الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / ذم الكسل
ذم الكسل
سلسلة ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار
|
4 |
ذم الكسل
تأليف
الشيخة الفقيهة أم عبدالرحمن الجودر الأثرية
حفظها الله
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام، ووفق في الدين من أراد به خيرا، وفهمه فيما أحكمه من الأحكام.
* أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس، وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم، وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمد عليه، وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام.
* وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، المبعوث لبيان الأحكام، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وتابعيهم الكرام([1]).
أما بعد:
فإن الكسل: هو انسلاخ من الإنسانية، ومن تعود الكسل، ومال إلى الراحة، فقد الراحة في الحياة الدنيا، والآخرة.
* والكسل: التثاقل عن الشيء، والقعود عن إتمامه، وهو مذموم في الشرع.
* فإياك: والكسل، والضجر؛ فإنك إن كسلت، لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق.([2])
قال ابن منظور اللغوي رحمه الله في «لسان العرب» (11/587): (الكسل: التثاقل عن الشيء والفتور فيه). اهـ
وقال الراغب اللغوي رحمه الله في «المفردات» (ص431): (الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه). اهـ
* والكسل ينقسم إلى قسمين:
الأول: كسل العقل، بعدم إعماله في التفكر، والتدبر، والنظر: للدنيا، والدين، والآخرة، وعدم إعمال العقل: في التفكر، في آلاء الله تعالى في هذا الكون البديع.
الثاني: كسل البدن، بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل، تأخر الإنسان عن العمل للدنيا، وعن العمل للآخرة، والله المستعان.
* إذا الكسل: هو التغافل، عما لا ينبغي التغافل عنه في هذه الحياة.
* ولذلك: عد مذموما، وضده: النشاط.
وفق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أم عبد الرحمن الأثرية
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر، وأعن فإنك نعم المعين
ذكر الدليل على ذم الكسل في الشريعة المطهرة
عن عبد الله بن مسعود t، قال: كان نبي الله r إذا أمسى، قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر، وإذا أصبح، قال: ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله».
وفي رواية: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، وسوء الكبر، وفتنة الدنيا، وعذاب القبر».
وفي رواية أخرى: «ومن سوء الكبر، أو الكفر».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2088 و2089).
الشرح الأثري:
* قوله r: «من الكسل»؛ وهو عدم انبعاث النفس للخير، مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذورا بخلاف العاجز؛ فإنه معذور؛ لعدم القدرة، وفقدان الاستطاعة.
قلت: فالكسل يلام عليه العبد ما لا يلام على العجز.
والكسل لغة:
الكسل مأخوذ من مادة: «ك، س، ل» التي تدل على التثاقل عن الشيء، والقعود عن إتمامه، والفتور عنه.
يقال: كسل عنه، بالكسر، كسلا، فهو: كسل، وكسلان، والجمع: كسالى، وكسالى، وكسلى.
والأنثى: كسلة، وكسلانة.
والمكسال، والكسول: التي لا تكاد تبرح من مجلسها، وهو مدح لها. ([3])
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (5/1810): (الكسل: التثاقل عن الأمر، وقد كسل؛ بالكسر، فهو كسلان.
والكسل: التثاقل عما لا ينبغي أن يتثاقل عنه.
والفعل: كسل، يكسل كسلا، ويقال: فلان لا تكسله الـمـكاسـل، يقول: لا تثقله وجوه الكسل.
وامرأة مكسال: فاترة عن التحرك، وهذا الأمر مكسلة؛ أي: يؤدي إلى الكسل، ومنه: الشبع مكسلة، وقد كسله تكسيلا). اهـ
* والكسل اصطلاحا:
الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه.
قال المناوي الفقيه / في «التوقيف» (ص281): (الكسل: التغافل عما لا ينبغي التغافل عنه، ولذلك عد مذموما، وضده النشاط). اهـ
قلت: ومن تعود الكسل، ومال إلى الراحة، فقد تعطل، وتبطل وانسلخ من الإنسانية، وفقد الراحة والسعادة الحقيقية، وصار من جنس الموتى.
فإياك والكسل، والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق، ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية.
وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب. ([4])
* أقسام الكسل:
الكسل قسمان:
الأول: كسل العقل بعدم إعماله في التفكر والتدبر والنظر في آلاء الله تعالى من ناحية، وفي تركه النظر إلى ما يصلح شأن الإنسان ومن حوله في الدنيا التي فيها معاشه، وفي الدين الذي به حياته.
الثاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخر الأفراد في الدنيا والدين.
قال تعالى: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا﴾ [النساء: 142 و143].
* مضار صفة الكسل:
1- يؤدي إلى موت الهمم، وقبر النبوغ.
2- طريق موصل إلى استباحة أموال الناس بغير حق.
3- ينم عن عجز الإنسان، وبعده عن ربه تعالى.
4- دليل على سقوط الهمة.
5- مظهر من مظاهر تأخر الناس الكسالى في الدنيا والدين.
6- يورث الذل، والهوان.([5])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عــنـي به وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسـلـم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة................................................................................................... |
5 |
2) |
ذكر الدليل على ذم الكسل في الشريعة المطهرة................................. |
7 |
([2]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (5/178)، و«الصحاح» للجوهري (5/1780)، و«لسان العرب» لابن منظور (11/587)، و«التوقيف» للمناوي (ص281)، و«مفردات القرآن» للراغب (ص431).
([3]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (11/587)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (5/178)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (10/60 و61)، و«تاج العروس» للزبيدي (15/655)، و«الصحاح» للجوهري (5/1810)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص431).
([5]) وانظر: «العلم الهيب لشرح الكلم الطيب» للعيني، (ص126) و«المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي (17/42)، و«شرح مشكاة المصابيح» للطيبي (5/147)، و«مفتاح دار السعادة» لابن القيم (1/376)، و«النفح الطيب شرح الكلم الطيب» للطيار (ص70)، و«تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص85)، و«جامع البيان» للطبري (1/111)، و«الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (3/54).