الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / إتحاف الخيرة المهرة في معرفة وسائل التربية المؤثرة
إتحاف الخيرة المهرة في معرفة وسائل التربية المؤثرة
إتحاف الخيرة المهرة
في
معرفة وسائل التربية المؤثرة
تأليف
الشيخة الفقيهة أم عبدالرحمن الجودر الأثرية
حفظها الله
راجعه: العلامة المحدث فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري حفظه الله
قدم له:
الشيخ الدكتور تاج الدين بغدادي عمر
رئيس قسم التربية وعلم النفس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: «فرع القصيم»
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
إهداء
إلى من أضاء لي الطريق، وفهمني منهج السلف الصالح أهل الأثر، وكان لي عونا بعد الله سبحانه وتعالى في طلب العلم، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، والصبر على الأذى فيها.
إلى زوجي أبي عبد الرحمن الأثري حفظه الله تعالى ورعاه ونفع به.. أهدي هذا الكتاب.
أم عبد الرحمن الأثرية
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
التقديم
الحمد لله رب العالمين القائل: )هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين( [الجمعة: 2]، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله النبي الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد اطلعت على أصل مؤلف أم عبد الرحمن بنت أحمد الجودر المسمى «إتحاف الخيرة المهرة في معرفة وسائل التربية المؤثرة»؛ فوجدته خلاصة لما كتبه التربويون في مجال تربية النشء، تربية إسلامية، ولقد بذلت فيه الكاتبة جهدا طيبا مقدرا، واستخدمت فيه أسلوبا سهلا ميسرا، يمكن كل من يطلع عليه من الاستفادة مما حواه من أساليب التربية المؤثرة.
* وما أحوجنا نحن المسلمين في عصرنا الحاضر: إلى مثل هذا المؤلف، خاصة ونحن نرى أولياء أمور الأولاد يهتمون بتوفير وسائل الراحة والغذاء، والكساء والدواء لهم، ويهملون أمر تربيتهم تربية إسلامية، تستند إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى التجربة التربوية للسلف الصالح لهذه الأمة.
كذلك: فإننا نرى الغزو الفكري والتربوي، الغربي والشرقي يملأ عالمنا الإسلامي من خلال ما يقرأ، وما يشاهد مما جعل أمر الاطلاع على مؤلفات تربوية إسلامية من هذا النوع أمرا له أهميته وجدواه.
أسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يحتسبه لها في ميزان حسناتها بقدر ما بذلت فيه من جهد، ونوت فيه من خير، وأن يجزي كل من يطلع عليه، ويعمل بما جاء فيه خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. تاج الدين بغدادي عمر
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، أظهر خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة، ثم خلق العلقة مضغة، ثم خلق المضغة عظاما، ثم كسا العظام لحما حولها كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقا آخر؛ فتبارك الله أحسن الخالقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه صلى الله عليه وآله، وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد...
فمسؤوليات المربين كثيرة، في تربية الولد، سواء كانت تربية إيمانية، أو أخلاقية، أو عقلية، أو جسمية، أو نفسية، أو اجتماعية، ولا شك أن تلك المسؤوليات من أضخم المسؤوليات في مجال التربية وإعداد الولد؛ وكم يكون الآباء في سعادة حين يحصدون في المستقبل ثمرات تربيتهم الصالحة... ولكن كيف نغرس في أطفالنا تلك التربية بجوانبها المتعددة؟، ما الوسائل التي تعيننا على تعميقها في نفوسهم؟، لذلك: كان هذا الإعداد المتواضع لوسائل التربية المؤثرة المجدية في تربية الأطفال وغيرهم بإذن الله تعالى، حتى يتيسر على المربين نهجها والعمل بها، وفي تقديري أنها تتركز في أمور ثمانية استنبطتها من كتب التربية الإسلامية وهي:
(1) التربية بالقدوة.
(2) التربية بالموعظة.
(3) التربية بالعادة.
(4) التربية بالملاحظة.
(5) التربية بالعقوبة والإثابة.
(6) التربية بتفريغ الطاقة.
(7) التربية بملء الفراغ.
(8) التربية بالأحداث.
والله أسأل أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه. إنه سميع مجيب الدعاء.
أم عبد الرحمن الأثرية
قلالي- البحرين
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
أولا: التربية بالقدوة
* ما معني القدوة؟
قال اللغوي ابن منظور $ في «لسان العرب» (ج20 ص31): (يقال: قدوة، وقدوة: لما يقتدى به. ويقال: فلان قدوة يقتدى به). اهـ
والمراد بالقدوة: من يتأسى به في جميع أحواله.
قال الله تعالى: )لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر(([1])، وعلى هذا فتكون القدوة هي الأسوة.
قال الحافظ ابن كثير $ في «تفسير القرآن» (ج3 ص474): (الآية أصل في التأسي برسول الله ﷺ، في أقواله، وأفعاله، وأحواله).اهـ
* أهمية القدوة في التربية:
(من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل تخيل منهج... ولكن المنهج يظل حبرا على ورق... ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة، يتحرك في واقع الأرض... وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته، ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج، ومعانيه عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة)([2]).
* إذن يتحول المنهج إلى حقيقة، عند وجود القدوة ونحمد الله U أن جعل لنا خير قدوة، وهي شخصية نبينا محمد ﷺ: شخصية حية، صورة كاملة: للمنهج الإسلامي بحذافيره.
* وتكمن أهمية القدوة في أسباب أوجزها في نقاط وهي:
(1) إن مستوى الفهم لدى الأطفال، أدنى بكثير منه عند الكبار؛ فتبقى الرؤية بالعين المجردة لواقع حي من أهم وسائل التربية لديهم: أهم من الكتاب، وأهم من أن تلقي دروسا، ومن غيرها من كثير من الوسائل.
(2) إن القدوة الحسنة تعطي الطفل القناعة بأن هذه الفضائل ليست مجرد مبادئ مثالية نطمح إلى تحقيقها، بل هي في متناول القدوة، وشاهد الحال أصح دليل على ذلك القدوة.
(3) إن الطفل أو الشاب عندما يرى سلوكا، أو عملا حسنا يحمد عليه الإنسان؛ فإن ذلك يثير في نفسه الاستحسان، والإعجاب والتقدير؛ لهذا العمل، وهذا يدفعه إلى التقليد.
(4) إن الطفل والشاب مدفوع برغبة خفية، لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به دون أن يقصد، وهذا التقليد غير المقصود لا يقتصر على حسنات السلوك، بل يتعداها إلى غيرها، ولذلك: كان من الخطورة بمكان ظهور المساوئ في سلوك القدوة، لأنه بذلك يحمل وزر من يقلده فيها([3]).
* وقدوتنا نحن المسلمين: هو رسولنا محمد ﷺ، ومن ثم من تربوا على يديه ﷺ، من الصحابة ﭫ.
فقد قال الله تعالى عنه: )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا(([4]).
* فلقد وضع الله تعالى في شخصية نبينا ﷺ الصورة الكاملة: للمنهج الإسلامي؛ ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية الخالدة في كمال خلقه، وشمول عظمته، فلقد سئلت عائشة ڤ، عن خلق رسول الله ﷺ فقالت: (كان خلقه القرآن)([5]).
* وإن الله U: قد أحسن تربيته، فهو لم يقترف إثما من الآثام في الجاهلية، فقد كان يعرف بالمتعفف الطاهر.
* وأما من ناحية صدقه وأمانته: فكان أهل الجاهلية ينادونه بالصادق الأمين، وأما من ناحية ذكائه وفطانته: فكان لا يدانيه أحد، فلقد وضع لقومه الحل المناسب في وضع الحجر الأسود، وخلص الناس من حرب طاحنة مدمرة، وأما من ناحية تبليغ الدعوة: فكان عليه الصلاة والسلام، لا يطيب له نوم، ولا يرتاح له بال: حتى يرى الأمة قد استجابت لدعوة الإسلام، ودخلت في دين الله([6]).
فقال الله تعالى في حقه: )فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا(([7]).
* ومع هذا: فهو مضرب المثل في الصمود والثبات، وهكذا كان قدوة، وجاء من بعده الصحابة ﭫ وساروا على نهجه، وأسأل الله أن يجعلنا مثلهم؛ إنه سميع مجيب.
* وبعد أن بينت أهمية القدوة في تربية الأولاد سوف أذكر بعض الصفات التي يمكن غرسها في نفس الطفل من الأخلاق، والأعمال الصالحة: لشخصية متكاملة، من حياة الرسول ﷺ، وصحابته ﭫ، وهي مجرد أمثلة للاقتداء بها، منها:
(1) القدوة في العبادة.
(2) القدوة بالأخلاق الفاضلة.
(3) القدوة في الكرم.
(4) القدوة في الصدق.
(5) القدوة في العدل.
(6) القدوة في التواضع.
(7) القدوة في الحلم.
(8) القدوة في القوة الجسمية.
(9) القدوة في الزهد.
(10) القدوة في الشجاعة.
(11) القدوة بالألفاظ الحسنة.
وإليكم التفصيل:
(1) أما القدوة في العبادة:
فقد: روى البخاري في «صحيحه» (ج3 ص14)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص 2172)؛ عن المغيرة بن شعبة ﭬ قال: كان رسول الله ﷺ يقوم من الليل حتى تتورم قدماه. ولما قيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدا شكورا؟»([8]).
وأخرج أيضا: البخاري في «صحيحه» (ج4 ص235)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص541)؛ عن علقمة قال: سألت عائشة ڤ: أكان رسول الله ﷺ يخص شيئا من الأيام «يقصد الزيادة في العبادة» قالت: (لا، كان عمله ديمة) أي: دائما مستمرا (وأيكم يطيق ما كان رسول الله ﷺ يطيق؟!)([9]).
* فكان قلب الرسول ﷺ متعلقا بالله، فهو يقوم الليل ويجد في الصلاة لذته، وفي العبادة قرة عين، وكان ينهى أصحابه: أن يقلدوه، ويتأسوا به: فيما لا طاقة لهم به.
* انظروا كيف كان الصحابة ﭫ يحبون كل عمل يقوم به الرسول ﷺ؛ لأنه كان المثل الأعلى، والقدوة الحسنة لهم ﭫ، فكانوا يتحرون كل ما يصدر عنه، من قول أو عمل حتى ما كان يعمله ﷺ بمقتضى الجبلة.
(2) أما القدوة بالأخلاق الفاضلة:
فعن عائشة ڤ قالت: (ما ضرب رسول الله ﷺ شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله)([10]).
وعن أبي هريرة ﭬ قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة)([11]).
* ولنذكر قصة شاهدة على تأثير خلق النبي ﷺ، في الآخرين حتى أن البعض منهم كان يدخل في الإسلام بسبب تأثير تلك الأخلاق العالية كثمامة ﭬ.
(أسر الصحابة سيدا اسمه «ثمامة»، وربطوه بسارية المسجد فخرج إليه الرسول ﷺ فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فقال رسول الله ﷺ: «أطلقوا ثمامة». فانطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي. ولما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت)([12]).
* فحدث هذا التحول العجيب: نتيجة إكرام النبي ﷺ له بإطلاق سراحه.
(3) وأما القدوة في الكرم:
فعن أنس بن مالك ﭬ أن رسول الله ﷺ: (لم يسأل على الإسلام إلا أعطاه قال: فأتاه رجل فأمر له بشياه كثيرة بين جبلين من شياه الصدقة، قال: فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة «الفقر» بشياه: «أي: غنم»)([13]).
* كان رسول الله ﷺ: أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في نهار رمضان، حتى ينسلخ فيأتيه جبريل ڠ فيعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل ڠ كان رسول الله ﷺ أجود: بالخير من الريح المرسلة([14]).
(4) أما القدوة في الصدق:
فعن عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوما ورسول الله ﷺ قاعد في بيتنا فقالت: يا عبد الله تعال أعطك. فقال لها: «ما أردت أن تعطيه؟» قالت: تمرا. فقال: «أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة»([15]).
* أليس هذا الموقف من النبي ﷺ، يدل على حرصه على أن يظهر المربي بمظهر أمام من له في عنقه حق التربية؟.
(5) أما القدوة في العدل:
* فأضرب مثلا يوضح كيف تظهر الأم بمظهر العدل أمام أولادها.
فعن عائشة ڤ قالت: دخلت علي امرأة ومعها بنتان، وهي تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكلمنها فدخل علي رسول الله ﷺ فأخبرته فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار»([16]).
* أما عن عدل نبينا محمد ﷺ؛ فكان خير قدوة في ذلك.
فعن عائشة ڤ قالت: «إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ﷺ؟، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ﷺ، فكلمه أسامة، فقال رسول الله ﷺ: «أتشفع في حد من حدود الله؟» ثم قام فاختطب ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت قطعت يدها». ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد، وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله ﷺ»([17]).
* نعم القدوة هو ﷺ.
(6) أما القدوة في التواضع:
* فقد أخبر من عاصره ﷺ من الصحابة، عن أشياء كثيرة جدا كان فيها ﷺ في أعلى مراتب التواضع، فإنه صلوات الله عليه كان يبدأ أصحابه بالسلام، وينصرف بكليه إلى المحدث صغيرا كان أو كبيرا، وإذا أقبل جلس حتى ينتهي بأصحابه المجلس، وكان يذهب إلى السوق، ويحمل بضاعته فلم يتكبر عن عمل الأجير والصانع سواء كان في بناء مسجده ﷺ، أو في حفر الخندق، وكان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة، ويقبل عذر المعتذر، وكان يخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله، وكان يأكل من الخادم، ويقضي حاجة الضعيف، ويجلس على الأرض، وكيف لا يكون بهذا التواضع الجم، وقد أنزل الله قوله: )واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين(([18]).
وإليكم دلائل من سيرة الرسول ﷺ:
فعن الأسود بن زيد رحمه الله تعالى قال: سألت عائشة ڤ: ما كان رسول الله ﷺ: يصنع في بيته؟، قالت: (يكون في مهنة أهله)([19]). أي: حوائج أهله وخدمتهم.
وعن أنس بن مالك رضي الله قال: (إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله ﷺ: تنطلق به حيث شاءت)([20]).
(7) أما القدوة في الحلم:
* فقد بلغ رسول الله ﷺ، أعلاها سواء عن حلمه فيما كان يلقاه من جفوة الأعراب، أو من معاملة المشركين...
فأما عن حلمه فيما يلقاه من جفوة الأعراب فحسبي أن أذكر هذا المثل من أمثلة كثيرة في سيرته العطرة:
فعن أنس بن مالك ﭬ قال: (كنت أمشي مع النبي ﷺ، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله ﷺ قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت رسول الله ﷺ، ثم ضحك ثم أمر له بعطاء)([21]).
وأما حلمه مع المشركين وأعداء الله، الذين أسرفوا في إيذائه...
فعن عائشة ڤ أنها قالت للنبي ﷺ: «هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟، قال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا»([22]).
* وكيف لا يكون رسول الله ﷺ في هذه المنزلة العالية من الحلم، وقد أنزل الله عليه: )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين(([23]).
(8) أما القدوة في الزهد:
فعن عمر بن الخطاب في حديث إيلاء: «الحلف»، رسول الله ﷺ من أزواجه ألا يدخل عليهن شهرا، واعتزلهن في علية فلما دخل عليه عمر في تلك العلية فإذا ليس فيها سوى صبرة: «ما جمع من طعام أو غيره»، وأهبة معلقة وصبرة من شعير، وإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر في جنبه فهملت عينا عمر فقال: ما لك؟ فقلت: يا رسول الله أنت صفوة الله في خلقه وكسرى وقيصر فيما هما فيه! فجلس محمرا وجهه فقال: «أو في شك يا ابن الخطاب؟» ثم قال: «أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا»([24]).
وفي رواية البخاري: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟!».
وعن عائشة ڤ قالت: (ما ترك رسول الله ﷺ: دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء)([25]).
* كيف لا يكون هذا زهده وهو القائل: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه».([26])
(9) أما القدوة في الشجاعة:
* فقد كان لا يضاهيه أحد. وهاكم حادثة هي عندي المثل الأعلى في شجاعته ﷺ: فقد وقف النبي ﷺ، يوم حنين على بغلته، والناس يفرون عنه، فما رئي أحد يومئذ كان أثبت منه، ولا أقرب للعدو.
(جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبي الله ﷺ ما ولى ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله ﷺ، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
* أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب. اللهم أنزل نصرك. قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا الذي يحاذي به)([27]). يعني: النبي ﷺ.
(10) أما القدوة في القوة الجسدية:
* فقد كان النبي ﷺ القدوة في قوة جسده. كيف لا وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم: يلجؤون إليه عند حفر الخندق لتفتيت صخرة كبيرة لم تعمل فيها السواعد، ولا الفؤوس.
فعن جابر ﭬ قال: (إنا كنا نحفر فعرضت كدية شديدة: «صخرة قوية»، فجاءوا إلى النبي ﷺ فنزل الرسول ﷺ وكان بطنه معصوبا بحجر من الجوع فيأخذ المعول فيضرب الصخرة فتعود كثيبا أهيل- ترابا ناعما) ([28]).
(11) أما القدوة في الألفاظ الحسنة:
* فكان رسول الله ﷺ، كل كلامه حسنا في جده ومزاحه: (كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه)([29]).
و(كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه)([30]).
* وكان يقرئ السلام، ويهنئ المسلم في زواجه، وحينما يولد له مولود.
فعن أنس بن مالك ﭬ (أن النبي ﷺ رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر الصفرة فقال: «ما هذا؟» قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال: «بارك الله لك، أولم ولو بشاة»([31]).
وأما في مزاحه كان قدوة ﷺ:
فعن أبي هريرة ﭬ قال: يا رسول الله إنك تداعبنا. قال: «إني لا أقول إلا حقا»([32]).
* ولا شك: أن للقدوة أثرا كبيرا، فما يقوم به كل من الأب والأم، وما يتفوه به كل منهما يؤثر في الطفل، وهو يكسب الشيء الكثير عن طريق القدوة، وبما أن رسول الله ﷺ قدوتنا فعلينا بتطبيق ما أمرنا به رسول الله ﷺ، وما كان لنا فيه أسوة، من ثم نرى أثر ذلك على حياة أولادنا. وما ذكرته مجرد أمثلة وإلا فأثر القدوة أكبر وأعم، فكل خير يسلكه المرء سيكون له أثر في أولاده. فالقدوة من أعظم وسائل التربية تأثيرا وترسيخا.
ومن واجب المربي الاستفادة من هذه الوسيلة في عدة نقاط أوجزها:
أولا: أن لا يخالف قوله عمله، وإلا فإنه يكون منفرا مما يدعو إليه.
ثانيا: أن يشعر الناشئ أن القدوة الأولى: هو النبي ﷺ ويربطه بهذا المصدر، كما عليه أن يربطه بقدوة الرعيل الأول من سلف هذه الأمة.
ثالثا: ينبغي ألا يغرب عن بال الوالدين التركيز على إصلاح ولدهما الأكبر فهذا من أبرز المؤثرات في إصلاح باقي الأولاد لأن الولد الأصغر يحاكي عادة ما يفعله الأكبر، بل ينظر إليه على أنه المثل الأعلى في كل شيء...([33]).
رابعا: أن يحرص الأب على انتقاء الصحبة الصالحة لولده؛ لأن الطفل والشباب يميل إلى محبة الأصدقاء، ومجاراتهم في سلوكهم وأخلاقهم.
خامسا: كما على الأب أن يحرص عند اختيار المدرسة التي يلتقي فيها ولده بالمدرسة، وزملائه التلاميذ؛ فإنه يعيش معهم وقتا لا بد أن يتأثر فيه بمن يخالطه، ويحرص على تهيئة المجتمع الصالح في كل مكان يصل إليه ولده.
* فيحرص الأب على توفير القدوة الحسنة في البيت، وفي المدرسة، وفي الشارع، لكن لا يشعر الولد بالتناقض بين هذه المجتمعات؛ فيكون لذلك الأثر السيئ في نفسه([34]).
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ثانيا: التربية بالموعظة
* إن الوسيلة الأولى: وهي التربية بالقدوة لا تكون كافية لجعل الولد مستقيما أخلاقيا ودينيا، في كل تصرفاته، إذ لا بد من وسائل أخرى عديدة، منها: الموعظة مع وجود القدوة، وذلك لأمور من أهمها:
(1) أننا نجد الولد يميل في بعض الأحيان إلى أنواع السلوك الشاذة واللاأخلاقية، ولا بد لتعديل ذلك من الموعظة، فقد لا يجد الإنسان القدوة الصالحة، أو قد لا تكفي وحدها لتقويم سلوكه... فلا بد عندئذ من الموعظة([35]).
(2) إن النفوس الصافية والقلوب المنفتحة، التي ينساب لها الحق بالكلمة المؤثرة، والموعظة البليغة، فإنها سرعان ما تستجيب من غير تردد، وتتأثر من غير توقف، فكيف بالولد الصغير الذي ولد على الفطرة، وقلبه طاهر، فلا شك أن تأثيره بالموعظة أبلغ، وقبوله للتذكرة أقوى([36]).
(3) ثم إن النفس الإنسانية لها استعداد فطري تام للتأثر بما يلقى إليها من كلمات، لذلك فإن أعظم وسيلة بعد القدوة الصالحة: هي استخدام الموعظة، ثم تكرار الموعظة على آذان الطفل حتى تنطبع في نفسه، ثم لا تلبث أن تصبح طبعا ملازما لسلوكه، وفكره، وأخلاقه جميعا([37]).
والتربية بالموعظة: من أهم وسائل التربية المؤثرة في تكوين الولد إيمانيا، وإعداده أخلاقيا، ونفسيا واجتماعيا. كما للموعظة أثر كبير في تبصير الولد حقائق الأشياء، ودفعه إلى معالي الأمور، وتحلية مكارم الأخلاق، وتوعيته بمبادئ الإسلام، فلا عجب أن الله U انتهج هذا المنهج في القرآن الكريم، وخاطب النفوس بالموعظة، وكررها في كثير من آياته في مواضع عدة وإليكم نماذج منها([38]):
قال تعالى: )وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم(([39]).
وقال تعالى: )يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور(([40]).
وقال تعالى: )وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين(([41]).
فنماذج القرآن في الموعظة تختلف من أسلوب إلى آخر:
1) فمرة يكون بالكلمة:
مثال: قوله تعالى: )تبصرة وذكرى لكل عبد منيب(([42]).
2) ومرة يكون بأسلوب النداء مصحوبا بالاستعطاف، أو الاستنكار:
مثال ذلك: قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين(([43]).
وقوله تعالى: )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله(([44])الآية.
وقوله تعالى: )يا نساء النبي لستن كأحد من النساء(([45]).
3) ومرة بالأسلوب القصصي المصحوب بالعبرة والموعظة:
مثال ذلك: قوله تعالى: )هل أتاك حديث موسى( الآية([46]).
وقوله تعالى: )هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين(([47]).
* هذه بعض الأساليب التي يتخذها القرآن الكريم في الوعظ، وهذه الطريقة هي أساس منهج الدعوة، وطريق الوصول لإصلاح الأفراد وهداية الجماعات.
* ومن استعرض صفحات القرآن الكريم يجد ظاهرة الأسلوب الوعظي حقيقة ملموسة في كثير من آياته؛ فتارة: بالتذكير بالتقوى، وتارة: بالتذكرة، وثالثة: بالتعبير بالموعظة، ورابعة: بالحض على النصح، وخامسة: بالترغيب، وسادسة: باستعمال أسلوب الترهيب... وهكذا([48]).
* ولو اتجهنا إلى السنة النبوية المبينة للقرآن الكريم؛ لوجدنا أن الرسول ﷺ استخدم أساليب عدة عن طريق سرد الموعظة منها:
(1) أسلوب القصص مصحوبا بالعبرة والموعظة.
(2) أسلوب الحوار والاستجواب.
(3) البدء بالقسم بالله في الموعظة.
(4) دمج الموعظة بالمداعبة.
(5) الاقتصار بالموعظة مخافة السآمة.
(6) الموعظة بضرب المثل.
(7) الموعظة بالتمثيل باليد.
(8) الموعظة بالرسم والإيضاح.
(9) الموعظة بالفعل التطبيقي.
(10) الموعظة بانتهاز المناسبة.
(11) الموعظة بالالتفات إلى الأهم.
(12) الموعظة بإظهار المحرم الذي ينهى عنه.
* والآن إليكم نماذج من تلك الأساليب التي استخدمها رسول الله ﷺ، في تربية الصحابة رضوان الله عليهم.
(1) انتهاج أسلوب القصة المصحوبة بالعبرة والموعظة:
فعن أبي هريرة ﭬ عن رسول الله ﷺ: (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل أن يسلفه: «يقرضه»، ألف دينار.
المقرض: ائتني بالشهداء أشهدهم.
المقترض: كفى بالله شهيدا.
المقرض: فائتني بالكفيل.
المقترض: كفى بالله كفيلا.
المقرض: صدقت!
* فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها (أي: سده) ثم أتى البحر.
المقترض: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت من فلان: «اقترضت منه»، ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بك، وإني جهدت «بذلت جهدي»، أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها: «أي: أجعلها في أمانتك».
* فرمى بها في البحر!، حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده... فخرج... الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال!، فأخذها لأهله حطبا!؛ فلما نشرها وجد المال والصحيفة!.
* ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بألف الدينار.
المقترض: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه.
المقرض: هل كنت بعثت إلي شيئا؟
المقترض: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه.
المقرض: فإن الله أدى عنك الذي بعثت في الخشبة.
فانصرف بألف الدينار راشدا([49]».
* إذا فما على المربي إلا أن يستغل انفعال العاطفة، وإثارة الانتباه في عرض القصة لدى السامع حتى إذا تفاعل روحيا، وانفتح ذهنيا صب في مشاعره، وأحاسيسه، وأعماق قلبه من معين الصبر، وسلسبيله.
* وعندئذ يأخذ المربي على من يربيه عهدا، أن يلتزم الإسلام منهجا، وشريعة، ويتخلق بمبادئ هذا الدين سلوكا ومعاملة.
(2) انتهاج أسلوب الحوار والاستجواب:
* وذلك بطرح أسئلة على الصحابة، ليثير انتباههم ويحرك ذكاءهم، ويسقيهم الموعظة المؤثرة في قالب الإقناع والمحاجة.
فعن أبي هريرة ﭬ قال: قال رسول الله ﷺ: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟» قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: «ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»([50]).
(3) بدء الموعظة بالقسم بالله تعالى:
* وذلك لتنبيه السامع على أهمية المقسم عليه لفعله أو اجتنابه، كقوله عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحابيتم؟! أفشوا السلام بينكم»([51]).
(4) دمج الموعظة بالمداعبة:
* وذلك لتحريك الذهن، وإذهاب الملل، وتشويق النفس.
عن أنس بن مالك ﭬ ، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدي للنبي ﷺ فيجهزه رسول الله ﷺ إذ أراد أن يخرج، فقال النبي ﷺ «إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه» وكان النبي ﷺ يحبه وكان دميما فأتى النبي ﷺ يوما وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه لا يبصره...
زاهر بن حرام: أرسلني.. من هذا؟
يلتفت زاهر فيرى النبي ﷺ فجعل يلزق ظهره بصدر النبي ﷺ حين عرفه.
الرسول ﷺ يقول: من يشتري العبد؟.
زاهر بن حرام: إذا والله تجدني كاسدا!
الرسول ﷺ: لكن عند الله لست بكاسد)([52]).
(5) الاقتصاد في الموعظة مخافة السآمة:
عن ابن مسعود ﭬ قال: (كان رسول الله ﷺ يتخولنا بالموعظة مخافة السامة علينا)([53]). أي: المشقة والملل.
(6) الموعظة بضرب المثل:
* كان عليه الصلاة والسلام: يستعين على توضيح مواعظه بضرب المثل مما يشاهده الناس بأم أعينهم ويقع تحت حواسهم؛ ليكون وقع الموعظة في النفس أشد في الذهن وأرسخ!.
فعن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي ﷺ: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها»([54]).
* ولهذه التشبيهات النبوية أبلغ ترغيب في الخير، وأزجر تحذير عن الشر: بأوضح أسلوب يدركه المخاطبون.
(7) الموعظة بالتمثيل باليد:
* وكان ﷺ: إذا أراد أن يؤكد أمرا مهما يمثل بكلتي يديه إشارة منه إلى الأمر المهم الذي يجب أن يهتموا به ويمتثلوه.
فعن أبي موسى الأشعري ﭬ قال: (قال رسول الله ﷺ: «المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك رسول الله ﷺ بين أصابعه)([55]).
والأمثلة: على هذا في السنة كثيرة ومستفيضة.
(8) الموعظة بالرسم والإيضاح:
وكان ﷺ يخط أمام أصحابه خطوطا؛ ليوضح لهم بعض المفاهيم المهمة، ويقرب إلى أذهانهم التصورات المفيدة.
فعن جابر ﭬ قال: (كنا جلوسا عند النبي ﷺ فخط بيده في الأرض خطا –هكذا – فقال: «هذا سبيل الله» وخط خطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال: «هذه سبل الشيطان» ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم قال هذه الآية: )وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون(([56]).
* فبين لهم عليه الصلاة والسلام بما رسمه لهم على الأرض، أن منهج الإسلام هو الصراط المستقيم الموصل إلى العزة والجنة، وأن ما عداه من المبادئ والنظم والأفكار.. هي سبل الشيطان، وطرقه الموصلة إلى الدمار والنار.
(9) الموعظة بالفعل التطبيقي:
* وكان ﷺ يعطي لأصحابه النموذج الحي في أسلوب التعليم والتربية والتكوين، وإليكم بعض الأمثلة:
عن عثمان ﭬ ، أن رسول الله ﷺ توضأ أمام جمع من الناس ثم قال: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه»([57]).
(10) الموعظة بانتهاز المناسبة:
* وكان رسول الله ﷺ كثيرا ما ينتهز المناسبة لمن يريد وعظهم من إرشادهم؛ لتكون أبلغ في التأثير، وأفضل للفهم، والمعرفة ومن ذلك:
ما رواه عمر بن الخطاب ﭬ قال: (قدم رسول الله ﷺ بسبي فإذا امرأة من السبي «الأسرى»، قد تحلب ثديها إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته فألزقته ببطنها وأرضعته، فقال رسول الله ﷺ: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار، وهي تقدر على أن لا تطرحه؟» قلنا: لا والله، قال: «فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها»([58]).
(11) الموعظة بالالتفات إلى الأهم:
* وكان ﷺ يلفت السؤال شيئا أهم من ذلك:
عن أنس بن مالك ﭬ (أن أعرابيا سأل رسول الله ﷺ فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال له الرسول ﷺ: «ماذا أعددت لها؟» قال حب الله ورسوله، فقال: «أنت مع من أحببت»)([59]).
* فلفته ﷺ، عن سؤاله عن قيام الساعة- التي اختص الله بعلمها- إلى شيء آخر هو أحوج ما يكون إليه، وهو إعداد العمل الصالح، لهذا اليوم الذي يقوم فيه الناس لله رب العالمين.
(12) الموعظة بإظهار المحرم الذي ينهى عنه:
* وكان ﷺ: يحمل بيده الشيء المحرم الذي ينهى عنه، ويرفعه أمام المخاطبين، ليقرر لهم الشيء المنهي عنه بالقول والمشاهدة، ليكون ذلك أزجر للنفوس، وأقطع في الدلالة على التحريم.
عن علي بن أبي طالب ﭬ قال: (أخذ رسول الله ﷺ حريرا بشماله، وذهبا بيمينه، ثم رفع بهما يديه، فقال: إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم)([60]).
* وبعد أن علمت منهجية الإسلام والمتمثلة في القرآن الكريم، والسنة المطهرة في طرائق الموعظة، وأساليب النصح، فما عليك إلا أن تشحذ الهمة، وتضاعف العزم في تنفيذ ما استوعبته من منهجية، وتطبيق ما استفدته من طرائق حتى ترى ولدك، وتلميذك: قد فتح قلبه للموعظة، وخضع بكليته لسنن الهدى والرشاد.
* فما أحسن الأب المربي، والأم المربية حين يجتمعون مع أولادهم في كل أمسية، وقد ملؤوا سهرتهم بأنواع الطرائف، وأصناف الحكمة، ولطائف الموعظة فأحيانا: بعرض قصة، وأحيانا: بتوجيه موعظة، وتارة: بإنشاد شعر، وأخرى: بسماع تلاوة، وخامسة: بإلقاء طرفة، وسادسة: بإجراء مسابقة وهكذا يعددون في الأساليب وينوعون بالبرامج حتى تؤدي السهرة غرضها في تكوينهم روحيا، وإعدادهم نفسيا، وخلقيا، وجسميا على ألا ينسوا الوقت المخصص لمراجعة دروسهم([61]).
* وعلى المربي أن تكون موعظته بليغة، ومؤثرة يستخدم فيها الأساليب المختلفة، التي سلكها رسول الله ﷺ مع أصحابه رضي الله عنهم، عن طريق الموعظة، فمرة: يستخدم المربي القسم بالله، وأخرى: يستخدم الأسلوب القصصي أثناء الموعظة، ومرة: يدمج الموعظة بالمداعبة، والمزاح المباح، ومرة: يجعل موعظته قصيرة حتى لا يمل الطفل، وآخر: يضرب له المثل، ومرة: يوصل له الموعظة عن طريق الرسم، وإليك بعض الأمثلة:
* فإذا أراد المربي أن يبين للطفل حرمة السرقة، وعظم ذنبها عند الله تعالى قص عليه قصة قصيرة هادفة تجعل الطفل يرتدع عن هذا الأمر ولا يقع فيه.
* وإذا أراد أن يقنعه بأمر من الأمور أنه حرام، ويؤدي إلى إيذائه يستخدم معه الموعظة بأسلوب الحوار، والاستجواب إلى أن يقنعه أن هذا الأمر، لا ينبغي للمسلم أن يعمله.
مثال: طفل رأى أطفالا يلعبون بالمفرقعات أثناء العيد، وهذه المفرقعات غالبا ما تكون خطرا، وتسبب الإزعاج للمسلمين فضلا على أنها مضيعة للمال فيها لا ينفع.
فجاء الطفل لأبيه، فقال: يا أبي أريد أن تشتري لي مفرقعات لألعب بها.
فقال له الأب: يا ولدي إن هذه المفرقعات حرام.
فقال الطفل: لماذا هي حرام، والأطفال يلعبون بها؟
قال الأب: لأن هذه المفرقعات لو وقعت على البيوت وغيرها لأحرقتها، هذا أولا، وثانيا: أن تلك المفرقعات يا ولدي غالية الثمن، ولو أنفقت هذه الأموال للفقراء من المسلمين؛ لكان ذلك أفضل من إهدارها فيما لا ينفع في الدنيا والآخرة، وثالثا: أنها تسبب الإزعاج للمسلمين، ولا يجوز للمسلم أن يؤذي أخاه المسلم وجاره، فربما كان نائما أو مريضا يا ولدي.
* وبعد تلك المحاورة التي دارت بين الأب والابن اقتنع الطفل بحرمة تلك المفرقعات، ولا يطلب شراءها، ولا اللعب بها.
* وإذا كان الطفل أخطأ في أمر من الأمور أمام مربيه، وكان الطفل حزينا، لفت نظره إلى شيء يدخل السرور على قلبه حتى يتقبل منه الموعظة بصدر رحب.
* وإذا أراد المربي: أن يوصل للطفل بعض المفاهيم الإسلامية، والأخلاقية لا يستطيع الطفل أن يستوعبها سلك معه أثناء الموعظة الرسم التوضيحي الذي يعينه على فهم تلك القيم، والمفاهيم الإسلامية: «مع مراعاة عدم رسم ذوات الأرواح».
* وإذا أراد أن يغرس فيه العقيدة الصحيحة ضرب له مثالا حيا واقعيا بالتجربة حتى يدرك الطفل أن الله خالق كل شيء. ومثال ذلك: يأخذ المربي بصلة، وكأسا، ويضع في الكأس ماء، ويضع البصلة فوقه ثم يطلب من الطفل أن يبدل الماء كل يوم، ويقول للطفل بعد يوم أو يومين: سوف يظهر للبصلة جذور ويطول ساقها، وحينئذ يتعرف الطفل على أن الله هو الذي أنبتها وخلقها، وخلق كل شيء على الأرض... وهكذا.
* وقس على ذلك...
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ثالثا: التربية بالعادة
* من الأمور المقررة في شريعة الإسلام، أن الولد مفطور منذ خلقته على التوحيد الخالص، والدين القيم، والإيمان بالله مصداقا؛ لقوله تعالى: )فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون(([62]).
* ومصداقا؛ لقول النبي ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة»([63]).
أي: يولد على فطرة التوحيد، والإيمان بالله، ومن هنا يأتي دور التعديد، والتلقين، والتأديب: في نشأة الولد، وترعرعه على التوحيد الخالص، والمكارم الخلقية، والفضائل النفسية، وآداب الشرع الحنيف.
* ومما لا يختلف فيه اثنان، أن الولد إذا تيسرت له التربية الإسلامية، والبيئة الصالحة؛ فإن الولد لا شك ينشأ على الإيمان الحق، ويتخلق بأخلاق الإسلام، ويصل إلى قمة الفضائل النفسية، والمكارم الذاتية([64]).
* أما عامل البيئة الصالحة؛ فقد قال رسول الله ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»([65]).
وقال ﷺ: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»([66]).
* ونستنتج من ذلك أن الإنسان خلق مستعدا للخير والشر جميعا؛ فإذا تيسرت له التربية الصالحة، والبيئة الصالحة نشأ على الخير، والإيمان، والأخلاق الحسنة. ونرد على دعوى من يقولون: إن الطباع الإنسانية، من شر أو خير، لا يمكن تغييرها، ولا تعديلها، فهذه دعوى باطلة يناقضها الشرع، ويردها العقل، وتكذبها التجربة.
ورحم الله من قال:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا |
|
على ما كان عوده أبوه |
وما دان الفتى بحجى ولكن |
|
يعوده التدين أقربوه |
* وعلى المربي: أن يميز في إصلاح الفرد، وتقويم اعوجاجه بين عمرين، وأن يفرق في تعويده وتأديبه بين سنين.
* فالكبار لهم منهجهم وطريقتهم، والصغار كذلك لهم منهجهم وطريقتهم.
فمنهج الكبار: وهم سن ما بعد البلوغ على ثلاث أمور:
(1) الربط بالعقيدة.
(2) تعرية الشر.
(3) تغير البيئة.
أما الربط بالعقيدة: فهو من أعظم الأسس في استمرار المؤمن على مراقبة الله تعالى، وهذا من شأنه أن يقوي النفسية، والإرادة الذاتية لدى الفرد المؤمن، فلا يكون عبدا لشهوته بل يكون عبدا لخالقه مطيعا له.
وأما تعرية الشر: فهو من أعظم السبل في إقناع الكبار على ترك المنكر، والنفور من الفساد، والإثم وهي الطريقة: التي اتبعها القرآن الكريم.
مثاله: عندما حرم الله الخمر فبين ما فيها من مضار تدريجيا ثم حرمها:
قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون(([67]).
أما تغير البيئة: فهو لا يقل أهمية عن الأسس الأخرى في إصلاح الفرد، وهدايته، وتربيته، وإلا فلماذا أذن الله سبحانه وتعالى؛ لرسوله ﷺ بالهجرة إلى المدينة؟، أليس من أجل إصلاح الفرد المسلم وإقامة دولة إسلامية؟!.
(وحديث الرجل الذي قتل مائة نفس فجاء يسأل أعلم أهل الأرض هل له من توبة.
فكان جواب السائل:
انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرض قومك فإنها أرض سوء)([68])([69]).
أما منهج الإسلام في إصلاح الصغار؛ فيعتمد على شيئين أساسين:
(1) التلقين:
* ونقصد بالتلقين، الجانب النظري في الإصلاح والتربية.
(2) التعويد:
* ونقصد بالتعويد الجانب العملي في التكوين والإعداد، ولما كانت قابلية الطفل وفطرته في التلقين، والتعويد أكثر قابلية من أي سن آخر كان لزاما على المربين من آباء، وأمهات ومعلمين... أن يركزوا على تلقين الولد الخير، وتعويده إياه فمنذ أن يعقل، ويفهم حقائق الحياة([70]).
* وأضرب للمربين بعض الأمثلة في تلقين الصغار وتعويدهم:
* تلقين الطفل كلمة التوحيد:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإذا كان وقت نطق الأطفال فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله)([71]). اهـ
* أو بأسئلة بسيطة: من ربك؟، ما دينك؟، من نبيك؟، أين الله؟، من خلقنا؟، من رزقنا؟، ويلقن القرآن، والألفاظ الطيبة، والأدعية الواردة: في أذكار اليوم والليلة القصيرة منها...
أما تعويده على الصلاة:
فقد قال رسول الله ﷺ: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»([72]).
* وتعليمهم أحكامها، وعدد ركعاتها وكيفيتها.
وتعويده: على الصيام مع الرأفة به؛ كأن يصوم ربع اليوم، أو ثلثه، ثم نصفه، ثم اليوم كاملا.
* وترويض الولد على امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه فإذا وجد المربي أن الطفل فعل منكرا، أو اقترف إثما من سرقة، أو شتيمة يحذره ويقول له: إن هذا منكر وهو حرام.
* وإذا وجده فعل خيرا، أو صنع معروفا من صدقة، أو تعاون يرغبه فيقول له: إن هذا معروف، وهو حلال، وإن الله يحب هذا العمل.
* وربط الطفل بسيرة الرسول ﷺ والصحابة رضي الله عنهم، ويلقنه مغازيهم.
* هذا جانب التلقين، ثم يقتدي بهم. فهذا الجانب العلمي فيتعود على أخلاقهم، ويتأسى بهم.
* ويعوده مكارم الأخلاق، والآداب الاجتماعية..([73]).
* ويعوده على آداب النوم، والطعام والشراب، والزيارات، والاستئذان وغيرها... والتكلم ومخاطبة الآخرين.
* وتدريب وتعويد البنات خاصة على الحجاب، وعلى الحياء، وأعمال المنزل والقرار في البيت... وهكذا.
* ولا شك أن التأديب والتلقين، والتعويد وملاحظته: منذ الصغر هو الذي يعطي أفضل النتائج، وأطيب الثمرات. بينما التأديب في الكبر فيه مشقة لمن يريد الكمال.
ورحم الله من قال:
قد ينفع الأدب الأولاد في صغر |
|
وليس ينفعهم من بعده أدب |
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت |
|
ولا تلين ولو لينته الخشب ([74]). |
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رابعا: التربية بالملاحظة
المقصود بالتربية بالملاحظة:
* ملاحظة الولد وملازمته في التكوين العقدي، والأخلاقي، ومراقبته وملاحظته: في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في التربية الجسمية، وتحصيله العلمي...
* لا شك أن هذه التربية تعد من أقوى الأسس في إيجاد الإنسان المتوازن المتكامل الذي يؤدي كل ذي حق حقه في الحياة.
وإليك أخي المربي أهم هذه النصوص في الملازمة والملاحظة.
قال تعالي: )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون(([75]).
* وكيف يقي المربي: أهله وأولاده نارا، إذا هو لم يأمرهم، وينهاهم، ولم يراقبهم ويلاحظهم؟.
ومن الأحاديث:
حديث: ابن عمر ﭭ، عن النبي ﷺ قال: «...والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها....»([76]).
وعن سبرة بن معبد ﭬ قال: قال رسول الله ﷺ: «علموا الصبي الصلاة لسبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر سنين»([77]).
وما معنى: الرجل مسؤول؟ وما معنى: المرأة مسؤولة؟، وما معنى علموا واضربوا؟، أليس معنى هذا كله أن يلحظ المربي الولد، ويلاحظه، ويلزم أدبه، ويراقب حركاته وسكناته.. حتى إذا أهمل حقا أرشده وإذا قصر في واجب حضه عليه، وإذا رأى منكرا نهاه عنه، وإذا فعل معروفا شكر له صنعه.
* فملاحظة الطفل، ومراقبته من أفضل الوسائل وأظهرها في التربية، ذلك لأن الولد دائما موضوع تحت مجهر الملاحظة، والملازمة حيث المربي يرصد عليه جميع تحركاته، وأقواله وأفعاله واتجاهاته.
وإليكم نماذج من ملاحظات، وتفقدات النبي ﷺ لأصحابه:
-ملاحظاته في التربية الاجتماعية:
فعن أبي سعيد الخدري ﭬ عن النبي ﷺ قال: «إياكم والجلوس في الطرقات». فقالوا: يا رسول الله ما لنا في مجالسنا بد نتحدث فيها. فقال رسول الله ﷺ «فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»([78]).
- ومن ملاحظاته في تأديب الصغار:
عن عمر أبي سلمة ﭭ قال: كنت غلاما في حجر رسول الله: «أي تحت نظره»، وكان يدي تطيش: «تتحرك»، في الصحفة: «في وعاء الطعام»، فقال لي رسول ﷺ: «يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»([79]).
- ومن ملاحظاته في التربية النفسية:
عن النعمان بن بشير ﭭ: (أن أباه أتى به رسول الله ﷺ فقال: إني نحلت - أعطيت- ابني غلاما كان لي. فقال رسول الله ﷺ: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟» فقال: لا. فقال: «أرجعه». وفي رواية: قال «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم» فرجع أبي فرد تلك الصدقة([80]).
* تلكم بعض النماذج في مراقبة النبي ﷺ لأبناء المجتمع الذي كان يقوم على هدايته وإصلاحه، وهي نماذج حية واقعية: تؤكد حرص الرسول ﷺ على تربية الناس...
* ولقد رأيت أخي القارئ، أن هذه الملاحظات والتوجيهات لم تقتصر على الكبار، وإنما كانت تتعدى إلى الصغار. ولم تختص بجانب معين في إصلاح النفس الإنسانية، وإنما كانت تشمل جميع جوانبها من إيمانية، ونفسية، واجتماعية، وعلمية، وجسمية... وإذا كانت ظاهرة الملاحظة، والمراقبة مجدية ونافعة عند الكبار؛ فإنها في الصغار أجدى، وأنفع لأن الولد الصغير عنده قابلية للخير، واستعداد الفطرة، وصفاء النفس، وبراءة الطفولة ما ليس عند الكبير، فهلا لاحظنا أولادنا منذ صغرهم، وغرزنا ما يحبه الله تعالى، ورسوله ﷺ فيهم.
* ومن الأمور الهامة التي يجب أن يعلمها المربي، أن التربية بالملاحظة لم تقتصر على جانب أو جانبين: من جوانب الإصلاح، وإنما ينبغي أن تشمل جميع الجوانب: من إيمانية، وعقلية، وجسمية، ونفسية، واجتماعية: حتى تعطي هذه التربية ثمارها في إيجاد الفرد المسلم المتوازن المتكامل السوي الذي يؤدي كل ذي حق حقه في الحياة...
(أ) فمن ملاحظة الجوانب الإيمانية في الولد:
(1) أن يلاحظ المربي ما ينطقه الولد من مبادئ، وأفكار، واعتقادات على يد من يشرفون على توجيهه، وتعليمه في المدرسة، أو غيرها. فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليقم بمهمته الكبيرة في غرس مبادئ التوحيد.
(2) وأن يلاحظ ما يطالعه من كتب ومجلات.
(3) وأن يلاحظ من يصاحب الولد من رفقاء وقرناء، فإن وجد أن الرفقة التي يصحبها رفقة إلحاد وسوء؛ فعلى المربي أن يقطع الصلة بينه وبينهم، وأن يهيئ له من رفاق الخير من بهم ينصلح، ويثبت ويسعد.
(ب) ومن ملاحظة الجانب الأخلاقي في الولد:
(1) أن يلاحظ ظاهرة فيه، فإن وجد الولد ينتحل الكذب في قوله، ويتلاعب بالألفاظ، ويظهر بمظاهر المنافقين، فعليه أن يتولى أمر الولد في أول كذبة كذبها، ويبصره الطريق الحق، ويبين له بشيء من الإسهاب مغبة الكذب حتى لا يعود لمثلها.
(2) وأن يلاحظ المربي كذلك: ظاهرة الأمانة في الولد، فإن وجد الولد يمشي في طريق السرقة أرشده ونصحه.
(3) ويلاحظ أيضا ظاهرة حفظ اللسان، فإن وجد الولد يتلفظ بالسباب فعليه أن يعالج هذه الظاهرة، ويتعرف على الأسباب التي جعلت من ولده سليط اللسان بذيء الألفاظ.
وهكذا في الجوانب الخلقية الأخرى.
(ج) ومن ملاحظة الجانب العقلي، والعملي بالولد:
أن يلاحظ المربي ظاهرة التحصيل العلمي، والتكوين الثقافي سواء كان هذا التعلم في حقه فرض عين، أو كان فرض كفاية.
* فعلى المربي: أن يلاحظ الولد هل تعلم ما كان فرض عين؟، هل تعلم تلاوة القرآن؟، هل تعلم ما يلزم من أحكام العبادات؟، هل تعلم أمور الحلال والحرام؟، هل تعلم ما يجب تعليمه من أمور دينه ودنياه، وآداب الإسلام؟.
(د) ومن ملاحظة الجانب الجسمي بالولد:
(1) يلاحظ النفقة الواجبة عليه من غذاء صالح، ومسكن صالح، وكساء صالح.
(2) ويلاحظ القواعد الصحية، التي أمر بها الإسلام في مأكله ومشربه ومنامه.
(3) ويلاحظ المربي ولا سيما الأم التحرز من المرض الساري، المعدي من حالة الإصابة بعزل المريض المصاب عن بقية الأولاد.
(4) ويلاحظ الوسائل الوقائية.
(5) ويلاحظ تعويده على ألعاب الفروسية، والرياضة التي تعده لحياة الجد والرجولة وهكذا.
(هـ) ومن ملاحظة الجانب النفسي بالولد:
أن يلاحظ المربي ظاهرة الخجل، والخوف والشعور بالنقص، والحسد والغضب، والسخرية: فيبادر المربي باتخاذ العلاج المناسب لكل ظاهرة.
* وأنصح بقراءة كتاب: «نقائض الأطفال»؛ لمحمد استابولي: فهو يوضح طريقة العلاج لكل من الجوانب النفسية.
(و) ومن ملاحظة الجانب الروحي بالولد:
أن يلاحظ جانب مراقبته لله سبحانه، والخشوع وتطبيقه للعبادة، ويركز في الولد ظاهرة المجاهدة النفسية والروحية.
* وأن يلاحظ إلى أية حالة يصل، وإلى أي مدى يتأثر... ويغرس في نفس الولد محاسبة نفسه ومعالجتها... وتركيزه على مسألة التوبة والرجوع إلى الله؛ فإنها لها كبير الأثر على نفسه، وسبيل فلاحه في الدنيا والآخرة.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
خامسا: التربية بالعقوبة والإثابة
أما التربية بالعقوبة:
أقر الإسلام وهو الدين الإلهي العادل، أقر هذه الوسيلة، وسيلة العقوبة، وذلك زجرا للمخالف نفسه وتحذيرا لغيره من الخطيئة نفسها، وقد وضعت العقوبة لحفظ حقوق الناس،وصيانة الضروريات الأساسية التي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش بدونها([81]).
* هذا بالنسبة للعقوبة عموما، كذلك فإن الشريعة أقرت هذا المبدأ في تربية الأولاد، وذلك ضمن ضوابط وحدود. وهو ما يدل عليه الحديث: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»([82]).
ففي هذا الحديث: إقرار لوسيلة العقوبة في التربية، وذلك أن الناس جميعا صغارا وكبارا مختلفون في طبائعهم ومذاهبهم الأخلاقية، ومتفاوتون في مدى استعدادهم للتأثر بالعقوبة، أو لقبول الموعظة، والنصائح فقد لا تجدي هذه الوسائل لدى بعضهم. ومن هنا ينبغي أن يعامل كل إنسان بالأسلوب، أو الطريقة التي يستجيب لها... فمن أصر على عناده وفساده فلا بد من عقاب مادي يردعه وهو في الوقت ذاته ينفعه، ومن الخطأ أن يسوى بين الأولاد في التعامل مع اختلافهم في الاستجابة أي ما يراد منهم وعدمها...([83]).
* والعقوبة تتفاوت على حسب سنه وثقافته ومنزلته؛ فمنهم: من تكفيه الموعظة الرقيقة... ومنهم: من يكفيهم التوبيخ... ومنهم: لا يصلح ردعهم إلا بالعصا... وصدق من قال:
العبد يقرع بالعصا |
|
واللبيب تكفيه الإشارة ([84]) |
وإليك أخي المربي الطريقة التي انتهجها الإسلام في عقوبة الولد([85]):
(1) معاملة الولد باللين والرحمة هي الأصل:
فعن أبي موسى الأشعري أن النبي ﷺ بعثه ومعاذا إلى اليمن وقال لهما: «يسرا ولا تعسرا، وعلما ولا تنفرا»([86]).
وعن أبي هريرة ﭬ: (أن الأقرع بن حابس أبصر النبي ﷺ يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله ﷺ «إنه من لا يرحم لا يرحم»([87]).
* فيدخل الولد بهذه التوجيهات النبوية دخولا أوليا باعتبار أنه محط الرعاية، ومحل العطف.
(2) مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة:
الأولاد يتفاوتون فيما بينهم: ذكاء ومرونة واستجابة، كما أن أمزجتهم تختلف على حسب الأشخاص، منهم: صاحب المزاج الهادئ السالم، ومنهم: صاحب المزاج المعتدل، ومنهم: صاحب المزاج العصبي الشديد، وكل ذلك يعود إلى الوراثة، وإلى مؤثرات البيئة، وإلى عوامل النشأة والتربية.
* فبعض الأطفال ينفع معهم النظرة العابسة للزجر والإصلاح، وبعضهم ينفع معهم التوبيخ، وقد يلجأ المربي إلى استعمال العصا في حالة اليأس من نجاح الموعظة، واستعمال طريقة التوبيخ والتأديب.
* وعند كثير من علماء التربية الإسلامية؛ أنه لا يجوز للمربي أن يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وأنه لا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد، وتوسط الشفعاء؛ لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل، وتكوينه خلقيا ونفسيا.
(3) التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد:
* والطرق التي فتحها المعلم الأول عليه الصلاة والسلام هي:
(1) الإرشاد إلى الخطأ بالتوجيه:
لقوله ﷺ؛ لغلام كانت تطيش يده في الصحفة، وهو يأكل معه: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»([88]).
(2) الإرشاد إلى الخطأ بالملاطفة:
فعن سهل بن سعد ﭬ أن رسول الله ﷺ أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ: فقال الرسول ﷺ للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» وهذه هي الملاطفة، وأسلوب التوجيه فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا. فقبله رسول الله ﷺ في يده «أي: وضع الشراب في يده»، وهذا الغلام: هو عبد الله بن عباس ﭭ([89]).
(3) الإرشاد إلى الخطأ بالإشارة:
فعن ابن عباس ﭭ: «كان الفضل رديف رسول الله ﷺ فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه وجعل رسول الله ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر...»([90]).
* فلقد رأيت أنه عليه الصلاة والسلام عالج خطأ النظر إلى الأجنبيات بتحويل الوجه إلى الشق الآخر، وقد أثر ذلك في الفضل ﭬ.
(4) الإرشاد إلى الخطأ بالتوبيخ:
عن أبي ذر ﭬ قال: ساببت رجلا فعيرته بأمه (قال له: يا ابن السوداء)، فقال رسول الله: «يا أبا ذر أعيرته بأمه؟، إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون...»([91]).
* فلقد رأيت كيف أن الرسول ﷺ، عالج خطأ أبي ذر ﭬ بالتوبيخ والتأديب، ثم وعظه بما يلائمه ويناسبه.
(5) الإرشاد إلى الخطأ بالهجر:
فعن كعب بن مالك ﭬ؛ حين تخلف عن النبي ﷺ في غزوة تبوك قال: (نهى النبي ﷺ عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة، حتى أنزل الله توبتهم في القرآن الكريم)([92]).
* فلقد كان رسول الله ﷺ، يعاقب أصحابه بالهجر في إصلاح الخطأ وتقويم الاعوجاج حتى يرجع إلى الصواب.
(6) الإرشاد إلى الخطأ بالضرب:
فعن النبي ﷺ قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»([93]).
* وفي سورة النساء: قال تعالى: )واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا(([94]).
(7) الإرشاد إلى الخطأ بالعقوبة الواعظة:
قال تعالى: )الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة( إلى قوله: )وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين(([95]).
* بعد التدرج في تأديب الطفل علينا أن نعلم الآن طريقة الضرب وقواعده.
القاعدة الأولى: ابتداء الضرب سن العاشرة.
لقوله ﷺ «واضربوهم عليها وهم أبناء عشر»([96]).
القاعدة الثانية: أقصى الضربات عشر.
لقوله ﷺ: «لا يجلد أحدكم فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله»([97]).
القاعدة الثالثة: الالتزام بمواصفات أداة الضرب، وطريقته ومكانه:
(أ) أداة الضرب:
1- أداة الضرب السوط، أو العصا.
2- أن يكون معتدل الحجم.
3- أن يكون معتدل الرطوبة؛ فلا يكون رطبا يشق الجلد لثقله، ولا شديد اليبوسة فلا يؤلم لخفته.
4- ولا يتعين الضرب بالسوط، أو العصا؛ بل يجوز بعود وخشبة، ونعل وطرف ثوب، بعد فتله حتى يشتد([98]).
(ب) طريقة الضرب:
1- أن يكون مفرقا لا مجموعا في محل واحد.
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف به ألم الضربة الأولى.
3- أن يرفع الضارب ذراعه حتى يرى بياض إبطه؛ فلا يرفعه أكثر من ذلك، لئلا يعظم ألمه.
(ج) مواصفات مكان الضرب:
أن يفرق الضرب على الجسد، ويتجنب الوجه والمواضع، التي تؤدي إلى قتله أو الإضرار بحواسه أو بصحته، لقوله ﷺ: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه»([99]).
* ولا ضرب مع الغضب لحديث: «لا تغضب»([100])([101]).
وإذا كانت الهفوة من الولد لأول مرة؛ فيعطى الفرصة لكي يتوب عما اقترف، ويعتذر عما فعل.
* ويجب على المربي ضرب الولد بنفسه، ولا يترك هذا الأمر لأحد من الإخوة، أو من الرفقاء... حتى لا تتأجج بينهم نيران الأحقاد والمنازعات.
* ومن هذا يتضح أن التربية الإسلامية: قد عنيت بموضوع العقوبة عناية فائقة سواء كانت عقوبة معنوية كالهجر والتوبيخ، أو عقوبة مادية: كالغرامة المالية، ومنعه من مصروفاته اليومية، أو عقوبة جسدية كالضرب، وقد أحيطت هذه العقوبة بسياج من الشروط والقيود، فعلى المربي ألا يتجاوزها.. إن أراد لأولاده التربية المثلى، والإصلاح العظيم. وكم يكون المربي موفقا وحكيما حينما يضع العقوبة موضعها المناسب، وكما أنه يضع الملاحظة واللين في المكان الملائم.
وصدق القائل:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته |
|
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا |
|
مضر كوضع السيف في موضع الندى |
وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو |
|
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا ([102]). |
وأما التربية بالإثابة:
فينبغي حين نود غرس العادات الطيبة، أن نحاول مكافأة الطفل على إحسانه القيام بالعمل بما يبعث في نفسه جانبا من الارتياح الوجداني، وقد قدر السلف أهمية ترغيب الأبناء، وثوابهم في حسن استجابتهم.
روى النضر بن الحارث قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثا وحفظته، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا.
والثواب أنواع:
(1) قد يكون ماديا ملموسا.
كإعطاء الطفل لعبة، أو حلوى، أو نقودا، وطعاما يحبه... إلخ.
(2) وقد يكون معنويا يفرح نفسه.
كالمدح، والابتسام، والاعتزاز بالطفل على عمله الطيب أمام الناس.
* ولكن لا يفوت المربي: أن عدم الغلو في المدح أدب إسلامي، وهو توجيه تربوي يلتزمه المربي أيضا، فلا يكثر من عبارات الاستحسان؛ لئلا تفقد قيمتها، ويدخل الغرور إلى نفس الطفل.
* كما أنه لا يجعل الثواب المادي: هو الأساس مما لذلك من أثر سيئ على نفسية الطفل مستقبلا، وإنما يوازن بين الثواب المادي، والثواب المعنوي...([103])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
سادسا: التربية بتفريغ الطاقة
من وسائل الإسلام في تربية الإنسان، وعلاجه كذلك: تفريغ الشحنات المتجمعة في نفسه وجسمه: أولا بأول، وعدم اختزانها إلا حيثما تتجمع للانطلاق.
* والطاقة الموجودة في الإنسان: هي عبارة عن إفرازات طبيعية، وفطرية تملأ النفس والجسم بشحنات مختلفة، والتي تكون على الدوام ما دامت الفطرة سليمة لم يصبها عطب ثم يطلق هذه الشحنات في عمل إيجابي إنشائي لتعمل في سبيل البناء والتعمير والخير، والإسلام لا يخزن هذه الطاقة، وبذلك يقي النفس من كثير من أنواع الانحراف المعروفة في علم النفس...([104]).
وطريقة العلاج هي:
إطلاق تلك الشحنات في عمل إيجابي يحقق كيان الإنسان، وإحساسه بذاته.
* وأضرب أمثلة لتتضح الفكرة:
(1) طاقة الكره: وهي طاقة فطرية طبيعية، يلجأ الإسلام إلى تفريغها في كره الشيطان، وأتباع الشيطان، والشر الذي ينشئه الشيطان، وأتباعه على وجه الأرض، وبهذه الطريقة: لا يتحول الكره إلى طاقة سامة مبعثرة لنشاط الإنسان، وفي الوقت ذاته: يتحقق بها كيان إيجابي؛ للفرد حين يعمل في واقع الأرض لمقاومة الشر...([105]).
(2) وكذلك تفريغ طاقة الحب في حب الله تعالى، ورسوله ﷺ، والمسلمين والخير، والناس والكون بوجه عام. فطاقة الحب ثمينة إذا لم تفرغ شحنتها أولا بأول، فممكن أن تفسد وتتحول إلى طاقة سامة مدمرة لكيان الإنسان حيث يحول الإنسان محل طاقة الحب مثلا إلى نفسه لأنها مختزنة لا تجد طريقها إلى خارج النفس أو يحولها إلى معشوقات صغيرة في عالم الحس من طعام وشراب، وجنس ولذائد؛ لأنها لا تجد طريقها الصحيح.. أو يحولها إلى حب فاسد من الناس، والأفكار، والأشياء...([106])
(3) تفريغ طاقة الخوف من الخوف من المخلوقين وغير ذلك... إلى الخوف من الله تعالى، وسوء الخاتمة ويوم القيامة... وهكذا([107]).
(4) تفريغ طاقة العدوانية، وحب المقاتلة إلى مقاتلة العدو، وحب الجهاد في سبيل الله... وهكذا([108]).
ومن أمثلة تفريغ الطاقة لدى الأطفال:
تفريغها في اللعب حيث يكون للعب جانب مهم في حياته، واللعب ذاته بالنسبة للصغير مجال واسع للتربية والتوجيه، وتنمية المواهب، والقدرات والاستعدادات، فهو ليس مجرد تفريغ طاقة فائضة، ولكنه فرصة للتربية، والتدريب في نفس الوقت([109]).
فمن الممكن:
(1) تعليمه السباحة والفروسية: استعدادا للجهاد، وتدريبه عليه.
(2) ومن الممكن أن يكون لديه ألعاب مبرمجة تنمي ذكاءه وحفظه، وهي في الوقت نفسه تفرغ طاقته....
* كتعليمه عن طريق لعبة الأعداد والألوان، والأحجام والأشكال، والأجناس والمهمات، وغيرها...
(3) وعند معرفة مواهب الطفل فمن الممكن توجيهه: لتلك المواهب لتفرغ الطاقة التي فيه...
* فإن كان يحب القراءة أعددنا له مكتبة خاصة به، وأحضرنا له الكتب، والمواضيع المناسبة لسنه، والقصص الهادفة.
* وإن كان يحب الخط والرسم أشغلناه بكتابة بعض الإعلانات واللوحات، والنشرات والملصقات، التي تعود علينا بالنفع.
* وإن كان يحب الكتابة والتأليف وعنده خيال واسع في سرد قصص مفيدة شجعناه في تأليف قصص لمن هو في سنه.
* وإن كان يحب التجارة والأعمال اليدوية، أحضرنا له أدوات مخصصة لذلك لينتج لنا أشياء نستفيد منها.
* وإن كانت أنثى وتحب تقليد أمها في شؤون المنزل، تركنا لها فرصة للعمل في المنزل وإدارته.
* وإن كانت تحب الخياطة والأعمال اليدوية شجعناها على إنتاج أشياء من صنع يدها، وعمل معرض صغير لمن هم في سنها، وعائد هذا المعرض يكون لصالح أعمال خيرية؛ فنكسب بتلك الطريقة تفريغ طاقتها فيما يعود عليها، وعلى المسلمين بالنفع.
وقس على ذلك...
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
سابعا: التربية بملء الفراغ
* كما يفرغ الإسلام طاقة الجسم والنفس كلما تجمعت ولا يختزنها دون فائدة ؛ فإنه في الوقت ذاته يكره الفراغ!
وفي الحديث: «اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»([110]).
* إن الفراغ مفسد للنفس، إفساد الطاقة المختزنة بلا ضرورة، وأول مفاسد الفراغ، هو تبديد الطاقة الحيوية، ثم التعود على العادات الضارة التي يقوم بها الإنسان لملء هذا الفراغ. والإسلام حريص على شغل الإنسان شغلا كاملا منذ يقظته إلى منامه بحيث لا يجد الفراغ الذي يشكو منه، ويحتاج في ملئه بما ينحرف عنه منهجه الأصيل.
* وليس معني ذلك استنفاد المخلوق البشري واستهلاكه فليس ذلك قط من أهداف الإسلام الذي يدعو إلى استمتاع الإنسان بالطيبات، وتذكر نصيبه من الحياة الدنيا، وكما قال رسول الله ﷺ لحنظله في الحديث الطويل: «إنما هي ساعة ساعة»([111]). فساعة يصلي المسلم فيها لخالقه، وساعة يذكر الله بلسانه وقلبه، وساعة يسمر مع الأهل والأصحاب في مباح، وساعة يتزاور في الله تعالى، وساعة يطلب العلم، وساعة يطلب الرزق والقوت الذي يعينه على طاعة الله تعالى.
* وكل تلك الساعات لله الواحد القهار، وهي قد ملأت حياته فلا يجد ما يفرغ له من أعمال الشر، بل حياته كلها لخالقه، وخالقه قد قسم له الحقوق، فحقا لخالقه، وحقا لنفسه، وحقا للخلق أجمعين، والنفس إن لم تشغلها بطاعة الله شغلتك في معصيته، أعاذنا الله من ذلك([112]).
* وهكذا: لم يعد في نفوس المؤمنين فراغ وهي من أنجح الوسائل في تربية النفس.
* وبالنسبة للطفل فإنه الطاقة الفائضة، والوقت الفائض: أمران متداخلان متقاربان، فما قلناه هناك بشأن الطاقة الفائضة نقوله هنا مرة أخرى بالنسبة للوقت الفائض؛ فيشغل وقته في اللعب وتنظيم أشيائه، وترتيبها وتشجيعه على حفظ القرآن، وتلاوته تعبدا لله، ونشغله بالأذكار وحفظها، وكذلك تشجيعه على بعض الأعمال المنزلية ثم نضيف إليه بالنسبة للوقت بعض الأوقات يجتمع فيها الأبوان بالطفل يحدثانه بقصة، أو يستمعان منه إلى قصة، أو موضوع يريد أن يطرحه عليهم، أو يخرجون في نزهة، أو زيارة لبعض الأصدقاء، والأطفال الطيبين؛ فكل تلك الأمور وما شابهها تشغل الوقت في النافع ولا تترك فراغا للسيئات([113]).
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ثامنا: التربية بالأحداث
الحياة الدنيا كد وكدح.. وتفاعل دائما مع الأحداث... وما دام الناس أحياء فهم عرضة على الدوام للأحداث... تقع بسبب تصرفاتهم الخاصة، أو لأسباب خارجة: عن تقديرهم وخارجة عن إرادتهم، والمربي البارع لا يترك الأحداث تذهب سدى بغير عبرة، وبغير توجيه إنما يستغلها لتربية النفوس وتهذيبها.
* وتزيد الأحداث على غيرها من وسائل التربية: أنها تحدث في النفس حالة خاصة... وإن الحادثة تثير النفس بكاملها... وتلك الحالة لا تحدث كل يوم في النفس، وليس من اليسير الوصول إليها، والنفس في راحتها وأمنها وطمأنينتها، تلك الأحداث مفروضة على النفس من الخارج، ومن ثم فهي أقرب تأثيرا من جموع الناس الذين لا يصلون بذاتهم إلى درجة التأثير بالوعظ، وغيرها من تلك الوسائل المتقدمة بل للحدث في نفسه أثر أكبر من تلك الوسائل، فلا بد أن ننتهز الفرصة عند وجود مثل تلك الأحداث..([114])
* والله U استعمل تلك الوسيلة مع الرعيل الأول في تربيتهم على شريعته حيث إنه أنزل القرآن عليهم إثر حوادث جرت بهم فكان له عظيم الأثر على سلوكهم وحياتهم بعد ذلك...
* إذا لا بد على المربي أن يستفيد من الأحداث فتكون لديه حكمة في لفت الأنظار إليها، وأخذ العبرة منها حتى تحدث في النفس انطباعا خاصا، والهدف من تلك الوسيلة هي ربط القلوب دائما بالله في كل حادثة وفي كل شعور، وبذلك تطبع في القلوب حب الله تعالى والعمل لمرضاته.. وتتربي النفس على ذلك.
* صور حية من حياة الرسول ﷺ: تبين لكم كيف كان رسول الله ﷺ، يربي أصحابه بالأحداث:
* وقبل عرض تلك الصور ينبغي أن أشير إلى أن المربي لا يستطيع بطبيعة الحال أن يفتعل الأحداث!؛ فهي تجري بقدر الله في الصغيرة والكبيرة سواء، ولكن تطبيق تلك الوسيلة يقتضي منه أن ينتهز الفرصة المناسبة ليلقي دروسه التربوية في الأحداث التي تقع بقدر الله تعالى، والتي يرى أنها صالحة لتوجيهه توجيها تربويا معينا سواء كان الانفعال بالحدث قائما في الطفل بالفعل، أو كان على المربي أن يثير ذلك الانفعال بتعليقاته عليه، حتى إذا علم أن التوهج الشعوري قد حدث داخل نفسه أعطاه التوجيه المطلوب([115]).
الصورة الأولى: حادثة الإفك التي وقعت للمسلمين. فلقد قال الله تعالى في المؤمنين الذين استهانوا بقذف أم المؤمنين عائشة ڤ فقال:
)إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين * ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم(([116]).
* فقد صحح لهم خطأهم في تصورهم أن هذا الذي فعلوه كان هينا وبين لهم أنه كبيرة من الكبائر، وبين لهم ما كان ينبغي أن يكون عليه السلوك الصحيح في الموقف، ثم أعطاهم توجيها حادا عنيفا حاسما يشتمل على التهديد. خفي لهم بالخروج من دائرة الإيمان إن عادوا إلى مثل ما فعلوه. وقال لهم في النهاية أنه يعلمهم، وبين لهم الآيات بعلمه سبحانه وحكمته.
الصورة الثانية: يحكيها لنا أبو هريرة ﭬ قال: (أتي النبي ﷺ برجل قد شرب الخمر قال: «اضربوه». قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: «لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشيطان»([117]).
* ذلك أن الشيطان يريد بتزيينه المعصية له حصول الخزي له، فإذا دعوا عليه فكأن الشيطان حصل على مقصوده([118]).
* فهذا حدث مر برسول الله ﷺ فانتهزه فوجه الصحابة الكرام إلى أنه لا ينبغي الدعاء على أخيهم المسلم إذا فعل ذنبا حتى لا يعينوا الشيطان عليه... فيفرح الشيطان لذلك.
* فهذه نماذج من التربية بالأحداث، والأحاديث على ذلك كثيرة، فمن قرأ السيرة وجد بها نماذج عديدة من هذه الوسيلة.
* أما كيفية تطبيقها نحن في عصرنا الحالي مع أطفالنا، ومن نقوم بتربيته فغالبا ما يجيء الأمر بعد مخالفة تقع من الطفل، ويكون لها أثر غير عادي في حياته، فعندئذ يكون التوجيه أفعل. أما أحداث كل يوم العادية فليست هي المقصودة بالتربية بالأحداث...
فمثال ذلك: كأن يأتي الطفل في يوم من الأيام يضحك ويستهزئ بأحد أطفال الجيران؛ فيغتاب وينم في ذلك الطفل، فعلى المربي أن ينتهز تلك الحادثة فيوجهه التوجيه السليم، ويبين له مضار الغيبة والنميمة، وعقابها عند الله تعالى.
* أو كأن يأتي الطفل بلعبة غريبة ليست له فيراها المربي في يديه وهو يلعب بها، وهو يعلم أنها ليست له فيسأله: لعبة من هذه؟، فيقول: أخذتها من بيت فلان. فيسأله: أيعلم ذلك؟ فيقول: لا، أخذتها لألعب بها دون إخباره، وبدون علمه. فيوجه المربي الطفل لهذا ويوضح له أن هذا الأمر يعتبر سرقة ولا يجوز... وهكذا على المربي أن ينتهز كل حدث له كبير الأثر على نفس الطفل فيوجهه من خلاله...
ﭑ ﭑ ﭑ
الخاتمة:
أخي المربي... أختي المربية:
* لقد اتضحت لديكما وسائل التربية التي رسمها الإسلام في تربية الولد إيمانيا وخلقيا، وتكوينه نفسيا واجتماعيا...
(1) فالتربية بالعقوبة: تكسب الولد أفضل الصفات، وأكمل الأخلاق.
(2) وبالتربية بالموعظة: يتأثر الولد بالكلمة الهادئة، والنصيحة الراشدة، والقصة الهادفة، والحوار المشوق.
(3) وبالتربية بالملاحظة: يصلح الولد، وتسمو نفسه، وتكتمل آدابه وأخلاقه.
(4) وبالتربية بالعادة: يكون المربي كالذي ينقش على الحجر فلا يستطيع أحد أن يزيله.
(5) وبالتربية بالعقوبة: ينزجر الولد، ويكف عن أسوأ الأخلاق وأقبحها.
وبالتربية بالإثابة: تغرس العادات الطيبة ونرغب الأطفال، ونشجعهم على فضائل الأعمال، والأخلاق والدين.
(6) وبالتربية بتفريغ الطاقة: نوجه الولد إلى ما يحبه الله ويرضاه، وما تقر به نفسه وتهدأ.
(7) وبالتربية بملء الفراغ: ينشط ويترك الكسل، ويبني ويشيد حضارة المسلمين.
(8) وبالتربية بالأحداث: تلين قلوب لم تحركها الموعظة، ولا الكلمة، ولم تحركها إلا أقدار الله تعالى الذي ييسر لها طرق الخير، وهي غافلة وهو أحكم الحاكمين.
* وما عليكما الآن إلا السعي في تطبيقها، والله المستعان، وهو خير معين...
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
إهداء......................................................................................................... |
5 |
2) |
التقديم...................................................................................................... |
6 |
3) |
المقدمة..................................................................................................... |
8 |
4) |
أولا: التربية بالقدوة................................................................................. |
10 |
5) |
ثانيا: التربية بالموعظة............................................................................. |
27 |
6) |
ثالثا: التربية بالعادة.................................................................................. |
43 |
7) |
رابعا: التربية بالملاحظة......................................................................... |
50 |
8) |
خامسا: التربية بالعقوبة والإثابة............................................................ |
57 |
9) |
سادسا: التربية بتفريغ الطاقة.................................................................. |
67 |
10) |
سابعا: التربية بملء الفراغ..................................................................... |
71 |
11) |
ثامنا: التربية بالأحداث.......................................................................... |
74 |
|
|
|
([5]) رواه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص139)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص40)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص410)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص 27).
([8]) ورواه أيضا: الترمذي في «سننه» (ج2 ص269)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص418)، وفي «السنن الصغرى» (ج3 ص219)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص456).
([10]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص566)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1814)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص903)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص250)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص33)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص229).
([14]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص116)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1803)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص64)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص125) من حديث ابن عباس ﭭ رضي الله عنهما.
رواه أبو داود في «سننه» (ج5 ص265)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص447)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (32)، وله شاهد من حديث أبي هريرة، وابن مسعود ﭭ.
([17]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص87)، ومسلم في «صحيحه» (ج11 ص186)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص132)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص37)، وابن حبان في «صحيحه» (ج6 ص292)، وابن بشكوال في «غوامض الأسماء المبهمة» (ج 6 ص 415).
([19]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص162)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص564)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص215).
([21]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص251)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص730)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص135)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج1 ص381)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي» (ص64).
([22]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص324)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1430)، والأصبهاني في «دلائل النبوة» (ص108)، وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (ج1 ص282)، والآجري في «الشريعة» (ص459)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص289)، وابن وهب في «مسنده» (ق/12/ط).
([24]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص114 و115)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص1113)، وابن حبان في «صحيحه» (ج6 ص194) والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج 7 ص 37 و38).
([25]) رواه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1256)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص900)، وابن شبة في «تاريخ المدينة» (ج1 ص192)، وحماد بن إسحاق في «تركة النبي» (ص 75).
([26]) رواه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص730)، والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص382)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص523) من حديث ابن عمرو ﭭ.
([27]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص27)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1400)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص199)، والطيالسي في «المسند» (ص96)، والخلال في «الأمالي» (ص85)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص132).
([28]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج7 ص395).
ورواه أحمد في «المسند» (ج4 ص303) من حديث البراء بن عازب ﭬ. وإسناده حسن.
([29]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص567)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص320)، والبغوي في «الأنوار في شمائل النبي المختار» (ج1 ص365) من حديث عائشة ڤ.
([30]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص188)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص601)، وفي «الشمائل» (ص187)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص303) وفي «الأنوار في شمائل النبي المختار» (ج1 ص266) من حديث أنس بن مالك ﭬ.
([31]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج9 ص221)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص1042)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص545)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص235)، وابن الجارود في «المنتقى» (ص275)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص137)، وفي «السنن الصغرى» (ج6 ص119 و120)، وفي «عمل اليوم والليلة» (ص254)، وسعيد بن منصور في «سننه» (ج1 ص169).
رواه الترمذي في «سننه» (ج4 ص357) وفي «الشمائل» (ص198)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص240 و360)، والبغوي في «الأنوار في شمائل النبي المختار» (ج1 ص254).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وله شاهد من حديث أنس: أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج3 ص378).
([50]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص11)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص462)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص379)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص151)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص267)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص154).
([51]) رواه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص74)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص442)، ووكيع في «الزهد» (ج2 ص604)، وفي «نسخته» (ص60)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص30)، وابن الآبار في «المعجم» (ص323 و324) من حديث أبي هريرة ﭬ.
رواه أحمد في «المسند» (ج3 ص161)، والترمذي في «الشمائل» (ص200)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص518)، والمؤمل بن إيهاب في «جزئه» (ص70)، والبيهقي في «الآداب» (ص257)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص181)، وأبو يعلى في «المسند» (ج6 ص174)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج10 ص54 و455)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج2 ص246)، وابن الأعرابي في «التقبيل والمعانقة» (ص10).
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج9 ص368) ثم قال:(رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح). اهـ
والحديث صححه ابن حجر في «الإصابة» (ج1 ص523)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (ص490)، وابن كثير في «الشمائل» (ص97 و98).
([53]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص162)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2172)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص465)، والزجاجي في «مجالس العلماء» (ص182)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص27)، والسمعاني في «آدب الإملاء» (ص66)، وابن أبي عاصم في «المذكر» (ص51).
([54]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج 9 ص66)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص549)، وأبو الشيخ في «الأمثال» (ص371)، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» (ص132)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج4 ص535).
([55]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص863)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1999)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص325)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص94)، وفي «الآداب» (ص88)، وأبو الشيخ في «الأمثال» (ص351)، وابن المبارك في «الزهد» (ص 118).
رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (ص13)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص397).
والحديث صححه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص13).
وله شاهد من حديث ابن مسعود: أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والطبري في «جامع البيان» (ج8 ص88)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص318).
وإسناده حسن.
([57]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص71)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص205)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج1 ص238)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص176)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص103)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص91).
رواه أبو داود في «سننه» (ج 4 ص 330)، والنسائي في «سننه» (ج 2 ص 285)، وابن ماجة في «سننه» (ج 2 ص 1189)، وأحمد في «المسند» (ج 1 ص 115).
وانظر: «الإرواء» للشيخ الألباني (ج 1 ص 305).
([63]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص 219)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2047)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص393)، والآجري في «الشريعة» (ص194)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج9 ص26)، وابن مزرع في «الأمالي» (ص 101) من حديث أبي هريرة ﭬ.
رواه أبو داود في «سننه» (ج5 ص 168)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص589)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج1 ص352)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص 55)، والحاكم في «المستدرك»، وصححه (ج4 ص171)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص 303 و334)، والطيالسي في «المسند» (ص335) من حديث أبي هريرة.
قال الترمذي: حسن غريب. والحديث حسنه الشيخ الألباني في «الإيمان» (ص 60).
([71]) انظر: «تحفة المودود بأحكام المولود» لابن القيم (ص141). وراجع: «تربية البنات»، للشنتوت (ص20 و21).
رواه أبو داود في «سننه» (ج1 ص133)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص187)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص167)، والدولابي في «الكنى» (ج1 ص159) من حديث ابن عمرو ﭭ.
ورواه أبو داود في «سننه» (ج1 ص133)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص231)، وابن الجارود في «المنتقى» (ص46)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج2 ص102) من حديث سبرة بن معبد ﭬ.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الإرواء» (ج 1 ص 266).
([76]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص6)، وفي «الأدب المفرد» (ص83)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1459 و460)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (ج1 ص491)، والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ج2 ص556).
([77]) حديث صحيح. تقدم تخريجه.
ورواه أيضا الترمذي في «سننه» (ج2 ص259)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص283)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص347)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص230).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
([78]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص870)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1675)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص36 و47)، والبيهقي في «الآداب» (ص 156).
([79]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص2056)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1599)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص349)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص288)، وابن ماجة في «سننه» (ج2 ص1087)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (ص259)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص219)، وابن حجر في «موافقة الخبر» (ج1 ص338 و339)، والحميدي في «المسند» (ج1 ص259)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص226).
([80]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص914)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1243)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (ج1 ص170 و171 و172)، وفراس في «المسانيد» (ق/ 87/ ط).
([81]) الضروريات الخمس، أو الكليات الخمس، وهي: 1- حفظ الدين. 2- والنفس. 3- والعرض. 4- والعقل. 5- والمال.
([86]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1104)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1359)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص68).
([87]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص426)، وفي «الأدب المفرد» (ص48)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1808)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص355)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص318)، والبيهقي في «الآداب» (ص40 و41)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج10 ص177)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج1 ص306).
([89]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص86)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1604)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص926 و92).
([90]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص76)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص973)، وابن منده في «معرفة أسامي أرداف النبي» (ص23)، وابن المرزبان في «مسند أسامة بن زيد» (ص107).
([97]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج12 ص156)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1333)، والبغوي في «شرح السنة» (ج10 ص343)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص328)، والترمذي في «سننه» (ج1 ص277)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص164) من حديث أبي بردة ﭬ.
([99]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج5 ص182)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2016)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص347)، والآجري في «الشريعة» (ص314)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص37) من حديث أبي هريرة ﭬ.
([100]) رواه البخاري في «صحيحه» (ج10 ص519)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص371)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص466)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص105)، وفي «شعب الإيمان» (ج6 ص307)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص248)، والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص129)، والإسماعيلي في «المعجم» (ج1 ص338 و339) من حديث أبي هريرة ﭬ. وورد الحديث عن مجموعة من الصحابة ﭫ أجمعين. راجع تخريجها في: «الأضواء السماوية في تخريج أحاديث الأربعين النووية» لأبي عبد الرحمن فوزي الأثري (ص130).
([103]) انظر: «تربية الأطفال في رحاب الإسلام» (ص200 و201)، وراجع: «مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد» لعدنان حسن (ص 439).
([109]) انظر: «منهج التربية الإسلامية» (ج2 ص157)، وراجع: «مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد» لعدنان حسن (ص 419).
رواه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص306) من حديث ابن عباس. وصححه ووافقه الذهبي. ورواه الخطيب البغدادي في «اقتضاء العلم العمل» (ص100 و101) من حديث عمرو بن ميمون مرسلا.