الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / النبذ في زيادة الثقة بين قبولها، وبين ردها والراجح فيها
النبذ في زيادة الثقة بين قبولها، وبين ردها والراجح فيها
|
||||
في
زيادة الثقة
بين قبولها، وبين ردها
والراجح فيها
دراسة حديثية أثرية مختصرة في زيادة الثقة لا يستغني عنها الطالب المبتدي ولا الراغب المنتهي
بقلم:
أبي الحسن علي بن حسن بن علي العريفي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب أعن وسهل ووفق برحمتك
المقدمة
الحمد لله الذي من علينا باتباع نبينا محمد سيد المرسلين، وجعلنا ممن سلك طلب الحديث على طريقة السلف الصالحين، لنكون على آثارهم سالكين، ونقتدي بهديهم، وتحل علينا بركاتهم فننجوا من اتباع الهوى؛ فنكون من السالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العالمين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكمل العابدين، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه وذريته السادة العاملين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.([1])
فهذا جزء تكلمت فيه عن مسألة زيادة الثقة بنبذة أصولية لا يستغني عنها الطالب المبتدي، ولا الراغب المنتهي.
وختاما: لا أنسى الشكر والتقدير إلى فضيلة شيخنا العلامة المحدث فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري حفظه الله لمراجعته هذا الكتاب، والتعليق عليه.
فالله تعالى الشكر والفضل على ما من به علينا بهذا العالم الرباني في بلادنا العزيزة مملكة البحرين.
كتبه: خادم الدعوة الأثرية: أبو الحسن علي العريفي الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
تأصيل مسألة زيادة الثقة
* صورة مسألة زيادة الثقة:
قال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج1 ص425): (مسألة زيادة الثقة التي نتكلم فيها هاهنا: فصورتها: أن يروي جماعة حديثا واحدا؛ بإسناد واحد، ومتن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة([2]) لم يذكرها بقية الرواة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص171): (إذا تفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم، وهذا الذي يعبر عنه بزيادة الثقة). اهـ
قلت: فلابد أن يكون الراوي متفردا.
قلت: وزيادة الثقة المراد بها هنا زيادة التابعي فمن بعده، لا الزيادة الواقعة من صحابي آخر.
قال الحافظ ابن حجر / في «النكت على ابن الصلاح» (ص499): (أن الذي يبحث فيه أهل الحديث في هذه المسألة، إنما هو في زيادة بعض الرواة من التابعين فمن بعدهم.
أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها). اهـ
وقال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ج2 ص37): (الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر، إذا صح السند مقبولة بالاتفاق). اهـ
* حكم زيادة الثقة:
اختلف المحدثون، والفقهاء، والأصوليون: في قبول زيادة الثقة، فمنهم: من قبلها مطلقا، ومنهم: من ردها مطلقا، ومنهم: من قبلها إذا حفت بالقرائن، وهو الصحيح.([3])
قال الحافظ ابن حجر / في «نزهة النظر» (ص89): (واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا، من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه.
والعجب ممن أغفل ذلك منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذا الحسن.
والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين: كعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم، اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة). اهـ
وفي مثل هذا([4]): يقول الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص17): (وهذا الذي قاله: هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث، فقد قدمنا في الفصول: أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء، وأصحاب الأصول، والمحققون من المحدثين، وصححه الخطيب البغدادي ... لأنهما: زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام في أصول الأحكام» (ج2 ص90): (وإذا روى العدل زيادة على ما روى غيره، فسواء انفرد بها، أو شاركه فيها غيره مثله، أو دونه، أو فوقه؛ فالأخذ بتلك الزيادة فرض). اهـ
قلت: وهناك فرق بين تفرد الراوي بالحديث في أصله، إذا ثبتت المخالفة بالقرائن، وبين تفرده بزيادة؛ فكان تفرده بالزيادة هذه في أصله مقبولا؛ لثبوت الأدلة في أصلها؛ بمعنى: اللفظ في اللغة، ولقيام قرينة على صحة هذا المعنى.
قلت: لذلك ويظهر أحيانا: أن الأئمة يرون صحة: قبول زيادة الثقة إذا حفت بالأدلة، والأصول، والقرائن، وإن خالفه الأكثر؛ لأن فيها زيادة علم عليهم، ولها أصل في لغة العرب في المعنى.([5])
* وهذه قاعدة متفق على العمل بها عند أهل الحديث.([6])
قلت: فتكون زيادة محضة حفظها: «الراوي الثقة»؛ دون بقية أصحاب: شيخه؛ فتقبل منه هذه الزيادة بناء على العلم: وهو جازم بما رواه، وهذا يرجح بالقرائن، والقواعد.([7]) ([8])
وقال الحافظ البيهقي / في «معرفة السنن» (ج6 ص229)؛ في حديث: (وهذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده، وفي رفعه إلى النبي r، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه وهو من الثقات الأثبات). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج2 ص824): (وهذا لا يضر؛ لأن عبدالله بن أبي بكر قد أسنده، وزيادات الثقات مقبولة).اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج4 ص270): (وقد تقرر في الأصول، وعلم الاصطلاح أن الرفع من الثقة زيادة مقبولة). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المجموع» (ج6 ص289): (ولا يضر كون بعض طرقه ضعيفا، أو موقوفا؛ فإن الثقة الواصل له مرفوعا معه زيادة علم، فيجب قبولها... والحديث حسن يحتج به اعتمادا على رواية الثقات الرافعين، والزيادة من الثقة مقبولة). اهـ
قلت: فتقبل زيادة العدل الذي ينفرد بها: ويجب قبولها إذا أفادت حكما يتعلق بها، ولو في المعنى الصحيح.
قال العلامة الشيخ أحمد شاكر / في «الباعث الحثيث» (ص146): (والعدل: هو المسلم البالغ العاقل، الذي سلم من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.
وأما الضبط: فهو إتقان ما يرويه الراوي؛ بأن يكون متيقظا لما يروي، غير مغفل، حافظا لروايته إن روى من حفظه، ضابطا لكتابه، إن روى من الكتاب، عالما بمعنى ما يرويه، وبما يحيل المعنى عن المراد، إن روى بالمعنى، حتى يثق المطلع على روايته، المتتبع لأحواله، بأنه أدى الأمانة كما تحملها، لم يغير منها شيئا، وهذا مناط التفاضل بين الرواة الثقات، فإذا كان الراوي عدلا ضابطا بالمعنى الذي شرحنا سمي: «ثقة».
ويعرف ضبطه بموافقة الثقات المتقنين الضابطين، إذا اعتبر حديثه بحديثهم.
ولا تضر مخالفته النادرة لهم، فإن كثرت مخالفته لهم وندرت الموافقة، اختل ضبطه، ولم يحتج بحديثه). اهـ
قال الإمام البخاري / في «صحيحه» (ص241): (والزيادة مقبولة، والمفسر يقضي على المبهم، إذا رواه أهل الثبت). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص349): (قوله: (والزيادة مقبولة)؛ أي من الحافظ، والثبت بتحريك الموحدة الثبات، والحجة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل» (ج2 ص638): (من تأمل كتاب: «تاريخ البخاري» تبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة). اهـ
وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر / في «الباعث الحثيث» (ص80): (وهو الحق الذي لا مرية فيه؛ لأن زيادة الثقة: دليل على أنه حفظ ما غاب عن غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ). اهـ
وقال الإمام الترمذي / في «العلل الصغير» (ص68): (ورب حديث: إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث، وإنما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه).([9]) اهـ
وقال الإمام مسلم / في «التمييز» (ص129): (والزيادة في الأخبار لا تلزم؛ إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم([10]) في حفظهم). اهـ
وقال الإمام الزيلعي / في «نصب الراية» (ج1 ص336): (فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقا، ومنهم من لا يقبلها.
والصحيح التفصيل: وهو أنها تقبل في موضع دون موضع.
فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظا ثبتا، والذي لم يذكرها مثله، أو دونه في الثقة ... وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها). اهـ
وقال الحافظ الحاكم / في «المستدرك» (ج1 ص3): (وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام: أن الزيادة في الأسانيد، والمتون من الثقات مقبولة).اهـ
قلت: وليس كذلك في الصحيح عند أئمة أهل الحديث؛ فإنهم لا يقبلون زيادة الثقة مطلقا؛ كما سبق.
قلت: وهم لا يجرون على قاعدة ثابتة لا محيد عنها أبدا؛ بل ينظرون إلى كل حديث على انفراده، ويرجحون أحد وجهي، أو وجوه الاختلاف؛ بعد مراعاة القرائن المحيطة بهذا الحديث.
ولذلك نجد الأئمة يقولون أحيانا: «فلان ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة».([11])
قلت: فلابد أن يكون الراوي للزيادة ثقة، وأما إذا كان الراوي غير ثقة؛ فلا يدخل في المسألة هذه.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص306): (إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظ وأتقن ممن قصر، أو مثله في الحفظ؛ لأنه كأنه حديث آخر مستأنف.
وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ، ولا متقن فإنها لا يلتفت إليها). اهـ
قلت: وذلك لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق الوهم منه مطلقا، ومبنى هذا الأصل على غلبة الظن.
فالقرائن كثيرة تختلف وهي غير مطردة وهي ظنية بحسب حال الزيادة.([12])
قال الحافظ الخطيب / في «الكفاية في علم الرواية» (ج2 ص245): (قال الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث: زيادة الثقة مقبولة، إذا انفرد بها، ولم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حكم شرعي، أو لا يتعلق بها حكم، وبين زيادة توجب نقصانا من أحكام تثبت بخبر ليست فيه تلك الزيادة وبين زيادة توجب تغيير الحكم الثابت، أو زيادة لا توجب ذلك.
وسواء كانت الزيادة في خبر رواه راويه مرة ناقصا، ثم رواه بعد وفيه تلك الزيادة، أو كانت الزيادة قد رواها غيره، ولم يروها هو).([13]) اهـ
قلت: فزيادة الثقة إذا انفرد بها، فهي مقبولة، إذا حفت بالقرائن، والقواعد([14])، ومعمول بها إذا كان راويها عدلا، وإلا فلا.([15])
قال الحافظ العلائي / في «نظم الفرائد» (ص209): (أئمة الحديث المتقدمون منهم: كيحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهما: كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهذه الطبقة.
وكذلك من بعدهم: كالبخاري، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وأمثالهم.
ثم الدارقطني، والخليلي، كل هؤلاء يقتضي تصرفهم من الزيادة؛ قبولا، وردا: الترجيح: بالنسبة إلى ما يقوى عند الواحد منهم: في كل حديث، ولا يحكمون في المسالة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث، وهذا هو الحق، والصواب). اهـ
قلت: فلابد من معرفة ذلك بأن أئمة الحديث لا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث، فأحيانا يقبلون الزيادة من الراوي في موضع إذا حفت بالقرائن، ويردونها في موضع آخر، وإن كان الراوي واحدا.
قال الإمام ابن دقيق العيد / في «شرح الإلمام بأحاديث الأحكام» (ج1 ص27): (وأما أهل الحديث: فإنهم قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته؛ كمخالفة جمع كثير له، أو من هو أحفظ منه، أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه، ولم يجر ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث.
ولهذا أقول: إن من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم: أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند، أو واقف ورافع، أو ناقص وزائد: أن الحكم للزائد، فلم نجد هذا في الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونا مطردا، وبمراجعة أحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول). اهـ
وقال العلامة الشيخ أحمد شاكر / في «الباعث الحثيث» (ص101): (هذا باب دقيق من أبواب التعارض، والترجيح بين الأدلة، وهو من البحوث الهامة عند المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، فإذا روى العدل الثقة حديثا، وزاد فيه زيادة لم يروها غيره من العدول الذين رووا نفس الحديث، أو رواه الثقة العدل نفسه مرة ناقصا ومرة زائدا: فالقول الصحيح الراجح: أن الزيادة مقبولة). اهـ
وقال الإمام برهان الدين البقاعي / في «النكت الوفية بما في شرح الألفية» (ج1 ص426): (ثم إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، على أن الحذاق المحدثين في هذه المسألة نظرا آخر لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكم مطرد، وإنما يدورون في ذلك مع القرائن). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت على ابن الصلاح» (ص495): (والذي يجري على قواعد المحدثين: أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن). اهـ
قلت: وهو علم دقيق في علم الحديث الشريف لابد فيه من سعة إطلاع، وزيادة تثبت، وتأني في الحكم على زيادة الثقة من حيث قبولها وردها.
قال الملا علي القاري / في «شرح شرح نخبة الفكر» (ص318): (واعلم أن معرفة زيادة الثقة فن لطيف يستحسن العناية لما يستفاد بالزيادة من الأحكام، وتقييد الإطلاق، وإيضاح المعاني وغير ذلك، وإنما يعرف بجمع الطرق الأبواب).اهـ
وقال الحافظ النووي / في «التقريب والتيسير» (ص147): (معرفة زيادات الثقات وحكمها: هو فن لطيف تستحسن العناية به). اهـ
وقال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ج2 ص28): (وهو فن لطيف تستحسن العناية به، يعرف بجمع الطرق والأبواب).اهـ
قلت: فلا يعرف ذلك إلا بجمع الطرق والألفاظ.
فعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه)؛ يعني: لم يتبين خطؤه وضعفه.
أثر حسن
أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (1700) من طريق عبيد الله بن محمد بن حمدان العكبري، قال: حدثني محمد بن أيوب بن المعافى، قال: سمعت إبراهيم الحربي، يقول: سمعت أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وهذا يدل على أن الحديث لابد أن يجمع طرقه لكي يتبين شذوذه في المتن، أو في السند.([16])
قال الإمام الجعبري / في «رسوم التحديث في علوم الحديث» (ص135)؛ عن المعلل: (ويطلع عليه المتقن بجمع الطرق، وتمييز الصفات، فيثير ظنا يوقف أو يضعف). اهـ
وعن الإمام عبد الله بن المبارك / قال: (من خاف الخطأ؛ فليضرب حديثه بعضه ببعض). وفي رواية: (إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضه ببعض).
أثر حسن
أخرجه نعيم بن حماد المروزي في «الرقائق» (ج2 ص428)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص452) من طريق نعيم بن حماد قال: سمعت ابن المبارك به.
وإسناده حسن.
قلت: أي: قارن بين طرقه، وألفاظه بعين فاحصة، ونظرة ناقدة يتبين لك الصحيح منه سندا ومتنا.
وقال الحافظ الخطيب البغدادي / في «الجامع» (ج2 ص295): (والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط). اهـ
قلت: فهو فن دقيق لما فيه من علاقة بين زيادة الثقة، وبين الشاذ؛ لأن كلا من حيث الراوي فهو ثقة.
قال الحافظ السيوطي / في «تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» (ج1 ص 268)؛ عن الحديث الشاذ: (ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف). اهـ
فالشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده، فهو غير المنكر.
وعرف في علم الحديث أن بين الشاذ، والمنكر عموما، وخصوصا من وجه؛ لأن بينهما اجتماعا في اشتراط المخالفة، وافتراقا في أن الشاذ راويه: «ثقة»، أو «صدوق»، والمنكر راويه: «ضعيف»، فافهم لهذا ترشد.([17])
فعن الإمام الشافعي / قال: (ليس الشاذ من الحديث، أن يروي الثقة حديثا لم يروهغيره، إنما الشاذ من الحديث أن يروي الثقات حديثا، فيشذ عنهم واحد، فيخالفهم). وفي رواية: (إنما الشاذ أن يروي الثقات حديثا على نص، ثم يرويه ثقة خلافا لروايتهم، فهذا الذي يقال: شذ عنهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (ص278 و279)، وابن عدي في «الكامل» (620)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص148)، والبيهقي في «معرفة السنن» (76)، وفي «مناقب الإمام الشافعي» (ج2 ص30)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج1 ص267)، والخطيب في «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» (ص141) من طرق عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره العلائي في «نظم الفرائد» (ص361).
وقال العلامة الألباني / في «صلاة التراويح» (ص66): (ومن المقرر في علم المصطلح أن الشاذ منكر مردود؛ لأنه خطأ، والخطأ لا يتقوى به). اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك إن شاء الله سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([2]) قلت: وقد تكون الزيادة في المتن، وقد تكون في السند، وقد تكون في كلاهما.
فقد يروي الحديث جماعة موقوفا، وينفرد ثقة فيرويه مرفوعا، أو يروي الحديث جماعة مرسلا، وينفرد ثقة فيرويه موصولا.
أو ينفرد راو فيزيد في متنه بلفظة فقهية، أو جملة عن شيخه دون بقية الرواة.
وانظر: «معالم السنن» للخطابي (ج2 ص824)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج4 ص270)، و«الكفاية» للخطيب البغدادي (ص417)، و«التحقيق» لابن الجوزي (ج4 ص142)، و«الروض الريان» لشيخنا فوزي الأثري (ص19)، و«سير القافلة» له (ص87)، و«النجوم السافرة» له أيضا (ص20).
([3]) وانظر: «المستدرك على الصحيحين» للحاكم (ج1 ص93)، و(ج2 ص49)، و«الكفاية في علم الرواية» للخطيب (ج2 ص245)، و«نزهة النظر» لابن حجر (ص88 و89)، و«النكت على ابن الصلاح» له (ص494 و495)، و«رسوم التحديث في علوم الحديث» للجعبري (ص149 و151)، و«الفصول في الأصول» للجصاص الحنفي (ج3 ص117)، و«الأصول» للسرخسي (ج2 ص25)، و«المستصفى» للغزالي (ج1 ص168)، و«المنخول» له (ص183)، و«البناية شرح الهداية» لبدر الدين العيني الحنفي (ج2 ص200)، و«شرح ألفية العراقي في علوم الحديث» لزين الدين العيني الحنفي (ص125 و126)، و«مقدمة جامع الأصول» لابن الأثير (ص92)، و«المنتخب في علوم الحديث» لابن التركماني (ص61)، و«عقد الدرر في شرح مختصر نخبة الفكر» للآلوسي (ص99 و100)، و«فتح القادر المعين المغيث بشرح منظومة البيقوني في علم الحديث» لعبد القادر بن جلال الدين (ص366 و367)، و«اليواقيت والدرر شرح شرح نخبة الفكر» للمناوي (ج1ص410)، و«المختصر في علوم الحديث» لابن الوزير (ص81)، و«الروض الباسم» له (ج1 ص42)، و«شرح المختصر في علوم الحديث» للصنعاني (ص156 و158)، و«قفو الأثر في صفوة علم الأثر» لابن الحنبلي (ص61)، و«الفرع الأثيث في أصول الحديث» له (ق/18/ط)، و«شرح التقريب والتيسير» للسخاوي (ص147)، و«ما تمس إليه حاجة القاري لصحيح الإمام البخاري» للنووي (ص73)، و«الباعث الحثيث» للشيخ أحمد شاكر (ص100)، و«الخلاصة في معرفة الحديث» للطيبي (ص62)، و«المختصر في علم الأثر» للكافيجي (ص171)، و«بلغة الحثيث إلى علم الحديث» لابن عبد الهادي (ص24)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج3 ص107).
([4]) عند تعليقه على حديث: صهيب بن سنان الرومي t؛ عند مسلم في «صحيحه» (ج1 ص163)؛ في إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى.
([6]) وهو بالضرورة: لابد بمزيد تثبت، وإتقان في زيادة الثقة؛ وبمزيد حفظ، أو بأصحية كتاب، أو بطول ملازمة للشيخ، أو عدل.
([7]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص548)، و«النكت على ابن الصلاح» له (ج3 ص108)، و«قواعد التحديث» للقاسمي (ص107)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص103)، و«الاعتبار» للحازمي (ص11)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص336)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص111)، و«المنهاج» للنووي (ج3 ص17)، و«إرشاد طلاب الحقائق» له (ج1 ص225 و231)، و«العلل الصغير» للترمذي (ص62)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص225)، و«الكفاية» للخطيب (ج2 ص245)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص162)، و«الحاشية على نزهة النظر» لابن قطلوبغا (ص63).
([8]) ولابد من معرفة أصول، وقواعد: «أصول الحديث»، وأن يرجع إلى أهل الاختصاص فيه.
قال الحافظ الحاكم / في «معرفة علوم الحديث» (ص162): (وهذا مما يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه). اهـ
([9]) يعني: وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته.
قلت: فالمحدثون: لا يحكمون في الزيادة بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن والقواعد.
وانظر: «توضيح الأفكار» للصنعاني (ج1 ص339).
([10]) يعني: بكثرة الوهم، أما أن يهم أحيانا، وهو ثقة عدل؛ فلا يدخل في ذلك ما دام روى هذه الزيادة بقرينة، فتقبل منه.
قال الإمام ابن الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص343): (وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر؛ بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال، وهو موضع اجتهاده). اهـ
وقال العلامة الصنعاني / في «توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» (ج1 ص339): (بتتبعه للمرجحات المعروفة في الأصول). اهـ
([11]) وانظر: «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج2 ص638)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج3 ص107 و108 و131)، و«نزهة النظر» له (ص95)، و«نظم الفرائد» للعلائي (ص209)، و«الكفاية» للخطيب (ج2 ص245)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص225)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص171)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج2 ص29)، و«توضيح الأفكار» للصنعاني (ج2 ص16)، و«إرشاد طلاب الحقائق» للنووي (ج1 ص225 و231)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص245)، و«الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح» للأبناسي (ج1 ص192)، و«النكت» للزركشي (ج1 ص174)، و«العلل» لابن أبي حاتم (1397)، و«تحفة المجيب» للشيخ مقبل الوادعي (ص99)، و«غارة الأشرطة» له (ج2 ص61).
([12]) قال الحافظ العلائي /: (ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر، ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات، ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة؛ بل يختلف نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده).
نقله عنه: ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» (ص519).
([15]) وإذا قلنا بصحة الزيادة لثبوتها من راو ثقة؛ فقد ينسى الزيادة من هو من أصحاب الشيخ فيرويها بحذفها مع النسيان لها، فيرويها بلفظ آخر.
([17]) انظر: «الموقظة» للذهبي (ص155 و156)، و«نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر» لابن حجر (ص98 و99)، و«الحاشية على نزهة النظر» لابن أبي شريف (ق/10/ط/أ)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص180)، و«رسوم التحديث في علوم الحديث» للجعبري (ص119)، و«قفو الأثر في صفوة علم الأثر» لابن الحنبلي (ص66 و67)، و«الفرع الأثيث في أصول الحديث» له (ق/19/ط)، و«مقدمة في مصطلح الحديث» لابن بدران (ص76)، و«عقود الدرر في علوم الأثر» لابن ناصر الدين الدمشقي (ص112 و118 و121)، و«شرح ألفية العراقي في علوم الحديث» لزين الدين العيني الحنفي (ص119 و120)، و«شرح التقريب والتيسير» للسخاوي (ص136)، و«المختصر في أصول الحديث» للجرجاني (ص41)، و«التعليق على مقدمة المجموع» للشيخ ابن عثيمين (ص343).