القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة أصول علم الحديث / تنبيه أولي الأبصار على أن الإمام البخاري، قد ذكر في صحيحه أحاديث معللة، لا تصح في عدة من الأبواب وقد بين عللها في الكتاب، لحماية الناس من الأخطار

2024-10-29

صورة 1
تنبيه أولي الأبصار على أن الإمام البخاري، قد ذكر في صحيحه أحاديث معللة، لا تصح في عدة من الأبواب وقد بين عللها في الكتاب، لحماية الناس من الأخطار

8

سلسلة

أصول علم الحديث

                                                                                                                 

 

 

 

تنبيه أولي الأبصار

على

أن الإمام البخاري، قد ذكر في «صحيحه» أحاديث معللة، لا تصح في عدة من الأبواب وقد بين عللها في الكتاب، لحماية الناس من الأخطار

 

 

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

    

رب يسر، وأعن، وتمم

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد: أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد،

فهذه الرسالة اللطيفة، قائمة على الحجة والبرهان، لتعلم ببينة واضحة، ولتستبين لك الضحالة العلمية، لأولئك الخائضين فيما لا يعلمون في الدين. ([1])

* لتتأكد لك؛ الجملة الشهيرة الذائعة: «من تكلم في غير فنه، أتى بالعجائب»، ونادى على نفسه بالجهل المركب الفاضح، الواضح. ([2])

قال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص41): (فالواجب على العالمين، أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه، لكان الإمساك أولى به، وأقرب له من السلامة له إن شاء الله). اهـ

* وعلى هذا؛ فالمتكلم في علوم الحديث، وهو لم يتعلمها على وجه التفصيل، ولم يأت العلم من أبوابه، فهذا يعتبر عاميا في هذا الشأن.

قال الإمام ابن قدامة / في «روضة الناظر» (ج1 ص350): (ومن يعرف من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم... فهو كالعامي لا يعتد بخلافه، فإن كل أحد عامي بالنسبة إلى ما لم يحصل علمه، وإن حصل علما سواه). اهـ

وقال العلامة ابن بدران / في «نزهة الخاطر» (ج1 ص351)؛ معلقا: (خصوصا إن كان جاهلا جهلا مركبا، يجهل، ويجهل إنه يجهل). اهـ

* ثم إن من أسباب حفظ الله تعالى، لهذا الدين: أن هيأ له رجالا، لا يخافون في الله تعالى؛ لومة لائم، نذروا حياتهم له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله، والذب عنه، وعملوا على تثبيت قواعده وأصوله.

قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر: 9].

* فهؤلاء؛ هم: أئمة الحديث النقاد، الذين ينتقدون الحديث، ليميزوا جيده من زائفه، ورسموا: منهجا، لمن بعدهم في بيان صحيح الأحاديث من سقيمها، ووضعوا علم الجرح والتعديل، وعلم التعليل والتخريج.

* وما هذا الكتاب: الذي بين يديك، إلا هو في تبيين علم علل الحديث، الذي ذكره الإمام البخاري / في كتابه: «الجامع المسند الصحيح».

* فالناظر في «الجامع المسند الصحيح» للبخاري، يعلم أن له السبق في نقد الأحاديث، وتعليلها في عدة من الأبواب، والحجة عنده، فعندما تقف على علل الأحاديث، وتنظر فيها نظر متأمل، تعرف اهتمام الإمام البخاري / في تعليل الأحاديث في الأبواب من: «صحيحه».

* ولا يختلف اثنان؛ أن صحيح: الإمام البخاري، أصح: الكتب في علم الحديث.

* وأن العلماء اعتنوا به عناية كبيرة في هذه الحياة، ولقد كان من عنايتهم به، أن كتبوا في علل أحاديثه.

* والناظر في «الجامع المسند الصحيح» للإمام البخاري /، يرى أنه وضع منهجا، يسير عليه في عرض الأحاديث، وترتيب الأسانيد، عند نقده لعلل الأحاديث، وقد بين ذلك في أثناء شرحه في كتابه. ([3])

* وذكر في الجملة أنه سيذكر أخبارا معللة في مواضع من كتابه، سيبينها، ويشرحها؛ فمنها: أن يورد الحديث؛ بإسناد، ثم يذكر أسانيد له، مبينا فيها الاختلاف في الرواية.

* إذا فلا غرابة، أن يعل الأئمة حديثا في «صحيح البخاري»، وذلك أن الإمام البخاري نفسه: أعل بعض الأحاديث بحسب ما ذكر في «صحيحه»، وطبق ذلك التعليل في الأبواب من كتابه، والله المستعان.

* وما هذا إلا اعتراف بقصور البشر، ونقص علمهم، وعجر قدرتهم، فمن هنا كانت كتب أهل العلم، على مر العصور محلا: للنقد والتصحيح، والمراجعة والتصويب.

قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].

 قال القاضي أبو علي اللخمي /، في «رسالة»، بعث بها إلى العماد الأصفهاني /، يعتذر إليه من كلام استدركه عليه: (إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه، إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا، لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر)([4]). اهـ

* وقبل البدء بتفصيل القواعد في الأصول الأساسية لدراسة وفهم طريقة: الإمام البخاري / في: «الجامع المسند الصحيح»، وما يتصل به من أحكام، ومسائل، قد يستصعبها البعض. ([5])

قال الحافظ الخطيب / في «موضح أوهام الجمع  والتفريق» (ج1 ص5)؛ وقد بناه على تتبع ما وقع، للإمام البخاري في «تاريخه الكبير» من ذهول، ووهم، وغير ذلك: (ولعل بعض من ينظر فيما سطرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمناه، يلحق سيء الظن بنا، ويرى أنا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب، لكبراء شيوخنا، وعلماء سلفنا وأنى يكون ذلك، وبهم ذكرنا، وبشعاع ضيائهم تبصرنا، وباقتفائنا واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم عن الهمج تحيزنا.

* ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاما، ونصب لكل قوم إماما، لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث، والفهم، وإنعام النظر في العلم: بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطإ والخطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج7 ص215)؛ عن الصحيحين: (والصحيح التفصيل؛ فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب). اهـ

* ولأئمة الحديث في ذلك من الأدوات النقدية العلمية في تبيين علل الحديث.([6])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج1 ص73): (وعامة الكتب تحتاج إلى نقد، وتمييز، كالمصنفات في سائر العلوم من الأصول، والفروع، وغير ذلك؛ فإن الفقهاء قد وضعوا في الفقه أشياء كثيرة من الموضوعات والضعاف([7])). اهـ

قلت: ومن هنا فنحن عازمون على تصحيح، وتصويب، وتبيين، ما في: «الصحيحين» من علل في الأحاديث، وغير ذلك، ما طالت بنا الحياة، وجرى القلم بين الأنامل، ووقع النظر على ضعف البشر!، والله الهادي إلى سواء السبيل.

* فإن علم العلل، هو أدق علوم الحديث، وأعمقها غورا، وأكثرها أهمية، وأصعبها تناولا؛ لما يترتب عليه من تدقيق في الألفاظ، وثبت في الأسانيد، وسعة في الطرق والروايات، واطلاع في علوم عدة.

* وهذا العلم لا يخوضه؛ إلا من علا في الفهم كعبه، واتسعت رقعة معارفه ودرايته، إذ القاصر فيه مخبط، والناقص فيه مخلط.

قال الإمام سفيان بن عيينة /: (ما كان أشد انتقاد مالك بن أنس، للرجال، وأعلمه بشأنهم).([8])

وقال الإمام الشافعي /: (كان مالك بن أنس: إذا شك في بعض الحديث، طرحه كله).([9])

قلت: وعلم العلل من أثقل العلوم، بل هو من أصعب العلوم في هذه الحياة، لما فيه من الدقة الخفية في علل الأحاديث، فهو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به؛ إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.

قال الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين به؛ كيحيى بن سعيد القطان، ومن تلقى عنه؛ كأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهما.

* فمن رزق مطالعة ذلك، وفهمه، وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه). اهـ

وقال الحافظ ابن رجب / في «شرح العلل الصغير» (ج2 ص662): (اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه؛ يحصل من وجهين:

أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين؛ لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.

الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف، والرفع، ونحو ذلك.

* وهذا هو الذي يحصل من معرفته وإتقانه، وكثرة ممارسته: الوقوف على دقائق علل الحديث). اهـ

* فالله العظيم؛ أسأل أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يكتبنا في زمرة الذابين عن سنة نبيه r؛ إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه: أبو عبد الرحمن الأثري

    

ذكر الدليل على أن الإمام البخاري /، ثبت عنه، أنه أعل لأحاديث، ليست باليسيرة، في كتاب: «الجامع المسند الصحيح»، في عدة من الأبواب، من كتابه هذا، وذلك لحماية الشريعة المطهرة، أن يدخل فيها، ما ليس منها

 

 

اعلم رحمك الله: أن الحكم في تعليل الأحاديث، من الأحكام الكبرى في علم الحديث وأصوله، وقد تصدى لها جهابذة هذا الشأن؛ من أئمة الجرح والتعديل، من أمثال: الإمام البخاري /.

* وقد ذكر الإمام البخاري / في كتابه، لعدد من علل الأحاديث، في عدة من الأبواب([10])، وذلك لحماية الشريعة المطهرة، وصيانة السنة النبوية، أن يدخل فيها ما ليس منها، وهذا يعرفه من أتي فهما في أصول الحديث، وتخريجه، وعلله.

* والحافظ البخاري /، هو أول من اعتنى بجمع: «المسند الصحيح» من الأحاديث، وتلاه تلميذه الحافظ مسلم /: فصنف في: «المسند الصحيح» أيضا في الأحاديث.

* و«الجامع المسند الصحيح»، للحافظ البخاري، أصح من: «المسند الصحيح» للحافظ مسلم؛ لأن الحافظ البخاري: اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا، لأصول دقيقة في علم الحديث، لا تكون في كتاب الحافظ مسلم. ([11])

قال الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص19): (أول من صنف الصحيح: البخاري، أبو عبد الله: محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، وتلاه: أبو الحسين، مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري، وكتاباهما: أصح الكتب). اهـ

وقال الإمام النووي / في «التقريب» (ج1 ص70): (أول مصنف في الصحيح المجرد: صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص98): (فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

* وتلاه صاحبه وتلميذه: أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري: أرجح). اهـ

* وقد وقعت علل في الأحاديث، من: «الصحيح» للحافظ البخاري، و«الصحيح» للحافظ مسلم، وقد بين أئمة الحديث، هذه العلل في «صحيحيهما».

 قال الحافظ الباجي / في «التعديل والتجريح» (ج1 ص286): (وكما أنه قد وجد في الكتابين -يعني: في «صحيح البخاري»، وفي «صحيح مسلم»- ما فيه الوهم.

* وأخرج ذلك الشيخ أبو الحسن -يعني: الدارقطني- وجمعه في جزء.

* وإنما ذلك بحسب الاجتهاد، فمن كان من أهل الاجتهاد والعلم؛ بهذا الشأن لزمه أن ينظر في صحة الحديث، وحققه بمثل ما نظر.

* ومن لم يكن تلك حاله، لزمه تقليدهما في ما ادعيا صحته، والتوقف فيما لم يخرجاه في «الصحيح».

* وقد أخرج البخاري: أحاديث، اعتقد صحتها، تركها مسلم، لما اعتقد فيها: غير ذلك.

* وأخرج مسلم: أحاديث اعتقد صحتها، تركها البخاري، لما اعتقد فيها: غير معتقده، وهو يدل على أن الأمر طريقه الاجتهاد، ممن كان من أهل العلم: بهذا الشأن، وقليل ما هم). اهـ

وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص209): (ابتداء ذكر أحاديث، معلومة: اشتمل عليها كتاب: البخاري، ومسلم، أو أحدهما، بينت عللها، والصواب: منها). اهـ

قلت: والحافظ البخاري /، أحذق في أصول الحديث وعلله، من الحافظ مسلم /، وهذا بالإجماع.

قال الحافظ الترمذي / في «الجامع» (ج6 ص232): (لم أر في معنى العلل، والرجال: أعلم من محمد بن إسماعيل البخاري). اهـ

* ولولا البخاري، لما كان عند مسلم، تفصيل أصول الحديث وعلله.

* ويغلب على الظن، أن مسلما، قد اطلع على جميع كتب: البخاري، وعرف ما فيها، واستفاد منها، ونقل منها في كتبه؛ خاصة: «المسند الصحيح»، كيف لا يكون، وهو تلميذه القريب.

فعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: (لولا البخاري، لما ذهب مسلم، ولا جاء). ([12])

وعن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يعقوب ابن الأخرم قال: سمعت أبي يقول: (رأيت مسلم بن الحجاج: بين يدي محمد بن إسماعيل البخاري، وهو يسأله: سؤال الصبي المتعلم). ([13])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص86): (ولا يبلغ تصحيح مسلم، مبلغ تصحيح البخاري.

* بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب، والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله، مع فقهه فيه.

وقد ذكر الترمذي: أنه لم ير أحدا أعلم بالعلل منه).اهـ

وقال الإمام النووي / في «منهاج المحدثين» (ج1 ص120): (ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن: «البخاري» أجل من «مسلم»، وأعلم بصناعة الحديث منه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص19)؛ قسم الحديث: (والبخاري: أحذق، وأخبر بالفن من مسلم). اهـ

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج2 ص53): (رأيت أبي يطنب في مدحه، ويذكره؛ بالعلم والفقه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص17): (فلهذا؛ لم يرو البخاري إلا هذه الأحاديث، وهو أحذق، من مسلم). اهـ

وقال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج1 ص24): (وقد صح: أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترض، بأنه ليس له نظير في علم الحديث).اهـ

قلت: ولم يكن للإمام البخاري / أن يدعي أن كتابه، أصح الكتب، بعد كتاب الله تعالى مباشرة، ولم يكن يخطر بباله أن عددا من المقلدة سيصل بهم الأمر إلى ذلك. ([14])

فيقال: أن «صحيح البخاري»، أصح الكتب من كتب الحديث، أو أصح الكتب المصنفة؛ من قبل المخلوقين.

قال الإمام السخاوي / في «فتح المغيث» (ج1 ص44): (وبالجملة: فكتابهما: أصح كتب الحديث). اهـ

وقال الإمام ابن أبي العز الحنفي / في «الاتباع» (ص46): (الصحيحان: اللذان جمعهما: البخاري، ومسلم: أصح الكتب المصنفة، هذا الذي عليه أئمة الإسلام). اهـ

* وهل يتجرأ عالم أن يقول، أن كل حديث في كتاب الإمام البخاري /، من قسم الصحيح، وأن جميع رجال الإمام البخاري /، قد جاوزوا القنطرة.

قلت: وقد اشتمل كتاب الإمام البخاري / على أحاديث ساقها في تبويبه، على سبيل التعليل والتضعيف، وعلى الأحاديث المعلقة الضعيفة، وعلى الأحاديث الشاهدة، أو المتابعة، التي تتضمن الشذوذ، والنكارة.

* إذا؛ فلماذا تصرون على انتفاء، بمثل: هذه الأحاديث في كتاب الإمام البخاري /، إذا كان هو سبقكم إلى تضعيفها ([15])، والذي لا يعلم يسأل، فقد قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

* وقد بين الإمام البخاري /، بوجود الأحاديث المعلة في «صحيحه»، من ناحية خفة الضعف.

* وينبغي أن يكون واضحا؛ أن علومنا كلها، ومعارفنا كلها منقودة من داخلها، ومدلول على الخطإ، والوهم فيها، منذ اللحظة الأولى لتدوين العلوم والمعارف.

* فالنقد عندنا سار مع التأليف خطوة، خطوة، وهذا المنهج المعروف عند علماء الحديث من القبول والرد، والتعديل والتجريح، قد امتد أثره إلى سائر العلوم الأخرى، وإن باب النقد في تراثنا، وعلومنا باب واسع جدا، وضخم جدا.

قال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج14 ص534): (وشرطه -يعني: البخاري- هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح، لا يوازيه فيه غيره، لا صحيح مسلم، ولا غيره). اهـ

وقال الإمام النووي / في «تهذيب الأسماء واللغات» (ج1 ص71): (واعلم أن وصف البخاري بارتفاع المحل، والتقدم في هذا العلم، على الأماثل والأقران).اهـ

* وينبغي أن يكون واضحا أيضا: أن هذه الأمة لم تغفل عن تراثها هذه الآماد الطوال حتى يجيء مبتدعة هذا الزمان لينتقدوا، ويجرحوا، ويخطئوا على أهوائهم. ([16])

 قلت: والأمة لا تقدس علماءها، ورجالاتها، وتتعصب لهم، أصابوا، أم أخطئوا، إذ الشرع حاكم على الجميع، وكل يؤخذ من قوله، ويترك، عدى من ثبتت له العصمة r.

* ويقدر الأئمة هذا الأمر تقديرا متسلسلا، جيلا بعد جيل. ([17])

قال الإمام ابن القيم / في «الفروسية» (ص228): (ولسنا ممن يعرف الحق بالرجال، وإنما ممن يعرف الرجال بالحق، ولسنا ممن يعرض الحق على آراء الخلق، فما وافقه منها قبله، وما خالفه رده.

* وإنما نحن ممن يعرض آراء الرجال، وأقوالها على الدليل؛ فما وافقه منها اعتد به وقبله، وما خالفه خالفه). اهـ

قلت: وهذا دال على أن الأمة ترحب بالمراجعة، والنقد؛ لكن وفق الأصول، والقواعد العلمية، وأدوات النقد المعتبرة([18])، لا وفق الهوى والتشهي، أو مجازفات من لا يعلم له في هذا الشأن.

* واتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه، فهو متعن، بلا طائل. ([19])

قال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص34): (فالواجب على العالمين؛ ألا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه؛ لكان الإمساك أولى به، وأقرب إلى السلامة منه إن شاء الله). اهـ

* ولقد اتفقت الأمة على أن المرء مهما أحكم قوله، فإنه لا بد أن يخطئ كائنا من كان، وأن عمله لا بد أن يتعرض للخطإ في الدين.

قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح قواعد ابن رجب» (ص18): (صحيح: فالإنسان لا يخلو من الخطإ). اهـ

* ولقد انتقد الإمام البخاري / في أصول: «صحيحه» في عدد من الأحاديث، من قبل أئمة الحديث وأعلوها، لأن الأمر يقتضي ذلك.

* وما كان ذلك إلا لأنهم يعلمون جميعا، أنه لا يصح أي كتاب في هذه الدنيا، إلا كتاب الله تعالى. ([20])

قال الحافظ ابن رجب / في «القواعد» (ص3): (ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح قواعد ابن رجب» (ج1 ص19): (فليعلم: أن الله تعالى، لم يعط العصمة: لكتاب غير كتابه).اهـ

* وقد اشتمل الصحيح على أحاديث ساقها الإمام البخاري على سبيل التعليل، والتضعيف، وعلى أحاديث معلقة ضعيفة، وعلى أحاديث شاهدة، أو متابعة تتضمن الشذوذ، والنكارة. ([21])

قال الحافظ ابن حجر / في «النكت على ابن الصلاح» (ج1 ص324): (وقال في ذكر التعليق الجازم: «ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح: قليل يوجد في «كتاب البخاري» في مواضع من تراجم الأبواب، دون مقاصد الكتاب وموضوعه»([22])... انتهى.

أقول: بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري كثير، ليس بالقليل، إلا أن يريد بالقلة: قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب، فيتجه، بل جزم أبو الحسن ابن القطان؛ بأن التعاليق التي لم يوصل البخاري إسنادها: ليست على شرطه، وإن كان ذلك لا يقبل من ابن القطان على ما سنوضحه.

وأما قول ابن الصلاح -في التعليق الممرض-: «ليس في شيء منه حكم بالصحة على من علقه عنه»؛ فغير مسلم، لأن جميعه صحيح عنده، وإنما يعدل عن الجزم لعلة تزحزحه عن شرطه.

* وهذا بشرط أن يسوقه مساق الاحتجاج به، فأما ما أورده من ذلك على سبيل التعليل له، والرد، أو صرح بضعفه، فلا.

* وقد بينت ذلك على وجوهه، وأقسامه في كتابي: «تغليق التعليق»([23])). اهـ

قلت: وهذا التعليل من الإمام البخاري / في كتابه: «المسند الصحيح»، لا يعرفه إلا أهل الشأن، ولا يفهم هذا المأخذ الدقيق، إلا أهل الحديث، في كل زمان.

* فإن: «الجامع المسند الصحيح»، جمع فيه الإمام البخاري، الأحاديث الصحيحة، وذكر أحاديث ذات علل خفية؛ بقصد إعلالها، وتضعيفها، لا يدركها؛ إلا المتأمل لها من أهل الحديث، العارف بطريقته، وأصوله في «الجامع المسند الصحيح».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج7 ص216)؛ متحدثا عن أصول الإمام البخاري في ذلك: (لا يكاد يروي لفظا، فيه انتقاد: إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد، فما في كتابه: لفظ منتقد، إلا وفي كتابه: ما يبين أنه منتقد).اهـ 

قلت: ومما يتصل بهذا؛ ما أشار إليه أهل العلم من أن الإمام البخاري /:

تارة: يكون سكوته عن حديث، لشدة وضوح وهم الراوي فيه، واتفاقهم على طرح روايته هذه. ([24])

وتارة: يكون الإمام البخاري ربما أورد الحديث لنقده، وبيان علته([25]). ([26])

وتارة: يكون الإمام البخاري في سكوته عن حديث ما، لأنه سبق له الكلام عنه في موضع آخر.

وتارة: يورده لأنه صالح، للاستشهاد به، وحجة للاعتبار وهو ضعيف، وليس حجة في الأصول، فلا بد أن تفرق بين الذي للاعتبار، وبين الذي في الأصول. ([27])

قلت: وهذا يقتضي النظر في أحاديث «الجامع المسند الصحيح».

وهذا هو الصواب: أن يحكم على كل حديث بما يليق به، بقطع النظر عن وجوده في «الصحيح».

* وكذلك: الإمام مسلم قد ذكر في «صحيحه» أحاديث غريبة، وشاذة: متنا، وإسنادا، وقد تعرض لعدد منها بذكر غرابتها، واختلافها، وشذوذها في عدة من أبواب. ([28])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص86): (ولهذا كان من عادة البخاري، إذا روى حديثا، اختلف في إسناده، أو في بعض ألفاظه، أن يذكر الاختلاف في ذلك، لئلا يغتر بذكره له؛ بأنه إنما ذكره: مقرونا بالاختلاف فيه). اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص17): (ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح، قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب، دون مقاصد الكتاب وموضوعه). اهـ

فتعقبه الحافظ ابن حجر / في «النكت» (ج1ص 324): (بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري: كثير ليس بالقليل، إلا أن يريد بالقلة، قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب، فيتجه). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن العلل الموجهة لشيء من: «أحاديث الصحيح»، للحافظ البخاري، تكون مقنعة، قائمة على ساق الدليل، والبرهان، وهي واضحة الحجة والبيان. ([29])

وقد أشار الإمام البخاري / إلى هذه العلل في «صحيحه» في عدة من الأبواب، من ناحية الإسناد، أو من ناحية المتن.

قلت: وهذا صريح في أنه يورد في «صحيحه» أحاديث معللة؛ أي: ضعيفة، يبين ضعفها في أبوابها.

* فهل نصدق الإمام البخاري، أم نصدق المقلدة المتعصبة في علل الأحاديث في «صحيحه»؟

قلت: وهذا التعليل من الإمام البخاري /، لا يعرفه، إلا أهل الشأن، ولا يفهم هذا المأخذ الدقيق، إلا أهل الحديث في كل زمان.

* فكتاب الإمام البخاري /، جمع فيه الأحاديث الصحيحة، وذكر أحاديث ذات علل خفية؛ بقصد إعلالها، لا يدركها؛ إلا المتأمل لها من أهل الحديث، العارف بطريقته في كتابه.

وقد أشار الإمام البخاري / في «صحيحه»؛ إلى أنه يورد أخبارا معللة في «صحيحه» ليبين أنها منتقدة.

* صار -يعني: الإمام البخاري /- أحيانا يرتب الأحاديث، فيذكر أولا الأسانيد الغاية في الصحة، ثم بعد ذلك ما دونها، ثم بعد ذلك ما دونها.([30])

وهذه فائدة نستفيد منها: أنه إذا جاءت أحاديث في باب معين، وعرفت أن المقدم منها: من كان رجاله أتقن وأضبط، ثم يأتي من بعدهم في الضبط والإتقان، ثم قيل: يأتي من بعدهم، كالمتابع، أو الشاهد ([31])، أو ما أشبه ذلك.

قال الشيخ إبراهيم اللاحم في «مقارنة المرويات» (ج2 ص481): (فإن بعض ما انتقد عليهما -يعني: الإمام البخاري، والإمام مسلما- لا عتب عليهما في إخراجه.

* إذ غرضهما تعليله فيما يظهر([32])... ويظهر جدا من سوق مسلم لأسانيدها، ومتونها؛ أن غرضه كان بيان ما فيها من علل). اهـ

* والإمام البخاري / له طرق في ذكر الروايات في «صحيحه» على حسب الباب، فمثلا: أحيانا، يروي أول الأمر أصح حديث لديه في الباب، وهو المروي من طريق الحفاظ الثقات الأثبات.

* ثم يخرج بعد الرواية: الصحيحة، بروايات أخرى، فيظن أنها تزيدها بيانا، وهذه تسمى عند البعض: بالشواهد، والمتابعات، وهي في الحقيقة أسانيدها لمفردة: وضعيفة، لكونها من طريق رجال ضعفاء.

قلت: ويعرف المشتغلون بالحديث؛ أن الروايات المخرجةفي الشواهد والمتابعات، تشتمل على: الشاذ، والمضطرب، والمنكر.

* ومثال لإعلال الإمام البخاري للحديث في الأبواب: مثل: حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (ذكر النبي r قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه، أو بزمامه، ثم قال: أي يوم هذا؟، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه، سوى اسمه، قال: أليس يوم النحر؟، قلنا: بلى، قال: فأي شهر هذا؟، فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟، قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم: بينكم، حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد: الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «العلم»، في باب: «قول النبي r: رب مبلغ أوعى من سامع» (67) من طريق مسدد قال: حدثنا بشر قال: حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: ذكر النبي r قعد على بعيره.

وأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» في كتاب: «العلم»، في باب:  «ليبلغ العلم الشاهد الغائب» (105) من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة: (ذكر النبي r قال: فإن دماءكم وأموالكم -قال محمد بن سيرين: وأحسبه، قال: وأعراضكم- عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، ألا ليبلغ الشاهد، الغائب، وكان محمد يقول: صدق رسول الله r، كان ذلك: «ألا هل بلغت؟»، مرتين).

* وفي رواية: أبي ذر الهروي، في حديث عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة t.

هكذا قيده عن أبي محمد الحموي، وأبي الهيثم عن الفربري.

* سقط لهما ذكر: ابن أبي بكرة.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص199): (كذا للمستملي، والكشميهني، وسقط عن: «ابن أبي بكرة» للباقين.

* فصار منقطعا؛ لأن محمدا، لم يسمع من أبي بكرة.

* وفي رواية: عن: «محمد بن أبي بكرة»، وهي خطأ، وكأن: «عن» سقطت منها.

* وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب: «العلم» من طريق أخرى: «عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه»، وهو الصواب). اهـ

وقال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص570): (وفي نسخة: أبي ذر الهروي، في حديث: عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي بكرة.

* هكذا: قيده عن أبي محمد الحموي، وأبي الهيثم عن الفربري، سقط: لهما ذكر: ابن أبي بكرة). اهـ

وقال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج7 ص153): (وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: أنبئت عن أبي بكرة، ولم يذكر من نبأه). اهـ

* ورواه أبو إسحاق المستملي، وسائر: رواة، الفربري.

بإثبات: ابن أبي بكرة، بين محمد بن سيرين، وأبي بكرة t.

* وتكرر هذا الحديث: في «تفسير» سورة براءة، من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة t، عن النبي r فذكره.

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «التفسير»، في باب: قوله تعالى: ]إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم[ [التوبة: 36]، (ص800).

قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص570): (ورواه أبو إسحاق المستملي، وسائر رواة: الفربري؛ بإثبات: ابن أبي بكرة، بين محمد، وأبي بكرة، وتكرر هذا الحديث، في «تفسير»، سورة براءة، من طريق عبد الله بن عبد الوهاب، أيضا: عن حماد بن زيد، بإثبات: ابنأبي بكرة بينهما) ([33]). اهـ

* وقوله: «وسائر رواة الفربري»، وقع تغاير، بين كلام الحافظ الغساني، والحافظ ابن حجر.

* حيث يثبت الحافظ الغساني، أن الذي سقط له: ابن أبي بكرة، من رواة الفربري، هو أبو الهيثم، والحموي، وأن ما سواهما: ثبت لهم ذلك.

* بينما بين الحافظ ابن حجر، أن الذي ثبت لهم: هو المستملي، والكشميهني، وسقط: للباقين. ([34])

* ورواه محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة t.

هكذا ذكر الحافظ الغساني في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص570)؛ برواية: الأصيلي، «للجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «بدء الخلق»، في باب: «ما جاء في سبع أرضين»، فلم يذكر بين: محمد بن سيرين، وبين أبي بكرة: أحدا. ([35])

* وهذا وهم.

وسائر رواة الفربري: يقولون فيه: عن محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة t به.

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «بدء الخلق»، في باب: «ما جاء في سبع أرضين» (2197).

* وهو الصواب.

وقال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (ج2 ص145): (وفي نسخة الأصيلي: عن محمد، عن أبي بكرة، على الصواب) ([36]). اهـ

 * وتكرر أيضا على الصواب؛ حديث: محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة t، عن النبي r قال: (الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟، قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟، قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟. قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم، -قال محمد: وأحسبه قال- وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه. فكان محمد إذا ذكره يقول: صدق محمد r، ثم قال: «ألا هل بلغت») مرتين.

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «المغازي»، في باب: «حجة الوداع» (4406).

* وفي رواية: القابسي، أن في نسخة: أبي زيد المروزي: عن أيوب، عن محمد بن أبي بكرة، عن أبي بكرة t به، وفي نسخة: عن أبي بكرة.

ذكر ذلك: الحافظ الغساني في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص571).

* وهذا وهم.

* ووقع في رواية: الأصيلي، على الصواب: عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة t به.

* وهو الصحيح.

* وكرره أيضا: البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «التوحيد»، في باب: قول الله تعالى: ]وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة[ [القيامة: 22 و23]. (7447)، فقال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي r، قال: (الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا: منها أربعة حرم، ثلاث متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه يسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟، قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟، قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟، قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم -قال محمد وأحسبه قال: وأعراضكم- عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه. فكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي r، ثم قال: «ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت»).

وأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «الأضاحي»، وفي باب: من قال: «الأضحى يوم النحر» (5550)، فقال: حدثنا محمد بن سلام، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة t، عن النبي r قال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟، قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلدة؟، قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟، قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم -قال محمد: وأحسبه قال- وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي r، ثم قال: «ألا هل بلغت، ألا هل بلغت مرتين»).

قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص570): (وفي نسخة أبي ذر الهروي، في حديث: عبد الله بن عبد الوهاب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي بكرة.

* هكذا قيده عن أبي محمد الحموي، وأبي الهيثم([37])، عن الفربري، سقط لهما ذكر «ابن أبي بكرة».

* ورواه أبو إسحاق المستملي، وسائر([38]): رواة الفربري بإثبات: «ابن أبي بكرة» بين محمد، وأبي بكرة، وتكرر هذا الحديث في «تفسير سورة براءة»، من طريق عبد الله بن عبد الوهاب -أيضا- عن حماد بن زيد؛ بإثبات «ابن أبي بكرة» بينهما.

* وفي كتاب: «بدء الخلق»، عن محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، نا أيوب، عن محمد، عن أبي بكرة.

هكذا في نسخة الأصيلي: عن أبي أحمد، لم يذكر بين محمد بن سيرين، وأبي بكرة: أحدا.

وسائر رواة الفربري يقولون فيه: عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة في هذا الموضع([39])، غير أن أبا الحسن القابسي: وقع في نسخته في هذا الموضع: أيوب، عن محمد بن أبي بكرة.

وهذا وهم فاحش([40])!، وصوابه: أيوب، عن محمد -هو ابن سيرين- عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة.

* وتكرر -أيضا- حديث محمد بن المثنى عن عبد الوهاب في باب: «حجة الوداع»، من كتاب: «المغازي»؛ فذكر القابسي: أن في نسخة أبي زيد: أيوب، عن محمد بن أبي بكرة.

ووقع في نسخة الأصيلي هذا الموضع: عن محمد، عن ابن أبي بكرة، على الصواب). اهـ

* وذكر الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج7 ص153)؛ أن ابن علية([41])، وعبد الوارث؛ روياه: عن أيوب، عن محمد بن سيرين([42])، عن أبي بكرة، ولم يذكرا: بينهما، أحدا.

* وكذلك: رواه يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة t.

أورده الدارقطني في «العلل» (ج7 ص153).

ورواه: مسدد، حدثنا يحيى، حدثنا قرة بن خالد: حدثنا ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، وعن رجل آخر -هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة- عن أبي بكرة t: (أن رسول الله r خطب الناس فقال: ألا تدرون أي يوم هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بيوم النحر؟، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أي بلد هذا، أليست بالبلدة الحرام؟، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، وأبشاركم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟، قلنا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ يبلغه لمن هو أوعى له. فكان كذلك، قال: لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «الفتن»، في باب: قول النبي r: «لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض»: (7078).

* ورواه: عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، ورجل -أفضل في نفسي من عبد الرحمن-: حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة t قال: خطبنا النبي r يوم النحر، فذكره. ([43])

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «الحج»، في باب: «الخطبة أيام منى»: (1741).

قال الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج7 ص152): (ورواه: قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة.

* ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن؛ فسماه: أبو عامر العقدي ([44])، عن قرة، فقال: وعن حميد بن عبد الرحمن الحميري، ولم يسمه: يحيى القطان، في روايته عن قرة). اهـ

* وهو على الصواب.

وقال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص572): (واتصال هذا الإسناد، وصوابه: أن يكون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه.

* وعن محمد بن سيرين؛ أيضا: عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي بكرة). اهـ

قلت: ومراد الحافظ البخاري، في ذكره للروايات المتصلة، والروايات المنقطعة، ليبين علة الروايات المنقطعة في الأبواب، كما سبق ذكرها في أبوابها، لأنه لا يخفى عليه؛ بمثل: هذه الروايات المرسلة في الأسانيد.

قلت: وهذا إعلال، يتفق مع القواعد الحديثية، ولا يخالفها ألبتة.

* والغرض من هذا الباب كله، أن من استدرك على الحافظ البخاري / في حديث أبي بكرة t، فقد أخطأ عليه، لأن مراده هو إعلال الحديث المرسل، بالحديث المتصل، وقد سبق تفصيل ذلك.

* وهذا يظهر أن الإمام البخاري، أورد: الحديث المرسل، لبيان العلة فيه؛ كما هي عادته في: «صحيحه»، في عدد من الأبواب، وهو الصواب.

قلت: وهذا يدل على أن الإمام البخاري، يذكر في أبواب كتابه، أحاديث معلولة، ليميز في الأبواب، بين الأحاديث الثابتة، والأحاديث المعلولة؛ حرصا منه على تنقية السنة النبوية، مما أدخل فيها من الأحاديث الضعيفة.

* وهذا التعليل من الإمام البخاري /، لا يعرفه؛ إلا أهل الشأن.

قلت: وهذا يبين الفرق بين ما ساقه الإمام البخاري / في الأصول والاحتجاج به، وما ذكره للإعلال!. ([45])

قال العلامة الشيخ أحمد شاكر /: (أهم شيء في تعليل الرواية عند المحدثين: هو البحث في علل المتون، وأخطاء الرواة فيها، وهو الأساس الذي بنى عليه الأئمة الحفاظ نقدهم للأحاديث، يعرف ذلك كل من مارس هذه الفنون الجليلة: علوم الحديث) ([46]). اهـ

* والإمام البخاري /: كان يعرف تلك القواعد، بل كان من جملة المقعدين لها.

قلت: فالنظر ينبغي أن يتجه إلى مدى احترامه، لتلك المعايير العلمية، لا إلى وجود الحديث في كتابه فحسب. ([47])

* وهناك أحاديث سكت عنها، وربما ضعفها في مواضع أخر، وما ذاك إلا لاشتهار عللها عند أهل الصنعة، فلا يصح والحالة هذه أن ينسب إليه تقوية الحديث، بمجرد ذكره في كتابه، لأنه سكت عنه بحسب شهرته، ونكارته، وعلته([48])، عند أهل الشأن.

قلت: فالإمام البخاري /، كما التزم بالصحة في «صحيحه»، أيضا التزامه بذكره العلل في موضعها ([49]).

* وقد بين الإمام البخاري لهم ذلك.

* والقوم ينشرون الأحاديث المعللة بين العوام، ثم يقولون أن هذه الأحاديث أخرجها الإمام البخاري في «صحيحه»!، وهي ليست كذلك، بل هي خرجت من أكياسهم.

وقد نص الإمام الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (ج1 ص103)، أن الحفاظ انتقدوا: «الصحيحين»، فقال: (وربما أضفنا إلى ذلك نبذا، مما تنبهنا عليه من كتب: أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر البرقاني، وأبي مسعود الدمشقي، وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين؛ من تنبيه على غرض، أو تتميم لمحذوف، أو زيادة في شرح، أو بيان لاسم، أو نسب، أو كلام على إسناد، أو تتبع لوهم بعض أصحاب التعاليق في الحكاية عنهما، ونحو ذلك من الغوامض التي يقف عليها من ينفعه الله تعالى بمعرفتها إن شاء الله تعالى).اهـ

قلت: وهذا يدل على أن الإمام البخاري يورد أحاديث معلولة في «صحيحه»، وقد انتقده عليها أئمة الحديث، فهل من وافق هؤلاء الأئمة في تعليل حديث في «الصحيحين»؛ على أقل تقدير مختلف فيه؛ يعد: تعديا على «الصحيحين»؟!.([50])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص17): (ومما قد يسمى صحيحا، ما يصححه بعض علماء الحديث، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه، فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح). اهـ

* وعلى سبيل المثال أيضا في تعليل الإمام البخاري للأحاديث في كتابه:

نذكر حديث عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك t، (حين تخلف عن رسول الله r، ولم يكن رسول الله r، يريد غزوة إلا ورى بغيرها).

أخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر»، في كتاب: «الجهاد والسير»، في باب: «من أراد غزوة فورى بغيرها» (2947) من طريق يحيى بن بكير، حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن عبد الله بن كعب، وكان قائد: كعب بن مالك، من بنيه، قال: سمعت كعب بن مالك t به.

قلت: وهذا سنده على شرط الصحيح المتصل، للحافظ البخاري، وهو المعتمد عنده في هذا الباب. ([51])

* ثم أردف عليه، الإسناد المعلول، وهو محتمل الاتصال؛ ليعل به الإسناد المتقدم.

فأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح المختصر»، في كتاب: «الجهاد والسير»، في باب: «من أراد غزوة فورى بغيرها» (2948) من طريق أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: سمعت كعب بن مالك t يقول: (كان رسول الله r، قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها...).

ومراد: الحافظ البخاري بذكره، لهذه الرواية، ليبين: الوهم الذي وقع في الإسناد بقوله: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك.

فقوله: سمعت، كعبا، هذا وهم وقع في هذا الإسناد، والصواب: أنه مرسل، عند الحافظ البخاري. ([52])

هكذا؛ روي هذا الإسناد في «الجامع المسند الصحيح» (1948).

ويؤيده: أن الحافظ البخاري ذكره أيضا في «التاريخ الكبير» (ج5 ص304) ([53])؛ في: ترجمة: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، ليبين أن هذا الإسناد فيه علة، وهذه العلة: هي: «الإرسال»، وأن: «السماع» فيه: وهم.

فأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص304) من طريق أحمد بن محمد، عن ابن المبارك، أخبرنا: يونس، عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، قال: سمعت كعبا t يقول: (كان رسول الله r، قلما يريد غزوة؛ إلا ورى بغيرها).

وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص303 و304 و305)، رواية: عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه، عن كعب بن مالك، ليبين أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، يروي عن أبيه، يعني: بواسطة عن جده كعب بن مالك، فافطن لهذا.

قال الحافظ أبو علي الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص632): (كذا روي هذا الإسناد، عن البخاري عن أحمد بن محمد مردويه عن ابن المبارك في «الجامع الصحيح».

* وكذلك في «التاريخ الكبير» عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله سمعت كعبا.

* وكذلك: رواية ابن السكن، وأبي زيد، ومشايخ: أبي ذر الثلاثة ([54])، لهذا الحديث: الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله، سمعت كعبا). اهـ

وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص381): (وأخرج البخاري؛ حديث توبة: كعب t، من طرقات صحاح، عن يونس، وعقيل، وإسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه، عن كعب t، وهو الصواب.

* وأخرجه عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب عن كعب t، مرسلا.

* وقد رواه سويد عن ابن المبارك، متصلا، مثل: ما قال ابن وهب، والليث عن يونس.

* وأخرجه مسلم من طرقات صحاح، عن يونس، وعقيل، وابن أخي الزهري، عن الزهري، على الصواب). اهـ

قلت: فذهب الحافظ الدارقطني / في هذا الإسناد: إنه مرسل، ولم يلتفت إلى قوله في الحديث: «سمعت كعبا»، لأنه عنده: وهم، وأن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، لم يسمع من جده. ([55])

قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص632): (قال أبو الحسن الدارقطني: في هذا الحديث، إنه مرسل، ولم يلتفت إلى قوله في الحديث: «سمعت كعبا»؛ لأنه عنده وهم). اهـ

قلت: ومما يشهد، لقول الحافظ الدارقطني /، أن رواية: عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، على الإرسال، وإنما يروي عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، وعن عمه: عبيد الله بن كعب. ([56])

* ما ذكر الإمام محمد بن يحيى الذهلي / في «علل حديث الزهري» (ج2 ص633) حيث قال: (سمع الزهري من عبد الرحمن بن كعب بن مالك.

* وسمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك.

* ومن أبيه: عبد الله بن كعب، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، ولا أظن سمع عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب من جده شيئا). اهـ

* وقد أقره الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ج2 ص959).

قلت: وهذا مما سمع الزهري، من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه، وهو الصحيح. ([57])

قال الحافظ الغساني / في «التنبيه على الأوهام» (ج2 ص633): (ومما يشهد لقول أبي الحسن الدارقطني -أن هذا على الإرسال- ما ذكر محمد بن يحيى الذهلي). اهـ

* وقد وافق الحافظ ابن حجر، الحافظ الدارقطني، على انتقاد طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن جده كعب بن مالك.

قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ج2 ص959)؛ بعد ذكره كلام الحافظ الدارقطني: (قلت: وقع في رواية البخاري: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعبا.

* فأخرجه على الاحتمال؛ لأن من الجائز، أن يكون عبد الرحمن سمعه من جده، وثبته فيه أبوه.

* فكان في أكثر الأحوال: يرويه عن أبيه عن جده، وربما رواه عن جده.

* لكن رواية: سويد بن نصر، التي أشار إليها الدارقطني، توجب أن يكون الخلاف فيها على عبد الله بن المبارك.

* وحينئذ فتكون رواية: أحمد بن محمد شاذة، فلا يترتب على تخريجها كبير تعليل، فإن الاعتماد، إنما هو على الرواية المتصلة). اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص731): (وقال الدارقطني: روايته عن جده مرسلة).

قلت: والحافظ النووي / في «المنهاج»؛ يوافق الحافظ الدارقطني.

قلت: إذا الغرض من الحافظ البخاري، في ذكره، رواية: الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن جده: كعب بن مالك، في هذا الباب؛ ليعل هذه الرواية، وهي: المرسلة، برواية: الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن كعب بن مالك، فخرجها على الاتصال.

* فذكر أولا، الرواية؛ المتصلة، ثم أردف بعدها، الرواية: المرسلة، ليبين علتها في هذا الباب.

قلت: وهذا إعلال، يتفق مع القواعد الحديثية، ولا يخالفها ألبتة.

قلت: والغرض من هذا الباب كله، أن من استدرك على الحافظ البخاري /، في حديث: أحمد بن محمد، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن كعب بن مالك، الذي في أول الباب، فقد أخطأ عليه، لأن مراد الحافظ البخاري /، إعلال الحديث المرسل، بالحديث المتصل، فافهم لهذا ترشد. ([58])

قلت: وهذا يظهر أن الإمام البخاري، أورده لبيان العلة فيه؛ كما هي عادته في «صحيحه»، في عدد من الأبواب، وهو الصواب.

قلت: ولا يخفى على المتخصص في السنة ودواوينها، أن عامة الأحاديث المعلولة في «الصحيح»، لم يصرح الإمام البخاري([59])، والإمام مسلم فيها بوضوح، إلا في اليسير منها.

* وإنما أشارا إلى العلل التي فيها، وذلك لمعرفتهما، بأن أهل الصنعة يعرفون هذه العلل في الأحاديث، وهذا يعلم بالاستقراء والتتبع، ومعرفة القرائن التي تحفها، وهذا لمن تفهم هذا الشأن.

قلت: ويظن المقلدة، أن سكوت الإمام البخاري، والإمام مسلم عن عدد من الأحاديث الموجودة في صحيحيهما، هو من الإقرار على صحتها كلها، وهذا قصور في العلم([60])، والفهم معا.

* فلا يجوز للباحث أن ينسب إلى الإمام البخاري: أنه احتج بهذا الحديث في «صحيحه»، أو أورده في كتابه على جهة الاحتجاج به([61])، لأن الاحتجاج معنى أوسع من تقوية الحديث، أو الإسناد بغيره. ([62])

* فلذلك لا بد من جمع الأحاديث، حتى يتبين المعلول منها، لأن العجلة في هذا الشأن تقتضي نسبة قول إلى عالم لم يقله، وتصحيح حديث لم يصححه، والافتيات عليه في هذا الباب ليس بالأمر الهين في الدين.

قال الحافظ السخاوي / في «فتح المغيث» (ج1 ص139): (ينبغي عدم المبادرة لنسبة السكوت، إلا بعد جمع الروايات، واعتماد ما اتفقت عليه). اهـ

وقال الحافظ النووي / في «التقريب والتيسير» (ص44): (والعلة عبارة عن سبب غامض خفي؛ قادح، مع أن الظاهر السلامة منه). اهـ

* وهذه العلة من الأسباب الخفية المضعفة لحديث الراوي؛ لأنها لا تظهر إلا بجمع الطرق والأسانيد، ومعرفة الاختلاف على الراوي الذي عليه مدار الرواية في كل سند، حتى يتعين موضوع الاضطراب، والاختلاف في السند، أو المتن، وممن هو. ([63])

قلت: ولا يظهر هذا الاضطراب؛ إلا بعد جمع طرق الحديث، فجمعناها فوجدنا الاضطراب فيه واضحا.

* إذا من ذا الذي لا يخطئ، ومن ذا يسلم من الوهم. ([64])

فعن علي بن المديني / قال: (وكان شعبة بن الحجاج([65])، يخطئ في أسماء الرجال).([66])

قال أبو أحمد العسكري / في «تصحيفات المحدثين» (ج1 ص10): (وبدأت بذكر جملة من أخبار المصحفين، وبعض ما وهم فيه العلماء، غير قاصد: للطعن على أحد منهم، ولا الوضع منه، وما يسلم أحد من زلة، ولا خطإ؛ إلا من عصم الله تعالى). اهـ

قلت: والسعيد من عدت غلطاته، وبينت له، وصححها، وهو فرح بذلك!.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص352): (وكما أنهم يستشهدون، ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ؛ فإنهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها، بأمور يستدلون بها، ويسمون هذا: علم علل الحديث). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص42): (وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه). اهـ

وعن الإمام يحيى بن معين / قال: (لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها، ما عقلناه). ([67])

وعن الإمام أحمد / قال: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه) ([68]).([69])

قلت: وهذا يدل على أن الحديث لا بد أن تجمع طرقه، لكي يتبين اضطرابه، وشذوذه، والخطأ في أسانيده.

قال الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص193): (والاضطراب موجب ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يضبط). اهـ

وقال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج9 ص161): (الغلط لا يسلم منه أحد). اهـ

وقال الإمام ابن طاهر / في «المؤتلف والمختلف» (ص2): (فليس يسلم أحد من سهو، وخطإ) ([70]). اهـ

وعلى كل حال: فلا بد من النظر للتمييز بين الأحاديث التي من شرط الإمام البخاري، ومن شرط الإمام مسلم، وبين الأحاديث المعلولة([71])، ولا شك أن في ثنايا كتابيهما أحاديث كثيرة قد أخرجاها في «صحيحيهما».([72])

قال الحافظ ابن العطار / في «غرر الفوائد» (ص515): (ووقع في «مسلم» أيضا: أحاديث فوق العشرة مروية بالمكاتبة، لم يسمعها الراوي لها ممن كاتبه بها، وإنما رواها عن كتابه فقط؛ فهي مقطوعة من طريق السماع، متصلة من طريق المكاتبة). اهـ

قال الإمام أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص99)؛ عن البخاري، ومسلم: (وبذلا جهدهما في تبرئتهما من كل علة: الجهد، بضم الجيم، الطاقة والوسع، وبفتحها: المشقة.

يعني: بذلك أنهما قد اجتهدا في تصحيح أحاديث كتابيهما غاية الاجتهاد، غير أن الإحاطة، والكمال لم يكملا؛ إلا: لذي العظمة والجلال.

* فقد خرج النقاد؛ كأبي الحسن الدارقطني، وأبي علي الجياني، عليهما في كتابيهما أحاديث ضعيفة، وأسانيد عليلة، لكنها نادرة قليلة) ([73]).اهـ

قلت: وهذا يدل على أن أهل العلم يقرون أن في «الصحيحين» أحاديث معلولة ضعيفة، فأين الإجماع المزعوم.

ويزعم المقلدة: بإجماع جميع علماء الأمة على صحة كل حديث؛ أخرجه الإمام البخاري، والإمام مسلم في صحيحيهما، وهذا فيه نظر.

* نعم نقل العلماء: أن جمهور الأحاديث التي في: «الصحيحين»، صحيحة، فهذا الذي نقله العلماء الكبار، وتداولوه في كتبهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص17): (ومن الصحيح: ما تلقاه بالقبول، والتصديق، أهل العلم بالحديث؛ كجمهور أحاديث «البخاري»، و«مسلم»؛ فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث). اهـ

* ولما ادعى الإمام ابن الصلاح / في «معرفة أنواع علم الحديث» (ص 18 و19)؛ أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته، لتلقي الأمة للأحاديث بالقبول، والإجماع حجة قطعية.([74])

فتعقبه الإمام الزركشي / في «النكت» (ص89)؛ بقوله: (إن أراد كل الأمة، فلا يخفى فساده... وأيضا: فإن أراد أن كل حديث منها: تلقوه بالقبول، فهو غير مستقيم، فقد تكلم جماعة من الحفاظ في أحاديث منها، كالدارقطني.

* وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث محمد بن بشار بندار، وأكثرا من الاحتجاج به، وتكلم فيه غير واحد من الحفاظ، وغير ذلك من رجالهما الذين تكلم فيهم، فتلك الأحاديث عند هؤلاء لا يتلقونها بالقبول).اهـ

* وأما قصة: تصحيح الأئمة «للجامع المسند الصحيح» للبخاري، فهذا من كذب المقلدة على الأئمة في ثبوت جميع الأحاديث، التي في «الصحيح».

وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج9 ص46): (قال مسلمة في «الصلة»: سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت العقيلي يقول: لما ألف البخاري كتابه «الصحيح» عرضه على: «ابن المديني»، و«يحيى بن معين»، و«أحمد بن حنبل»، وغيرهم، فامتحنوه [وفي رواية: فاستحسنوه]، وكلهم قال: كتابك صحيح، إلا أربعة أحاديث، قال العقيلي: والقول فيها، قول البخاري، وهي صحيحة). ([75])

وهذا لا يثبت من ناحية الإسناد، ولا يصح، فإن في إسناده رجلا مجهولا، كما هو ظاهر: (سمعت بعض أصحابنا).

ومسلمة: لم يلتزم الصحة في كل ما يحكيه عن الإمام البخاري، وقد أنكرت عليه حكايات أخرى.

* والقصة هذه تشعر أن الإمام العقيلي يقول بتصحيح كل ما أخرجه البخاري في «صحيحه»، وهذا ليس بصحيح، فقد ضعف الإمام العقيلي عددا من الأحاديث في «الجامع المسند الصحيح» للبخاري. ([76])

* وقد زعم الإمام البلقيني / في «محاسن الاصطلاح» (ص38)، أن كل ما أخرجه مسلم في «صحيحه»، قد أجمع على صحته: الإمام أحمد بن حنبل، والإمام ابن معين، وغيرهما.

هذه الأقوال يروجونها، وهي ليست بصحيحة؛ بسبب قلة علمهم بالحديث.

قلت: ومن هنا يتبين، أن جميع ما في: «الصحيح» للإمام البخاري، لا يكون من قبيل الصحيح، لأنه وقع له ذلك على حسب اجتهاده، وهو على أقسام([77]):

الأول: منه ما هو في: «الصحيحين»؛ يعني: اتفق فيه، مع الإمام مسلم، ومع غيره من الأئمة.

الثاني: ومنه على شرط الصحة، وقد انفرد عن الإمام مسلم.

الثالث: ومنه ما هو من قبيل الصحيح لغيره، إذا اعتضد بعاضد قوي.

الرابع: ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته، ونزل عن مرتبة الصحة، لأن الإمام البخاري، جعله في مرتبة الصحة على حسب اجتهاده في تأصيله للشرط، وهو ليس كذلك.

الخامس: ومنه ما هو من قبيل الحسن لغيره، إذا اعتضد بالصحيح، أو الحسن، من دون نكارة في السند، أو المتن.

السادس: ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية، من لم يجمع على تركه غالبا، وقد انتقده أئمة الحديث في هذا القسم.

قال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص1): (ابتداء ذكر أحاديث معلولة -يعني: ضعيفة- اشتمل عليها: «كتاب البخاري ومسلم»، أو أحدهما، بينت عللها، والصواب فيها). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص19): (مع أن حذاق أهل الحديث: يثبتون علة هذا الحديث، من غير هذه الجهة، وأن رواية: فلان غلط فيه، لأمور يذكرونها.

* وهذا الذي يسمى معرفة علل الحديث، بكون الحديث إسناده في الظاهر جيدا.

ولكن عرف من طريق آخر: أن راويه غلط فرفعه، وهو موقوف، أو أسنده، وهو مرسل، أو دخل عليه حديث في حديث، وهذا فن شريف.

* وكان يحيى بن سعيد الأنصاري([78])، ثم صاحبه علي بن المديني، ثم البخاري من أعلم الناس به.

* وكذلك الإمام أحمد، وأبو حاتم، وكذلك النسائي، والدارقطني، وغيرهم، وفيه مصنفات معروفة).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص17): (ومما قد يسمى صحيحا، ما يصححه بعض علماء الحديث، وآخرون يخالفونهم في تصحيحه، فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح). اهـ

وقال الحافظ الباجي / في «التعديل والتجريح» (ج1 ص286): (وكما أنه قد وجد في الكتابين -يعني: «البخاري»، و«مسلما»- ما فيه من الوهم). اهـ

* واعلم أنك لا تعلم؛ معنى: أصول الحديث على وجه التفصيل والإجمال، قبل معرفة علم العلل والتخريج، الذي هو أصل هذا العلم، لأن إدراك العقول، لهذا الشأن لا يكون، إلا على هذا الأصل. ([79])

قلت: ومن عادة الإمام البخاري / أيضا في «صحيحه»، أنه: عند سياق الروايات المتفقة في الجملة، يقدم الأصح، فالأصح، فقد تقع الرواية المؤخرة في الإجمال، أو في الخطإ، ليبين الرواية المقدمة.

قلت: فمن عادة الإمام البخاري / أحيانا، أن يرتب الروايات في كل باب، بحسب صحتها، فيبدأ، بأصح العبارات: لفظا وسندا، ثم يتبعها بالروايات الأخرى التي تشهد لها.

* وقد تكون تلك الشواهد صحيحة، لكن من مخارج أخرى؛ كـ«اختلاف الصحابي»، أو تكون حسنة الإسناد؛ كـ«رواية اللين»، أو تكون ضعيفة؛ ذكرها الإمام البخاري للتنبيه عليها، وأحيانا يذكر الإسناد فقط، ويكون هناك اختلاف في اللفظ، أو يكون هناك اختصار، وإجمال، لكن تبينه الرواية المتقدمة الصحيحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص42): (وأما شرط البخاري، ومسلم: فلهذا رجال يروي عنهم يختص بهم، ولهذا رجال يروي عنهم يختص بهم، وهما مشتركان في رجال آخرين.

* وهؤلاء الذين اتفقا عليهم؛ عليهم مدار الحديث المتفق عليه، وقد يروي أحدهم، عن رجل في المتابعات والشواهد، دون الأصل.

* وقد يروي عنه ما عرف من طريق غيره، ولا يروي ما انفرد به، وقد يترك من حديث الثقة ما علم أنه أخطأ فيه، فيظن من لا خبرة له أن كل ما رواه ذلك الشخص يحتج به أصحاب الصحيح، وليس الأمر كذلك). اهـ

وقال الفقيه ابن أبي الوفاء الحنفي / في «ذيل الجواهر المضية» (ج1 ص428): (وما يقوله الناس: أن من روى له الشيخان، فقد جاوز القنطرة، هذا من النجوه، ولا يقوى.

* فقد روى مسلم في كتابه، عن ليث بن أبي سليم، وغيره من الضعفاء.

فيقولون: إنما روى عنهم في كتابه، للاعتبار، والشواهد، والمتابعات، وهذا لا يقوى، لأن الحافظ رشيد الدين العطار قال: الاعتبار، والشواهد، والمتابعات: أمور يتعرفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم، التزم فيه: «الصحيح»، فكيف يتعرف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة) ([80]). اهـ

* فهذا ما تأوله: أهل العلم؛ منهم: الحافظ الحاكم، والحافظ النووي، وغيرهما.

* وهذا ليس بصحيح، لأن الإمام البخاري /، لم يذكر في أصوله، أن الرواة في قسم: «طبقة الحفاظ»، قد خرجت أحاديثهم في المتابعات والشواهد، بل أطلق ذلك، ولم يبين.([81])

وهذا يعني: أنه خرج لهم على: «شرط الصحيح»، وفي الأصول.

قلت: لذلك عاب أئمة الحديث، على الإمام البخاري /، في إخراجه؛ لبعض الضعفاء في المتابعات، والشواهد، لأنه أدخلهم في «شرط الصحيح». ([82])

* ويبقى الأمر في هؤلاء الرواة، في خارج «شرط الصحيح»، بالنظر فيهم عند البحث، فمن توبع: المتابعة الصحيحة، ولم يوجد ما ينكر في الإسناد، أو المتن، فينقل في المرتبة: «الصحيح لغيره»، أو المرتبة: «الحسن لذاته»، أو «الحسن لغيره»، على حسب المتابعة. ([83])

قلت: فلا بد أن نفرق بين ما كان على «شرط الصحيح»؛ يعني: داخل الصحيح، وبين ما ليس على: «شرط الصحيح»، فهو: يعتبر خارج الصحيح.

* فالإمام البخاري /: لم يقل أنه يخرج الحديث الضعيف، الذي يعتبر في المتابعة والاستشهاد، إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من غيره.

قلت: فلا ينبغي لمن يحتاط لدينه، أن يقلده في السكوت على أحاديث، خاصة من: «طبقة الضعفاء»، ويتابعه في الاحتجاج بهم.

بل الصحيح: أن ينظر في أحاديث الصحيح على أصول أئمة الحديث. ([84])

قال الحافظ العراقي / في «الباعث على الخلاص» (ص96) عن الأئمة الذين يتوقفون عن الإجابة في الدين: (فإذا كان مثل هؤلاء الأئمة يتوقف أحدهم عن الخوض في تفسير حديث رسول الله r، خيفة أن يكون المراد منه غير ذلك، فكيف بمن لا يعرف له تعلم شيء من العلم عن أهله؟!. ([85])

* وأيضا: فلا يحل لأحد ممن هو بهذا الوصف أن ينقل حديثا من الكتب، بل لو من الصحيحين([86]) ما لم يعتمد على من يعلم ذلك من أهل الحديث). اهـ

قلت: إذا الكلام على أصول: «الصحيحين» بداخلهما، لا بخارجهما.

وقد وجدنا في «الصحيحين» من الرجال من هو من أهل التدليس أيضا.

* لذلك وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في: «الصحيحين»، أو أحدهما، بتدليس رواتها. ([87])

مثل: تدليس أبي الزبير، وهو مدلس في حديث: جابر بن عبد الله t، وقد بين الحفاظ ذلك، فما كان بصيغة العنعنة لا يقبل. ([88])([89])

قال الحافظ الذهبي في «الكاشف» (ج3 ص84): «كان مدلسا واسع العلم».

وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص113): «وقال غير واحد: هو مدلس، فإذا صرح في السماع، فهو حجة».

وقال الإمام ابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص396): «والآخر من رواية: أبي الزبير، عن جابر t، ولم يذكر فيه سماعا».

* وقد أقر أبو الزبير على نفسه بالتدليس، إلا في رواية: الليث بن سعد عنه.

فعن الليث بن سعد قال: (جئت أبا الزبير، فأخرج إلينا كتبا، فقلت: سماعك من جابر؟، قال: ومن غيره، قلت: سماعك من جابر، فأخرج إلي هذه الصحيفة).

أثر صحيح

أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج1 ص167)، و(ج2 ص142 و443)، وابن درستويه في «زياداته على الجامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص205) من طريق حبيش بن سعيد عن الليث بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وعن الليث بن سعد قال: (أتيت أبا الزبير المكي، فدفع إلي: «كتابين»، قال: فلما صرت إلى منزلي، قلت: لا أكتبها حتى أسأله، قال: فرجعت إليه، فقلت: هذا كله سمعته من جابر t، قال: لا، منه ما سمعت، ومنه ما حدثت عنه([90])، قلت: فأعلم لي على ما سمعت، قال: فأعلم لي هذا الذي كتبته عنه).

وفي رواية: (قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فرفع إلي كتابين، وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو عاودته، فسألته: أسمع هذا كله من جابر t؟، فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثناه عنه، فقلت له: أعلم لي على ما سمعت، فأعلم لي على هذا الذي عندي).

أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (ج4 ص133)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج7 ص396)، و(ج10 ص99)، وابن عدي في «الكامل» (ج6 ص2136) من طرق عن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث بن سعد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* وأورده ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (ج4 ص321)؛ من رواية: سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سعد به، وفيه: (فقلت له: هذا كله سمعته من جابر t؟، فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت عنه).

وأخرجه أبو محمد النخشبي في «تعليقه على الحنائيات» (ج1 ص526)، و(ق/32/ط)، عن الليث بن سعد قال: (أتيت أبا الزبير بمكة، فقلت: هذه الأحاديث التي ترويها عن جابر t سمعتها منه؟، فقال: منها ما سمعته، ومنها ما حدثنا أصحابنا عنه، فقلت له: حدثني، ولا تحدثني إلا ما سمعته منه، فجعل يقول: سمعت، وسمعت حتى كتبت ما كان سمعه منه).

* وأورده ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (ج4 ص321)؛ من رواية: أبي جعفر الوراق البستي يقول: قال الليث بن سعد: (أتيت أبا الزبير، فقلت له: أخرج إلي كتاب جابر t، فأخرج إلي عن جابر t كتابين، فقلت له: سمعتهما منه؟، قال: بعض سمعت، وبعض لم أسمع، فقلت له: علم لي على ما سمعت، فعلم لي على شيء، قال أبو جعفر؛ فكانت نحوا من ثلاثين). وفي رواية: (أتيت أبا الزبير، فأخرج لي كتابين، فنظرت فيهما، فإذا عن جابر).

وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: قيل، لشعبة بن الحجاج: (متى يترك حديث الرجل؟ قال: إذا روى عن المعروفين، ما لا يعرفه المعروفون فأكثر، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديث غلط مجتمع عليه، فلم يتهم نفسه، فيتركه طرح حديثه، وما كان غير ذلك، فارو عنه).

أثر صحيح

أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (431)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج1 ص30)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (131)، والخطيب في «الكفاية» (ص142)، وابن عدي في «الكامل» (854)، و(859)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص77 و78)، وابن حبان في «المجروحين» (171) من طريق أحمد الدورقي، ونعيم بن حماد؛ كلاهما: عن ابن مهدي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: وقد جمع الإمام البخاري / الأحاديث الكثيرة، أخطأ في بعضها، وهي منتقدة عليه، من قبل أئمة الجرح والتعديل، وأصاب في البعض، التي على شرط الصحة([91])، لأن من طبيعة البشر الخطأ، ولا بد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج7 ص215): (وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة.

والصحيح: التفصيل؛ فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب.

والمقصود: أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة، قبلهم، وبعدهم، ورواها خلائق لا يحصى عددهم؛ إلا الله، فلم ينفردا، لا برواية، ولا بتصحيح.

* والله تعالى، هو الكفيل بحفظ هذا الدين، كما قال تعالى: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ [الحجر:9]). اهـ

قلت: والجهل؛ فسبيل السلامة منه: هو أخذ العلم من أفواه أهل العلم والضبط، وبخاصة أن العلماء اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله. ([92])

قال المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني / في «آداب الزفاف» (ص54): (وهذا القول وحده منه، يكفي القارئ اللبيب، أن يقنع بجهل هذا «المتعالم»، وافترائه على العلماء المتقدمين منهم، والمتأخرين؛ في ادعائه: الإجماع المذكور، فإنهم ما زالوا إلى اليوم ينتقد أحدهم بعض أحاديث «الصحيحين»، مما يبدو له أنه موضع للانتقاد، بغض النظر عن كونه أخطأ في ذلك، أم أصاب، وانتقاد الدارقطني وغيره لهما، أشهر من أن يذكر).([93]) اهـ

قلت: وهذا أيضا يقتضي النظر في الأحاديث في «الجامع المسند الصحيح» للبخاري. ([94])

وهذا هو الصواب: أن يحكم على كل حديث بما يليق به، بقطع النظر عن وجوده في «الجامع المسند الصحيح». ([95])

قلت: وقد بين أهل العلم، فيما يورده الإمام البخاري / من الأحاديث في كتابه، وما فيها من تفصيل في نقدها.

* فجاء من بعدهم: أقوام ما فهموا؛ الفهم الصحيح، «للصحيحين»، فزعموا أن هذا القول شامل لكل حديث: أخرجه البخاري ومسلم، بسبب جهلهم، فصاروا ينقمون على أهل الحديث في انتقادهم أحاديث في «الصحيحين»، رغم أن أئمة الحديث استثنوا بعض الأحاديث، وهي منتقدة على الإمام البخاري، والإمام مسلم، وهذا من واجبهم في الدين.

* نعم نقل العلماء أن معظم الأحاديث([96])، التي في «الصحيحين»: صحيحة، هذا الذي نقله العلماء الكبار، وتداولوه في كتبهم.

قلت: فأهل الحديث لم ينتقدوا حديثا، إلا بعد التفحص والتمحيص، وهذا دال على أن النقد عندهم من أصول الدين.

* فقد اعتنى المحدثون، بنقد المتن، وبنقد الإسناد معا.

قلت: وللعلم أن الهجمة على السنة وأهلها ليست وليدة اليوم، ولا حديثة الظهور، بل كانت من قبل على يد أهل الأهواء. ([97])

* حيث يداول الله تعالى الأيام بين الناس، فتذهب أيام، وتأتي أخرى، ويتقلب فيها أهل الأهواء بين قديم وجديد، وبين طارف وتليد في عداوتهم، لأهل الحديث من الاعتراض، والتشغيب، ولكل قوم وارث، اللهم سدد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص62): (والمقصود هنا: أن العلم لا بد فيه من نقل مصدق، ونظر محقق، وأما النقول: الضعيفة، لا سيما المكذوبة، فلا يعتمد عليها.

* وكذلك النظريات الفاسدة، والعقليات الجهلية الباطلة، لا يحتج بها). اهـ

قلت: فأهل الحديث بحاثون في الحديث النبوي، وهذه كتبهم العلمية شاهدة عليهم، فأين الخلل فيها.

فإذا إياك أن تلقي بنتائج عجزك العلمي، وخمولك البحثي، فتفتضح. ([98])

* وكذلك لا بد أن نعرف، أنه إذا اتفق الإمام البخاري /، والإمام مسلم /، على حديث في الغالب يكون هذا الحديث من قسم الصحيح، الذي على شرط الصحيح في الأصول.

* لكن إذا انفرد الإمام مسلم / بأحاديث، قد أعرض عنها الإمام البخاري / ([99])، ففي هذه الحال ممكن يتطرق إليها الضعف، خاصة إذا نقدها أئمة الحديث، وقد وجدت أحاديث في «الصحيح» للإمام مسلم /، ليست باليسيرة، وهي من قسم الضعيف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص19): (ولهذا لا يتفقان على حديث، إلا يكون صحيحا لا ريب فيه، قد اتفق أهل العلم على صحته.([100])

* ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري، ويقول بعض أهل الحديث، إنها ضعيفة، ثم قد يكون الصواب: مع من ضعفها).اهـ

وعن الإمام يحيى بن معين / قال: (من حدثك وهو لا يفرق بين الخطإ والصواب فليس بأهل أن يؤخذ عنه).([101])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص86): (ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه، يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه.

* بخلاف مسلم بن الحجاج؛ فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب: فيها مع من نازعه).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص86): (ولا يبلغ تصحيح مسلم، مبلغ تصحيح البخاري.

* بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب، والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله، مع فقهه فيه.

وقد ذكر الترمذي: أنه لم ير أحدا أعلم بالعلل منه).اهـ

وقال الإمام النووي / في «منهاج المحدثين» (ج1 ص120): (ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن: «البخاري» أجل من «مسلم»، وأعلم بصناعة الحديث منه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص19)؛ قسم الحديث: (والبخاري: أحذق، وأخبر بالفن من مسلم). اهـ

* ولذلك هذا يدل على أن الإمام البخاري، والإمام مسلما، لم يتقيدا، تقيدا تاما، بشرطهما في كتابيهما، ولم يسيرا في تطبيق هذه الشروط على جميع أحاديث صحيحيهما، لأن فعل ذلك التصرف، والخروج عن الشروط، لوجهة علمية معتبرة([102])، وهذا يوجب أن يكون التعامل مع كتابيهما، بأناة بالغة تحقق مقصودهما في التأليف في السنة، حتى يكون القارئ على بصيرة، فلا يتقول عليهما ما لم يقولاه، ولا يلزمهما بما لم يلتزماه.

قلت: وهذا لا يقدح بإمامة: «البخاري»، و«مسلم»، ولا بمكانة صحيحيهما، لكن الله تعالى يأبى العصمة لكتاب، إلا لكتابه الكريم.

قال الإمام النووي / في «منهاج المحدثين» (ج1 ص137): (قد استدرك جماعة على: «البخاري»، و«مسلم» أحاديث، أخلا بشرطهما فيها، ونزلت عن درجة ما التزماه). اهـ

وقال الحافظ الذهبي / في «ذيل تذكرة الحفاظ» (ص231)؛ في ترجمة الحافظ العراقي /، في ضمن مؤلفاته: (والأحاديث المخرجة في الصحيحين، التي تكلم فيها بضعف وانقطاع). اهـ

قلت: وهذا يدل على أن عددا من الحفاظ انتقدوا «الصحيحين»، واستدركوا على «البخاري»، و«مسلم» أحاديث؛ أخلا بشرطهما فيها، ونزلت عن درجة «الصحيح»، وكل بني آدم خطاء، ولا بد.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص346)؛ الفصل الثامن: في سياق الأحاديث التي انتقدها على الإمام البخاري، الحفاظ.

وذكر الحافظ السبكي / في «طبقات الشافعية الكبرى» (ج10 ص115)؛ أن الحافظ البخاري، في «جامعه الصحيح»، له أوهام.

قلت: فوجود أحاديث ضعيفة في «الصحيحين» لا يؤثر على مصداقيتهما، ولا يزحزح رتبتهما بين كتب السنة الشريفة، فافطن لهذا. ([103])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص17): (ومثل: ما روى مسلم؛ أن رسول الله r: «صلى الكسوف ثلاث ركوعات، وأربع ركوعات»، انفرد بذلك عن «البخاري»، فإن هذا ضعفه حذاق أهل الحديث).اهـ

قلت: والشيخان التزما تلك القواعد، والشروط في معظم الأحاديث، لكنهما أخلا بها بدون قصد، وباجتهاد منهما، وخالفا هذه الشروط في مواضع من صحيحيهما([104])، وهما من البشر، ومن طبيعة البشر الخطأ، والنسيان، والوهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج7 ص216)؛ عن الانتقادات التي وجهها بعض العلماء إلى الصحيحين: (المواضع المنتقدة غالبها في مسلم). اهـ

قلت: على الرغم من اشتراك الإمامين في اشتراط توافر العدالة، والضبط في رواة صحيحيهما، إلا أن البخاري كان أكثر تشددا من مسلم في هذا الشرط.

* لذا فإن ما انتقد على الإمام البخاري من الأحاديث: أقل عددا مما انتقد على الإمام مسلم.

قال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج14 ص534): (وشرطه -يعني: البخاري- هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح، لا يوازيه فيه غيره، لا صحيح مسلم، ولا غيره). اهـ

قلت: والإمام البخاري /، فلا خلاف في أنه أعلم بالحديث والرجال، وأفقه من الإمام مسلم /، وكلاهما من أئمة هذا الشأن.

* ومن هنا تعلم أنه إذا أخرج الإمام البخاري حديثا، ولم يخرجه الإمام مسلم، كان ذلك فيه دلالة على علة قد تكون غالبا قادحة، وقد لا تكون، والإمام البخاري في الغالب يبين هذه العلل في كتبه، لأن شرط الإمام مسلم غالبا أسهل من شرط الإمام البخاري، فتنبه.

قال الإمام النووي / في «تهذيب الأسماء واللغات» (ج1 ص71): (واعلم أن وصف البخاري بارتفاع المحل، والتقدم في هذا العلم، على الأماثل والأقران).اهـ

وقال الإمام ابن الصلاح / في «صيانة صحيح مسلم» (ص86): (إذا عرفت هذا: فما أخذ عليهما من ذلك، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه، لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، وما ذلك إلا في مواضع قليلة سننبه على ما وقع منها). اهـ

وذكر هذا القول الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص346)؛ وأقره؛ بقوله: (وهو احتراز حسن). اهـ

* لذلك، فتعدد الاستدراكات على: «الصحيحين» لا ينقص من قدرهما.([105])

قلت: فهذا لا ينقص من قدر: «صحيحيهما» شيئا، فصحتهما لا تعني: الكمال والعصمة، ونفي الكمال والعصمة عنهما، فهذا يتطلب بالنقد لكتابيهما.

* لذلك وصل بالمقلدة الجهلة في أن استدراكات المحدثين على «الصحيحين» منقصة لهما!؛ بل هو دليل واضح على عدم صحة كل ما فيهما.

* ويتساءلون: إذا اعتبرنا: «الصحيحين» كاملين؛ فإننا بذلك نجعلهما: يضاهيان: القرآن الكريم، وهذا مردود؛ لأن القول بذلك، يؤدي إلى القول بعصمة الإمامين: البخاري، ومسلم ([106])، وهو مردود أيضا.

* وعلى الرغم من مكانة: «الصحيحين» العالية، عند الأمة عامة، وعند العلماء؛ منهم: خاصة، إلا أن لا أحد، منهم: على مر القرون، لم يدع الكمال «للصحيحين»، وإن شهد لهما؛ بأنهما أصح كتب السنة.

* إن المكانة العالية التي تبوأها كل من الإمامين: البخاري، ومسلم في الحديث، وعلومه، لا تعني بحال عصمتهما من الخطإ، والزلل؛ فإن العصمة لأنبياء الله تعالى فقط.

 

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.....................................................................................................

5

2)

ذكر الدليل على أن الإمام البخاري، ثبت عنه، أنه أعل لأحاديث، ليست باليسيرة، في كتاب: «الجامع المسند الصحيح»، في عدة من الأبواب، من كتابه هذا، وذلك لحماية الشريعة المطهرة، أن يدخل فيها، ما ليس منها.....................................................................................

13

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) وانظر: «البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص287)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص29)، و«نهاية السول في شرح منهاج الأصول» للإسنوي (ج1 ص123)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج1 ص281)، و«الحاشية على أسنى المطالب» للرملي الكبير (ج4 ص282).

([2]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص584).

([3]) وقد احتج المتعالمة: بأحاديث كثيرة، من أجل أن الحافظ البخاري، قد سكت عنها، وذكرها في «الجامع المسند الصحيح»؛ فلا تغتر.

     * وكذا الحافظ مسلم: قد سكت عنها، وذكرها في «المسند الصحيح»!.

     * بل احتجوا بأحاديث كثيرة، وهي ضعيفة من أجل أن الإمام أبا داود سكت عنها، وكذا قالوا: أن الإمام أحمد سكت عنها، والإمام الترمذي، والإمام النسائي، وغيرهم، فلا تغتر. 

([4]) وانظر: «اتحاف السادة المتقين» للزبيدي (ج1 ص3).

([5]) ومما يتوجب بيانه، ويتحتم تأكيده أن كتابنا هذا؛ بسائر أبحاثه، ومسائله، إنما هو لإظهار وجوه من العلم نافعة، ولإيضاح حقائق من فرائد الفوائد غائبة، تتميما للمنهج النقدي الدقيق عند أهل الحديث، فافطن لهذا.

     قال الإمام البلقيني / في «محاسن الاصطلاح» (ص240): (الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض). اهـ

([6]) وهذا يدل على مدى جهل المتعالمة في البلدان، الذين ينكرون هذا العلم بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.

     فلم يسلم من جهلهم زمن من الأضرار، ولم يقدموا علما نافعا، ولم يقوموا نتاجا، إذ الاعتراض -لمجرد الاعتراض- على الحقائق العلمية المؤيدة بالبرهان - نوع من السفسطة، والتشغيب من غير قيمة علمية نافعة.

([7]) قلت: وهذا بسبب العمل بما لم يقله الشارع، والله المستعان.

     قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص202): (والثقة إذا حدث بالخطإ، فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ، يعمل به على الدوام، للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشارع). اهـ

     قلت: وهذا لا يقع فيه إلا الجهال بالشرع، اللهم غفرا.

([8]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (ج1 ص23).

     وإسناده صحيح.

([9]) أثر صحيح.

       أخرجه ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل» (ج1 ص21).

     وإسناده صحيح.

([10]) ومع ذلك: اعتمد المقلدة على ما يورده الإمام البخاري / في كتابه من الأحاديث، في حيز الاحتجاج بها، وهي معلولة عنده في أصوله!.

     * بل وينسبون إليه تقوية الأحاديث بمجرد إخراجها في كتابه، مع أنه عند البحث، والتحقيق فيها، لا تثبت هذه الأحاديث على شرطه في «الجامع المسند الصحيح»، بل هي من قسم: المعلول، فتنبه.

([11]) فـ«الجامع المسند الصحيح» للحافظ البخاري، أرجح، فهو أصح الكتب من كتب الحديث.

     * ولا يقال: أن: «الجامع المسند الصحيح» للحافظ البخاري، هو أصح الكتب بعد: «كتاب الله تعالى» مباشرة، فإن هذا القول: ليس بصحيح، لأن: «كتاب الله تعالى» لا يعطف عليه أي كتاب من كتب المخلوقين، وهو كتاب مستقل لوحده في إحكامه، جملة وتفصيلا؛ لأنه كتاب الخالق: ]لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه[ [فصلت: 42]؛ فليصحح هذا القول في كتب العلماء؛ بقولهم: «أن الصحيح»، هو أصح الكتب بعد: «كتاب الله تعالى».

     * ولم يكن للحافظ البخاري /، أن يدعي أن: «كتابه»: أصح الكتب، بعد: «كتاب الله تعالى» مباشرة، ولم يكن يخطر بباله أن عددا من المقلدة سيصل بهم الأمر إلى القول بذلك، حيث زعموا أن: «كتابه» أصح الكتب بعد: «القرآن» مباشرة!.

     * وكذا القول في «المسند الصحيح» للحافظ مسلم.

([12]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص100)، وأبو علي الغساني في «تقييد المهمل» (ج1 ص55)، وغيرهما.

     وإسناده صحيح.

([13]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج2 ص29).

     وإسناده صحيح.

([14]) فيزعمون: أن كتابه أصح الكتب، بعد القرآن مباشرة، وكتاب الله تعالى لوحده، ليس معه أي كتاب، فهو: مستقل لوحده، اللهم سلم سلم.

([15]) أفلا تخجلون، وتستحون، بل ألا تتقون الله تعالى في سنة الرسول ، فتحافظون عليها من الدخيل.

([16]) وانظر: «المقالات» للطناحي (ج1 ص308).

([17]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص211)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص200)، و«مدارج السالكين» له (ج2 ص38).

([18]) ومن طالع علوم الحديث، وعناية علمائه بالنقد والتثبت، يجزم قطعا بعدم توقف النقد المعتبر في الدين.

([19]) وانظر: «فتح المغيث» للسخاوي (ج1 ص289).

([20]) وانظر: «مناقب الإمام الشافعي» للبيهقي (ج2 ص36)، و«توالي التأنيس» لابن حجر (ص107)، و«مقدمة على شرح العقيدة الطحاوية»  (ص22)، و«الباعث على الخلاص» للعراقي (ص98)، و«شرح قواعد ابن رجب» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص18 و19).

([21]) فلماذا يصر المقلدة على انتفاء بمثل هذه الأحاديث في «الصحيح» للإمام البخاري، إذا كان هو سبقكم إلى تضعيفها.

     * أفلا تخجلون، وتستحون، بل ألا تتقون الله تعالى في سنة الرسول ﷺ، فتحافظون عليها من الدخيل.

([22]) انظر: «معرفة أنواع علم الحديث» لابن الصلاح (ص22).

([23]) انظر: «تغليق التعليق» لابن حجر (ج2 ص8).

([24]) وقد جرت عادة كثير من المصنفين، لدواوين السنة على إيراد أحاديث بخلاف القصد الذي من أجله ألف هذا الكتاب.

     * فربما ساق من ألف في «الصحاح» مثل: الإمام مسلم؛ حديثا، يقصد نقده، وبيان ضعفه، وهذا يعرفه أهل الصنعة.

([25]) فكذلك الإمام مسلم /، ربما أورد الحديث لنقده، وبيان علته، واختلافه في المتن، أو الإسناد، فافهم لهذا ترشد.

([26]) وحين يخفى هذا الأصل على المقلد، فإنه حينئذ يخرج الحديث من الكتاب، وينسب إلى الإمام البخاري تقويته، لسكوته عن هذا الحديث!.

     * وحقيقة الأمر أنه ضاد الإمام البخاري في قصده، ويزداد الأمر بعدا حينما تكون طريقة المصنف في بيان الحديث المعلول، طريقة خفية، لا يتنبه لها كل أحد، وإنما يتنبه لها المتخصصون في علم الحديث.

     * فالواجب قبل نسبة السكوت إلى الإمام البخاري: أو الإمام مسلم: النظر في طريقتهما، ومنهجهما في إيراد الأحاديث، فلا ينسب إليهما تقوية حديث، إلا إذا أورداه على أصولهما في الاحتجاج فحسب.

([27]) فمحل التنبيه في هذا الإيراد: أن الأحاديث التي تعزى إلى كتاب مصنف قد اشترط إخراج ما صح عنده، أنه لا يكون إلا في الأحاديث التي أخرجها على جهة الاحتجاج، والاستدلال بها، وهذا لا يكون؛ إلا بعد الفحص، والتأمل، والنظر، فلا بد من التيقظ والتنبه.

([28]) ومن طرق الإمام مسلم الخفية في بيان ضعف الحديث في «صحيحه»، فإنه يقدمه باختلاف أسانيده، أو متونه، أو بالعكس على حسب.

     قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص19): (إذن: فهو /، يرتب الأحاديث، فيذكر أولا: الأسانيد الغاية في الصحة، ثم بعد ذلك ما دونها، ثم بعد ذلك ما دونها، وهذه فائدة نستفيد منها، بحيث إذا جاءك حديث في باب معين، عرفت: أن المقدم منها من كان رجاله أتقن وأضبط، ثم يأتي من بعدهم؛ كالمتابع، أو الشاهد، أو ما أشبه ذلك). اهـ

([29]) والناقد لهذه الأحاديث، تقوم عنده على حسب المرجحات العلمية، في تبيين عللها.

([30]) وأحيانا بالعكس، فيذكر الحديث؛ مثلا: ثم يذكر الاختلاف عليه، أو العلة، ثم يذكر الحديث، أو الأحاديث الصحيحة، التي تعل هذا الحديث المختلف فيه. 

([31]) وهذا الذي ساد عند الجميع، أن الإمام البخاري /، يورد بعض الأحاديث؛ للاستشهاد بها والمتابعة، وليس كذلك.

     * بل الإمام البخاري /، يورد بعض الأحاديث من: «الطبقة الثانية»، للاحتجاج بها في الأصول، وليست هي: كالمتابع والشاهد، لذلك عاب عليه الأئمة في ذلك، وفي احتجاجه بالضعفاء في «الجامع المسند الصحيح».

([32]) قلت: وكذلك ما انتقد عليهما من الأحاديث في الأصول، فتنبه.

([33]) هذا القول من الحافظ الغساني: يوحي بعدم وجود اختلاف بين الرواة.

     * لكن الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص199)؛ بين أن بهذا السند في «تفسير سورة براءة»؛ بإسقاط عند بعضهم، لكنه لم ينبه عنه بشيء.

([34]) وانظر: «التنبيه على الأوهام» للغساني (ج2 ص570)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص199).

([35]) لم يتفرد الأصيلي: بهذا، بل وافقه النسفي في روايته: عن البخاري.

     وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص294 و295).

([36]) وهذا ليس بصحيح، لأن الحافظ الغساني، لم يقل هنا على الصواب.

     * وهو وهم: إذ أغلب الرواة عن البخاري؛ بإثبات: ابن أبي بكرة، بين محمد بن سيرين، وبين أبي بكرة.

     * ولعل الذي يظهر: أنه سقط على الحافظ العيني، بعض كلام الحافظ الغساني، وذلك لأن الأصيلي: سقط عليه: ابن أبي بكرة، في كتاب: «بدء الخلق»، بينما، رواه على الصواب، في كتاب: «المغازي»، كما بين الحافظ الغساني نفسه.

     وانظر: «التنبيه على الأوهام» للغساني (ج2 ص571)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص199).

([37]) لكن الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص240)؛ جعل: أبا الهيثم الكشميهني، ممن ثبت له: «ابن أبي بكرة».

([38]) ذكر الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج1 ص240)؛ أن الذي ثبت له: «ابن أبي بكرة»، من الرواة عن الفربري، والمستملي، والكشميهني، وسقط للباقين.

([39]) وكذا في رواية النسفي عن البخاري، ذكره الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج6 ص340).

([40]) قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج6 ص340): (وافق الأصيلي، لكن صحف «عن» فصارت «ابن»، فلذلك وصفه بفحش الوهم). اهـ

([41]) رواية: ابن علية، أخرجها: أحمد في «المسند» (ج5 ص37).

([42]) قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج7 ص153): (ورواه: مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن الحسن، وابن سيرين، قالا: حدثنا أبو بكرة، ووهم في قوله: «أبو بكرة»، لأنهما: لم يسمعاه منه). اهـ

([43]) وهذا الوجه على الصواب أيضا.

     * ورواية: أبي عامر العقدي، أخرجها البيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص140).

([44]) وأخرجه مسلم في «المسند الصحيح» (ج2 ص43)؛ برواية: أبي عامر العقدي، ويحيى القطان.

     * وكذا: أخرجه أحمد في «المسند» (ج5 ص39 و49) من طريقهما.

([45]) فإذا كنت أيها المقلد المتعالم لا تستطيع التفريق، ولا معرفة هذا العلم، فبأي حق تتطاول على أهل الحديث في هذا الزمان، إذا بينوا علة حديث في «الصحيحين»، ومراعاة لأصول الحديث، وحفظا للسنة الصحيحة.

     * فإذا عرضوا لك حديثا معلولا في «الصحيحين»، أو في غيرهما، ولم يستسغه عقلك الشارد، وفهمك السقيم، فلم تبادر بجهلك الفاضح في اتهام أهل الحديث بتضعيف الأحاديث.

([46]) «مقالات الشيخ أحمد شاكر» (ج1 ص149).

([47]) فاكتفى لكون ذلك معروفا، عند أئمة الحديث.

([48]) وهذا مما أدى اجتهاده في «صحيحه».

([49]) فإذا جاءت في ثنايا الأبواب بين عللها، على طريقة أئمة الجرح والتعديل، فعلمها من علم، وجهلها من جهل.

     يقول تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

     ويقول تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا [ [النساء:83].

([50]) إذا لماذا المقلد: يهوش، ويشوش على انتقادات أهل الحديث لأحاديث في: «الصحيحين» على طريقة أئمة الجرح والتعديل.

([51]) انظر: «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسند من الصحيحين» للغساني (ج2 ص631).

([52]) وانظر: «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسند من الصحيحين» للغساني (ج2 ص631)، و«التتبع» للدارقطني (ص381)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص731)، و«هدي الساري» له (ج2 ص959)، و«عمدة القاري» للعيني (ج12 ص30)، و«التعليق على التتبع» للشيخ الوادعي (ص382).

([53]) وكتاب: «التاريخ الكبير» ألفه الحافظ البخاري، في «معرفة العلل والرجال» في الأحاديث.

([54]) وهم: المستملي، والحموي، والكشميهني.

([55]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص731)، و«عمدة القاري» للعيني (ج12 ص30)، و«التعليق على التتبع» للشيخ الوادعي (ص382).

([56]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج12 ص30)، و«التعليق على التتبع» للشيخ الوادعي (ص382).

([57]) وانظر: «المنهاج» للنووي (ج17 ص98 و99).

([58]) فلم يحتج: بحديث، عبد الرحمن بن عبد الله عن جده، على شرط: «الجامع المسند الصحيح»، فتفطن لهذا.

([59]) وللعلم، فإن كثيرا من المقلدة ينسب إلى الإمام البخاري مثلا، تقوية حديث، بمجرد إخراجه في «صحيحه»، وهذا ليس من الدقة بمكان.

     * بل المقلدة ينسبون إليه تقوية حديث بمجرد سكوت الإمام البخاري، أو الإمام مسلم عن الحديث، وإخراجهما للحديث في «الصحيح»، وهذا من الفهم الخاطئ، مع أنهما أشارا إلى علة الحديث، وهذا الجهل من هذا الباحث يحملهما ما لم يرد عنهما في كتابيهما.

([60]) وهذا مما ينبغي التنبيه عليه، والتيقظ له.

([61]) فالواجب تحرير المعنى المراد قبل نسبة الحكم إلى الإمام البخاري، وكذلك إلى الإمام مسلم.

     لأن الأحاديث، والأسانيد في «الصحيح»، تتفاوت في الصحة، والضبط، والإتقان.

([62]) فيكون الإمام البخاري نقد الحديث، وبين علته في «كتابه»، ولم يسكت عنه.

     لكن في باب آخر غير الذي وقف عليه الباحث، لم يذكر العلة فيه، لأمر ما.

([63]) وانظر: «شرح التقريب والتيسير» للسخاوي (ص158 و159)، و«فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» له (ج1 ص31)، و «معرفة أنواع علوم الحديث» لابن الصلاح (ص93)، و «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج2 ص843)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص177)، و «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (ج1 ص221)، و «معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص113 و114).

([64]) وانظر: «شرح العلل الصغير» لابن رجب (ج1 ص436)، و «لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص264)، و «التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص364 و366)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج3 ص68)، و«تصحيفات المحدثين» للعسكري (ج1 ص10)، و«تقييد المهمل» للغساني (ج1 ص8).

([65]) فتصحيف الإمام شعبة بن الحجاج في أسماء الرجال ذكره غير واحد.

      * واعتذر له الحافظ الدارقطني / في «العلل» (ج1 ص27 و225 و399)؛ بأنه تشاغل بحفظ المتون للأحاديث.

([66]) أثر صحيح.

        أخرجه العسكري في «تصحيفات المحدثين» (ج1 ص12)، والغساني في «تقييد المهمل» (ج1 ص8).

      وإسناده صحيح.

([67]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (1700)، وابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص33)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص595).

     وإسناده صحيح.

([68]) يعني: لم يتبين خطؤه، وضعفه.

([69]) أثر حسن.

     أخرجه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي» (1700).

     وإسناده حسن.

([70]) وهذا يدلك على أن العالم يخطئ، ويصيب، فلا حاجة لنا أن يأتي مقلد فيقول، هذا الحديث صححه فلان، وهو حديث ضعيف؛ فإن الخطأ لا يسلم منه أحد، فتنبه.

([71]) وهي مآخذ ناتجة عن طول نظر من قبل أهل الجرح والتعديل، وعن تتبع في علل الأحاديث، وتنصيصهم على إخلالهما بشرطهما، وهذه هي الدقة العلمية المطلوبة.

([72]) وعدد من الأحاديث كان مما خالف فيها الإمام البخاري بشرطه، وأنه أورد في «صحيحه» بعض الأحاديث المعلولة، قد وهم فيها، وكذلك الإمام مسلم.

([73]) وهذا بالنسبة للكتب الأخرى، وإلا في «الصحيحين» أحاديث ضعيفة ليست باليسيرة، فتنبه.

([74]) وانظر: «صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح (ص85).

([75]) وهذه القصة: أخرجها ابن خير في «الفهرسة ما رواه عن شيوخه» (ص83).

([76]) وانظر: على سبيل المثال «الضعفاء» للعقيلي (ج4 ص369).

([77]) فإذا اختلف الناس، فالمرجع إلى الأصل، وعليه المعتمد، ولا يلتفت فيما خالف الأصل.

([78]) هكذا وقع في «الفتاوى»، والصحيح: هو: «القطان».

([79]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص37).

([80]) وهذا فيه قمع لجهل المقلدة الذين يقولون: أن الإمام البخاري انتقى من محفوظاته للرجال، وأدخلهم في «الصحيح»، وكذلك فعل الإمام مسلم، على أنهم من الثقات، وفيهم من الضعفاء.

     * وهذا جهل فاضح، إذ لا يزال أهل العلم ينتقدون أسانيد من: «الصحيح» للبخاري، و«الصحيح» لمسلم، لأنهما من البشر الذين يجتهدون، فالبشر مرة: يصيبون، ومرة: يخطئون.

([81]) وهذا على حسب اجتهاده في الأصول، على أنهم من قسم: الصحيح.

     قلت: ولو قال الإمام البخاري /، أن هؤلاء ذكرتهم، في المتابعة، والاستشهاد، لسقطت أحاديثهم في «الصحيح»، منأصلها، ولم يحتج بها.

([82]) ولو استثنى هؤلاء الرواة من: قسم الصحيح، وجعلهم من قسم: المتابعات، والشواهد خارج الصحيح، ما عابوا عليه ذلك.

([83]) وأما إذا لم تصح المتابعة، ووجد ما ينكر في الإسناد، أو المتن، فلم يثبت الحديث، ولا يصح، فهو: من قسم: المنكر، أو الشاذ.

([84]) لا سيما إن كان الراوي مخالفا؛ لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر، أو الشاذ.

([85]) قلت: فهذا يوقع الناس في شيء من الاعتقادات السيئة، والأحكام الباطلة بسبب تحديثه بالأحاديث الضعيفة، اللهم سلم سلم.

     وانظر: «الباعث على الخلاص من حوادث القصاص» للعراقي (ص98).

([86]) قلت: وهكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية /، وهذا القول شديد على المقلدة للصحيحين مطلقا، لظنهم أن كل ما في «الصحيحين» من قسم الصحيح!، وهذا جهل في دين الله تعالى، لأن هذه الكتب المصنفة من المخلوقين، لا تفلت من الخطإ أبدا، لأن الله تعالى كتب على بني آدم الخطأ، وهو من طبيعتهم، ولا يصح مطلقا؛ إلا كتاب الله تعالى.

([87]) بل ادعى البعض أن المعنعنات التي في «الصحيحين»، هي منزلة: بمنزلة السماع، وهذا فيه نظر.

     وانظر: «توضيح الأفكار» للصنعاني (ج1 ص355 و356)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص385)، و«النكت على ابن الصلاح» له (ج2 ص635).

([88]) وهذا دليل على قلة اطلاع المقلدة في أصول الحديث وعلله.

([89]) وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (ج2 ص175)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص37)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص110)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص631).

([90]) قلت: فهل يتشبث بعد هذا كله، بقوله: أن يقول، أن عنعنة أبي الزبير في «الصحيحين» تقبل!.

     * إذا هذه مغالطة مكشوفة من المقلدة، ليس لها أدنى وجه من القبول، لأنه استنتج شيئا، لا دليل عليه في أصول الحديث.

     وانظر: «التعليق المغني» للآبادي (ج1 ص34)، و«التنكيل» للمعلمي (ج2 ص308)، و«تعليقه على الفوائد المجموعة» (ص313).

([91]) وإن انتخب منها: ما كان على: «شرط الصحيح» عنده، فهي أيضا منتقدة عليه في بعضها.

     * وعلى ذلك توافرت القرائن، والشواهد، المحسوسة، التي ذكرها غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، فارجع البصر، وكرر النظر، وابحث في أصول أهل الحديث، حتى يتجلى لك على النقد العلمي.

     قلت: كل ذلك لحفظ الوحي بنوعيه: بالكتاب، والسنة، وهي مسألة طويلة الذيل، عظيمة النيل، متسعة الأرجاء، وفيها تصانيف كثيرة، قديمة وحديثة.

([92]) وانظر: «فتح المغيث» للسخاوي (ص68).

([93]) قلت: وهذا الإجماع فيه عسر، لأن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه.

     وانظر: «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص635).

([94]) وحين يخفى هذا الأصل على المقلد، فإنه حينئذ، يخرج الحديث من الكتاب، وينسب للإمام البخاري /: تقويته، لسكوته عن هذا الحديث في الصحيح!.

     * وحقيقة الأمر: أنه ضاد للإمام البخاري / في قصده، ويزداد الأمر بعدا حينما تكون طريقة المصنف في بيان الحديث المعلول، طريقة خفية.

     * لا يتنبه لها كل أحد، وإنما يتنبه لها المتخصصون في علم الحديث.

     * فالواجب قبل نسبة السكوت إلى الإمام البخاري /، النظر في طريقته، ومنهجه في إيراد الأحاديث، فلا ينسب إليه تقوية حديث، إلا إذا أورده على أصوله في الاحتجاج فحسب.

([95]) والصواب: أن الإمام البخاري /، ليس له، أي: منهج ثابت في تعليله للأحاديث، بالنسبة للتقديم، والتأخير.

     * بل يقدم، أو يؤخر على حسب تعليله للأحاديث، فإنه يقدم الأسانيد باختلافها في المتون، أو بالعكس على حسب، لأن طريقته خفية في بيان علل الأحاديث في «صحيحه»، في أبوابه، وهذا يعرفه أهل الشأن.

([96]) وإن زعم البعض، بالنسبة للأحاديث التي في «الصحيحين» كلها قد أجمع عليها علماء الأمة، وهذا فيه نظر.

     قلت: وكم من إجماع نقلوه، وهو لا يصح!.

     * واعلم أن هناك من الأحاديث في «الصحيحين» ضعفها علماء كبار، وما حصل إجماع على صحة كل حديث في «الصحيحين»، لا قبل الإمام البخاري، والإمام مسلم، ولا بعدهما.

([97]) وهذا الجاهل لماذا يسيء الظن، ويعادي أهل الحديث، وهم أمناء الله تعالى على دينه، وقد نقلوا العلم عن النبي r المعصوم، الذي ثبت الحديث عنه r بدليل معلوم.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص329 و330): (والعلم: إما نقل مصدق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى هذا؛ فإما مزيف مردود، وإما موقوف لا يعلم، أنه بهرج ولا منقود). اهـ

([98]) فكل حصيلة لك، لا تقوم على سبيل صحيح في تلقي العلم، أو أداة صالحة للنقد، فليس عندك حصيلة علمية صحيحة في التلقي، لأنها تجعل علمك عرضة للشك، فأشرب قلبك الجهل المركب في العلم، وطفقت تجادل في الدين.

([99]) لأن الإمام البخاري /، أحذق، وأخبر في هذا الفن من الإمام مسلم /، فافهم لهذا.

([100]) هذا في الغالب.

([101]) أثر صحيح.

       أخرجه أبو أحمد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (ج1 ص14).

      وإسناده صحيح.

([102]) وقد ميزا بذلك الطرق في سياق الأحاديث التي يوردانها في كتابيهما.

     * وهذا لا يتحقق، إلا باستقراء تام، وقراءة ناقدة، وبصر ناقد، ولا يتأتى، إلا لأهل الحديث في كل زمان الذين قضوا أعمارهم في رحاب السنة، ودواوينها.

([103]) والقوم: طفقوا يقلدون دون أدنى بحث، أو تمحيص، أو سؤال عن «الصحيحين»، فوقعوا في التعصب المذموم، ولا بد.

     * وهذا الصنف لا قيمة له في العلم والدين معا، ولكنه عقبة أمام الحق، والله المستعان.

([104]) وهذا خروج عن شرط الصحيح في الجملة.

([105]) لأن هذا النقد: هو منهج الإمام البخاري، والإمام مسلم وشرطهما، ونحن على هذا السير، وعلى ذات الشرط، ونفس المنهج في النقد العلمي.

([106]) إذا، فالقول بكمال: «الصحيحين»، وعصمة: البخاري، ومسلم يشعر القائل، أو لم يشعر، هو قول باطل، لم يقل به أحد من الأئمة قط.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan