القائمة الرئيسة
الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / التبيين والإيضاح لمسألة تصحيح الأحاديث في قول الإمام ابن الصلاح

2024-10-29

صورة 1
التبيين والإيضاح لمسألة تصحيح الأحاديث في قول الإمام ابن الصلاح

سلسلة

أصول علم الحديث

 

                                                                                                                 

 

 

                                                                                                                 

 

                                                                                 

التبيين والإيضاح

لمسألة تصحيح الأحاديث في قول الإمام ابن الصلاح

 

 

 

تأليف

أبي الحسن علي بن حسن بن علي العريفي الأثري

غفر الله له، ولشيخه، وللمسلمين

 

 

    

المقدمة

 

 

الحمد لله المعز لأوليائه والمؤمنين، والناصر لأنبيائه والمرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فهذا كتاب لطيف فيه التحرير الصحيح؛ لقول الإمام ابن الصلاح / في مسألة تصحيح الأحاديث، وقد اختلف العلماء في فهم كلام ابن الصلاح / فقيل: أن مراده تعذر التصحيح في الأعصار المتأخرة مطلقا، وقيل أن المراد تعسر التصحيح في الأعصار المتأخرة لا التعذر، وقيل: أنه قصد تعذر الحكم على حديث بأنه صحيح لذاته، وقيل: أن المراد من قول الحافظ ابن الصلاح / منع الجزم بصحة الأحاديث، لا الصحة الظنية.

وختاما: إن مما أدبنا به ديننا الحنيف أن نشكر من يستحق الشكر من عباد الله تعالى، مكافأة على صنيعه، وعرفانا بجميله، وردا لبعض معروفه، فأقدم الشكر الجزيل، والامتنان العظيم لشيخنا العلامة المحدث فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري؛ الذي أكرمني بقبول مراجعة هذا الكتاب؛ فأسأله سبحانه وتعالى أن يكتب له التوفيق، والسداد، والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن شكر فقد أدى حق النعمة، وحق المنعم.

والله أسأل التوفيق، والسداد، والهدى، والرشاد، عليه توكلت، وإليه أنيب.

 

كتبه:

أبو الحسن الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

رب يسر وأعن فإنك نعم المعين

ذكر الدليل

 على التحرير الصحيح؛ لقول الإمام ابن الصلاح / في مسألة تصحيح الأحاديث

 

قال الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص73): (إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها([1]) حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته([2])، فقد تعذر في هذه الأعصار؛ الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد([3])؛ لأنه ما من إسناد من ذلك([4]) إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه، عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان.([5])

* فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن، إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة، التي يؤمن فيها؛ لشهرتها، من التغيير والتحريف([6])، وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك، إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة([7])، زادها الله تعالى شرفا، آمين). اهـ

قلت: والذي يترجح لي من قول الحافظ ابن الصلاح / أنه أراد الأسانيد التي تروى بها الأحاديث في الأزمنة المتأخرة.

ولذلك قال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص241): (أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في رواة الحديث ومشايخه، فلم يتقيدوا بها في رواياتهم؛ لتعذر الوفاء بذلك على نحو ما تقدم، وكان عليه من تقدم). اهـ

قال الحافظ ابن جماعة / في «المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي» (ص34): (ليس المقصود بالسند في عصرنا إثبات الحديث المروي وتصحيحه؛ إذ ليس يخلو فيه سند عمن لا يضبط حفظه، أو كتابه ضبطا لا يعتمد عليه فيه بل المقصود بقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة فيما نعلم، وقد كفانا السلف مؤونة ذلك). اهـ

* وقد اختلف العلماء في فهم كلام ابن الصلاح / فقيل: أن مراده تعذر التصحيح في الأعصار المتأخرة مطلقا.([8])

قال الحافظ ابن التركماني / في «المنتخب من علوم الحديث» (ص52): (ويعتبر اليوم تصحيح الأئمة لتعذر الاستقلال به). اهـ

وقال الإمام ابن جماعة الكناني / في «المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي» (ص83): (وأما ما صح سنده في كتاب أو جزء، ولم يصححه إمام معتمد؛ فلا يحكم بصحته؛ لأن مجرد الإسناد لا يكفي فيه، والاستقلال به متعذر في هذه الأعصار.

قلت: مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة؛ لشدة فحصهم واجتهادهم، فإن بلغ أحد في هذه الأعصار أهلية ذلك، والتمكن من معرفته احتمل استقلاله). اهـ

وقال الزركشي / في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (ج1 ص158): (ما ذكره من أنه لا يحكم بصحته لضعف الأهلية في هذه الأزمنة لا نعرف له فيه سلفا، والظاهر جوازه، ولعله بناه على جواز خلو العصر عن المجتهد المطلق، والصواب خلافه). اهـ

واعترض الحافظ السيوطي / في «البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر» (ج2 ص858)؛ على هذا التعليل؛ فقال: (لا مدخل لمسألة خلو الحصر من المجتهد هنا؛ لأنه لا يلزم من الخلو عن المجتهد المطلق، الخلو من الحافظ الناقد الذي له أهلية الحكم على الحديث؛ لأن الحافظ المذكور لشرط فيه المعرفة بفن الحديث خاصة، والمجتهد يشترط فيه أمور أخر زائدة على ذلك، من العلم بالقرآن، واللغة، وأصول الفقه، والعربية، والبيان، والإجماع، والاختلاف إلى غير ذلك من شروطه التي لم تجتمع هي ولا بعضها لغالب حفاظ الحديث من المتقدمين فضلا عن المتأخرين). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم» (ج1 ص135): (وهذا الذي قاله الشيخ /: فيه احتمال ظاهر، وينبغي أن يجوز التصحيح لمن تمكن في معرفة ذلك، ولا فرق في إدراك ذلك بين أهل الأعصار؛ بل معرفته في هذه الأعصار أمكن لتيسر طرقه).اهـ

وقال الحافظ النووي / في «التقريب والتيسير» (ص60): (من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب، أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد، قال الشيخ: لا يحكم بصحته لضعف أهلية أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته). اهـ

وقال الحافظ مغلطاي([9]) / في «إصلاح كتاب ابن الصلاح» (ص73)؛ عن تعذر التصحيح في الأعصار المتأخرة بين الفقيه والمحدث: (وهو غير جيد بالنسبة إلى المحدث، وأما بالنسبة إلى الفقيه فنعم؛ لأن الذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب، وقرأ، وسمع، ووعى، ورحل إلى المدائن، والقرى، وحصل أصولا، وعلق فروعا من كتب المسانيد، والعلل، والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف؛ فإذا كان كذلك فلا ينكر له ذلك). اهـ

وقال الشيخ أحمد شاكر / في «الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث» (ص90): (والذي أراه: أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه؛ بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه أراد ابن الصلاح: أن يمنع الاجتهاد في الحديث. وهيهات! فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل، لا برهان عليه من كتاب ولا سنة، ولا تجد له شبه دليل). اهـ

قلت: وأنكر العلماء قول الحافظ ابن الصلاح / بعمل أهل الحديث؛ فإن كثيرا من المتأخرين منهم صححوا أحاديث لم يسبقوا إلى تصحيحها من قبلهم، وحتى من المعاصرين: للحافظ ابن الصلاح.

قال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح» (ص24): (ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم، وكذا كان المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا؛ فأنكر عليه تصحيحه). اهـ

وقد اعترض على ذلك الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر» (ج1 ص272)؛ فقال: (وأما ما استدل به شيخنا على صحة ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين، من جواز الحكم بالتصحيح: لمن تمكن وقويت معرفته، بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه، وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها؛ فليس بدليل ناهض على رد ما اختار ابن الصلاح، لأنه مجتهد وهم مجتهدون، فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر، والله أعلم). اهـ

قلت: فقد اعترض الحافظ ابن حجر /؛ بأن الدليل ينهض على رد قول الإمام ابن الصلاح /.

قال الحافظ العراقي / في «التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح» (ص23): (وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن نقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب «بيان الوهم والإيهام» وقد صحح في كتابه المذكور عدة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما»، ويقول: «كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل»، أخرجه أبو بكر البزار في مسنده، وقال ابن القطان: «إنه حديث صحيح».

ومنها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة»؛ رواه هكذا قاسم بن أصبغ، وصححه ابن القطان فقال: وهو كما ترى صحح، وتوفي ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب، سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن الآبار في «التكملة».

* وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي: جمع كتابا سماه «المختارة» التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفي: الضياء المقدسي في السنة التي مات فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وصحح الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري حديثا في جزء له جمع فيه «ما ورد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، وتوفي الزكي عبد العظيم سنة: ست وخمسين وستمائة.

ثم صحح الطبقة: التي تلي هذه أيضا فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي حديث جابر مرفوعا «ماء زمزم لما شرب له»، في جزء جمعه في ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبي الموال، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، ومن هذه الطريق رواه البيهقي في «شعب الإيمان»، وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر؛ كما رواه ابن ماجه، وضعفه النووي وغيره، من هذا الوجه، وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة التي تلي هذه وهم شيوخا فصحح الشيخ تقي الدين السبكي: حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور كما أخبرني به، ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم وكذا كان المتقدمون، وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (ص111): (ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه: كسنن النسائي مثلا لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه.

* فإذا روى حديثا، ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة، ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة، ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من المتقدمين، ولا سيما وأكثر ما يوجد من هذا القبيل ما رواته رواة الصحيح.

* هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن). اهـ

وقال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ج1 ص64): (وأما الدليل فالخلل الواقع في الأسانيد المتأخرة إنما هو في بعض الرواة؛ لعدم الضبط والمعرفة بهذا العلم، وهو في الضبط منجبر بالاعتماد على المقيد عنهم، كما أنهم اكتفوا بقول بعض الحفاظ فيما عنعنه المدلس: هذا الحديث سمعه هذا المدلس من شيخه، وحكموا لذلك بالاتصال.

* وفي عدم المعرفة بضبطهم كتبهم من وقت السماع إلى حين التأدية). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (ج1 ص272): (وكأن المصنف إنما اختار ما اختاره من ذلك بطريق نظري وهو: أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في الصحيحين على ما ذكر المصنف بعد، وهو مع حرصه على جمع الصحيح الزائد على الصحيحين واسع الحفظ، كثير الاطلاع، غزير الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يخرجه في مستدركه.

* وهذا في الظاهر مقبول، إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بالتعذر). اهـ

قلت: وقد جمع الحافظ السيوطي / بين قول الحافظ ابن الصلاح /، وبين من قال بجواز التصحيح.

قال الحافظ السيوطي / في «التنقيح لمسألة التصحيح» (ص19): (والتحقيق عندي: أنه لا اعتراض على ابن الصلاح ولا مخالفة بينه وبين من صحح في عصره أو بعده.

وتقرير ذلك: أن الصحيح قسمان: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، كما هو مقرر في كتاب ابن الصلاح وغيره.

* والذي منعه ابن الصلاح إنما هو القسم الأول دون الثاني كما تعطيه عبارته ... وأما القسم الثاني: فهذا لا يمنعه ابن الصلاح، ولا غيره وعليه يحمل صنع من كان في عصره، ومن جاء بعده؛ فإني استقريت ما صححه هؤلاء فوجدته من قسم الصحيح لغيره لا لذاته). اهـ.

قلت: وفي ذلك نظر؛ فلم يقل أحد بهذا القول، والحافظ ابن الصلاح قد عمم الحكم، ولم يخصص؛ فتخصيص الحافظ السيوطي / لا دليل عليه.

وبين الحافظ السيوطي / في «التنقيح لمسألة التصحيح» (ص20)؛ أن سبب ذلك هو تعسر بل تعذر التحقق من عدم الشذوذ، وعدم العلة: خلافا لما كان عند المتقدمين.

قلت: وهذا فيه نظر؛ بل ذلك متيسر؛ من عصر الحافظ ابن الصلاح / إلى يومنا هذا.

وكذلك يشترط: عدم الشذوذ، وعدم العلة في الحديث الصحيح لذاته، والحديث الصحيح لغيره.

ويؤيد ذلك: قول الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص90)؛ عن «المستدرك» للحاكم: (فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول: ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح؛ فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه). اهـ

قلت: فيقرر هنا الحافظ ابن الصلاح / بأنه يمكن للمتأخرين اكتشاف العلة.

* وقيل أن المراد تعسر التصحيح في الأعصار المتأخرة لا التعذر.

قال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ج1 ص65): (ولعل ابن الصلاح اختار حسم المادة؛ لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدى للكشف منها، والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها.

* وللحديث رجال يعرفون به وللدواوين كتاب وحساب.

ولذلك: قال بعض أئمة الحديث في هذا المحل: (الذي يطلق عليه اسم المحدث في عرف المحدثين أن يكون كتب، وقرأ، وسمع، ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصل أصولا وعلق فروعا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف، فإذا كان كذلك فلا ينكر له ذلك، وأما إذا كان على رأسه طيلسان، وفي رجليه نعلان، وصحب أميرا من أمراء الزمان، أو من تحلى بلؤلؤ ومرجان، أو بثياب ذات ألوان، فحصل تدريس حديث بالإفك والبهتان، وجعل نفسه ملعبة للصبيان، لا يفهم ما يقرأ عليه من جزء ولا ديوان، فهذا لا يطلق عليه اسم محدث بل ولا إنسان، وإنه مع الجهالة آكل حرام، فإن استحله خرج من دين الإسلام) ([10]). انتهى.

* والظاهر أنها نفثة مصدور، ورمية معذور، وبها يتسلى القائم في هذا الزمان بتحقيق هذا الشأن، مع قلة الأعوان، وكثرة الحسد والخذلان، والله المستعان وعليه التكلان). اهـ

وقال الحافظ السخاوي / في «شرح التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير» (ص62): (فما المانع أنه إذا وقع في كتاب غني بشهرته عن الإسناد حديث، ولم يعلله مصنفه مع حرصه على ذلك؛ كالنسائي، وجمع سنده شروط الصحة، ولم يطلع المحدث فيه على علة من الحكم بصحته، والظاهر أن ابن الصلاح إنما أراد حسم المادة خوفا من تطرق من لا يحسن لذلك). اهـ

وقال الحافظ السيوطي / في «تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» (ج1 ص162): (فالحاصل أن ابن الصلاح سد باب التصحيح والتحسين والتضعيف على أهل هذه الأزمان لضعف أهليتهم). اهـ

* وقيل: أن المراد من قول الحافظ ابن الصلاح / منع الجزم بصحة الأحاديث، لا الصحة الظنية.

قال الإمام برهان الدين البقاعي / في «النكت الوفية بما في شرح الألفية» (ج1 ص172): (وقوله: «فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته» يقتضي أنه لا يمنع أن يقال هذا صحيح فيما أظن وما أشبه ذلك مما يشعر بالتردد).اهـ

وقال الإمام السيوطي / في «البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر» (ج2 ص869): (قول ابن الصلاح: (فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته) (يقتضي جواز الحكم بصحته)؛ على غير وجه الجزم، فإنه لم يمنع إلا الجزم، ولغير الجزم صورتان: أن يحكم به على الظن وعلى التردد فتأمله). اهـ

وقال الإمام السيوطي / في «البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر» (ج2 ص874): (منع ابن الصلاح هنا الجزم بالحكم بالصحة والحسن، ومنع فيما سيأتي ووافقه عليه النووي وغيره الجزم بالحكم بالضعف اعتمادا على الإسناد لاحتمال أن يكون له إسناد صحيح غيره، فالحاصل: أن ابن الصلاح سد على أهل هذه الأزمان أبواب التصحيح، والتحسين، والتضعيف لضعف أهليتهم، ونعما فعل). اهـ

قلت: ويؤيد ما قد قررناه:

1) أن الحافظ ابن الصلاح / قد يخالف الأئمة المتقدمين في الحكم:

* قال الحافظ الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج1 ص337)؛ عن حديث: «إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق»: (وأخرجه الدارقطني والبيهقي والحاكم أيضا بزيادة «فإنما هو داء عرض، أو ركضة من الشيطان، أو عرق انقطع» وهذا يرد إنكار ابن الصلاح والنووي وابن الرفعة لزيادة: «انقطع»). اهـ

قلت: فقد أنكر الحافظ ابن الصلاح هذه اللفظة، وخالف تصحيح الحافظ الحاكم في «المستدرك على الصحيحين» (ج1 ص283)؛ بقوله: (هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه بهذا اللفظ). اهـ

* وقال الحافظ ابن الصلاح /؛ عن حديث: «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى عليه»: (ولا يستشهد على ثبوت هذا الحديث بكون الحاكم حكم بصحة إسناده؛ لأنا نظرنا فيه فوجدنا إسناده قد انقلب عليه).([11])

قلت: وقد خالف ابن الصلاح /؛ الحافظ الحاكم، وقال بأنه مقلوب، والمقلوب من قسم الضعيف.

(2) أن الحافظ ابن الصلاح / إذا وجد إسنادا يثبت لحكم عليه بالصحة:

* قال الحافظ ابن الصلاح / في «الكلام على أحاديث الوسيط» (ج6 ص3196-التلخيص الحبير)؛ عن حديث: «لا تساووهم في المجالس»: (لم أجد له إسنادا يثبت). اهـ

* وقال الحافظ ابن الصلاح / في «الكلام على أحاديث الوسيط» (ج1 ص485-البدر المنير): (وفي رواية لأبي عبد الله بن منده الحافظ: «لقد احتظرت من النار بحظار» فهذا القدر منه اتفقت عليه الروايات، وأما ما اضطربت فيه منه، فالاضطراب مانع من تصحيحه). اهـ

قلت: وهذا يدل على أنه وقف على إسناد له ثابت لحكم عليه بالصحة.

قلت: ولم ينكر الحافظ ابن الصلاح / على أحد من المشتغلين في زمانه بعلم الحديث ممن يميزون بين الصحيح من السقيم: كـ«الحافظ ابن القطان»، و«الحافظ المنذري»، و«الحافظ المقدسي»، وغيرهم.

قال الحافظ ابن الملقن / في «المقنع في علوم الحديث» (ج1 ص55): (الذي علل به الشيخ وقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح وبعده أحاديث لمن تقدمهم فيها تصحيحا؛ كأبي الحسن ابن القطان، والضياء المقدسي، والزكي عبد العظيم، ومن بعدهم). اهـ

وقال الحافظ الكافيجي / في «المختصر في علم الأثر» (ص168): (هذا هو الذي عليه عمل أهل الحديث؛ فإن غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح وممن بعده قد صحح أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا؛ كأبي الحسن ابن القطان، والضياء المقدسي، والزكي عبد العظيم.

أقول: بعد التسليم إن تصحيح هؤلاء لا يقتضي الحكم بالصحة إلى سبيل القطع واليقين الجواز أن يكون على سبيل حسن الظن؛ فإذا هذا التصحيح لا ينافي ما ذكره ابن الصلاح من أنه لا يحكم بالصحة قطعا وجزما؛ كما هو رأيه فيما اتفق عليه الشيخان، وإن كان رأيه فيه على ما عرفت.

وأما قول: بأن ما ذكره ابن الصلاح إن تم فإنما يتم في نفي وقوع ذلك الحكم، لا في نفي الجواز والكلام في الجواز لا في الوقوع، ولهذا قال النووي الأظهر عندي جوازه فلا يرفع التدافع بينهما بناء على أن المراد من الجواز ههنا عندهم الوقوع لا الجواز العقلي الذي هو أعم من الوقوع). اهـ

ومما يؤيد ما قررناه:

قال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص81): (ولهذا نرى الإمساك عن الحكم: لإسناد، أو حديث؛ بأنه الأصح على الإطلاق على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن جواز التصحيح في الأصل.

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص90)؛ عن «المستدرك» للحاكم: (فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول: ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح؛ فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به، إلا أن تظهر فيه علة توجب ضعفه). اهـ

قلت: فيقرر هنا الحافظ ابن الصلاح / بأنه يمكن للمتأخرين اكتشاف العلة. 

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص104)؛ عن الحديث الحسن: (وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك؛ فإنه من النفائس العزيزة). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص167)؛ عن الحديث الشاذ: (إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه؛ قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به؛ كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.

* ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه: فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص176)؛ عن معرفة زيادات الثقات: (وذلك فن لطيف تستحسن العناية به). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص187)؛ عن الحديث المعلل: (اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه.

فالحديث المعلل: هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها.

* ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر. ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه، وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص192): (المضطرب من الحديث: هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له. وإنما نسميه مضطربا، إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت، إحداهما: بحيث لا تقاومها الأخرى، بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب، ولا له حكمه.

* ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راو واحد، وقد يقع بين رواة له جماعة، والاضطراب موجب ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يضبط، والله أعلم). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص201)؛ عن الموضوع: (اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه). اهـ

وقال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص211)؛ عن المقلوب: (إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا»، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة؛ بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وإنما تقول فيه: «روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو روى بعضهم»، وما أشبه ذلك.

وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولا، والله أعلم). اهـ

قلت: وكل هذه النصوص تدل على أن الحافظ ابن الصلاح /: لم يقصد تعذر التصحيح في الأعصار المتأخرة، أو المنع من الاجتهاد في التصحيح، أو التحسين.

قلت: فالراجح هو جواز الاجتهاد في الحديث ممن هو أهل لذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص22): (التمثيل بالحديث الذي يروى في الصحيح، وينازع فيه بعض العلماء، وأنه قد يكون الراجح تارة وتارة: المرجوح، ومثل هذا: من موارد الاجتهاد في تصحيح الحديث؛ كموارد الاجتهاد في الأحكام). اهـ

وقال الحافظ البلقيني / في «محاسن الاصطلاح» (ص159): (والمختار أن المتبحر في هذا الشأن له ذلك بطرقه التي تظهر له). اهـ

وقال الحافظ ابن الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص49): (إمكان التصحيح مطلقا). اهـ

وقال الحافظ الصنعاني / في «توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» (ج1 ص109): (إمكان التصحيح مطلقا؛ أي: عصر من الأعصار، ومن أي إمام من الأئمة). اهـ

وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي / في «عقود الدرر في علوم الأثر وشرحها» (ص61): (والتصحيح لما لم ينص على صحته، ولا تكلم فيه جائز عند الأكثرين لمن تمكن في هذا الشأن، وتبحر فيه من المتقين). اهـ

قلت: فالحافظ ابن الصلاح / لم يمنع الاجتهاد في الحديث؛ لأن الذي يمنع من الاجتهاد يدعو إلى التقليد، وليس في كلامه شيء من ذلك، وحاشاه.

قلت: ولا يخلو عصر من مجتهد مطلق، أو مجتهد متمكن، أو مجتهد في جزء، على الصحيح([12])؛ لأنه لا يخلو عصر من طلبة علم من أهل الحديث، وهم: أهل الاجتهاد في التمكن في أحكام الأصول والفروع في الدين؛ فما دام لا يخلو عصر من مجتهد فالحكم على الأحاديث بالصحة والضعف باق، فانتبه.

* وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما بكل مسألة ترد إليه، فمن عرف كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ نصا واستنباطا استحق الاجتهاد، أو بعض الاجتهاد؛ يعني: متوسطا في الاجتهاد.

قال الإمام ابن النجار / في «مختصر التحرير» (ص713): (الاجتهاد يتجزأ).اهـ

وقال الإمام الزركشي / في «البحر المحيط» (ج8 ص242): (مسألة الصحيح جواز تجزؤ الاجتهاد، بمعنى أنه يكون مجتهدا في باب دون غيره). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص13): (ولا يقولن قائل: من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا، لأنه إن اشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله فيما يتعلق بالأحكام.

* فليس في الأمة على هذا مجتهد، وإنما غاية العالم: أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل، ثم إنه قد يخالف ذلك القليل من التفصيل الذي يبلغه فيكون معذورا). اهـ

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.....................................................................................................

5

2)

ذكر الدليل على التحرير الصحيح؛ لقول الإمام ابن الـــصــلاح في مسألة تصحيح الأحاديث.......................................................................

7

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) أي: فيما يروى بأسانيد أهل زمانه.

([2]) وهذا يدل على أن الحافظ ابن الصلاح / يفرق بين الجزم، وبين الحكم على الحديث، ولذلك قال الحافظ ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص80)؛ قبل هذا عن الحديث الصحيح: (وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر، إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد، وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول). اهـ

([3]) وكلام الحافظ ابن الصلاح /، وإن كان لم يجزم بذلك، وأيضا قد خالفه فيه غير واحد من أهل العلم.

      * إلا أن له دلالة مهمة، وهي أن الدخول في أصول الحديث، والحكم على الأحاديث بالصحة، هي قضية تنبني عليها: تبعية خطيرة، أمام الله تعالى يوم القيامة، لذلك: لابد من اتقان أنواع الحديث، على أصول أئمة الحديث الكبار، لمن أراد أن يوفق في العلم.

      * إذا الحافظ ابن الصلاح /، قال بهذه المقولة لتحذير خطير، لكل من يريد أن يدخل في هذا الأصل، في الحكم على حديث بصحة، أن يتتلمذ على يد شيخ متقن في مادة أصول الحديث وعلله، جملة وتفصيلا.

      * لأن الحكم على الحديث في السنة، وهي المصدر الثاني من مصادر الشريعة المطهرة.

([4]) أي: فيما يروى بأسانيد أهل زمانه، في الأجزاء الحديثية المتأخرة.

([5]) وقوله: (لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان)؛ يدل على أنه يعني: المتأخرين؛ فإن هذه العلة موجودة في عامة رواة الحديث من المتأخرين، وليس كذلك في عصور الرواية.

      قال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج1ص 48): (فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاث مئة، ولو فتحت على نفسي تليين هذا الباب لما سلم معي إلا القليل، إذ الأكثر لا يدرون ما يروون، ولا يعرفون هذا الشأن، إنما سمعوا في الصغر، واحتيج إلى علو سندهم في الكبر، فالعمدة على من قرأ لهم، وعلى من أثبت طباق السماع لهم، كما هو مبسوط في علوم الحديث، والله الموفق، وبه الاستعانة، ولا قوة إلا به). اهـ

([6]) قلت: وهذا يدل على أن الحافظ ابن الصلاح / لم يمنع الاجتهاد في الحديث؛ فمعرفة الصحيح والحسن ممكنة لكن بالاعتماد على المصادر التي ذكرها، والتي يؤمن فيها من التغيير والتحريف، ولو كان يمنع الاجتهاد لمنع من التضعيف كذلك، فانتبه.

     والذي يمنع من الاجتهاد يدعو إلى التقليد، وليس في كلامه شيء من ذلك، وحاشاه.

([7]) وهذا يدل على أنه يقصد الأجزاء التي بأسانيد أهل زمانه.

        قلت: والعناية بالأسانيد قد قلت في الأزمة المتأخرة.

        قال الحافظ النووي / في «التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير» (ص52): (أعرض الناس هذه الأزمان عن اعتبار مجموع الشروط المذكورة لكون المقصود صار إبقاء سلسلة الإسناد المختص بالأمة فليعتبر ما يليق بالمقصود، وهو كون الشيخ مسلما بالغا، عاقلا، غير متظاهر بفسق، أو سخف، وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتا بخط غير متهم، وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه وقد قال: نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي). اهـ

      وقال الحافظ السيوطي / في «تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي» (ج1 ص403): (وعبارته يعني: البيهقي: توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زماننا. الذين لا يحفظون حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن تكون القراءة عليهم من أصل سماعهم، وذلك لتدوين الأحاديث في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث.

      قال: فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لا يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته، والحجة قائمة بحديثه برواية غيره، والقصد من روايته، والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا، وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا صلى الله عليه وسلم). اهـ

([8]) وانظر: «إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم» للنووي (ج1 ص135)، و«التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير» للنووي (ص60)، و«شرح التقريب والتيسير» للسخاوي (ص60)، و«البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر» للسيوطي (ج2 ص869)، و«فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» للعراقي (ج1 ص63)، و«الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث» لأحمد شاكر (ص89).

([9]) مغلطاي: بضم: «الميم»، وإسكان: «الغين»، وفتح: «اللام»، كذا عند الأكثرين.

       انظر: «مقدمة: إكمال تهذيب الكمال» (ج1 ص17).

([10]) قلت: وهو بنصه قول الحافظ مغلطاي في «إصلاح كتاب ابن الصلاح» (ص73)؛ إلا أن السخاوي لم يصرح باسمه.

([11]) انظر: «البدر المنير» لابن الملقن الشافعي (ج2 ص71).

([12]) حررت مسألة خلو العصر من المجتهد في جزء منفرد.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan