القائمة الرئيسة
الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / إرشاد العباد إلى تحريم التشبه بأهل الفساد

2024-10-29

صورة 1
إرشاد العباد إلى تحريم التشبه بأهل الفساد

 

 

 

 

 

 

 

 

إرشاد العباد

إلى

تحريم التشبه بأهل الفساد

وهم:

الكفار، والمبتدعة، والعصاة من العباد

 

 

 

 

 

شعارنا:

أمن وأمان في الأوطان

    

عـــــــونك يا رب يســــر

المقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فهذا جزء لطيف فيه تحريم التشبه بالكفار، والمبتدعة، والعصاة من العباد.

هذا وأسأل الله العظيم أن ينفع بهذا الجزء عامة المسلمين، وأن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع، ويجعله في موازين حسناتي يوم لا ينفع مال ولابنون.

وفي الختام لا أنسى الشكر، والتقدير لفضيلة شيخنا العلامة المحدث الوالد فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري، الذي تفضل مشكورا بمراجعة هذا الجزء والتعليق عليه، وأسأل الله العظيم أن يجعله في موازين حسناته، وأن يرفع منزلته في الدنيا والآخرة، على تعليمه لنا السنة النبوية الصحيحة، ولما أظهر من منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، فجزاه الله خيرا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                               كتبه الفقير إلى الله تعالى

                                                    علي بن حسن بن علي العريفي الأثري

    

رب سهل

ذكر الدليل

على تحريم التشبه

 بالكفار والمبتدعة والعصاة فيما هو من خصائصهم

 

اعلم أرشدك الله لطاعته أن النصوص من الكتاب، والسنة، والآثار قد تظاهرت على وجوب مخالفة الكفار والمبتدعة والعصاة من العباد، وتحريم التشبه بهم، سواء كان في عباداتهم، أو عاداتهم.([1])

قال تعالى: ]ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق[ [المائدة: 48].

وقال تعالى: ]ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون[ [الجاثية: 18].

وقال تعالى: ]ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك[ [المائدة: 49].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص86): (ثم جعل محمدا r على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون: كل من خالف شريعته.

وأهواؤهم: هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك، فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما  يهوونه).اهـ

وقال تعالى: ]ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ [المائدة: 2].

وقال تعالى: ]ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون[ [هود: 113].

وقال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق[ [الممتحنة: 1].

وقال تعالى: ]ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا[ [الأنعام: 150].

وقال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (104) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ [البقرة: 104، 105].

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج1 ص163): (نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم). اهـ

 

وعن ابن عمر ، قال: قال رسول الله r: (جعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).([2])

قال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج1 ص168): (التشبه بالكفار محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم»). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الإرشاد» (ص424): (التشبه بهم في الملبس، والكلام، وغيرهما؛ لأن التشبه بهم في الملبس، والكلام، وغيرهما يدل على محبة المتشبه للمتشبه به، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه؛ بقوم فهو منهم)، فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم([3])، وسمتهم، وأخلاقهم؛ كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة([4]) بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك).اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط» (ج1 ص237): (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بأهل الكتاب، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم). اهـ

وقال العلامة الصنعاني / في «سبل السلام» (ج4 ص347): (والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم، أو بالكفار، أو بالمبتدعة؛ في أي شيء مما يختصون به من ملبوس، أو مركوب، أو هيئة). اهـ

قلت: وهذا يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار، والمبتدعة، والعصاة([5])؛ لكي لا يكون العبد من هؤلاء المفسدين في الدنيا، والآخرة.([6])

والتشبه يقع في الأمور القلبية من الاعتقادات، والإرادات ([7])، ويقع في الأمور الخارجية الظاهرة([8]) من العبادات، والعادات.([9])

قال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم [[المائدة:51].

قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «تسهيل الإلمام» (ج6 ص211): (التشبه بقوم في أفعالهم بأن يفعل مثل فعلهم، أو يتصف بمثل صفاتهم، أو يتكلم بمثل كلامهم، فالتشبه: هو المحاكاة والمماثلة في أقوالهم، وأفعالهم، وصفاتهم، والواجب على المسلمين أن يعتزوا بدينهم، وبما شرعه الله لهم من الأحكام النافعة، وما أمرهم به من الأوامر التي فيها خيرهم، ويتجنبوا ما نهاهم عنه مما فيه ضررهم، وأن يتميزوا عن غيرهم من الناس؛ لأن الله أعزهم بالإسلام، قال تعالى: ]ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين[ [آل عمران: 139]، فالإيمان يجعل الإنسان عاليا على غيره بالصفات والسمات الطيبة، ... والمسلم أعطاه الله الميزة على غيره، فكيف يتنازل عن هذه المرتبة إلى ما دونها، مما ليس فيه له فائدة.

فقوله r: (من تشبه بقوم)؛ قوم هذا عام، هذا الحديث خرج مخرج النهي، أي: لا تشبهوا، (من تشبه بقوم)؛ يعم الكفار، والفساق، والعصاة، ففيه النهي عن التشبه بهؤلاء، نهي المسلم أن يتشبه بأحد هذه الأصناف؛ بل عليه أن يترفع بدينه، وخلقه، وإسلامه على أن يتشبه بكافر، أو يتشبه بالعصاة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد تنازل عن كرامته.

والتشبه في الظاهر يدل على المحبة في الباطن؛ لأنه لو لم يكن يحب المتشبه به، لما تشبه به، وقد جاء في الحديث الآخر النهي عن التشبه باليهود والنصارى، وجاء الحديث بالنهي عن التشبه بالمشركين، والنهي عن التشبه بالمجوس، وبأي طائفة من طوائف الكفر كلها، المسلم لا يتشبه بهذه الطوائف الخاسرة: ]ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنفقين لا يعلمون[ [المنافقون:8].

وهذا الحديث فيه النهي عن التشبه بغير المسلمين، بما في ذلك من الانحطاط، والتنازل عن ما هو خير إلى ما هو أدنى، وقد ابتلي كثير من المسلمين بالتشبه بالكفار، والتشبه يراد به التشبه بهم في عباداتهم، وفي دينهم، فنعمل مثل ما يعملون من البدع والمحدثات، لما أحدثوا الموالد صرنا نتشبه بهم فنعمل الموالد، هذا منحدر من المشركين، ومن اليهود والنصارى، لما كانوا يبنون على القبور، صار بعض المسلمين يبني على القبور، لأن البناء على القبور من عادة اليهود والنصارى، قال r: (إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا تلك الصور).([10]) فلما كان من عاداتهم البناء على معظميهم، صرنا نتشبه بهم، ولما كانوا يتتبعون الآثار، ويعظمون الآثار القديمة لعظمائهم من الرسل، أو من العباد، أو من الملوك، صرنا نفعل مثل فعلهم، فنحيي الآثار، وقد نهانا النبي r عن ذلك؛ لأن إحياء الآثار للمعظمين يجز إلى الشرك، ولو على المدى البعيد، تأتي أجيال تظن أن من هذه الآثار ما هو نافع، وما هو ضار، يزين لهم شياطين الجن والإنس ذلك.

فنحن منهيون عن التشبه بالكفار في دينهم، وفي عاداتهم المختصة بهم، كالتشبه بهم في اللباس، والتشبه بهم في الكلام، التشبه بهم في ما هو من خصائصهم، في العبادات وفي العادات، أما الأشياء التي ليست من خصائصهم، إنما هي عامة، فهذا ليس من التشبه مثل طلب الرزق، وتعلم الصناعات، وتعلم الحرف المفيدة، وصناعة الأسلحة، هذا مشترك بين بني آدم، بل ديننا أمرنا بذلك، وليس هذا من التشبه بهم، إنما التشبه بهم فيما لا فائدة فيه، لا في الدين، ولا في الدنيا، وإنما هو من العادات السيئة.

قوله r: (فهو منهم)؛ أقل أحواله التحريم، لأن ظاهره أنه يقتدي بالكفار، لقوله: (فهو منهم) هذا ظاهره أنه يكفر، إذا تشبه بهم، ولكن أقل أحواله أنه يفيد التحريم؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية /، يقول: «أقل أحواله أنه يفيد التحريم، وإن كان ظاهره أنه يفيد الكفر لقوله r: (فهو منهم) كما قال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ [المائدة:51].

فهذا الحديث هو أصل عظيم لاعتزاز المسلمين بدينهم، وتمسكهم بما شرفهم الله به من هذا الدين وآدابه، وفيه التحذير من التشبه بالكفار). اهـ

قلت: فهذا الحديث هو أصل عظيم؛ لاعتزاز المسلمين بدينهم الإسلامي، وتمسكهم بما شرفهم الله به من هذا الدين وآدابه، وأخلاقه، وفيه التحذير من التشبه بالكفار، والمبتدعة، والعصاة الشاذين في الحياة الدنيا، والله ولي التوفيق.

قال تعالى: ]ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون[ [المنافقون:8].

قلت: والنبي r قد بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة؛ وحذرها في أحاديث كثيرة، وفي مناسبات عديدة من التشبه بالكافرين، والمبتدعين، والعاصين([11])، جملة وتفصيلا.([12])

قلت: لأن أعمال هؤلاء مبناها على الضلال، والانحراف، والفساد في الأرض، فلا يؤجرون عليها لمخالفتها للشرع ([13])، كما قال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان:23]، وكما قال النبي r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد).([14]) وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).

وقد أخبر النبي r أن هذه الأمة ستقع طوائف منها في تقليد سنن الكافرين، والمبتدعين الهالكين، وهذه السنن تكون في العقائد، والعبادات، والأحكام، والأعياد، واللباس، والأخلاق، والعياذ بالله.

فعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (لتتبعن سنة من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قيل: يا رسول الله، اليهود، والنصارى؟ قال: فمن).([15])

قلت: وهذا يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار، لذم التشبه باليهود والنصارى.([16])

قال الإمام ابن القيم / في «مسألة السماع» (ص350): (فأخبر r أنه لابد من أن يكون في الأمة من يتشبه باليهود والنصارى، وبفارس الروم، وظهور هذا الشبه في الطوائف([17])؛ إنما يعرفه من عرف الحق وضده، وعرف الواجب والواقع، وطابق بين هذا وهذا، ووازن بين ما عليه الناس اليوم، وبين ما كان عليه السلف الصالح).اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص193): (المعنى الإجمالي للحديث: يخبر r خبرا؛ معناه: النهي عما يتضمنه هذا الخبر: أن أمته لا تدع شيئا مما كان يفعله اليهود والنصارى إلا فعلته كله، لا تترك منه شيئا، ولو كان شيئا تافها.

ويؤكد هذا الخبر: بأنواع من التأكيدات، وهي: اللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد، ووصف مشابهتهم بأنها كمشابهة قذة السهم للقذة الأخرى.

ثم وصفها بما هو: أدق في التشبه بهم؛ بحيث لو فعلوا شيئا تافها غريبا لكان في هذه الأمة من يفعله تشبها بهم). اهـ

وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ج1 ص749): (فأخبر r أن أمته ستفعل ما فعلته: اليهود، والنصارى، وفارس من الأديان، والعادات، والاختلاف). اهـ

قلت: وهذا خرج مخرج الذم لمن يتبع اليهود، والنصارى([18]) في دينهم الباطل.

وعن عبدالله بن عمرو ؛ أن النبي r قال: له حين رأى عليه ثوبين معصفرين: ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها).([19])

قلت: فتعليله r للنهي بأن هذه الثياب من ثياب الكفار، يقتضي المنع من كل ما كان من خواص الكفار.([20])

قال العلامة أحمد شاكر / في «تعليقه على المسند» (ج10 ص19): (هذا الحديث يدل بالنص الصريح على حرمة التشبه بالكفار في الملبس، وفي الحياة والمظهر، ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا). اهـ

قلت: وهذا فيه دليل على أن اللباس إذا كان من خصائص الكفار، فلا يجوز للمسلم لبسه، ومن ذلك: لباس «الكنيسة» الذي يلبس عند تخريج طلبة الجامعات والمدارس، وغير ذلك، فلا يجوز لبس ذلك في بلاد المسلمين، وإن كثر لبس ذلك بين الناس، فالعبرة باللباس الإسلامي.

قال تعالى: ]إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم[ [آل عمران:149].

قلت: فعلى هذا يكون إخبار النبي r عن الأمة أنها ستتبع سنن الأمم الهالكة؛ إنما يعني: طوائف من هذه الأمة، وهم الجماعات الحزبية، والجماعات المذهبية في هذا الزمان، وهم أهل الافتراق؛ الذين افترقوا عن أهل السنة والجماعة في الأصول والفروع([21])، وهؤلاء المبتدعة تشبهوا باليهود والنصارى في افتراقهم في دينهم.

قلت: ولا يجوز التشبه بالمبتدعة في احتفالاتهم؛ مثل: «الاحتفال بالمولد»، و«الاحتفال بالإسراء والمعراج»، و«الاحتفال بليلة سبع وعشرين من رمضان»، و«الاحتفال بنصف شعبان»، وغير ذلك من الاحتفالات البدعية.

قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات[ [آل عمران:105].

وقال تعالى: ]ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون[ [الروم:31 و32].

قلت: وهذا يدل على أن أول الأمور التي ورد النهي عنها صراحة في الشرع الحكيم عن التشبه بالكافرين فيها الإفتراق في بالدين.

وعن عبد الله بن عمرو t، قال: قال رسول الله r: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).

حديث حسن

أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص26)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، وابن وضاح في «البدع» (ص92)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص100)، والآجري في «الشريعة» (ص15)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص369).

بأسانيد حسنة.

قلت: فإذا نهي عن التشبه باليهود والنصارى وغيرهم، فاقتضى ذلك وجوب مخالفتهم في جميع ما يختص بهم، وهذه المخالفة من أكبر مقاصد بعثة النبي r فانتبه.

فعن ابن عمر قال: قال رسول الله r: (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى).([22])

قلت: فأمر النبي r في هذا الحديث بمخالفة المشركين مطلقا.

قال الشيخ أحمد بن حجر البنعلي / في «البدع في الدين» (ج4 ص166): (ولهذا كان هذا التشبه بهم محرما). اهـ

وقال الشيخ أحمد بن حجر البنعلي / في «البدع في الدين» (ج4 ص167): (وإذا كانت مخالفتهم سببا لظهور الدين، فإنما المقصود بإرسال الرسل، أن يظهر دين الله تعالى على الدين كله؛ فتكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة). اهـ

وعن أبي هريرة t قال: إن رسول الله r قال: (إن اليهود، والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم).([23])

أي: لا يصبغون شيب اللحية، وشيب الرأس، فخالفوهم، واصبغوا بغير السواد، لأنه منهي عنه.([24])

وهذا الحديث يدل على أن مخالفة الكفار في الدين مقصودة، فكيف نوافقهم فيما يختص بهم من المنكرات؟!.

قلت: فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة، والاخلاق الرذيلة، فإنها باب كل شر، بل هي الشر كله، والعياذ بالله.

وعن شداد بن أوس t قال: قال رسول الله r: (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم).

حديث حسن

أخرجه أبو داود في «سننه» (ح652)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ح956)، وابن حبان في «صحيحه» (ص662 ح2186)، والبغوي في «شرح السنة» (ج2 ح534)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ح4257)، والبزار في «المسند» (ج8 ح3480)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ح731)، من عدة طرق عن مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا هلال بن ميمون الرملي، عن يعلى بن شداد بن أوس، عن أبيه به.

قلت: وهذا سنده حسن، من أجل هلال بن ميمون الرملي، وهو صدوق؛ كما قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص 576).

وكذلك يعلى بن شداد بن أوس الأنصاري، وهو صدوق؛ كما قال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص609).

والحديث صححه العلامة الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص225)، وقال الشوكاني / في «نيل الأوطار» (ج3 ص145): (لا مطعن في إسناده).

قلت: وفي هذا الحديث أمر النبي r بمخالفة اليهود الذين لا يصلون في نعالهم؛ فأمرنا  r أن نصلي بالنعال.

وعن حذيفة بن اليمان t قال: قال رسول الله r: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).([25])

قلت: فاتخاذ أواني الذهب والفضة، تشبها بالكفار.([26])

قال الشيخ أحمد بن حجر البنعلي / في «البدع في الدين» (ج4 ص169): (أخبر النبي r أن أمته ستفعل ما فعلته الأمم قبلها، وما أخبر النبي r في تلك الأحاديث الكثيرة التي أوردت القليل منها، إلا ليحذر أمته من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السالفة، كما أنك سمعت، أو قرأت بعض الأدلة من الكتاب، والسنة على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن سلوك مسلكهم فاعلم الآن: أن الأمة الإسلامية لم ينتفعوا بالتحذير الوارد عن البشير النذير، كما لم يمتثلوا أمر الكتاب والسنة؛ بمخالفة الكفار، ولم ينتهوا عن مشابهتهم، فمن أجل ذلك وقعت الأمة، أو أكثرها فيما أخبر به r؛ أنهم يقعون فيه حذو النعل بالنعل، وأعني بذلك أنهم قلد الأكثرون من الأمة الإسلامية الكفرة، والملاحدة في كثير من أمورهم، وأحوالهم). اهـ

قلت: والأدلة واضحة في الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن التشبه بهم.

قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج5 ص45): (وكان r يحب مخالفة أهل الكتاب، وسائر الكفار، وكان يخاف على أمته اتباعهم). اهـ

وعن عبد الله بن عمرو قال: (لتركبن سنة من كان قبلكم، حلوها، ومرها).

أثر صحيح

 أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص96)، والشافعي في «السنن» (ص337ح398)، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (ج1 ص186) من طريقين عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن الحكم، قال: سمعت عبد الله بن عمرو به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص301): (وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح). اهـ

وعن عبد الله بن مسعود t قال: (أنتم أشبه الناس سمتا، وهديا ببني إسرائيل؛ لتسلكن طريقهم حذو القذة([27]) بالقذة، والنعل بالنعل).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص96) من طريق وكيع، عن سفيان، عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم الحلو ولهم المر، كلا والذي نفسي بيده حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة).  وفي رواية: (ولتركبن طريق من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، وحذو القذة بالقذة) وفي رواية: (وحذو الشبر بالشبر).

 أثر حسن

أخرجه ابن نصر في «السنة» (67)، والحاكم في «المستدرك» (3218)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص179)، وعبد الرزاق في «تفسيره» (ج1 ص191)، والطبري في «جامع البيان» (ج6 ص253)، ومعمر بن راشد في «الجامع» (20765)، والخلال في «السنة» (1292)، وابن وضاح في «البدع» (152)، و(153)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (8)، و(715)، و(716) من عدة طرق عن حذيفة بن اليمان به.

قلت: وهذا سنده حسن.

وعن مطرف قال: سمعت مالكا يقول: (وسئل عن الداء العضال، فقال مالك: هو الهلاك في الدين).([28])

قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].

وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

قلت: والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان([29])؛ لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

ومنه؛ قوله تعالى ]يوم ندعو كل أناس بإمامهم[ [الإسراء:71]؛ أي: من أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل المؤمنين في البلدان الإسلامية.

فقوله تعالى: ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله، ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([30])، والعياذ بالله.

 

 

اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان،

 وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول

ولا قوة إلا بك، وأنت

حسبنا ونعم

الوكيل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» لابن تيمية (ج1 ص83 و331)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص163)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص571)، و«التعليق على المسند» للشيخ أحمد شاكر (ج10 ص19).

([2]) حديث حسن.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص44)، وأحمد في «المسند» (ج7 ص121)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص351).

     وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج5 ص109).

([3]) كالبناء على القبور، وعبادتها، والتقليد في الأعياد الكثيرة، كـ«عيد الأم»، و«عيد الحب»، وغير ذلك، فإن ذلك من عادة اليهود والنصارى، اللهم سلم سلم.

([4]) أي: الذي يحب أن يتكلم باللغة الإنجليزية النصرانية مطلقا، ويهمل اللغة العربية، وبهذا يذهب دينه، ويبقى على اللغة الإنجليزية، فهذا يعتبر من التشبه بالنصارى، رب سلم.

([5]) لأنهم من أهل الشر، والعياذ بالله.

     وانظر: «التنوير بشرح الجامع الصغير» للصنعاني (ج10 ص178).

([6]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص482)، و«البدع في الدين» للشيخ أحمد البنعلي (ج4 ص166)، و«تسهيل الإلمام» للشيخ الفوزان (ج6 ص211).

([7]) كحب الاعتقادات النصرانية، والعلمانية، والشيوعية، وغيرها، وحب الممثلين، واللاعبين، والمغنين، والحزبيين، وغيرهم من الكفار، والمبتدعة، والعصاة.

     قلت: كذلك لا يجوز التشبه بلباس المبتدعة من «مشايخ الرافضة»، و«الصوفية»، و«الأزهرية»، وغيرهم من الشاذين في الدين.

([8]) كالأمور السياسية الغربية من المظاهرات، والاعتصامات، والمسيرات وغيرها، كل ذلك من التشبه بالنصارى، واليهود، والشيوعيين، وغيرهم.

([9]) وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص104)، و«التيسير بشرح الجامع الصغير» له (ج2 ص410).

([10]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (434)، ومسلم في «صحيحه» (528) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([11]) فليحذر المسلم من الوقوع في التشبه بأهل الفساد.

([12]) وانظر: «من تشبه بقوم فهو منهم» للعقل (ص4).

([13]) فالتشبه بهؤلاء يوقع المسلم بالتبعية، والتقليد لهم في العبادات والعادات، وفي هذا مشاقة لله تعالى، ولرسوله r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وفي هذا وعيد شديد.

     قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

([14]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص959)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([15]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص 274)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1631).

([16]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص482)، و«البدع في الدين» للشيخ أحمد البنعلي (ج4 ص167).

     قلت: وإن التشبه يكون جزئيا؛ كما يكون كليا، والله المستعان.

     وانظر: «فيض القدير» للمناوي (ج6 ص104).

([17]) ولقد ظهر هذا الشبه في الجماعات الإسلامية اليوم حيث تشبهوا باليهود والنصارى، وبفارس الروم في تفرقهم، وسياستهم، وأفكارهم، ولباسهم، وغير ذلك، ثم تدعي هذه الجماعات أنها ضد النصارى في الغرب، وضد فارس في إيران، والله المستعان.

([18]) لكن ليس الحديث إخبارا عن جميع الأمة، لما تواتر عنه r أنها لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من أمته قائمة على الحق، وهي أمة الإجابة.

          وانظر: «تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (ج1 ص750)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص197)، و«نظم المتناثر من الحديث المتواتر» للكتاني (ص161).

([19]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1310).

([20]) قلت: ومن اختصاص الكفار كثرة اللعب واللهو في الحياة الدنيا، فمن قلدهم في لعبهم ولهوهم، وأكثر من ذلك فقد شابه الكفار، ووقع في المحرم المنهي عنه، كذلك من تعلم السياسة الغربية، ونشرها في بلدان المسلمين فقد شابههم، والعياذ بالله.

([21]) ولا يقصد النبي r أمة الإجابة التي استجابت لله تعالى، ولرسوله r في الأصول والفروع.

     فهذه الأمة لا تقع في مشابهة الكافرين، والمبتدعين، والسياسيين الجهلة، جملة وتفصيلا، فهي محفوظة من الله تعالى في كل زمان، وحفظ دينها إلى قيام الساعة.

     فالأمر إنه ستبقى أمة الإجابة، وهم الذين على السنة لا يتشبهون بالهالكين، وستبقى متمسكة بالحق، لا يضرها من خذلها، ولا من عاداها في كل زمان إلى قيام الساعة، والله تكفل بالحفظ.

([22]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5892)، ومسلم في «صحيحه» (259).

([23]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3462).

([24]) وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص468).

([25]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5426)، و(5632)، و(5633)، و(5831)، و(5837)، ومسلم في «صحيحه» (2067).

([26]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ص215).

([27]) القذة: ريش السهم واحدتها قذة، ومعنى: حذو القذة بالقذة؛ أي: كما تقدر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع، يضرب مثلا للشيئين يستويان، ولا يتفاوتان.

     انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج4 ص28).

([28]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن المقرئ في «المعجم» (ص199).

     وإسناده صحيح.

([29]) وانظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» للأبي حيان (ج3 ص496)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص218).

([30]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص132)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan