الرئيسية / سلسلة قواعد اللغة العربية / جزء فيه إعراب: قوله تعالى: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين
جزء فيه إعراب: قوله تعالى: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين
سلسلة قواعد اللغة العربية
|
3 |
جزء
فيه إعراب: قوله تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين[ [الجمعة: 5].
تأليف
العلامة المحدث المفسر فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأعن يا كريم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
اعلم رحمك الله أن صرف الهمم في تدوين العلوم النافعة هو سبيل النجاح، وسر الفلاح.
* وهذا الكتاب الصغير في علم القواعد في اللغة العربية، وهو في إعراب: قوله تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين[ [الجمعة: 5].
* وكان لا بد على طالب العلم الذي ليست عنده معرفة سابقة بهذا العلم، أن يتعلم لغة العرب، حتى يفهم القرآن الكريم؛ بفهم طريقة الصحابة – رضي الله عنهم – في اللغة العربية.
* إذا طلب علم النحو له غاية سامية، وهدف شريف، حيث إنه معين على فهم معاني القرآن الكريم، ومعاني السنة النبوية، ومعاني الآثار الصحابية.
* وهذا واجب على كل مسلم إذا أراد أن يفسر كتاب الله تعالى: التفسير الأثري.
* فعلم اللغة العربية من أعظم العلوم قدرا لتعلقها بفهم كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد r.
سائلا الله العلي الكبير: أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ونافعا للأمة، وأن يغفر لي ولوالدي، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
كتبه أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وبه نستعين
قال تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين[ [الجمعة: 5].
إعراب الآية الكريمة:
قوله تعالى: ]كمثل الحمار يحمل[ [الجمعة: 5].
* الكاف: في: «كمثل»؛ في موضع رفع؛ لأنها في موضع خبر المبتدأ، وهو: ]مثل الذين حملوا[.
* كمثل: جار ومجرور، متعلق بخبر المبتدأ: «مثل».
* الحمار: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره؛ أي: يحمل على ظهره.
* الكاف: حرف تشبيه، أو تكون اسما مبنيا على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ.
* مثل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
* ويحمل: جملة فعلية في موضع نصب على الحال، وتقديره: كمثل الحمار حاملا أسفارا.([1])
* وجملة مثل: استئنافية لا محل لها.
ولفظ: «الحمار»؛ يقع على الذكر والأنثى، ويجمع على: «حمير»، و«حمر»، ويستخدم منذ القدم في حمل الأمتعة، وحرث الأرض، وهو شديد التحمل والصبر.([2])
وتخصيصه هنا: بالتمثيل به؛ لأنه كالعلم في الجهل، والبله، والضلال.
والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: هذا المثل.
* مثل الذين: مبتدأ مضاف إلى اسم الموصول.
* مثل: مبتدأ مرفوع بالضمة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
* الذين: مضاف إليه، وهو اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.
* وجملة: «مثل الذين»؛ استئنافية.
* وجملة حملوا: صلة: «للذين»؛ يعني: جملة حملوا صلة الموصول([3]): «الذين» في محل جر نعت للقوم.
* حملوا: فعل ماض مبني للمجهول؛ وهو مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة.
* الواو: ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل، والألف: فارقة.
الألف الفارقة: لقد أضاف علماء اللغة العربية «الألف» هنا للتفريق بين: «واو» الجماعة، و«واو» جمع المذكر السالم المضاف.
مثل: «حضر معلمو المدرسة».
و«واو» الأسماء الستة المرفوعة؛ مثل: «جاء أبو خالد».
و«واو» العلة في الفعل المضارع؛ مثل: «ينمو النبات».
و«واو» أولو؛ بمعنى: «أصحاب» المضافة، مثل: «جاء أولو الحق».
فتزاد الألف بعد: «واو» الجماعة التي هي ضمير في محل رفع فاعل.
وتسمى: «ألف» الفصل، أو «ألف» الجماعة، ويقال لها: «ألف» التفريق أيضا؛ لأننا نفرق بها بين «واو» الجماعة التي هي ضمير في محل رفع فاعل، وبين كل «واو» تأتي في نهاية الكلمة.
ومثال ذلك: «عملوا» فسبب زيادة «الألف» هنا؛ لأن «الواو» التي قبلها ضمير في محل رفع فاعل.
ومثل هذا: «قاموا»، «صنعوا»، «لم يقوموا»، «اعملوا»، «أصبحوا»، «كونوا».
* وأما إذا كانت «الواو»: التي في نهاية الكلمة غير «واو» الجماعة؛ فإنه لا يجوز زيادة «الألف» بعدها.
مثل: «يعلو»؛ لم تزد «الألف» بعد «الواو»؛ لأن حرف «الواو» هنا: حرف علة؛ يعني: «واو» العلة، ثم إنها من أصل الكلمة.
ومثل هذا: «يربو»، «يسمو»، «يعدو»، «يدنو»، «يصفو».
* وأما إذا كانت «الواو» التي في نهاية الكلمة في جمع المذكر السالم المضاف؛ فإنه لا يجوز زيادة «الألف» بعدها أيضا.
مثل: «عاملو المصنع» لم تزد «الألف» بعد «الواو» لأن حرف، «الواو» هنا: علامة رفع جمع المذكر السالم.
ومثل هذا: «معلمو المدرسة»، «مهندسو المدينة»، «سائقو العربة»، «موظفو الوزارة».
* وأما إذا كانت «الواو» التي في نهاية الكلمة، وهي «واو» الأسماء الستة المرفوعة؛ فإنه لا يجوز زيادة «الألف» بعدها.
مثل: «جاء أبو خالد»؛ لم تزد «الألف» بعد «الواو»؛ لأن حرف «الواو» هنا: علامة رفع الأسماء الستة.
ومثل هذا: «أبو عدنان»، «حمو خالد»، «ذو مال»، «فو هبة».([4])
إذا الألف الفارقة: هي «ألف» ترسم بعد «واو» الجماعة لتفرق بين: «واو» الجماعة، و«واو» الفعل الأصلية، و«الواو» التي تكون في نهاية بعض الأسماء.
مثل الألف الفارقة: «كتبوا»، «لم ينجحوا»، «لن تسألوا»، «اخرجوا»، فهذه الألف الفارقة.
والألف الفارقة: لا تتصل إلا بالأفعال المتصلة بـ«واو» الجماعة، وأنه لا يجوز مطلقا اتصالها بالأسماء بعد «واو» الجمع.
فلا يجوز أن تقول: «مهندسوا الشركة».
فالصواب: أن تكتبها بدون «الألف» الفارقة: «مهندسو الشركة»؛ لأن «الواو» أصلية في اسم جمع المذكر السالم المضاف.
والألف الفارقة: تفرق بين «واو» الجماعة، و«الواو» في آخر بعض الأسماء، و«واو» الفعل الأصلية؛ مثل: «يسمو»، «يرجو»، «يدعو»، فهذه «الواو» الأصلية في الأفعال.
والألف الفارقة: تكتب، ولا تنطق؛ لأنها ألف زائدة في الكلمة؛ مثل «كتبوا»، «نجحوا».
* التوراة: مفعول به ثان منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ أي: كلفوا بالعمل بها.
* ثم: حرف عطف للترتيب على التراخي.
* فإن عدم وفائهم بما عهد([5]) إليهم أعجب من تحملهم لهذه العهود.
ونحو ذلك: قوله تعالى: ]إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان([6]) إنه كان ظلوما جهولا[ [الأحزاب: 72].
* لم: حرف نفي، وجزم، وقلب.
* يحملوها: فعل مضارع مجزوم بـ: «لم»، وعلامة جزمه حذف النون.
* الواو: ضمير متصل في محل رفع: فاعل.
* الهاء: ضمير متصل مبني على السكون في محل: نصب مفعول به؛ أي: ولم يعملوا بها، وغير منتفعين بآياتها.
* وجملة لم يحملوها: معطوفة على جملة الصلة؛ يعني: معطوفة على التي من قبلها.
* يحمل: فعل مضارع، وفاعله مستتر، والجملة حال.
* فيحمل: في موضع نصب على الحال، والعامل فيها معنى: المثل، أو صفة للحمار.
* فـ: «يحمل»؛ إما حال([7]) من الحمار؛ لكونه معرفة لفظا، والعامل فيه معنى: «المثل»، أو صفة له لأن تعريفه ذهني، فهو نكرة فيوصف بما توصف به على الأصح.([8])
قلت: فالذين حملوا التوراة هم: بنو إسرائيل الأحبار، وحملوا معناه: كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها.
* فهذا كما حمل الإنسان الأمانة، وليس ذلك من الحمل على الظهر.
قلت: وذكر تعالى أنهم لم يحملوها؛ أي: لم يطيعوا أمرها، ويقفوا عند حدها.
* فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل؛ كمثل حمار عليه أسفار.([9])
قلت: ومعنى الحمل هنا ليس من الحمل على الظهر، وإنما هو من الحمالة.
والحميل: الكفيل.
والحمالة: بفتح الحاء؛ أي: كفل وحمل الرسالة تحميلا كلفه حملها، وتحمل الحمالة حملها.
فقوله تعالى: ]حملوا التوراة[؛ ليس من الحمل على الظهر، وإن كان مشتقا منه، وإنما هو من الحمالة: بفتح الحاء؛ بمعنى: الكفالة، ومنه قيل؛ للكفيل: الحميل.
وقوله تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة[؛ فهذا مثل.
وقوله تعالى: ]كمثل الحمار يحمل أسفارا[؛ مثل آخر.
قلت: وبين المثلين وجه شبه، دلت عليه كاف التشبيه([10])، وهو عدم الانتفاع بما من شأنه أن ينتفع به انتفاعا عظيما لسمو قيمته، وجلال منزلته، وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف، ولذلك قال تعالى: ]بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله[ [الجمعة: 5].
قال تعالى: ]وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون[ [البقرة: 146].
قلت: فوجه الشبه هو حرمان الانتفاع من شيء عظيم النفع مع تحمل تعب استصحابه.
فبنو إسرائيل: ]حملوا التوراة[؛ أي: كلفوا أن يقوموا بحقها: ]ثم لم يحملوها[؛ أي: لم يفوا بما كلفوا به، ولم يعملوا بموجبه؛ لأن حمل التوراة يبدأ أولا بالفهم والفقه والإدراك، وينتهي ثانيا بالعمل؛ لتحقيق مدلولها في الحياة.
* كمثل: متعلق بخبر المبتدأ: «مثل»؛ أي: خبر «مثل».
* أسفارا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره؛ أي: حاملا كتبا من كتب العلم يمشي بها، ولا يدري ما فيها من كنوز.
* وجملة يحمل: في محل نصب حال من الحمار؛ أي: في محل نصب على الحال من الجار.
* وأجازوا أن تكون في محل جر نعتا للحمار؛ أي: في محل جر نعت لحمار؛ لأن: «أل»، فيه جنسية.
* يحمل أسفارا: الجملة الفعلية في محل نصب: حال.
وهي: فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة.
والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازا، تقديره: هو.
فيحمل: فعل مضارع، فاعله مستتر.
فقوله تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا[ [الجمعة: 5]؛ كلام مستأنف مسوق لضرب المثل: «لليهود»، عندما تركوا العمل بالتوراة، ولم يؤمنوا بمحمد r.
قال المفسر القيسي / في «غريب القرآن» (ص270): (قوله تعالى: ]أسفارا[ [الجمعة: 5]؛ أي: كتبا، كما أن الحمار لا ينتفع بما يحمل من الكتب، كذلك هؤلاء لا ينتفعون بالتوراة، إذ لا يعملون بها). اهـ
* وقوله تعالى: ]بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله[ [الجمعة: 5].
* بئس: فعل ماض جامد مبني على الفتح لإنشاء الذم.
* مثل القوم: فاعل بئس، وهو فاعل مضاف إلى القوم.
* مثل: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.
* القوم: مضاف إليه مجرور بالإضافة، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
* وجملة بئس مثل: استئنافية.
* الذين: صفة القوم.
* الذين: إما في موضع رفع بتقدير: مضاف محذوف، تقديره: بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا، فحذف: «مثل»؛ وهو المضاف المرفوع، وأقيم المضاف إليه مقامه.
* وإما في موضع جر على أن يكون: «الذين» وصفا للقوم الذين كذبوا بآيات الله تعالى.
ويكون المقصود بالذم محذوفا، وتقديره: مثلهم، أو هذا المثل.
كذبوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو: ضمير متصل في محل رفع: فاعل، والألف: فارقة.
فكذبوا: فعل ماض، وفاعله.
والجملة: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
بآيات الله: جار ومجرور متعلقان بالفعل: «كذبوا»، ولفظ الجلالة: مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة، وعلامة جره الكسرة؛ أي: معجزات الله الدالة على صحة نبوة الرسول الكريم.
والله: لفظ الجلالة مبتدأ.
الواو: استئنافية.
لا: نافية.
يهدي: فعل مضارع مرفوع، فاعله مستتر؛ أي: والفاعل هو.
وجملة لا يهدي: خبر المبتدأ.
الظالمين: صفة القوم؛ أي: نعت القوم، والجملة الاسمية الاستئنافية لا محل لها.
أو أن: ]مثل القوم[؛ فاعل: «بئس»، والذين كفروا هو المخصوص بالذم على حذف مضاف، أي: (مثل الذين كذبوا بآيات الله)، وهم اليهود؛ أو يكون: (الذين كفروا)؛ صفة للقوم، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير: بئس مثل القوم المكذبين مثلهم؛ أي: مثل هؤلاء الذين حملوا التوراة.([11])
قلت: فبئس مثل القوم مثل الذين كذبوا، فحذف المضاف، وهو المخصوص بالذم، وأقيم المضاف إليه مقامه.
* فيجوز أن يكون: «الذين» صفة القوم، والمخصوص محذوفا؛ أي: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله هو.
* والضمير راجع إلى: ]مثل الذين حملوا التوراة[ [الجمعة: 5].
قلت: والوصف وإن كان في الظاهر للمثل([12])، فهو راجع إلى القوم، فكأنه قال: بئس القوم قوما مثلهم.([13])
قال الإمام ابن الجوزي / في «تذكرة الأريب» (ج2 ص221): (شبههم بالحمار؛ لأنه لا يعقل ما يحمل). اهـ
* الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر: صفة للقوم.
* وجملة كذبوا: صلة؛ أي: صلة الموصول: «الذين»، الثاني.
* بآيات الله: متعلقان بكذبوا.
والمخصوص بالذم محذوف؛ أي: هذا المثل.
* والله: مبتدأ.
* وجملة لا يهدي: خبر؛ أي: في محل رفع خبر المبتدأ: «الله».
* القوم: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
* الظالمين: نعت للقوم.([14])
* الصرف:
* (أسفارا)؛ جمع سفر: بكسر السين، وسكون الفاء، وهو اسم للكتاب الكبير، وزنه: فعل بكسر الفاء، وسكون العين، ووزن: أسفار؛ أفعال.
قال أبو جعفر النحاس / في «إعراب القرآن» (ج4 ص426): (]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا[ [الجمعة: 5]؛ أي: حملوا القيام بها والانتهاء إلى ما فيها: ]ثم لم يحملوها[؛ أي: لم يفعلوا ذلك: ]كمثل الحمار يحمل أسفارا[؛ «يحمل» في موضع نصب على الحال؛ أي: حاملا، فإن قيل: فكيف جاز هذا ولا يقال: جاءني غلام هند مسرعة؟؛ فالجواب: أن المعنى مثلهم مثل الذين حملوا التوراة، وزعم الكوفيون أن «يحمل»: صلة للحمار، لأنه بمنزلة النكرة، وهم يسمون نعت النكرة صلة ثم نقضوا هذا فقالوا: المعنى كمثل الحمار حاملا؛ أسفارا: ]بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله[؛ أي: هذا المثل؛ ثم حذف هذا، لأنه قد تقدم ذكره: ]والله لا يهدي القوم الظالمين[؛ المعنى: لا يوفقهم ولا يرشدهم إذ كان في علمه أنهم لا يؤمنون، وقيل: لا يهديهم إلى الثواب). اهـ
وقال أبو البقاء العكبري / في «التبيان في إعراب القرآن» (ج2 ص1222): (قال تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا[ [الجمعة: 5].
قوله تعالى: (يحمل): هو في موضع الحال من «الحمار» والعامل فيه معنى المثل.
قوله تعالى: (بئس مثل): «مثل» هذا فاعل بئس، وفي «الذين» وجهان:
أحدهما: هو في موضع جر نعتا للقوم، والمخصوص بالذم محذوف؛ أي هذا المثل. والثاني: في موضع رفع تقديره: بئس مثل القوم مثل الذين، فمثل المحذوف: هو المخصوص بالذم، وقد حذف وأقيم المضاف إليه مقامه). اهـ
قلت: و«بئس»؛ لفظ جامع لأنواع الذم كلها، وهو ضد لفظ: «نعم»؛ في المدح.
وهما جامدان، لا يتصرفان.
* «فنعم»: منقول من قولك: نعم فلان؛ إذا أصاب نعمة.
* و«بئس»: منقول من بئس فلان؛ إذا أصاب بؤسا.
فإذا قلت: «نعم الرجل محمد([15]»، دللت على أنه قد استوفى المدح الذي يكون في سائر جنسه.
وإذا قلت: «بئس الرجل خالد»، دللت على أنه قد استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه.
قلت: وعليه فإن هذا المثل قد دل على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر أمثال السوء.
* فالمخصوص بالمدح: هو الاسم الذي تمدحه؛ جملة: «نعم».
* والمخصوص بالذم: هو الاسم الذي تذمه؛ جملة: «بئس».
* و«نعم»، و«بئس»: فعلان جامدان ليس لهما مضارع، ولا أمر، ولا يشتق منهما.
* «فنعم»: من أفعال المدح.
* و«بئس»: من أفعال الذم.
* وهي أفعال لإنشاء: المدح أو الذم، فجملها إنشائية غير طلبية، ولا خبرية، ولا بد لها من مخصوص: «بالذم» أو «المدح».
* و«نعم»: فعل ماض جامد مبني على الفتح؛ لإنشاء المدح.
والجامد: هو الذي لا ينصرف، ولا يفارق الماضي؛ أي: «نعم» لا تستعمل في غير الماضي.
* و«نعم»: لازمة على صورة واحدة؛ يعني: لا تطلب مفعولا، فتكتفي بالفاعل في الجملة.
* و«نعم»: ترفع الاسم.
* و«بئس»: فعل ماض جامد مبني على الفتح؛ لإنشاء الذم.
* والمخصوص بالمدح، أو بالذم يعرب: مبتدأ مؤخرا، والجملة الفعلية قبله المكونة من الفعل الجامد قبله: (نعم، أو بئس).
والفاعل: عبارة عن جملة فعلية في محل رفع خبر مقدم.
* أو يعرب المخصوص خبرا مرفوعا؛ لمبتدأ محذوف وجوبا.
* ويجوز في المخصوص بالمدح، أو الذم أن يتقدم على: «نعم»، و«بئس».
* ويجوز لك أن تقدم: المخصوص على: «نعم»، أو «بئس».
فتقول: «عمر بن الخطاب نعم العادل».
وتقول: «النفاق بئس الخلق».
فيعرب المخصوص هنا: مبتدأ خبره الجملة الفعلية بعده.
فالقواعد في: «نعم»، و«بئس» على ما يلي:
(1) نعم: فعل للمدح.
(2) بئس: فعل للذم.
* وهما فعلان ماضيان جامدان، كما سبق ذلك.
(3) يجب في فاعل كل منهما:
1- أن يكون مقترنا بـ«أل».([16])
2- أو مضافا إلى اسم مقترن بـ«أل».
3- أو ضميرا مستترا وجوبا مميزا بنكرة.
4- أو كلمة «ما» الموصولة، أو «من» الموصولة.
فـ«ما» الموصولة؛ بمعنى: الذي للعاقل.
و«من» الموصولة؛ بمعنى: الذي لغير العاقل.
الأمثلة:
* يأتي الفاعل محلى بالألف واللام:
قال تعالى: ]إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب[ [ص: 44].
فالعبد: فاعل نعم.
والمخصوص: بالمدح محذوف لدلالة ما قبله عليه.
وتقديره: «هو»؛ أي: أيوب عليه السلام.
وقال تعالى: ]يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير[ [الحج: 13].
فالمولى: فاعل بئس.
* أن يكون مضافا إلى ما فيه: «أل».([17])
قال تعالى: ]ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين[ [النحل: 30].
فالدار: فاعل نعم، وهو مضاف إلى ما قبله: «أل»؛ (المتقين).
والمخصوص: بالمدح؛ يحتمل أن يكون المذكور بعدها، وهو: قوله تعالى: ]جنات عدن يدخلونها[ [النحل: 31].
ويحتمل أن يكون محذوفا؛ تقديره: هي الدار.
* أن يكون ضميرا مستترا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز؛ كقولك: «نعم خلقا الصدق».
ففاعل: نعم ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: «هو»؛ لأن تفسيره النكرة: «خلقا»؛ وهي: تمييز.
والصدق: مبتدأ، والتقدير: «نعم هو خلقا الصدق».
مثال: «بئس طريقا الضلال».
* «بئس»: فعل ماض جامد يفيد الذم مبني على الفتح لا محل له.
* وفاعله: ضمير مستتر وجوبا؛ تقديره: «هو» يعود إلى التمييز بعده «طريقا».
* طريقا: تمييز للفاعل المبهم منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره.
* الضلال: مخصوص بالذم، مبتدأ مؤخر، والجملة قبله في محل رفع خبر مقدم، ويصح أن يعرب: خبرا لمبتدأ محذوف؛ تقديره: «هو».
قلت: فالمخصوص بالذم هو: «الضلال».
* فمخصوص: «نعم» أو «بئس»: هو الاسم الذي قصد مدحه، أو ذمه.
* ويجوز في إعرابه وجهان:
(1) أن يكون مبتدأ، والجملة قبله خبرا عنه.
(2) أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف وجوبا، تقديره: «الممدوح»، أو «المذموم».
* يجوز أن يتقدم مخصوص «نعم»، أو «بئس» عليهما، ويعرب حينئذ: «مبتدأ» ليس غير، والجملة بعده خبر عنه.
* مثال: «نعم البطل خالد».
نعم: فعل ماض جامد يفيد المدح مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
البطل: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره.
خالد: مخصوص بالمدح، مبتدأ مؤخر، والجملة قبله في محل رفع خبر مقدم.
ويصح: أن يعرب: خبرا لمبتدأ محذوف تقديره: «هو».
* مثال: «الصدق نعم الخلق» أو «نعم الخلق الصدق».
* مثال: «الكذب بئس صفة» أو «بئس صفة الكذب».
(4) إذا كان المخصوص بالمدح، أو بالذم مفهوما من الكلام؛ فإنه قد يحذف.
مثل: «نعم عاقبة المتقين»؛ أي: الجنة.
ومثل: «بئس دار الكافرين»؛ أي: النار.
(5) إذا جاء بعد: «نعم»، أو «بئس» كلمة وهي نكرة منصوبة؛ فإنها تعرب: تمييزا.
* مثل: «نعم عملا الإخلاص».
عملا: تمييز منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
(6) يجوز أن تلحق: تاء التأنيث الفعلين: «نعم»، و«بئس» إذا كان فاعلهما مؤنثا.
* مثل: «نعمت الصفة الوفاء».
* ومثل: «بئست الصفة الغدر».
* اسم النكرة؛ بعد: «نعم»، و«بئس» يعرب:
* «نعم عاملا المصري».
والمعرفة يعرب: «نعم العامل المصري».
معرف بـ«أل» التعريف.
قلت: إذا فاعل: «نعم»، و«بئس»؛ لا يكون إلا معرفا بـ«أل»([18])، أو مضافا إلى المعرف بـ«أل»، أو ضميرا مستترا وجوبا مميزا بنكرة، أو بكلمة «ما» أو «من» الموصولتين.
مثال: «نعم العادل عمر بن الخطاب».
العادل: فاعل «نعم»، وهو مقترن بـ«أل».
مثال: «نعم جزاء المتقين الجنة».
جزاء: مضاف إليه، وهو مضاف إلى الاسم المقترن بـ«أل»، والاسم: هو «المتقين».
مثال: «نعم مصيفا الطائف».
تجد الفاعل ضميرا مستترا وجوبا مفسرا؛ باسم منصوب بنكرة، يعرب تمييزا، وهو كلمة: «مصيفا».
مثال: «نعم ما يصنعه المعروف».
ما: الموصولة، ومثلها: «من» الموصولة أيضا؛ كقولك: «نعم من نكرم العالم».
* أمثلة على فعل «نعم»، وفعل «بئس»:
1) قال تعالى: ]ونعم أجر العاملين[ [آل عمران: 136].
2) وقال تعالى: ]فنعم عقبى الدار[ [الرعد: 24].
3) وقال تعالى: ]ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون[ [الصافات: 75].
4) وقال تعالى: ]بئس الشراب وساءت مرتفقا[ [الكهف: 29].
5) وقال تعالى: ] جهنم يصلونها وبئس القرار [ [إبراهيم: 29].
6) وقال تعالى: ]ومأواهم النار ولبئس المصير[ [النور: 57].
7) وقال تعالى: ]وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا[ [الكهف: 50].
8) «نعم الصديق من واساك».
9) «بئس الصديق من جفاك».
10) «بئس الخلق النفاق».
11) «بئس مصير الكفار جهنم».
12) «بئس صفة الكذب».
قلت: وهذا النص فيه تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب، أن يتعلم معانيه، ويعلم ما فيه، ويعمل بما فيه من أمر ونهي، لئلا يلحقه من الذم ما لحق أولئك اليهود، فهو تنديد باليهود، وفي الوقت نفسه تحذير لعامة المسلمين من أن يكونوا كاليهود في عدم الانتفاع بما فيه دواء من كل داء، وشفاء لما في الصدور.
قلت: ومن هنا فإن هذا المثل، وإن كان قد ضرب لليهود، فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن، أو العلم، فترك العمل به، ولم يؤد حقه.
البلاغة في الآية الكريمة:
فقوله تعالى: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا[ [الجمعة: 5].
* فيه تشبيه تمثيلي؛ لأن وجه الشبه منتزع من متعدد؛ أي: مثلهم في عدم الانتفاع بالتوراة، كمثل الحمار الذي يحمل الكتب، وليس له إلا التعب.([19])
قلت: وهذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة، وهذا في الحمار أظهر.
* والغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بالحمار، وتحقيرهم، فيكون تعيين الحمار أليق وأولى، ولما فيه من الذل والحقارة ما لا يكون في الغير.
قلت: نعت الله تعالى اليهود بالحيوان المعروف؛ لتركهم العمل بأحكام التوراة، وتشبيههم بـ: «الحمار» الذي يحمل على ظهره الكتب النافعة([20])،ولكنه لا يفهم منها شيئا، ولا يناله إلا التعب، وذلك الشقاء بعينه.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
5 |
2) |
إعراب الآية الكريمة............................................................................... |
7 |
([1]) وانظر: «التفسير المنير» للزحيلي (ج28 ص188)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج8 ص370)، و«إعراب القرآن» لصافي (ج28 ص362 و363)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج18 ص85)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج30 ص6)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج8 ص248)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج28 ص403)، و«إعراب القرآن الكريم» لمحي الدين الدرويش (ج10 ص90 و91).
([4]) وانظر: «معجم علوم اللغة العربية» للأشقر (ص70)، و«معجم الإعراب والإملاء» لإميل بديع (ص18)، و«الواضح في الإملاء العربي» للفرخ (ص136 و137 و138)، و«القواعد الأساسية للغة العربية» للهاشمي (ص66 و69 و72 و73).
([5]) فلم يعودوا يصلحون لهذا الأمر، وهم على هذا الزيغ والضلال، ولم تعد لهم قلوب تحمل هذه الأمانة؛ التي لا تحملها إلا القلوب الحية البصيرة الواعية، العاملة بما تحمل من العلم.
([6]) وهو إشعار بأن هذا التكليف منه تعالى لهم كان عهدا مؤكدا عليهم، حتى لكأنهم تحملوه؛ كما يتحمل الإنسان شيئا قد وضع فوق ظهره، أو كتفيه، ولكنهم نبذوا هذا العهد، وألقوا بما فوق أكتافهم من أحمال، وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم انقياد الأعمى لقائده، اللهم غفرا.
([7]) يعني: جملة يحمل هي: حال من الحمار، ولا نقول: الفعل حال؛ الجملة حال.
وانظر: «شرح الأجرومية» لشيخنا ابن عثيمين (ص407).
([8]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج8 ص370)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج18 ص85)، و«إعراب القرآن» لصافي (ج28 ص362 و363)، و«معاني القرآن» للفراء (ج3 ص155)، و«إعراب القرآن الكريم» لمحي الدين الدرويش (ج10 ص90 و91)، و«إعراب القرآن» للنحاس (ج4 ص426)، و«التبيان في إعراب القرآن» للعكبري (ج2 ص1222)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج30 ص6).
([9]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج16 ص9)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج18 ص94)، و«معاني القرآن» للفراء (ج3 ص155)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج2 ص258).
([11]) وانظر: «التفسير المنير» للزحيلي (ج28 ص188)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج8 ص370)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج30 ص6)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج8 ص248)، و«شرح صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج8 ص588)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج28 ص403).
([12]) وهو مثل لليهود والنصارى، ويلحق بهم الأحزاب البدعية بجميع أنواعهم؛ مثل: «حزب الإخوانية»، و«حزب التراثية»، و«حزب السرورية»، و«حزب القطبية»، و«حزب الصوفية»، و«حزب الداعشية»، و«حزب الربيعية»، و«حزب الطالحية»، و«حزب اللادينية»، و«حزب الأشعرية»، وغيرهم.
([13]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج28 ص94)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج8 ص259)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج18 ص93).
([19]) وانظر: «التفسير الكبير» للرازي (ج3 ص6 و7)، و«التفسير المنير» للزحيلي (ج28 ص188)، و«الوسيط» للواحدي (ج4 ص295)، و«أنوار التزيل» للبيضاوي (ج2 ص495)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج28 ص248)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج28 ص403).
([20]) واليهود وإن كان لهم عقول وأفهام، فإنهم لم ينتفعوا بها فيما ينفعهم، وفي إدراك الحقائق؛ لأنهم حفظوا اللفظ، ولم يتفهموه، ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه، وحرفوه، وبدلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهم له.
* وهؤلاء لهم فهم لم يستعملوه، لذا وصفهم الله تعالى: ]أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179].