الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / جزء فيه: إعلال: أثر عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، في صومه يوم عرفة في الحج
جزء فيه: إعلال: أثر عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، في صومه يوم عرفة في الحج
سلسلة روائع البحار في تخريج الآثار
|
27 |
جزء فيه:
إعلال: «أثر عثمان بن أبي العاص t، في صومه يوم عرفة في الحج»
تخريج:
أبي يوسف إبراهيم بن علي الحمري الأثري
غفر الله له، ولوالديه، ولشيخه، وللمسلمين
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب زدني علما
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد: أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد،
فهذه الرسالة اللطيفة في تخريج أثر عثمان بن أبي العاص t في : «صومه يوم عرفة في الحج»؛ بينت فيه ضعف هذا الأثر، وخرجته تخريجا علميا على طريقة أهل الحديث والأثر، وأنه أثر مضطرب لا يحتج به، وهو أيضا مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة المشهورة عن النبي r، ولما ثبت عن الصحابة y، في عدم صومهم ليوم عرفة للحاج، ولغير الحاج، وكذلك لمخالفته للسنة مرة ثانية لما وصل إليه من مشقة الصوم وجهده، وهو في الحج، وفي سفر؛ ومع ذلك لا يفطر!، ولا يأخذ بالرخصة من الله تعالى، ورسوله r!، فمع كل هذه العلل والمخالفة في متن هذا الأثر وأسانيده؛ فلا يجوز نسبته لصحابي لم يثبت ذلك عنه، ومن نسبه إليه بعدما تبين له، فهو خصيمه يوم القيامة، والنبي r خصيمه كذلك، وبقية الصحابة، لمخالفة ذلك صريح السنة المستفيضة المشهورة في ذلك عنهم، والله الموعد.
وهذا الجزء من سلسلتنا المباركة بإذن الله تعالى: «سلسلة روائع البحار في تخريج الآثار»، التي أسال الله تعالى أن يعظم النفع بها، وأن ييسر قبولها بين أهل العلم، وطلبته قبولا حسنا.
وختاما: لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة شيخنا العلامة المحدث العلامة: فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري حفظه الله، الذي تفضل مشكورا بقراءة هذا الجزء، ومراجعته، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، إنه سميع مجيب.
وأسأل المولى عز وجل أن يتقبله مني بقبول حسن، وأن يدخر لي ثوابه إلى يوم لقائه، يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كتبه
أبو يوسف الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على ضعف أثر «عثمان بن أبي العاص t» في صومه يوم عرفة في الحج، وهو t: يستحيل أن يفعل ذلك، وهو يعلم أن النبي r شرب لبنا يوم عرفة في الحج، ولما فيه من نهيه r، ولما فيه من الرخصة، وترك المشقة في الدين.
عن الحسن البصري قال: (رأيت عثمان بن أبي العاص t، وهو بعرفات صائما قد جهده الصوم. قال: وهو يرش عليه الماء، ويروح عنه).
أثر منكر مضطرب، لا يحتج به
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (603)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8333)، والفاكهي في «أخبار مكة» (2767) من طريقين عن هشيم([1])، ومعتمر بن سليمان([2])؛ كلاهما: عن حميد الطويل ([3])، حدثنا الحسن البصري به.
قلت: وهذا أثر مضطرب في أسانيده ومتونه عن الحسن البصري، وهو أيضا مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة المشهورة عن النبي r، ولما ثبت عن الصحابة y، في عدم صومهم ليوم عرفة للحاج، ولغير الحاج، وحتى أنه مخالف لما جاء عن الحسن البصري في كراهته لصوم عرفة في الحج، وثبت عنه أيضا أنه لا يرى ليوم عرفة فضلا أصلا بين الأيام، فلا يصح بحال مع كل هذا التفاوت والتباين في المتون والأسانيد، فلا يقابل هذا القول المضطرب في مخالفة السنة الصحيحة الثابتة المشهورة المستفيضة عن النبي r وصحابته، في فطره r يوم عرفة بعرفة في حجة الوداع([4])، وتابعه الصحابة على ذلك، وكذلك لمخالفته للسنة مرة ثانية لما وصل إليه من مشقة الصوم وجهده، وهو في الحج وسفر ومع ذلك لا يفطر! ([5])، ولا يأخذ بالرخصة من الله ورسوله r! ([6])، فمع كل هذه العلل لا يجوز نسبته لصحابي لم يثبت ذلك عنه، ومن نسبه إليه بعدما تبين له، فهو خصيمه يوم القيامة، والنبي r خصيمه كذلك، وبقية الصحابة، لمخالفة ذلك صريح السنة المستفيضة المشهورة في ذلك عنهم، والله الموعد.
فمرة يقال: «رأيت عثمان بن أبي العاصt»، ومرة أخرى يقال: «رأيت عثمان بن عفان t!»، ومرة: «أنه ليس ليوم عرفة فضل على أي يوم آخر!!»، ومرة ثانية: «بأنه يعجبه صوم عرفة لفضله، وحتى أنه يأمر الحجيج بصومه!»، ومرة أخرى: «أنه كان يكره صوم يوم عرفة إذا كان بمكة!»
وإليك التفصيل:
* فرواه حميد الطويل، عن الحسن البصري: (رأيت عثمان بن أبي العاص t، وهو بعرفات صائما قد جهده الصوم. قال: وهو يرش عليه الماء، ويروح عنه).
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (603)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8333)، والفاكهي في «أخبار مكة» (2767) من طريقين عن هشيم، ومعتمر بن سليمان؛ كلاهما: عن حميد الطويل، حدثنا الحسن البصري به.
قلت: تقدم بيان أنه منكر، مضطرب، لا يحتج به.
*ورواه حميد الطويل مرة ثانية، قال؛ ذكر عند الحسن: أن صيام عرفة يعدل صيام سنة، فقال الحسن البصري: (ما أعلم ليوم فضلا على يوم، ولا لليلة على ليلة، إلا ليلة القدر فإنها خير من ألف شهر، ولقد رأيت عثمان بن أبي العاص t صام يوم عرفة، يرش عليه الماء من إداوة معه، يتبرد به).
أثر مضطرب
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (9982) من طريق يزيد بن هارون([7]) قال: أخبرنا حميد الطويل به.
قلت: وهذا من الاضطراب، وفيه إنكار الحسن البصري أي حديث في فضل صوم عرفة، وأنه لا يرى ليوم عرفة فضل، فتنبه.
فذكر الحسن: أنه ليس ليوم عرفة فضل على أي يوم آخر!!، وثم ذكر أن عثمان بن أبي العاص t صامه في شدة الحر.
* ورواه أشعث بن عبد الملك، عن الحسن البصري: (أنه كان يعجبه صوم يوم عرفة، ويأمر به حتى الحاج يأمرهم به، وقال: رأيت عثمان t بعرفات في يوم شديد الحر صائما، وهم يروحون عنه).
أثر مضطرب
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (602) من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي([8])، حدثنا النضر بن شميل([9])، أنبأنا أشعث بن عبد الملك([10])، عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا من الاضطراب، وفيه مخالفة صريحة لما تقدم من قوله أنه لا يرى ليوم عرفة فضل، وكل هذا يدل على اضطراب الأثر عن الحسن فلا يثبت عنه، ولا يحتج به.
فخالف: ما تقدم بأنه لا يرى ليوم عرفة فضل على غيره من الأيام، وهنا قال: يعجبه صوم عرفة لفضله، وحتى أنه يأمر الحجيج بصومه!، وذكر صوم عثمان بعرفات في شدة الحر.
* ورواه هشام([11])، عن الحسن البصري: (أنه كان يكره صوم يوم عرفة إذا كان بمكة).
أثر مضطرب
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (13881) من طريق معتمر بن سليمان، عن هشام، عن الحسن به.
قلت: وهذا من الاضطراب، وإسناده فيه هشام بن حسان؛ وهو ثقة إلا أن في روايته عن الحسن البصري كلام، وقد وافق رواية أشعث بن عبد الملك السالفة عن الحسن، في أنه لا يرى فضيلة لصوم عرفة، بل صرح بكراهته، وهذا القول موافق للسنة النبوية والآثار الصحابية y للحاج، ولكنه لم يذكر فيها صوم عثمان بن أبي العاص t.
وفيه: التصريح بكراهة صوم عرفة للحاج، ولم يذكر فيه صوم عثمان t.
* ورواه سهل بن أبي الصلت عن الحسن البصري: (أنه سئل عن صوم يوم عرفة؟، فقال: صامه عثمان بن عفان t في يوم حار يظلل عليه).
أثر مضطرب
أخرجه ابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج4 ص439) من طريق عبد الرحمن بن مهدي([12])، عن سهل بن أبي الصلت([13])، عن الحسن البصري به.
فتغير عثمان بن أبي العاص إلى عثمان بن عفان ﭭ، بنفس القصة في صومه عرفة في شدة الحر، مما يدل أن الرواة لم يضبطوا متن الأثر.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه سهل بن أبي الصلت السراج، وهو يتفرد بالمنكر عن الحسن البصري، لا يحتج به، وهذا أيضا من الاضطراب، وهو منكر عن عثمان بن عفان t، فقد ثبت عنه أنه كان لا يصوم يوم عرفة.([14])
قلت: فمما سبق يتبين أن الأثر لا يصح عن الحسن لاضطرابه، فلا يثبت بذلك صوم عثمان بن أبي العاص، ولا عثمان بن عفان ﭭ؛ ليوم عرفة في الحج، وكذلك لما تقدم ذكره من مخالفته للصحيح الثابت في السنة النبوية عن النبي r في فطره ليوم عرفة في الحج، وكذلك لمخالفته أمر النبي r بعدم الأخذ بالرخصة على من شق عليه الصوم؛ لدرجة وصوله أن يصب عليه الماء ويروح عنه من شدة الحر والمشقة، فكيف يخالف الصحابة سنة النبي r الظاهرة البينة المشهورة في كل ذلك، ما يثبت لنكارة هذا الأثر، وأنه لا يحتج به بحال عن أحد من الصحابة، فافهم لهذا.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
2 |
2) |
ذكر الدليل على ضعف أثر «عثمان بن أبي العاص» في صومه يوم عرفة في الحج، وهو: يستحيل أن يفعل ذلك، وهو يعلم أن النبي شرب لبنا يوم عرفة في الحج، ولما فيه من نهيه، ولما فيه من الرخصة، وترك المشقة في الدين........................................................... |
8 |
([1]) هشيم بن بشير السلمي: ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 1023).
([2]) معتمر بن سليمان التيمي: ثقة صدوق.
وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج8 ص402)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 958)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج6 ص465).
([3]) حميد بن أبي حميد الطويل: ثقة.
وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص34)، و«تقريب التهذيب» له (ص 274)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص383).
([4]) فعن ميمونة ڤ: (أن الناس شكوا في صيام النبي r يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف، فشرب منه، والناس ينظرون).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص702)، ومسلم في «صحيحه» (1124).
([5]) قلت: والمسافر في سفره إذا شاء صام، وإذا شاء أفطر، إلا إذا شق عليه الصوم فيجب أن يفطر.
فعن عائشة ڤ زوج النبي r أن حمزة بن عمرو الأسلمي t قال للنبي r: (أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام. فقال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1943)، ومسلم في «صحيحه» (1121).
وعن جابر بن عبد الله ﭭ قال: (كان رسول الله r في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1946)، ومسلم في «صحيحه» (1115).
قلت: وهذا عند المشقة، لأن الصيام قد شق عليه فلا يجوز في ذلك الصيام، ولأن هذا تشدد في محل الجواز، وعندما أخبر النبي r عن أناس قد صاموا في السفر وفيه مشقة، قال r: (أولئك العصاة، أولئك العصاة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1114) من حديث جابر بن عبد الله ﭭ.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص183)، و«المنهاج» للنووي (ج7 ص230)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج4 ص251)، و«الروضة الندية» لصديق حسن خان (ج1 ص547).
([6]) فعن عائشة ڤ قالت: (صنع النبي r شيئا ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي r، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني أعلمهم بالله، وأشدهم له خشية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (6101)، و(7301)، ومسلم في «صحيحه» (2356).
وعن عائشة ڤ قالت: (ما خير رسول الله r بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر؛ إلا اختار أيسرهما).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص230)، و (ج8 ص198)، ومسلم في «صحيحه» (ج7 ص80).
وعن عائشة ڤ قالت: (كان رسول الله r إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (20).
([8]) محمد بن علي بن الحسن بن شقيق بن دينار المروزي: ثقة صاحب حديث.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 879).
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 1002)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج8 ص477).
([10]) أشعث بن عبد الملك الحمراني: ثقة فقيه.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 150)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص430).
([11]) هشام بن حسان الأزدي: ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 1020).
([12]) عبد الرحمن بن مهدي الإمام المشهور: ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 601).