفية، قل أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالافتيات عليهم قولا أو فعلا فساد الدين والدنيا.
وفي ذلك: يقول العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحم الله الجميع - في كلام متين، يكشف شيئا من الشبه الملبسة في هذا الباب، ويرد على من أشاعها من الجهال: (... ولم يدر هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام من عهد يزيد بن معاوية - حاشا عمر بن عبد العزيز، ومن شاء الله من بنى أمية - قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام والخروج، والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم معروفة مشهورة، لا ينزعون يدا من طاعة؛ فيما أمر الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام، وواجبات الدين.
* وأضرب لك مثلا: بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد اشتهر أمره في الأمة بالظلم، والغشم، والإسراف في سفك الدماء، وانتهاك حرمات الله، وقتل من قتل من سادات الأمة كسعيد بن جبير، وحاصر: ابن الزبير رضي الله عنه، وقد عاذ بالحرم الشريف، واستباح الحرمة، وقتل: ابن الزبير رضي الله عنه - مع أن ابن الزبير رضي الله عنه، قد أعطاه الطاعة وبايعه عامة أهل مكة، والمدينة، واليمن، وأكثر سواد العراق، والحجاج نائب، عن مروان ثم عن ولده عبد الملك([24])، ولم يعهد أحد من الخلفاء إلى مروان، ولم يبايعه أهل الحل والعقد.
* ومع ذلك لم يتوقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته.
* وكان ابن عمر رضي الله عنها، ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينازعونه ولا يمتنعون من طاعته فيما يقوم به الإسلام، ويكمل به الإيمان.
* وكذلك: من في زمنه من التابعين كان المسيب، والحسن البصري، وابن سيرين، وإبراهيم التيمي، وأشباههم ونظراؤهم من سادات الأمة.
* واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة، وأئمتها يأمرون بطاعة الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والجهاد في سبيله، مع كل إمام بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد.
* وكذلك: بنو العباس استولوا على بلاد المسلمين قهرا بالسيف لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين، وقتلوا خلقا كثيرا وجما غفيرا من بني أمية، وأمرائهم ونوابهم، وقتلوا: ابن هبيرة أمير العراق، وقتلوا الخليفة مروان، حتى نقل أن السفاح قتل في يوم واحد نحو الثمانين من بني أمية، ووضع الفرش على جثثهم، وجلس عليها، ودعا بالمطاعم والمشارب.
* ومع ذلك: فسيرة الأئمة كالأوزاعي، ومالك، والزهري، والليث بن سعد، وعطاء بن أبي رباح مع هؤلاء الملوك لا تخفى على من له مشاركة في العلم واطلاع.
والطبقة الثانية: من أهل العلم كأحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن نوح، وإسحاق بن راهويه، وإخوانهم... وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام، وإنكار الصفات، ودعوا إلى ذلك، وامتحنوا فيه، وقتل من قتل كأحمد بن نصر، ومع ذلك فلا يعلم أن أحدا منهم نزع يدا من طاعة، ولا رأى الخروج عليهم...)([25]). اهـ
* فتأمل: هذا الكلام البديع، وانظر فيه بعين الإنصاف، تجده من مشكاة السلف الصالح، على وفق الكتاب والسنة، والقواعد العامة، بعيدا عن الإفراط والتفريط.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
من الكتاب على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}([26]).
* ففي هذه الآية: وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، وهذا مطلق يقيد بما ثبت في السنة من أن الطاعة، إنما تكون في غير المعصية([27]).
* والمراد بأولي الأمر من أوجب الله تعالى طاعته من الحكام، والأمراء، والعلماء.
قال المفسر ابن عطية رحمه الله، في تفسير هذه الآية: (لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة- يشير إلى قوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}([28])؛ تقدم في هذه إلى الرعية، فأمر بطاعته عز وجل، وهي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله، وطاعة الأمراء، على قول الجمهور: أبي هريرة، وابن عباس، وابن زيد، وغيرهم...)([29]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (والظاهر والله أعلم: أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء)([30]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أولو الأمر صنفان: العلماء والأمراء)([31]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (وأمر بطاعة أولي الأمر، وهم الولاة على الناس من الأمراء، والحكام، والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله تعالى، ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية، فإن أمروا بذلك، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم، وذكره مع طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة الله تعالى، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية)([32]). اهـ
وقال أبو بكر الجزائري: (وجوب طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وولاة المسلمين من حكام، وعلماء فقهاء، لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله، وطاعة الولي من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم)([33]). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله: (قال الله عز وجل: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}؛ قيل: هم العلماء، وقيل: هم الأمراء، ولكل حق واجب)([34]). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن سبيل رحمه الله: (فقد دلت هذه الآية الكريمة: بصريح المنطوق على وجوب طاعة ولاة الأمور، ووجوب طاعتهم تستلزم النهي عن عصيانهم...)([35]). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل من السنة
على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة»([36]).
قال العلامة المباركفوري رحمه الله: (وفيه- يعني: هذا الحديث- أن الإمام إذا أمر بمندوب، أو مباح وجب. قال المطهر: يعني: سمع كلام الحاكم وطاعته: واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته، لكن لا يجوز له محاربة الإمام)([37]).
(2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني»([38]).
فدل الحديث: على وجوب السمع والطاعة للأمراء ما لم يأمروا بمعصية؛ لأن ذلك طاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مجمع على وجوبه عند أهل السنة والجماعة، وأصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفي الحديث: وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم: المحافظة على اتفاق الكلمة؛ لما في الافتراق من الفساد)([39]). اهـ
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدع الأطراف»([40]).
قال الإمام النووي رحمه الله: (يعني مقطوعها، والمراد أخس العبيد، أي: أسمع وأطيع للأمير، وإن كان دنيء النسب، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف؛ فطاعته واجبة)([41]). اهـ
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله! إنا كنا بشر فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟، قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟، قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع»([42]).
وهذا الحديث: من أبلغ الأحاديث، التي جاءت في هذا الباب؛ إذ قد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأئمة؛ بأنهم لا يهتدون بهديه، ولا يستنون بسنته، وذلك: غاية الضلال والفساد، ونهاية الزيغ والعناد، فهم لا يهتدون بالهدي النبوي في أنفسهم، ولا في أهليهم، ولا في رعاياهم.. ومع ذلك: فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعتهم في غير معصية الله تعالى؛ كما جاء مقيدا في أحاديث أخر حتى لو بلغ بهم الأمر إلى ضربك وأخذ مالك فلا يحملنك ذلك على ترك طاعتهم، وعدم سماع أوامرهم فإن هذا الجرم عليهم، وسيحاسبون، ويجازون به يوم القيامة، فإن قادك الهوى إلى مخالفة هذا الأمر الحكيم، والشرع المستقيم؛ فلم تسمع، ولم تطع لأميرك، فقد لحقك الإثم، ووقعت في المحظور.
* وهذا الأمر النبوي: هو من تمام العدل الذي جاء الإسلام به، فإن هذا المضروب إذا لم يسمع ويطع، وذاك المضروب إذا لم يسمع ويطع... أفضى ذلك إلى تعطيل المصالح الدينية والدنيوية، فيقع الظلم على جميع الرعية أو أكثرهم، وبذلك يرتفع العدل عن هذه البلاد، فتتحقق المفسدة وتلحق بالجميع.
* بينما لو ظلم هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج، وسمع وأطاع، لقامت المصالح ولم تتعطل، ولم يضع حقه عند الله تعالى؛ فربما عوضه خيرا منه، وربما ادخره في الآخرة.
* وهذا من محاسن الشريعة فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الدنيا كلها هرجا ومرجا فالحمد لله على لطفه بعباده([43]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»([44]).
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله! لا نسألك عن طاعة التقي، ولكن من فعل وفعل (وذكر الشر)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، واسمعوا وأطيعوا».([45])
* وقد تركنا في هذا الباب أضعاف ما ذكرنا من الأحاديث خشية الإطالة.
فدل الكتاب والسنة: على وجوب طاعة أولي الأمر، ما لم يأمروا بمعصية، فتأمل: قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}؛ كيف قال: {وأطيعوا الرسول}، ولم يقل: (وأطيعوا أولي الأمر منكم).
* لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأعاد الفعل مع الرسول لأنه من يطع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله تعالى، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ([46]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر أقوال الصحابة رضي الله عنهم
على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين
عن عبد الله بن دينار قال: «شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: كتب إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله، عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك».([47])
قال الشاطبي رحمه الله: (أن يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جور؟ فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه. قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة)([48]). اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، أن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء)([49]). اهـ
وعن سويد بن غفلة قال: «قال لي عمر رضي الله عنه يا أبا أمية! إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمرا ينقص دينك فقل: سمع وطاعة دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة».([50])
وعن زياد بن كسيب العدوي قال: «كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال([51]): انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق. فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله»([52]).
فهذه أقوال الصحابة تبين وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، وهم أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر أقوال العلماء
على وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين
السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية مجمع على وجوبه عن أهل السنة والجماعة وهو أصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء.
وقل أن ترى مؤلفا في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا وظلموا([53]).
والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك.
ولقد كان السلف الصالح يولون هذا الأمر اهتماما خاصا، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة نظرا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.
واهتمام السلف بهذا الأمر تحمله صور كثيرة نقلت إلينا عنهم، من أبلغها وأجلها ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة رحمه الله تعالى حيث كان مثالا للسنة في معاملة الولاة.
فلقد تبنى الولاة في زمنه أحد المذاهب الفكرية السيئة، وحملوا الناس عليه بالقوة والسيف، وأهرقت دماء جم غفير من العلماء بسبب ذلك، وفرض القول بخلق القرآن الكريم على الأمة، وقرر ذلك في كتاتيب الصبيان... إلى غير ذلك من الطامات والعظائم، ومع ذلك كله فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تستجيشه العواطف (العواصف)، بل يثبت على السنة لأنها خير وأهدى فيأمر بطاعة ولي الأمر، ويجمع العامة عليه، ويقف كالجبل الشامخ في وجه من أراد مخالفة المنهج النبوي والسير السلفية في مثل هذا الموطن انسياقا وراء العواطف المجردة عن قيود الكتاب والسنة، أو المذاهب الثورية الفاسدة([54]).
قال أحمد أبو الحارث: (سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد وهم قوم بالخروج فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول: سبحان الله الدماء الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه (يعني أيام الفتنة)، قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا، ويسلم لك دينك خير لك، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال: الدماء لا أرى ذلك ولا آمر به)([55]).
ومما يزيد مبدأ اهتمام أهل السنة والجماعة بهذا الأمر وضوحا ما جاء في «شرح السنة» للإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله حيث قال: (إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى.
يقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان)([56]).
فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين)([57]).
وفي ذلك يقول النووي رحمه الله: (أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية)([58]). اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله: (فكل من ثبتت إمامته وجبت طاعته وحرم الخروج عليه لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}([59]). اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فرضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)([60]). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله: (وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم)([61]). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء)([62]). اهـ
وقال الحافظ أيضا: (وفي الحديث- يعني حديث ابن عمر([63])- وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه وأنه لا ينخلع بالفسق)([64]). اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «الأصول الستة» الأصل الثالث: (أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا ولو كان عبدا حبشيا، فبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانا شائعا ذائعا بكل وجه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم فكيف العمل به)([65]). اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: (وجوب طاعة أولي الأمر وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة وهي فريضة في المعروف)([66]). اهـ
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: (وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزى معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد)([67]). اهـ
وقال المروذي رحمه الله: (سمعت أبا عبد الله- أحمد- وذكر له السنة والجماعة والسمع والطاعة فحث على ذلك وأمر به)([68]).
والسمع والطاعة: للأئمة الذين يقومون بأمر الناس وهم ولاة الأمر.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فائدة
اعلم يا أخي المسلم وفقك الله أن الأئمة الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعتهم هم الأئمة الموجودون المعلومون الذين لهم سلطان وقدرة، أما من كان معدوما، أو لا قدرة له على شيء أصلا فليس داخلا فيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الولاة([69]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلا)([70]). اهـ
وقال أحمد بن الحسين بن حسان: سمعت أبا عبد الله وسئل عن طاعة السلطان، فقال بيده: (عافا الله السلطان، تنبغي([71])، سبحان الله! السلطان)([72]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تعزير وتوقير
ولاة أمر المسلمين
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس، من فعل واحدة منهن كان ضامنا على الله: من عاد مريضا، أو خرج في جنازة، أو خرج غازيا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم منه الناس»([73]).
ويعزره: أي يوقره ويعظمه ويعينه وينصره ويؤيده، وفي التنزيل: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.
فالتعزيز: التوقير والتعظيم والمناصرة([74]).
فدل الحديث على توقير وتعظيم واحترام ونصر وتأييد ولاة الأمور.
وعن معاوية بن أبي سفيان قال: (لما خرج أبو ذر إلى الزبدة لقيه ركب من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر! قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت، قال: مهلا مهلا يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون بعدي سلطان فأعزوه من التمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت»([75]).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهل سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أهانه الله يوم القيامة»([76]).
ومن تأمل النصوص الواردة في هذا الباب علم أن الشارع إنما أمر بتوقير الولاة وتعزيرهم ونهى عن سبهم وانتقاصهم لحكمة عظيمة ومصلحة كبرى. أشار إلى طرف منها الإمام القرافي في كتابه «الذخيرة» فقال: (قاعدة: ضبط المصالح العامة واجب، ولا ينضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلفت عليهم، أو أهينوا تعذرت المصلحة)([77]). اهـ
ورحم الله سهل بن عبد الله التستري حينما قال: (لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم)([78]). اهـ
وقال ابن جماعة رحمه الله: في مساق ذكر حقوق ولي الأمر: (الحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم، مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة)([79]). اهـ
ولما أن الشارع أعطى ولي الأمر تلك المنزلة الرفيعة وجدت الناس مفطورين على تعظيمه واحترامه وهيبته ونحو ذلك، ولا يخرج عن ذلك إلا ملوث الفطرة([80]).
وإن شئت أن تتضح لك هذه القاعدة أكثر وتعلم منزلتها عند علماء الأمة، فتأمل حادثة للإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ساقها الإمام ابن القيم رحمه الله حيث يقول: (فائدة: عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه. فقال: أرأيتهم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده، أكان خطأ أم واقعا موقعه؟ قالوا: بلى. قال: فالأب يربي ولده تربية خاصة، والسلطان يربي العالم تربية عامة، فهو بالإكرام أولى. ثم قال: وللحال الحاضرة حكم من لابسها، وكيف يطلب من المبتلى بحال، ما يطلب من الخالي عنها)([81]). اهـ
فالشارع يؤكد على مكانة السلطان ووجوب تعزيره وتوقيره ونحو ذلك مما يظهر عظمة السلطان...
فمن أكرم السلطان بحفظ ما أثبته الشارع له من الحقوق والواجبات، فأجله وعزره وقدره، ولم يخرج عن أمره في المعروف كان جزاؤه من جنس عمله المبارك، فأكرمه الله تعالى في هذه الدنيا برفعته وتسخير قلوب العباد لإكرامه، وفي الآخرة بدخول الجنة.
قال الشيخ ابن سبيل حفظه الله: (نص أهل السنة والجماعة على أن من حقوق ولاة الأمور على الرعية إجلالهم، وتوقيرهم، وتعظيمهم في النفوس...)([82]). اهـ
وعن صفوان بن عمرو عن أبي أمامه الباهلي أنه عوتب في كثرة دخوله على السلطان، فقال: نؤدي من حقهم)([83]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تحريم سب وغش وبغض
ولاة أمر المسلمين ووجوب الدعاء لهم
قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}([84]).
وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين}([85]).
وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}([86]).
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة»([87]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب»([88]).
والنهي عند الإطلاق يقتضي التحريم كما هو مقرر في أصول الفقه([89]).
قال الطحاوي رحمه الله: (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة)([90]). اهـ
ومما يزيد مبدأ اهتمام أهل السنة بهذا الأمر وضوحا ما جاء في كتاب «شرح السنة» للإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى حيث قال: (إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى.
يقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان([91]).
فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعوا عليهم، وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين)([92]). اهـ
وسئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله فيمن يمتنع عن الدعاء لولي الأمر قال: (هذا من جهله، وعدم بصيرته، الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده. والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن دوسا عصت قال: «اللهم اهد دوسا وأت بهم، اللهم اهد دوسا وأت بهم»([93])، يدعو للناس بالخير والسلطان أولى من يدعى له، لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح)([94]). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (إن لم يتمكن نصح السلطان، فالصبر والدعاء، فإنهم كانوا - يعني الصحابة- ينهون عن سب الأمراء: أخبرنا محمد بن خليفة قال: حدثنا محمد بن الحسين البغدادي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا يحيى بن يمان قال: حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال: كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سب الأمراء)([95])([96]).
ففي هذا الأثر اتفاق أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم الوقيعة في الأمراء بالسب.
وعن أبي مجلز قال: (سب الإمام الحالقة، لا أقول حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين)([97]).
ومن ظن أن الوقوع في ولاة الأمر بسبهم وانتقاصهم من شرع الله تعالى، أو من إنكار المنكر، ونحو ذلك فقد ضل وقال على الله وعلى شرعه غير الحق، بل هو مخالف لمقتضى الكتاب والسنة، وما نطقت به آثار سلف الأمة([98]).
وقال ابن تيمية رحمه الله: (وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم: بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم)([99]). اهـ
وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منه العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل)([100]). اهـ
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه لله: (ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة)([101]). اهـ
وقال أبو بكر الإسماعيلي رحمه الله: (ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والعطف إلى العدل ولا يرون الخروج بالسيف عليهم ولا قتال في الفتنة، ويرون قتال الفئة الباغية مع الإمام العدل، إذا كان وجد على شرطهم في ذلك)([102]). اهـ
فالوقيعة في أعراض الأمراء، والاشتغال بسبهم، وذكر معائبهم خطيئة كبيرة، وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر، وذم فاعلها.
وهي نواة الخروج على ولاة الأمر، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معا([103]).
وعن أبي جمرة قال: (لما بلغني تحريق البيت خرجت إلى مكة، واختلفت إلى ابن عباس حتى عرفني واستأنس بي، فسببت الحجاج عند ابن عباس فقال: لا تكن عونا للشيطان)([104]).
وعن زائدة بن قدامة قال: (قلت لمنصور بن المعتمر: إذا كنت صائما أنال من السلطان؟ قال: لا. قلت: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: نعم)([105]).
سئل الشيخ صالح الفوزان: ما رأي فضيلتكم في بعض الشباب الذين يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور بالسب والطعن فيهم؟
فأجاب فضيلته: (هذا الكلام معروف أنه باطل، وهؤلاء إما أنهم يقصدون الشر، وإما أنهم تأثروا بغيرهم من أصحاب الدعوات المضلة.... فهذه ليست طريقة السلف أهل السنة والجماعة....)([106]).
قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: (وأجمعوا على النصيحة للمسلمين والتولي بجماعتهم وعلى التوادد في الله، والدعاء لأئمة المسلمين، والتبري ممن ذم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم....)([107]).
وقال المروذي رحمه الله: (سمعت أبا عبد الله وذكر الخليفة المتوكل رحمه الله فقال: (إني لأدعو له بالصلاح، والعافية)([108]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»([109]).
أي: ليس من أخلاقنا وأفعالنا، أو ليس على سنتنا وطريقتنا([110]).
قال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الواعظ الزاهد رحمه الله: (فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح، والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم، وإياك أن تدعو عليهم باللعنة، فيزدادوا شرا ويزداد البلاء على المسلمين، ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء عن المؤمنين)([111]). اهـ
وقال الشيخ محمد بن سبيل حفظه الله: (حذر أهل السنة والجماعة من الوقيعة في أعراض الأئمة، والتنقص لهم أو الدعاء عليهم لأن هذه الأمور من أسباب وجود الضغائن والأحقاد بين الولاة والرعية، ومن أسباب نشوء الفتن والنزاع في صفوف الأمة)([112]). اهـ
وعن الزبرقان قال: (كنت عند أبي وائل- شقيق بن سلمة- فجعلت أسب الحجاج، وأذكر مساويه. قال: لا تسبه، وما يدريك لعله قال: اللهم اغفر لي، فغفر له)([113]).
ويؤديه قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}([114]) الآية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «كان رجلان في بني إسرائيل متوخيين فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال، والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أوكنت على ما في يدي قادرا، وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار»([115]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك»([116]).
فسبحانك ربنا ما أرحمك يا الله، وما أحكمك، وما أعدلك فتحت لنا باب التوبة والمغفرة، فلك الحمد يا ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد يا إلهنا ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، لك الحمد في الأولى والآخرة، يا رحمن يا رحيم.
وعن هلال بن أبي حميد قال: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: (لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان، فقيل له: يا أبا معبد أوأعنت على دمه؟ فيقول: إني أعد ذكر مساويه عونا على دمه)([117]).
قلت: ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن النصيحة لولاة أمر المسلمين
تكون سرا لا جهارا
عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدى الذي عليه»([118]).
فدل الحديث على أن النصيحة تكون للولاة سرا لا علانية ولا جهرا ولا تشهيرا فوق المنابر والمحافل والمساجد والصحف والمجلات وغير ذلك من باب النصيحة في شيء فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية فإنه خلاف السنة.
وهو أصل في إخفاء نصيحة السلطان، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه فقد برئ.
والحجة إنما هي في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا في قول أو فعل أحد من الناس، مهما كان.
قال الله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون}([119]).
وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}([120]).
وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}([121]).
إلى قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}([122]).
وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}([123]).
وأحذر إخواني المسلمين من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن في مخالفته فتنة كبيرة وعذابا وضلالا، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}([124])، وقال تعالى {فماذا بعد الحق إلا الضلال}([125]).
وبناء على هذا الحديث العظيم جاءت أقوال السلف وأفعالهم على وفقه كما سترى النقل عن بعضهم في هذا المسطور.
وعن سعيد بن جمهان قال: (أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار. قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بلى الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم. قال: فتناول يدي، فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع فائته في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك، وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه)([126]).
وعن أسامة بن زيد أنه قيل له: «ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه»([127]).
قال الحافظ عياض رحمه الله: (مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به، وينصحه سرا فذلك أجدر بالقبول)([128]). اهـ
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: (يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، لأن في إنكار جهارا ما يخشى عاقبته كما اتفق في الإنكار على عثمان جهارا إذ نشأ عنه قتله)([129]). اهـ
وقال ابن نحاس رحمه الله: (ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يود لو كلمه سرا، ونصحه خفية من غير ثالث لهما)([130]).اهـ
وقال ابن مفلح رحمه الله: (ولا ينكر أحد على السلطان إلا وعظا له وتخويفا، أو تحذيرا من العاقبة في الدنيا والآخرة، فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك، ذكره القاضي وغيره)([131]). اهـ
وقال الشوكاني رحمه الله: (ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة ولا يذل سلطان الله، وقد قدمنا في أول كتاب «السير» أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ...)([132]). اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذي يتصلون به حتى يوجه إلى الخير)([133]). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلا لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس.
كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها.
فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم، وحصل الشر والفساد.
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان، وأن يضبط الإنسان نفسه، وأن يعرف العواقب.
وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطأ، بل معالجة الخطأ لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها)([134]).
فنصيحة الأمير بالسر، وبنية خالصة، تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين.
ومع وجوب نصيحة الحكام والولاة فإن هناك شروطا ذكرها العلماء، ومنها أن يقوم بنصيحتهم وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر العلماء والفقهاء، وليس الأمر متروكا للعامة والآحاد، لأنه قد يؤدي إلى مفسدة وفتنة، ومنها وجوب اتباع سبيل الرفق واللطف واللين لدى نصح الولاة والحكام، والبعد عن مواجهتهم ومخاطبتهم بالعنف والغلظة والشدة، ومنها اتباع سبيل الإسرار في نصيحتهم، وهذا ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث إسناده صحيح: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه)([135]).
قال النووي رحمه الله: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف وإعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم)([136]). اهـ
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (فالسمع والطاعة لولاة الأمر أمر واجب ومهما قصروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم، غير أنهم يدعون إلى الحق، ويؤمرون به، ويدلون عليه، فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم)([137]). اهـ
وقال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: (والنصيحة لأئمة المسلمين، أي: لخلفائهم وقادتهم ومعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه، وتنبيههم وتذكيرهم في رفق ولطف، ومجانبة الخروج عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك)([138]). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله: (ومن النصيحة لهم: الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم، إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح) ([139]). اهـ
وهذا الذي قرره هؤلاء الأئمة من كون مناصحة ولي الأمر إنما تكون سرا... ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس، لما ينجم عن ذلك غالبا من تأليب العامة، وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن.
وهذا ليس دأب أهل السنة والجماعة، بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الناس على ولاتهم، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من أخطاء، مع قيامهم بمناصحة الولاة سرا... والتحذير من المنكرات عموما دون تخصيص فاعل، كالتحذير من الربا عموما ومن الزنا عموما... ونحو ذلك.
قال ابن الجوزي رحمه الله: (من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو: يا ظالم، يا من لا تخاف الله، فإذا كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز...)([140]). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (أن من الدين النصح لأئمة المسلمين، وهذا أوجب ما يكون فكل من واكلهم وجالسهم، وكل من أمكنه نصح السلطان، لزمه ذلك إذا رجا أن يسمع منه)([141]). اهـ
تبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه، بغزو أو غيره معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي، والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها:
مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر. لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين([142]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تحريم الخروج([143])
على ولاة أمر المسلمين إذا لم يسمعوا للنصيحة
بل الأمر بالصبر عليهم ولا ينزع يدا من طاعة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية»([144]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء)([145]). اهـ
وعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، وليأخذ بيده، فإن سمع منه فذاك، وإلا كان أدى الذي عليه»([146]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب»([147]).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله كيف تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»([148]).
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله! لا نسألك عن طاعة التقي، ولكن من فعل وفعل (وذكر الشر) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، واسمعوا، وأطيعوا»([149]).
وعن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو مريض فقلنا: حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان»([150]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: (ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل)([151]). اهـ
وقال النووي في شرحه: (معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك، فأنكروا عليهم، وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق)([152]). اهـ
قوله: (فبايعنا) المراد بالمبايعة المعاهدة وهي مأخوذة من البيع لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف.
وقوله: (وأثرة علينا) وهي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم أي اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم.
قال العلماء- كما حكى النووي-: (معناه: تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة)([153]).
والمراد من الحديث في حالتي الرضا والسخط، والعسر واليسر، والخير والشر. قال ابن الأثير([154]).
وعن سويد بن غفلة قال: «قال لي عمر رضي الله عنه: يا أبا أمية! إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمرا ينقص دينك فقل: سمع وطاعة دمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة»([155]).
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينزع يدا من طاعة»([156]).
ففي هذه الأحاديث وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، وعدم الخروج عليهم، ولا ننزع يدا من طاعة إذا لم يسمعوا للنصيحة، بل الأمر بالصبر عليهم واحتمال الأذى منهم لما في ذلك من درء المفاسد العظيمة التي تترتب على عدم الصبر عليهم من الخروج عليهم المفسدة للدين والدنيا.
قال الإمام البربهاري رحمه الله: (ولا يحل قتال السلطان، والخروج عليه وإن جار)([157]).
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل، قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}، وقال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم}، وقال تعالى: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}، وقال تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}. فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم)([158]). اهـ
وقال النووي رحمه الله: (حاصله الصبر على ظلم الولاة وأنه لا تسقط طاعتهم لظلمهم)([159]). اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله: (واجب لزوم جماعة المسلمين وسلاطينهم ولو عصوا)([160]). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله: (كان من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم كما هو من أصول أهل السنة والجماعة وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة عنه)([161]). اهـ
وقال الآجري رحمه الله: (لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن صاموا وصلوا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذرنا الخلفاء الراشدون بعده، وحذرنا الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله عليهم...)([162]). اهـ
وقال أيضا: (فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلا كان أو جائرا فخرج وجمع جماعة وسل سيفه واستحل قتال المسلمين فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه وبحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج)([163]). اهـ
ثم ساق الأحاديث الواردة فيهم.
وقال أيضا: (وقد ذكرت من التحذير عن مذهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله العظيم كشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين، وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكف لسانه ويده، ولم يهو ما هم فيه، ولم يعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى) ([164]). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله: (وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور، وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه)([165]). اهـ
وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل)([166]). اهـ
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: (ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة)([167]). اهـ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من خرج من الطاعة شبرا فمات، فميتته جاهلية) ([168]).
وعن محمد بن المنكدر قال: (بلغ ابن عمر أن يزيد بن معاوية بويع له فقال: إن كان خيرا رضينا، وإن كان شرا صبرنا)([169]).
فإن قادك الهوى إلى مخالفة الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطع لأميرك لحقك الإثم ووقعت في المحظور.
وعن عمر بن يزيد أنه قال: (سمعت الحسن- البصري- أيام يزيد بن المهلب يقول- وأتاه رهط- فأمرهم أن يلزموا بيوتهم، ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال: والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يرفع الله عز وجل ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه...)([170]).
قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان، بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم، فيصبر عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك}([171]). اهـ فالصبر على السلاطين إذا جاروا من عزائم الدين، ومن وصايا الأئمة الناصحين.
قال أبو بكر المروذي رحمه الله: (سمعت أبا عبد الله يأمر بكف الدماء، وينكر الخروج إنكارا شديدا)([172]).
وقال عبدوس بن مالك: سمعت أحمد يقول: (ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه، وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان، بالرضا أو الغلبة فقد شق هذا الخارج على المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق)([173]).
وقال سفيان الثوري: (يا شعيب! لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)([174]).
وأما ابن القيم رحمه الله فقد قال في هذا الموضوع كلاما ما أعظمه وأنفسه، وما أجدر رجال الدعوة الإسلامية وشبابها أن يجعلوه عنوان عملهم ودعوتهم وحركتهم قال: (إذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه، ويمقت أهله، مثل الإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر، وفتنة إلى آخر الدهر، وقد استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: «لا ما أقاموا الصلاة»، وقال: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر، ولا ينزعن يدا من طاعته»، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها...)([175]). اهـ
وإن شئت أن تتضح لك هذه القاعدة أكثر، وتعلم منزلتها عند علماء الأمة، فتأمل حادثة للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ساقها الإمام ابن القيم حيث قال: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية، وأخذ الأموال فدعهم)([176]). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (... وأما أهل الحق وهم أهل السنة، فقالوا: هذا هو الاختيار: أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا، فإن لم يكن، فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك، وكل إمام يقيم الجمعة والعيد، ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء، وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض، وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح)([177]). اهـ
وسئل فضيلة الشيخ الدكتور صالح السدلان: أرى أنكم لا تقصرون الخروج على السلاح بل إنكم تعتبرون أن الخروج قد يكون باللسان...؟
فأجاب: (هذا السؤال مهم، فالبعض من الإخوان قد يفعل هذا بحسن نية معتقدا أن الخروج إنما يكون بالسلاح فقط والحقيقة أن الخروج لا يقتصر على الخروج بقوة السلاح أو التمرد بالأساليب المعروفة فقط، بل إن الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح، لأن الخروج بالسلاح والعنف لا يربيه إلا الكلمة فنقول للإخوة الذين يأخذهم الحماس([178]) ونظن منهم الصلاح إن شاء تعالى: عليهم أن يتريثوا وأن نقول لهم رويدا فإن صلفكم وشدتكم تربي شيئا في القلوب، تربي القلوب الطرية التي لا تعرف إلا الاندفاع كما أنها تفتح أمام أصحاب الأغراض أبوابا ليتكلموا وليقولوا ما في نفوسهم إن حقا وإن باطلا.
ولا شك أن الخروج بالكلمة واستغلال الأقلام بأي أسلوب كان أو استغلال الشريط أو المحاضرات والندوات في تحميس الناس على غير وجه شرعي؛ أعتقد أن هذا أساس الخروج بالسلاح، وأحذر من ذلك أشد التحذير وأقول لهؤلاء: عليكم بالنظر إلى النتائج وإلى من سبقهم في هذا المجال، لينظروا إلى الفتن التي تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية ما سببها، وما الخطوة التي أوصلتهم إلى ما هم فيه، فإذا عرفنا ذلك ندرك أن الخروج بالكلمة واستغلال وسائل الإعلام والاتصال للتنفير والتحميس والتشديد يربي الفتنة في القلوب)([179]).
فالخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح.
عن أسامة بن زيد أنه قيل له: (ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه)([180]).
قال القاضي عياض رحمه الله: (مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به، وينصحه سرا، فذلك أجدر بالقبول)([181]). اهـ
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: (يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ لأن في الإنكار جهارا ما تخشى عاقبته كما اتفق في الإنكار على عثمان جهارا إذ نشأ عنه قتله)([182]). اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير)([183]). اهـ
فليس لأحد منعه- يعني السلطان- بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحا، أو يجمع عليه أعوانا، لأن في ذلك تحريكا للفتن، وتهييجا للشر، وإذهابا لهيبة السلطان من قلوب الرعية، وربما أدى ذلك إلى تجريهم على الخروج عليه، وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفى([184]).
فذهب العلماء إلى تحريم الخروج على ولاة الأمور، ونزع الطاعة من أيديهم، سواء كانوا أئمة عدولا صالحين، أم كانوا من أئمة الجور والظلم، ما دام أنهم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام.
فإن الصبر على جور الأئمة وظلمهم مع ما فيه من ضرر فإنه أخف ضررا، وأيسر خطرا من ضرر الخروج عليهم، ولهذا جاء الأمر من الشارع بوجوب السمع والطاعة، وتحريم الخروج عل الأئمة والولاة، وإن جاروا وظلموا، إلا أن يرتكبوا كفرا بواحا([185]).
وسئل مالك بن أنس: أيأتي الرجل إلى السلطان فيعظه وينصح له، ويندبه إلى الخير؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه([186]).
وعن أبي غالب قال: (كنت بدمشق فجيء بسبعين رأسا من رؤوس الحرورية فنصبت على درج المسجد، فجاء أبو أمامه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين ثم خرج فوقف عليهم فجعل يهريق عبرته ساعة ثم قال: ما يصنع إبليس بأهل الإسلام؟ ثلاث مرات، ثم قال: كلاب جهنم، ثلاث مرات، ثم قال: شر قتلى قتلت تحت ظل السماء، ثلاث مرات ثم أقبل علي فقال: يا أبا غالب إنك ببلد أهويته كثيرة وهولاته كثيرة، قلت: أجل، قال: أعاذك الله منهم. قلت: ولم تهريق عبرتك، قال: رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام، قال: أتقرأ سورة آل عمران؟ قلت: نعم، قال: اقرأ هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} إلى آخر الآية، قلت: هؤلاء كان في قلوبهم زيغ فزيغ بهم ثم قرأ: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} قال: فقلت: إنهم هؤلاء؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم» فقال رجل إلى جنبي: يا أبا أمامة أما ترى ما يصنع السواد الأعظم؟ قال: عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين، قال: السمع والطاعة خير من المعصية والفرقة يقضون لنا ثم يقتلوننا، قال: فقلت له: هذا الذي تحدث به شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تقوله عن رأيك؟ قال: إني إذا لجريء أن أحدثكم ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين حتى قالها سبعا)([187]).
قال الإمام الآجري رحمه الله: (من أمر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض أو عجمي فأطعه فيما ليس لله فيه معصية، وإن حرمك حقا لك، أو ضربك ظلما لك، أو انتهك عرضك، أو أخذ مالك، فلا يحملك ذلك على أن تخرج عليه بسيفك حتى تقاتله، ولا تخرج مع خارجي يقاتله، ولا تحرض غيرك على الخروج عليه، ولكن اصبر عليه)([188]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تولى خليفة من الخلفاء، كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم، فإما أن يقال: يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره كما يفعله من يرى السيف، فهذا رأي فاسد، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته، وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة، وأمثال هؤلاء.
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم...
وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع...
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث، ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم... ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضا اعتبار أولي الأبصار، علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين، كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يقتل... وهم في ذلك قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته، ومصلحة المسلمين، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى.
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلوما شهيدا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببا لشر عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن.
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد، ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»، ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة.
وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة في الصحيح كلها تدل على هذا... وهذا يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان محبوبا ممدوحا يحبه الله ورسوله، وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد بترك واجب أو مستحب، ولهذا لم يثن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد بما جرى من القتال يوم الجمل وصفين فضلا عما جرى في المدينة يوم الحرة، وما جرى بمكة في حصار ابن الزبير، وما جرى في فتنة ابن الأشعث وابن المهلب وغير ذلك من الفتن، ولكن تواتر عنه أنه أمر بقتال الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنهروان بعد خروجهم عليه بحروراء، فهؤلاء استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بقتالهم، ولما قاتلهم علي رضي الله عنه فرح بقتالهم، وروى الحديث فيهم، واتفق الصحابة على قتال هؤلاء، وكذلك أئمة أهل العلم بعدهم لم يكن هذا القتال عندهم كقتال أهل الجمل وصفين وغيرهما مما لم يأت فيه نص ولا إجماع، ولا حمده أفاضل الداخلين فيه، بل ندموا عليه ورجعوا عنه.
وهذا الحديث من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث ذكر في الحسن ما ذكره، وحمد منه ما حمده، فكان ما ذكره وما حمده مطابقا للحق الواقع بعد أكثر من ثلاثين سنة... وهذا بعينه هو الحكمة التي راعاها الشارع صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج على الأمراء، وندب إلى ترك القتال في الفتنة، وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر....
وبهذا الوجه صارت الخوارج تستحل السيف على أهل القبلة، حتى قاتلت عليا وغيره من المسلمين، وكذلك من وافقهم في الخروج على الأئمة بالسيف في الجملة من المعتزلة والزيدية والفقهاء وغيرهم، كالذين خرجوا مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسين، وأخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسين وغير هؤلاء، فإن أهل الديانة من هؤلاء يقصدون تحصيل ما يرونه دينا لكن قد يخطئون من وجهين:
أحدهما: أن يكون ما رأوه دينا ليس بدين، كرأي الخوارج وغيرهم من أهل الأهواء. فإنهم يعتقدون رأيا هو خطأ وبدعة، ويقاتلون الناس عليه، بل يكفرون من خالفهم، فيصيرون مخطئين في رأيهم، وفي قتال من خالفهم أو تكفيرهم ولعنهم.
وهذه حال عامة أهل الأهواء، كالجهمية الذين يدعون الناس إلى إنكار حقيقة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ويقولون: إنه ليس له كلام إلا ما خلقه في غيره، وإنه لا يرى، ونحو ذلك، وامتحنوا الناس لما مال إليهم بعض ولاة الأمور، فصاروا يعاقبون من خالفهم في رأيهم، إما بالقتل، وإما بالحبس، وإما بالعزل ومنع الرزق، وكذلك قد فعلت الجهمية ذلك غير مرة، والله ينصر عباده المؤمنين عليهم.
والرافضة شر منهم إذا تمكنوا فإنهم يوالون الكفار وينصرونهم، ويعادون من المسلمين كل من لم يوافقهم على رأيهم، وكذلك من فيه نوع من البدع، إما من بدع الحلولية: حلولية الذات أو الصفات، وإما من بدع النفاة أو الغلو في الإثبات، وإما من بدع القدرية أو الإرجاء أو غير ذلك، تجده يعتقد اعتقادات فاسدة، ويكفر من خالفه أو يلعنه، والخوارج المارقون أئمة هؤلاء في تكفير أهل السنة والجماعة وفي قتالهم.
الوجه الثاني: من يقاتل على اعتقاد رأي يدعو إليه مخالف للسنة والجماعة، كأهل الجمل وصفين والحرة والجماجم وغيرهم، لكن يظن أنه بالقتال تحصل المصلحة المطلوبة، فلا يحصل بالقتال ذلك، بل تعظم المفسدة أكثر مما كانت، فيتبين لهم في آخر الأمر ما كان الشارع دل عليه... ومما ينبغي أن يعلم أن أسباب هذه الفتن تكون مشتركة، فيرد على القلوب من الواردات ما يمنع القلوب عن معرفة الحق وقصده، ولهذا تكون بمنزلة الجاهلية، والجاهلية ليس فيها معرفة الحق ولا قصده، والإسلام جاء بالعلم النافع والعمل الصالح، بمعرفة الحق وقصده، فيتفق أن بعض الولاة يظلم باستئثار فلا تصبر النفوس على ظلمه، ولا يمكنها دفع ظلمه إلا بما هو أعظم فسادا منه، ولكن لأجل محبة الإنسان لأخذ حقه ودفع الظلم عنه، لا ينظر في الفساد العام الذي يتولد عنه فعله.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض...».
وكذلك ثبت عنه في الصحيح أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره ومنشطه ومكرهه، وأثرة عليه...».
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يصبروا على الاستئثار عليهم، وأن يطيعوا ولاة أمورهم وإن استأثروا عليهم، وأن لا ينازعوهم الأمر، وكثير ممن خروج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه، ولم يصبروا على الاستئثار... ويبقى المقاتل له ظانا أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه، إما ولاية، وإما مال.
كما قال تعالى: {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58] وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ... ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، إن أعطاه منها رضي، وإن منعه سخط...».
وأمر بالصبر على استئثارهم، ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم، لأن الفساد الناشئ من القتال في الفتنة، أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر، فلا يزال أخف الفسادين بأعظمهما.
ومن تدبر الكتاب والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبر ذلك بما يجده في نفسه...)(
قلت: وهذا القول نفيس جدا من شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، تقر به عين المؤمن المنصف الحق، فعلى الذي ابتلي بهذه المعصية، أن يراجع الصواب من قريب، ويتوب إلى الله، ويقلع عنها، بدلا من أن يظل مستمرا بها والله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما من تمسك ببعض الحق دون بعض فهذا منشأ الفرقة والاختلاف)([190]). اهـ
وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك ورأي الرجال وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم)([191]).
وقال أيضا: (فاصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم)([192]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تحريم حمل السلاح
والمشاركة فيه على ولاة أمر المسلمين
عن أم سلمة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون بعدي أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع». قالوا: (أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا، ما صلوا»)([193]).
قال النووي رحمه الله: (هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل، وقع ذلك كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.... ومعناه، من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه وليبرأ... فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه... وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضى به، أو بألا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه... لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام)([194]). اهـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا»([195]).
قوله: (فليس منا) أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعا لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله([196]).
قال الإمام البربهاري رحمه الله: (ولا يحل قتال السلطان، والخروج عليه وإن جار... وليس في السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدين والدنيا) ([197]). اهـ
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم». قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة»([198]).
قال ابن علان رحمه الله: (قوله: «ما أقاموا فيكم الصلاة» إنما منع من مقاتلتهم مدة إقامتهم الصلاة التي هي عنوان الإسلام، والفارق بين الكفر والإسلام حذرا من تهييج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكارة من تحمل نكرهم والمضارة على ما ينكر منهم)([199]). اهـ
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها ذكر لأسماء بعض الأمراء الظلمة من بني أمية، ومع ذلك لم يذكر تلك الأحاديث، ولم يدع المسلمين إلى حمل السلاح والخروج عليهم أخذا بمبدأ وجوب طاعة الولاة الظلمة في غير معصية الله تعالى، وهذا ما صرح به أبو هريرة رضي الله عنه.
فقد روى البخاري عنه أنه قال: (حفظت من الرسول الله صلى الله عليه وسلم البلعوم) ([200]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم كقوله: (أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان)، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية أنها كانت ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة)([201]). اهـ
وروى البخاري أيضا عن عمرو بن يحيى قال: أخبرني جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان- أي مروان بن الحكم- قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش»، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان، وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا: أنت أعلم)([202]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والذي يظهر أن المذكورين من جماعتهم، وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين، وإمارة الصبيان... وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمر بالخروج عليهم، مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم، لكون الخروج أشد في الهلاك، وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين)([203]). اهـ
وكان أنس بن مالك رضي الله عنه يرى وجوب الصبر على جور الولاة، ونهى عن الخروج عليهم، لأن في ذلك تفريقا لجماعة المسلمين، وسفكا لدمائهم، وإشاعة للفتنة والفوضى فيما بينهم.
وهذا ما رواه البخاري عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج، فقال: (اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم)([204]).
ومن الصحابة الذين كانوا يرون عدم الخروج على الولاة الظلمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقد بايع يزيد بن معاوية مع ظلمه ورضي أن يكون الحكم وراثيا لأن معاوية جعل الخلافة من بعده ليزيد.
وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: (لما مات معاوية سنة ستين للهجرة، وبويع ليزيد بايع ابن عمر وابن عباس)([205]). اهـ
وصيانة للدماء، ودرءا للفتنة، ومحافظة على جماعة المسلمين تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الولاية لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب جاءه الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»([206]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفيه منقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة، بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين، ومصلحة الأمة)([207]). اهـ
مما ذكرته سابقا من هدي الصحابة رضي الله عنهم في النصوص والآثار الثابتة الصحيحة تبين لنا أنه لا يجوز الخروج بالسلاح وغيره على الحاكم الجائر أيا كان جوره، وإنما السبيل الصحيح هو الصبر على جوره، وترك مكافأته إلى الله تعالى، فمن فعل ذلك آحادا أو جماعات فقد خالف هدي الصحابة رضي الله عنهم وسنتهم، وكان سببا في إحداث الفتنة، وإراقة الدماء([208]).
قال النووي رحمه الله: (وأما الخروج- يعني على الأئمة- وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق. وسبب عدم انعزاله، وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء، وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه)([209]). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على عقوبة المثبط عن
ولاة أمر المسلمين والمثير عليهم المفرق للجماعة
التثبيط([210]) عن ولي الأمر له صور عديدة، بعضها أشد من بعض، وكذا إثارة الرعية عليه.
فإذا دعا رجل إلى التثبيط أو الإثارة فإن لولي الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه، من ضرب أو حبس أو نفي- أو قتل-... أو غير ذلك لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج، والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها فكان ما يفضي إليه كذلك.
عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم، وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه»([211]).وفي رواية: «فاضربوه بالسيف، كائنا من كان».
قال النووي رحمه الله: (فيه- يعني الحديث- الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين، ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرا، فقوله صلى الله عليه وسلم: «فاضربوه بالسيف»، وفي الرواية الأخرى: «فاقتلوه» معناه إذا لم يندفع إلا بذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يريد أن يشق عصاكم» معناه: يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشفوقة وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس)([212]). اهـ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات، مات ميتة جاهلية»([213]).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية»([214]).
قال ابن أبي جمرة: (المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير، ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق)([215]). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والمراد بالميتة الجاهلية حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا، بل يموت عاصيا)([216]). اهـ
فإثارة الفتن على ولاة الأمور لا يجوز لأنها لا تعود على الأمة بخير والأحاديث الواردة في ذلك متواترة.
قال ابن علان رحمه الله: (الصبر على المقدور، والرضى بالقضاء حلوه ومره، والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم)([217]). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله: (من خرج عن طاعة الجماعة، وفارقهم في الأمر المجمع عليه فقد ضل وهلك...)([218]). اهـ
ولقد أمر العلماء بقتل كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما كـ (الخوارج) ([219]).
قال الشوكاني رحمه الله في شرح قول صاحب الأزهار: (ويؤدب من يثبط عنه أو ينفى، ومن عاداه فبقلبه: مخطئ، وبلسانه: فاسق، وبيده: محارب) قال: (وأما قوله: (ويؤدب من يثبط عنه) فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كف، وإلا كان مستحقا لتغليط العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم، وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نزع يده من طاعة الإمام فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية»([220])([221]). اهـ
وقال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: «من خلع يدا من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة لا حجة له» أي: لا حجة له في فعله، ولا عذر له ينفعه)([222]). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها تدل على أن مفارقة الجماعة وشق عصا المسلمين، والخلاف على السلطان المجتمع عليه، يريق الدم ويبيحه، ويوجب قتال من فعل ذلك. فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» فمن قال: لا إله إلا الله حرم دمه.
قيل لقائل ذلك: لو تدبرت قوله في هذا الحديث: «إلا بحقها» لعلمت أنه خلاف ما ظننت. ألا ترى أن أبا بكر الصديق قد رد على عمر ما نزع به من هذا الحديث، وقال: (من حقها الزكاة) ففهم عمر ذلك من قوله وانصرف إليه، وأجمع الصحابة عليه، فقاتلوا مانعي الزكاة، قاتلوا أهل الردة، وسماهم بعضهم أهل ردة على الاتساع، لأنهم ارتدوا عن أداء الزكاة.
ومعلوم مشهور عنهم أنهم قالوا: ما تركنا ديننا، ولكن شححنا على أموالنا. فكما جاز قتالهم عند جميع الصحابة على منعهم الزكاة، وكان ذلك عندهم في معنى قوله- عليه السلام- «إلا بحقها» فكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم، وفرق كلمتهم، لأن الفرض الواجب اجتماع كلمة أهل دين الله المسلمين على من خالف دينهم من الكافرين، حتى تكون كلمتهم واحدة وجماعتهم غير مفترقة.
ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال: الفساد في الأرض، وقتل النفس، وانتهاب الأهل والمال، والبغي على السلطان، والامتناع من حكمه، وهذا كله داخل تحت قوله: «إلا بحقها» كما يدخل في ذلك الزاني المحصن وقاتل النفس بغير حق، والمرتد عن دينه) ([223]). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على وجوب البيعة للإمام
وأنه من مات وليس له إمام مطاع مات ميتة جاهلية
عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية»([224]).
فدل الحديث على وجوب بيعة وطاعة الإمام.
وفي «الاعتصام» للشاطبي رحمه الله: (أن يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جور؟ فقال: قد بايع ابن عمر ([225]) لعبد الملك بن مروان وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه أنه كتب إليه وأمر له بالسمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه. قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة)([226]). اهـ
وقال الإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله: (من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام برا كان أو فاجرا.. هكذا قال أحمد بن حنبل) ([227]). اهـ
وقال ابن العربي رحمه الله: (وقد قال ابن الخياط: إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرها، وأين يزيد من ابن عمر؟ ولكن رأى بدينه وعلمه: التسليم لأمر الله، والفرار من التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يخفى، فخلع يزيد لو تحقق أن الأمر يعود في نصابه- [فيه تعرض لفتنة عظيمة]، فكيف ولا يعلم ذلك؟ وهذا أصل عظيم، فتفهموه والزموه ترشدوا إن شاء الله)([228]). اهـ
وقد بوب عليه أحمد البنا رحمه الله فقال: (وجوب البيعة ولزومها وعدم التخلي عنها)([229]). اهـ
وقد دل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه» في (كتاب الإمارة) أن عبد الله بن عمر جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال عبد الله بن مطيع: (اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»([230]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من خرج من الطاعة شبرا فمات، فميتته جاهلية) ([231]).
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (الواقع أن مسؤولي الحكومة يعتبرون ولاة أمر في رقابنا لهم بيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، وألا ننازعهم الأمر ما لم نر كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان. هكذا جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ننازعهم أمرهم، ولكن لا نقول إنهم معصومون من كبائر الإثم، ومن صغائره ومن الخطأ. هم كغيرهم من البشر يخطئون ويصيبون... فإذا رأوا مثلا إسكات واحد منا، قالوا: لا تتكلم فلا أتكلم، لماذا؟ لأن بيان الحق فرض كفاية لا يقتصر على زيد وعمرو، لو علقنا الحق بأشخاص مات الحق بموتهم، الحق لا يعلق بأشخاص.
ولنا في ذلك أسوة فإن عمار بن ياسر رضي الله عنه كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأمر الجنب أن يتيمم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرى ذلك، فدعاه يوما، وقال له: ما هذا الحديث الذي تحدث الناس به؟ يعني «أن يتيمم الجنب إذا عدم الماء أو خاف البرد» قال: أما تذكر حين بعثني الرسول صلى الله عليه وسلم وإياك في حاجة فاجتنبت وتمرغت في الصعيد، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته، فقال: يكفيك أن تقول بيديك هكذا وذكر التيمم؟ ولكن يا أمير المؤمنين إني لما أوجبه الله لك علي من الطاعة، إن شئت ألا أحدث به فعلت».
الله أكبر... صحابي جليل يمسك عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من؟.... بأمر الخليفة الذي له الطاعة. فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع أشرطة ابن عثيمين، أو أشرطة ابن باز، أو أشرطة فلان أو فلان يمتنع... وأما أن نتخذ من مثل هذه الإجراءات سبيلا إلى إثارة الناس، وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا- والله- يا إخواني أحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس...)([232]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (ولما رجع أهل المدينة من عند يزيد، مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد ابن الحنفية، فأراده على خلع يزيد، فأبي عليهم.
فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب.
فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته، وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة، متحريا للخير، يسأل عن الفقه، ملازما للسنة.
قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك.
فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا.
قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.
فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}ولست من أمركم في شيء...) ([233]). اهـ
ويصح في الاضطرار تعدد الأئمة، ويأخذ كل إمام منهم في قطره حكم الإمام الأعظم، ويجب طاعته وبيعته، ومن لم يفرق بين حالي الاختيار والاضطرار فقد جهل المعقول والمنقول([234]).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان، له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم)([235]). اهـ
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية)([236]): (قوله: (عن الطاعة) أي: طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه وكان المراد خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية، بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم. إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لقلت فائدته.
وقوله: (وفارق الجماعة) أي: خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم، واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم)([237]). اهـ
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في شرح قول صاحب (الأزهار): (ولا يصح إمامان): (وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب.
ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدرى من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكليف بما لا يطاق.
وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد...
فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.
ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها)([238]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار، واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك.
قلت: وهذا يشبه حال الخلفاء من بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب...)([239]). اهـ
فهذه أقوال علماء الأمة المجتهدين تقرر صحة تعدد الأئمة في بيعة الاضطرار. معولها على الأدلة الشرعية، والقواعد المرعية والمصالح الكلية.
وسئل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: هل من مقتضى البيعة، حفظك الله، الدعاء لولي الأمر؟
فأجاب: (من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير، ويذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له، فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يرجى من ورائها الخير دون الشر، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز، لأن المقصود من الولايات كلها تحقيق المصالح الشرعية ودرء المفاسد، أي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد وما هو أعظم وما هو أنكر لا يجوز له)([240]). اهـ
وروى البخاري عن نافع قال: (لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة»، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه)([241]).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفي هذا الحديث وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه وأنه لا ينخلع بالفسق)([242]). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على وجوب ملازمة
جماعة المسلمين وإمامهم عند ظهور الفتن
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن.... قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»([243]).
قال النووي رحمه الله: (وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية)([244]). اهـ
وقال ابن بطال رحمه الله: (فيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين وترك الخروج على أئمة الجور لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم (دعاة على أبواب جهنم) ولم يقل فيهم (تعرف وتنكر) كما قال في الأولين وهم لا يكونون كذلك إلا وهم على غير حق، وأمر مع ذلك بلزوم الجماعة)([245]). اهـ
وقال الكرماني رحمه الله: (فيه الإشارة إلى مساعدة الإمام بالقتال ونحوه إذا كان إمام، وإن كان ظالما عاصيا، والاعتزال إذا لم يكن)([246]). اهـ
وقال الطبري رحمه الله: (في الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام، فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك تنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها)([247]). اهـ
ويؤيده رواية ابن ماجة: (فلان تموت وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم).
وقال الطبري رحمه الله: (والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة) ([248]). اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة... وأما أهل الأهواء كالمعتزلة فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم، وتجعل المعتزلة أصول دينهم خمسة: التوحيد (الذي هو سلب الصفات)، والعدل (الذي هو المنزلة بين المنزلتين)، والتكذيب بالقدر، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الذي هو قتال الأئمة)!!!)([249]). اهـ
وقال في موضع آخر: (ولا يعدل أحد عن الطريق الشرعية إلى الطرق البدعية إلا لجهل أو عجز أو غرض فاسد)([250]). اهـ
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمور، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم»([251]).
قوله: «لا يغل...»من الأغلال، وهو الخيانة في كل شيء، ويروى (يغل) من الغل وهو الحقد والشحناء أي: لا يدخله حقد يزيله عن الحق([252]).
فدل الحديث على نصيحة ولاة الأمور، ولزوم جماعتهم.
قال ابن القيم رحمه الله: (وقوله: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم...»إلى آخره، أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه مع هذه الثلاث، فإنها تنفي الغل والغش ومفسدات القلب وسخائمه.
فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش كما قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} فلما أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء فانصرف عنه السوء والفحشاء.
ولهذا لما علم إبليس أن لا سبيل له على أهل الإخلاص استثناهم من شرطته التي اشترطها للغواية والإهلاك فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين} قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} فالإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام هو مركب السلامة، والإيمان خاتم الأمان.
وقوله: «ومناصحة أئمة المسلمين» وهذا - أيضا– مناف للغل والغش، فإن النصيحة لا تجامع الغل، إذ هي ضده، فمن نصح الأئمة والأمة فقد برئ من الغل.
وقوله: «ولزوم جماعتهم» هذا- أيضا- مما يطهر القلب من الغل والغش، فإن صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسره ما يسرهم.
وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، فإن قلوبهم ممتلئة غلا وغشا، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشهم للأئمة والأمة، وأشدهم بعدا عن جماعة المسلمين.
فهؤلاء أشد الناس غلا وغشا بشهادة الرسول والأمة عليهم وشهادتهم على أنفسهم بذلك، فإنهم لا يكونون فقط إلا أعوانا وظهرا على أهل الإسلام، فأي عدو قام للمسلمين كانوا أعوان ذلك العدو وبطانته.
وهذا أمر قد شاهدته الأمة منهم، ومن لم يشاهد فقد سمع منه ما يصم الآذان ويشجي القلوب.
وقوله: «فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنى، شبه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم المانع من دخول عدوهم عليهم، فتلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام وهم داخلوها، لما كانت سورا وسياجا عليهم، أخبر أن من لزم جماعة المسلمين أحاطت به تلك الدعوة التي هي دعوة الإسلام كما أحاطت بهم، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته)([253]). اهـ
وقد جمع هذا الحديث العظيم ما يقوم به دين الناس ودنياهم، فهو من جوامع الكلام الذي أوتيه رسولنا صلى الله عليه وسلم، ولبيان عظم هذا الحديث وجلالة شأنه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهذه الثلاث - يعني إخلاص العمل ومناصحة أولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين- تجمع أصول الدين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة.
وبيان ذلك أن الحقوق قسمان: حق لله، وحق لعباده.
فحق الله أن نعبده ولا نشرك به شيئا... وحقوق العباد قسمان: خاص وعام.
أما الخاص فمثل بر كل إنسان والديه، وحق زوجته، وجاره فهذه من فروع الدين، لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأن مصلحتها خاصة فردية.
وأما الحقوق العامة فالناس نوعان: رعاة ورعية.
فحقوق الرعاة مناصحتهم، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله جميعا. فهذه الخصال تجمع أصول الدين)([254]). اهـ
وقال الحافظ ابن الأثير رحمه الله: (... والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر.
و(عليهن) في موضع الحال، تقديره: لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن)([255]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (و (يغل) بالفتح هو المشهور، ويقال: غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد. أي قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاثة، وهي المتقدمة في قوله: «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاة أمركم» فإن الله إذا كان يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحب ما يحبه الله يغل عليها، ويبغضها ويكرهها فيكون في قلبه عليها غل، بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها)([256]). اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم دعا لمن حفظ مقالته هذه، فوعاها ثم أداها تأكيدا منه في حفظها وتبليغها، وهي قوله: ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ولزوم الجماعة، ومناصحة أولي الأمر)([257]). اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- بعد أن ذكر هذه الخصال الثلاث: (ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسبب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها)([258]). اهـ
وقال ابن الأثير رحمه الله: على قوله: فإن دعوتهم تحيط من ورائهم: (أي تحوطهم وتكنفهم وتحفظهم، يريد أهل السنة دون أهل البدعة...)([259]). اهـ
وعن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: بالجماعة، وبالسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم» قالوا: يا رسول الله! وإن صام وصلى؟ قال: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل: المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل»([260]).
فدل الحديث على النهي الشديد في مفارقة الجماعة والخروج عنها.
قال الخطابي رحمه الله: (الربقة ما يجعل في عنق الدابة، كالطوق يمسكها لئلا تشرد.
يقول: من خرج عن طاعة الجماعة، وفارقهم في الأمر المجمع عليه فقد ضل وهلك، وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التي هي محفوظة بها، فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع) ([261]). اهـ
ومن تشديد الشارع في ترك الجماعة ومفارقتها إخباره أن من مات وهو خارج عن الطاعة مفارق للجماعة مات ميتة جاهلية([262]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه»([263]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية»([264]).
وفي لفظ: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات، إلا مات ميتة جاهلية».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وقوله: «قيد شبر» بكسر المعجمة وسكون الموحدة، وهي كناية عن معصية السلطان ومحاربته)([265]). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله: (... فإن في مفارقة الأئمة والأمراء مفارقة الألفة، وزوال العصمة، والخروج من كنف الطاعة وظل الأمنة، وهو الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأراده بقوله صلى الله عليه وسلم: «من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية»، وذلك أن أهل الجاهلية لم يكن لهم إمام يجمعهم على دين ويتألفهم على رأي واحد، بل كانوا طوائف شتى وفرقا مختلفين، آراؤهم متناقضة، وأديانهم متباينة...)([266]). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهليا...)([267]). اهـ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (هذه أمور خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية الكتابيين والأميين مما لا غنى للمسلم عن معرفتها...
(المسألة الثالثة): أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى فيه وأعاد...) ([268]). اهـ
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وعبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها يكفيها المؤنة فتبرجت من بعده»([269]).
قوله: «ثلاثة لا تسأل عنهم» كناية عن عظيم هلكتهم.
قال المناوي رحمه الله: (قوله: «ثلاثة لا تسأل عنهم» أي: فإنهم من الهالكين. رجل فارق بقلبه ولسانه واعتقاده أو ببدنه ولسانه... الجماعة المعهودين وهم جماعة المسلمين، «وعصى إمامه» إما بنحو بدعة كالخوارج... وإما بنحو بغي أو حرابة أو احتيال أو عدم إظهار الجماعة في الفرائض، فكل هؤلاء لا يسأل عنهم لحل دمائهم...)([270]). اهـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يد الله على الجماعة»([271]).
وعن سماك بن الوليد الحنفي أن لقي ابن عباس بالمدينة فقال: (ما يقول في سلطان علينا يظلموننا ويشتموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا ألا نمنعهم؟ قال –ابن عباس- لا أعطيهم يا حنفي... وقال: يا حنفي الجماعة الجماعة، إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها، أما سمعت الله عز وجل يقول: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} ([272]).
وكما أن الشارع أمر بلزوم الجماعة نهى كل مؤمن بالله واليوم الآخر عن مفارقتها وشق عصاها ومخالفة كلمتها.
وما هذا الاهتمام من الشارع بأمر الجماعة إلا لبالغ أهميتها وكبير قدرها وعظيم نفعها، إذ هي رابطة المسلمين، قوتهم من قوتها، وضعفهم من ضعفها، فيها يعبد المسلم ربه آمنا، ويدعو إليه تعالى مؤيدا، المستضعف في كنفها قوي، والمظلوم في ظلها منصور، والعاجز معان([273]).
وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: (يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن)([274]).
قوله: (بحبوحة الجنة)، قال أبو عبيد رحمه الله، (أراد ببحبوحة الجنة وسطها. قال: وبحبوحة كل شيء وسطه وخياره)([275]). اهـ
قال ابن العربي رحمه الله في قوله: (عليكم بالجماعة) (يحتمل معنيين:
أحدهما: أن الأمة إذا اجتمعت على قول فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر.
والثاني: إذا اجتمعوا على إمام فلا يحل منازعته ولا خلعه، وهذا ليس على العموم بل لو عقده بعضهم لجاز، ولم يحل لأحد أن يعارض)([276]). اهـ
ورجح المباركفوري رحمه الله الوجه الثاني([277]).
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن السلطان ظل الله في الأرض وأنه من لم ير على نفسه سلطانا برا كان أو فاجرا فهو على خلاف السنة)([278]). اهـ
وعن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس وقال: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم»([279]).
بوب عليه النووي فقال: (باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق).
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (فالسمع والطاعة لولاة الأمر أمر واجب ومهما قصروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم، غير أنهم يدعون إلى الحق، ويؤمرون به، ويدلون عليه، فعليهم ما حملوا وعلى رعاياهم ما حملوا من السمع والطاعة لهم)([280]). اهـ
فعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإن قمتم بما عليكم يكافئكم الله سبحانه بحسن المثوبة والأجر.
ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»([281]).
وكما أن الشارع أحل دم المفارق للجماعة.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([282]).
قال النووي رحمه الله: (وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «والتارك لدينه المفارق للجماعة» فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام.
قال العلماء: ويتناول – أيضا – كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج، والله أعلم)([283]). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تحريم غيبة ولاة أمر المسلمين
فإنه قد اتفق أهل العلم أجمع على تحريم الغيبة للمسلم، وذلك لنص الكتاب العزيز والسنة المطهرة([284]).
أما الكتاب فقوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه}([285]).
فهذا نهي قرآني عن الغيبة، مع إيراد مثل بذلك يزيده شدة وتغليظا، ويوقع في النفوس من الكراهة له والاستقذار لما فيه ما لا يقدر قدره!
فإن أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلة وطبعا، ولو كان كافرا أو عدوا مكافحا، فكيف إذا كان أخا في النسب، أو في الدين فإن الكراهة تتضاعف بذلك ويزداد الاستقذار!
فكيف إذا كان ميتا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرا بالموت، ولا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس!
وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك.
وأما السنة: فالأحاديث عن الغيبة كثيرة، وهي ثابتة في «الصحيحين» وفي غيرهما من دواوين الإسلام وما يلحق بها مع اشتمالها على بيان ماهية الغيبة وإيضاحها، فإنه لما سأله صلى الله عليه وسلم سائل عن الغيبة فقال: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره». قيل: أرأيت إذا كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته». وهذا ثابت في «الصحيح»([286]).
وقد يأتي الشيطان فيلبس على الناس في الغيبة، فإن الشيطان قد يأتي الناس من طرق كثيرة ليوقعهم في الغيبة، فيقول لهم: فإن الذي تذكرونه من الصفات موجود بمن تذكرونهم من خلفهم فهذا لا شيء فيه فليحذر هؤلاء من مكايد الشيطان.
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حال الناس بالنسبة لولاتهم: (فإن بعض الناس ديدنه في كل مجلس يجلسه الكلام في ولاة الأمور والوقوع في أعراضهم ونشر مساوئهم وأخطائهم معرضا بذلك عما لهم من محاسن أو صواب، ولا ريب أن سلوك هذا الطريق والوقوع في أعراض الولاة لا يزيد الأمر إلا شدة، فإنه لا يحل مشكلا ولا يرفع مظلمة، وإنما يزيد البلاء بلاء، ويوجب بغض الولاة وكراهيتهم وعدم تنفيذ أوامرهم التي يجب طاعتهم فيها، ونحن لا نشك أن ولاة الأمر قد يسيئون وقد يخطئون كغيرهم من بنى آدم فإن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ولا نشك أيضا أنه لا يجوز لنا أن نسكت على إنسان ارتكب خطأ حتى نبذل ما نستطيعه من واجب النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فاذا كان كذلك فإن الواجب علينا إذا رأينا خطأ من ولاة الأمور أن نتصل بهم شفويا أو كتابيا ونناصحهم سالكين بذلك أقرب الطرق في بيان الحق لهم وشرح خطئهم، ثم نعظهم ونذكرهم فيما يجب عليهم من النصح لمن تحت أيديهم ورعاية مصالحهم ورفع الظلم عنهم... ثم إن اتعظ بواعظ القرآن والحديث فذلك هو المطلوب وإن لم يتعظ بواعظ الحديث والقرآن وعظناه بواعظ السلطان بأن نرفع الأمر إلى من فوقه ليصلح من حاله فإذا بلغنا الأمر إلى أهله الذين ليس فوقهم ولي من المخلوقين، فقد برئت بذلك الذمة، ولم يبق إلا أن نرفع الأمر إلى رب العالمين، ونسأله إصلاح أحوال المسلمين وأئمتهم)([287]). اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله: (والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في «الجرح والتعديل والنصيحة»([288]). اهـ
ويقول القرطبي رحمه الله: (والإجماع على أنها من الكبائر، وأنه يجب التوبة منها إلى الله)([289]). اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: (والكلام في ولاة الأمور من الغيبة والنميمة، وهما من أشد المحرمات بعد الشرك، لا سيما إذا كانت الغيبة للعلماء ولولاة الأمور، هذا أشد، لما يترتب عليه من المفاسد من تفريق الكلمة، وسوء الظن لولاة الأمور وبعث اليأس في نفوس الناس والقنوط)([290]). اهـ
وقال الشيخ محمد بن سبيل حفظه الله: (حذر أهل السنة والجماعة من الوقيعة في أعراض الأئمة، والتنقص لهم، أو الدعاء عليهم، لأن هذه الأمور من أسباب وجود الضغائن والأحقاد بين الولاة والرعية، ومن أسباب نشوء الفتن والنزاع في صفوف الأمة)([291]). اهـ
فالواجب على المسلم أن يسعى جهده في الإصلاح بين المؤمنين، وجمع كلمة المسلمين، والتأليف بين قلوبهم، لا سيما إن كان من أهل العلم والدعوة، أو ممن له تأثير على قومه ومجتمعه، فإن الواجب عليه في ذلك أكبر، والمسئولية عليه أعظم، في الحرص على جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم، والعمل على حصول الألفة والمحبة بين الولاة والرعية، لما فيه من نفع عظيم للإسلام والمسلمين([292]).
قال الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: (واعلم أن من أقبح أنواع الظلم ما يرجع إلى الأغراض من غيبة أو نميمة أو شتم أو قذف..)([293]). اهـ
ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب ولاة أمر المسلمين، والتفكه بأعراض المؤمنين، سم قاتل، وداء دفين، وإثم واضح مبين.
فإذا سمع المنصف هذه الآيات، والأحاديث والآثار، وكلام المحققين من أهل العلم والبصائر، وعلم أنه موقوف بين يدي الله ومسؤول عما يقول ويعمل عند حده، واكتفى به عن غيره.
وأما من غلب عليه الجهل والهوى، وأعجب برأيه، فلا حيلة فيه، نسأل الله العافية لنا، ولإخواننا المسلمين، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على الصلاة خلف ولاة أمر المسلمين
ودفع الزكاة لهم والجهاد والحج معهم
اعلم - رحمك الله - أن عمل السلف من الصحابة ومن بعدهم جرى على هذا وهو الصلاة خلف كل بر وفاجر من ولاة الأمر، ودفع الزكاة لهم، والجهاد والحج معهم، وكفى بعملهم حجة لعدم المخالفة.
عن زيد بن أسلم: (أن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله)([294]).
قال ابن زمنين رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن صلاة الجمعة والعيدين وعرفة مع كل أمير بر أو فاجر، من السنة والحق وأن من صلى معهم ثم أعادها فقد خرج من جماعة من مضى من صالح سلف هذه الأمة، وذلك أن الله تبارك وتعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}، وقد علم جل ثناؤه حين افترض عليهم السعي إليها وإجابة النداء لها أنه يصليها بهم من مجرمي الولاة وفساقها من لم يجهله فلم يكن ليفترض على عباده السعي إلى ما لا يجزيهم شهوده ويجب عليهم إعادته، وقضاتهم وحكامهم ومن استخلفوه على الصلاة وراءهم جائز... فالصلاة وراءهم جائزة الجمعة وغيرها ما صلوا الصلاة لوقتها)([295]). اهـ
وقال الإسماعيلي رحمه الله: (ويرون الصلاة الجمعة وغيرها خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا، فإن الله عز وجل فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضا مطلقا مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق ولم يستثن وقتا دون وقت، ولا أمرا بالنداء للجمعة دون أمر)([296]). اهـ
وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم برا كان أو فاجرا، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جورة فجرة)([297]). اهـ
وعن الأعمش قال: (كان كبار أصحاب عبد الله يصلون الجمعة مع المختار([298])، ويحتسبون بها)([299]).
قال ابن تيمية رحمه الله: (وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد كان يشرب الخمر، وصلى مرة الصبح أربعا، وجلده عثمان بن عفان على ذلك، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد، وكان متهما بالإلحاد، وداعيا إلى الضلال)([300]). اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم)([301]). اهـ
وقال البربهاري رحمه الله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله تعالى يعني الجماعة، والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشاركه فيه فلك نيتك)([302]). اهـ
وعن جرير رضي الله عنه قال: (جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن ناسا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا، فقال: أرضوا مصدقيكم)([303]).
قال جرير: ما صدر عني مصدق، منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو عني راض.
وعن أبي صالح: (أنه سأل عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبا سعيد الخدري عن الزكاة أينفذها على ما أمر الله أو يدفعها إلى الولاة؟ قال: بل يدفعها إلى الولاة) ([304]).
قال ابن أبي زمنين رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن دفع الصدقات إلى الولاة جائز، وأن الله قد جعل ذلك إليهم في قوله: {أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} وفي قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}([305]).
وعن عبيد الله بن عدي بن خيار: (أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام عامة ونرى بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج. فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم)([306]).
وعن إبراهيم([307]) قال: (كانوا يصلون خلف الأمراء ما كانوا)([308]).
وعن جعفر بن برقان قال: (سألت ميمونا([309]) عن رجال فذكره أنه من الخوارج، فقال: أنت لا تصل له إنما تصل لله قد كنا نصلي خلف الحجاج وكان حروريا أزرقيا)([310]).
وعن إبراهيم بن أبي حفصة قال: (قلت لعلي بن حسين إن أبا حمزة الثمالي، وكان فيه غلو يقول: لا نصلي خلف الأئمة ولا نناكح إلا من يرى مثل ما رأينا. فقال علي بن حسين: بل نصلي خلفهم ونناكح بالسنة)([311]).
وقال الطحاوي رحمه الله: (والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء، ولا ينقضهما)([312]). اهـ
قال الشارح ابن أبي العز رحمه الله: (لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر فلا بد من سائس يسوس الناس فيهما، ويقاوم، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام الفاجر)([313]). اهـ
وقال الإسماعيلي رحمه الله: (ويرون جهاد الكفار معهم، وإن كانوا جورة)([314]). اهـ
وقال ابن أبي زمنين رحمه الله: (ومن قول أهل السنة أن الحج والجهاد مع كل بر أو فاجر من السنة والحق، وقد فرض الله الحج فقال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، وأعلمنا بفضل الجهاد في غير موضع من كتابه، وقد علم أحوال الولاة الذين لا يقوم الحج والجهاد إلا بهم فلم يشترط ولم يبين وما كان ربك نسيا)([315]). اهـ
وقال البربهاري رحمه الله: (والحج والغزو مع الإمام ماض، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة)([316]). اهـ
قلت: وهذا معتقد الأئمة من أهل السنة في جميع الأمطار شاما ويمنا وحجازا وعراقا ومصرا...
قال أبو حاتم وأبو زرعة رحمهما الله: (... ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة، ولا القتال في الفتنة، ونطيع لمن ولاه الله أمره ولا ننزع يدا من طاعة، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، وأن الجهاد ماض منذ بعث الله نبيه إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين لا يبطله شيء، والحج كذلك، ودفع الصدقات من السوائم إلى أولي الأمر من أئمة المسلمين...)([317]).
وعن سفيان الثوري قال: (يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى تر ى الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل)([318]).
قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: (... ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج)([319]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، ويرون إقامة الحج والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا، ويرون إقامة الجماعات والجهاد، ويدينون بالنصيحة للأمة...)([320]). اهـ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (ادفعوا زكاة أموالكم لمن ولاه الله أمركم، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها)([321]).
قلت: يعني أن ظلم السلطان وجوره وإسرافه في أموال المسلمين لا يمنع دفع الزكاة إليه.
وعن الحكم بن الأعرج: سألت ابن عمر عن الزكاة، فقلت: (إن منا أناسا يحبون أن يضعوا زكاتهم مواضعها، فأين تأمرنا بها؟ قال: ادفعوها إلى ولاة الأمر، قلت: إنهم لا يضعونها حيث نريد. قال: إنهم ولاتها فادفعوها إليهم، وإن أكلوا بها لحوم الكلاب)([322]). يعني وإن لم يضعوها في موضعها فادفعوها إليهم.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أنه من سمع وأطاع ولاة أمر المسلمين
دخل الجنة من أي الأبواب الثمانية شاء
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عبد الله لا يشرك به شيئا، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وسمع وأطاع دخل الجنة من أي الأبواب الثمانية شاء»([323]).
فدل الحديث أنه من سمع وأطاع ولاة أمر المسلمين دخل الجنة، وشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم»([324]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الخاتمة
فالواجب على كل فرد من أفراد الدولة السمع والطاعة لولاة الأمور...
كما أن على المسلم أن يتذكر أن طاعة ولاة الأمور من أجل الطاعات، وأفضل القربات، سواء كانوا أئمة عدولا صالحين، أم كانوا من أئمة الجور، ما دام أنهم لم يخرجوا عن دائرة الإسلام فإن طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه من طاعة الله ورسوله...
فعلى المسلم الامتثال والإذعان لما يأمرون به من المعروف، وما ينهون عنه من المنكر طلبا لرضا الله سبحانه وتعالى وامتثالا لأمره، ورجاء ثوابه، وحذرا من عقوبة المخالفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله، فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق([325])([326])....). اهـ
عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له»([327]).
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «ليس السمع والطاعة فيما يحبون، فإذا كرهتم أمرا تركتموه، ولكن السمع والطاعة فيما كرهتم وأحببتم، فالسامع المطيع لا سبيل عليه، والسامع العاصي لا حجة له»([328]).
قوله: «والسامع العاصي لا حجة له» أي: لا حجة له في فعله، ولا عذر له ينفعه.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك- إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أخرجه ابن قتيبة في «عيون الأخبار» (ج 1 ص 2- ط: دار الكتاب العربي، بيروت).
وإسناده حسن.
أورده ابن الجوزي في «آداب الحسن البصري» (ص1710 ط: دار النوادر، دمشق، ط الثالثة).
انظر «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج 2 ص 117- ط: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى).
([4]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 8–ط: دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 184- ط: مكتبة المعارف، الرياض) من طريق عفان ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخرجه البيهقي أيضا في «شعب الإيمان» (ج13 ص 187- ط: الدار السلفية، الهند) من طريق سريج بن النعمان حدثنا محمد بن طلحة عن ليث قال: قال علي بن أبي طالب: (لا يصلح الناس إلا أمير بر أو فاجر...).
وإسناده فيه ليث وهو ابن أبي سليم ضعفوه.
انظر: «السير» للذهبي (ج6 ص179).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج 1 ص 64- ط: دار طيبة، الرياض)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج6 ص 142- ط: دار الكتاب العربي، بيروت) من طريقين عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البغوي في «شرح السنة» تعليقا (ج1 ص 209- ط: المكتب الإسلامي، بيروت).
([12]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 7- ط: دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
([18]) انظر: «الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية» للشيخ ابن سبيل (ص 24- ط: دار السلف، الرياض، ط: الأولى).
([23]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 15- ط: دار السلف، الرياض، ط: الرابعة).
([27]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 115- ط: دار السلف، الرياض، ط: الرابعة).
([36]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص121- ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1469- ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الأولى) وابن عبد البر في «التمهيد» (ج23 ص278- ط: مكتبة ابن تيمية، القاهرة)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص209- ط: مصطفى البابي، مصر، ط: الثانية)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص220- ط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى)، وفي «السنن الصغرى» (ج7 ص160- ط: دار البشائر، بيروت، ط: الأولى)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص956- ط: فؤاد عبد الباقي)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص17- ط: المكتب الإسلامي، بيروت)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص43- ط: المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ﭭ به.
([38]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص111- ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1466- ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص222- ط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى)، وفي «السنن الصغرى» (ج7 ص154- ط: دار البشائر، بيروت)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص4- ط: فؤاد عبد الباقي)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص252- ط: المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص212- ط: إدارة القرآن، باكستان)، والطيالسي في «المسند» (ص336- ط: دار المعرفة، بيروت)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج2 ص 109- ط: دار المعرفة، بيروت) من عدة طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
([40]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص467- ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: الأولى)، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص 54- ط: عالم الكتب، بيروت، ط: الثانية) وابن ماجة في «سننه» (ج 2 ص 955- ط: فؤاد عبد الباقي)، والطيالسي في «المسند» (ص61- ط: دار المعرفة، بيروت)، والبغوي في «شرح السنة» (ج 2 ص 239- ط: المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى) من طريق شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه به.
([42]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص111- ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1476 ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، واللفظ له، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص1317- ط: فؤاد عبد الباقي)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص156- ط: دار المعرفة، بيروت) والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص14- ط: المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الأولى) من طرق عن حذيفة رضي الله عنه به.
* وقد جاء في سنن أبي داود (ج4 ص446- ط: دار الحديث، بيروت، ط: الأولى) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه... الحديث. وفيه: (إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه) وفي لفظ: (فالزمه) وهو حديث حسن.
وانظر: «الصحيحة» للألباني (ج4 ص 399- ط: مكتبة المعارف، الرياض).
([43]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص63- ط: دار السلف، الرياض، ط: الرابعة).
([44]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص121- ط: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص955- ط: فؤاد عبد الباقي)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص114- ط: المكتب الإسلامي، بيروت)، والآجري في «الشريعة» (ص 39- ط: الأشرف، باكستان، ط الأولى)، والطيالسي في «المسند» (ص280- ط: دار المعرفة، بيروت)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص42- ط: المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص125- ط: دار الكتب العلمية، بيروت)، وأبو يعلى في «المسند» (ج7 ص191- ط: دار الثقافة العربية، بيروت، ط الأولى) من عدة طرق عن شعبة عن أبي التياح عن أنس به.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج2 ص494- ط: المكتب الإسلامي، بيروت، ط: الثانية) من طريق عثمان بن قيس الكندي عن أبيه عن عدي به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه عثمان بن قيس بن محمد الكندي ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج6 ص165- ط: الفاروق الحديثة، القاهرة) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول.
قلت: فمثله حسن في الشواهد، وأحاديث الباب تشهد له، والله الموفق.
([46]) انظر: «شرح العقيد الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص542- ط: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط: الأولى).
([47]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 193- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض)، من طريق يحيى عن سفيان قال: حدثني عبد الله بن دينار به.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 12 ص 544- ط إدارة القرآن، باكستان)، والخلال في «السنة» (ج 1 ص 111- ط دار الراية، الرياض، ط الأولى) وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص 279- ط مكتبة الغرباء، المدينة، ط الأولى)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج ص 159- ط دار المعرفة، بيروت) من طريق سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وأخرجه الآجري في «الشريعة» (ص 40- ط الأشرف، باكستان، ط الأولى) من طريقين عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد به.
ومن هذا الوجه أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» (ج 1 ص 153- ط مكتبة التوحيد، القاهرة، ط الأولى)، وابن زنجويه في «الأموال» (ج 1 ص 176- ط مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط الأولى).
([51]) هو مرداس بن أودية أحد الخوارج قاله المزي في هامش كتابه «تهذيب الكمال» (ج 7 ص 399- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثالثة).
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج 4 ص 502- ط مصطفي البابي، مصر، ط الثانية)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج 7 ص 399- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثالثة) من طريق حميد بن مهران عن سعد بن أوس عن زياد به.
قلت: وهذا سنده فيه زياد بن كسيب العدوي وهو مقبول كما في «التقريب» لابن حجر (ص 220- ط دار الرشيد، سوريا، ط الأولى)، حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
قلت: فمثله حسن في «المتابعات».
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج 5 ص 42- ط المكتب الإسلامي، بيروت) من الطريق نفسه دون ذكر القصة، ولفظه: «من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله...».
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج 5 ص 215- ط دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة): رواه أحمد والطبراني باختصار، وزاد في أوله: «الإمام ظل الله في الأرض»، ورجال أحمد ثقات. اهـ
ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي في «المسند» (ص 121- ط دار المعرفة، بيروت)، وابن حبان في «الثقات» (ج 4 ص 259- ط مؤسسة الكتب الثقافية).
وتابع زياد العدوي عليه عبد الرحمن بن أبي بكرة عند ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 492- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثالثة).
والحديث حسنه الألباني في «الصحيحة» (ج 5 ص 376- ط مكتبة المعارف، الرياض، ط الأولى ).
([53]) انظر: «معاملة الحاكم في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 111- ط دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
([55]) أخرجه الخلال في «السنة» (ج 1 ص 132- ط دار الراية، الرياض، ط الأولى) من طريق محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم. قال: فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
([56]) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج 8 ص 91- ط دار الكتاب العربي، ط الرابعة) وابن كامل في زيادته على «شرح السنة» (ص 117- ط مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، ط الأولى)، من طريق مزدويه الصائغ، قال: سمعت فضيلا يقول: (لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان. قيل له: يا أبا علي فسر لنا هذا، قال: إذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد).
وإسناده صحيح.
وانظر: تخريج أحاديث العادلين لأبي نعيم تخريج أبي الخير السخاوي (ص 90- ط دار عمار، الأردن، ط الأولى).
([69]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ عبد السلام بن برجس (ص 39- ط دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
أخرجه أحمد في «المسند» (ج 5 ص 241- ط المكتب الإسلامي، بيروت) وابن زنجويه في «الأموال» (ج 1 ص 86- ط مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط الأولى)، والبزار في «المسند» (ج 2 ص 257-ط مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، ط الأولى)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 20 ص 37- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 476- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عبد الله بن عمرو عن معاذ به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج 2 ص 299- ط دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة)، رواه الطبراني في «الكبير» وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج 20 ص 37- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة ط الثانية)، والحاكم في «المستدرك» (ج 2 ص 90- ط دار المعرفة، بيروت) وابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 477- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق عبد الله بن صالح عن ليث بن سعد عن حارث بن يعقوب عن قيس بن رافع عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو عن معاذ به.
قال الألباني في «ظلال الجنة» (ص 477- ط المكتب الإسلامي، بيروت): ورجاله موثقون على ضعف في عبد الله بن صالح وهو كاتب الليث، ولكنه قد توبع.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 9 ص 166- ط دار المعرفة، بيروت)، والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 212- ط دار المعرفة، بيروت) من طريق يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد به.
قال الحاكم: رواته مصريون ثقات.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ص 384- الموارد، ط دار الكتب العلمية، بيروت) من طريق عبد الله بن الحكم حدثنا الليث به.
والحديث صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 476- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
([74]) انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص 180- ط مكتبة لبنان، بيروت)، و«المصباح المنير» للفيومي (ج 2 ص 406- ط المكتبة العلمية، بيروت)، و «المعجم الوسيط» (ص 598- ط دار الدعوة، تركية) و«البيان» للشيخ صالح الفوزان (ص 242- ط دار ابن الجوزي، الدمام، ط الأولى).
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 499- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق أبي توبة ثنا محمد بن مهاجر عن ابن جلس عن معاوية به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 499- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
([78]) انظر: «تفسير القرطبي» (ج 5 ص 260- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الثانية).
وانظر: «تفسير القرطبي» (ج 5 ص 260- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الثانية).
وانظر: «عيون الأخبار» لابن قتيبة (ج 1 ص 19- ط دار الكتاب العربي، بيروت) و «الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج 2 ص 409- ط دار الراية، الرياض، ط الأولى).
أخرجه ابن زنجويه في «الأموال» (ج 1 ص 89- ط مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط الأولى) من طريق الحكم بن نافع به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وصفوان بن عمرو السكسكي أدرك أبا أمامة.
انظر: «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد (ج 2 ص 252- ط دار ابن كثير، بيروت، ط الأولى).
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج 2 ص 161- ط دار الحديث، بيروت، ط الأولى)، والترمذي في «سننه» (ج 2 ص 456- ط مصطفى البابي، مصر، ط الثانية)، وابن ماجه في «سننه» (ج 2 ص 1257- ط فؤاد عبد الباقي) من طريق ذر بن عبد الله عن يسيع الحضرمي عن النعمان به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([89]) انظر: «الرسالة» للشافعي (ص 217- ط مكتبة التراث، القاهرة، ط الثانية)، و «أصول الفقه الإسلامي» للزحيلي (ج 1 ص 234- ط دار الفكر، دمشق، ط الأولى)، و «تقريب الوصول إلى علم الأصول» للغرناطي (ص 187- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الأولى)، و «الأصول من علم الأصول» لشيخنا ابن العثيمين (ص 25- ط مكتبة المعارف، الرياض، ط الأولى).
([93]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 8 ص 101- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 4 ص 1957- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) وأحمد في «المسند» (ج 2 ص 243- ط المكتب الإسلامي -بيروت) وابن حبان في «صحيحه» (ج 3 ص 259- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.
أخرجه ابن زنجويه في «الأموال» (ج 1 ص 78- ط مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط الأولى) من طريق محمد بن الفضل أنا سلام بن مسكين عن أبي حكيمة عن أبي مجلز به.
قلت: وهذا سنده حسن.
([98]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ ابن برجس (ص 183- ط دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج 8 ص 104- ط مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت) من طريق عمرو بن عباس أخبرنا ابن مهدي عن المثنى بن سعيد قال: أخبرنا أبو جمرة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج 5 ص 41- ط دار الكتاب العربي، ط الرابعة) من طريق محمد بن إسحاق ثنا عباس بن محمد ثنا خلف بن تميم ثنا زائدة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وتابعه محمد بن عباد حدثنا مروان بن معاوية عن زائدة به.
أخرجه ابن أبي الدنيا في «الغيبة» ( ص83–ط الدار السلفية، الهند، ط الأولى) بسند حسن.
وإبراهيم بن عبد الله الكوفي ثنا مصعب بن المقدام عن زائدة به.
أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج 5 ص 41- ط دار الكتاب العربي، ط الرابعة).
([109]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 1 ص 99- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت)، وأبو داود في «سننه» (ج 3 ص 731- ط دار الحديث، بيروت، ط الأولى)، والترمذي في «سننه» (ج 3 ص 597- ط مصطفي البابي، ط الثانية)، وابن ماجه في «سننه» (ج 2 ص 749- ط فؤاد عبد الباقي)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 5 ص 320- ط دار المعرفة- بيروت)، وابن حبان في «صحيحه» (ج 11 ص 270 ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى)، وابن منده في «الإيمان» (ج 2 ص 616- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
أخرجه هناد في «الزهد» (ج 2 ص 464- ط دار الخلفاء، الكويت، ط الأولى، من طريق عبده عن الزبرقان به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وله شاهد: عن عون السهيمي قال: (أتيت أبا أمامة فقال: لا تسبوا الحجاج فإنه عليك أمير، وليس علي بأمير).
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج 7 ص 18- ط مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت) من طريق أزهر بن سعد عن حاتم بن أبي صغيرة عن عون به.
قوله: (ليس علي بأمير) لأن أبا أمامة في الشام والحجاج وال في العراق.
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج 5 ص 207- ط دار الحديث، ط الأولى) من طريق علي بن ثابت عن عكرمة بن عمار قال: حدثني ضمضم بن جوس قال: قال أبو هريرة به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الألباني في «حاشية شرح العقيدة الطحاوية» (ص 319- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط التاسعة).
([116]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 4 ص 2033- ط إحياء التراث العربي) من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب به.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج 6 ص 115- ط دار صادر، بيروت) من طريق عبد الله بن إدريس عن محمد بن أبي أيوب عن هلال بن أبي حميد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج 1 ص 231- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية) من طريق ابن نمير قال: حدثنا ابن إدريس به.
قلت: وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 507- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق بقية حدثنا صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد قال: قال عياض بن غنم لهشام: ألم تسمع بقول رسول الله... فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 507- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
وتابعه أبو المغيرة عن صفوان به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج 3 ص 403 و404– ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج 4 ص 328- ط مكتبة ابن تيمية، مصر) وفيه قصة جرت بين عياض بن غنم وهشام بن حكيم وكلاهما صحابي، تأني.
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج 5 ص 229- ط دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة): (رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعا وإن كان تابعيا).
وقد توبع، فأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (ج 2 ص 154- ط دار الراية، الرياض، ط الأولى)، والحاكم في «المستدرك» (ج 3 ص 290- ط دار المعرفة، بيروت)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 164- ط دار المعرفة، بيروت)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 17 ص 367- ط مكتبة ابن تيمية، مصر)، من طريقين عن عبد الله بن سالم نا الزبيدي حدثني الفضيل بن فضالة يرده إلى عبد الرحمن بن عائذ يرده إلى جبير بن نفير أن عياض بن غنم وقع على صاحب داريا حين فتحت، فأتاه هشام بن حكيم فأغلظ له القول ومكث عياض ليالي، فأتاه هشام يعتذر إليه فقال: يا عياض! ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أشد الناس عذابا يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا» فقال عياض: يا هشام! إنا قد علمنا الذي علمت ورأينا الذي رأيت وصحبنا الذي صحبت أولم تسمع يا هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده فينصحه فإن قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه» وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله فما خشيت أن يقتلك سلطان الله عز وجل فتكون قتيل سلطان الله تعالى) وإسناده حسن.
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج 5 ص 230- ط دار الكتاب العربي، بيروت): رجال ثقات وإسناده متصل.
فهذا إنكار عياض بن غنم على هشام بن حكيم الإنكار العلني على الولاة، وسياقه الدليل القاطع على وجوب الإسرار في الإنكار وما كان من هشام بن حكيم إلا التسليم والقبول لهذا الحديث، وفيه حجة على كل من خالف النص كائنا من كان.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج 4 ص 382- ط المكتب الإسلامي، بيروت) من طريق أبي النضر ثنا الحشرج بن نباتة به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 523- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية).
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج 5 ص 230- ط دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة) ثم قال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات.
([127]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 6 ص 331- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 4 ص 2290- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) من طريق الأعمش عن أبي وائل به.
([130]) «تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين» (ص 64- ط مطابع النعيمي).
([142]) انظر: «نصيحة مهمة في ثلاث قضايا» لعلماء نجد الأعلام، جمع ابن برجس (ص 47، ط دار أهل الحديث، الرياض، ط الثانية) .
([144]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 5- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1477- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، وأحمد في «المسند» (ج 1 ص 275- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والدرامي في «السنن» (ج 2 ص 241- ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، والبغوي في «شرح السنة» (ج 10 ص 47- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 157- ط دار المعرفة، بيروت)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 12 ص 161- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 510- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق الجعد أبي عثمان حدثني أبو رجاء عن ابن عباس به.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 474- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق الفضل بن موسى حدثنا حسين بن واقد عن قيس بن وهب عن أنس به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وتابعه أبو حمزة عن قيس به.
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج 13 ص 202- ط الدار السلفية، الهند، ط الأولى) بإسناد حسن.
([148]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 5- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1472- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) والترمذي في «سننه» (ج 4 ص 482- ط مصطفى البابي، مصر، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 1 ص 284- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والطيالسي في «المسند» (ص 38- ط دار المعرفة، بيروت)، وأبو يعلى في «المسند» (ج 9 ص 88- ط دار الثقافة العربية، بيروت، ط الأولى)، والبغوي في «شرح السنة» (ج 10 ص 53- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى)، والطبراني في «المعجم الصغير» (ج 2 ص 80-ط دار الكتب العلمية، بيروت)، من طريق الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله به.
([150]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 192- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1470-ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج 5 ص 220- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى)، وفي «السنن الصغرى» (ج 7 ص 138- ط دار البشائر، بيروت)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 145- ط دار المعرفة، بيروت)، ومالك في «الموطأ» (ج 2 ص 445- ط إحياء التراث العربي، بيروت)، والبغوي في «شرح السنة» (ج 10 ص 46- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى) من طرق عن عبادة به.
([156]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1482- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، وأحمد في «المسند» (ج 6 ص 24- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والدرامي في «السنن» (ج 2 ص 324- ط دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 158- ط دار المعرفة، بيروت)، من طريقين عن مسلم بن قرظة عن عوف به.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (ج 11 ص 339- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق معمر عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 11 ص 100- ط إدارة القرآن، باكستان)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج 4 ص 341- ط دار صادر، بيروت)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص 280- ط مكتبة الغرباء، المدينة، ط الأولى) من طرق عن سفيان عن محمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الآجري في «الشريعة» (ص 38- ط الأشرف، باكستان، ط الأولى، وابن سعد في الطبقات ج 9 ص 165 ط مكتبة الخانجي، القاهرة، ط أولى)، من طريق حماد بن زيد حدثنا عمر بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
([178]) وفرق الشيخ ناصر الدين الألباني بين الحماس الجاهلي، والحماس العلمي كما في شريط سؤالات أبي الحسن المصري.
فمجرد الحماس يفسد أكثر مما يصلح، وقد يقع في مشاكل، ويوقع الناس في مشاكل، فالتحمس مع الجهل يضر ولا ينفع.
([185]) انظر: «الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية» للشيخ محمد بن سبيل (ص 25- ط دار السلف، الرياض، ط الأولى)، و«فقه التعامل مع الحاكم» للدكتور محمد هنادي (ص 29- ط دار عكاظ).
([186]) انظر: «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر (ج 21 ص 285- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة).
أخرجه الحارث في «المسند» (ص 221- ط دار الطلائع، القاهرة، الزوائد) من طريق خلف بن الوليد ثنا أبو جعفر عن أبي غالب به.
قلت: وهذا سنده فيه أبو جعفر وهو الرازي ضعيف لسوء حفظه كما في التقريب لابن حجر (ص 629- ط دار البشائر، بيروت، ط الأولى).
ولكنه توبع.
فأخرجه الآجري في «الشريعة» (ج 1 ص 156- ط مؤسسة قرطبة، ط الأولى) من طريق بكر بن خلف قال: حدثنا قطن بن عبد الله الحداني قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو غالب به.
قلت: وهذا سنده فيه قطن الحداني ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جمع من الثقات، ولكنه لا يعرف له رواية عن أبيه، ولا يعرف من أبوه.
وأخرجه الآجري أيضا من طريق عصمة بن المتوكل قال: حدثني المبارك بن فضالة عن أبي غالب به.
قلت: وهذا سنده فيه المبارك بن فضالة يدلس ويسوي، وقد عنعنه.
وأخرجه الحارث في «المسند» من طريق عمرو بن قيس الملائي عن داود بن السليك عن أبي غالب به.
قلت : وهذا سنده فيه داود بن السليك ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه جمع من الثقات. فمثله حسن في المتابعات.
وأخرجه الآجري في «الشريعة» من طريق موسى بن طارق قال: سمعت الأزهر بن صالح يقول: حدثني أبو غالب به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به في المتابعات. فيقوى الحديث بمجموع طرقه.
([191]) أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص 199- ط دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج 2 ص 1071- ط دار ابن الجوزي، الدمام، ط الأولى) بسند صحيح.
([193]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1480- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) من طريق هشام عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة به.
([195]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 3 ص 23- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 1 ص 33- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج 2 ص 311- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى)، وفي «السنن الصغرى» (ج 7 ص 117- ط دار البشائر، بيروت)، وابن ماجه في «سننه» (ج 2 ص 860- ط فؤاد عبد الباقي)، وأحمد في «المسند» (ج 2 ص 3-ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والطيالسي في «المسند» (ص 251- ط دار المعرفة، بيروت)، ونعيم بن حماد في «الفتن» (ج 1 ص 167- ط مكتبة التوحيد، القاهرة، ط الأولى)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج 2 ص 132- ط مجلس دائرة المعارف، الهند، ط الأولى) من طرق عن نافع به.
([198]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1481- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت) من طريق يزيد بن يزيد عن زريق بن حيان عن مسلم بن قرظة عن عوف به.
([206]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 61- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) من طريق سفيان حدثنا إسرائيل أبو موسى فذكره.
([210]) التثبيط: يقال ثبطه (تثبيطا) قعد به عن الأمر وشغله عنه ومنعه تخذيلا ونحوه، ويقال: ثبطه على الأمر وعن الشيء عوقه وبطأ به.
انظر: «المصباح المنير للفيومي» (ج 1 ص 80- ط المكتبة العلمية، بيروت) و«المعجم الوسيط» (ج 1 ص 93- ط دار الدعوة، تركية).
([211]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1479- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت) من طرق عن زياد بن علاقة عن عرفجة به.
([213]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1477- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت) من طريق غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة به.
([220]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1478- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت) من حديث ابن عمر رضي الله عنهم
([223]) «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (ج 21 ص 282- ط مكتبة ابن تيمية، مصر، ط الأولى).
أخرجه أحمد في «المسند» ( ج4 ص 96- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 19 ص 335- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية)، وابن حبان في « صحيحه» (ج 10 ص 434- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى)، وأبو يعلى في «المسند» (ج 13 ص 366- ط دار الثقافة العربية، بيروت، ط الأولى) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن معاوية به.
قلت: وهذا سنده حسن، من أجل عاصم بن أبي النجود وهو صدوق كما في «التقريب» لابن حجر (ص 285- ط دار الرشيد، سوريا، ط الأولى).
وتابعه الأعمش عن أبي صالح به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج 6 ص 70- ط دار الحرمين، القاهرة) وإسناده صحيح.
([230]) (ج 12 ص 240- النووي، ط دار الفكر، بيروت).
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج 2 ص 70- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 77- ط دار المعرفة، بيروت)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 8 ص 156- ط دار المعرفة، بيروت)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 12 ص 335- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية)، وابن حبان في «صحيحه» (ج 10 ص 439- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى) من طرق عن ابن عمر به.
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج 5 ص 144- ط دار صادر، بيروت) من طريق عبد الله بن نافع حدثني العطاف بن خالد عن أمية بن محمد أن عبد الله بن مطيع أراد أن يفر من المدينة ليالي فتنة يزيد بن معاوية فسمع بذلك عبد الله بن عمر فخرج إليه حتى جاءه قال: أين تريدنا يا ابن عم فقال: لا أعطيهم طاعة أبدا. فقال: يا ابن عم لا تفعل فإني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات ولا بيعة عليه مات ميتة جاهلية».
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (ج 11 ص 339- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية)، والخلال في «السنة» (ج 1 ص 87- ط دار الراية، الرياض) من طريقين عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
([237]) «سبل السلام شرح بلوغ من أدلة الأحكام» (ج 2 ص 499- ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط الثالثة).
([240]) انظر: «مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة» (ص 31- ط دار المعراج الدولية، ط الأولى).
([243]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 13 ص 35- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1476- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى).
وقوله: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» المراد: الجماعة الذين ينتظمهم إمام ظاهر له شوكة وقدرة على سياسة الناس.
انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» للشيخ ابن برجس (ص 89- ط دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج 3 ص 322- ط دار الحديث، بيروت، ط الأولى)، والترمذي في «سننه» (ج 5 ص 33–ط مصطفى البابي، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 5 ص 183- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وفي «الزهد» (ص 58- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى) والدارمي في «السنن» (ج 1 ص 75- ط دار الكتب العلمية، بيروت)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج 5 ص 143- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية)، والخطيب البغدادي في «شرف أصحاب الحديث» (ص 18- ط جامعة أنقرة، تحقيق د. محمد سعيد خطيب)، وفي «الفقيه والمتفقه» (ج 2 ص 71- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الثانية)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص 504- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طرق عن شعبة عن عمر بن سليمان عن عبد الرحمن بن أبان عن أبيه عن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه» (ج 3 ص 271- ط مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط الأولى)، والألباني في «ظلال الجنة» (ص 504- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
([252]) انظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (ج 4 ص 376- ط دار الجيل، بيروت، ط الأولى)، و «المصباح المنير» للفيومي (ج 2 ص 451- ط المكتبة العلمية، بيروت)، و«المعجم الوسيط» (ج 2 ص 659- ط دارالدعوة، تركية).
([253]) «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة» (ج 1 ص 277و 278–ط دار ابن عفان، الخبر، ط الأولى).
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج 5 ص 148- ط مصطفي البابي، مصر، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 4 ص 130- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 117 و118- ط دار المعرفة، بيروت)، والطيالسي في «المسند» (ص 259- ط دار المعرفة، بيروت)، وأبو يعلى في «المسند» (ج 3 ص 140- ط دار الثقافة العربية، بيروت، ط الأولى)، والآجري في «الشريعة» (ص 8- ط الأشرف، باكستان ط الأولى)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج3 ص 195- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الأولى)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج 1 ص 383- ط مكتبة ابن تيمية، مصر)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج 5 ص 217- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثالثة) من طرق عن يحيى بن أبي كثير أن زيدا حدثه أنا أبا سلام حدثه أن الحارث حدثه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
والحديث صححه الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (ج 2 ص 379- ط مكتب التربية العربي لدول الخليج).
([263]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1476 و1477- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) من طريق غيلان بن جرير عن أبي قيس بن رباح عن أبي هريرة به.
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 204- ط عالم الكتب، بيروت، ط الثانية)، والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 119- ط دار المعرفة، بيروت)، وأحمد في «المسند» (ج 6 ص 19–ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص 43- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) وابن حبان في «صحيحه» (ج 7 ص 44- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى) من طريق أبي هاني عن عمرو بن مالك عن فضالة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 43- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
وقال الحاكم: حديث صحيح، ووافقه الذهبي.
وقال ابن عساكر: (حديث حسن غريب، تفرد به أبو هانئ، ورجال إسناده ثقات).
انظر: «الصحيحة» للألباني (ج 2 ص 72- ط مكتبة المعارف، الرياض، ط الأولى).
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج 12 ص 447- ط ابن تيمية، القاهرة، ط الثانية) من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن مرزوق مولى آل طلحة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 40- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
وأورده الهيثمي في «المجمع» (ج 5 ص 218- ط دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثالثة) ثم قال: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة.
أخرجه ابن أبي حاتم في « التفسير» (ج 2 ص 455- ط دار ابن القيم، الدمام، ط الأولى) من طريق عمرو بن علي الصيرفي حدثني عبد ربه بن بارق الحنفي وأثنى عليه خيرا حدثني سماك بن الوليد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
([273]) انظر: «معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة» لابن برجس (ص 63- ط دار السلف، الرياض، ط الرابعة).
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج 4 ص 465- ط مصطفي البابي، مصر، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 1 ص 18- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 114)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج 1 ص 249- ط مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الأولى)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج 4 ص 150- ط دار الكتب العلمية، بيروت) من طريق محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه أحمد شاكر في «شرح المسند» (ج 1 ص 112- ط دار المعارف، مصر).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([279]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1474- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص 277- ط مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، ط الأولى) من طريق شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة به.
([282]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 12 ص 201- ط مكتبة الرياض الحديثة، الرياض) ومسلم في «صحيحه» (ج 3 ص 1303- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط الأولى) وأبو داود في «سننه» (ج 4 ص 126- ط دار الحديث، بيروت، ط الأولى)، والترمذي في «سننه» (ج 4 ص 19- ط مصطفى البابي، مصر، ط الثانية)، والنسائي في «سننه» (ج 8 ص 13- ط دار البشائر، بيروت)، وابن ماجه في «سننه» (ج 2 ص 847- ط فؤاد عبد الباقي)، وأحمد في «المسند» (ج 2 ص 382- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 14 ص 270- ط إدارة القرآن، باكستان)، والشاشي في «المسند» (ج 1 ص 385- ط مكتبة العلوم والحكم، المدينة)، والبغوي في «شرح السنة» (ج 10 ص 147- ط المكتب الإسلامي، ط الأولى)، وأبو يعلى في «المسند» (ج 9 ص 128- ط دار الثقافة العربية، بيروت، ط الأولى)، والدارقطني في «العلل» (ج 5 ص 255- ط دار طيبة، الرياض، ط الأولى) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود به.
([284]) انظر: «رفع الريبة عما يجوز وما لا يجوز من الغيبة» للشوكاني (ص 13- ط دار ابن حزم، بيروت، ط الأولى).
([286]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج 4 ص 201- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت)، والترمذي في «سننه» (ج 4 ص 329- ط مصطفى البابي، مصر، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 2 ص 230- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن أبي الدنيا في «الغيبة» (ص 69- ط مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة)، والدارمي في «السنن» (ج 2 ص 299- ط دار الكتب العلمية، بيروت)، من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.
([287]) انظر: «وجوب طاعة السلطان في غير معصية الرحمن بدليل السنة والقرآن» للشيخ محمد العريني (ص 23 و24- ط جمعية البدائع الخيرية، السعودية، ط الأولى).
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج 4 ص 149- ط دار صادر، بيروت) من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن مطرف عن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «إرواء الغليل» (ج 2 ص 303- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية).
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 2 ص 378- ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) من طريق عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عمير بن هانئ قال: (شهدت ابن عمر والحجاج محاصر ابن الزبير، فكان منزل ابن عمر بينهما فكان ربما حضر الصلاة مع هؤلاء، وربما حضر الصلاة مع هؤلاء).
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «إرواء الغليل» (ج 2 ص 303- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية).
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج 3 ص 122- ط دار المعرفة، بيروت) من طريق سعيد بن عبد العزيز عن عمير بن هانئ به.
وأخرجه الشافعي في «الأم» (ج 1 ص 158- ط دار المعرفة، بيروت) من طريق مسلم عن ابن جريج عن نافع: (أن عبد الله بن عمر اعتزل بمنى في قتال ابن الزبير والحجاج بمنى فصلى مع الحجاج).
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج 4 ص 149- ط دار صادر، بيروت) من طريق جابر عن نافع به.
وجابر هو الجعفي.
([298]) هو ابن أبي عبيد الثقفي الكذاب، كان يزعم أن جبرائيل عليه السلام ينزل عليه، وهو شر من الحجاج أو مثله، قاله الذهبي.
انظر: «الميزان» (ج 4 ص 80- ط دار الفكر، بيروت).
أخرجه ابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص 284- ط مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة، ط الأولى) من طريق الصمادحي عن ابن مهدي عن سفيان عن الأعمش به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
([303]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص686- ط دار إحياء التراث العربي، بيروت) من طريق محمد بن أبي إسماعيل حدثنا عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله به.
(المصدقين): هم السعاة العاملون على الصدقات.
(أرضوا مصدقيكم): ببذل الواجب من الصدقات، وملاطفتهم، وترك مشاقهم.
أخرجه ابن أبي زمنين في «أصول السنة» (ص 286- ط مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة، ط الأولى) من طريق عبد الله بن يحيى عن أبيه عن الليث بن سعد عن سهيل أبي صالح عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ح 3 ص 156) وأبو عبيد في «الأموال» من طرق عن سهل به. وإسناده صحيح.
([306]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج 2 ص 188- ط مكتبة الرياض الحديثة)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج 1 ص 520- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن شبة في «تاريخ المدينة» (ج 4 ص 72 و73- ط دار العليان، بريدة) من طرق عن عبيد الله به.
([307]) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخغي أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة من الطبقة الخامسة، مات سنة ست وتسعين.
انظر: «التقريب» لابن حجر (ص 95- ط دار الرشيد، سوريا، ط الأولى).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج ص 378- ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم به.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وعنعنة الأعمش عن إبراهيم مشاها الحافظ الذهبي في «ميزان الاعتدال» (ج 2 ص 324- ط دار الفكر، بيروت). فهي محمولة على الاتصال.
([309])هو ميمون بن مهران الجزري أبو أيوب أصله كوفي نزل الرقة، ثقة فقيه من الطبقة الرابعة، مات سنة سبع عشرة.
أنظر: «التقريب» لابن حجر (ص 556- ط دار الرشيد، سوريا، ط الأولى).
أخرجه ابن شيبة في «المصنف» (ج 2 ص 378- ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) من طريق كثير بن هشام عن جعفر به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله ثقات.
أخرجه ابن شيبة في «المصنف» (ج 2 ص 379–ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) من طريق وكيع عن سفيان بن إبراهيم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
* وأبو حمزة الثمالي هو ثابت بن أبي صفية الكوفي، ضعيف رافضي من الطبقة الخامسة مات في خلافة أبي جعفر.
انظر: «التقريب» لابن حجر (132- ط دار الرشيد- سوريا، ط الأولى).
أخرجه العطار في «ذكر الاعتقاد» (ص92- ط دار العاصمة، الرياض، ط الأولى) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج 1 ص 151- ط دار طيبة، الرياض، ط الأولى) بإسناد صحيح.
([321]) أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 3 ص 156- ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) وابن زنجويه في «الأموال» (ج 3 ص 1149–ط مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، ط الأولى) وأبو عبيد في « الأموال» (ص 564- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى) والبيهقي في «السنن الكبرى» ج 4 ص 115- ط دار المعرفة، بيروت) من طريق ابن عون عن نافع عن ابن عمر به. قلت: وهذا سنده صحيح.
([322]) أثر صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج 3 ص 156- ط إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي) وابن زنجويه في «الأموال» (ج 3 ص 1150–ط مركز الملك فيصل للبحوث) من طريقين عن حاجب بن عمر عن الحكم به. قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج 5 ص 325- ط المكتب الإسلامي، بيروت)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 479- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق إسماعيل بن عياش عن عقيل بن مدرك عن لقمان بن عامر عن أبي راشد الحبراني عن عبادة به.
قلت: وهذا سنده فيه عقيل بن مدرك لم يوثقه غير ابن حبان. لكن روى عنه جمع من الثقات.
فمثله حسن في الشواهد.
وللحديث شاهد من حديث أبي مالك الأشعري.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 484- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية).
وإسناده ضعيف.
ويشهد له أيضا حديث أبي أمامة.
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 491- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد قالا: سمعنا أبا أمامة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الألباني في «ظلال الجنة» (ص 491- ط المكتب الإسلامي، بيروت).
وأخرجه الترمذي في «سننه» (ج 2 ص 516- ط مصطفى البابي، مصر، ط الثانية)، وأحمد في «المسند» (ج 5 ص 251- ط المكتب الإسلامي، بيروت) والحاكم في «المستدرك» (ج 1 ص 9- ط دار المعرفة، بيروت)، وابن حبان في «صحيحه» (ج 7 ص 45- ط دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى) من طريق معاوية بن صالح أخبرني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
([325]) أي: نصيب، فالخلاق: النصيب ومنه قوله تعالى: {لا خلاق لهم في الآخرة}. انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص 78- ط مكتبة لبنان، بيروت).
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ج 2 ص 489- ط المكتب الإسلامي، بيروت، ط الثانية) من طريق روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن ابن محيريز عن معاوية به.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قال الألباني: إسناده جيد. رجاله رجال البخاري غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم، وجبلة وهو ثقة.