الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / جزء فيه: إعلال: أثر الزبير بن العوام رضي الله عنه في صومه يوم عرفة وهو حاج
جزء فيه: إعلال: أثر الزبير بن العوام رضي الله عنه في صومه يوم عرفة وهو حاج
سلسلة روائع البحار في تخريج الآثار
|
28 |
جزء فيه:
إعلال: «أثر الزبير بن العوام t في صومه يوم عرفة وهو حاج»
تخريج:
أبي يوسف إبراهيم بن علي الحمري الأثري
غفر الله له، ولوالديه، ولشيخه، وللمسلمين
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر، وأعن
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد: أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد،
فهذه الرسالة اللطيفة في تخريج أثر الزبير بن العوام t في : «صومه يوم عرفة وهو حاج»؛ بينت فيه ضعف هذا الأثر، وخرجته تخريجا علميا على طريقة أهل الحديث والأثر، وأنه أثر منكر لا يحتج به، وهو أيضا مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة المشهورة عن النبي r، ولما ثبت عن الصحابة y، في عدم صومهم ليوم عرفة للحاج، ولغير الحاج، فكيف للزبير بن العوام t وهو من البدريين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن كبار الصحابة، وهو قريب للنبي r فهو ابن عمته، وممن تابع وصاحب النبي r ورافقه في سفره، وغزوه، وحجه، وإقامته، ولم يفارقه منذ أسلم كما ثبت ذلك عنه([1])، وصاحب أبا بكر، وعمر، وعثمان y، فكيف لهذا الصحابي الجليل الزبير بن العوام t أن يخالف سنة النبي r الظاهرة الجلية المشهورة، وثم يخالف الصحابة كافة في عدم صوم يوم عرفة في الحج، ويتفرد بهذه العبادة في كل حج ولا يتركها قط!، فمع نكارة وعلل هذا الأثر في متنه وسنده؛ فلا يجوز نسبته لصحابي لم يثبت ذلك عنه، ومن نسبه إليه بعدما تبين له، فهو خصيمه يوم القيامة، والنبي r خصيمه كذلك، وبقية الصحابة، لمخالفة ذلك صريح السنة المستفيضة المشهورة في ذلك عنهم، والله الموعد.
وهذا الجزء من سلسلتنا المباركة بإذن الله تعالى: «سلسلة روائع البحار في تخريج الآثار»، التي أسال الله تعالى أن يعظم النفع بها، وأن ييسر قبولها بين أهل العلم، وطلبته قبولا حسنا.
وختاما: لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة شيخنا العلامة المحدث العلامة: فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري حفظه الله، الذي تفضل مشكورا بقراءة هذا الجزء، ومراجعته، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، إنه سميع مجيب.
وأسأل المولى عز وجل أن يتقبله مني بقبول حسن، وأن يدخر لي ثوابه إلى يوم لقائه، يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كتبه
أبو يوسف الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على ضعف أثر «الزبير بن العوام t» في صومه يوم عرفة وهو حاج
عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: (ما شهد أبي عرفة قط؛ إلا وهو صائم).
أثر منكر
أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (604) من طريق محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، وحدثنا عثام بن علي؛ عن: هشام بن عروة، عن أبيه به.
قلت: وهذا إسناده منكر، فإنه من رواية هشام بن عروة وهو من الثقات، ولكن قد تكلم على رواية العراقيين عنه، وخاصة ما تأخر منها، وهذه منها، ويؤيد ذلك أن روايته هذه جائت من طريق شعبة وعثام بن علي عنه([2])، ما يدل أن رواية هشام هذه متأخرة، فإن عثاما من الكوفيين وقد توفي في سنة «195هـ»([3])، وأما هشام توفي في سنة «145هـ»([4])، مما يدل أنه سمع منه هذا الأثر في: «العراق متأخرا»، وتقدم أنه تكلم في رواية هشام بن عروة في العراق وخاصة المتأخرة منها([5])، وإنما قلنا أن هذه الرواية منها، فهي منكرة لأمور: أنه لم يروه عن هشام أحد من المدنيين، حيث أن روايتهم عنه أصح من العراقيين، وأيضا أن صوم عرفة للحاج؛ مخالف للسنة النبوية والآثار الصحابية، فكيف للزبير بن العوام t وهو من البدريين، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن كبار الصحابة، وهو قريب للنبي r فهو ابن عمته، وممن تابع وصاحب النبي r ورافقه في سفره، وغزوه، وحجه، وإقامته، ولم يفارقه منذ أسلم كما ثبت ذلك عنه([6])، وصاحب أبا بكر، وعمر، وعثمان y، فكيف نقبل رواية هشام عنه وقد تكلم فيها، على أن جده الزبير t يخالف سنة النبي r الظاهرة الجلية المشهورة، وثم يخالف الصحابة كافة في عدم صوميوم عرفة في الحج، ويتفرد بهذه العبادة كل حج ولا يتركها قط! ([7])، وهذا ما يؤكد أن هشام بن عروة غلط فيه مما رواه بالعراق، وهو الأرجح، فافهم لهذا ترشد.
قلت: وقد أعل أئمة الحديث عددا من الأحاديث بهشام بن عروة، وبخاصة فيما يرويه عنه أهل العراق.
فقد أعل الحافظ ابن حجر / في «أطراف المسند المعتلي» (ج9 ص439)، حديثا بأنه مما أخطأ فيه هشام بالعراق: (هذا مما أخطأ فيه هشام بن عروة بالعراق، وحديث ابن إسحاق والليث عنه وهو بالمدينة، وهو الأصح، والموافق لحديث الزهري).اهـ
وكذلك أعل بالنكارة حديثا عن عثام عن هشام؛ كما في «العلل» لابن أبي حاتم / (ج2 ص37) مع أن رواته ثقات كلهم، فقال: (سألت: أبي، وأبا زرعة؛ عن حديث رواه: يوسف بن عدي، عن عثام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة t: «أن النبي r كان إذا تعار من الليل، قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار»؟، قالا: هذا خطأ؛ إنما هو: هشام بن عروة، عن أبيه: أنه كان يقول هذا؛ رواه جرير هكذا، وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا الحديث؛ وهو منكر). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت الظراف» (ج12 ص182): (عثام بن علي العامري، عن هشام به، حديث: «كان النبي r إذا تضور من الليل. . . إلى آخره». قلت: ذكر ابن أبي حاتم في «العلل» عن أبي زرعة، ثنا يوسف بن عدي به. قال: وهو منكر). اهـ
وقد أعل الإمام أحمد / رواية لهشام عن أبيه عن جده الزبير بن العوام: بالإرسال؛ فقال: (حديث عبد الله بن الزبير ﭭ: «لكل نبي حواري، والزبير حواري وابن عمتي»؛ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى ووكيع، عن هشام بن عروة: مرسل، وحدثنا سليمان بن حرب قال؛ حدثنا حماد بن زيد: مرسل، ليس فيه ابن الزبير) ([8]).
وأعل الإمام الدارقطني / ألفاظا عن هشام بن عروة يرسلها؛ كما في «العلل» (ج14 ص165): (سئل عن حديث عروة، عن عائشة ڤ: «ما خير رسول الله r بين أمرين إلا اختار أيسرهما».
فقال: يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه؛ فرواه إسرائيل بن يونس، ووكيع، وحفص بن غياث، وعبد الله بن نمير، ومفضل بن فضالة، وسفيان بن عيينة، والقاسم بن معن، وأبو معاوية الضرير، وجعفر بن عون، ويحيى القطان، عن هشام، عن عروة، مختصرا لم يزيدوا على قوله: «ما خير رسول الله r».
ورواه: عبد الله بن المبارك، والليث بن سعد، وابن جريج، وابن يونس، وسعدان بن يحيى اللخمي، ومالك بن سعير، وابن أبي الزناد، ومحاضر، وأبو أسامة، ووكيع، وأبو معاوية، وزادوا فيه: «ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد ...»؛ في ألفاظ ذكروها.
* وهذه الألفاظ لم يسمعها هشام بن عروة من أبيه.
* بين ذلك يحيى بن سعيد القطان، قال: قال لي هشام: لم أسمع من أبي إلا قوله: «ما خير رسول الله r»؛ وأما قوله: «وما ضرب رسول الله r بيده شيئا»؛ إنما هو: عن الزهري، عن عروة، كذا قال يحيى، عن هشام.
وتابعه: أبو مسلم قائد الأعمش، عن هشام.
وخالفهما: علي بن هاشم بن البريد، رواه عن هشام، عن بكر بن وائل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ڤ.
وقول علي بن هاشم، أشبهها بالصواب، ثم الله أعلم). اهـ
قلت: أي أن أشبهها بالصواب: أنه بين هشام، وبين أبيه؛ رجلان!.
وكذلك أيضا جاء عن الدارقطني / في «العلل» (ج14 ص184): (وسئل عن حديث عروة، عن عائشة ڤ: «أن النبي r أقطع الزبير نخلا من نخيل بني النظير».
فقال: يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه؛ فرواه صالح بن موسى الطلحي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة t.
وخالفه: أبو بكر بن عياش، فرواه عن هشام، عن أبيه، عن الزبير.
وغيرهما: يرسله عن عروة، وهو المحفوظ).اهـ
قلت: وبذلك نعلم، أن هذا الأثر عن هشام، عن أبيه، عن جده الزبير بن العوام t في صومه عرفة بالحج؛ معلول بالنكارة لما تقدم، والله أعلم.
فائدة: روى عبد الرزاق في «المصنف» (7821) عن الثوري، عن عروة قال: (من أفطر يوم عرفة ليتقوى به على الدعاء كان له مثل أجر الصائم).
قلت: وهذا إسناده منقطع، فإن سفيان الثوري توفي سنة (164هـ) وعمره (61) سنة([9])، فلم يدرك عروة بن الزبير، والذي توفي في سنة (94هـ)([10]).
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
2 |
2) |
ذكر الدليل على ضعف أثر «الزبير بن العوام» في صومه يوم عرفة وهو حاج................................................................................................. |
5 |
([1]) فعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: قلت للزبير بن العوام t: (إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله r كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار). وفي رواية: (أما إني لم أفارقه منذ أسلمت).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (107)، وأحمد في «المسند» (1413)، و(1428).
([2]) أخرج البخاري لعثام عن هشام بن عروة في «صحيحه» (2520) ولكن في المتابعات؛ حديثا واحدا فقط.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص446): (روى عنه البخاري -يعني: موسى بن مسعود- أحاديث، أحدها في العتق، بمتابعة الربيع بن يحيى؛ كلاهما: عن زائدة، بمتابعة عثام بن علي؛ كلاهما: عن هشام بن عروة). اهـ
([3]) عثام بن علي العامري، أبو علي، «الكوفي»: صدوق من كبار التاسعة.
وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 659).
([5]) قال أحمد: «كأن رواية أهل المدينة عنه أحسن، أو قال: أصح»، وقال أيضا: «حين سأله الأثرم: هذا الاختلاف عن هشام، منهم من: يرسل، ومنهم من: يسند عنه، من قبله كان؟، فقال أحمد: نعم»، وقال ابن رجب: «وهذا مما يؤيد ما ذكره الإمام أحمد أن حديث أهل المدينة عنه، كمالك، وغيره، أصح من حديث أهل العراق عنه»، وقال الزهري: «أنا أعلم بعروة من هشام»، وقال علي بن المديني: «أن يحيى القطان كان يضعف أشياء حدث بها هشام بن عروة في آخر عمره، لاضطراب حفظه، بعدما أسن»، وقال يعقوب بن شيبة: «ثقة ثبت، لم ينكر عليه شيء؛ إلا: بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي نرى: أن هشاما تسهل لأهل العراق، أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه، مما كان يسمعه من غير أبيه، عن أبيه»، وقال عبد الرحمن بن خراش: «بلغني أن مالكا؛ نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه، ثم قال: قدم الكوفة ثلاث مرات، قدمة كان يقول فيها: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، والثانية، فكان يقول: أخبرني أبي، عن عائشة، وقدم الثالثة، فكان يقول: أبي، عن عائشة -يعني: يرسل عن أبيه-».
وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص45)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج6 ص35)، و«شرح علل الترمذي» لابن رجب (ج2 ص678).
([6]) فعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: قلت للزبير بن العوام t: (إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله r كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار). وفي رواية: (أما إني لم أفارقه منذ أسلمت).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (107)، وأحمد في «المسند» (1413)، و(1428).
([7]) قلت: وكان عروة بن الزبير صغيرا في عمره حين مات أبوه الزبير، فكم سنة أدرك أبيه وحج معه، ثم يخبر عنه أنه لم يشهد عرفة إلا كان صائما؟!، حتى أن من أهل العلم من عد روايته عن أبيه: مرسلة، وحملها غيرهم على الاتصال، ولكن الخبر يدل على تكرار هذا الفعل منه عددا من السنوات في عرفة بالحج.
قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص165): (وقال الدارقطني: لا يصح سماعه من أبيه، وقال مسلم بن الحجاج في «كتاب التمييز»: حج عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه فمن دونهما من الصحابة).اهـ
وقال الحافظ مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (ج9 ص225): (وذكر المزي: «أنه روى عن علي بن أبي طالب، وبشير أبي النعمان، وأبيه الزبير بن العوام، الرواية المشعرة عنده بالاتصال، وفي ذلك نظر!، لما ذكره ابن أبي حاتم في «المراسيل»: «سمعت أبي يقول: عروة عن علي مرسل، وعن بشير أبي النعمان مرسل». وفي «سؤالات حمزة للدارقطني»: «عروة لم يسمع من أبيه شيئا، والرواية في الصحيح عنه إنما هي عن أخيه عبد الله عن أبيه»!، وكذا ذكره «الحاكم» لما سأله عنه مسعود، زاد: «قال الزهري: قلت لعروة: ما تحفظ من أبيك؟ قال: الشعر الذي على عاتقه»!. وفي «التمييز» لمسلم بن الحجاج: «حج عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه الزبير فمن دونهما من الصحابة»، وذكر في «صحيحه»: حجه مع أخيه ثم مع أبيه).اهـ
وقال الحافظ الحاكم / في «سؤالات السجزي» (ص 143): (عروة لم يسمع من أبيه شيئا، إنما رواياته المخرجة في الصحيح عن أخيه عبد الله بن الزبير عن أبيه، قال الزهري: قلت لعروة: ما تحفظ عن أبيك؟ قال: الشعر الذي كان على عاتقيه). اهـ
قلت: فإن عروة / والذي ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان t والذي تولى الخلافة في سنة «24هـ»، وأما أبوه الزبير بن العوام t الذي توفي في سنة «36هـ»، بل وجد أن عروة قد أرسل عمن توفي بعد أبيه.
وانظر: «تذهيب تهذيب الكمال» للذهبي (ج5 ص71)، و(ج6 ص312)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص 487 و674)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص 236)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص226).