الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / نثر ورود الأفراح في شرح نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح
نثر ورود الأفراح في شرح نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح
سلسلة أهل الأثر في مملكة البحرين |
سلسلة ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار
|
نثر ورود الأفراح
في
شرح نيل الفلاح
في صحيح أذكار المساء والصباح
لفضيلة الشيخ
فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
شرح الشيخة الفقيهة أم عبدالرحمن الجودر الأثرية
حفظها الله
شعارنا: أمن وأمان في الأوطان |
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر وأتمم بالخير
المقدمة الأثرية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70-71].
أما بعد…
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي مـحـمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
* فلا ريب أن ذكر الله تعالى، ودعاءه هو خير ما أمضيت فيه الأوقات، وصرفت فيه الأنفاس، وأفضل ما تقرب به العبد إلى ربه تعالى، وهو مفتاح لكل خير يناله العبد في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾ [الأحزاب:35].
وقال تعالى: ﴿يا أيها الذيـن آمـنـوا اذكـروا الله ذكـرا كـثـيـرا﴾ [الأحزاب:41].
* فأمر تعالى بذكره بالكثرة، وذلك لشدة حاجة العبد إلى ذلك، وافتقاره إليه أعظم الافتقار، وعدم استغنائه عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله تعالى كانت عليه لا له، وكان خسرانه فيها أعظم مما ربح في غفلته عن الله تعالى، وندم على ذلك ندما شديدا عند لقاء الله يوم القيامة.([1])
قلت: والمشروع للمسلم الكريم هو أن يذكر الله تعالى بما شرع، وأن يدعوه بالأدعية المأثورة الصحيحة، وقد نهى الله تعالى عن الاعتداء في الذكر والدعاء، فينبغي لنا أن نتبع فيه ما شرع، وسن في الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (22/510): (لا ريب أن الأذكار، والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنه لسان، ولا يحيط به إنسان). اهـ
قلت: ولهذا فإنه إذا اجتمع للعبد في هذا الباب لزوم الأذكار النبوية، والأدعية المأثورة مع فهم معانيها، ومدلولاتها، وحضور القلب عند الذكر، فقد كمل نصيبه من الخير، واطمئن قلبه بذكر الله تعالى.
قال تعالى: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللـه ألا بذكر اللـه تطمئن القلوب﴾ [الرعد:28].
قال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص247): (وأفضل الذكر، وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكر معانيه، ومقاصده).اهـ
قلت: ولما كان الأمر بهذه المنزلة، وعلى هذا القدر من الأهمية نشأت عندي رغبة في شرح أذكار المساء والصباح التي ألفها زوجي؛ فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري حفظه الله باختصار، لبيان فقهها، وما اشتملت عليه من معان عظيمة، ومدلولات كبيرة، وسميت هذا الشرح المختصر: «نثر ورود الأفراح في شرح نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح».
* ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لزوجي فضيلة الشيخ فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري حفظه الله، الذي تفضل مشكورا بقراءة هذا الشرح، ومراجعته، والتعليق عليه.
هذا وأســألــه سبحانه أن يتقبل مني عملي هذا، وسائر أعمالي، وأن يجعله لوجهه خالصا، ولسنة نبيه موافقا، ولعباده نافعا، إنه سميع مجيب قريب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
أم عبد الرحمن الأثرية
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر، وأعن فإنك نعم المعين
«الذكر الأول»
عن عبد الله بن مسعود t، قال: كان نبي الله r إذا أمسى، قال: «أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر، وإذا أصبح، قال: ذلك أيضا أصبحنا وأصبح الملك لله».
وفي رواية: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، وسوء الكبر، وفتنة الدنيا، وعذاب القبر».
وفي رواية أخرى: «ومن سوء الكبر، أو الكفر».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/2088 و2089).
الشرح الأثري:
1) [إذا أمسى]؛ أي: إذا دخل في المساء.
2) [إذا أصبح]؛ أي: إذا دخل في الصباح.
3) [أمسينا]؛ دخلنا في المساء متلبسين بنعمة، وحفظ من الله تعالى.
4) [أصبحنا]؛ دخلنا في الصباح.
5) [وأمسى الملك لله]؛ أي: استمر دوام الملك، والتصرف لله تعالى.
6) [والحمد لله]؛ الثناء على الله عز وجل من كل وجه، في أسمائه، وصفاته، وأفعاله الباهرة في عباده.
7) [لا إله إلا الله]؛ أي: لا معبود حق إلا الله.
8) [وحده لا شريك له]؛ أي: لا شريك له، لا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته.
9) [له الملك وله الحمد]؛ الملك له وحده، وله الحمد؛ أي: الثناء الكامل، ومن كل وجه لا يكون إلا له سبحانه وتعالى.
10) [وهو على كل شيء قدير]؛ أي: كمال القدرة في كل شيء لك وحدك.([2])
قلت: وينبغي أن نلاحظ أن كلمة التوحيد: «لا إله إلا الله» مشتملة على ركنين، لا يتحقق التوحيد إلا بهما، وهما: النفي، والإثبات، فـ«لا إله»، نافية لجميع المعبودات، و«إلا الله»؛ مثبتة العبادة لله تعالى وحده.
قلت: ولعظم هذا الأمر، وجلالة شأنه أكده؛ بقوله r: «وحده لا شريك له»، فقوله r: «وحده» فيه تأكيد للإثبات، وقوله r: «لا شريك له»، فيه تأكيد للنفي، وهذا تأكيد من بعد تأكيد؛ اهتماما بمقام التوحيد، وتعلية لشأنه.
قلت: ولما أقر لله بالوحدانية أتبع ذلك بالإقرار له؛ بالملك، والحمد، والقدرة على كل شيء... فالملك: كله لله تعالى، وبيده ملكوت كل شيء، والحمد: كله له ملكا، واستحقاقا، وهو سبحانه على كل شيء قدير، فلا يخرج عن قدرته شيء: ﴿وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا﴾ [فاطر:44].
* والقدير: القدر، والقدرة، والمقدار؛ القوة.
وقدر عليه يقدر، ويقدر، وقدر قدرة، واقتدر، وهو قادر، وقدير.
والاسم: من كل ذلك المقدرة، والمقدرة، والمقدرة.
والاقتدار على الشيء: القدرة عليه.
وقدير: فعيل، وفعيل من أبنية المبالغة؛ وفعيل إنما هو للمبالغة في الوصف.([3])
قال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/301): (القدير: كامل القدرة، بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئا قال له: «كن فيكون»، وبقدرته يقلب القلوب، ويصرفها على ما يشاء ويريد).اهـ
وقال الفقيه الحليمي / في «المنهاج» (1/198): (القدير: وهو التام القدرة، لا يلبس قدرته عجز بوجه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «النونية» (2/218):
وهو القدير ولا يعجزه إذا
ما رام شيئا قط ذو سلطان
قلت: فالله تعالى على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء.
قال تعالى: ﴿أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا﴾ [فاطر: 44].
وقال تعالى: ﴿ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير﴾ [البقرة: 20].
وقال تعالى: ﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير﴾ [البقرة: 106].
وقال تعالى: ﴿يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير﴾ [المائدة: 40].
وقال تعالى: ﴿وهو على كل شيء قدير﴾ [الملك: 1].
11) [رب أسألك]؛ أي: يا رب إني أسألك.
12) [خير ما في هذه الليلة]؛ أي: أسألك الخيرات التي تحصل في هذه الليلة من خيرات الدنيا والآخرة، فأما خيرات هذه الدنيا؛ فهي: حصول النعمة والأمن والسلامة من طوارق الليل وحوادثه ونحوها، وأما خيرات الآخرة؛ فهي: حصول التوفيق؛ لإحياء اليوم والليل بالصلاة والتسبيح، وقراءة القرآن، والأعمال الصالحة، ونحو ذلك.
13) [وخير ما بعدها]؛ أي: أسألك الخيرات التي تعقب هذه الليلة.
14) [وأعوذ بك]؛ أي: ألتجئ، وأعتصم بك؛ لأنه سـبـحانه وتعالى هو الملاذ، وهو المعاذ، واللياذ لطلب الخير، والعياذ للفرار من الشر.
قلت: فالاستعاذة بالله تعالى عبادة عظيمة يجب إفراده سبحانه بها، وعدم إشراك شيء آخر معه فيها، وهذا من تحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله تعالى وحده، الذي هو أساس سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة.
* وأما الاستعاذة بغير الله تعالى من الخلق؛ فإنها طغيان، وشر عظيم، وشرك به، كما قال تعالى حكاية عن مؤمني الجن: ﴿وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا﴾ [الجن:6].
15) [من الكسل]؛ وهو عدم انبعاث النفس للخير، مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذورا بخلاف العاجز؛ فإنه معذور؛ لعدم القدرة، وفقدان الاستطاعة.
قلت: فالكسل يلام عليه العبد ما لا يلام على العجز.
* والكسل لغة:
الكسل مأخوذ من مادة: «ك، س، ل» التي تدل على التثاقل عن الشيء، والقعود عن إتمامه، والفتور عنه.
يقال: كسل عنه، بالكسر، كسلا، فهو: كسل، وكسلان، والجمع: كسالى، وكسالى، وكسلى.
والأنثى: كسلة، وكسلانة.
والمكسال، والكسول: التي لا تكاد تبرح من مجلسها، وهو مدح لها. ([4])
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (5/1810): (الكسل: التثاقل عن الأمر، وقد كسل؛ بالكسر، فهو كسلان.
والكسل: التثاقل عما لا ينبغي أن يتثاقل عنه.
والفعل: كسل، يكسل كسلا، ويقال: فلان لا تكسله الـمـكاسـل، يقول: لا تثقله وجوه الكسل.
وامرأة مكسال: فاترة عن التحرك، وهذا الأمر مكسلة؛ أي: يؤدي إلى الكسل، ومنه: الشبع مكسلة، وقد كسله تكسيلا). اهـ
* والكسل اصطلاحا:
الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه.
قال المناوي الفقيه / في «التوقيف» (ص281): (الكسل: التغافل عما لا ينبغي التغافل عنه، ولذلك عد مذموما، وضده النشاط). اهـ
قلت: ومن تعود الكسل، ومال إلى الراحة، فقد تعطل، وتبطل وانسلخ من الإنسانية، وفقد الراحة والسعادة الحقيقية، وصار من جنس الموتى.
فإياك والكسل، والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت لم تصبر على الحق، ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية.
وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب لئلا تتعب. ([5])
* أقسام الكسل:
الكسل قسمان:
الأول: كسل العقل بعدم إعماله في التفكر والتدبر والنظر في آلاء الله تعالى من ناحية، وفي تركه النظر إلى ما يصلح شأن الإنسان ومن حوله في الدنيا التي فيها معاشه، وفي الدين الذي به حياته.
الثاني: كسل البدن بما يشتمل عليه من الجوارح، وينجم عن هذا الكسل تأخر الأفراد في الدنيا والدين.
قال تعالى: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا﴾ [النساء: 142 و143].
* مضار صفة الكسل:
1- يؤدي إلى موت الهمم، وقبر النبوغ.
2- طريق موصل إلى استباحة أموال الناس بغير حق.
3- ينم عن عجز الإنسان، وبعده عن ربه تعالى.
4- دليل على سقوط الهمة.
5- مظهر من مظاهر تأخر الناس الكسالى في الدنيا والدين.
6- يورث الذل، والهوان.
16) [وسوء الكبر]؛ أراد به ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل، والتخبط في الرأي، وغير ذلك مما يسوء به الحال.([6])
17) [رب]؛ أي: أسألك بربوبيتك.
18) [أعوذ بك]؛ أي: ألتجئ، وأعتصم بك.
19) [من عذاب في النار، وعذاب في القبر]؛ وذلك لشدة عذاب القبر والنار من بين سائر أعذبة يوم القيامة، أما القبر؛ فلأنه أول منزل من منازل الآخرة؛ ولأنه إذا نجي العبد في القبر نجي مما بعده من العذاب، وأما النار: لكون أن عذاب النار شديد، ولذلك أعوذ، وألتجئ إلى الله عز وجل للسلامة منها، يا رب سلم سلم.
* وعذاب في القبر؛ العذاب: النكال، والعقوبة.
يقال: عذبته تعذيبا، وعذابا.
وهو اسم لما استمر ألمه، وأصله: الضرب.
ومنه: قوله تعالى: ﴿لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم﴾ [يس:18]؛ أي: ضربا مؤلما، ويقال: عذبته تعذيبا، وعذابا من العذاب. ([7])
قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص207): (عذبته: «تعذيبا»؛ عاقبته، والاسم: العذاب، وأصله في كلام العرب الضرب، ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة، واستعير للأمور الشاقة؛ فقيل: «السفر قطعة من العذاب») ([8]). اهـ
قلت: وعذاب القبر يقع على الروح والجسد. ([9])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (4/282): (بل العذاب، والنعيم: على النفس والبدن جميعا، باتفاق أهل السنة والجماعة). اهـ
قلت: فيكون النعيم، والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين. ([10])
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (1/155): (وهذا بين في أن العذاب على الروح والبدن مجتمعين). اهـ
وقال الحافظ السيوطي / في «شرح الصدور» (ص247): (ومحله الروح والبدن باتفاق أهل السنة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (2/568)؛ عمن تتوفاهم الملائكة وهم ظالموا أنفسهم: (يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها). اهـ
وعن ابن عباس ﭭ؛ أن النبي r مر بقبرين، فقال r: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة رطبة، فشقها نصفين، فقال r: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). ([11])
وفي رواية: (ثم غرز على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا).
وفي رواية: (فسمع صوت إنسانين ويعذبان في قبورهما، فقال r: يعذبان).
وعن أبي أيوب الأنصاري t قال: خرج النبي r، وقد وجبت الشمس، فسمع صوتا؛ فقال r: (يهود تعذب في قبورها). ([12])
قال تعالى: ﴿إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم * أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ﴾ [محمد:25-29].
وقال تعالى: ﴿ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد * كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب﴾ [الأنفال:50-52].
وقال تعالى: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ﴾ [المؤمنون:99-104].
قلت: فتعوذوا بالله من عذاب القبر، وتعوذوا بالله من عذاب النار.
فعن عائشة ڤ قالت: (دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل علي رسول الله r، فقلت له: يا رسول الله، إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي، فزعمتا: أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال r: صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم، قالت: فما رأيته بعد في صلاة، إلا يتعوذ من عذاب القبر). ([13])
وسئل الإمام ابن القيم / في «الروح» (1/223)؛ عن أسباب عذاب القبر، فقال /: (المسألة التاسعة: وهي قول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟
* فجوابها من وجهين: مجمل ومفصل.
* أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم بالله تعالى، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذب الله تعالى روحا عرفته، وأحبته، وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا بدنا كانت فيه أبدا، فإن عذاب القبر، وعذاب الآخرة أثر غضب الله تعالى وسخطه على عبده، فمن أغضب الله تعالى وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب، ومات على ذلك؛ كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله تعالى وسخطه عليه؛ فمستقل، ومستكثر، ومصدق، ومكذب.
* وأما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي r عن: «الرجلين الذين رآهما يعذبان في قبورهما؛ يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول» ([14])، فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه، وإن كان صادقا، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة بالكذب، والزور والبهتان أعظم عذابا، كما أن في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة التي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها، فهو أشد عذابا.
* وقد تقدم حديث سمرة بن جندب t في «صحيح البخاري»؛ في: «تعذيب من يكذب الكذبة، فتبلغ الآفاق؛ وتعذيب من يقرأ القرآن، ثم ينام عنه بالليل، ولا يعمل به بالنهار؛ وتعذيب الزناة، والزواني؛ وتعذيب آكل الربا» ([15])، كما شاهدهم النبي r في البرزخ.
* فعذاب القبر من معاصي: «القلب»، و«العين»، و«الأذن»، و«الفم»، و«اللسان»، و«البطن»، و«الفرج»، و«اليد»، و«الرجل»، و«البدن» كله.
* فـ«الكذاب»، و«النمام»، و«المغتاب»، و«شاهد الزور»، و«قاذف المحصن»، و«الموضع في الفتنة»، و«الداعي إلى البدعة»، و«القائل على الله تعالى، ورسوله ما لا علم له به»، و«المجازف في كلامه»، و«آكل الربا»، و«آكل أموال اليتامى»، و«آكل السحت من الرشوة، والبرطيل([16])، ونحوهما»، و«آكل مال أخيه المسلم بغير حق، أو مال المعاهد»، و«شارب المسكر»، و«آكل لقمة الشجرة الملعونة»، و«الزاني»، و«اللوطي» ([17])، و«السارق»، و«الخائن»، و«الغادر»، و«المخادع»، و«الماكر»، و«آخذ الربا، ومعطيه، وكاتبه، وشاهداه»، و«المحلل، والمحلل له»، و«المحتال على إسقاط فرائض الله تعالى، وارتكاب محارمه»، و«مؤذي المسلمين»، و«متتبع عوراتهم».
* و«الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى»، و«المفتي بغير ما شرعه الله تعالى»، و«المعين على الإثم والعدوان»، و«قاتل النفس التي حرم الله»، و«الملحد في حرم الله»، و«المعطل لحقائق أسماء الله تعالى، وصفاته، الملحد فيها، والمقدم رأيه، وذوقه، وسياسته على سنة رسول الله r».
* و«النائحة»، و«المستمع إليها»، و«نواحو جهنم؛ وهم: المغنون الغناء الذي حرمه الله ورسوله»، و«المستمع إليهم»، و«الذين يبنون المساجد على القبور، ويوقدون عليها القناديل، والسرج»، و«المطففون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه، وهضم ما عليهم إذا بذلوه»، و«الجبارون»، و«المتكبرون»، و«المراؤون»، و«الهمازون»، و«اللمازون»، و«الطاعنون على السلف»، و«الذين يأتون الكهنة، والمنجمين، والعرافين؛ فيسألونهم، ويصدقونهم»، و«أعوان الظلمة؛ الذين قد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم»، و«الذي إذا خوفته بالله وذكرته به لم يرعو، ولم ينزجر، فإذا خوفته بمخلوق مثله خاف وارعوى وكف عما هو فيه».
* و«الذي يهدى بكلام الله تعالى، ورسوله r، فلا يهتدي، ولا يرفع به رأسا، فإذا بلغه عمن يحسن به الظن؛ ممن يصيب ويخطئ، عض عليه بالنواجذ، ولم يخالفه»، و«الذي يقرأ عليه القرآن فلا يؤثر فيه، وربما استثقل به، فإذا سمع قرآن الشيطان، ورقية الزنا، ومادة النفاق؛ طاب سره وتواجد وهاج من قلبه دواعي الطرب، وود أن المغني لا يسكت»، و«الذي يحلف بالله، ويكذب، فإذا حلف بالبندق([18]) أو برأس شيخه أو تربته أو سراويل الفتوة، أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذب، ولو هدد، وعوقب».
* و«الذي يفتخر بالمعصية، ويتكثر بها بين إخوانه، وأضرابه، وهو: المجاهر»، و«الذي لا تأمنه على مالك، وحرمتك»، و«الفاحش اللسان، البذيء الذي تركه الخلق اتقاء شره، وفحشه»، و«الذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، وينقرها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلا»، و«لا يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه»، و«لا يحج مع قدرته على الحج»، و«لا يؤدي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها»، و«لا يتورع من لحظة ولا لفظة ولا أكلة ولا خطوة»، و«لا يبالي بما حصل من المال؛ من حلال أو حرام»، و«لا يصل رحمه»، و«لا يرحم المسكين، ولا الأرملة، ولا اليتيم، ولا الحيوان البهيم، بل يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين»، و«يرائي للعالمين»، و«يمنع الماعون»، و«يشتغل بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذنبه».
* فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم، بحسب كثرتها، وقلتها، وصغيرها، وكبيرها.
* ولما كان أكثر الناس كذلك، كان أكثر أصحاب القبور؛ معذبين، والفائز منهم قليل.
* فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات، وعذاب.
* ظواهرها بالتراب، والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات تغلي بالحسرات، كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها، وأمانيها.
* تالله لقد وعظت، فما تركت لواعظ مقالا، ونادت يا عمار الدنيا لقد عمرتم دارا موشكة بكم زوالا، وخربتم دارا أنتم مسرعون إليها انتقالا، عمرتم بيوتا لغيركم منافعها وسكناها، وخربتم بيوتا ليس لكم مساكن سواها، هذه دار الاستيفاء، ومستودع الأعمال، وبيدر الزرع.
* هذه محل العبر، رياض من رياض الجنة، أو حفر من حفر النار). اهـ
قلت: ومما ينبغي أن يعلم؛ أن عذاب القبر: هو عذاب البرزخ.
* فكل من مات، وهو مستحق للعذاب، ناله نصيبه منه، قبر، أو لم يقبر.
* فلو أكلته السباع، أو أحرق حتى صار رمادا، أو نسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر؛ وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور. ([19])
20) [وسوء الكفر]؛ أي: سوء عاقبة الكفر، وهو شدة أنواع المعاصي الذي يعصي العبد بها ربه العظيم.([20])
* والكفر لغة: مصدر؛ قولهم: كفر يكفر كفرا، وهو مأخوذ من مادة: «ك، ف، ر» التي تدل على الستر، والتغطية.
والكفر: ضد الإيمان، سمي بذلك؛ لأنه تغطية الحق.
وكذا كفران النعمة: جحودها، وسترها.
وجمع الكافر: كفار، وكفرة، وكفار؛ مثل: جائع، وجياع، ونائم، ونيام.
وجمع الكافرة: الكوافر.
ويقال؛ إنما سمي: الكافر كافرا؛ لأن الكفر غطى قلبه كله، وكل من ستر شيئا فقد كفره، وكفره.
والكفور: المبالغ في كفران النعمة.
والكفار: أبلغ من الكافر.
ويقال: كفر فلان؛ إذا اعتقد الكفر.
ويقال: كفر إذا أظهر الكفر، وإن لم يعتقد. ([21])
قال تعالى: ﴿إن الإنسان لكفور﴾ [الزخرف: 15].
وقال تعالى: ﴿كل كفار عنيد﴾ [ق: 24].
وقال تعالى: ﴿من كفر فعليه كفره﴾ [الروم: 44].
وقال تعالى: ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ [البقرة: 41].
وقال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (5/191): (يقال: لمن غطى درعه بثوب: قد كفر درعه.
والمكفر: الرجل المتغطي بسلاحه، والكفر ضد الإيمان). اهـ
وقال الراغب اللغوي / في «مفردات ألفاظ القرآن» (ص434): (الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزراع لسترهم البذر في الأرض). اهـ
قال تعالى: ﴿أعجب الكفار نباته﴾ [الحديد: 20].
والكفار هنا: الزراع؛ لأنهم يغطون البذر، وهذا معنى من معاني الآية. ([22])
قلت: ويتبين مما سبق أن الكفر معناه: التغطية والستر.
* والكفر شرعا: ضد الإيمان، فإن الكفر: عدم الإيمان بالله، ورسله، سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل مجرد شك وريب، أو إعراض، أو حسد، أو كبر، أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتباع الرسالة، وإن كان المكذب أعظم كفرا، وكذلك الجاحد، والمكذب حسدا؛ مع استيقان صدق الرسل عليهم السلام. ([23])
* أنواع الكفر:
الكفر نوعان:
1- كفر أصغر.
2- وكفر أكبر.
* فأما الكفر الأصغر: هو موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، فهو لا يخرج من الملة، ويسمى: الكفر العملي. ([24])
وهذا الكفر لا يصل إلى حد الكفر الأكبر.
* ومثال الكفر الأصغر:
مثل: كفر النعمة؛ قال تعالى: ﴿وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله﴾ [النمل: 112].
ومثل: قتل المسلم؛ فعن ابن مسعود t قال، قال رسول الله r: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر). ([25])
وعن ابن عمر ﭭ، عن النبي r قال: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض). ([26])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (اثنتان في الناس، هما بهما كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت). ([27])
* الكفر الأكبر: وهو خمسة أنواع؛
1- كفر إنكار، وإعراض، وتول.
2- وكفر جحود، وتكذيب.
3- وكفر معاندة ومكابرة، وهو كفر العناد والإباء، والاسـتـكبار والامتناع، مع التصديق.
4- وكفر نفاق.
5- وكفر شك، وظن، وريب. ([28])
قلت: ومن لقي ربه سبحانه بشيء من ذلك: لم يغفر له، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
* فأما كفر الإنكار، والإعراض، والتولي: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، فهو معرض بسمعه، وقلبه ولسانه عـن الــرســول r مطلقا.
قال تعالى: ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة: 6].
وقال تعالى: ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ [الأحقاف: 3].
قلت: والإعراض عن الشيء؛ الصدود عنه، والتولي عنه، وعدم الإقبال إليه.
* فمعنى الإعراض: عدم الانقياد والامتثال والإذعان، وذلك بترك العمل والصدود عن الشريعة، والتولي عن الطاعة، وعدم الاستماع لأوامر الله تعالى، وعدم المبالاة بها، وعدم القبول لها.
قال تعالى: ﴿ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون﴾ [النور: 47 و48 و49 و50].
وقال تعالى: ﴿بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون﴾ [الأنبياء: 24].
وقال تعالى: ﴿قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران: 32].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (2/336): (قوله تعالى: ﴿فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ [آل عمران: 32]؛ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى، وزعم في نفسه أنه محب لله تعالى، ويتقرب إليه؛ حتى يتابع الرسول r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/367): (وأما كفر الإعراض، فأن يعرض بسمعه، وقلبه عن الرسول r، لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الثاني: كفر الإباء، والاستكبار مع التصديق، والدليل؛ قوله تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ [البقرة: 34]). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الرابع: كفر الإعراض: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿والذين كفروا عما أنذروا معرضون﴾ [الأحقاف: 3]). اهـ
* وأما كفر الجحود، والتكذيب: فهو أن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، بل هو يكذب الرسل – عليهم السلام – مع معرفته بصدقهم في قلبه.
فهذا الكافر جاحد؛ ككفر كفار قريش، وغيرهم من الكفرة.
قال تعالى: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ [البقرة: 89]؛ يعني: كفر الجحود.
وقال تعالى: ﴿فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون﴾ [الأنعام: 33].
وقال تعالى: ﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾ [النمل: 14].
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الأول: كفر التكذيب: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين﴾ [العنكبوت: 68]).اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (10/85): (لا يجحدها إلا معاند للإسلام، يمتنع من التزام الأحكام، غير قابل لكتاب الله تعالى ولا ســنــة رســولــه r).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/364): (فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل – عليهم السلام –، وهذا القسم قليل في الكفار.
* فإن الله تعالى أيد رسله – عليهم السلام –، وأعطاهم من البراهين، والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة.
وأما كفر الجحود؛ فهو نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص.
فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله تعالى، وإرساله الرسول r.
والخاص المقيد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله تعالى بها نفسه، أو خبرا أخبر الله تعالى به عمدا، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض). اهـ
* وأما كفر المعاندة والمكابرة، وهو كفر: الإباء والامتناع، والاستكبار والعناد([29]) مع التصديق: فهو أن يعرف بقلبه، ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل الإيمان؛ ككفر إبليس، وكفر أبي طالب، فإنه عرف بقلبه أن الإسلام هو الحق، وقد أقر ذلك بلسانه، لكنه عاند، وكابر على الكفر.
قال تعالى: ﴿يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها﴾ [الجاثية: 8].
وقال تعالى: ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين﴾ [البقرة: 34].
وقال تعالى: ﴿إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ [غافر: 60].
وقال تعالى: ﴿قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين﴾ [ص: 75].
وقال تعالى: ﴿وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا﴾ [نوح: 7].
وقد حكى الله تعالى: عن فرعون وقومه هذا الإباء والاستكبار، فقال تعالى: ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾ [المؤمنون: 47].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الأوسط» (7/534): (وكفر إبليس، وفرعون، واليهود، ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم؛ فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسجود: فأبى، واستكبر، وكان من الكافرين: فكفره بالإباء، والاستكبار، وما يتبع ذلك لا لأجل تكذيب). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/364): (وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله تعالى، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار.
* ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول r، وأنه جاء بالحق من عند الله تعالى، ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل عليهم السلام، كما حكى الله تعالى، عن فرعون وقومه: ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾ [المؤمنون: 47]). اهـ
قلت: فهذا الكفر هو: الرفض، وعدم القبول، والتأبي، وعدم الانقياد.
* وأما كفر النفاق: فإنه يكفر بقلبه، ويقر بلسانه، يعني: أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر.
فالنفاق: هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر، وأساسه التكذيب.
قال تعالى: ﴿ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ [المنافقون: 3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (28/434): (فمن النفاق ما هو أكبر ويكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار؛ كنفاق عبد الله بن أبي وغيره: بأن يبطن تكذيب الرسول r، أو جحود بعض ما جاء به، أو بغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه؛ ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه؛ إلا عدوا لله تعالى، ورسوله r.
* وهذا القدر كان موجودا في زمن رسول الله r، وما زال بعده؛ بل هو بعده أكثر منه على عهده r). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان الأوسط» (7/471): (أن الزنديق: في عرف هؤلاء الفقهاء هو: المنافق الذي كان على عهد النبي r، وهو أن يظهر الإسلام، ويبطن غيره، سواء أبطن دينا من الأديان؛ كدين: اليهود، والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلا جاحدا للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة، والامتناع).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/367): (وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الخامس: كفر النفاق: والدليل؛ قوله تعالى: ﴿ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون﴾ [المنافقون: 3]). اهـ
* وأما كفر الشك([30]): فإنه لا يجزم بصدقه، ولا يكذبه، بل يشك في أمره.
* وهذا لا يستمر شكه؛ إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول r جملة، فلا يسمعها، ولا يلتفت إليها.
وأما مع التفاته إليها، ونظره فيها: فإنه لا يبقى معه شك.
قلت: فيحصل في قلبه التردد، والتذبذب، والشك في أحكام الأصول والفروع، وفيما تدل عليه من معاني، أو الشك في رسالة النبي r، أو في شيء مما جاء به من الأحكام، أو الشك في عدم بطلان جميع الأديان، وكفر أتباعها، والتوقف في كفر المشركين، وأنه يمكن الاجتماع بين الإسلام، وملل الكفر من اليهودية، والنصرانية، وغيرها، أو الشك في الغيبيات من عذاب القبر، وفي اليوم الآخر، والبعث، والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك، أو الشك في وجود الله تعالى.
* فمن كان كذلك فقد ارتد بذلك الوصف عن الإسلام.
قال تعالى: ﴿وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب * قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض﴾ [إبراهيم: 9 و10].
وقال تعالى: ﴿إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون﴾ [التوبة: 45]، فجعل الله تعالى الشك، والارتياب من النفاق الأكبر، والذي يكفر صاحبه.
* وهذا يدل أن الشك من كفر النفاق، وصفة المنافق، فعلاقة الشك بالنفاق واضحة.
قال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الضياء الشارق» (ص374): (وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر، والشك: هو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول r، ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث، ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة، ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنا، ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء، ولا عذر لمن حاله هكذا بكونه لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته، لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها، وقد أخبر الله عن الكفار أنهم لم يفهموا؛ فقال تعالى: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا﴾ [الإسراء: 46]؛ والآيات في هذا المعنى كثيرة).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/367): (وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه، ولا يكذبه، بل يشك في أمره.
* وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول r جملة، فلا يسمعها، ولا يلتفت إليها.
* وأما مع التفاته إليها، ونظره فيها؛ فإنه لا يبقى معه شك). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «عقيدة التوحيد» (ص101): (القسم الثامن: كفر الشك: وهو كفر الظن). اهـ
21) [والهرم]؛ أي: وأعوذ بك من الهرم، وهو البلوغ في العمر إلى سن تضعف فيه الحواس والقوى، ويضطرب فيه الفهم والعقل، وهو أرذل العمر.
22) [وفتنة الدنيا]؛ وهو تعوذ من فتنة الدنيا، وفتنتها التي من شأنها أن تلهي عن عبادة الله تعالى.([31])
قال تعالى: ﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب﴾ [آل عمران:14].
* والفتنة لغة: مصدر؛ كالفتن والفتون.
* وكل ذلك مأخوذ من مادة: «ف، ت، ن»، التي تدل على: الابتلاء والاختبار.
يقال: فتنت الذهب بالنار؛ إذا امتحنته.
والفتن: إحراق الشيء بالنار، كالورق الفتين، أي: المحترق.
قال تعالى: ﴿يوم هم على النار يفتنون﴾ [الذاريات:13]؛ أي: يحرقون.
وقال تعالى: ﴿إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات﴾ [البروج:10]؛ الفتنة: يعني؛ الحرق بالنار.
* ويفتنون بدينهم؛ أي: يعذبون ليردوا عن دينهم.
ومنه: قوله تعالى: ﴿والفتنة أشد من القتل﴾ [البقرة:191]؛ الفتنة هنا: العذاب.
وقال تعالى: ﴿ذوقوا فتنتكم﴾ [الذاريات:14]؛ يعني: عذابكم.
وقال تعالى: ﴿فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله﴾ [العنكبوت:10].
والفتنة: أن يفتن الله تعالى قوما؛ أي: يبتليهم.
الفتنة: بمعنى؛ المفتون: وهو المجنون.
قال تعالى: ﴿بأيكم المفتون﴾ [القلم:6].
المفتون هنا: المجنون.
والفتنة: المعذرة.
قال تعالى: ﴿ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين﴾ [الأنعام:23]؛ يعني: ثم لم تكن معذرتهم.
والفتنة: الفضيحة.
قال تعالى: ﴿من يرد الله فتنته﴾ [المائدة:46]؛ يعني: فضيحته.
والفتنة: الضلال.
قال تعالى: ﴿واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة﴾ [الأنفال:25].
والفتنة: الغفلة.
قال تعالى: ﴿بأيكم المفتون﴾ [القلم:6].
والفتن: ما يقع بين الناس من الحروب.
والفتان: الشيطان الذي يفتن الناس بخداعه، وغروره، وتزيينه للباطل.
والفتنة: الاختبار.
قال تعالى: ﴿وفتناك فتونا﴾ [طه:40].
وقال تعالى: ﴿ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا﴾ [التوبة:49].
والمعنى: لا تبلني، ولا تعذبني، وهم يقولون هذا، وقعوا في البلية والعذاب.
والفتنة: إعجابك بالشيء، والجمع: فتن.
والفتنة: الابتلاء، والامتحان، والاختبار.
قال تعالى: ﴿الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾ [العنكبوت:1-2].
والفتنة: المحنة.
قال تعالى: ﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين﴾ [التوبة:126].
وقال تعالى: ﴿تكن فتنة في الأرض وفساد كبير﴾ [الأنفال:73].
والفتنة: المال.
والفتنة: الأولاد.
قال تعالى: ﴿أنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ [التغابن:15].
والفتنة: الكفر.
قال تعالى: ﴿ابتغاء الفتنة﴾ [آل عمران:7]؛ يعني: الكفر.
والفتنة: القتال.
قال تعالى: ﴿إن خفتم أن يفتنكم﴾ [النساء:101]؛ الفتنة هنا: القتل.
والفتنة: اختلاف الناس بالآراء.
والفتنة: الإحراق بالنار.
والفتنة: العذاب.
والفتنة: الظلم.
والفتنة: الدنيا وزينتها؛ يقال: فلان مفتون في طلب الدنيا؛ أي: غلا في طلبها.
والفتنة: تأتي بمعنى: الإثم.
قال تعالى: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة﴾ [النور:63]؛ يعني: إثما.
والفتنة: تأتي بمعنى: الشرك. ([32])
قال تعالى: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله﴾ [البقرة:193]؛ يعني: الشرك.
والفتنة: الصدود.
قال تعالى: ﴿واحذرهم أن يفتنوك﴾ [المائدة:49]؛ يعني: أن يصدوك.
* الفتنة اصطلاحا:
قال الجرجاني اللغوي / في «التعريفات» (ص171): (الفتنة: هي ما يبين به حال الإنسان من الخير، والشر). اهـ
وقال المناوي الفقيه / في «التوقيف» (ص57): (الفتنة: البلية، وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة). اهـ
* أنواع الفتن، وعلاج كل نوع:
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» (2/900): (والفتنة نوعان: فتنة الشبهات، وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات.
وقد يجتمعان للعبد. وقد ينفرد بإحداهما:
ففتنة الشبهات: من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا ســيــما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله تعالى به رسوله r، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾ [النجم: 23].
* وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله، فقال تعالى: ﴿يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سـبـيـل الله إن الذين يضلون عن سبـيـل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب﴾ [ص: 26].
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.
* ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول r، وتحكيمه في دق الدين وجله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يثبته الله من الصفات والأفعال، والأســمــاء، وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات، وأوقاتها، وأعدادها، ومقادير نصب الزكاة، ومستحقيها، ووجوب الوضوء، والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولا في شيء دون شيء من أمور الدين، بل هو رســول في كل شيء تحتاج إليه الأمة؛ في العلم والعمل، لا يتلقى إلا عنه، ولا يؤخذ إلا منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال.
* فإذا عقد قلبه على ذلك، وأعرض عما سواه، ووزنه بما جاء به الرسول r، فإن وافقه قبله، لا لكون ذلك القائل قاله، بل لموافقته للــرســالــة، وإن خالفه رده، ولو قاله من قاله، فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.
* وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فــاســد، وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة، وفساد في الإرادة.
* وأما النوع الثاني من الفتنة؛ ففتنة الشهوات:
وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين: في قوله تعالى: ﴿كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون﴾ [التوبة: 69]؛ أي: تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق: هو النصيب المقدر، ثم قال تعالى: ﴿وخضتم كالذي خاضوا﴾؛ فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات.
* فأشار سبحانه في هذه الآية: إلى ما يحصل به فساد القلوب، والأديان، من الاسـتـمـتـاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين؛ إما أن يكون باعتقاد الباطل، والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق الأعمال.
فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات.
ولهذا كان السلف يقولون: «احذروا من الناس؛ صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه».
وكانوا يقولون: «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون».
وأصل كل فتنة: إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة.
ففتنة الشبهات: تدفع باليقين، وفتنة الشهوات: تدفع بالصبر.
* ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ [السجدة: 24]؛ فدل على: أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
* وجمع بينهما أيضا؛ في قوله تعالى: ﴿وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر: 3]؛ فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.
* وجمع بينهما؛ في قوله تعالى: ﴿واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار﴾ [ص: 45]؛ فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله. وعبارات السلف تدور على ذلك.
* فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة، والله المستعان.
* إذا سلم العبد من فتنة الشبهات، والشهوات؛ حصل له أعظم غايتين مطلوبتين، بهما سعادته وفلاحه وكماله؛ وهما: الهدى، والرحمة.
قال تعالى؛ عن موسى وفتاه: ﴿فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما﴾ [الكهف: 65]؛ فجمع له بين الرحمة والعلم، وذلك نظير قول أصحاب الكهف: ﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾ [الكهف: 10]؛ فإن الرشد: هو العلم بما ينفع، والعمل به.
والرشد والهدى: إذا أفرد كل منها تضمن الآخر، وإذا قرن أحدهما بالآخر، فالهدى هو العلم بالحق، والرشد هو العمل به، وضدهما الغي واتباع الهوى.
وقد يقابل الرشد؛ بالضر والشر، قال تعالى: ﴿قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا﴾ [الجن: 21].
وقال مؤمنو الجن: ﴿وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا﴾ [الجن: 10].
فـالـرشـد: يقابل الغي تارة، كما في قوله تعالى: ﴿وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا﴾ [الأعراف: 146].
ويقابل الضر والشر: كما تقدم، وذلك لأن الغي سبب حصول الشر والضر ووقوعهما بصاحبه.
فالضر والشر غاية الغي وثمرته، كما أن الرحمة والفلاح غاية الهدى وثمرته.
فلهذا يقابل كل منهما بنقيضه وسبب نقيضه.
فيقابل الهدى بالضلال، كقوله تعالى: ﴿يضل من يشاء ويهدي من يشاء﴾ [النحل: 93]، وقوله تعالى: ﴿إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل﴾ [النحل: 37]؛ وهو كثير.
ويقابل بالغضب والعذاب، كقوله تعالى: ﴿فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى﴾ [طه: 123]؛ فقابل الهدى بالضلال والشقاء.
* وجمع سبحانه بين الهدى والفلاح، والهدى والرحمة، كما يجمع بين الضلال والشقاء، والضلال والعذاب: كقوله تعالى: ﴿إن المجرمين في ضلال وسعر﴾ [القمر: 47]؛ فالضلال ضد الهدى، والسعر: العذاب، وهو ضد الرحمة.
وقال تعالى: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ [طه: 124].
والمقصود: أن من سلم من فتنة الشبهات والشهوات؛ جمع له بين الهدى والرحمة، والهدى والفلاح.
قال تعالى عن أوليائه: ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب﴾ [آل عمران: 8]، وقال تعالى: ﴿ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون﴾ [الأعراف: 154]، وقال تعالى: ﴿هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون﴾ [الأعراف: 203]، وقال تعالى: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون﴾ [يوسف: 111]، وقال تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾ [يونس: 57].
فقوله: ﴿هذا بصائر للناس﴾؛ عام مطلق، وقوله: ﴿وهدى ورحمة لقوم يوقنون﴾؛ خاص بأهل اليقين.
ونظير ذلك؛ قوله تعالى: ﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾ [يونس: 57].
ونظيره في الخصوص؛ قوله تعالى: ﴿هدى للمتقين﴾ [البقرة: 2]، وقوله تعالى: ﴿يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام﴾ [المائدة: 16].
ونظيره أيضا؛ قوله تعالى: ﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾ [آل عمران: 138].
* وقد أخبر أنه هدى عام لجميع المكلفين، فقال تعالى: ﴿إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها مـن سـلـطـان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى﴾ [النجم: 23].
* فأخبر سبحانه أن القرآن بصائر لجميع الناس، والبصائر جمع بصيرة، وهي فعيلة بمعنى مفعلة؛ أي: مبصرة لمن يبصر، ومنه قوله تعالى: ﴿وآتينا ثمود الناقة مبصرة﴾ [الإسراء: 59]؛ أي: مبينة، موجبة للتبصر.
* وفعل الإبصار يستعمل لازما ومتعديا، يقال: أبصرته، بمعنى: رأيته، وأبصرته، بمعنى: أريته.
فـ﴿مبصرة﴾؛ في الآية، بمعنى: مرئية، لا بمعنى: رائية، والذين ظنوها بمعنى: رائية غلطوا في الآية، وتحيروا في معناها.
فإنه يقال: بصر به، وأبصره، فيعدى بالباء تارة، والهمزة تارة، ثم يقال: أبصرته كذا، أي: أريته إياه، كما يقال: بصرته به، وبصر هو به.
* فهنا بصيرة، وتبصرة، ومبصرة.
فالبصيرة: المبينة التي تبصر، والتبصرة مصدر، مثل: التذكرة، وسمي بها ما يوجب التبصرة، فيقال: هذه الآية تبصرة، لكونها آلة التبصر، وموجبه.
فالقرآن بصيرة وتبصرة، وهدى، وشفاء، ورحمة، بمعنى عام، وبمعنى خاص، ولهذا يذكر الله سبحانه هذا وهذا، فهو هدى للعالمين، وهدى للمتقين، وشفاء للعالمين، وشفاء للمؤمنين، وموعظة للعالمين، وموعظة للمتقين، فهو في نفسه هدى ورحمة، وشفاء وموعظة.
* فمن اهتدى به، واتعظ، واشتفى كان بمنزلة من اسـتـعــمــل الدواء الذي يحصل به الشفاء، فهو دواء بالفعل، وإن لم يستعمله، فهو دواء له بالقوة، وكذلك الهدى، فالقرآن هدى بالفعل لمن اهتدى به، وبالقوة لمن لم يهتد به، فإنما يهتدى به ويرحم، ويتعظ المتقون الموقنون.
والهدى في الأصل: مصدر هدى يهدي هدى، فمن لم يعمل بعلمه لم يكن مهتديا).اهـ
قلت: لذلك يجب التعوذ من الفتن: فتنة الدنيا، وفتنة القبر، وفتنة العذاب، وفتنة الآخرة، لأن الفتن لها مضار كثيرة؛ فمنها:
1- ضررها أشد من ضرر القتل.
2- هي من أكبر أسباب كثرة إراقة الدماء.
3- خسران في الدنيا، والآخرة.
4- أنها تعمي عن الحق، وعن الصراط المستقيم.
5- الفتنة والشيطان قرينان، ومن ثم فليس لأهل الفتنة سوى النار.
6- تلقي بالشبهات في دين المؤمن.
7- فتنة العبد في أهله؛ قد تصرفه عن الدين.
8- الفتن من أهم عوامل تخلف المجتمعات الإسلامية، وتجعل مقاديرهم في غير أيديهم.
9- من أشد ما يقلب قلب المؤمن.
10- الفتنة تفقد المجتمع عزته، وكرامته في العالم.
11- الفتنة من أهم عوامل خراب المجتمعات؛ وتنهك المسلمين اقتصاديا، واجتماعيا، وصحيا.
12- الفتن تحقق غرض أعداء الدين. ([33])
وعن أبي هريرة t: أن رسول الله r قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم: يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا). ([34])
قلت: فهذا دعاء نافع، وذكر عظيم، وورد مبارك يحسن بالمسلم الكريم أن يحافظ عليه كل صباح، ومساء، تأسيا بالنبي r، واقتداء بهديه القويم، فإن في ذلك الفوز في الدنيا والآخرة، والله ولي التوفيق.
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر الثاني»
وعن أبي هريرة t قال: كان النبي r إذا أصبح قال: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت وإليك النشور».
وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت وإليك المصير».
حديث صحيح
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1199)، وأبو داود في «سننه» (5068)، والترمذي في «سننه» (3391)، وأحمد في «المسند» (2/522).
وإسناده صحيح.
الشرح الأثري:
1) [اللهم]؛ هي بمعنى: يا الله، حذف منها: «ياء النداء»، وعوض عنها «بالميم المشددة»، ولهذا لا يجوز الجمع بينهما، لأنه لا يجمع بين العوض، والمعوض عنه.([35])
قلت: ولا تستعمل هذه الكلمة إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم، وإنما يقال: اللهم اغفر لي، وارحمني، ونحو ذلك.
قال الإمام ابن القيم / في «جلاء الأفهام» (ص143): (ولا خلاف أن لفظة: «اللهم»؛ معناه: يا الله؛ ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم، بل يقال: اللهم اغفر لي، وارحمني). اهـ
وقال العلامة السفاريني / في «نتائج الأفكار» (ص186): (قوله r: «اللهم» لا خلاف عند البصريين أن لفظة «اللهم» معناها: يا الله، ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم، بل يقال: اغفر لي، وارحمني). اهـ
وقال العلامة السفاريني / في «نتائج الأفكار» (ص170): (ووجه أفضلية هذا الدعاء على غيره من صيغ الاستغفار: أنه بدأ فيه بالثناء على الله بعد بدايته بـ«اللهم»، التي هي بمعنى: يا الله! التي معناها: أدعو الله). اهـ
2) [بك أصبحنا، وبك أمسينا]؛ أي: بك دخلنا في الصباح، أو دخلنا في المساء متلبسين بنعمك، وحفظك، أي: بنعمتك أصبحنا؛ أي: أدركنا الصباح، وبنعمتك أمسينا؛ أي: أدركنا المساء، وبحفظك أصبحنا، وبحفظك أمسينا.([36])
3) [وبك نحيا، وبك نموت]؛ أي: باسمك نحيا، وباسمك نموت، ويكون في معنى الحال؛ أي: مستجيرين، ومستعينين بك في جميع الأوقات، وســائــر الأحوال في الصباح والمساء، والمحيا والممات... وفي حركاتنا كلها، وشؤوننا جميعها، فإنما نحن بك، أنت المعين وحدك، ولا غنى لنا عنك طرفة عين.
قلت: وفي هذا من الاعتماد على الله، واللجوء إليه، والاعتراف بمنه، وفضله ما يحقق للمرء إيمانه، ويقوي يقينه، ويعظم صلته بربه سبحانه وتعالى.
4) [وإليك النشور]؛ أي: الإحياء للبعث يوم القيامة، فيبعث الناس من قبورهم، وإحيائهم بعد إماتتهم.
قلت: ويوم القيامة: هو حشر، ونشر، واجتماع إلى الله تعالى.
قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (5/301): (يقال: نشر الميت ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت، وأنشره الله: أي أحياه). اهـ
قلت: ويقال: أنشر الله الميت فنشر، ومن قوله تعالى: ﴿ثم إذا شآء أنشره﴾ [عبس:22].
5) [وإليك المصير]؛ أي: المرجع، والمآب([37])، كما قال تعالى: ﴿إن إلى ربك الرجعى﴾ [العلق:8].
قلت: وقد جعل r: «وإليك النشور»، في الصباح، وقوله r: «وإليك المصير»، في المساء رعاية للتناسب، والتشاكل.
* وذلك لأن الإصباح: يشبه النشر بعد الموت، والنوم موتة صغرى، والقيام منه يشبه النشر من بعد الموت.
قال تعالى: ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ [الزمر:42].
والإمساء: يشبه الموت بعد الحياة؛ لأن الإنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت، والوفاة، فكانت بذلك خاتمة كل ذكر متجانسة غاية المجانسة.
فلذلك: قال فيما يشبه الحياة: «وإليك النشور»، وفيما يشبه الممات: «وإليك المصير»، رعاية للتناسب.
ومما يوضح هذا: ما ثبت عن النبي r أنه كان يقول عند قيامه من النوم: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).([38])
* فسمى النوم موتا، والقيام منه حياة من بعد الموت.
قلت: فهذا دعاء نبوي عظيم، وذكر مبارك، يجدر بالمسلم أن يحافظ عليه كل صباح ومساء، ويتأمل في معانيه الجليلة، ودلالاته العظيمة، وكيف أنه قد اشتمل على تذكير المسلم بعظيم فضل الله عليه، وواسع منه وإكرامه، فنوم الإنسان ويقظته، وحركته وسكونه، وقيامه وقعوده؛ إنما هو بالله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.([39])
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر الثالث»
وعن ابن عمر ﭭ، قال: لم يكن رسول الله r يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو، والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي).
حديث صحيح.
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1200)، وأبو داود في «سننه» (5074)، وابن ماجة في «سننه» (3871).
وإسناده صحيح.
الشرح الأثري:
* لقد بدأ r: هذا الدعاء العظيم بسؤال الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة، والعافية لا يعدلها شيء، ومن أعطي العافية في الدنيا، والآخرة؛ فقد كمل نصيبه من الخير.
1) [العافية]؛ أي: من عافاه الله، وأعفاه، والاسم عافية: وهي دفع الأسقام، والبلايا عن العبد.
قال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (5/160): (والعافية: هي دفاع الله تعالى عن العبد الأسقام، والبلايا، ويندرج تحت؛ قوله r: «في الدنيا والآخرة»، كل مشنوء ومكروه). اهـ
وقال العلامة القاري / في «مرقاة المفاتيح» (5/243): (قوله r: (اللهم إني أسألك العافية)؛ أي: السلامة من الآفات الدينية، والحادثات الدنيوية بتحملها، والصبر عليها، والرضا بقضائها: (في الدنيا والآخرة): وقيل: دفاع الله تعالى من العبد الأسقام، والبلايا، وهي مصدر جاء على فاعله، وكأنه أراد سيئ الأسقام؛ كالبرص، والجنون، والجذام). اهـ
2) [العفو والعافية]؛ أي: العفو، محو الذنوب وسترها، والعافية: هي تأمين الله لعبده من كل نقمة ومحنة، بصرف السوء عنه، ووقايته من البلايا، والأسقام، وحفظه من الشرور، والآثام.
قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (4/134): (العافية: أن تسلم من الأسقام، والبلايا، وهي: الصحة، وضد المرض.
والمعافاة: هي أن يعافيك الله تعالى من الناس، ويعافيهم منك؛ أي: يغنيك عنهم، ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك، وأذاك عنهم). اهـ
وقال العلامة القاري / في «مرقاة المفاتيح» (5/243): (قوله r: «اللهم إني أسألك العفو»؛ أي: التجاوز عن الذنوب، و«العافية»؛ أي: السلامة من العيوب).اهـ
3) [في ديني]؛ أي: دفاع الله تعالى من كل أمر؛ ما يشين الدين، ويضره من الكفر، أو الشرك، أو البدع، أو المعاصي، أو غير ذلك من الآفات في الدين.
4) [ودنياي]؛ أي: دفاع الله تعالى من كل ما يضر دنيا العبد، ويحفظه أن يتشاغل بهذه الدنيا عن العبادة فيها، وأحوال الآخرة.
فقوله r: (في ديني ودنياي)؛ أي: في أمورهما.
5) [وأهلي]؛ أي: دفاع الله تعالى من كل ما يلحق أهله من البلايا، والأسقام، وغير ذلك.
6) [ومالي]؛ فهي: دفاع الله تعالى من كل ما يضر ماله من الغرق، والحرق، والسرقة، وغير ذلك من أنواع العوارض المؤذية.([40])
قلت: إذا فمن الدعوات العظيمة التي كان يحافظ عليها النبي r كل صباح ومساء، بل كان لا يدعها كل ما أصبح وأمسى؛ سؤال: «العافية في الدنيا والآخرة»، و«العافية في الدين والدنيا»، و«العافية في الأهل والمال».
* فأما سؤال العافية في الدنيا والآخرة: أي: السلامة من الآفات الدينية، والدنيوية.
* وأما سؤال العافية في الدين: فهو طلب الوقاية من كل أمر يشين الدين، أو يخل به.
* وأما سؤال العافية في الدنيا: فهو طلب الوقاية من كل أمر يضر العبد في دنياه من معصية، أو بلاء، أو ضراء، أو نحو ذلك.
* وأما سؤال العافية في الآخرة: فهو طلب الوقاية من أهوال الآخرة، وشدائدها، وما فيها من أنواع العقوبات.
* وأما سؤال العافية في الأهل: فبوقايتهم من الفتن، وحمايتهم من البلايا والمحن.
* وأما سؤال العافية في المال: فبحفظه مما يتلفه من غرق، أو حرق، أو سرقة، أو نحو ذلك.
* فجمع في ذلك سؤال الله تعالى الحفظ من جميع العوارض المؤذية، والأخطار المضرة.
قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (4/134): (فالعفو: محو الذنوب، والعافية: أن تسلم من الأسقام والبلايا، وهي الصحة، وضد المرض، والمعافاة: هي أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك؛ أي: يغنيك عنهم، ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك، وأذاك عنهم). اهـ
وقال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (4/134): (العفو: هو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه، وأصله: المحو والطمس). اهـ
7) [اللهم استر]؛ أي: غط عيوبي، وخللي، وتقصيري، وكل ما يسوء في كشفه، ويدخل في ذلك الحفظ من انكشاف العورة.
8) [عوراتي]؛ الجمع عورة، وهي: كل ما يستحى منه إذا ظهر، وأراد كل ما يستحى منه، ويسوء صاحبه أن يرى ذلك منه، والعورة: الخلل، والعيب في الشيء.
والعورة: من الرجل ما بين سرته إلى ركبته، والمرأة كلها عورة.([41])
فعن عبد الله بن عمرو ﭭ قال: قال رسول الله r: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع، وإذا زوج أحدكم عبده، أو أجيره، فلا ينظرن إلى شيء من عورته؛ فإن ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته).([42])
وعن عبد الله بن مسعود t، عن النبي r قال: (المرأة عورة؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان).([43])
قلت: فجعل النبي r المرأة نفسها عورة؛ أي: كلها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحى منها؛ كما يستحى من العورة إذا ظهرت، إذا فنعت السنة النبوية أن المرأة كلها عورة، ومن العورة كشف الوجه والكفين.
والعورة: السوأة، وكل ما يستحى منه إذا ظهر، فيجب ستر الوجه والكفين للمرأة لأن ذلك من العورة، والعورة يجب سترها.
قلت: فإذا خرجت استشرفها الشيطان؛ أي: زينها في نظر الرجال... ليغويها، ويغوي بها، فيوقعها في الفتنة، ويوقع الرجال في الفتنة.([44])
قال عبد الله بن أحمد في «مسائله» (1/210): (قلت: الفخذ ما حده؟ قال – يعني الإمام أحمد-: فوق الركبة، وأشار، وقال: سألت أبي عن السرة من العورة؟ قال: لا).
قلت: فنص الإمام أحمد /، على أن السرة، والركبة للرجل ليست من العورة.
وقال الفقيه العدوي / في «حاشيته» (1/246): (عورة الرجل مع مثله ما بين السرة والركبة).
قلت: وقد أجمع العلماء من الصحابة، والتابعين على أنه يجب على المرأة ستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين، لأن ذلك من العورة، واختلفوا([45]) في الوجه والكفين، والصحيح: وجوب سترهما عن الرجال الأجانب، كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة والآثار، لأنهما من العورة للمرأة، مع اتفاقهم على أنه يجب سترهما مع سائر البدن عند عدم أمن الفتنة.
قلت: فجميع بدن المرأة عورة، وبهذا قال المالكية في إحدى الروايتين عن الإمام مالك، والشافعية في أحد القولين، وصححه الفقيه الرملي في «نهاية المحتاج» (6/184)، وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة.([46])
قال الإمام ابن العربي المالكي / في «أحكام القرآن» (2/18)؛ عند قوله تعالى: ]وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب[ [الأحزاب:53]: (وهذا يدل على أن الله تعالى أذن في مساءلتهن من وراء حجاب: في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتى فيها؛ والمرأة كلها عورة؛ بدنها، وصوتها، فلا يجوز كشف؛ ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها). اهـ
وقال الفقيه الرملي الشافعي / في «نهاية المحتاج» (6/184): (ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة أجنبية، وهي ما عدا وجهها، وكفيها بلا خلاف... وكذا وجهها، وكفها عند خوف فتنة إجماعا، وكذا عند الأمن من الفتنة على الصحيح، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، وبأن النظر مظنة الفتنة، ومحرك للشهوة، فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب، والإعراض عن تفاصيل الأحوال؛ كالخلوة بالأجنبية، وبه اندفع القول بأنه غير عورة... على أن السبكي قال: الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها، وكفيها عورة في النظر). اهـ
قلت: وكشف المرأة وجهها من الفتنة على مدار خروجها من بيتها إلى أن ترجع؛ كما هو مشاهد في هذا الزمان، فثبت الإجماع على وجوب ستر المرأة وجهها، وكفيها، ومن خالف الإجماع، فقد شذ ولا بد، فلا يعتبر قوله في الشرع.
وقال الفقيه البهوتي الحنبلي / في «كشاف القناع» (1/266): (الكفان، والوجه من الحرة البالغة عورة، خارج الصلاة باعتبار النظر، كبقية بدنها!).اهـ
وإليك الدليل:
قال تعالى: ]يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما[ [الأحزاب:59].
قلت: والجلباب: هو الثوب الذي يستر جميع البدن بمنزلة العباءة السوداء للنساء في هذا الزمان.([47])
قال اللغوي ابن منظور / في «لسان العرب» (1/273): (ويدنين عليهن: شامل لجميع أجسادهن بما في ذلك الوجه، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه، يقال إذا زال الثوب عن الوجه: أدني ثوبك على وجهك). اهـ
وقال تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن[ [النور:31].
فعن ابن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ قال: الثياب).([48])
قلت: وليس المراد: إلا ما ظهر منها، كشف الوجه والكفين، فإن ذلك أبعد ما يكون عن المرأة أن تكشف وجهها، وكفيها أمام الرجال الأجانب!.([49])
قال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (4/317): (والذي عليه العمل عندنا في هذا قول عبد الله بن مسعود t: «هي الثياب»؛ يعني: أن لا يبدين من زينتهن؛ إلا الثياب). اهـ
قلت: ولا يوجد لابن مسعود t؛ أي مخالف من الصحابة y في تفسير: «الزينة: بالثياب»، حتى ابن عباس([50]) ﭭ، قد وافق ابن مسعود t، على هذا التأويل في رواية له، لأنه لا يمكن للصحابة y، أن يخالفوا السنة في أمرها المرأة بستر وجهها وكفها. ([51])
وعن الإمام أحمد / قال: (الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة، حتى الظفر).([52])
وعن الإمام أحمد / قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها).([53])
وعن الإمام أحمد / قال: (ظفر المرأة عورة، وإذا خرجت فلا تبين منها لا يدها، ولا ظفرها، ولا خفها).([54])
وعن عبد الله بن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن[؛ قال الزينة: السوار، والدملج([55])، والخلخال([56])، والقلادة([57])، و]إلا ما ظهر منها[؛ قال: من الثياب، والجلباب). ([58])
قلت: فالمراد من الزينة الظاهرة؛ ما يظهر في العادة شيء من الثياب بدون تعمد المرأة في الخارج، أو ظهور الثياب نفسها من جلباب، وغيره، وهي ساترة للمرأة كلها، وهذا خارج عن أصل خلقتها في البدن، وظهور جزء من الثياب، أو الجلباب بحكم الاضطرار، والعادة بدون اختيار المرأة؛ كما ترى.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج، فأما الزينة الظاهرة؛ فالثياب، وأما الزينة الباطنة؛ فالكحل، والسوار، والخاتم). ([59])
قلت: فالزينة الظاهرة: الثياب، وما خفي منها الحلي وغيرها، فهذه لا يراها إلا الزوج، وبنحوه من الأقارب.
قلت: والوجه والكفان من الزينة الباطنة، لأن الوجه فيه الكحل، وبقربه القلادة وغيرها، والسوار والخاتم في الكفين، واليدين، وهذه الأمور لا تظهر إلا للزوج، وغيره من الأقارب. ([60])
* وهذا يدل على أن المرأة يجب عليها أن تستر كل بدنها، إلا ما ظهر منها، وهي الثياب التي تخرج في العادة بدون قصد منها.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (3/504): (لما أمر الله تعالى النساء بالحجاب عن الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن[ إلى آخرها، [النور: 31]). اهـ
قلت: والحجاب يحجب البصر عن رؤية المرأة تماما، ويمنع من وصول البصر إلى رؤية شيء من بدنها.
قال الراغب المفسر / في «المفردات في غريب القرآن» (1/141): (الحجب، والحجاب: المنع من الوصول.
يقال: حجبه حجبا، وحجابا... وقوله تعالى: ]حتى توارت بالحجاب[ [ص: 32]؛ يعني: الشمس إذا استترت بالمغيب). اهـ
وقال الخليل الفراهيدي اللغوي / في «العين» (1/347): (الحجب: كل شيء منع شيئا من شيء؛ فقد حجبه حجبا). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (6/743): (الحجاب: اسم ما حجبت به بين شيئين، وكل شيء منع شيئا: فقد حجبه... والحجاب: الستر، وامرأة محجوبة قد سترت بستر). اهـ
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «تفسير الغريب» (2/24): (ولا يبدين زينتهن: وزينتهن على ضربين: خفية؛ كالسوارين، والقرطين([61])، والدملج([62])، والقلادة([63]).
وظاهرة: وهي المشار إليها؛ بقوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[، وهي الثياب: و(الخمر): جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها([64])،]ولا يبدين زينتهن[؛ يعني: الخفية). اهـ
وعن أبي الأحوص / قال: في قوله تعالى: ]إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([65])
وعن عبيدة السلماني / قال: في قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ قال: (الثياب). ([66])
وقال تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60].
وعن ابن عمر ﭭ وكان يقول: في قوله تعالى: ]والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ (تضع الجلباب). ([67])
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة[ [النور: 60]؛ قال: (هي: الجلباب). ([68])
قلت: والثياب هنا: الجلباب، وما كان في معناه، وهذا المعنى يتناسب مع قوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ يعني: الثياب.
وعن الأسود قال: قالت عائشة ڤ: (تسدل المحرمة جلبابها من فوق رأسها على وجهها). ([69])
وعن أبي الشعثاء: أن ابن عباس ﭭ قال: (تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به). ([70])
يعني: وهو مسدول على وجهها.
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (جلابيبهن). ([71])
وعن إسماعيل بن إبراهيم قال: سألت ابن أبي نجيح: عن قوله تعالى: ]فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن[ [النور: 60]؛ قال: (الجلباب). ([72])
وعن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام – ثقة فقيه عابد من الطبقة الثالثة([73]) – قال: (كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها). ([74])
قلت: والمراد بالخمر في الآية ما يخمر به الرأس، والوجه؛ أي: يغطي الرأس مع الوجه، فتضع المرأة الخمار على رأسها، وتسدله على وجهها عن الرجال الأجانب.
والمراد بالجيوب في الآية: النحور، والصدور، فالمراد بضرب النساء بخمرهن على جيوبهن: أن يغطين رؤوسهن، ووجوههن، وأعناقهن، وصدورهن بكل ما فيها من زينة وحلي.([75])
وقال تعالى: ]وإذا ســألـتـمـوهـن متاعا فـاســألـوهــن من وراء حجاب[ [الأحزاب:53].
قلت: وهذا الحكم عام لجميع المؤمنات، دون تخصيص أمهات المؤمنين به، يدل على ذلك تعليله تعالى لهذا الحكم، الذي هو إيجاب الحجاب لكونه أطهر لقلوب الرجال، والنساء من الزينة.([76])
وعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: (المرأة عورة؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان).([77])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن الوجه والكف من العورة للعموم.
وعن أسماء بنت أبي بكر ﭭ قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام).([78])
وعن عائشة ڤ قالت: (لما نزلت هذه الآية: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ [النور:31]؛ أخذن أزرهن، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها).([79])([80])
وفي رواية: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: ]وليضربن بخمرهن على جيوبهن [ شققن مروطهن فاختمرن بها). الجمع مرط: بكسر الميم، وهو الإزار من القماش. ([81])
قلت: فأمر الله تعالى المؤمنات بضرب الخمار على رؤوسهن، وهذا نص على اختمارهن.
قال اللغوي الأزهري / في «الزاهر» (ص149): (المروط: هي أكسية من صوف، أو خز، كن النساء يتجلببن بها إذا برزن، واحدها: مرط). اهـ
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (8/490): شارحا هذا الحديث: (قولها: «فاختمرن بها»؛ أي غطين وجوههن). اهـ
قلت: انظر إلى امتثال الصحابيات لأمر الله تعالى مباشرة بدون أي مقدمات في الكلام، فلم يقلن مثلا: لقد كان الأمر من قبل على الجواز، فلماذا كذا، ولماذا كذا، ولعلنا ننظر في الأمر، ولم يقلن: المسألة فيها اختلاف، ولا غير ذلك([82])؛ مما يدل على صدقهن في تلقي أحكام الله تعالى، وأحكام رسوله r بالسمع والطاعة: ]وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير [[البقرة:285].
قلت: فالوجه هو المظهر الأكبر للجمال الخلقي، والطبيعي في المرأة، جذبا للأنظار، واستهواء للنزعات، ولفهم هذه الحقيقة لا نحتاج إلى التعمق في هذا الباب.([83])
فهذا القول هو الراجح، وأبعد عن أسباب الفتنة، ذلك أن الشريعة المطهرة جاءت بجلب المصالح، ودرء المفاسد، وكشف المرأة لوجهها، ويديها إن كان فيه مصلحة، فهي يسيرة بجانب المفاسد الناشئة عنه، ولا يخفى أن وجه المرأة: هو أصل جمالها، ورؤيته من أعظم أسباب الافتتان بها.([84])
وعن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: (كنا نخمر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق).([85])
وعن عائشة ڤ قالت: (كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله r محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه).([86])
قال الساعاتي / في «بلوغ الأماني» (11/215) معلقا على أثر عائشة ڤ: (والمعنى: أنهن كن يسترن وجوههن إذا مر عليهن الرجال بجلابيبهن، الجمع جلباب: وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة إذا خرجت لحاجة، فإذا أبعدوا عنهن كشفن وجوههن). اهـ
وعن أم عطية ڤ قالت: قال رسول الله r في خروج النساء في العيدين: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها). ([87])
يعني: من لحافها، وهذا يدل على أن الجلباب كبير يكفي اثنتين، وهو الثوب الواسع الذي يشتمل به النائم، فيغطي جسده كله.
ففي الحديث: دلالة على أن المعتاد عن نساء الصحابة؛ ألا تخرج إلا بجلباب ولم يأذن لهن الرسول r بالخروج بغير جلباب.
والجلباب: ثوب واسع يلبس فوق الملابس، وهو ثوب مشتمل على الجسد كله.
* فتشتمل به المرأة على جسدها كله، تغطي به رأسها، وظهرها، وصدرها، ووجهها، وكفيها. ([88])
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (2/138): («الجلباب»: قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، ومعنى ذلك: أنه للمرأة؛ كالرداء للرجل، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق رأسها، كما يضع الرجل رداءه على منكبيه.
وقد فسر عبيدة السلماني: قول الله عز وجل: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب:59]؛ بأنها تدنيه من فوق رأسها، فلا تظهر إلا عينها، وهذا كان بعد نزول الحجاب، وقد كن قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب، ويرى من المرأة وجهها وكفاها، وكان ذلك ما ظهر منها من الزينة؛ في قوله عز وجل: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور:31].
ثم أمرت بستر وجهها وكفيها، وكان الأمر بذلك مختصا بالحرائر دون الإماء، ولهذا قال تعالى: ]ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين[ [الأحزاب:59]، يعني: حتى تعرف الحرة فلا يتعرض لها الفساق، فصارت المرأة الحرة لا تخرج بين الناس؛ إلا بالجلباب، فلهذا سئل النبي r لما أمر النساء بالخروج في العيدين، وقيل له: المرأة منا ليس لها جلباب؟ فقال r: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها» ([89])؛ يعني: تعيرها جلبابها تخرج فيه.
وإذا علم هذا المعنى، ففي إدخال هذا الحديث في «باب: اللباس في الصلاة» نظر؟ فإن الجلباب إنما أمر به للخروج بين الناس؛ لا للصلاة، ويدل عليه: أن الأمر بالخروج دخل فيه الحيض وغيرهن، وقد تكون فاقدة الجلباب حائضا، فعلم أن الأمر بإعارة الجلباب: إنما هو للخروج بين الرجال، وليس من باب أخذ الزينة للصلاة؛ فإن المرأة تصلي في بيتها بغير جلباب بغير خلاف، وإنما تؤمر بالخمار([90])). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن أخذ المرأة الجلباب في صلاة العيدين ليس هو لأجل الصلاة، بل هو للخروج بين الرجال، ولو كانت المرأة حائضا لا تصلي؛ فإنها لا تخرج بدون جلباب. ([91])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (1/505): (وفيه –يعني: الحديث – امتناع خروج المرأة بغير جلباب).اهـ
وقال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (3/305): (ومنها – يعني: الفوائد- امتناع خروج النساء بدون الجلاليب).اهـ
قلت: فالجلباب من أكيسة الرأس والوجه، والصدر، وهذا يتناسب مع قوله تعالى: ]يدنين عليهن من جلابيبهن[ [الأحزاب:59].
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «مسائل السفور والحجاب) (ص6): (والجلابيب: جمع جلباب، والجلباب: هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب، والتستر به.
وقد أمر الله تعالى جميع النساء بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور، والوجه، وغير ذلك حتى لا يعرفن بالعفة؛ فلا يفتتن، ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن). اهـ
وقال الفقيه الشربيني / في «السراج المنير» (3/271): (قوله تعالى: ]يدنين[ ؛أي: يقربن، ]عليهن[؛ أي: على وجوههن، وجميع أبدانهن، فلا يدعن شيئا منها مكشوفا). اهـ
وقال العلامة الشيخ الشنقيطي / في «أضواء البيان» (6/ 602): (وبالجملة: فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب، مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو: أعظم مثير للغريزة البشرية، وداع إلى الفتنة، والوقوع فيما لا ينبغي).اهـ
وعن ابن عمر ﭭ؛ أن النبي r قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين). ([92])
قلت: فدل الحديث على أن النقاب كان معروفا في النساء في عهد النبي r، وعهد الصحابة y.
* ودل أيضا: على أن القفازين كانا معروفين في النساء في عهد النبي r، وعهد الصحابة y.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (15/370): (وهذا مما يدل على أن النقاب، والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن). اهـ
وقال الإمام ابن العربي المالكي / في «عارضة الأحوذي» (4/56): (قوله r: «ولا تنتقب المرأة»؛ وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج؛ فإنها ترخي شيئا من خمارها على وجهها غير لاصق به، وتعرض عن الرجال، ويعرضون عنها). اهـ
قلت: وقد أجمع العلماء على أن المرأة المحرمة يجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، وهي محرمة، فمن باب أولى أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، وهي غير محرمة في بلدتها.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (1/28): (وأجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها، وأن لها أن تغطي رأسها، وتستر شعرها وهي محرمة.
* وأن لها أن تسدل ([93]) الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا، تستتر به عن نظر الرجال إليها). اهـ
وقال الإمام ابن القطان / في «الإقناع» (1/262): (وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا، تستتر به عن نظر الرجال إليها). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «التوضيح بشرح الجامع الصحيح» (11/140): (قام الإجماع على أن المرأة تلبس المخيط كله، والخمر، والخفاف، وأن إحرامها في وجهها، وأن لها أن تغطي رأسها، وتستر شعرها، وتسدل الثوب على وجهها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (5/154): (فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها، لمرور الرجال قريبا منها؛ فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها).اهـ
وقال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (4/187): (وأجمع العلماء: أن المرأة تلبس المخيط كله، والخمر، والخفاف، وأن إحرامها في وجهها، وأن لها أن تغطي رأسها، وتستر شعرها، وتسدل الثوب على وجهها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (1/28): (وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها، وأنها تخمر رأسها، وتستر شعرها وهي محرمة.
* وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال إليها).اهـ
وقال العلامة ابن الضويان في «منار السبيل» (1/318): (فإن احتاجت لتغطيته؛ يعني: وجهها، لمرور الرجال قريبا منها سدلت الثوب من فوق رأسها، لا نعلم فيه خلافا). اهـ
وعن عائشة ڤ قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي r صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس). وفي رواية: (وما يعرف بعضنا وجوه بعض)، وفي رواية: (ولا يعرف بعضهن بعضا). ([94])
متلفعات: متلحفات.
والتلفع: هو الالتحاف مع تغطية الرأس والوجه.
وهذا يعني: الحرص على التستر للمرأة في حال خروجها من البيت.
* وهذا الحديث: يدل على أن النساء في عهد النبي r كن يشهدن صلاة الفجر مغطيات للوجوه، وملتحفات بالثياب على الأجسام والوجوه: بمروطهن؛ أي: مسترات لوجوههن، وأبدانهن بمروطهن. ([95])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (1/482): (إن الحديث يعين أحد الاحتمالين: هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة، أو لمبالغتهن في التغطية). اهـ
وكذا قال الحافظ العيني / في «عمدة القاري» (4/90): (يحتمل أن يكون لبقاء ظلمة من الليل، أو لتغطيتهن بالمروط غاية التغطي). اهـ
قلت: وعلى الاحتمالين؛ فالاستتار حاصل؛ إما بالظلمة، وشدة الغلس، أو بالتغطية للوجوه.
وقولها: «متلفعات»؛ حال. أي: ملتحفات من التلفع، وهو شدة اللفاع، وهو ما يغطي الوجه، ويلتحف به.
قلت: والتلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، بل التلفع لا يكون؛ إلا بتغطية الرأس أيضا.([96])
قال الأزهري اللغوي / في «الزاهر» (ص149): (المتلفعات: النساء اللواتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن.
* وقد تلفع بثوبه، والتفع بثوبه: إذا اشتمل به، أي: تغطى به). اهـ
قلت: وهذا يدل على وجوب تغطية الوجه للمرأة.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (9/324): (ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (15/372): (وإنما ضرب الحجاب على النساء؛ لئلا ترى وجوههن، وأيديهن، والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (9/337): (استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد، والأسواق، والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهن الرجال).اهـ
قلت: وهذا يدل على أن ستر جميع بدن المرأة بما في ذلك وجهها، وكفيها هو الحال الذي كان على عهد النبي r، وكانت عليه النساء الصحابيات في عهده، وفي هؤلاء الأسوة الحسنة فهم خير الناس للناس. ([97])
وعن عائشة ڤ قالت: (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت، إلا ثوبا مسه ورس، أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت).([98])
قولها: «ولا تتبرقع»؛ فهذا يدل على أن التبرقع كان معروفا في النساء على عهد النبي r، وعهد الصحابة y.
قلت: وهذه الآثار تدل على أن المرأة المسلمة غير منهية عن تغطية وجهها حال الإحرام، وإنما نهيت عن تغطيته بالنقاب، وما عدا ذلك فيجب لها في الإحرام لبسه على وجهها خشية الفتنة، فإذا كانت في حال الإحرام تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، فمن باب أولى في غير الإحرام أن تغطي وجهها عنهم، لأن المرأة كلها عورة.
فعن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من ربها، إذا هي في قعر بيتها).([99])
وقال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز / في «الفتاوى» (5/231): (وقد أجمع علماء السلف على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها، وأنه عورة يجب عليها ستره، إلا من ذي محرم). اهـ
وقال العلامة الشيخ بكر أبو زيد / في «حراسة الفضيلة» (5/231): (واتفق المسلمون على عدم خروج نساء المؤمنين أمام الرجال؛ إلا متحجبات، غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «التوضيح بشرح الجامع الصحيح» (25/163): (وإجماع الأمة أنه غير جائز للمرأة أن تظهر شيئا من عورتها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (26/112): (أما المرأة؛ فإنها عورة). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «المغني» (2/329): (والخبر المروي: في أن المرأة عورة بالإجماع).اهـ
وقال الفقيه المناوي / في «فيض القدير» (6/266): (المرأة عورة: أي: هي موصوفة بهذه الصفة، ومن هذه صفته فحقه أن يستر، والمعنى: أنه يستقبح تبرزها، وظهورها للرجل.
والعورة: سوءة الإنسان، وكل ما يستحيي منه، كنى بها عن وجوب الاستتار في حقها) ([100]). اهـ
قلت: هذا هو السبيل لمن أراد الالتزام بالسنة المحضة، فالطريق إلى معرفة ما جاء به الرسول r هو أن تعرف ألفاظه الصحيحة، وما فسرها به الذين تلقوا عنه اللفظ والمعنى، ومعرفة لغتهم التي كانوا يتخاطبون بها([101]) على المعنى الصحيح، والله ولي التوفيق.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها، وما بها من بأس، فيستشرف لها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها؛ مثل: أن تعبده في بيتها).
أثر صحيح
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 185 و195)، و(8914)، و(9480)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (17710)، وابن خزيمة في «التوحيد» (27) من طريق شعبة([102]) بن الحجاج، وشريك([103]) بن عبدالله النخعي، وأبي الأحوص سلام([104]) بن سليم الحنفي؛ كلهم: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (5/314): «والموقوف: هو الصحيح من حديث أبي إسحاق».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله ثقات».
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها أفضل من صلاتها فيما سواه، ثم قال: إن المرأة إذا خرجت تشرف لها الشيطان). وفي رواية: (المرأة عورة، وأقرب ما تكون من ربها إذا كانت في قعر بيتها، فإذا خرجت تشرف لها الشيطان).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (7616)، وعبد الرزاق في «المصنف» (5116)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9/295)، (9481)، و(9482) من طريق أبي هلال، وأيوب عن حميد بن هلال العدوي –ثقة عالم-، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (5/314): «والموقوف: هو الصحيح من حديث حميد بن هلال».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/35)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الكبير»، ورجاله موثوقون».
وأورده الهيثمي أيضا في «مجمع الزوائد» (2/34)؛ ثم قال: «ورجاله رجال الصحيح».
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (ما صنعت امرأة خيرا من أن تقعد في قعر بيتها تعبد ربها، تقول إحداهن: أذهب إلى أهلي، فيستشرفها الشيطان حتى تقول: ما رآني أحد إلا أعجبته).
أثر حسن لغيره
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (9/295)، (9478)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/131) من طريق زائدة([105])، وجعفر([106]) بن عون، عن إبراهيم([107]) الهجري، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود t به موقوفا.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات.
9) [وآمن روعاتي]؛ هو من الأمن ضد الخوف، والروعات جمع روعة، وهو الخوف والحزن.
* ففي هذا سؤال الله تعالى: أن يجنبه كل أمر يخيفه، أو يحزنه، أو يغلقه.
وذكر الروعات بصيغة الجمع إشارة إلى كثرتها، وتعددها. ([108])
والأمن: مصدر أمن يأمن؛ أي اطمأن، وزال خوفه، وسكن قلبه.
يقال: أمن فلان يأمن أمنا، وأمنا، وأمنة، وأمانا، فهو أمن.
قال تعالى: ]وهذا البلد الأمين[ [التين: 3]؛ يعني: الآمن.
وقال تعالى: ]ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا[ [آل عمران: 154]؛ أمنة: الأمن. ([109])
وقال تعالى: ]إذ يغشيكم النعاس أمنة[ [الأنفال: 11].
ويقال: أمن البلد؛ اطمأن به أهله، فهو آمن، وأمين.
قال تعالى: ]إن المتقين في مقام أمين[ [الدخان: 51]؛ أي: آمن.
وقال تعالى: ]رب اجعل هذا البلد آمنا[ [إبراهيم: 35].
* فالأمن نقيض الخوف، أمن فلان يأمن أمنا، وأمنا.
وقال تعالى: ]وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا[ [البقرة: 125].
أراد الله تعالى: ذا أمن. ([110])
وقال تعالى: ]يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين[ [القصص: 31].
وقال تعالى: ]لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون[ [الفتح: 27].
وقال تعالى: ]وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون[ [النمل: 112].
فأصل الأمن: طمأنينة النفس، وزوال الخوف. ([111])
والأمن في الاصطلاح: الشعور بطمأنينة القلب، وأمان النفس؛ الذي يتحقق بحفظ مصالح الناس الدينية، والاجتماعية، والمالية، والبدنية، وزوال الخوف.
* وهذا مفهوم الأمن في الإسلام: فهو مفهوم شمولي متكامل قد أحاط بكل جوانب الأمن.
* فشمل كل مصالح الناس التي يخافون عليها، ويحرصون على حفظها، ورعايتها.
قال العلامة علي القاري / في «الحرز الثمين» (1/437): (وآمن روعتي؛ أي: فزعتي مما أخاف، وآمن: أمر من الإيمان؛ بمعنى: إزالة الخوف، وإعطاء الأمن.
ومنه: قوله تعالى: ]وآمنهم من خوف[ [قريش: 4]، وحاصل معناه: اجعل خوفي أمنا، وأبدله به). اهـ
لذلك، لا بد من تحقيق هذا الأمن في البلد، وأعظم أمر في تحقيق الأمن: تحقيق التوحيد في نفوسنا، والقضاء على الشرك، ومحاربة البدع وأهلها. ([112])
قال تعالى: ]الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون[ [الأنعام: 82].
قلت: فعلاقة الأمن: بعقيدة التوحيد؛ هي: علاقة التلازم.
والحياة الآمنة السعيدة تقوم بالتوحيد الخالص لله تعالى، لكي تقوم مصالح العباد في البلدان.
قال تعالى: ]وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا[ [النور: 55].
قلت: والشريعة المطهرة قامت بمراعاة الضروريات الخمس في الأمن، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. ([113])
ولا شك أن الأمن يترتب عليه حفظ هذه الضروريات جميعها.
فلو اختل الأمن لانعكس ذلك على حفظ تلك الضروريات.
وثمت تنبيه مهم إلى قسم خفي للأمن، ألا وهو أمن الغرور، والذي حقيقته استدراج، وإمهال.
قال تعالى: ]فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون[ [الأنعام: 44].
وقال تعالى: ]أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون[ [الأعراف: 97 و98].
والروع: بالفتح الفزع.
والروعة: الفزعة.
والروع: إصابة الروع، واستعمل فيما ألقي فيه من الفزع. ([114])
قال تعالى: ]فلما ذهب عن إبراهيم الروع[ [هود: 74].
والأروع: الذي يروع بحسنه؛ كأنه يفزع.
قال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (5/60): (عورات: ساكنة الواو، جمع: عورة، وأراد كل ما يستحى منه، ويسوء صاحبه أن يرى ذلك منه، والروعات: جمع: الروعة، وهي الفزعة). اهـ
10) [اللهم احفظني من بين يدي]؛ بفتح: الدال، وتشديد الياء على: «التثنية».
وفي نسخة: بالكسر، والتخفيف، على أن المراد بها: الجنس.
والمعنى: من قدامي.
11) [ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي]؛ «الخلف»: ضد قدام، واليمين: اليمنة؛ ضد اليسرة، والأيمن، ضد الأيسر، واليمين: القوة، و«الشمال»: خلاف؛ اليمين، والجمع: «أشمل»، والفوق: ضد «تحت». ([115])
12) [وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي] أعوذ، أي: ألتجئ، وأعتصم بك، لأنه سبحانه: هو الملاذ.
والعظمة: الكبرياء.
والعظمة: الكبر.
وعظم، يعظم، عظما؛ «كبر»، وهو عظيم.
والتعظيم: التبجيل.
قال تعالى: ]إنه كان لا يؤمن بالله العظيم[ [الحاقة: 33].
وقال تعالى: ]ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم[ [البقرة: 255].
وقال تعالى: ]فسبح باسم ربك العظيم[ [الواقعة: 74].
والعظيم: هو الذي يعظمه خلقه، ويهابونه، ويتقونه.
فالله: المعظم، وهو ذو العظمة، والجلال في ملكه، وسلطانه تعالى.
والعظمة: صفة ذاتية، ثابتة لله عز وجل في الدين.
والعظيم: اسم من أسماء الله تعالى. ([116])
وعن ابن عباس ﭭ قال: قال رسول الله r في الدعاء: (لا إله إلا الله العظيم الحليم). ([117])
وعن أنس بن مالك t عن النبي r في: «الشفاعة»: (وعزتي، وجلالي، وكبريائي، وعظمتي؛ لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله). ([118])
قال الإمام الأصبهاني / في «الحجة» (1/130): (ومن أسمائه تعالى: «العظيم»؛ العظمة: «صفة» من صفات الله تعالى). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «تهذيب اللغة» (2/303): (ومن صفات الله عز وجل: العلي العظيم). اهـ
قال الإمام ابن القيم / في «النونية» (2/214):
وهو العظيم بكل معنى يوجب
التعظيم لا يحصيه من إنسان
13) [أن أغتال من تحتي]؛ أغتال: بصيغة المجهول من الاغتيال، وهو أن يؤتى المرء من حيث لا يشعر، وأن يدهى بمكروه لم يرتقبه.
وأصله: أن يخدع، ويقتل خفية.
وحاصله: الأخذ بغتة، أو الموت فجأة، وهو الخسف.
والمراد: إهلاك المرء من حيث لا يحس به.
وأغتال: بضم الهمزة، وسكون الغين المعجمة من الغول: وهو إهلاك الشيء من حيث لا يحس به.
يقال: غال يغول غولا. ([119])
قال تعالى: ]لا فيها غول[ [الصافات: 47].
وقال تعالى: ]فخسفنا به وبداره الأرض[ [القصص: 81].
وقال تعالى: ]لولا أن من الله علينا لخسف بنا[ [القصص: 82].
قال الإمام البيضاوي / في «تحفة الأبرار» (2/98): (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي؛ أي: أهلك بالخسف، والاغتيال: الأخذ بغتة، وأصله: الاحتيال، والغائلة: الحيلة). اهـ
فهذا الحديث: فيه سؤال الله تعالى، الحفظ من المهالك، والشرور التي تعرض للمرء من الجهات الست.
* فقد يأتيه الشر والبلايا من الأمام، أو من الخلف، أو من اليمين، أو من الشمال، أو من فوقه، أو من تحته، وهو لا يدري من؛ أي: جهة قد يفجؤه البلاء، أو تحل به المصيبة.
فسأل ربه سبحانه وتعالى: أن يحفظه من جميع جهاته.
* ثم إن من الشر العظيم الذي يحتاج المرء إلى الحفظ من شر الشيطان الذي يتربص بالمرء الدوائر، ويأتيه من أمامه، وخلفه، وعن يمينه، وعن شماله؛ ليوقعه في المصائب، وليجره إلى البلايا، والمهالك، وليبعده عن سبيل الخير، وطريق الاستقامة. ([120])
قال تعالى: ]ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين[ [الأعراف: 17].
قال الإمام الطيبي / في «الكاشف» (5/160): (قوله r: «من بين يدي ومن خلفي»؛ استوعب الجهات الست بحذافيرها، لأن ما يلحق الإنسان من نكبة، وفتنة، فإنما يحيق به، ويصل إليه من إحدى هذه الجهات). اهـ
وقال الإمام البيضاوي / في «تحفة الأبرار» (2/98): (ما يلحق الإنسان من بلية، وفتنة، فإنما يحيقه، ويصل إليه من إحدى هذه الجهات، فلذلك سأل: أن يحفظ من جميع جهاته). اهـ
فقوله r: (وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)؛ فيه إشارة إلى عظم خطورة البلاء الذي يحل بالإنسان من تحته، كأن يخسف به الأرض من تحته، وهو نوع من العقوبة التي يحلها الله تعالى ببعض من يمشون على الأرض، دون قيام منهم بطاعة خالقها ومبدعها.
* بل يمشون عليها بالإثم، والعدوان، والشر، والعصيان، فيعاقبون بأن تزلزل من تحتهم، أو أن تخسف بهم، جزاء على ذنوبهم، وعقوبة لهم على عصيانهم.
قال تعالى: ]فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون[ [العنكبوت: 40].
* وفي هذا الدعاء العظيم تحصين للعبد من أن يصل إليه شر الشيطان من أي جهة من الجهات، لأنه في حفظ الله تعالى وكنفه، ورعايته.
قلت: فالعبد بحاجة إلى حصن من هذا العدو، وهو الشيطان، وواق له من كيده وشره.
والشيطان: مأخوذ من شطن؛ إذا بعد عن الخير، ومن شطنت الدار.
ويقال: أنه مشتق من شاط يشيط؛ إذا هلك. ([121])
قال الفخر الرازي المفسر / في «التفسير الكبير» (1/95): (الشيطان: مأخوذ من «شطن»؛ إذا بعد، فحكم عليه بكونه بعيدا). اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (2/475): (إن جعلت نون الشيطان أصلية؛ كان من الشطن: البعد؛ أي: بعد عن الخير، أو الحبل الطويل، كأنه طال في الشر.
وإن جعلتها زائدة: كان شاط يشيط؛ إذا هلك، أو من استشاط غضبا، إذا احتد في غضبه والتهب، والأول أصح).اهـ
وقال الفيروزآبادي اللغوي / في «بصائر ذوي التمييز» (3/319): (شاط يشيط: احترق غضبا... والأصح أنه من شطن؛ أي: تباعد، ومنه بئر شطون). اهـ
قلت: ولقد أطلق العرب لفظ: «الشيطان» على كل من يصدر منه الشر في الغالب.
والشيطان: اسم لكل عارم من الجن، والإنس، والحيوان. ([122])
* ولا ريب أن الاقتراب من الشر، والبعد عن الخير، هو المعنى الذي يوافق حال عدو الله: الشيطان.
* فقد أخبر الله تعالى: أنه أبعد الشيطان عن كل أسباب الخير، وسبله. ([123])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (1/49): (والشيطان: في كلام العرب، كل متمرد من الجن، والإنس، والدواب، وكل شيء.
وكذلك: قال ربنا جل ثناؤه: ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن[ [الأنعام: 112].
* فجعل من الإنس شياطين، مثل الذي جعل من الجن.
وإنما سمي: المتمرد من كل شيء شيطانا؛ لمفارقة أخلاقه، وأفعاله، أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده من الخير). اهـ
وقال الزجاج اللغوي / في «معاني القرآن» (1/115): (ومعنى: الشيطان في اللغة: الغالي في الكفر، المبتعد فيه من الجن والإنس). اهـ
قال تعالى: ]إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا[ [الإسراء: 53].
وقال تعالى: ]إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا[ [فاطر: 6].
وقال تعالى: ]كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير[ [الحج: 4].
وقال تعالى: ]إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير[ [فاطر: 6].
وقال تعالى: ]قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين[ [الأعراف: 16 و17].
وقال تعالى: ]قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين[ [ص: 82].
وقال تعالى: ]ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا[ [النساء: 60].
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (1/7): (ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب، والاعتماد عليه.
* أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزين له من الأحوال، والأعمال ما يصده عن الطريق.
* وأمده من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصايد، والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق.
* فلا نجاة من مصايده، ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرض: لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسكناته.
* والتحقق بذل العبودية الذى هو أولى ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضمان ]إن عبادي ليس لك عليهم سلطان[ [الحجر: 42].
* فهذه الإضافة هي القاطعة بين العبد، وبين الشياطين، وحصولها بسبب تحقيق مقام العبودية لرب العالمين، وإشعار القلب إخلاص العمل، ودوام اليقين.
* فإذا أشرب القلب العبودية، والإخلاص صار عند الله من المقربين، وشمله استثناء: ]إلا عبادك منهم المخلصين[ [الحجر: 40]). اهـ
ومنه: قوله تعالى: ]فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم[ [النحل: 98].
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (1/157): (ومعنى: استعذ بالله؛ امتنع به، واعتصم به، والجأ إليه.
ومصدره: العوذ، والعياذ، والمعاذ، وغالب استعماله في المستعاذ به.
وأصل اللفظة: من اللجأ إلى الشيء، والاقتراب منه). اهـ
قلت: والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان عند قراءة القرآن فيها فوائد:
الفائدة الأولى: أن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور، مذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس، والشهوات، والإرادات الفاسدة.
* فهو دواء لما أثره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء، ويخلي منه القلب، ليصادف الدواء محلا خاليا، فيتمكن منه، ويؤثر فيه.
الفائدة الثانية: أن القرآن الكريم مادة الهدى، والعلم، والخير في القلب، فشرع للقارئ أن يستعيذ بالله من الشيطان.
الفائدة الثالثة: أن الملائكة تدنوا من قارئ القرآن، وتستمع لقراءته... والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى تحضره خاصته، وملائكته، فهذه وليمة لا يجتمع فيها الملائكة، والشياطين.
الفائدة الرابعة: أن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد به المتكلم سبحانه، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه، وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه.
الفائدة الخامسة: أن القارئ مناج لله تعالى بكلامه، والله تعالى أشد إذنا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته.
* والشيطان: إنما قراءته الشعر والغناء، فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاته لله تعالى، واستماع الرب قراءته.
الفائدة السادسة: أن الله تعالى أخبر، أنه ما أرسل من رسول، ولا نبي، إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته.
* والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
فكان من أهم الأمور: استعاذة بالله منه عند القراءة.
الفائدة السابعة: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير، أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه.
فهذه فوائد الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم. ([124])
قلت: فالقرآن الكريم أرشد العبد إلى دفع هذا العدو بأسهل طريق؛ الاستعاذة، فإنه ينال بذلك كف شر عدوه.
قال تعالى: ]فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير[ [غافر: 56].
وقال تعالى: ]إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون[ [النحل: 99].
قلت: وقيل في حديث: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ([125])؛ أن هذا يعني: الوساوس التي يلقيها في القلب؛ فتجري في العروق.
والصحيح: أن هذا على الحقيقة، بأن جعل له قدرة على الجري في باطن العبد. ([126])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد» (2/273): (وظاهر الحديث: أن الشيطان نفسه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وهذا ليس ببعيد على قدرة الله تعالى، كما أن الروح تجري مجرى الدم، وهي جسم). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر الرابع»
عن أبي هريرة t قال: قال أبو بكر t: يا رسول الله، علمني شيئا أقوله إذا أصبحت، وإذا أمسيت. قال: (قل: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك).
حديث صحيح
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1203)، وأبو داود في «سننه» (5067)، والترمذي في «سننه» (3392).
وإسناده صحيح.
الشرح الأثري:
فهذا الدعاء من أذكار الصباح، والمساء، وهو ذكر عظيم، ودعاء نافع علمه النبي r: أبا بكر الصديق t: عندما سأله أن يرشده إلى كلمات يقولها كل صباح، ومساء.
قلت: فهذا دعاء عظيم يستحب للمسلم: أن يقوله في الصباح، والمساء، وعند النوم.
* وهو مشتمل على التعوذ بالله تعالى، والالتجاء إليه، والاعتصام به سبحانه من الشرور كلها؛ من مصادرها، وبداياتها، ومن نتائجها، ونهايتها.
* وقد بدأه r: بتوسلات عظيمة إلى الله تعالى، بذكر جملة من نعوته العظيمة، وصفاته الكريمة.
* الدالة على عظمته، وجلاله، وكماله.
* فتوسله r إلى الله؛ بأنه: «فاطر السماوات والأرض»؛ أي: خالقهما، ومبدعهما.
وأنه تعالى: «عالم الغيب والشهادة»؛ أي: لا يخفى عليه خافية، فهو عليم بكل ما غاب عن العباد، وما ظهر لهم.
قلت: وعلمه سبحانه محيط بكل شيء، فلا يخفى عليه خافية في الأرض، ولا في السماء، سبحانه أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها، دقيقها وجليلها على أتم الإمكان.
* وتوسل r إلى الله؛ بأنه: «رب كل شيء ومليكه»؛ فلا يخرج شيء عن ربوبيته، وهو المالك لكل شيء، فهو رب العالمين، وهو المالك للخلق أجمعين.
* ثم أعلن r بعد ذلك توحيده، وأقر له بالعبودية، وأنه المعبود بحق، ولا معبود بحق سواه.
فقال r: «أشهد أن لا إله إلا أنت».
* ثم ذكر بعد ذلك حاجته، وسؤاله، وهو أن يعيذه الله تعالى من الشرور كلها، فقال r: (أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه).
* وفي هذا جمع بين التعوذ بالله من أصول الشر ومنابعه، ومن نهاياته، ونتائجه.([127])
* فالحديث فيه تعوذ بالله تعالى من ثلاثة أمور تتعلق بالشر:
الأول: شر النفس، وشر النفس يولد الأعمال السيئة، والذنوب، والآثام.
والثاني: شر الشيطان، وعداوة الشيطان للإنسان معلومة، بتحريكه لفعل المعاصي، والذنوب، وتهييج الباطل في نفسه، وقلبه.
والثالث: الشرك بالله تعالى؛ فإن الشيطان يدعو إلى الشرك، والعياذ بالله.
قلت: وقد جمع الدعاء: التعوذ بالله من ذلك كله.
* فما أجمعه من دعاء، وما أعظم دلالته، وما أكمل إحاطته بالتخلص من الشر كله.
* [اللهم عالم الغيب والشهادة]؛ العالم: العلم نقيض الجهل، علم علما، وعلم هو نفسه، وعلام وعلامة: إذا بالغت في وصفه بالعلم؛ أي: عالم جدا.
وعلمت الشيء: عرفته وخبرته، وعلم بالشيء: شعر به.
والعالم: هو الذي يعمل بما يعلم.
والعليم: على وزن فعيل: وهو من أبنية المبالغة. ([128])
والله: هو العليم، والعالم، والعلام.
قال تعالى: ]والله عليم بذات الصدور[ [آل عمران: 154].
وقال تعالى: ]وهو الخلاق العليم[ [يس: 81].
وقال تعالى: ]وأن الله بكل شيء عليم[ [المائدة: 97].
وقال تعالى: ]وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة[ [الأنعام: 73].
وقال تعالى: ]ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون[ [التوبة: 94].
وقال تعالى: ]عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال[ [الرعد: 9].
وقال تعالى: ]قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب[ [المائدة: 109].
وقال تعالى: ]تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب[ [المائدة: 116].
قلت: فالعالم: هو الذي أحاط علمه بكل شيء في السموات والأرض؛ بالظواهر، وبالبواطن. ([129])
قال تعالى: ]إن الله عليم بذات الصدور[ [لقمان: 23].
وقال تعالى: ]وأن الله قد أحاط بكل شيء علما[ [الطلاق: 12].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (1/175): (إن الله ذو علم بكل ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر، وحق وباطل، وخير وشر). اهـ
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/299): (وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص57): (هو العالم: بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق؛ كقوله تعالى: ]إنه عليم بذات الصدور[ [لقمان: 23].
* وجاء على بناء فعيل؛ للمبالغة في وصفه بكمال العلم، ولذلك قال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف: 76]). اهـ
وقال العلامة علي القاري / في «الحرز الثمين» (1/500): (قوله r: «اللهم فاطر السماوات والأرض»؛ أي: مبدعهما، «عالم الغيب والشهادة»؛ أي: السر والعلانية).اهـ
قلت: فالغيب: السر.
والشهادة: العلانية.
* والغيب: الغين والباء: أصل صحيح يدل على تستر الشيء عن العيون.
* ويقاس على كل شيء يدل على التستر، وجمعه: غيوب، وفي التنزيل: ]علام الغيوب[ [المائدة: 109].
وكذلك يطلق: فيراد به كل ما غاب عن الشخص؛ كما يقال: غابت الشمس.
ويقال: رجل غائب، وقوم غيب؛ بفتحتين مخففا.
ويقال: غاب عني الأمر، وتغيب: بطن، وهو التواري في المغيب.
* وكل مكان لا يدرى ما فيه؛ فهو: غيب، وكذلك الموضع الذي لا يدرى ما وراءه.
وغيابة الوادي: قعره، وغيابة البئر.
* وغاب الرجل عن بلده، وأغابت المرأة: فهي مغيبة؛ إذا غاب عنها زوجها.
وقولهم: غيبه؛ غيابة؛ أي: دفنه في قبره.
والغيب: كل ما غاب عن العيون، وإن كان محصلا في القلوب.
والغيبة: الوقيعة في الناس؛ لأنها لا تقال إلا في غيبتهم.
والغيب: ما غاب عنك مما لا يعلمه؛ إلا الله تعالى. ([130])
* والغيب في الشرع: ما غاب عن أعين العباد من الإيمان بالله، وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالجنة والنار، والإيمان بالحياة بعد الموت، والبعث، وبيوم القيامة، والإيمان بالميزان، والصراط، والحوض، والإيمان بالقدر خيره وشره، والحساب والعذاب، والنعيم، ووجود الجن، فهذا كله غيب. ([131])
قال تعالى: ]الذين يؤمنون بالغيب[ [البقرة: 3].
وقال تعالى: ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو[ [الأنعام: 59].
وقال تعالى: ]قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله[ [النمل: 65].
وقال تعالى: ]عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا[ [الجن: 26].
قال القرطبي المفسر / في «الجامع لأحكام القرآن» (19/28): (إن الله تعالى لا يظهر على غيبه؛ إلا من ارتضى؛ أي: اصطفى للنبوة؛ فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه بطريق الوحي إليهم؛ ليكون ذلك دلالة على نبوته). اهـ
قلت: فاختص الله تعالى بعلم الغيب دون سواه؛ فلا يمكن لأحد كائنا من كان أن يطلع على الغيب، أو على شيء منه؛ إلا إذا أطلعه الله تعالى على شيء من ذلك، ولا يكون ذلك إلا للرسل عليهم السلام، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة.
قال تعالى: ]ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين[ [يونس: 20].
وقال تعالى: ]ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب[ [النحل: 77].
وقال تعالى: ]قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض[ [الكهف: 26].
وقال تعالى: ]ولله غيب السماوات والأرض[ [هود: 123].
وقال تعالى: ]أم عندهم الغيب فهم يكتبون[ [الطور: 41].
وعن أبي هريرة t في مجيء جبريل عليه السلام؛ ليعلم الناس أمور دينهم، وفيه: (في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، ثم قرأ: ]إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت[ [لقمان: 34]). ([132])
* والشهادة: مصدر الفعل الثلاثي المجرد: «شهد»؛ ومعناه: الحضور، والعلم، والإعلام، والخبر القاطع؛ الإخبار بما قد شوهد.
والمشهد: محضر الناس، وجمعه: المشاهد.
والمشاهدة: المعاينة.
والشهادة: خبر قاطع، تقول منه: شهد الرجل على كذا.
والشاهد: هو العالم الذي يبين ما علمه.
والشاهد: يرى ما لا يرى الغائب؛ أي: الحاضر يعلم ما لا يعلمه الغائب.
وشهد الشاهد عند الحاكم؛ أي: بين ما يعلمه وأظهره.
والمشاهدة: المعاينة؛ وهي الاطلاع على الشيء عيانا، وشهده شهودا؛ أي: حضره؛ ومنه: قوله تعالى: ]فمن شهد منكم الشهر[ [البقرة: 185]؛ أي: من كان حاضرا في الشهر مقيما غير مسافر، فليصم ما حضر وأقام فيه.
وشهد: بمعنى: علم.
فيكون الشهيد؛ بمعنى: العليم.
قلت: ويوصف الله تعالى بأنه: «شهيد». ([133])
قال تعالى: ]قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم[ [الأنعام: 19].
وقال تعالى: ]إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد[ [الحج: 17].
وقال تعالى: ]إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد[ [سبأ: 47].
وقال تعالى: ]قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا[ [الإسراء: 96].
وعن أبي بكرة t عن النبي r في حجة الوداع؛ قال: (اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب). ([134])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (3/221): (الشين، والهاء، والدال؛ أصل واحد: يدل على حضور، وعلم، وإعلام.
* لا يخرج شيء من فروعه عن الذي ذكرناه؛ من ذلك: الشهادة؛ يجمع الأصول التي ذكرناها من: الحضور، والعلم، والإعلام؛ يقال: شهد يشهد شهادة).اهـ
وقال الزجاج اللغوي / في «تفسير أسماء الله الحسنى» (ص53): (الشهيد: الحاضر، يقال: شهدت الشيء، وشهدت به، وأصل قولهم: شهدت به من الشهادة التي هي الحضور). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص75): (هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد، وشهيد، كعالم، وعليم، أي: كأنه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شيء). اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «جامع الأصول» (4/179): (الشهيد: هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد وشهيد، كعالم وعليم، أي: إنه حاضر يشاهد الأشياء، ويراها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (3/210): (شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/303): (الشهيد؛ أي: المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، وعلى عباده بما عملوه). اهـ
وقال الزجاجي اللغوي / في «اشتقاق أسماء الله» (ص132): (الشهيد في اللغة؛ بمعنى: الشاهد، كما أن العليم؛ بمعنى: العالم، والرحيم؛ بمعنى: الراحم، والشاهد: خلاف الغائب). اهـ
* [فاطر السماوات والأرض]؛ الفاطر: فطر الشيء يفطره فطرا فانفطر، وفطره: شقه، وتفطر الشيء: تشقق، والفطر: الشق، وجمعه: فطور.
وفي التنزيل: ]هل ترى من فطور[ [الملك: 3].
وقال تعالى: ]إذا السماء انفطرت[ [الانفطار: 1].
* وتفطرت الأرض بالنبات: إذا تصدعت.
والفطر: ما تفطر من النبات، وفطر ناب الجمل؛ أي: انشق فخرج.
* وفطر الله تعالى الخلق يفطرهم: خلقهم وبدأهم.
والفطر، والفطرة: الابتداء والاختراع. ([135])
وفي التنزيل العزيز: ]الحمد لله فاطر السماوات والأرض[ [فاطر: 1].
وقال تعالى: ]فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة[ [يوسف: 101].
وقال تعالى: ]قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض[ [إبراهيم: 10].
وقال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30].
وقال قتادة /: في قوله تعالى: ]فاطر السماوات والأرض[ [فاطر: 1]؛ قال: (خالق السماوات والأرض). ([136])
وقال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص103): (الفاطر: هو الذي فطر الخلق: أي: ابتدأ خلقهم؛ كقوله تعالى: ]قل الذي فطركم أول مرة[ [الإسراء: 51]). اهـ
قلت: والفطر؛ من صفات أفعاله تعالى أنه فطر الخلق، وهو فاطر السماوات والأرض.
* وقد كان النبي r يعظم ربه بهذا الاسم ويدعوه.
فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله r يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟، قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). ([137])
* وكذا في دعاء التوجه الطويل.
فعن علي بن أبي طالب t عن رسول الله r أنه كان إذا قام إلى الصلاة، قال r: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). ([138])
فقوله r: «وجهت وجهي»؛ أي: قصدت بعبادتي الذي فطر السموات والأرض.
قلت: فالمبتدئ لخلق السموات والأرض: هو الله تعالى، لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، ولا خالق سواه.
* والرب: المصلح للشيء، يقال: رببت الشيء أربه ربا، وربابة إذا أصلحته، وقمت عليه، ورب الشيء: مالكه.
ومصدر الرب: الربوبية، وكل من ملك شيئا فهو ربه، يقال: هذا رب الدار، ورب الضيعة.
ولا يقال: الرب معرفا بالألف واللام مطلقا؛ إلا لله تعالى، لأنه مالك كل شيء.
فالرب: يطلق على الله تعالى معرفا بالألف واللام، ومضافا، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة.
ويقال: رببت القوم: سستهم؛ أي: كنت فوقهم.
ورب الضيعة؛ أي: أصلحها وأتمها.
ورب فلان ولده يربه ربا، ورببه، وترببه؛ بمعنى: رباه.
والمربوب: المربى. ([139])
قال تعالى: ]قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين[ [الأنعام: 162].
وقال تعالى: ]قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء[ [الأنعام: 164].
وقال تعالى: ]ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين[ [الأعراف: 54].
وعن العباس بن عبد المطلب t قال: قال رسول الله r: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا). ([140])
* والرب ينقسم على ثلاثة أقسام:
1) يكون الرب المالك.
2) ويكون الرب السيد المطاع.
3) ويكون الرب المصلح، رب الشيء إذا أصلحه.
* والرب: مشتق من التربية، فالله سبحانه: مدبر لخلقه، ومربيهم، ومصلحهم، وجابرهم، والقائم بأمورهم، قيوم الدنيا والآخرة. ([141])
قال الراغب اللغوي / في «المفردات» (ص184): (الرب في الأصل؛ التربية، وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام). اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (1/179): (الرب: يطلق في اللغة على المالك، والسيد، والمدبر، والمربي، والقيم، والمنعم.
* ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف، فيقال: رب كذا). اهـ
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/34): («الرب»؛ له الجمع الجامع لجميع المخلوقات؛ فهو رب كل شيء، وخالقه، والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته، وتحت قهره). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (1/23): (والرب: هو المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى.
* ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة؛ تقول: رب الدار، رب كذا، وأما الرب، فلا يقال: إلا لله تعالى). اهـ
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/298): (الرب: هو المربي جميع عباده؛ بالتدبير، وأصناف النعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم، وأرواحهم، وأخلاقهم.
* ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/10): (الرب: هو من اجتمع فيه ثلاثة أوصاف: الخلق، والملك، والتدبير؛ فهو الخالق المالك لكل شيء المدبر لجميع الأمور). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/11): (أن ربوبية الله عز وجل مبنية على الرحمة الواسعة للخلق.
* الواصلة؛ لأن الله تعالى لما قال: ]رب العالمين[ [الفاتحة: 1]؛ كأن سائلا يسأل: ما نوع هذه الربوبية؟، هل هي ربوبية أخذ، وانتقام، أو ربوبية رحمة، وإنعام؟ قال تعالى: ]الرحمن الرحيم[ [الفاتحة:2]). اهـ
قلت: والربوبية؛ صفة ذاتية، ثابتة لله تعالى، وذلك من اسمه: «الرب». ([142])
* [ومليكه]؛ ملك الله تعالى، وملكوته: سلطانه، وعظمته، وعزته.
والملك: والملك، والمليك، والمالك: ذو الملك، بضم الميم.
وتملكه؛ أي: ملكه قهرا، وأملكه الشيء، وملكه إياه تمليكا جعله ملكا له، بكسر الميم.
والملكوت: مختص بملك الله تعالى، بفتح الميم، وهو مصدر: ملك، أدخلت فيه التاء: نحو: «جبروت»، و«رهبوت»، و«رحموت».
قال تعالى: ]أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض[ [الأعراف: 185].
والملك: بكسر اللام، هو النافذ الأمر في ملكه.
والله تعالى: مالك المالكين كلهم. ([143])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/12): (وفي قوله تعالى: ]مالك[؛ قراءة سبعية: ]ملك[؛ والملك: أخص من المالك.
* وفي الجمع بين القراءتين فائدة عظيمة؛ وهي أن ملكه جل وعلا ملك حقيقي؛ لأن من الخلق من يكون ملكا، ولكن ليس بمالك: يسمى ملكا اسما وليس له من التدبير شيء؛ ومن الناس من يكون مالكا، ولا يكون ملكا: كعامة الناس؛ ولكن الرب عز وجل مالك ملك.
* إثبات ملك الله عز وجل، وملكوته يوم الدين؛ لأن في ذلك اليوم تتلاشى جميع الملكيات، والملوك.
فإن قال قائل: أليس مالك يوم الدين، والدنيا؟
فالجواب: بلى؛ لكن ظهور ملكوته، وملكه، وسلطانه، إنما يكون في ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى ينادي: ]لمن الملك اليوم[ [غافر: 16]؛ فلا يجيب أحد؛ فيقول تعالى: ]لله الواحد القهار[ [غافر: 16]). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص40): (الملك: هو التام الملك، الجامع لأصناف المملوكات. فأما: «المالك»: فهو الخاص الملك، والمصدر من الملك: الملك؛ مضمومة الميم، ومن المالك: الملك، مكسورتها).اهـ
فالملك: هو الله تعالى وتقدس، ملك الملوك، له الملك، وهو مالك يوم الدين، وهو مليك الخلق؛ أي: هو ربهم، ومالكهم. ([144])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (4/343): (المالك: لجميع الأشياء المتصرف فيها؛ بلا ممانعة، ولا مدافعة). اهـ
قلت: إن الملك الحقيقي لله تعالى وحده لا يشركه فيه أحد.
قال تعالى: ]فتعالى الله الملك الحق[ [طه: 114].
وقال تعالى: ]مالك يوم الدين[ [الفاتحة: 4].
وقال تعالى: ]هو الله الذي لا إله إلا هو الملك[ [الحشر: 23].
وقال تعالى: ]إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر[ [القمر: 54 و55].
وقال تعالى: ]قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض[ [الزمر: 44].
وقال تعالى: ]تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير[ [الملك: 1].
وقال تعالى: ]ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير[ [المائدة: 18].
وقال تعالى: ]الملك يومئذ لله يحكم بينهم[ [الحج: 56].
قلت: فالذي يستحق هذا الاسم: هو الله تعالى؛ لأنه مالك الملك، وليس ذلك لأحد غيره، ]تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء[ [آل عمران: 26].
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض). ([145])
فائدة: يحرم التسمية بملك الملوك، لأن الله تعالى هو المختص بهذه التسمية.
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أخنع اسم عند الله؛ رجل تسمى بملك الأملاك). وفي رواية: (أخنى الأسماء يوم القيامة). وفي رواية: (أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه، وأغيظه عليه). ([146])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (10/590): (واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي: بهذا الاسم؛ لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه؛ مثل: «خالق الخلق»، و«أحكم الحاكمين»، و«سلطان السلاطين»، و«أمير الأمراء»). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (2/240): (ولما كان الملك الحق لله تعالى وحده، ولا ملك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم، وأوضعه عند الله تعالى، وأغضبه له اسم: «شاهان شاه»؛ أي: ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله تعالى، فتسمية غيره: بهذا من أبطل الباطل، والله تعالى لا يحب الباطل.
* وقد ألحق بعض أهل العلم: بهذا؛ «قاضي القضاة»، وقال: ليس قاضي القضاة، إلا من يقضي الحق، وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرا فإنما يقول له: كن فيكون). اهـ
* والشر: السوء، والفساد، والظلم، والجمع: «شرور».
والشر: بالفتح؛ السوء.
ورجل شر؛ أي: ذو شر.
وقوم: أشرار، وشرار.
وقد شر يشر، وشر شرا، وشرارة.
ورجل: شرير، وشرير من أشرار، وشريرين.
والشر: ضد الخير، وجمعه: شرور.
والشر: بالضم؛ العيب.([147])
قال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (4/2231): (الشر: السوء، والفعل؛ للرجل الشرير، والمصدر: الشرارة، والفعل: شر، يشر، وقوم أشرار: ضد الأخيار). اهـ
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (3/180): (شر: الشين والراء؛ أصل واحد يدل على الانتشار والتطاير؛ من ذلك الشر خلاف الخير، ورجل شرير، وهو الأصل؛ لانتشاره، وكثرته، والشرارة: والجمع: الشرار، والشرر: ما تطاير من النار، الواحدة: شررة، قال تعالى: ]إنها ترمي بشرر كالقصر[ [المرسلات: 32]؛ ويقال: شرشر الشيء؛ إذا قطعه). اهـ
وفي حديث الدعاء: (والشر ليس إليك)([148])؛ حيث نفى النبي r عن الله تعالى الظلم والفساد، لأن أفعاله تعالى صادرة عن حكمة بالغة، والموجودات كلها ملكه فهو يفعل في ملكه ما يشاء، فلا يوجد في فعله ظلم ولا فساد.
قلت: لذلك الشر لا يتقرب به إلى الله تعالى من العبادات البدعية، وغيرها من شرور، ولا يبتغى بها وجه الله تعالى، ولا تصعد إليه سبحانه هذه الأعمال الباطلة التي يعمل بها أهل البدع والأهواء.
* وإنما تصعد إليه سبحانه الأعمال الصالحة الطيبة من الأقوال والأعمال. ([149])
قلت: وهذا الدعاء: هو إرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى وأن تضاف إليه سبحانه محاسن الأعمال دون مساوئها.
قلت: وليس المقصود نفي شيء عن قدرته وتقديره لها، فتنبه.
* تعريف الشيطان في اللغة: أصله؛ «شطن»: إذا بعد عن الحق، أو عن رحمة الله تعالى، وكل عات متمرد من الجن والإنس، فهو: «شيطان». ([150])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (2/544): (الشين، والطاء، والنون؛ أصل: مطرد صحيح، يدل على البعد. ([151])
يقال: بئر شطون، أي: بعيدة القعر.
والشطن: الحبل، وهو القياس، لأنه بعيد ما بين الطرفين.
وعلى هذا؛ فالنون في: «الشيطان» أصلية.
وقيل: هو من شاط يشيط؛ فأصله: شيط، وهو يدل على ذهاب الشيء، إما: احتراقا، وإما غير ذلك.
* وعلى هذا، فالنون زائدة. قال بعض العلماء: كلاهما صحيح في المعنى، ولكن الأول أصح، ويدل عليه كلام العرب). اهـ
* تعريف الشيطان في الشرع:
الشيطان يطلق على إبليس، وجنوده.
قال تعالى: ]وقال الشيطان لما قضي الأمر[ [إبراهيم: 22].
* وقد يطلق على غيرهم؛ إذا وجد فيه صفاتهم.
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (1/61): (الشيطان في كلام العرب: كل متمرد من الجن، والإنس، والدواب، وكل شيء). اهـ
* سبب التسمية:
سمي الشيطان شيطانا؛ لبعده عن الحق وتمرده. ([152])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (1/62): (إنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا؛ لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده عن الخير). اهـ
* الحكم:
يجب الإيمان بوجود الشيطان، وأنه عدو الإنسان يدعوه إلى النار.
قال تعالى: ]إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير[ [فاطر: 6].
وقال تعالى: ]إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون[ [النحل: 99].
* الحقيقة:
الشياطين: حقيقة لا خرافة، وهم المتمردون من الجن، وأن لهم قبيلا، وذرية.
قال تعالى: ]وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو[ [الكهف: 50].
وقال تعالى: ]يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم[ [الأعراف: 27].
* الأهمية:
الشيطان عدو الإنسان، ومعرفة العدو اللدود، ومعرفة مدى عداوته تجعل الإنسان يهتم به، وبمقاومته، ومخالفته.
قال تعالى: ]إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا[ [الإسراء: 53].
* عباد الشيطان:
إن كل من يعص أوامر الله تعالى على هواه، وعاند واستمر في هواه، فهو من عباد الشيطان.
قال تعالى: ]ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين[ [يس: 60].
وقال تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون[ [الجاثية: 23].
وقال تعالى: ]وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا[ [الأنعام: 112].
وقال تعالى: ]وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون[ [الأنعام: 121].
وقال تعالى: ]لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا[ [النساء: 118].
* الفرق بين «الشيطان»، و«الجن»:
الشيطان: هو الشرير من الجن؛ لأن الشيطان يفيد الشر.
الجني: اسم جنس، والشيطان: صفة.
الفرق بين: «إبليس»، و«الشيطان»:
الفرق بينهما: هو أن إبليس أكبر الشياطين ورئيسهم. ([153])
وهو الذي أبى السجود لآدم.
قال تعالى: ]قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي[ [ص: 75].
وقال تعالى: ]وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس[ [الكهف: 50].
وقال تعالى: ]قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين[ [الأعراف: 12].
والشيطان: يطلق على إبليس وجنوده.
قال تعالى: ]وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم[ [الأنعام: 121].
* الحكمة في خلق الشيطان.
وهي حكم كثيرة؛
منها: أن يكمل لأنبيائه، وأوليائه مراتب العبودية، بمجاهدة عدو الله إبليس وحزبه.
ومنها: خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس اللعين ما شاهدوه، وسقوطه من مرتبته.
فالخلاصة: أن الحكمة في خلق الشيطان حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت، ولكان الحاصل بعضها لا كلها. ([154])
قلت: وأنكرت الملاحدة المتفلسفة حقيقة الشياطين.
فقالوا: الشياطين قوى النفس الخبيثة، وإن الجن هم الجراثيم والميكروبات التي كشف عنها العلم الحديث. ([155])
* ويكفي في الرد على باطلهم هذا، أن الله تعالى أثبت أنهم على الحقيقة.
فقال تعالى: ]قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين[ [الأعراف: 12].
* والشرك: اسم من قولهم؛ أشرك به يشرك إشراكا، وهو مأخوذ من مادة: «الشين، والراء، والكاف»: التي تدل على مقارنة، وخلاف انفراد، وتدل على مخالطة، ومصاحبة، ومشاركة، ونصيب، وحظ. ([156])
قال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (7/99): (الشركة والشركة سواء؛ مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا؛ بمعنى: تشاركنا، وقد اشترك الرجلان، وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر، والشريك: المشارك. والشرك: كالشريك، والجمع: أشراك، وشركاء). اهـ
وقال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (3/265): (الشركة: وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلانا في الشيء، إذا صرت شريكه، وأشركت فلانا، إذا جعلته شريكا لك). اهـ
وقال الزبيدي اللغوي / في «تاج العروس» (7/148): (الشرك أيضا: الكفر). اهـ
* معنى الشرك في الشرع:
هو صرف العبد بنوع من أنواع العبادة إلى غير الله تعالى، وأن يجعل له ندا يعبده من دونه سبحانه في توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وأن يعتقد بخلاف توحيد الأسماء والصفات. ([157])
قال تعالى: ]ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله[ [آل عمران: 64].
وقال تعالى: ]فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون[ [البقرة: 22].
وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (1/174): (الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية). اهـ
وقال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا[ [النساء: 116].
وقال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما[ [النساء: 48].
وقال تعالى: ]ولا تكونوا من المشركين[ [يونس: 105].
وقال تعالى: ]فتعالى عما يشركون[ [المؤمنون: 92].
وقال تعالى: ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر: 65].
وقال تعالى: ]واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا[ [النساء: 36].
وقال تعالى: ]أن الله بريء من المشركين ورسوله[ [براءة: 3].
وقال تعالى: ]لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم[ [لقمان: 13].
وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال r: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات). ([158])
وعن أبي بكرة t قال: قال رسول الله r: (أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور). ([159])
وعن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: (من مات يشرك بالله شيئا دخل النار) ([160]). وفي رواية: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار).
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (2/325): (الند: الشبيه). اهـ
وعن ابن مسعود t قال: سألت النبي r؛ أي الذنب أعظم عند الله؟ قال r: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك). ([161])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العبودية» (ص38): (العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة).اهـ
* وللشرك – سواء أكان من المشركين أهل الجاهلية الأولى، أو ممن ينتسبون لأهل الكتاب من اليهود أو النصارى، أو المبتدعة ممن ينتسبون إلى الإسلام – صور عديدة كشف عنها علماء التوحيد محذرين الناس منها، خاصة أن هذه المظاهر قد شاعت في عدد من البلدان الإسلامية. ([162])
* نذكر من ذلك:
1) الاستغاثة، والتوسل بغير الله تعالى.
2) الزيارة البدعية للمقابر.
3) الذبح لغير الله تعالى، والنذر لغيره سبحانه.
4) الحلف بغير الله تعالى.
5) عبادة القبور. ([163])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (1/159): (من أعظم أنواع الشرك: دعاء الملائكة، والأنبياء، والصالحين بعد موتهم، وعند قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم، والاستغاثة بهم، وطلب الشفاعة منهم، وهو من الدين الذي لم يشرعه الله تعالى، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا وليس هو واجبا، ولا مستحبا باتفاق المسلمين، ولا فعله أحد من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين.
* وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات، ومنامات، فهذا كله من الشيطان!). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «إقامة البراهين» (ص14): (إن دعاء غير الله تعالى من الأموات، والأشجار، والأصنام، وغيرها شرك بالله عز وجل ينافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب لبيانها، والدعوة إليها، وهذا معنى: «لا إله إلا الله»؛ أي: لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله تعالى، وتثبتها لله تعالى وحده، وهذا هو أصل الدين). اهـ
قلت: ولا إثم أعظم من الشرك بالله تعالى.
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (8/ 569): (لا إثم أعظم من إثم الإشراك بالله، ولا عقوبة أعظم من عقوبته في الدنيا والآخرة؛ لأن الخلود الأبدي في النار لا يكون في ذنب غير الشرك بالله تعالى، ولا يحبط الإيمان غيره؛ لقوله تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]؛ وإنما سمى الله الشرك ظلما؛ لأن الظلم عند العرب: وضع الشيء في غير موضعه؛ لأنه كان يجب عليه الاعتراف بالعبودية، والإقرار بالربوبية لله تعالى حين أخرجه من العدم إلى الوجود، وخلقه من قبل ولم يك شيئا، ومن عليه بالإسلام، والصحة، والرزق إلى سائر نعمه التي لا تحصى). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (12/210): (الشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (1/173): (الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه). اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (3/245): (الحديث: «أعوذ بك من شر الشيطان وشركه»؛ أي: ما يدعو إليه، ويوسوس به من الإشراك بالله تعالى، ويروى؛ بفتح: الشين، والراء؛ أي: حبائله ومصايده، واحدها: شركة). اهـ
قلت: والشرك الخفي، هو الرياء في العمل، فكأنه أشرك في عمله غير الله تعالى.
قال تعالى: ]ولا يشرك بعبادة ربه أحدا[ [الكهف: 110].
قال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (3/245): (يقال: شركته في الأمر: أشركه شركة، والاسم: الشرك، وشاركته: إذا صرت شريكه، وقد أشرك بالله: فهو مشرك إذا جعل له شريكا، والشرك: الكفر). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر الخامس»
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2692)، وأبو داود في «سننه» (5093)، والترمذي في «سننه» (3469)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2/146).
الشرح الأثري:
فمن الأذكار العظيمة المشروعة في الصباح والمساء؛ أن يقول المسلم: إذا أصبح، وإذا أمسى: «سبحان الله وبحمده، مائة مرة».
* وفي هذا الذكر العظيم: جمع بين التسبيح والحمد.
والتسبيح: فيه تنزيه لله تعالى عن النقائص والعيوب.
والحمد: فيه إثبات الكمال له سبحانه.
وتعيين المائة: لحكمة أرادها الشارع، وخفي وجهها علينا. ([164])
والتسبيح في اللغة: مصدر سبح، وهو مأخوذ من مادة: «س، ب، ح»؛ التي تدور حول معنيين:
الأول: جنس من العبادة.
والآخر: جنس من السعي.
فالأول: السبحة؛ وهي: الصلاة، وتختص بذلك ما كان نفلا غير فرض. ([165])
قال الفقهاء: يجمع المسافر بين الصلاتين، ولا يسبح بينهما؛ أي: لا يتنفل بينهما بصلاة.
ومن هذا الباب: التسبيح: وهو تنزيه الله تعالى من كل سوء.
والتنزيه: التبعيد، والعرب تقول: سبحان من كذا؛ أي: ما أبعده.
* وتنزيه الله تعالى عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف به.
وتقول: سبحت الله تعالى تسبيحا؛ أي: نزهته تنزيها.
قال تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا﴾ [الإسراء: 1]؛ منصوب على المصدر؛ والمعنى: أسبح الله تعالى تسبيحا.
ويقال: سبح تسبيحا، وسبحانا، ومعناه: تنزيها لله تعالى عما لا يليق به من كل نقص، وعيب. ([166])
وسبح الرجل: قال سبحان الله، وفي التنزيل: ﴿كل قد علم صلاته وتسبيحه﴾ [النور: 41].
وقال تعالى: ﴿تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ [الإسراء: 44]؛ فيكون تسبيح هذه المخلوقات بما الله تعالى به أعلم لا نفقه منه؛ إلا ما علمناه، وفيه دليل أن هذه المخلوقات تعبد الله تعالى.
قال تعالى: ﴿ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس﴾ [الحج: 18].
قلت: فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها، لا نفقهها عنها، كما لا نفقه تسبيحها.
وقال تعالى: ﴿وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله﴾ [البقرة: 74].
قلت: وقد علم الله تعالى هبوطها من خشيته، ولم يعرفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندعي بما لا نكلف بأفهامنا من علم فعلها كيفية نحدها.
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (3/125): (السين، والباء، والحاء؛ أصلان: أحدهما: جنس العبادة، والآخر: جنس من السعي.
فالأول: السبحة: وهي الصلاة، ويختص بذلك ما كان نفلا غير فرض.
ومن الباب: التسبيح، والتنزيه: التبعيد). اهـ
والتسبيح: التنزيه.
والتنزيه: التبعيد.
والعرب تقول: سبحان من كذا؛ أي: ما أبعده، ومنه تنزيه الله تعالى من السوء: تبعيده منه، وتسبيحه: تبعيده، من قولك: سبحت في الأرض؛ إذا أبعدت فيها، ومنه: قوله تعالى: ﴿وكل في فلك يسبحون﴾ [يس: 40].
وقيل: هو اسم علم لمعنى البراءة، والتنزيه.
* والتسبيح في الشرع: هو تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعيب، وتعظيمه وإجلاله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (6/177): (سبحان الله: يتضمن مع نفي صفات النقص عنه، إثبات ما يلزم ذلك من عظمته؛ فكان التسبيح تعظيم له مع تبرئته من السوء). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «حادي الأرواح» (ص417): (ومعنى هذه الكلمة: تنزيه الرب تعالى، وتعظيمه، وإجلاله عما لا يليق به). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (11/210): (التسبيح: يعني قول: سبحان الله، ومعناه: تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص، فيلزم نفي الشريك، والصاحبة، والولد، وجميع الرذائل، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، وجماع معناه). اهـ
قلت: حقيقة التسبيح؛ تعظيم الله تعالى بنفي النقائص، وإثبات الكمالات.
ويطلق التسبيح، ويراد به التعظيم لله تعالى.
فعن علي بن أبي طالب t: (أنه سئل عن التسبيح، فقال: تعظيم جلال الله تعالى). ([167])
ويطلق التسبيح، ويراد به الصلاة.
قال تعالى: ﴿فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى﴾ [طه: 130].
* فقد ورد أن المراد بالتسبيح هنا: «الصلاة». ([168])
وعن ابن عمر ﭭ: (كان رسول الله r يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه). ([169])
يعني: يصلي النافلة على الراحلة.
* ويطلق التسبيح ويراد به: الذكر عموما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «جامع المسائل» (3/292): (ويراد بالتسبيح: جنس ذكر الله تعالى.
يقال: فلان يسبح، إذا كان يذكر الله تعالى.
ويدخل في ذلك: التهليل، والتحميد، ويراد بالتسبيح قول العبد: سبحان الله، وهذا أخص به). اهـ
قلت: وينقسم تسبيح الله تعالى إلى قسمين رئيسيين؛ هما: التنزيه، والتعظيم، والإجلال.
* والتنزيه قسمان:
1) تنزيهه عن المماثلة.
2) تنزيهه عن النقص، والعيب.
فهو يجمع أمرين:
تنزيه عن صفات النقص.
وتنزيه عن مماثلة المخلوق في صفات الكمال. ([170])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (17/325): (فإنه كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له، وهذان النوعان: يجمعان التنزيه الواجب لله تعالى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (5/228): (إن التسبيح: فيه نفي السوء، والنقائص: المتضمن إثبات المحاسن، والكمال). اهـ
* وثمرات التسبيح هي:
1) غفران الذنوب، وإن كانت كثيرة.
2)كثرة الثواب الذي لا يحصيه؛ إلا الله تعالى.
3) الثقل في الميزان يوم القيامة، ومن ثقل ميزانه فقد أفلح.
4) التسبيح يصل المؤمن بربه تعالى.
5) يبقي اللسان رطبا بذكر الله تعالى.
6) فيه كسب لحب الله تعالى، ومرضاته.
قال تعالى: ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا﴾ [الفرقان: 58].
وقال تعالى: ﴿فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون﴾ [الروم: 17].
وقال تعالى: ﴿فسبح باسم ربك العظيم﴾ [الواقعة: 74].
وقال تعالى: ﴿ومن الليل فسبحه وأدبار السجود﴾ [ق: 40].
وقال تعالى: ﴿وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار﴾ [غافر: 55].
وقال تعالى: ﴿ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا﴾ [الإنسان: 26].
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).([171])
وعن أبي هريرة t؛ أن رسول الله r قال: (من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر). ([172])
قلت: ويوصف الله تعالى بأنه: «السبوح»، والسبوح: من أسماء الله تعالى.([173])
فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله r؛ يقول في ركوعه، وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة، والروح). ([174])
قال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص154): (السبوح: المنزه عن كل عيب، جاء بلفظ: «فعول» من قولك: سبحت الله تعالى؛ أي: نزهته). اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تفسير غريب القرآن» (ص8): (ومن صفاته: «سبوح»، وهو حرف مبني على: «فعول» من سبح الله: إذا نزهه، وبرأه من كل عيب، ومنه قيل: سبحان الله؛ أي: تنزيها لله تعالى، وتبرئة له من ذلك). اهـ
وقال الفيروزآبادي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص248): (سبوح قدوس([175]): من صفاته؛ لأنه يسبح، ويقدس). اهـ
* والحمد في اللغة: مصدر قولهم؛ حمد يحمد، وهو مأخوذ من مادة «ح، م، د» التي تدل على خلاف الذم.
يقال: حمدت فلانا أحمده؛ مدحته، ورجل: محمود، ومحمد، إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة.
* والحمد: هو الثناء، وقد حمده حمدا، ومحمدا، ومحمدة، ومحمدا، ومحمدة، فهو: محمود، وحميد.
ويقال: رجل حمدة؛ أي: يكثر حمد الأشياء، ويقول فيها أكثر مما فيها.
وحمده، وحمده، وأحمده: وجده محمودا.
والمحمدة: بفتح الميمين خلاف المذمة، ضد المذمة.
والمحمد: بالتشديد الذي كثرت خصاله المحمودة.
وأحمد فلان: صار أمره إلى الحمد.
والحمد: الشكر.
والحمد: الجزاء.
ويقال: رجل حمدة؛ كثير الحمد.
والحمد: ضد الذم. ([176])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (2/100): (الحاء، والميم، والدال: كلمة واحدة، وأصل واحد يدل على خلاف الذم، يقال: حمدت فلانا أحمده، ورجل محمود، ومحمد، إذا كثرت خصاله المحمودة غير المذمومة). اهـ
* والحمد والشكر: متقاربان في المعنى.
والحمد: أعم من الشكر.
والحمد: أعم من الشكر من جهة أسبابه؛ فإنه يكون على نعمة، وعلى غير نعمة.
والحمد: يقع بالقلب، واللسان.
والحمد: قد يكون شكرا للضيعة والصنيعة، ويكون ابتداء للثناء.
والحمد: أعم؛ لأنك تحمد العبد على صفاته الذاتية، وعلى عطائه، ولا تشكره على صفاته.
والحمد: يتضمن المدح، والثناء على المحمود بذكر محاسنه، سواء كان الإحسان إلى الحامد، أو لم يكن.
والثناء: أخص من الحمد.
والثناء: الذي هو تكرار المحامد.
والشكر: لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر؛ فمن هذا الوجه صار الحمد: أعم من الشكر.
والشكر: لا يقال إلا في مقابلة نعمة؛ فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرا.
والشكر: أعم من جهة أنواعه؛ فإنه يكون بالقلب، واللسان، واليد.
ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعا، واستكانة.
وباللسان: ثناء، واعترافا.
وبالجوارح: طاعة، وانقيادا.
والحمد: أخص من المدح، وأعم من الشكر.
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (2/237): (الشكر: أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته.
والحمد: أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب.
ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا.
ومتعلقه: النعم، دون الأوصاف الذاتية.
فلا يقال: شكرنا الله تعالى على حياته، وسمعه، وبصره، وعلمه، وهو المحمود عليها.
كما هو: محمود على إحسانه وعدله.
والشكر: يكون على الإحسان والنعم.
* فكل ما يتعلق به الشكر: يتعلق به الحمد من غير عكس.
وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس.
فإن الشكر: يقع بالجوارح، والحمد يقع بالقلب واللسان). اهـ
ويقال: الحمد، والشكر.
ويقال: الحمد لله، والشكر لله.
دون تفريق عند عدد من العلماء.
* والمدح: يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يكون منه، وفيه بالتسخير.
فقد يمدح الإنسان بطول قامته، وصباحة وجهه؛ كما يمدح ببذل ماله، وسخائه، وعلمه.
* والمدح يكون في الثاني دون الأول.
وكل حمد مدح، وليس كل مدح حمدا.
وكل واحد من المدح، والحمد: يتضمن العلم بما يحمد به غيره، ويمدحه: فلا يكون مادحا، ولا حامدا؛ من لم يعرف صفات المحمود.
والممدوح: فإن تجرد عن العلم كان كلاما بغير علم.
فإن طابق فصدق، وإلا فكذب.
* فالفرق بين الحمد، والمدح: أن يقال؛ الإخبار عن محاسن الغير.
إما أن يكون إخبارا مجردا من حب، وإرادة، أو مقرونا بحبه، وإرادته.
فإن كان الأول: فهو المدح.
وإن كان الثاني: فهو الحمد.
فالحمد: إخبار عن محاسن المحمود مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه.
ولهذا كان خبرا يتضمن الإنشاء.
بخلاف المدح: فإنه خبر مجرد. ([177])
فالمدح: الإخبار عن محاسن الغير: إخبارا مجردا من حب، وإرادة.
والحمد: إخبار عن محاسن المحمود؛ مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه.
فالحمد: خبر بمحاسن المحمود وهو مقرون بمحبته. ([178])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/9): (قوله تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾: ﴿الحمد﴾؛ وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ الكمال الذاتي، والوصفي، والفعلي؛ فهو كامل في ذاته، وصفاته، وأفعاله؛ ولا بد من قيد وهو: «المحبة، والتعظيم»؛ قال أهل العلم: «لأن مجرد وصفه بالكمال بدون محبة، ولا تعظيم: لا يسمى حمدا؛ وإنما يسمى مدحا»؛ ولهذا يقع من إنسان لا يحب الممدوح؛ لكنه يريد أن ينال منه شيئا؛ تجد بعض الشعراء يقف أمام الأمراء، ثم يأتي لهم بأوصاف عظيمة لا محبة فيهم؛ ولكن محبة في المال الذي يعطونه، أو خوفا منهم؛ ولكن حمدنا لربنا عز وجل حمد محبة، وتعظيم؛ فلذلك صار لا بد من القيد في الحمد أنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة، والتعظيم؛ و«أل» في ﴿الحمد﴾؛ للاستغراق: أي: استغراق جميع المحامد.
وقوله تعالى: ﴿لله﴾؛ اللام للاختصاص، والاستحقاق؛ و«الله» اسم ربنا عز وجل؛ لا يسمى به غيره؛ ومعناه: المألوه؛ أي: المعبود حبا، وتعظيما). اهـ
* وتعريف الحمد شرعا:
الحمد: ذكر محاسن المحمود، والإخبار بها؛ مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (5/404): (الحمد: خبر بمحاسن المحمود، وهو مقرون بمحبته). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (2/93): (الحمد: إخبار عن محاسن المحمود؛ مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (1/241): (فالحمد: هو الإخبار بمحاسن المحمود على وجه الحب له، ومحاسن المحمود تعالى: إما قائمة بذاته، وإما ظاهرة في مخلوقاته.
* فأما المعدوم المحض الذي لم يخلق، ولا خلق قط؛ فذاك ليس فيه محاسن، ولا غيرها، فلا محامد فيه البتة.
* فالحمد لله تعالى الذي يملأ المخلوقات ما وجد منها، وما يوجد: هو حمد يتضمن الثناء عليه بكماله القائم بذاته، والمحاسن الظاهرة في مخلوقاته). اهـ
قلت: والحمد على الإطلاق لا يكون إلا لله تعالى، فهو: المستحق للحمد كله.
قال تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ [الفاتحة: 2].
وقال تعالى: ﴿الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض﴾ [الأنعام: 1].
وقال تعالى: ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾ [فاطر: 15].
وقال تعالى: ﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ [الأنعام: 45].
وقال تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا﴾ [النمل: 43].
وقال تعالى: ﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ [الرعد: 13].
وقال تعالى: ﴿فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها﴾ [طه: 130].
وعن سمرة بن جندب t قال: قال رسول الله r: (أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر). ([179])
وعن كعب بن عجرة t عن النبي الله r قال: في التشهد: (قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). ([180])
وعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها). ([181])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب: فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان). ([182])
قلت: ومن فوائد الحمد:
1) الحمد من أجمل الصفات التي تحلى بها رسول الله r، وأوصى بها أمته.
2) يجعل العبد دائما مطمئنا لقضاء الله، ويوصله لمقام الرضا.
3) أنه من أعلى مقامات الإيمان.
4) محبة الله تعالى، ونصرته.
5) مجاورة العبد ربه تعالى في أعلى مقامات الجنة.
6) غفران الذنوب، وستر العيوب.
7) قوة البدن، وعافيته.
8) جلب النعم.
9) المحافظة على النعم.
10) انشغال العبد بذكر ربه تعالى.
* والحميد: من صفات الله تعالى؛ بمعنى: المحمود على كل حال.
وهو من الأسماء الحسنى: فعيل؛ بمعنى: محمود.
وهذه اللفظة في الأصول: فعيل؛ بمعنى: مفعول.
ولفظة مفعول في هذا المكان ينبو عنها طبع الإيمان.
فيوصف الله تعالى بأنه الحميد، وهو صفة ذاتية له.
* والحميد: اسم من أسمائه، فهو فعيل من الحمد، وهو بمعنى: محمود. ([183])
قال الحافظ ابن الأثير / في «جامع الأصول» (4/180): (الحميد: المحمود الذي استحق الحمد بفعله، وهو فعيل بمعنى مفعول). اهـ
قلت: فيوصف الله تعالى بأنه: «الحميد» وهو صفة ذاتية له.
والتحميد: حمدك الله تعالى مرة بعد مرة. ([184])
قال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (2/1620): (التحميد كثرة حمد الله تعالى بالمحامد الحسنة، والتحميد أبلغ من الحمد). اهـ
فالله تعالى: محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله.
قال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص78): (الحميد: هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله، وهو فعيل؛ بمعنى: مفعول، وهو الذي يحمد في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، لأنه حكيم لا يجري في أفعاله الغلط، ولا يعترضه الخطأ؛ فهو محمود على كل حال). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (1/321): (وهو الحميد؛ أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه).اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «الاعتقاد» (ص62): (هو المحمود الذي يستحق الحمد). اهـ
وقال العلامة السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/299): (الحميد: في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فله من الأسماء أحسنها، ومن الصفات أكملها وأحسنها، فإن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل والعدل). اهـ
وقال الزجاج اللغوي / في «تفسير الأسماء الحسنى» (ص55): (الحميد: هو فعيل في معنى مفعول، والله تعالى هو: المحمود بكل لسان، وعلى كل حال). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (3/58): (حميد: أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (6/83 و84): (وأيضا: فإن الله سبحانه أخبر أن له الحمد، وأنه حميد مجيد، وأن له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، ونحو ذلك من أنواع المحامد.
* والحمد نوعان:
1) حمد على إحسانه إلى عباده، وهو من الشكر.
2) وحمد لما يستحقه هو: بنفسه من نعوت كماله.
* وهذا الحمد لا يكون؛ إلا لمن هو في نفسه مستحق للحمد.
وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال، وهي أمور وجودية.
فإن الأمور العدمية المحضة لا حمد فيها، ولا خير، ولا كمال.
* ومعلوم أن كل ما يحمد؛ فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال؛ فكل ما يحمد به الخلق: فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد، فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود بالحمد، والكمال من كل كامل، وهو المطلوب). اهـ
قلت: فالله تعالى له الحمد على غناه، وجميل نعمه.
* وله الحمد على مجده، وعظمته، وكبريائه. ([185])
* وله الحمد على توليه المؤمنين بنصرته، ورعايته لهم، ونعمته عليهم، ومحبته لهم.
* وله الحمد على عزته، وغلبته، وعلى إعزازه لأوليائه، ونصره لحزبه وجنده.
قال تعالى: ﴿أن الله غني حميد﴾ [البقرة: 267].
وقال تعالى: ﴿إنه حميد مجيد﴾ [هود: 73].
وقال تعالى: ﴿الولي الحميد﴾ [الشورى: 28].
وقال تعالى: ﴿العزيز الحميد﴾ [البروج: 8].
* والفرق بين الحميد، والمحمود:
الحميد: فلم يأت إلا بمعنى المحمود، وهو أبلغ من المحمود، فإن فعيلا إذا عدل به عن مفعول: دل على أن تلك الصفة قد صارت مثل: السجية، والغريزة، والخلق اللازم.
كما إذا قلت: فلان؛ طريف، وشريف، وكريم.
* ولهذا يكون هذا البناء غالبا من فعل: بوزن شرف.
* وهذا البناء من أبنية الغرائز، والسجايا اللازمة، ككبر، وصغر، وحسن، ولطف، ونحو ذلك. ([186])
* ولهذا كان حبيب أبلغ من محبوب، لأن الحبيب الذي حصلت فيه الصفات، والأفعال التي يحب لأجلها، فهو حبيب في نفسه.
وإن قدر أن غيره لا يحبه، لعدم شعوره به، أو لمانع منعه من حبه.
* وأما المحبوب: فهو الذي تعلق به حب المحب؛ فصار محبوبا بحب الغير له.
* وأما الحبيب: فهو حبيب بذاته وصفاته، تعلق به حب الغير، أو لم يتعلق.
وهكذا الحميد، والمحمود:
* فالحميد: هو الذي له من الصفات، وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا، وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه.
* والمحمود: من تعلق به حمد الحامدين.
* واسم الجلال: «الحميد»؛ متضمن لكمال الحمد، وهو الذي له الحمد كله، فكمال حمده يوجب: أن لا ينسب إليه شر، ولا سوء، ولا نقص؛ لا في أسمائه، ولا في أفعاله، ولا في صفاته. ([187])
قلت: فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر، والسوء، والظلم إليه.
قال تعالى: ﴿واعلموا أن الله غني حميد﴾ [البقرة: 267].
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص241):
وهو الحميد فكل حمد واقع |
|
أو كان مفروضا مدى الأزمان |
ملأ الوجود جميعه ونظيره |
|
من غير ما عد ولا حسبان |
هو أهله سبحانه وبحمده |
|
كل المحامد وصف ذي الإحسان |
قلت: وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فتأمله، وبالله التوفيق.
* [لم يأت أحد يوم القيامة]؛ يوم القيامة: هو يوم حقيقي، يقوم فيه الخلق بأجسادهم، وأرواحهم لرب العالمين.
* وتعريف يوم القيامة في اللغة:
* يوم: الياء، والواو، والميم: كلمة واحدة، وهي: اليوم، واحد الأيام.
ثم يستعيرونه في الأمر العظيم.
* واليوم: هو النهار، وقيل: مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها.
والعرب قد تطلق اليوم: وتريد الوقت، والحين: نهارا كان أو ليلا.
* القيامة: مصدر من قام يقوم، ودخلها التأنيث للمبالغة على عادة العرب.
والقيام: ضد الجلوس. ([188])
* وتعريف يوم القيامة في الشرع:
يوم القيامة: هو يوم البعث، والقيام من القبور، وهو اليوم الآخر الذي لا يوم بعده، وهو يوم يقوم فيه الخلق بين يدي الحي القيوم، ليحاسبهم، ويجازيهم بما عملوا: إما بدار النعيم، وإما بالعذاب الأليم. ([189])
قال تعالى: ﴿ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين﴾ [المطففين: 4-6].
وقال تعالى: ﴿يوم يقوم الروح والملائكة صفا﴾ [النبأ: 38].
وعن عبد الله بن عمر ﭭ: عن النبي r قال: في قوله تعالى: ﴿يوم يقوم الناس لرب العالمين﴾ [المطففين: 6]؛ قال r: (يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه). ([190])
قال الحافظ السيوطي / في «البدور السافرة» (ص143)؛ في سبب تسمية يوم القيامة بهذا الاسم: (لقيام الخلق من قبورهم، وقيامهم لرب العالمين، ولقيام الروح، والملائكة صفا). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح العقيدة الواسطية» (ص145): (وسميت قيامة: لقيام الناس من قبورهم لرب العالمين). اهـ
قلت: وفي هذا اليوم تقطع الوصلات التي كانت في الدنيا.
قال ابن عباس ﭭ: في قوله تعالى: ﴿وتقطعت بهم الأسباب﴾ [البقرة: 166]؛ قال: (الوصلات في الدنيا). ([191])
* لذلك يجب الإيمان بيوم القيامة: وهو ركن من أركان الإيمان الستة من أنكره، أو شك فيه؛ فليس بمسلم. ([192])
قال تعالى: ﴿كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور﴾ [آل عمران: 185].
وقال تعالى: ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا﴾ [الإسراء: 13].
وقال تعالى: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ [طه: 124].
وقال تعالى: ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون﴾ [البقرة: 281].
وعن عمر بن الخطاب t عن النبي r قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). ([193])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (2/105): (حكم الإيمان: باليوم الآخر؛ فريضة واجب، ومرتبته في الدين: أنه أحد أركان الإيمان الستة). اهـ
قال القاضي عياض / في «الشفا» (2/290): (من أنكر الجنة أو النار، أو البعث أو الحساب، أو القيامة: فهو كافر؛ بالإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواترا). اهـ
وقال العلامة السفاريني / في «البحور الزاخرة» (1/607): (قد دل على قيام الناس من الأجداث: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح العقيدة الواسطية» (ص142): (اليوم الآخر: هو يوم القيامة، والإيمان به أحد أركان الإيمان). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (2/106): (وسمي اليوم الآخر باليوم الآخر؛ لأنه يوم لا يوم بعده؛ فهو آخر المراحل.
* والإنسان له خمس مراحل: مرحلة العدم، ثم الحمل، ثم الدنيا، ثم البرزخ، ثم الآخرة.
1) فأما مرحلة العدم؛ فقد دل عليها: قوله تعالى: ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا﴾ [الإنسان: 1]؛ وقال تعالى: ﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾ [الحج: 5].
2) وأما مرحلة الحمل؛ فقال الله عنها: ﴿يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث﴾ [الزمر: 6].
3) وأما مرحلة الدنيا؛ فقال الله عنها: ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون﴾ [النحل: 78].
وهذه المراحل هي التي عليها مدار السعادة والشقاء، وهي دار الامتحان والابتلاء؛ كما قال تعالى: ﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾ [الملك: 2].
4) وأما مرحلة البرزخ؛ فقال الله عنها: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ [المؤمنون: 100].
5) وأما مرحلة الآخرة؛ فهي غاية المراحل، ونهاية الراحل؛ قال الله تعالى بعد ذكر المراحل: ﴿ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون﴾ [المؤمنون: 15- 16]). اهـ
قلت: ومن حكمة يوم القيامة: أن تجزى كل نفس بما كسبت، ويظهر عدل الله تعالى.
قال تعالى: ﴿إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى﴾ [طه: 15].
وقال تعالى: ﴿من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد﴾ [فصلت: 46].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/12): (قوله تعالى: ﴿يوم الدين﴾ [الفاتحة: 4]؛ هو يوم القيامة؛ و﴿الدين﴾؛ هنا بمعنى: الجزاء؛ يعني: أنه سبحانه مالك لذلك اليوم الذي يجازي فيه الخلائق).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (1/105): (قوله تعالى: ﴿ثم إليه ترجعون﴾ [البقرة: 28]؛ بعد الإحياء الثاني ترجعون إلى الله تعالى، فينبئكم بأعمالكم، ويجازيكم عليها).اهـ
قلت: ومن آثار الإيمان بيوم القيامة: السلوك الحسن، والطمأنينة القلبية، والصحة النفسية، فيجتنب العبد ما يسخط الله تعالى، ويبذل جهده فيما يرضيه؛ لأن أعمال العباد ليست ضائعة؛ بل سيجزون بما عملوا يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد﴾ [المجادلة: 6].
وقال تعالى: ﴿إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى﴾ [طه: 74-76].
* أقسام يوم القيامة:
1) القيامة الصغرى: وهي موت الإنسان.
قال المغيرة بن شعبة t: (يقولون: القيامة؛ القيامة: وإنما قيامة أحدهم موته). ([194]) يعني: قيامة الإنسان موته.
وعن سفيان بن أبي قيس قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال: (أما هذا فقد قامت قيامته). ([195])
2) القيامة الكبرى: وهي التي يقوم فيها الخلق لرب العالمين. ([196])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «شرح العقيدة الواسطية» (ص145): (القيامة: قيامتان؛ قيامة صغرى: وهي الموت.
وهذه القيامة: تقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه، وانقطاع سعيه.
وقيامة كبرى: وهذه تقوم على الناس جميعا، وتأخذهم أخذة واحدة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (2/127): (القيامة الكبرى: هي التي يقوم فيها الناس من قبورهم لرب العالمين... والقيامة الصغرى: هي قيامة كل إنسان بعينه؛ فإن كل إنسان له قيامة؛ فمن مات: قامت قيامته).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر السادس»
عن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين ڤ: (أن النبي r خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي r: لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2726)، والبخاري في «الأدب المفرد» (647)، وأبو داود في «سننه» (1503)، والترمذي في «سننه» (3555).
الشرح الأثري:
إن من الأذكار العظيمة الجامعة التي يستحب للمسلم أن يواظب عليها كل صباح أن يقول: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته».([197])
وهذا لفظ آخر:
وعن جويرية ڤ قالت: مر بها رسول الله r حين صلى صلاة الغداة، أو بعدما صلى الغداة ([198])، قال النبي r: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2726).
[عدد خلقه]؛ يعني: حمدا أبلغ به رضا الله تعالى.
فأنت: تسبح الله تعالى، وتحمده، وفي نفس الوقت تدعو الله تعالى أن يبلغك ذكرك رضاه عز وجل.
* فسبحان الله، وبحمده: عدد خلقه؛ فكأنك تقولها بعدد خلق الله تعالى.
هذا العدد الذي لا يحصيه بشر.
* فخلق الله تعالى لا يحصى من حيث: النوع.
فهناك: «الإنس»، و«الجن»، و«الملائكة»، و«الحيوانات» بأنواعها المختلفة، و«الكائنات البحرية»، و«الطيور» وعالمها، و«المطر»، و«الرعد»، و«البرق»، و«سحب السماء»، و«نجومها»، و«جبال الأرض»، و«سهولها»، و«رملها»، و«ترابها»، وغير ذلك من المخلوقات.
* وتحت كل نوع عدد لا يحصيه بشر: كل هذا العدد يدرج في قول: «سبحان الله وبحمده عدد خلقه».
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/470)؛ عن فوائد الحديث: (أن اللفظ القليل قد يغني عن اللفظ الكثير، وجهه: لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/470): (فيكون هذا التسبيح الذي ذكره النبي r: تسبيحا عظيما بالكمية، وعظيما بالكيفية.
فالكمية: من قوله r: «عدد خلقه».
والكيفية: من قوله r: «ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته»).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/471): (ينبغي للإنسان أن يكثر من هذا الذكر).اهـ
والخلق لغة: يطلق على المصدر وهو الفعل، بمعنى: التقدير، والإنشاء، والإيجاد، والإبداع، وقد يراد به المخلوق.
يعني: الخلق يأتي؛ بمعنى: الإيجاد، والإبداع، والإنشاء تارة، ويأتي؛ بمعنى: التقدير تارة أخرى. ([199])
قال ابن الأنباري اللغوي /: (الخلق في كلام العرب على ضربين:
أحدهما: الإنشاء على مثال ([200]): أبدعه.
والآخر: التقدير ([201])). اهـ
وقال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (2/213): (الخاء، واللام، والقاف؛ أصلان:
أحدهما: تقدير الشيء.
والآخر: ملاسة الشيء.
فأما الأول: فقولهم: خلقت الأديم للسقاء، إذا قدرته.
والخلق: خلق الكذب، وهو اختلاقه، واختراعه، وتقديره في النفس: ]وتخلقون إفكا[ [العنكبوت: 17].
وأما الأصل الثاني: فصخرة خلقاء؛ أي: ملساء). اهـ
* والخلق شرعا: وصف لله تعالى ذاتي فعلي، وهو إبداع الكائنات من العدم.
فالمعنى الشرعي قيده: فجعل الإيجاد خاصا بالله تعالى؛ لأنه لا يمكن للخلق جميعا أن يوجدوا مخلوقا مهما كان ضعيفا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
قال تعالى: ]هل من خالق غير الله[ [فاطر: 3].
وقال تعالى: ]يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب[ [الحج: 73].
وأما التقدير: فيوصف به المخلوق، كما في قوله تعالى: ]فتبارك الله أحسن الخالقين[ [المؤمنون: 14]؛ أي: أحسن المقدرين. ([202])
وقال تعالى: ]وتخلقون إفكا[ [العنكبوت: 17].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (12/436): (ومذهب الجمهور: أن الخلق غير المخلوق. ([203])
فالخلق: فعل الله القائم به، والمخلوق: هو المخلوقات المنفصلة عنه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (2/118): (فإنه تعالى لا يتصف بمخلوقاته، ومفعولاته، وإنما يتصف بخلقه، وفعله، كما يتصف بسائر ما يقوم بذاته). اهـ
وقال الإمام ابن منده / في «التوحيد» (2/72): (ولم يزل موصوفا بالخالق البارئ المصور قبل الخلق؛ بمعنى: أنه يخلق، ويصور). اهـ
* والخلق: صفة لله تعالى ذاتية فعلية، فيجب الإيمان بها لدلالة نصوص الكتاب، والسنة عليها.
قال تعالى: ]ألا له الخلق والأمر[ [الأعراف: 54].
وقال تعالى: ]هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى[ [الحشر: 24].
وعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة). ([204])
وعن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (لما خلق الله الخلق كتب في كتابه، وهو يكتب على نفسه، وهو وضع عنده على العرش؛ إن رحمتي تغلب غضبي). ([205])
قلت: ومن أسماء الله تعالى الحسنى: «الخالق»، وكذلك من أسمائه: «الخلاق».
قال تعالى: ]هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى[ [الحشر: 24].
وقال تعالى: ]إن ربك هو الخلاق العليم[ [الحجر: 86].
* والخلاق: صيغة مبالغة في الخلق، ومعناه: الخالق خلقا بعد خلق. ([206])
قلت: وأغلب من عد أسماء الله تعالى من العلماء لم يذكروا من أسماء الله تعالى: المضافة، أو أفعل التفضيل؛ مثل: «أرحم الراحمين»، و«خير الغافرين»، و«رب العالمين»، و«مالك يوم الدين»، و«أحسن الخالقين»، و«جامع الناس ليوم لاريب فيه»، و«مقلب القلوب»، وغير ذلك، ضمن أسماء الله تعالى، بل عدوها صفات لله تعالى، فقالوا: «أحسن الخالقين» صفة، وليس اسما ([207])، وهو الصواب.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: إلى اعتبار الأسماء المضافة، وأسماء أفعل التفضيل، وعدها من ضمن الأسماء الحسنى، وفي ذلك نظر. ([208])
* فالحقيقة: إن صفة الخلق تتضمن إبداع الكائنات، وإخراجها من العدم إلى الوجود، واختراعها، وأن ذلك إليه وحده سبحانه بلا شريك، ولا معين، كما يتضمن الخلق: معنى التقدير.
* فيجب الإيمان بأن الله تعالى خالق الموجودات، وأنه متصف بصفات الكمال المطلق أزلا وأبدا.
ومنها: اتصافه تعالى بصفة الخلق؛ لأنه تعالى فعال لما يريد؛ فالخلق: صفته، والمخلوق: مفعوله؛ فهو سبحانه يتصف بفعله، وخلقه لا بمفعولاته، ومخلوقاته. ([209])
قلت: إن الفعل نفسه والخلق من صفات الله تعالى، ولكن المخلوق ليس من صفاته سبحانه، فتنبه. ([210])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (1/546): (لفظ الخلق المراد به الفعل الذي يسمى: المصدر.
كما يقال: خلق يخلق خلقا؛ كقوله تعالى: ]ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة[ [لقمان: 28]، وقوله تعالى: ]يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق[ [الزمر: 6]، وقوله تعالى: ]ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم[ [الكهف: 51]، وليس الكلام في لفظ خلق المراد به المخلوق، ومنه قوله تعالى: ]هذا خلق الله[ [لقمان: 11]).اهـ
قلت: فهناك فرق بين الخلق، والمخلوق.
قال الإمام البخاري / في «الجامع الصحيح» (13/447): (باب: ما جاء في تخليق السموات والأرض، وغيرها من الخلائق.
* وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره، فالرب بصفاته، وفعله، وأمره: وهو الخالق المكون، غير مخلوق، وما كان بفعله، وأمره، وتخليقه، وتكوينه: فهو مفعول مخلوق مكون). اهـ
وقال الإمام البخاري / في «خلق أفعال العباد» (2/299): (وقال أهل العلم: التخليق: فعل الله تعالى، وأفاعيلنا: مخلوقة، لقوله تعالى: ]وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق[ [الملك: 13 و14]؛ يعني: السر، والجهر من القول، ففعل الله: صفة الله، والمفعول: غيره من الخلق).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (6/229): (والذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف: أن الخلق غير المخلوق.
فالخلق: فعل الخالق، والمخلوق: مفعوله.
* ولهذا كان النبي r يستعيذ بأفعال الرب، وصفاته، كما في قوله r: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ([211])؛ فاستعاذ بمعافاته، كما استعاذ برضاه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (8/126): (والله تعالى لا يوصف بشيء من مخلوقاته، بل صفاته قائمة بذاته.
* وهذا مطرد على أصول السلف، وجمهور المسلمين من أهل السنة، وغيرهم.
ويقولون: إن خلق الله تعالى للسموات، والأرض ليس هو نفس السماوات، والأرض؛ بل الخلق غير المخلوق، لا سيما مذهب السلف، والأئمة، وأهل السنة الذين وافقوهم على إثبات صفات الله تعالى، وأفعاله).اهـ
قلت: وجوز عدد من العلماء إطلاق الخلق على غير الله تعالى، ولكن معناه: مما يناسب المخلوق، ولله تعالى ما يختص به من الأسماء والصفات ومعانيها. ([212])
فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة). ([213])
قلت: والإيمان بخلق الله تعالى له ثمرات:
1) تعميق الإيمان بتوحيد الربوبية؛ بأن الله تعالى خالق كل شيء، ومالكه، ومدبر أموره، وأن إيجاده للمخلوقات على أبدع ما يكون، وأحكم، وأتقن.
2) الإيمان بالمعاد؛ بأن الذي فطر ابتداء قادر على البعث، والإعادة.
3) التفكر في خلق الله تعالى المحكم، وصنعه المتقن؛ بما يجعل: العبد معظما لربه تعالى، معلق القلب به.
4) تحقيق توحيد الألوهية الدال عليه فطر الله تعالى للسماوات، والأرض، وسائر المخلوقات؛ فهو المستحق للعبادة وحده دونما سواه، لما له من صفات الكمال والجلال، وأفعال الحمد والإحكام.
قلت: والإيمان بخلق الله تعالى له آثار:
1) أن العبد حينما يعتقد أن الله تعالى: هو الذي خلق السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، يستشعر كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه.
* فيزداد لربه محبة، وتوكلا عليه، وطلبا لهدايته، ويبرأ من كل ما يعبد من دون الله تعالى، كما قال تعالى: عن إبراهيم عليه السلام: ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين[ [الزخرف: 26 و27].
2) وكذلك يسلم وجهه لربه فيخلص عمله له، كما قال تعالى: ]إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين [ [الأنعام: 79].
* وكما أنه لا يشك، ولا يرتاب في ربه، كفعل الكفار، والمبتدعة الذين جادلوا أهل الحق، بل هو على يقين بربوبيته وألوهيته على التفصيل.
3) الاقتداء برسول الله r في توسله بفاطر السماوات والأرض.
فيتوسل به؛ لأن يهديه الله تعالى لما اختلف فيه من الحق بإذنه؛ فإن الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ويتوسل به تعالى: بأن يعيذه من شرور نفسه من رياء، وشرك، وحقد، وحسد، وغيرها من الشرور.
* ومن شر الشيطان، وشركه.
4) الموافقة الظاهرة: لكل عاقل بين ما أنزله الله تعالى، وشرعه على ألسنة رسله عليهم السلام، والفطرة التي يجدها كل إنسان في نفسه مما فيه أبين الدلالة على صدق ما جاء به الرسل عليهم السلام.
[ورضا نفسه]؛ الرضا لغة: مصدر للفعل: رضي يرضى، وهو مأخوذ من مادة: «ر، ض، و» التي تدل على خلاف السخط.
وفي حديث: الدعاء: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك». ([214])
وتثنية الرضا: رضوان، ورضيان.
والاسم: الرضا؛ بالمد، والرضا، بالقصر.
والرضوان: الرضا، وكذلك الرضوان: بالضم، والمرضاة: مثله. ([215])
قال تعالى: ]رضي الله عنهم ورضوا عنه[ [البينة: 8]؛ وتأويله: أن الله تعالى رضي عنهم أفعالهم، ورضوا عنه ما جازاهم به.
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (2/402): (الراء، والضاد، والحرف المعتل: أصل واحد يدل على خلاف السخط، تقول: رضي يرضى رضا، وهو راض، ومفعوله: مرضي عنه، ويقال: إن أصله الواو، لأنه يقال منه: رضوان).اهـ
وقال الراغب اللغوي / في «المفردات» (ص197): (رضا العبد عن الله تعالى: أن لا يكره ما يجري به قضاؤه.
ورضا الله تعالى عن العبد هو: أن يراه مؤتمرا بأمره، ومنتهيا عن نهيه.
وأرضاه: أعطاه ما يرضى به، وترضاه: طلب رضاه). اهـ
* والرضا شرعا: هو سرور القلب بالقضاء بحلوه ومره، واستقبال القلب الأحكام في الأصول والفروع بالفرح والرضا، مع عدم تغيير العبد عن الدين الصحيح. ([216])
قال الفقيه المناوي / في «التوقيف على مهمات التعاريف» (ص178): (الرضا: طيب نفسي للإنسان بما يصيبه، أو يفوته مع عدم التغير). اهـ
قال الإمام ابن القيم / في «المنار المنيف» (ص26): (ومن هذا يعرف جواب المسألة الثانية، وهي:
تفضيل: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» ([217])؛ على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة، فإن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقول: «سبحان الله وبحمده عدد خلقه»؛ من معرفته، وتنزيهه، وتعظيمه من هذا القدر المذكور من العدد، أعظم مما يقوم بقلب القائل: «سبحان الله» فقط.
وهذا يسمى: الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد.
* فلهذا كان أفضل منه، وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه؛ فإن قول المسبح: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه» تضمن إنشاء وإخبارا:
* تضمن إخبارا: عما يستحقه الرب من التسبيح عدد كل مخلوق كان، أو هو كائن، إلى ما لا نهاية له، فتضمن الإخبار عن تنزيهه الرب، وتعظيمه، والثناء عليه هذا العدد العظيم، الذي لا يبلغه العادون، ولا يحصيه المحصون.
* وتضمن إنشاء: العبد لتسبيح هذا شأنه، لا أن ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يستحقه الرب سبحانه وتعالى من التسبيح: هو تسبيح يبلغ العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد عليه لذكره، فإن تجدد المخلوقات لا ينتهي عددا، ولا يحصى الحاضر.
وكذلك قوله r: «ورضا نفسه»؛ وهو يتضمن أمرين عظيمين:
أحدهما: أن يكون المراد تسبيحا هو في العظمة، والجلال مساو لرضا نفسه، كما أنه في الأول مخبر عن تسبيح مساو لعدد خلقه، ولا ريب أن رضا نفس الرب أمر لا نهاية له في العظمة والوصف، والتسبيح ثناء عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه.
* فإذا كانت أوصاف كماله، ونعوت جلاله لا نهاية لها، ولا غاية، بل هي أعظم من ذلك وأجل؛ كان الثناء عليه بها كذلك، إذ هو تابع لها إخبارا وإنشاء، وهذا المعنى ينتظم المعنى الأول من غير عكس.
* وإذا كان إحسانه سبحانه، وثوابه، وبركته، وخيره لا منتهى له، وهو من موجبات رضاه، وثمرته؛ فكيف بصفة الرضا؟
وفي الأثر: «إذا باركت لم يكن لبركتي منتهى»؛ فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة؟
والرضا: يستلزم المحبة، والإحسان، والجود، والبر، والعفو، والصفح، والمغفرة، والرحمة.
والخلق: يستلزم العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والحكمة.
وكل ذلك داخل في رضا نفسه، وصفة خلقه.
وقوله r: «وزنة عرشه»؛ فيه إثبات العرش، وإضافته إلى الرب سبحانه وتعالى، وأنه أثقل المخلوقات على الإطلاق، إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح، وهذا يرد على من يقول: إن العرش ليس بثقيل ولا خفيف، وهذا لم يعرف العرش، ولا قدره حق قدره.
فالتضعيف الأول: للعدد والكمية، والثاني: للصفة والكيفية، والثالث: للعظم والثقل، وكبر المقدار.
وقوله r: «ومداد كلماته»؛ هذا يعم الأقسام الثلاثة ويشملها؛ فإن مداد كلماته سبحانه وتعالى لا نهاية لقدره، ولا لصفته، ولا لعدده.
قال تعالى: ]قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا[ [الكهف: 109].
وقال تعالى: ]ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم[ [لقمان: 109].
ومعنى هذا: أنه لو فرض البحر مدادا، وبعده سبعة أبحر تمده كلها مدادا، وجميع أشجار الأرض أقلاما - وهو ما قام منها على ساق من النبات، والأشجار المثمرة، وغير المثمرة- والأقلام تستمد بذلك المداد، فتفنى البحار والأقلام، وكلمات الرب لا تفنى، ولا تنفد.
فسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
* فأين هذا من وصف من يصفه بأنه ما تكلم، ولا يتكلم، ولا يقوم به كلام أصلا؟ وقول من وصف كلامه بأنه معنى واحد، لا يتقضى ولا يتجزأ، ولا له بعض ولا كل، ولا هو سور وآيات، ولا حروف وكلمات؟
والمقصود: أن في هذا التسبيح من صفات الكمال، ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره، وأنه لو وزن بغيره؛ لوزن به وزاد عليه.
* وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله، والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم، مع اقترانه بالحمد المتضمن لثلاثة أصول:
أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه.
الثاني: الثناء عليه.
الثالث: محبته والرضا به.
* فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدرا، وأكثرها عددا، وأجزلها وصفا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه: كان له من المزية، والفضل ما ليس لغيره، وبالله التوفيق).اهـ
* فهذا ذكر عظيم مبارك أرشد إليه النبي r، وبين أنه ذكر مضاعف، يزيد في الفضل والأجر على مجرد الذكر بسبحان الله أضعافا مضاعفة؛ لأن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقوله من معرفة الله وتنزيهه، وتعظيمه بهذا القدر المذكور من العدد أعظم مما يقوم بقلب من قال: «سبحان الله» فقط.
والمقصود: أن الله سبحانه يستحق التسبيح بذكر القدر والعدد، كقوله r: (ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد). ([218])
فالمراد: ما يستحقه الرب من التسبيح، فذاك الذي يعظم قدره. ([219])
* والرضا: في حق الله تعالى صفة من صفاته الفعلية الثابتة له.
* وهي تدل على أنه سبحانه يرضى عن عباده المؤمنين المطيعين له رضا حقيقيا كما يليق بجلاله، وعظمته.
* فالحكم: يجب إثبات صفة الرضا لله تعالى، واعتبارها صفة فعلية متعلقة بذاته غير منفصلة عنه، من غير خوض في الكيفية، أو تأويل ينفي دلالتها.
* وتظهر العلاقة بين المعنى: اللغوي، والمعنى: الشرعي: من حيث إن الرضا في كل منهما ضد السخط.
* فرضا الله تعالى عن عبده ينافي سخطه عليه. ([220])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (1/260): (الرضا: صفة من صفات الله تعالى، وهي صفة حقيقية، متعلقة بمشيئته.
* فهي من الصفات الفعلية، يرضى عن المؤمنين، وعن المتقين، وعن المقسطين، وعن الشاكرين.
* ولا يرضى عن القوم الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يرضى عن المنافقين.
* فهو سبحانه يرضى عن أناس، ولا يرضى عن أناس، ويرضى أعمالا، ويكره أعمالا). اهـ
قلت: ووصف الله تعالى بالرضا لا يلزم منه بتسميته: بـ«الراضي»، إذ لم يرد هذا الاسم ضمن أسماء الله تعالى الحسنى الواردة في الكتاب والسنة.
* ولم يرد كذلك في إحصاءات العلماء ممن جمعوا أسماء الله الحسنى. ([221])
فعدم صحة إطلاق: «الراضي» اسما لله تعالى، وإنما صح صفة.
قلت: وليس كل ما صح صفة يصح اسما، لأن باب الأسماء أخص من باب الصفات. ([222])
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (3/415): (وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسما). اهـ
قلت: فيجب ابتغاء مرضاة الله تعالى في كل عمل.
قال تعالى: ]ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد[ [البقرة: 207].
وقال تعالى: ]ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين[ [البقرة: 265].
وقال تعالى: ]لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما[ [النساء: 114].
وقال تعالى: ]أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير[ [آل عمران: 162].
وعن ابن عباس ﭭ قال: (لما كان بين إبراهيم عليه السلام، وبين أهله ما كان، خرج بإسماعيل عليه السلام، وأم إسماعيل، ومعهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة، فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم عليه السلام إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل، حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله). ([223])
* فالحقيقة: أن رضا الرب تعالى من لوازم ذاته دائم بدوامه.
ولهذا أدام نعيم أهل الجنة رضاه عنهم، كما يقول تعالى لهم في الجنة: (إني أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا). ([224])
* وهو صفة من الصفات الفعلية الثابتة له تعالى، ومتعلقة بمشيئته.
* فهو يرضى عن عباده المؤمنين، ولا يرضى عن القوم الكافرين، ويرضى أعمالا، ويكره أعمالا.
قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100].
قلت: فأخبر الله تعالى أنه رضي عنهم، ورضي أعمالهم، ورضي عمن اتبعهم بإحسان.
* فهم القدوة في الدين بعد رسول الله r بإصابة الحق، وأقربهم إلى التوفيق لما يقرب إلى رضاه. ([225])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «شرح العقيدة الواسطية» (1/259): (فالله تعالى موصوف بالرضا، وهو يرضى عن العمل، ويرضى عن العامل). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «العقيدة» (ص463): (والله يغضب، ويرضى: لا كأحد من الورى). اهـ
* أنواع الرضا:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (10/682): (من لزم ما يرضي الله تعالى من امتثال أوامره، واجتناب نواهيه، لا سـيـمـا إذا قام بواجبها ومستحبها؛ فإن الله يرضى عنه، كما أن من لزم محبوبات الحق أحبه الله، كما قال في الحديث الصحيح الذي في البخاري: «من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته»([226]) الحديث.
وذلك أن الرضا نوعان:
أحدهما: الرضا بفعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، ويتناول ما أباحه الله من غير تعد إلى المحظور، كما قال تعالى: ]والله ورسوله أحق أن يرضوه[ [التوبة: 62]، وقال تعالى: ]ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون[ [التوبة: 59]، وهذا الرضا واجب؛ ولهذا ذم من تركه بقوله: ]ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله[ [التوبة: 58 و59].
والنوع الثاني: الرضا بالمصائب: كالفقر، والمرض، والذل، فهذا الرضا مستحب في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنه واجب.
وأما الرضا بالكفر، والفسوق، والعصيان: فالذي عليه أئمة الدين أنه لا يرضى بذلك، فإن الله لا يرضاه، كما قال تعالى: ]ولا يرضى لعباده الكفر[ [الزمر: 7]، وقال تعالى: ]والله لا يحب الفساد[ [البقرة: 205]، وقال تعالى: ]فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين[ [التوبة: 96]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (2/179): (قال النبي r: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا». ([227])
وقال r: «من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه». ([228])
وهذان الحديثان: عليهما مدار مقامات الدين، وإليهما ينتهي، وقد تضمنا الرضى بربوبيته سبحانه وألوهيته، والرضى برسوله r، والانقياد له، والرضى بدينه، والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الأربعة: فهو الصديق حقا.
* وهي سهلة بالدعوى واللسان، وهي من أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيما إذا جاء ما يخالف هوى النفس ومرادها من ذلك، تبين أن الرضى كان لسانه به ناطقا، فهو على لسانه لا على حاله.
* فالرضى بإلهيته: يتضمن الرضا بمحبته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتبتل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحب كلها إليه، فعل الراضي بمحبوبه كل الرضى، وكل ذلك يتضمن عبادته، والإخلاص له.
* والرضى بربوبيته: يتضمن الرضا بتدبيره لعبده، ويتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكل ما يفعل به.
فالأول: يتضمن رضاه بما يؤمر به.
والثاني: يتضمن رضاه بما يقدره عليه.
* وأما الرضى بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره ألبتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، لا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة.
* وأما الرضى بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى: رضي كل الرضى، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه، وسلم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه، أو هواها، أو قول مقلده وشيخه وطائفته). اهـ
* الفرق بين الرضا، والمحبة:
بين صفة الرضا، وصفة المحبة تقارب، وتلازم.
ولكن لا يلزم من التلازم وحده اتحاد المعنى.
* ولا يصح تفسير أحدهما بالآخر، فالرضا ضد السخط، والمحبة ضد البغض، والكراهة. ([229])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/471): (إثبات الرضا لله تعالى: لقوله r: «ورضا نفسه»؛ وهو صفة زائدة على المحبة).اهـ
* فوائد الرضا:
1) يثمر محبة الله تعالى، وتجنب سخطه.
2) دليل على كمال الإيمان، وحسن الإسلام.
3) الفوز بالجنة، والنجاة من النار.
4) مظهر من مظاهر صلاح العبد، وتقواه.
5) دليل حسن ظن العبد بربه تعالى.
6) طريق إلى الفوز برضوان الله تعالى.
7) دليل على راحة نفس العبد، وتجنب القلق في الحياة. ([230])
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (2/183): (ثمرة الرضى: الفرح، والسرور بالرب تبارك وتعالى). اهـ
* والنفس: بسكون الفاء، وأهل السنة والجماعة يثبتون النفس لله تعالى، ونفسه هي: ذاته عز وجل، وهي ثابتة بالكتاب والسنة.
* والدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28].
وقوله تعالى: ]تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك[ [المائدة: 116].
وقوله تعالى: ]كتب ربكم على نفسه الرحمة[ [الأنعام: 54].
* والدليل من السنة:
عن أبي ذر t عن النبي r، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا...). ([231])
وعن عائشة ڤ قالت: كان النبي r يقول وهو ساجد: (اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). ([232])
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي...). ([233])
قال الإمام البخاري / في «الجامع الصحيح» (ص1273): (باب: قول الله تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28]، وقول الله تعالى: ]تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك[ [المائدة: 116]). اهـ
وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (4/82): (قوله تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28]؛ أي: ذاته المقدسة، فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه، وموالاة أعدائه، وهو تهديد عظيم). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (14/196): (ونفسه هي: ذاته المقدسة).اهـ
قلت: فالنفس هي ذات الله تعالى المتصفة بصفاته، وليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، كما ظن عدد من أهل العلم([234])، وهذا خطأ محض، لأن النفس هي: ذات الله تعالى، وليس هي من باب الصفات، فتنبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (9/292): (ويراد بنفس الشيء: ذاته وعينه، كما يقال: رأيت زيدا نفسه وعينه، وقد قال تعالى: ]تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك[ [المائدة: 116]، وقال تعالى: ]كتب ربكم على نفسه الرحمة[ [الأنعام: 54]، وقال تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28]، وفي الحديث الصحيح: أنه قال لأم المؤمنين: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، لو وزن بما قلتيه، لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته» ([235])، وفي الحديث الصحيح: الإلهي عن النبي r: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». ([236])
* فهذه المواضع المراد فيها بلفظ: «النفس» عند جمهور العلماء: الله نفسه التي هي ذاته، المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتا منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين: خطأ).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «التعليق على صحيح البخاري» (16/457): (ونفس الشيء: هو الشيء، فقوله تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28]؛ أي: يحذركم إياه، وليست النفس شيئا آخر، والله شيء آخر.
بل الله: هو النفس، وكذلك قوله تعالى: ]تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك[ [المائدة: 116]؛ أي: تعلم ما عندي أنا في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك.
* فليست النفس صفة زائدة على الذات، بل هي: الذات نفسها.
ومن ذلك: قوله تعالى: ]ويقولون في أنفسهم[ [المجادلة: 8]؛ فليس المراد: بأنفسهم شيئا آخر غير ذواتهم، بل هي ذواتهم، وعلى هذا: فالنفس؛ بمعنى الذات). اهـ
* والنفس في اللغة: النفس: بفتح الفاء، وهو اسم مصدر: «نفس»، «ينفس»، «تنفيسا»، مثل: «فرج»، «يفرج»، «تفريجا»، و«فرجا».
ومعناه: التفريج عن الكروب، وإزالة الكرب. ([237])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (2/572): (النفس: كل شيء يفرج به عن المكروب). اهـ
* والنفس في الشرع: هو فعل من أفعال الله تعالى، والله تعالى ينفس عمن يشاء بما يشاء سبحانه.
* وعلى هذا: فالنفس: صفة فعلية لله تعالى، والنفس من التنفيس، كالفرج، والتفريج. ([238])
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). ([239])
قال الإمام أبو يعلى الحنبلي / في «إبطال التأويلات» (ص250): (فيكون معنى: «النفس»، معنى: «التنفيس»، وذلك معروف في قولهم: «نفست عن فلان»؛ أي: فرجت عنه.
ويقال: «نفس الله» عن فلان كربة؛ أي: فرج عنه). اهـ
قلت: فالنفس؛ بمعنى: التنفيس، وحقيقته: التفريج عن المكروب، وإزالة الشدة، والكرب، والهم، والغم عن المؤمنين.
* لذلك يجب الإيمان: بتنفيس الله تعالى عن المؤمنين.
ويجب إثباته لله تعالى، كما يليق بجلاله، وكبريائه، وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
* إن الله تعالى ينفس بما يشاء عمن يشاء، وإيمان العبد بذلك: يجعله يلجأ إلى الله تعالى، ولا سـيـمــا في أوقات الكروب، والمشكلات، فإنه لا ينفسها عنه؛ إلا الله تعالى.
تنبيه: وأهل السنة والجماعة لم يصفوا الله تعالى بالنفس: من التنفس: الذي هو إخراج الهواء من الجوف وإدخاله إلى الجوف.
فهذا المعنى: لم يثبت وصفه بهذا الوصف في الشرع، ولا يليق بكمال الله تعالى، وغناه، وعظمته سبحانه.([240])
قال تعالى: ]ويحذركم الله نفسه[ [آل عمران: 28].
* [وزنة عرشه]؛ يعني: لعظمة كلمة؛ «سبحان الله وبحمده»: تزن العرش؛ «وزنة»: أي يكون وزنها في وزن عرش الله تعالى.
* فكم يكون وزن العرش؟ وكم يبلغ وزن: «سبحان الله وبحمده»؛ زنة عرشه.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/469): (قوله r: «وزنة عرشه»؛ لا يقدر زنة عرش الله تعالى: أحد، وإن توهم أنه ملايين الأطنان؛ لأنه لا يقدر قدره؛ إلا الله عز وجل).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/471): (العرش له جرم، وثقل، لقوله r: «وزنة عرشه»، عظمة العرش؛ لإضافته إلى الله عز وجل.
وهذه الإضافة: إضافة خاصة؛ كإضافة البيت إليه، وإضافة الناقة إليه، وأن المساجد إلى الله تعالى).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة العرشية» (ص8): (فهذا يبين: أن زنة العرش: أثقل الأوزان). اهـ
* والعرش في اللغة: العين، والراء، والشين: أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني؛ ثم يستعار في غير ذلك. ([241])
ويطلق العرش على: سرير الملك، وسقف البيت، والملك، وركن الشيء، وغير ذلك.
قال الخليل اللغوي / في «العين» (1/291): (العرش: السرير للملك).اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (1/413): (والعرش في كلام العرب: سرير الملك، يدل على ذلك: سرير؛ «ملكة سبأ» سماه الله تعالى عرشا، فقال تعالى: ]إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم [ [النمل: 23]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (1/11): (العرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى: ]ولها عرش عظيم [ [النمل: 23]). اهـ
وقال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (2/722): (عرش البيت: سقفه). اهـ
وقال الخليل اللغوي / في «العين» (1/291): (عرش البيت: سقفه).اهـ
وقال الزبيدي اللغوي / في «تاج العروس» (17/252): (والعرش: من البيت سقفه). اهـ
وقال الأزهري اللغوي / في «معجم تهذيب اللغة» (1/414): (والعرش: الملك، يقال: ثل عرشه؛ أي: زال ملكه). اهـ
* والعرش في الشرع:
العرش: هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، خلقه الله تعالى، وهو أعلى المخلوقات، وسقف المخلوقات. ([242])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (24/37): (قوله تعالى: ]وترى الملائكة حافين من حول العرش[ [الزمر: 75]؛ يعني: بالعرش السرير). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (24/37): (قوله تعالى: ]ذو العرش[ [غافر: 15]؛ يقول: ذو السرير المحيط بما دونه). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «الأسماء والصفات» (2/272): (العرش: هو السرير، وأنه جسم مجسم، خلقه الله تعالى، وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «الاعتقاد» (ص112): (العرش: هو السرير المشهور). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (1/12): (العرش: هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو سقف المخلوقات). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «العلو» (ص57): (فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه، وسعته، وقوائمه، وماهيته، وحملته).اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «الاختلاف في اللفظ» (ص240): (والعلماء في اللغة: لا يعرفون للعرش معنى؛ إلا السرير). اهـ
وقال الإمام ابن أبي زمنين / في «أصول السنة» (ص88): (ومن قول أهل السنة: إن الله عز وجل خلق العرش، واختصه بالعلو، والارتفاع فوق جميع ما خلق). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «نقض تأسيس الجهمية» (1/396) في سياق كلامه على حملة العرش: (ثم إن: قوله تعالى: ]الذين يحملون العرش ومن حوله[ [غافر: 7]؛ وقوله تعالى: ]ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية[ [الحاقة:17]؛ يوجب أن لله تعالى عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو: الملك؛ كما تقوله طائفة من الجهمية). اهـ
قلت: ويثبت أهل السنة العرش؛ كما أثبته الله تعالى في كتابه، وأثبته النبي r في السنة الصحيحة.
* وهو مخلوق عظيم استوى عليه الرحمن، ولا يقدر قدره؛ إلا الله تعالى. ([243])
* وقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة: بأوصاف عديدة للعرش:
منها: أنه ذو قوائم.
ومنها: أن الملائكة تحمله.
ومنها: أن الله تعالى مستو عليه كما يليق بجلاله.
* وهذا يؤكد أنه سرير حقيقة، وإن كنا نجهل كيفيته. ([244])
قلت: ومما سبق ذكره فيه رد على المبتدعة من: «الجهمية»، و«المعتزلة»، و«الماتريدية»، و«الأشاعرة» من أن معنى: «العرش» في قوله تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[ [طه: 5]؛ هو الملك. ([245])
* وهذا تأويل باطل، وصرف للفظ عن معناه الصحيح، إلى معنى آخر، لا يحتمله.
وكذلك زعم الفلاسفة: أن العرش فلك مستدير من جميع الجوانب محيط بالعالم من كل جهة، وربما سموه الفلك الأعلى، والفلك التاسع. ([246])
وهذا اعتقاد باطل، لا يحتج به عن الفلاسفة الزنادقة.
* فنفوا ما ليس لهم به علم، فانطبق عليهم: قوله تعالى: ]بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه[ [يونس: 39].
قال تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[ [طه: 5].
وقال تعالى: ]قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم[ [المؤمنون: 86].
وقال تعالى: ]فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم[ [المؤمنون: 116].
وقال تعالى: ]ذو العرش المجيد[ [البروج: 15].
وقال تعالى: ]وهو رب العرش العظيم[ [التوبة: 129].
وعن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r قال: (لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش). ([247])
وعن ابن عباس ﭭ، قال: كان النبي r يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، رب العرش الكريم). ([248])
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول الله r: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش؛ إن رحمتي غلبت غضبي). ([249])
قلت: وإن أول شيء خلقه الله تعالى هو العرش: هو أول المخلوقات.
وهذا القول: هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى» (18/213)، والإمام ابن القيم في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص253 و254)، والحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (1/9)، والحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/289)، والعلامة ابن أبي العز الحنفي في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص295)، وهو: قول الجمهور([250])، وهو الصواب.
واستدلوا على قولهم هذا: بما أخرجه مسلم في «صحيحه» (8/51) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ، قال: سمعت رسول الله r يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال r: وعرشه على الماء).
قلت: ففي هذا الحديث تصريح بأن التقدير وقع بعد خلق العرش.
وحديث عبادة بن الصامت t قال: سمعت رسول الله r يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة). ([251])
* هذا صريح بأن التقدير وقع عند أول خلق القلم، فدل ذلك على أن العرش سابق على القلم.
ومما يؤيد هذا القول أيضا: حديث عمران بن حصين ﭭ، عن النبي r قال: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض). ([252])
قلت: فالحديث يدل على أن العرش كان موجودا قبل كتابة المقادير.
قال تعالى: ]وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء[ [هود: 7].
وعن ابن عباس ﭭ، قال: (إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا). ([253])
قال الإمام الدارمي / في «النقض على المريسي الجهمي» (ص176): (فهذا ابن عباس ﭭ: يخبر أن الله تعالى كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا من خلقه: من سماء، أو أرض). اهـ
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]وكان عرشه على الماء[ [هود: 7]؛ (قبل أن يخلق شيئا). ([254])
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (12/4): (وكان عرشه سبحانه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، وما فيهن). اهـ
قلت: ومما سبق من الأدلة يتبين لنا أن مكان عرش الله تعالى على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض. ([255])
* وليس المراد بالماء هنا ماء البحر، لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، فتنبه.
* وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى. ([256])
وعن ابن عباس ﭭ، قال: في قوله تعالى: ]وكان عرشه على الماء[ [هود: 7]؛ قال: (على أي شيء؟، قال: على متن الريح). ([257])
قلت: وهذا يدل على أن العرش ما يزال على الماء، ولم يغير بمشيئة الله تعالى.
وعن الإمام سليمان التيمي / أنه قال: (لو سئلت: أين الله؟، لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟، لقلت: لا أعلم). ([258])
قال الإمام البخاري / في «خلق أفعال العباد» (ص540): (وذلك لقوله تعالى: ]ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء[ [البقرة: 255]).اهـ
وعن مجاهد / قال: (بدء الخلق: العرش، والماء). ([259])
* وهذا يدل على أن الله تعالى خلق العرش أولا، ثم خلق الماء، فكانا في الخلائق الأولى، فعرش الله تعالى على الماء.
قلت: ومكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى: فهو أقرب المخلوقات إليه سبحانه.
* وذلك لأن الله تعالى قد أخبر أنه مستو على عرشه.
قال تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[ [طه: 5].
قلت: ففي هذا النص إثبات استواء الله تعالى على العرش.
* وهذا دليل على قربه سبحانه إلى العرش، لأنه سبحانه مستو على أعلى مخلوقاته، وأقربها إليه.
* وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه من المخلوقات.
* ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله تعالى:
ما جاء في حديث: ابن عباس ﭭ أن النبي r قال: (ولكن ربنا – تبارك وتعالى اسمه – إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال). ([260])
فالحديث يدل: على أن حملة العرش هم: أول من يتلقى أمر الله تعالى، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات.
* فكونهم أقرب الخلق إلى الله تعالى دليل على أن العرش أقرب منهم إليه سبحانه؛ لأنهم إنما يحملونه.
قلت: ومكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها وفوقها، وهو أعلى المخلوقات وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع، وأعلى من الجنة، وأنه كالسقف عليها. ([261])
فعن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال r: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه - فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).([262])
قلت: وهذا يدل على أن عرش الرحمن تبارك وتعالى يعتبر أكبر مخلوقات الله تعالى وأوسعها وأعظمها على الإطلاق، وهذا من خصائص العرش. ([263])
وكذلك مما اختص به الخالق سبحانه: هو استواؤه على العرش، وهذا أعظم الخصائص التي اختص بها العرش، وهذا من أجل استواء الله تعالى عليه. ([264])
قال تعالى: ]الرحمن على العرش استوى[ [طه: 5].
وقال تعالى: ]الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش[ [الرعد: 2].
وقال تعالى: ]إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش[ [الأعراف: 54].
قلت: فدلت النصوص الشرعية: على استواء الله تعالى على عرشه.
وأن معناه: علوه وارتفاعه عليه، وعلى هذا السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم؛ يقولون: إن الله تعالى على عرشه: بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل.
* فالله تعالى مستو على عرشه: استواء يليق بجلاله، وعظمته.
واستواؤه حقيقة لا مجاز.
وأما كيفية ذلكالاستواء؛ فهي مجهولة لنا.
والسؤال: عن كيفية ذلك الاستواء بدعة في الدين، وخروج عن السنة.([265])
قال الإمام مجاهد /: (استوى: علا على العرش). ([266])
قلت: وعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل، وهو على البقاء.
قال تعالى: ]الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم[ [غافر: 7].
وقال تعالى: ]يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين[ [الأنبياء: 104].
وقال تعالى: ]إذا السماء انفطرت[ [الانفطار: 1].
وقال تعالى: ]وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [ [الحاقة: 14-17].
قلت: فدل ذلك أيضا أن لله ملائكة من جملة خلقه: يحملون عرشه، وآخرون يكونون حول العرش، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية من الملائكة. ([267])
* فهذا كله يبين أن العرش له شأن عظيم عند الله تعالى.
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض). ([268])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (1/155): (وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة، ولا يشقه، ولا يفطره.
* بل الأحاديث المشهورة دلت على ما دل عليه القرآن من بقاء العرش). اهـ
* [ومداد كلماته]؛ والمداد: هو ما يكتب به من الحبر، وموضعه: «المحبرة». ([269])
قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص292): (المداد: ما يكتب به، ومددت الدواة «مدا» من باب قتل: جعلت فيها؛ «المداد»، و«أمددتها»: بالألف لغة، والمدة: بالفتح؛ غمس القلم في الدواة مرة للكتابة، و«مددت» من الدواة، و«استمددت» منها: أخذت منها بالقلم للكتابة).اهـ
قلت: وكلمات الله تعالى لا حصر لها، لقوله r: «ومداد كلماته».
قال تعالى: ]قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا[ [الكهف: 109].
وقال تعالى: ]ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم[ [لقمان: 109].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/470): (يعني: لو كانت كل الأشجار أقلاما، إذن فمداد كلمات الله مداد عظيم، لا يعلم قدره؛ إلا الله عز وجل).اهـ
قلت: وقد اتفقت الأمة من الصحابة y، والتابعين الكرام، والعلماء على أن الله تعالى يتكلم، وأن كلامه بصوت وحرف.
* وأن القرآن كلام الله تعالى، منزل غير مخلوق.
وكلام الله تعالى صفة من صفاته سبحانه. ([270])
قال تعالى: ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله[ [التوبة: 6].
وفي حديث احتجاج آدم، وموسى عليهما السلام، وفيه: (قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه). ([271])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «فتح ذي الجلال والإكرام» (15/472): (أهل السنة يقولون: إن الله يتكلم بحروف وأصوات مسموعة يسمعها من شاء من خلقه.
* فإن الله تعالى يتكلم بما شاء، متى شاء، كيف شاء؛ كلاما حقيقيا بحروف، وأصوات).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
«الذكر السابع»
عن شداد بن أوس t: عن النبي r قال: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (6306) و(6323)، والترمذي في «سننه» (3393)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص122).
* الشرح الأثري:
فهذا دعاء عظيم جامع لمعاني التوبة، والتذلل لله تعالى، والإنابة إليه، وصفه r بأنه: «سيد الاستغفار»؛ أي: سيد ألفاظه.
* وذلك لأنه قد فاق سائر صيغ الاستغفار في الفضيلة، وعلا عليها في الرتبة، ومن معاني السيد؛ أي: الذي يفوق قومه في الخير، ويرتفع عليهم. ([272])
* [سيد الاستغفار]؛ يعني: أفضل الاستغفار، وهو المراد بالسيادة.
والمراد: أنه أكثر نفعا لمن استغفر بهذه الصيغة.
والسيد: في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور.
* ولما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له هذا: الاسم.
ولا شك أن سيد القوم أفضلهم.
* وهذا الدعاء سيد الأدعية، وهو الاستغفار. ([273])
ولذلك بوب عليه: الإمام البخاري / في «صحيحه» (11/97)؛ باب: أفضل الاستغفار.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (14/16): (قوله r: «وأنا على عهدك»؛ أي: على ما عاهدتك عليه من الطاعة؛ لأن الله تعالى عاهد بني آدم على الطاعة.
وقوله r: «ووعدك»؛ أي: الإيمان بما وعدت، أي: وأنا مصدق بما وعدت، فالإنسان عند فعل الطاعات يستشعر شيئين:
الشيء الأول: أنه قائم بالعهد.
الشيء الثاني: أنه مصدق بالوعد، ولهذا قال: «وأنا على عهدك، ووعدك»؛ لأنه إذا قام بالعهد، وصدق بالوعد؛ صار منطبقا عليه أنه فعل الشيء إيمانا واحتسابا، وقد قال النبي r: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» ([274])، فالعهد: الطاعة، والوعد: الإيمان بما وعد الله من الثواب عليه.
وقوله r: «ما استطعت»؛ لأن ما لا يستطاع لا يكلف الإنسان به، كما قال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286].
وقوله r: «أعوذ بك من شر ما صنعت»؛ بضم التاء، لا فتحها، أي: ما صنعت أنا، لكن لا شك أننا نستعيذ من شر ما خلق الله أيضا، كما قال تعالى: ]قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق[ [الفلق: 1-2]؛ ولكن «ما» هنا هل هي موصولة، أو مصدرية؟ فإن كانت موصولة، فتقدير الكلام: من شر الذي صنعته، ويكون العائد محذوفا، وإن كانت مصدرية، صار تقدير الكلام: من شر صنعي.
نقول: المعنى لا يختلف، أي: إنك تستعيذ بالله تعالى من شر ما صنعت من الأعمال السيئة.
وقوله r: «أبوء لك بنعمتك علي»؛ أي: أعترف بنعمتك علي، والنعمة هنا مفرد مضاف، فيشمل جميع النعم الدينية والدنيوية.
وقوله r: «وأبوء لك بذنبي»؛ أي: أعترف به، وما من إنسان إلا وله ذنب.
والشاهد: من هذا الحديث: قوله r: «فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»؛ وإنما كان هذا سيد الاستغفار؛ لما فيه من التوحيد، والاعتراف بالذنب، وتقرير الإيمان، والاعتراف بالنعم، فهو أبلغ مما لو قال الإنسان: اللهم اغفر لي، ولهذا كان سيد الاستغفار.
* أما ثواب هذا؛ فيقول r: «من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة»؛ فينبغي لنا أن نحفظ هذا الحديث، وأن نحرص على أن نقوله ليلا ونهارا). اهـ
* الاستغفار لغة: الاستغفار مصدر قولهم: استغفر يستغفر، وهو: مأخوذ من مادة: «غ، ف، ر»؛ التي تدل على الستر في الغالب الأعم.
فالغفر: الستر.
والغفر، والغفران؛ بمعنى واحد.
يقال: غفر الله ذنبه غفرا، ومغفرة، وغفرانا.
قال الشاعر في، الغفر:
في ظل من عنت الوجوه له |
|
|
ملك الملوك ومالك الغفر |
وأصل الغفر: التغطية، والستر.
يقال: اللهم اغفر لنا؛ مغفرة، وغفرا، وغفرانا.
ويقال: غفر الله له ذنوبه؛ أي: سترها. ([275])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (14/12): (الاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة تتضمن شيئين: ستر الذنب، والتجاوز عنه؛ لأنها مأخوذة من المغفر، وهو ما يوضع على الرأس عند القتال، وهذا الذي يوضع على الرأس عند القتال يحصل به الستر والوقاية، فإذا قلت: «اللهم اغفر لي»؛ فأنت تسأل الله تعالى شيئين: أن يستر ذنوبك عن الناس، وأن يعفو عنك). اهـ
وقال ابن منظور اللغوي / في «لسان العرب» (5/25): (أصل الغفر: التغطية، والستر، يقال: اللهم اغفر لنا: مغفرة، وغفرا وغفرانا، وإنك أنت الغفور الغفار: يا أهل المغفرة، غفر الله ذنوبه؛ أي: سترها، واستغفر الله من ذنبه، ولذنبه؛ بمعنى: فغفر له ذنبه، مغفرة، وغفرا وغفرانا، وفي الحديث: «غفار غفر الله لها» ([276])... وتغافرا: دعا كل واحد منهما لصاحبه بالمغفرة). اهـ
وقال الراغب اللغوي / في «المفردات» (ص362): (الغفر: إلباس ما يصونه عن الدنس، ومنه؛ قيل: اغفر ثوبك في الوعاء، واصبغ ثوبك، فإنه أغفر للوسخ.
والغفران، والمغفرة: من الله تعالى هو: أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، والاستغفار: طلب ذلك بالمقال، والفعال، وقيل: اغفروا هذا الأمر بغفرته، أي: استروه بما يجب أن يستر به). اهـ
* والاستغفار اصطلاحا: من طلب الغفران، والغفران: تغطية الذنب بالعفو عنه، وهو: أيضا: طلب ذلك بالمقال، والفعال. ([277])
والغفور، والغفار، والغافر من أسماء الله تعالى:
الغفور، والغفار: وهما من أبنية المبالغة.
ومعناهما: الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم، وذنوبهم.
والغفران، والمغفرة: من الله تعالى؛ أن يصون الله تعالى العبد من أن يمسه العذاب.
والغفار: هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح.
والذنوب: من جملة القبائح التي سترها الله تعالى؛ بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، والغفر: هو الستر.
والغفور: بمعنى؛ الغفار: ولكنه بشيء ينبئ عن نوع مبالغة: لا ينبئ عنها الغفار. فالفعال ينبئ عن كثرة الفعل، والفعول: ينبئ عن جودته، وكماله، وشموله. ([278])
قال تعالى: ]ألا إن الله هو الغفور الرحيم[ [الشورى: 5].
وقال تعالى: ]نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم[ [الحجر: 49].
وقال تعالى: ]وهو الغفور الودود[ [البروج: 14].
وقال تعالى: ]ألا هو العزيز الغفار[ [الزمر: 5].
وقال تعالى: ]رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار[ [ص: 66].
وقال تعالى: ]إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم[ [فصلت: 43].
وقال تعالى: ]وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى[ [طه: 82].
وقال تعالى: ]غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب[ [غافر: 3].
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: وللمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: وللمقصرين، قالها ثلاثا، قال: وللمقصرين). ([279])
وعن زيد بن أرقم t قال: قال رسول الله r: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار). ([280])
وعن أم سلمة ﭭ قالت: (دخل رسول الله r على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه). ([281])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم). ([282])
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/451): (من أسمائه: الغفار). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (1/106): (له الأسماء الحسنى، فمن أسمائه: الغفور). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (5/300): (العفو، الغفور، الغفار: الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفا.
* وبالغفران، والصفح عن عباده موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه، ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه). اهـ
وقال الزجاجي اللغوي / في «اشتقاق أسماء الله تعالى» (ص93): (غفور: من أبنية المبالغة، فالله عز وجل: غفور، لأنه يفعل ذلك لعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى.
* فجاءت هذه الصفة على أبنية المبالغة لذلك، وهو متعلق بالمفعول، لأنه لا يقع الستر إلا بمستور: يستر، ويغطى، وليست من أوصاف المبالغة في الذات، إنما هي من أوصاف المبالغة في الفعل).اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «شأن الدعاء» (ص52): (الغفار: هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى.
كلما تكررت التوبة: من الذنب تكررت المغفرة.
والغفار: الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه، ورأفته.
ومعنى: الستر في هذا أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه، ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم). اهـ
وقال الكفوي اللغوي / في «الكليات» (ص666): (إن الغفران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثواب، ولا يستحقه؛ إلا المؤمن، ولا يستعمل؛ إلا في حق الباري تعالى.
والعفو: يقتضي إسقاط اللوم، والندم، ولا يقتضي نيل الثواب، ويستعمل في العبد أيضا).اهـ
قلت: وهذا يدل على الفرق بين الغفران، والعفو.
فالغفران: ستر لا يقع معه عقاب.
والعفو: إنما يكون بعد وجود عذاب وعتاب.
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/228): (يشهد فضله في مغفرته، فإن المغفرة فضل من الله تعالى.
وإلا فلو أخذك بمحض حقه كان عادلا محمودا.
* وإنما عفوه بفضله لا باستحقاقك، فيوجب لك ذلك أيضا شكرا له، ومحبة، وإنابة إليه، وفرحا، وابتهاجا به.
* ومعرفة له باسمه: «الغفار»، ومشاهدة لهذه الصفة، وتعبدا بمقتضاها، وذلك أكمل في العبودية، والمحبة، والمعرفة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص37): (يشهد من خطابه عتابه، لأحبابه ألطف عتاب، وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم، و«غافر» زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومصلح فسادهم).اهـ
وقال الإمام الحليمي / في «المنهاج» (1/102): (الغافر: هو الذي يستر على الذنب، ولا يؤاخذه فيشهره، ويفضحه).اهـ
وقال الإمام أبو عبيد / في «غريب الحديث» (3/348): (والمغفرة: من الذنوب إنما هو إلباس الله تعالى الناس الغفران، وتغمدهم به). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «روضة المحبين» (ص63): (إن فعولا في صفات الله تعالى: فاعل، كغفور، بمعنى: غافر).اهـ
قلت: المغفرة صفة ذاتية فعلية لله تعالى، وكذلك: الغفران صفة لله تعالى. ([283])
قال الإمام ابن قتيبة / في «تفسير غريب القرآن» (ص14): (ومن صفاته: الغفور، وهو من قولك: غفرت الشيء؛ إذا غطيته). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (14/13): (وقوله تعالى: ]استغفروا ربكم[؛ أمرهم بأن يستغفروا الله، وعلل ذلك مرغبا إياهم بالاستغفار، فقال: ]إنه كان غفارا[؛ و«غفار» صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة: «فعول»، و«فعال»، و«مفعال»، و«فعيل»، و«فعل»، لكن هنا هل نقول: إن «غفار» صيغة مبالغة، أو نقول: هي صيغة نسبة؟
الجواب: أنها تحتمل المعنيين، فإذا كانت للنسبة فالمعنى: أنها صفة لازمة له، كما نقول: نجار، حداد، وإذا كانت صيغة مبالغة فهي صفة فعلية، والله تعالى متصف بالمغفرة أزلا، وأبدا، وهو كثير المغفرة، سبحانه وتعالى). اهـ
* فوائد الاستغفار:
1) الاستغفار يجلب الغيث المدرار للمستغفرين، ويجعل لهم جنات، ويجعل لهم أنهارا.
2) الاستغفار يكون سببا في إنعام الله تعالى على المستغفرين بالرزق من الأموال والبنين.
3) تسهيل الطاعات، وكثرة الدعاء، وتيسير الرزق.
4) المستغفر تصغر الدنيا في قلبه.
5) ابتعاد شياطين الإنس والجن من العبد.
6) يجد حلاوة الإيمان، والطاعة.
7) حصول محبة الله تعالى للعبد.
8) إقبال الله تعالى على المستغفر، وفرحه بتوبته.
* وقوله r: «أنت ربي»؛ أي: ليس لي رب، ولا خالق سواك.
والرب: هو المالك، الخالق، الرازق، المدبر لشؤون خلقه.
فهذا إقرار بتوحيد الربوبية.
* ولهذا أعقبه؛ بقوله r: «خلقتني»؛ أي: أنت ربي الذي خلقتني ليس لي خالق سواك.
* وقوله r: «وأنا عبدك»؛ أي: وأنا عابد لك فأنت المعبود بحق، ولا معبود حق سواك.
* وهذا اعتراف له بالعبودية، فإن الله تعالى خلق ابن آدم لنفسه، ولعبادته.
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (1/206): (ومعنى: «لا إله إلا الله»؛ أي: لا معبود حق؛ إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له؛ كما قال تعالى: ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[ [الأنبياء: 25]؛ مع: قوله تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ [النحل: 36]؛ فصح أن معنى الإله، هو المعبود).اهـ
قلت: فهذا هو: معنى: «لا إله إلا الله»، وهو عبادة الله تعالى، وترك عبادة ما سواه، وهو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله تعالى.
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص22): (حق الله تعالى على العباد: أن يعبدوه وحده لا شريك له).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتح المجيد» (1/121): (ومعنى: «لا إله إلا الله»؛ أي: لا معبود حق إلا الله).اهـ
قلت: فقوله r: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك»؛ فيه تذلل، وخضوع، وانكسار بين يدي الله تعالى، وإيمان بوحدانيته سبحانه في ربوبيته وألوهيته. ([284])
و(إلــه): فعال؛ بمعنى: مفعول، مثل: كتاب؛ بمعنى: مكتوب، فيكون معناه: «معبود»، ويقال: «أله» «يأله»؛ بفتح فيهما: «إلهة»؛ أي: عبادة.
فـ(إلــه): مأخوذ من التأله، وهو التعبد، وجمعه: (آلهة). ([285])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (1/79): (شهادة أن لا إله إلا الله: يعترف الإنسان بلسانه، وقلبه، بأنه لا معبود حق إلا الله تعالى، لأن «إلــه»؛ بمعنى: مألوه، والتأله التعبد، والمعنى: أنه لا معبود حق إلا الله وحده). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «أحكام القرآن» (1/426): (لا إله إلا هو؛ أي: لا إلـه حق إلا هو، والإلـه؛ بمعنى: المعبود حبا وتعظيما). اهـ
وقال العلامة السفاريني / في «نتائج الأفكار» (ص212): (لا إلـه: معبود بحق في الوجود: «إلا أنت»: يا الله؛ لأن كل معبود سواه باطل، وكل إلـه غيره – جل شأنه – عاطل.
والإلـه: كفعال؛ بمعنى: مألوه، وكل متخذ معبودا إلـه عند متخذه: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه[ [الجاثية: 23].
والتألـه: التعبد والتنسك.
والتأليه: التعبيد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (10/249): (الإله: هو المعبود المطاع؛ فإن الإله: هو المألوه، والمألوه: هو الذي يستحق أن يعبد، وكونه يستحق أن يعبد: هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم: أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (1/32): (الإله: هو الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا، وإنابة وإكراما، وتعظيما وذلا، وخضوعا وخوفا، ورجاء وتوكلا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (13/202): (فإن الإله: هو المحبوب المعبود، الذي تألهه القلوب بحبها، وتخضع له، وتذل له، وتخافه وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها، وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده).اهـ
فقوله r: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك»؛ فيه الجمع بين التوحيدين: توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد الإرادة والطلب، فإن التوحيد الذي أمرنا بتحقيقه، والإتيان به، وتكميله ينقسم؛ كما بين أهل العلم إلى قسمين: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الإرادة والطلب.
* أما توحيد المعرفة والإثبات: فهو متعلق بالإقرار بربوبية الله تعالى، والاعتراف بأنه الخالق الرزاق المنعم المتصرف المدبر لشؤون خلقه كلها، والإقرار كذلك بأسمائه، وصفاته الواردة في كتاب الله، وسنة نبيه r.
فتوحيد المعرفة والإثبات: يشمل توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن المطلوب فيهما الاعتراف، والإقرار لله بذلك، والاعتراف له بالربوبية، توحيد الله بأفعاله، كالخلق، والرزق، والإنعام، والإحياء، والإماتة، والتصرف، ونحو ذلك، والاعتراف له بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا.
* وأما القسم الثاني: فهو توحيد الإرادة والطلب: وهو توحيد العبادة، إخلاص العبادة كلها لله وحده. ([286])
قلت: فينقسم التوحيد؛ باعتبار تعلقه بالله تعالى إلى ثلاثة أقسام:
1) توحيد الربوبية.
2) وتوحيد الألوهية.
3) وتوحيد الأسماء والصفات.
وباعتبار تعلقه بالعبد فينقسم إلى قسمين:
1) توحيد المعرفة، والإثبات، وهو العلمي الخبري.
2) وتوحيد في القصد، والطلب، والإرادة. ([287])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص14): (التوحيد: لا يقوم؛ إلا على النفي، والإثبات: نفي العبادة عما سوى الله تعالى، وإثباتها لله تعالى).اهـ
قلت: فهذا الحديث جمع بين هذين التوحيدين، فقوله r: «اللهم أنت ربي»؛ ثم قوله: «خلقتني»؛ هذا توحيد المعرفة والإثبات، الإقرار لله بالربوبية، وأنه وحده الخالق، لا خالق إلا الله.
وقوله r: «لا إله إلا أنت»، ثم قوله: «وأنا عبدك»؛ هذا توحيد الإرادة والطلب، وهو إخلاص الدين لله سبحانه وتعالى.
قلت: فبدأ هذا الدعاء بالجمع بين هذين التوحيدين اللذين هما أصل الأصول وأهمهما، والعناية بهما مقدمة على العناية بكل أمر.
ثم في قوله r: «خلقتني وأنا عبدك»؛ دلالة على مسألة يقررها أهل العلم، وهي أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، فإذا أقر العبد بأنه لا خالق إلا الله، فعليه ألا يعبد إلا الله، فكما أنه لا شريك له في الخلق، فلا شريك له في العبادة. ([288])
* ولهذا قال r في الحديث: «خلقتني وأنا عبدك»، كما أنه لا خالق لي غيرك، فلا معبود لي سواك، أنت وحدك تفردت بخلقي، ورزقي، وإحيائي، وإماتتي، فأنا لا أعبد إلا أنت، فلا أخضع، ولا أذل، ولا أدعو، ولا أستغيث إلا بك وحدك، فأنت الذي أوجدتني من العدم.
وقوله r في الحديث: «لا إله إلا أنت»؛ فيه الاعتراف والإقرار لله بالألوهية، وهذه الكلمة العظيمة التي بدئ بها هذا الحديث هي التي خلقت من أجلها الخليقة، وقامت لأجلها السموات والأرض، وأوجدت الجنة والنار، وانقسم الناس إلى قسمين: أهل سعادة، وأهل شقاوة، أهل جنة، وأهل نار. ([289])
ثم قوله r في الحديث: «وأنا عبدك»؛ الاعتراف لله بالعبودية، والخلق عباد لله، وعبودية الخلق لله نوعان: عبودية لربوبيته، وعبودية لألوهيته.
عبودية لربوبية الله: بمعنى أن الخلق كلهم الله أوجدهم، وخلقهم، ويرزقهم، ويحييهم، ويميتهم، لا شريك له في ذلك ]إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا[ [مريم: 93]؛ فهذه العبودية لا يخرج عنها مخلوق، كل مخلوق عبد لربوبية الله؛ لأن الله هو الذي أوجده، وخلقه، ورزقه، ويحييه، ويميته.
والقسم الثاني: عبودية لألوهيته، وهذا خص الله تعالى بها بعض خلقه الذين وفقهم للإيمان، وهداهم لطاعة الرحمن، فهؤلاء عباد لألوهيته يخضعون له، ويطيعونه، وينقادون لشرعه، ويمتثلون أمره، ويطيعون رسله، فهذه عبودية لألوهية الله، وهي إلى نفسه إضافة تشريف، وتكريم في مثل: قوله تعالى: ]وعباد الرحمن[ [الفرقان: 63]؛ فهؤلاء بعض خلق الله الذين اهتدوا، ولزموا عبادة الله وطاعته، والانقياد لشرعه سبحانه وتعالى.
والظاهر أن المقصود: بقوله r: «وأنا عبدك»؛ في الحديث: العبودية لألوهية الله؛ لأن العبودية لربوبية الله أشار إليها في الحديث بقوله r: «خلقتني»، وبقوله r: «اللهم أنت ربي»؛ فقوله r: «وأنا عبدك»؛ أي: عابد لك، ومطيع لك، وممتثل أمرك، ومنقاد لشرعك.
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص114): (توحيد الإلهية: المبني على إخلاص التأله لله تعالى، من المحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة والرهبة، والدعاء لله وحده لا شريك له.
* وينبني على ذلك إخلاص العبادات كلها ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، لا يجعل فيها شيئا لغيره، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، فضلا عن غيرهما.
* وهذا التوحيد: هو الذي تضمنه: قوله تعالى: ]إياك نعبد وإياك نستعين[ [الفاتحة: 5]، وقوله تعالى: ]فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون[ [هود: 123]، وقوله تعالى: ]فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم[ [التوبة: 129]، وقوله تعالى: ]رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا[ [مريم: 56]، وقوله تعالى: ]عليه توكلت وإليه أنيب[ [هود: 88]، وقوله تعالى: ]وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا[ [الفرقان: 58]، وقوله تعالى: ]واعبد ربك حتى يأتيك اليقين[ [الحجر: 99].
* وهذا التوحيد: هو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: ((لا إله إلا الله))، فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة، والخشية، والإجلال، والتعظيم، وجميع أنواع العبادة، ولأجل هذا التوحيد خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة، وأشقياء أهل النار. قال الله تعالى: ]يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون[ [البقرة: 21]، فهذا أول أمر في القرآن.
وهذا التوحيد: هو أول واجب على المكلف، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك في الله، كما هي أقوال لمن لم يدر ما بعث الله تعالى به رسوله الله r من معاني الكتاب والحكمة، فهو أول واجب وآخر واجب، وأول ما يدخل به الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال r: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) متفق عليه([290])، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح، وأبدأ فيه وأعاد، وضرب لذلك الأمثال، بحيث إن كل سورة في القرآن ففيها الدلالة على هذا التوحيد.
ويسمى هذا النوع توحيد الإلهية؛ لأنه مبني على إخلاص التأله، وهو أشد المحبة لله وحده، وذلك يستلزم إخلاص العبادة.
* وتوحيد العبادة([291]) لذلك، وتوحيد الإرادة، لأنه مبني على إرادة وجه الله بالأعمال، وتوحيد القصد، لأنه مبني على إخلاص القصد المستلزم لإخلاص العبادة لله وحده.
* وتوحيد العمل، لأنه مبني على إخلاص العمل لله وحده. قال الله تعالى: ]فاعبد الله مخلصا له الدين[ [الزمر: 2]. وقال تعالى: ]قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين[ [الزمر: 11-12]). اهـ
وقال العلامة السفاريني / في «نتائج الأفكار» (ص267): (قوله r: «وأنا عبدك»؛ أي: تألها وخلقا، وهذا معطوف على قوله r: «اللهم أنت ربي»؛ كأنه قال: «اللهم أنت ربي، وأنا عبدك».
وقوله r: «لا إله إلا أنت، خلقتني»؛ إذعان، واعتراف بتوحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وإقرار بكل واحد منهما، أي: لا خالق لي، ومربي، ولا إله، ولا معبود سواك يا الله).اهـ
* وقوله r: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»؛ أي: وأنا على ما عاهدتك عليه، وواعدتك من الإيمان بك، والقيام بطاعتك، وامتثال أوامرك «ما استطعت»؛ أي: على قدر استطاعتي، فإنه سبحانه لا يكلف نفسا؛ إلا وسعها؛ أي: إنما أقوم بذلك بحسب استطاعتي، لأن العبد لا يقدر إلا قدر استطاعته. ([292])([293])
قال تعالى: ]لا نكلف نفسا إلا وسعها[ [الأنعام: 152].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها[ [الطلاق: 7].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 233].
قلت: فالله تعالى عهد إلى عباده عهدا أمرهم فيه، ونهاهم، ووعدهم على وفائه بعهده أن يثيبهم بأعلى المثوبات، فالعبد يسير بين قيامه بعهد الله إليه، وتصديقه بوعده، أي: أنا مقيم على عهدك، مصدق بوعدك، وعهدك إلي بأن أوحدك، وأعترف بألوهيتك، ووحدانيتك، ووعدك بالجنة لي على هذا.
وجاء عن النبي r أنه قال: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)، وفي رواية: (فانتهوا). ([294])
قلت: وفي هذا نكتة بينها أهل العلم، لما ذكر الأمر قيده بالاستطاعة؛ لأن بعض الأوامر لا يستطيع أن يقوم بها الإنسان، أو قد يستطيع أن يقوم بها لكن لا يستطيع أن يكملها، فعلق فعل الأمر بالاستطاعة، لكن لما ذكر النهي قال r: «وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»؛ لم يقل: ما استطعتم؛ لأنه كما قال العلماء: النهي ترك، والترك مستطاع لكل أحد، يعني بعدم الزنى، وعدم السرقة، وعدم القتل، ونحوها من الأمور التي نهى الله عنها مستطاع لكل أحد، فلا أحد يقول: لا أستطيع أن أترك شيئا من هذه الأمور، إذ لا يقول ذلك إلا من كان عنده فساد، وهوى في فعل المعصية –والعياذ بالله-، ولهذا لم يعلق الترك بالاستطاعة.
فقوله r: «ما استطعت»؛ إعلام للأمة أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يجب عليه لله تعالى، ولا الوفاء بكمال الطاعات، والشكر للنعم، فرفق الله بالأمة، ولم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم، فيجتهد العبد، ويكون صادقا مع الله في ذلك، في فعل الطاعات، والقيام بشكر النعمة، وتحقيق الإيمان قدر استطاعته، والله يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور. ([295])
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (10/75): (قوله r: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»؛ يعني: العهد الذي أخذه الله على عباده في أصل خلقهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية.
* والوعد: هو ما وعدهم تعالى أنه من مات لا يشرك منهم بالله شيئا، وأدى ما افترض الله عليه: أن يدخل الجنة.
* فينبغي لكل مؤمن أن يدعو الله تعالى: أن يميته على ذلك العهد، وأن يتوفاه الله على الإيمان؛ لينال ما وعد تعالى من وفى بذلك اقتداء بالنبي r في دعائه بذلك). اهـ
*والعهد في اللغة: العين، والهاء، والدال: أصل هذا الباب، وهو دال على معنى واحد.
وأصله: الاحتفاظ بالشيء، وإحداث العهد به.
فمن ذلك قولهم: عهد الرجل يعهد عهدا، وهو من الوصية.
وإنما سميت بذلك؛ لأن العهد مما ينبغي الاحتفاظ به.
ومنه اشتقاق العهد الذي يكتب للولاة من الوصية، وجمعه: عهود.
والعهد: الموثق، وجمعه: عهود.
ومن الباب: العهد الذي معناه: الالتقاء، والإلمام.
يقال: هو قريب العهد به، وذلك أن إلمامه به احتفاظ به، وإقبال.
والعهيد: الشيء الذي قدم عهده.
والعهد: المنزل الذي لا يكاد القوم إذا انتأوا عنه: رجعوا إليه.
والتعاهد: الاحتفاظ بالشيء، وإحداث العهد به.
والمعاهد: الذمي؛ لأنه معاهد، ومبايع على ما عليه من إعطاء الجزية، والكف عنه.
وهم: أهل العهد، فإذا أسلم ذهب عنه اسم المعاهد.
والعهدة: كتاب الشراء، وجمعه: عهد.
ويقال: للشيء الذي فيه فساد: إن فيه لعهدة، ولما يحكم بعد.
وعهيدك: الذي يعاهدك وتعاهده.
تعهد الشيء: حفظه، وأصلحه، والتزم به.
ويقال: عاهد فلانا: أعطاه عهدا.
والتعهد: التحفظ بالشيء، وتجديد العهد به.
والعهد: العلم.
وعهد: فلان إلى فلان: عهدا؛ ألقى إليه العهد، وأوصاه بحفظه.
وأهل العهد هم: المعاهدون.
والمصدر: المعاهدة؛ أي: إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية.
والقياس واحد: كأنه أمر يحتفظ به لهم، فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم: المعاهدة.
وأعهدته: أعطيته عهدا.
والمعهد: الموضع الذي كنت عهدته، أو كنت تعهد به شيئا؛ يجمع: على المعاهد. ([296])
* فالعهد يطلق على معان مختلفة:
* فمنها: الحفاظ، ورعاية الحرمة.
* ومنها: الوصية.
قال تعالى: ]ألم أعهد إليكم يا بني آدم[ [يس: 60]؛ يعني: الوصية.
* والعهد: الأمان.
قال تعالى: ]لا ينال عهدي الظالمين[ [البقرة: 124].
وقال تعالى: ]فأتموا إليهم عهدهم[ [التوبة: 4].
* ومنها: اليمين، يحلف بها الرجل، يقول: علي عهد الله تعالى.
* ومنها: الميثاق.
قال تعالى: ]وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم[ [النحل: 91].
* ومنها: الوفاء.
قال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد[ [الأعراف: 102].
* ومنها: اللقاء: يقال: عهدي به قريب، أي: لقائي.
* ومنها: العلم.
قال الخليل الفراهيدي اللغوي / في «العين» (2/1301): (العهد: الوصية، والتقدم إلى صاحبك بشيء.
ومنه: اشتق العهد الذي يكتب للولاة، ويجمع على: عهود، وقد عهد إليه يعهد: عهدا.
والعهد: الموثق، وجمعه: عهود.
والعهد: الالتقاء، والإلمام.
يقال: ما لي عهد بكذا، وإنه لقريب العهد به). اهـ
وقال الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص192): (العهد: الأمان، واليمين، والموثق، والذمة، والحفاظ، والوصية.
و«عهد»: إليه من باب: فهم؛ أي: أوصاه.
ومنه: اشتق: العهد الذي يكتب للولاة.
وتقول: علي عهد الله لأفعلن كذا.
و«العهدة»: كتاب الشراء، وهي أيضا الدرك.
و«العهد»، و«المعهد»؛ المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه.
و«المعهد»: الموضع الذي كنت تعهد به شيئا.
و«المعهود»؛ الذي عهد وعرف.
و«عهده» بمكان كذا من باب: فهم؛ أي: لقيه.
و«عهدي» به قريب.
و«العهد»: رعاية المودة.
و«التعهد»: التحفظ بالشيء، وتجديد العهد به.
و«المعاهد»: الذمي).اهـ
* والعهد في الشرع:
قال الإمام النووي / في «تحرير ألفاظ التنبيه» (ص151): (قوله: «ووفاء بعهدك»؛ العهد: له معان، والمراد هنا: الميثاق الذي أخذه الله تعالى علينا بامتثال أمره، واجتناب نهيه). اهـ
وقال الجرجاني اللغوي / في «التعاريف» (ص204): (العهد: حفظ الشيء، ومراعاته حالا بعد حال.
هذا أصله: ثم استعمل في الموثق الذي تلزم مراعاته، وهو المراد). اهـ
قال تعالى: ]ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين[ [يس: 60].
ومعناه: ألم أقدم إليكم من الأمر الذي أوجبت عليكم الاحتفاظ به.
ومعناه أيضا: الوصية.
قال تعالى: ]وبعهد الله أوفوا[ [الأنعام: 152]؛ يعني: أوفوا بوصايا الله تعالى، وتكاليفه. ([297])
وقال تعالى: ]ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما[ [الفتح: 10].
وقال تعالى: ]وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم[ [النحل: 91].
وقال تعالى: ]والموفون بعهدهم إذا عاهدوا[ [البقرة: 177].
وقال تعالى: ]من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه[ [الأحزاب: 23].
وقال تعالى: ]وأوفوا بالعهد[ [الإسراء: 34].
وقال تعالى: ]إن العهد كان مسئولا[ [الإسراء: 34].
وقال تعالى: ]وكان عهد الله مسئولا[ [الأحزاب: 15].
وقال تعالى: ]بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين[ [آل عمران: 76].
وقال تعالى: ]الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق[ [الرعد: 20].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف: 102].
وعن عثمان بن أبي العاص t قال: آخر ما عهد إلي رسول الله r: (إذا أممت قوما، فأخف بهم الصلاة). ([298])
قلت: من أوفى بعهد الله تعالى من توحيد، وإخلاص العبادة له، أوفى الله تعالى بعهده من توفيقه إلى الطاعات، وأسباب العبادات.
* والذين يوفون بعهد الله تعالى هم: أولو الألباب، وهم: الذين باعوا أنفسهم، وأموالهم لله تعالى.
فوعدهم: أن لهم الجنة، ومن أوفى بعهده من الله تعالى.
* وقد مدح الله تعالى الموفين بعهودهم كثيرا في القرآن الكريم.
قلت: فالوفاء بالعهد إتمامه، وعدم نقض حفظه، ويتطابق من ثم صدق القول والعمل جميعا.
* فيصبر العبد على أداء ما يعد به الغير، ويبذله من تلقاء نفسه. ([299])
قلت: فالوفاء بالعهد من الخلق الشريف العالي الرفيع.
فيجب إتمام العهد، وإكماله.
قال الراغب اللغوي / في «المفردات» (ص528): (الوفاء بالعهد: إتمامه، وعدم نقض حفظه). اهـ
فالوفاء بالعهد: فيه من بلوغ تمام الكمال في تنفيذ كل ما عاهد الله تعالى، وفي كل ما عاهد عليه العباد. ([300])
قال الراغب اللغوي / في «الذريعة إلى مكارم الشريعة» (ص292): (الوفاء: أخو الصدق، والعدل.
والغدر: أخو الكذب، والجور.
ذلك أن الوفاء: صدق اللسان والفعل معا.
والغدر: كذب بهما، لأن فيه مع الكذب نقض للعهد.
* وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قواما لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون، ولا يتم تعاونهم؛ إلا بمراعاة العهد، والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش.
* ولذلك عظم الله تعالى أمره، فقال تعالى: ]وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون[ [البقرة:40]). اهـ
* والوعد في اللغة: الواو، والعين، والدال: كلمة صحيحة تدل على ترجية بقول.
يقال: وعدته، أعده، وعدا.
ويقال: وعده الأمر، وبه يعد: عدة، ووعدا، وموعدا، وموعدة، وموعودا، وموعودة.
ويكون ذلك بخير، وشر.
فأما الوعيد: فلا يكون إلا بشر.
يقولون: أوعدته بكذا، فإذا أسقطا قيل في الخير: وعد.
وفي الشر: أوعد، وقالوا: أوعد بالخير، وبالشر.
والمواعدة: من الميعاد.
والعدة: الوعد، وجمعها عدات.
والوعد: لا يجمع. ([301])
* والوعد في الشرع: هو كل نص ورد فيه الوعد من الله تعالى، أو من رسوله؛ لمن فعله، أو أتى به بالخير الدنيوي، أو الأخروي. ([302])
قال القرطبي المفسر / في «التذكرة» (ص227): (الوعد: هو الخبر عن المثوبة عند الموافقة). اهـ
قلت: والعلاقة بين المعنى اللغوي، والمعنى الشرعي؛ العموم، والخصوص.
فإن الوعد الشرعي: مختص بالخير.
وأما الوعد اللغوي: فيكون بالخير والشر. ([303])
* لذلك يجب الإيمان بجميع موعودات الله تعالى، ووعده لأهل طاعته، ولأهل الإيمان به.
* فلا أصدق منه حديثا، ولا أصدق منه قيلا.
وهو: ذو الجود والكرم، والرحمة والإحسان.
قال يحيي بن معاذ /: (الوعد، والوعيد حق: فالوعد حق العباد على الله تعالى، ضمن لهم إذا فعلوا كذا: أن يعطيهم كذا، ومن أولى بالوفاء من الله تعالى.
الوعيد حقه على العباد: قال لا تفعلوا كذا؛ فأعذبكم، ففعلوا؛ فإن شاء عفا، وإن شاء أخذ؛ لأنه حقه، وأولاهما: بربنا تبارك وتعالى: العفو، والكرم إنه غفور رحيم). ([304])
قال الإمام ابن أبي زمنين المالكي / في «أصول السنة» (ص256): (ومن قول أهل السنة: إن الوعد فضل الله تعالى، ونعمته.
والوعيد: عدله وعقوبته.
وأنه جعل الجنة: دار المطيعين بلا استثناء، وجهنم: دار الكافرين بلا استثناء.
وأرجى لمشيئته من المؤمنين العاصين من شاء.
* والله تعالى يحكم لا معقب لحكمه، ولا يسأل عن فعله.
وقال عز من قائل: فيما وعد به المؤمنين المطيعين: ]ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم[ [النساء: 13]). اهـ
وقال العلامة يحيى العمراني الشافعي / في «الانتصار في الرد على المعتزلة» (3/376): (إن من وعد الله تعالى ثوابا على عمل عمله بفضل من الله ونعمة.
* ولا يوصف الله تعالى بأنه يخلف وعده، لقوله تعالى: ]إن الله لا يخلف الميعاد[ [آل عمران: 9].
* ومن أوعده عذابا على ذنب أذنبه؛ فإن الوعيد: حق له، وترك الوفاء بالوعيد كرم وجود.
* وربنا موصوف بالجود، والكرم، وكيف لا يحسن من الله تعالى العفو عن الذنب، وقد أمرنا به، وحضنا عليه، ومدح فاعله). اهـ
* وكل من نظر في القرآن الكريم، والسنة المطهرة: يتبين له أن وعد الله تعالى؛ لأهل طاعته ثلاثة أقسام:
الأول: الوعد العام؛ لأهل الإيمان، والطاعة؛ بالرحمة، والمغفرة، والرضوان.
ومن النصوص الدالة على ذلك: قوله تعالى: ]وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم[ [التوبة: 72].
وقوله تعالى: ]قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله[ [آل عمران: 15].
قلت: وأصحاب هذا الوعد هم: كل من اتصف بالصفات المذكورة في الآيات على تفاوت في مراتبهم.
ويجمعهم مرتبتان: من المراتب التي صنف الله تعالى إليها المصطفين من عباده: في قوله تعالى: ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير[ [فاطر: 32].
قلت: وهما مرتبة: السابق بالخيرات.
ومرتبة: المقتصد.
أما الظالم لنفسه: فهو من أهل الوعد في الجملة.
ولكن قد يعذب على قدر ذنوبه، وقد يعفى عنه، ولكنه لا يخلد في النار.
الثاني: الوعد الخاص المتعلق بأشخاص معينين: لصفاتهم، وأحوالهم.
وذلك مثل: أنبياء الله، ورسله، كما في قوله تعالى: ]ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا[ [النساء: 69].
وقوله تعالى: ]أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا[ [مريم: 58].
قلت: ويدخل في ذلك المعينون بأوصاف خاصة: كصحابة رسول الله r، وأزواجه، كما في قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير[ [التحريم: 8].
وقوله تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100].
وقوله تعالى: ]لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير[ [الحديد: 10].
الثالث: الوعد الخاص على أعمال معينة من أتى بها استحق كذا.
وذلك مثل، قوله تعالى: ]الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ [البقرة: 262].
* فهذا القسم من الوعد: لأهل الإسلام ينقسم أهله إلى قسمين:
الأول: الذين أتوا به، وهم: مستقيمون على ما سواه من أوامر الشرع، ومجتنبون للكبائر.
فهؤلاء هم: الموعودون بذلك، والمستحقون على الله تعالى تفضلا منه، وكرما ما وعدهم به.
وهم داخلون تحت: قوله تعالى: ]ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا[ [النساء: 124].
وقوله تعالى: ]ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التغابن: 9].
الثاني: الذين أتوا بهذه الأعمال، وهم: فيما سواها مقصرون، من ترك للواجبات، أو وقوع في المحرمات.
فهذا الصنف مستحق لوعد الله تعالى فيما وعدهم به.
* فإن الله لا يخلف وعده، ولكن قد يعاقبهم بذنوبهم ثم يعطيهم ما وعدهم به.
* وقد يعفوا عنهم، ويعطيهم ما وعدهم به، وقد يذهب ما وعدوا به؛ لغرمائهم.([305])
* وهذا الصنف أصحابه يدخلون تحت؛ قوله تعالى: ]وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم[ [التوبة: 106].
فهذه قاعدة: لعموم أهل الذنوب بأن من مات، ولم يتب؛ فأمره إلى الله تعالى، وهو تحت المشيئة، كما قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمنيشاء[ [النساء: 48].
وعن عبادة بن الصامت t قال: قال رسول الله r، وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه). ([306]) فبايعناه على ذلك.
قلت: فهذا الصنف ممن وقعوا في الكبائر، ولم يتوبوا قبل الموت تحت المشيئة، وهم المقصودون في كلام أهل العلم: بـ«أصحاب الكبائر»، أو «الفاسق الملي».
وهم باتفاق أهل السنة: تحت المشيئة: فإما أن يعفو الله تعالى عنهم.
وإما أن يعذبهم بقدر ذنوبهم.
* وإذا دخلوا النار فهم لا يخلدون فيها، وإنما يخرجون منها: بعد أن يمحصوا من ذنوبهم.
كما دل على ذلك: قوله تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].
وعن أنس بن مالك t؛ مما جاء فيه: قوله r بعد أن يؤذن له بالشفاعة: (فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل). ([307])
* وقوله r: (أعوذ بك من شر ما صنعت)؛ أي: ألتجئ إليك يا الله، واعتصم بك من شر الذي صنعته من شر مغبته، وسوء عاقبته، وحلول عقوبته، وعدم مغفرته.
قلت: وهذا فيه إثبات فعل العبد وكسبه، وأن الشر مضاف إلى فعله هو، لا إلى ربه سبحانه([308])، فقال r: «أعوذ بك من شر ما صنعت»؛ فالشر إنما هو من العبد، وأما الرب سبحانه فله الأسماء الحسنى، وكل أوصافه صفات كمال، وكل أفعاله حكمة ومصلحة.
ويؤيد هذا: قوله r: (والخير كله في يديك، والشر ليس إليك). ([309])
قال العلامة الجيلاني في «فضل الله الصمد» (2/75): (وإضافة الذنب إلى من به الذنب صار ذنبا، وأن الشر ليس إليه بل بيده الخير، ووفور رغبته في المغفرة منه، واعترافه بأنه لا يقدر على ذلك إلا هو). اهـ
قلت: وهذا يبين أن الشر لا يضاف إلى الله تعالى، فلا ينسب الشر إليه، وليس في أفعاله شر، وإنما الشر في مخلوقاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (14/266): (الرب لا يفعل سيئة قط، بل فعله كله حسن وحسنات، وفعله كله خير، لهذا كان النبي r يقول في دعاء الاستفتاح: «والخير بيديك، والشر ليس إليك» ([310])؛ فإنه لا يخلق شرا محضا، بل كل ما يخلقه: ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، وأما شر كلي، أو شر مطلق؛ فالرب منزه عنه([311])، وهذا هو الشر الذي ليس إليه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ص458): ما مفاده وملخصه: (القدر لا شر فيه بوجه من الوجوه، فإنه علم الله، وقدرته، وكتابته، ومشيئته، وذلك خير محض، وكمال من كل وجه، فالشر ليس إلى الرب بوجه من الوجوه، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وإنما يدخل الشر الجزئي الإضافي في المقضي المقدر، ويكون شرا بالنسبة إلى محل، وخيرا بالنسبة إلى محل آخر). اهـ
* وقوله r: (أبوء لك بنعمتك علي)؛ أي: أعترف، وأقر بعظم إنعامك علي، وترادف فضلك، وإحسانك، وفي ضمن ذلك المنعم سبحانه، والتبري من كفران النعم. ([312])
* وقوله r: (وأبوء لك بذنبي) ([313])؛ أي: بذنبي، وهو ما ارتكبته من إثم، وخطيئة من تقصير في واجب، أو فعل لمحظور.
* والاعتراف بالذنب، والتقصير سبيل إلى التوبة، والإنابة، ومن اعترف بذنبه، وتاب منه؛ تاب الله عليه.
* والذنب: الإثم، وجمعه: ذنوب. ([314])
قال الفيومي اللغوي / في «المصباح المنير» (ص111): (الذنب: الإثم، والجمع: ذنوب، وأذنب: صار ذا ذنب؛ بمعنى: تحمله). اهـ
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح رياض الصالحين» (4/553): (سيد الاستغفار أن يقول العبد: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك»؛ فتقر لله عز وجل بلسانك، وبقلبك أن الله هو ربك المالك لك، المدبر لأمرك، المعتني بحالك، وأنت عبده كونا وشرعا: عبده كونا يفعل بك ما يشاء، إن شاء أمرضك، وإن شاء أصحك، وإن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن شاء أضلك، وإن شاء هداك حسبما تقتضيه حكمته عز وجل.
* وكذلك أنت عبده شرعا تتعبد له بما أمر، تقوم بأوامره، وتنتهي عن نواهيه، تقر بأن الله خلقك، هو الذي أوجدك من العدم، وأنك على عهده، ووعده ما استطعت، على عهده، لأن كل إنسان قد عاهد الله أن يعمل بما علم: ]وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه[ [آل عمران: 187].
* فمتى أعطاك الله علما، فإنه قد عهد إليك أن تعمل به، «وعلى وعدك»؛ أي: تصديق وعدك، ما وعدت أهل الخير من الخير، وما وعدت أهل الشر من الشر، ولكن أنا على وعدك أي في الخير، لأنك في هذه الكلمات تتوسل إلى الله تعالى.
* «أعوذ بك من شر ما صنعت»؛ يعني: أنت تعوذ بالله من شر ما صنعت، لأن الإنسان يصنع خيرا فيثاب، ويصنع شرا فيعاقب، ويصنع الشر فيكون سببا لضلاله، كما قال الله تعالى: ]فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم[ [المائدة: 49].
* فأنت تتعوذ بالله من شر ما صنعت، ثم: «أبوء لك بنعمتك علي»؛ يعني: أعترف بنعمتك العظيمة الكبيرة التي لا أحصيها.
«وأبوء بذنبي»؛ أعترف به، «فاغفر لي» هذا الذنب إنك أنت الغفور الرحيم.
* فاحرص على حفظ هذا الدعاء، وحافظ عليه صباحا، ومساء، إن مت من يومك، فأنت من أهل الجنة، وإن مت من ليلتك، فأنت من أهل الجنة). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة الأثرية......................................................................................... |
5 |
2) |
الذكر الأول.............................................................................................. |
9 |
3) |
الذكر الثاني.............................................................................................. |
52 |
4) |
الذكر الثالث............................................................................................ |
57 |
5) |
الذكر الرابع.............................................................................................. |
109 |
6) |
الذكر الخامس......................................................................................... |
144 |
7) |
الذكر السادس......................................................................................... |
173 |
8) |
الذكر السابع............................................................................................ |
220 |
([2]) وانظر: «العلم الهيب لشرح الكلم الطيب» للعيني (ص126)، و«داعي الفلاح في أذكار المساء والصباح» للسيوطي (ص46)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (5/220)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص22)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (3/89)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (1/39 و43)، و«شرح رياض الصالحين» له (5/543).
([3]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (1/124)، و«اشتقاق أسماء الله تعالى» للزجاجي (ص148)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (4/22)، و«لسان العرب» لابن منظور (5/3546)، و«الصحاح» للجوهري (2/786 و787)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص394 و396)، و«الفتاوى» لابن تيمية (8/7)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (3/1258)، و«معاني القرآن» للفراء (2/209).
([4]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (11/587)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (5/178)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (10/60 و61)، و«تاج العروس» للزبيدي (15/655)، و«الصحاح» للجوهري (5/1810)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص431).
([6]) وانظر: «العلم الهيب لشرح الكلم الطيب» للعيني، (ص126) و«المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي (17/42)، و«شرح مشكاة المصابيح» للطيبي (5/147)، و«مفتاح دار السعادة» لابن القيم (1/376)، و«النفح الطيب شرح الكلم الطيب» للطيار (ص70)، و«تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص85)، و«جامع البيان» للطبري (1/111)، و«الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (3/54).
([7]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (5/2853)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (3/2364)، و«العين» للخليل (2/1160)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص140).
([9]) وانظر: «الروح» لابن القيم (1/146)، و«الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد» للشيخ الفوزان (ص312)، و«العقائد السلفية» للبنعلي (ص484)، و«لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (ص55).
([10]) وهناك قول للفلاسفة: المنكرون لمعاد الأبدان، بأن النعيم، والعذاب لا يكون إلا على الروح، وإن البدن لا ينعم، ولا يعذب.
* وهذا قول المعتزلة أيضا أنهم يقولون: إن الروح هي التي تنعم وتعذب في البرزخ، وهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان، لكن يقولون: لا يكون ذلك في البرزخ، وإنما يكون عند القيام من القبور.
وانظر: «الروح» لابن القيم (1/147).
([17]) والأفضل أن يقال: والفاعل بفعل قوم لوط، كما قال النبي r: فينسب اللواط على قوم لوط عليه السلام، ولا ينبغي أن يسمى ذلك باسم لوط عليه السلام، فتنبه.
([20]) وانظر: «العلم الهيب لشرح الكلم الطيب» للعيني، (ص127) و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (2/91)، و«فيض القدير بشرح الجامع الصغير» للمناوي (2/132)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص23).
([21]) وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (17/65)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (1/46)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (5/191)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص434)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«الفتاوى» لابن تيمية (12/335)، و«الصحاح» للجوهري (2/807و 808)، و«لسان العرب» لابن منظور (5/146 و149)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (4/188)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص605).
([23]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (2/79 و368) و(12/335) و(20/86)، و«تفسير القرآن» لشيخنا ابن عثيمين (1/ 27 و36)، )، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (1/46)، و«الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص580 و585)، و«التعريفات» للجرجاني (ص185)، و«التوقيف» للمناوي (ص282)، و«الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق» لابن سحمان (ص373 و374 و375)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (1/114)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (10/193 و194)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/364 و367)، و«نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص516)، و«نواقض الإسلام» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص9 و20 و32 و37 و60).
([24]) وانظر: «عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص101 و102)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/364 و367)، و«الزواجر» للهيتمي (ص255).
([28]) وانظر: «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض (ص585 و587)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/364 و367)، و«عقيدة المسلم» للقحطاني (ص623)، و«عقيدة التوحيد» للشيخ الفوزان (ص100)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (10/193 و194)، و«نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزي (ص516)، و«نواقض الإسلام» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص9 و20 و32 و37 و60)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (1/46)، و«الفتاوى» لابن تيمية (2/79)، و(7/181 و525)، و(12/335)، و(20/86)، و«الإيمان الكبير» له (ص 347 و348)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (7/285)، و«الصارم المسلول» له أيضا (3/967 و969 و970)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (1/332 و587)، و(2/336)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (1/368)، و(7/639)، و«الإيمان» لأبي عبيد (ص40).
([31]) وانظر: «تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص348)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص507 و508)، و«شرح مشكاة المصابيح» للطيبي (5/147)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (5/222).
([32]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (4/472)، و«العين» للخليل (8/128)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص372)، و«لسان العرب» لابن منظور (6/3346)، «والنهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/461)، و«التعريفات» للجرجاني (ص171)، و«فتح الباري» لابن حجر (13/34)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (8/236)، و«الصحاح» للجوهري (6/2176)، و«الفروق في اللغة» للعسكري (ص210 و211).
([33]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (14/267)، و«الزواجر عن اقتراف الكبائر» للهيتمي (2/7)، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي (ص115)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (6/365)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (10/93)، و«الفوائد» لابن القيم (ص199)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (6/118)، و(17/24)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (1/410)، و(9/65 و239)، و«فتح الباري» لابن حجر (13/34 و35)، و«السنن الواردة في الفتن» للداني (1/235).
([35]) قلت: فلا يقال: «يا اللهم».
قال ابن مالك النحوي / في ألفيته (ص80):
والأكثر اللهم بالتعويض |
وشذ يا اللهم في قريض |
قال الأشموني اللغوي / في «شرح الألفية» (ج3 ص146): (الأكثر في نداء اسم الله تعالى أن يحذف حرف النداء، ويقال: «اللهم»؛ بتعويض الميم المشددة عن حرف النداء، وشذ الجمع بين الميم، وحرف النداء في الشعر). اهـ
وقال سيبويه اللغوي / في «كتابه» (1/35): (وقولهم: «اللهم»، حذفوا «يا»، وألحقوا «الميم» عوضا).اهـ
قلت: فزيدت الميم المشددة عوضا من حرف النداء.
وانظر: «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك» لابن هشام (3/84)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (1/190).
([36]) قلت: وهذا يدل على إعانة الله تعالى للعبد في الصباح والمساء.
* والباء، في «بك أصبحنا» متعلق بمحذوف، فكأنه يريد: بنعمتك أصبحنا، أو: بحفظك، وكذلك: التقرير في قوله r: «وبك أمسينا».
([37]) وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (5/233)، و«العلم الهيب بشرح الكلم الطيب» للعيني (ص131)، و«شرح مشكاة المصابيح» للطيبي (5/154)، و«تحفة الذاكرين» للشوكاني (ص86)، و«النفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص72)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (5/301)، و«غريب الحديث» لابن قتيبة (2/270)، و«شرح رياض الصالحين» لشيخنا ابن عثيمين (5/539).
([40]) وانظر: «الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (5/160)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص30)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (5/244)، و«والنفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص81)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (2/110).
([41]) وانظر: «الكافي» لابن عبد البر (1/238)، و«المجموع بشرح المهذب» للنووي (3/168)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (7/182)، و«عقد الجواهر» لابن شاش (1/157)، و«حاشية الخرشي على مختصر خليل» (1/246)، و«الـمغني» لابن قدامة (2/284)، و«الإنصاف» للمرداوي (1/449).
أخرجه أحمد في «الـمسند» (2/187)، وفي «العلل» (1/149)، وأبو داود في «سننه» (495)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/94)، والبغوي في «شرح السنة» (505)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/168)، والحاكم في «المـستدرك» (1/197)، والدارقطني في «السنن» (887)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/167)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/26)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (2/278)، والدولابي في «الكنى» (1/159)، وابن أبي شيبة في «الـمصنف» (1/347).
وإسناده حسن.
وجود إسناده ابن كثير في «إرشاد الفقيه» (1/108)، وصححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (1/266).
أخرجه الترمذي في «سننه» (1173)، وابن خزيمة في «صحيحه» (3/95)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10115)، وابن حبان في «صحيحه» (5598) و(5599).
وإسناده صحيح.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
([45]) يعني: من العلماء المتأخرين، ولا يلتفت إلى خلافهم بعد ثبوت النص من القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة y.
([46]) وانظر: «الفروع» لابن مفلح (5/154)، و«المغني» لابن قدامة (6/558)، و«الإنصاف» للمرداوي (8/28)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (3/453).
([47]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (7/250)، و«جامع البيان» للطبري (22/29)، و«أحكام القرآن» للجصاص (3/372)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (6/586).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (17/256)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (4/318).
وإسناده صحيح.
([50]) وأما تفسير ابن عباس ﭭ: بالزينة الظاهرة: «بالوجه والكفين»؛ فهو أثر ضعيف لا يصح عن ابن عباس، لاختلاف طرقه ومتونه، فقد وقع الاضطراب فيه.
انظر: «جزءا فيه: ضعف تفسير ابن عباس ﭭ؛ لقوله تعالى: ]ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها[ [النور: 31]؛ بكشف المرأة للوجه والكفين» لزوجي الشيخ فوزي الأثري حفظه الله.
وكذلك أثر ابن عمر ﭭ لا يصح في تفسير: «الزينة الظاهرة: بالوجه والكفين».
انظر أيضا: «جزءا فيه: ضعف تفسير ابن عمر ﭭ؛ أن الزينة الظاهرة: بالوجه والكفين» لزوجي الشيخ فوزي الأثري حفظه الله.
([51]) وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (13/308)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (7/240)، و«تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي» للمباركفوري (8/62)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (20/217)، و«بلوغ الأماني» للساعاتي (11/215).
أخرجه الخلال في «أحكام النساء» (ص50).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن الجوزي في «زاد المسير» (6/31).
قلت: رحم الله الإمام أحمد، يقول هذا الكلام في عصر الأوائل، فما بالكم لو رأى الإمام أحمد ما أحدثته المحجبات المتبرجات من إظهار اليد، ونصف الساعد، والعين، والحاجب، وبعض أجزاء من الوجه، ألا يعلمن أنهن مبعوثات، وعن هذا مسئولات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
([55]) الدملج: سوار يحيط بالذراع من أعلى، وهو المعضد من الحلي.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (3/1425).
([56]) الخلخال: حلية؛ كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن، والجمع: خلاخيل.
انظر: «المعجم الوسيط» (ص249).
([57]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من الذهب وغيره.
انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (4/284)، وابن جرير في «جامع البيان» (17/256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (11/22 – الدر المنثور)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (2/56)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14400)، وابن أبي الدنيا في «العيال» (404)، وأبو عبيد في «غريب الحديث» (5/348)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1569)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (4/332)، والحاكم في «المستدرك» (2/397).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (4/284)، وابن جرير في «جامع البيان» (17/256)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (11/22 – الدر المنثور)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (1/10).
وإسناده صحيح.
([63]) القلادة: هي التي تعلق في عنق المرأة من ذهب، وغيره.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (3/1425)، و«المعجم الوسيط» (ص249)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص221 و229)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص265).
([64]) قلت: ويطلق على الخمار ما تغطي به المرأة رأسها ووجهها أيضا، فهو أعم؛ كما ثبت ذلك في الآثار، وجمعه: أخمرة، وخمر، وخمر.
قلت: ولأن الخمار، يسمى الغطاء مطلقا، وكل شيء غطيته، فقد خمرته، فتخمر الرأس، كما تخمر الوجه؛ أي: تغطيه، فافطن لهذا.
والخمر: ما واراك من شيء، ويقال: يخمر خمرا: إذا خفي، وتوارى، وسميت الخمرة التي يسجد عليها بذلك، لأنها تستر الوجه عن الأرض.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (2/1260)، و«تفسير غريب القرآن» للصنعاني (ص158)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (1/1100)، و«فتح الباري» لابن حجر (10/48 و49)، و«رسالة الحجاب» لشيخنا العلامة ابن عثيمين (ص7)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص96).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (14847)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1616)، والبيهقي في «السنن الكبرى» تعليقا (7/93)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (11/110 - الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص179)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/93)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (11/110 - الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (17/363)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (1106).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (1617)، والطبري في «جامع البيان» (17/363).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (17712).
وإسناده حسن.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج2 ص139).
أخرجه الترمذي في «سننه» (1173)، وابن خزيمة في «صحيحه» (3/95)، وفي «التوحيد» (23)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10115)، وفي «المعجم الأوسط» (2081)، وابن حبان في «صحيحه» (5598) و(5599)، والطيوري في «الطيوريات» (904)، والبزار في «المسند» (5/427)، وابن المنذر في «الأوسط» (4/229)، وابن عدي في «الكامل» (3/1259)، وابن المقرئ في «الفوائد» (7)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (4/201).
وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (1/203): «وهذا إسناد صحيح».
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الدارقطني في «العلل» (5/315): «ورفعه صحيح من حديث قتادة».
وقال ابن رجب في «فتح الباري» (5/318): «صححه الترمذي، وإسناده كلهم ثقات».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن الترمذي» (1/343).
وانظر: «المغني عن حمل الأسفار» للعراقي (1/412)، و«الترغيب والترهيب» للمنذري (1/142)، و«تخريج أحاديث الهداية» للزيلعي (1/298).
([79]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (8/489).
* يرحم الله: نساء المهاجرات الأول؛ أي: السابقات من المهاجرات، حيث بادرن إلى تغطية وجوههن بمجرد سماع كلام الله تعالى.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (8/490).
([82]) قلت: أما في هذا الزمان؛ فترى المرأة الكاشفة تتكلم بكلام في أحكام الحجاب هو من صميم أهواء النفوس، والحرية المزعومة، فتحتج المرأة باختلاف العلماء، والفتاوى العصرية في جواز كشف الوجه، والكفين، وغير ذلك، بل تحتج بالمتشابه من الأقوال، ولم تسمع، وتطع لله تعالى، ولرسوله r؛ كالمرأة الصحابية، ولم تنظر إلى إجماع الصحابة والتابعين في عدم كشف الوجه والكفين، والله المستعان.
قال تعالى: ]ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا[ [النور:51]، وقال تعالى: ]قالوا سمعنا وهم لا يسمعون[ [الأنفال:21]، وقال تعالى: ]واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا[ [البقرة:93].
([83]) كذلك فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والكفين، والتجول سافرة هكذا، لم يحصل منها حياء، ولا خجل يردعها عن المحرمات، وهذا الأمر فيه هلاكها في الحياة الدنيا والآخرة.
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/328)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1/415)، والقعنبي في «الموطأ» (ص367)، والحدثاني في «الموطأ» (ص441).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (4/212).
أخرجه أبو داود في «سننه» (1833)، وفي «المسائل» (ص110)، وأحمد في «المسند» (6/30)، والدارقطني في «السنن» (286)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (5/148)، وابن ماجة في «سننه» (2935).
وإسناده حسن في المتابعات، من أجل يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه فيه ضعف، لكنه يصلح شاهدا للآثار السابقة.
قلت: وذكره البخاري في «صحيحه» (7/195) في كتاب «اللباس» في حديثه: عن «القسية – وهي ثياب-» من طريق جرير عن يزيد بن أبي زياد. وروى له في كتاب «رفع اليدين» وفي كتاب «الأدب المفرد»، وروى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به الباقون، وقال عنه أبو زرعة: لين، يكتب حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وقال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وهذا يدل على أن حديثه من قبل الحسن في المتابعات، وهذا الأثر من ذلك.
قال الشيخ الألباني في «حجاب المرأة» (ص50): وسنده حسن في الشواهد، ثم ساق له شاهدا.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (32/139).
قال الحافظ ابن حجر / في «تلخيص الحبير» (2/292): (أخرجه ابن خزيمة، وقال: في القلب من يزيد بن أبي زياد، ولكن ورد من وجه آخر، ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر... وصححه الحاكم). اهـ
([88]) فيلبس الجلباب فوق الملابس للمرأة، وهو الثوب الذي يستر جميع البدن، وهو ثوب أوسع من الخمار، بمثل: الملحفة تلبسه المرأة، فتغطي به الملابس.
([93]) يقال: سدلت المرأة الحجاب على وجهها: أرخته عليه.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص142)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص123).
([95]) وانظر: «عمدة القاري» للعيني (4/90)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (1/19)، و«بذل المجهود» للسهارنفوري (3/220)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (6/127).
([96]) وانظر: «فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (1/482)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (5/74).
([97]) أي: ثبوت العمل المتوارث عند نساء المؤمنين؛ باحتجابهن عن الرجال الأجانب منذ نزل فرض الحجاب إلى يومنا هذا، نقله الثقات الأثبات من أئمة المسلمين.
وانظر: «عمدة القاري» للعيني (20/217)، و«حجاب المرأة» لابن تيمية (ص17)، و«أضواء البيان» للشيخ الشنقيطي (6/198)، و«الصارم المشهور» للشيخ التويجري (ص258).
أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (5/47).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (4/212).
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (1685)، وفي «التوحيد» (23)، والترمذي في «سننه» (1173)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10115)، وفي «المعجم الأوسط» (8092)، وابن حبان في «صحيحه» (5599)، والبزار في «المسند» (5/427)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (2/175)، والطيوري في «الطيوريات» (904)، وابن عدي في «الكامل» (3/1259)، وابن المقرئ في «الفوائد» (7).
وإسناده صحيح.
وقال الشيخ الألباني في «تعليقه على صحيح ابن خزيمة» (3/93): «إسناده صحيح».
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الدارقطني في «العلل» (5/315): «ورفعه صحيح من حديث قتادة».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (1/203).
([100]) قلت: فالعورة؛ كل خلل يتخوف منه، وأصلها من العار، وهو المذمة.
انظر: «فيض القدير» للمناوي (6/266).
([101]) وبالمقابل فقد خالف كثير من الناس هذا السبيل، وأوردوا أنفسهم المهالك من جهة استعمال المعاني المتشابهة، ووقوع الاشتباه، والإجمال في ألفاظها، والله المستعان.
([108]) انظر: «فقه الأدعية والأذكار» للبدر (3/32)، و«الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (5/161)، و«الحرز الثمين للحصن الحصين» للقاري (1/437)، و«النفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص82)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص111)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (5/244)، و«الفتوحات الربانية» لابن علان (2/11).
([109]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (13/21)، و«المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» للفيومي (1/24)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص1518)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (1/133)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص35).
([110]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (13/21)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (1/133)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص35)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (1/143)، و«الحرز الثمين للحصن الحصين» للقاري (1/437).
([112]) انظر: «زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (1/143)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/179)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (16/83)، و«التوحيد» للشيخ محمد بن عبدالوهاب (ص69)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (3/409)، و«الدر النضيد على أبواب التوحيد» للشيخ الحمدان (ص48)، و«منهاج السنة النبوية» لابن تيمية (5/134)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبدالله آل شيخ (ص17)، و«القول السديد» للشيخ السعدي (ص10)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (3/449)، و«القول المفيد بشرح كتاب التوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (1/60)، و«إعانة المستفيد» للشيخ الفوزان (1/73 و101).
([114]) وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص111)، و«الحرز الثمين للحصن الحصين» للقاري (1/437)، و«النفح الطيب شرح الكلم الطيب» للطيار (ص82).
([116]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (3/9)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص64 و65)، و«الصحاح» للجوهري (5/1987)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (3/289)، و«لسان العرب» لابن منظور (4/3004 و3005)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (1/130)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (2/303).
([119]) وانظر: «النفح الطيب بشرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص82 و83)، و«الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (5/160 و161)، و«الحرز الثمين للحصن الحصين» للقاري (1/438 و439)، و«تحفة الأبرار في شرح مصابيح السنة» للبيضاوي (2/98).
([121]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (1/176)، و«جامع البيان» للطبري (1/149)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/1475)، و«مفردات ألفاظ القرآن» للراغب (ص268)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (15/86)، و«روح المعاني» للآلوسي (23/66)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص1561).
([123]) وانظر: «عداوة الشيطان للإنسان» للحواس (ص40).
قلت: والشيء إذا استقبح شبه بالشيطان، لأن الشيطان مستقبح في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر.
([128]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (4/3082)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/292)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص189)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص221)، و«العين» للخليل (2/1274)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص1151)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (3/2554 و2555).
([129]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (4/3082 و3083)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/292).
([130]) وانظر:
([131]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (1/236)، و«الفتاوى» لابن تيمية (14/151)، و«التفسير الكبير» للرازي (2/31)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (1/16)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص366)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (1/63)، و«غريب الحديث» للحربي (2/609 و612)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (1/163)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (1/8 و9)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (1/100)، و«إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم» لأبي السعود (1/100).
([132]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (10)، وأحمد في «المسند» (1/319).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (4777)، و(4778) بنحوه.
([133]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (4/2348)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص372)، و«الصحاح» للجوهري (2/494)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (3/221و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (6/47)، و«جامع البيان» للطبري (7/90)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص147)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص169)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» لابن القيم (3/486)، و«الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» له (3/818)، و«الوابل الصيب من الكلم الطيب» له أيضا (ص91).
([135]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (5/3432 و3435)، و«الصحاح» للجوهري (2/781 و782)، و«جامع البيان» للطبري (7/102)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص103)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/456 و457)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص247).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (7/102)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (4/1270).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (12/250).
([139]) وانظر: «اشتقاق أسماء الله الحسنى» للزجاجي (ص32 و33)، )، و«الصحاح» للجوهري (1/130)، و«لسان العرب» لابن منظور (3/1547)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص100)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص96 و97)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص113)، و«مفردات ألفاظ القرآن» للراغب (ص336).
([141]) وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (2/2)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (ص94)، و«فتح القدير» للشوكاني (1/21)، و«معالم التنزيل» للبغوي (1/21)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (5/298)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/34)، و«فتح الباري» لابن حجر (5/179)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص99 و100)، و«مفردات ألفاظ القرآن» للراغب (ص336).
([142]) فتارة يأتي معرفا: «بالألف واللام» «الرب»، وهو خاص بالله تعالى.
وتارة مضافا؛ مثل: «رب العالمين»، و«رب المشرقين».
وانظر: «غريب القرآن» لابن قتيبة (ص9).
([143]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (6/4266)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص472)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (4/358)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (3/329)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص30)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (4/343)، و«فتح القدير» للشوكاني (1/22)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص299)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص264).
([144]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (6/4266)، و«جامع البيان» للطبري (28/36).
قلت: وأصل الملك في الكلام: الربط والشد، وهذا الربط والشد يرجع حاصله إلى القدرة التامة الكاملة.
وانظر: «تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص30).
([146]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6205)، و(6206)، ومسلم في «صحيحه» (1243).
أخنع: أوضع اسم وأذله؛ والخانع: الذليل.
أخنى: أفحش اسم.
بملك الأملاك؛ يعني: يتسمى بشاهان شاه.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (10/590)، و«زاد المعاد» لابن القيم (2/340 و341).
([147]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (4/2231)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص161)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص141).
([150]) وانظر: «الصحاح» للجوهري (5/2144)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (1/176)، و«منهاج السنة» لابن تيمية (5/189 و190)، و«جامع البيان» للطبري (1/61)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (1/140)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص142)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص163).
([156]) انظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (3/252)، و«المفردات» للراغب (ص259)، و«الصحاح» للجوهري (4/1594)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/467)، و«لسان العرب» لابن منظور (2/467)، و«المصباح المنير»للفيومي (1/474)، و«تاج العروس» للزبيدي (7/148)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (10/17)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص142).
([157]) انظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (1/339)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (ص91)، و«مؤلفات: الشيخ محمد بن عبدالوهاب – قسم العقيدة» (ص281)، و«القول السديد» للشيخ السعدي (ص24)، و«الدر النضيد» للشوكاني (ص34)، و«فتح المجيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (1/173)، و«القول المفيد» لشيخنا ابن عثيمين (1/ص47 و67 و114)، و«إعانة المستفيد» للشيخ الفوزان (1/24 و25)، و«جامع البيان» للطبري (1/127)، و(7/92 و93).
([158]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (2766)، ومسلم في «صحيحه» (89)، وأحمد في «المسند» (1/462 و464).
والمراد بالمحصنات: العفائف.
وبالغافلات: الغافلات عن الفواحش وما قذفن به.
([162]) انظر: «تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ص43)، و«الفتاوى» لابن تيمية (1/91 و94)، و«الاستقامة» له (1/344)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (7/390)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» له أيضا (2/3 و7)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/339)، و«الجواب الكافي» له (ص309 و310)، و«إغاثة اللهفان» له أيضا (2/648)، و«بدائع الفوائد» له أيضا (1/190 و191)، و«التبيان في أقسام القرآن» له أيضا (ص101)، و«القول المفيد في شرح كتاب التوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (2/92)، و«الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (3/266)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (2/260 و261)، و«معالم السنن» للخطابي (4/134)، و«معارج القبول» للحكمي (2/483)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (1/25) و(3/68)، و«فتح المجيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (1/166)، و«إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (1/27 و28).
([163]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (1/159)، و«قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» له (ص20)، و«العبودية» له أيضا (ص73)، و«الاستقامة» له أيضا (1/344)، و«القول السديد» للشيخ السعدي (ص3 و4)، و«تجريد التوحيد المفيد» للمقريزي (ص13)، و«فتح الباري» لابن حجر (12/277)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (10/116)، و«جامع البيان» للطبري (7/646)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/368 و386)، و«طريق الهجرتين» له أيضا (ص58)، و«الجواب الكافي» له أيضا (ص319 و325)، و«إقامة البراهين» للشيخ ابن باز (ص14)، و«فتح المجيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ص414)، و«إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (1/30)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (8/569).
([165]) والثاني: ومن ذلك السباحة العوم في الماء، والسابح من الخيل الحسن مد اليدين في الجري، وهذا جنس من السعي، وهو القسم الآخر.
([166]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (3/125)، و«لسان العرب» لابن منظور (2/472)، و«فتح الباري» لابن حجر (11/210)، و«التعريفات» للجرجاني (ص58)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (4/196)، و«منهاج السنة النبوية» لابن تيمية (2/522)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (6/177)، و«حادي الأرواح» لابن القيم (ص417)، و«شرح السنة» للبغوي (3/103)، و«جامع البيان» للطبري (16/209)، و(19/191)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (3/260)، و«معالم التنزيل» للبغوي (3/280)، و«التوضيح المبين لتوحيد الأنبياء والمرسلين» للشيخ السعدي (6/432).
([168]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (16/209)، و«معالم التنزيل» للبغوي (3/280)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (3/260).
([173]) انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (4/204)، و«التوحيد» لابن منده (2/137)، و«الفتاوى» لابن تيمية (22/485)، و«القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص19)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (ص37)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (1/197).
([175]) هما: بضم «السين»، و«القاف»، ويفتحان: «السين»، و«القاف» : «سبوح»، و«قدوس»، والضم: أفصح.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (4/204)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص248).
([176]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (2/1100)، و«الصحاح» للجوهري (2/466)، و«لسان العرب» لابن منظور (3/155 و158)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص131)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص64)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص80).
([177]) وانظر: «التعريفات» للجرجاني (ص93)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص131)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (2/93)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» له (1/451)، و(3/374)، و«التبيان في أقسام القرآن» له أيضا (ص125)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين» له أيضا (ص27 و28 و69 و84)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص64)، و«الفتاوى» لابن تيمية (11/ 133 و134)، و(14/308)، و«منهاج السنة» له (5/404)، و«دقائق التفسير» له أيضا (2/366).
([178]) والذم: خبر بمساوئ المذموم وهو مقرون ببغضه.
فلا يكون حمد لمحمود؛ إلا مع محبته.
ولا يكون ذم لمذموم؛ إلا مع بغضه.
وانظر: «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية (5/404).
([183]) وانظر: «التبيان في أقسام القرآن» لابن القيم (ص125)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» له (1/451)، و(3/374)، و«بدائع الفوائد» له أيضا (1/146)، و«شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» له أيضا (2/512)، و«جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام» (ص447 و450)، و«حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» له أيضا (ص431)، و«مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة» له أيضا (2/485 و412)، و«زاد المعاد في هدي خير العباد» له أيضا (3/236)، و«إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان» له أيضا (2/253)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين» له أيضا (ص27 و28 و69).
([184]) وانظر: «مختصر الفتاوى المصرية» لابن تيمية (ص78)، و«جامع البيان» للطبري (3/58)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (1/321)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (5/299)، و«الاعتقاد» للبيهقي (ص62).
([188]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (6/1111)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (15/645)، و«التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (2/547)، و«لسان العرب» لابن منظور (7/544)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص352).
([189]) وانظر: «معجم تهذيب اللغة» للأزهري (9/360)، و«معجم ألفاظ العقيدة» لعامر عبدالله (ص453)، و«التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (2/547)، و«البدور السافرة في أمور الآخرة» للسيوطي (ص143 و144)، و«البحور الزاخرة في علوم الآخرة» للسفاريني (1/621)، و«تفسير القرآن» لشيخنا ابن عثيمين (1/12 و105)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص142 و143)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ هراس (ص202 و208).
([192]) وانظر: «العقيدة الواسطية» لابن تيمية (ص95)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ هراس (ص202)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (2/105).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (29/174).
وإسناده صحيح.
وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص425)، والزبيدي في «إتحاف السادة» (11/14)، والعجلوني في «كشف الخفاء» (2/368).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (29/174).
وإسناده حسن.
وذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (2/368)، والسخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص425).
([196]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (29/174)، و«العقيدة الواسطية» لابن تيمية (ص97)، و«المقاصد الحسنة» للسخاوي (ص425)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ هراس (ص202 و205)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص145).
([199]) وانظر: «معجم تهذيب اللغة» للأزهري (7/16)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص35)، و«الصحاح» للجوهري (1/314)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (2/213 و214)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/70).
([202]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (6/357)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (5/325)، و(6/8)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (4/943)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (7/16)، و«القول المفيد بشرح كتاب التوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (2/324)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (2/70)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص35 و37).
([206]) وانظر: «المنهاج» للحليمي (1/193)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (ص25 و26)، و«الاعتقاد» له (ص56)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص49)، و«جامع البيان» للطبري (23/119)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (5/ 36 و37).
([207]) وانظر: «أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة» للرضواني (ص61)، و«معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى» للتميمي (ص188).
([208]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (2/491 و493)، و(22/485)، و«مختصر الفتاوى المصرية» له (1/95)، و«النبوات» له أيضا (ص241)، و«إيثار الحق على الخلق» لابن الوزير (ص159)، و«شرح العقيدة الواسطية» للبراك (ص81).
([209]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (2/118)، و(6/357)، و(12/436)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (4/943)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (5/325)، و(6/8)، و«خلق أفعال العباد» للبخاري (2/299)، و«التوحيد» لابن منده (2/76).
([210]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (5/528 و536)، و«مجموعة الرسائل» له (5/322)، و«بيان تلبيس الجهمية» له أيضا (1/546)، و«الاستقامة» له أيضا (1/193)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ص153)، و«خلق أفعال العباد» للبخاري (ص188)، و«فتح الباري» لابن حجر (13/447).
قلت: ويرى كثير من المبتدعة؛ مثل: «الماتريدية» وغيرهم؛ أن الخلق هو المخلوق، وليس الخلق بزعمهم صفة قائمة بذات الرب.
وأما المعتزلة المبتدعة: فمذهبهم نفي الصفات، ومنها الخلق.
وانظر: «الإرشاد» للجويني (ص143)، و«شرح الفقه الأكبر» للحنفي (ص35 و36)، و«مقالات الإسلاميين» للأشعري (2/51).
([215]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (2/402)، و«لسان العرب» لابن منظور (14/324)، و«الصحاح» للجوهري (3/2353)، و«مفردات غريب القرآن» للراغب (ص197).
([216]) وانظر: «التعريفات» للجرجاني (ص111)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (2/179 و180 و185)، و«التوقيف على مهمات التعاريف» للمناوي (ص178).
([219]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (33/12)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (3/44)، و«فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام» لشيخنا ابن عثيمين (15/470 و471).
([220]) وانظر: «الصفات الإلهية في الكتاب والسنة» للشيخ الجامي (ص289)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (1/259)، و«فتح ذي الجلال والإكرام» له (15/471)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (2/190)، و«مدارج السالكين» له (2/180و185 و189)، و«مختصر الصواعق المرسلة» له أيضا (2/672)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص463)، و«الفتاوى» لابن تيمية (10/681).
([225]) وانظر: «الحجة في بيان المحجة» للتيمي (2/427)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (2/190)، و«مدارج السالكين» له (2/179 و180)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (3/172)، و«معالم التنزيل» للبغوي (7/109)، و«أحكام القرآن» لابن العربي (4/13)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص463)، و«الفتاوى» لابن تيمية (10/681 و683).
([227]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/62)، وأحمد في «المسند» (1/208)، والترمذي في «سننه» (5/14) من حديث العباس بن عبد المطلب t.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
([228]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/290)، وأحمد في «المسند» (1/181)، والترمذي في «سننه» (1/411)، وأبو داود في «سننه» (1/360) من حديث سعد بن أبي وقاص t.
([230]) وانظر: «جامع الأصول» لابن الأثير (11/703 و704)، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي (ص329)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (2/183)، و«بصائر ذوي التمييز» للفيروزآبادي (3/77)، و«الفتاوى» لابن تيمية (10/681 و683)، و«مفردات غريب القرآن» للراغب (ص197)، و«التعريفات» للجرجاني (ص111)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (1/260).
([234]) كما قال ذلك: الإمام ابن خزيمة في «التوحيد» (1/11)، والإمام عبد الغني المقدسي في «الاقتصاد في الاعتقاد» (ص123)، والعلامة صديق حسن خان في «قطف الثمر» (ص65)، وغيرهم.
وهؤلاء عدوا: «النفس» صفة لله تعالى، وقد أخطأوا في ذلك، فتنبه.
([237]) وانظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص602)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (13/9)، و«القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص51).
([238]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (6/398)، و«القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص51)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص307)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (2/210).
([241]) انظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (4/264)، و«تاج العروس» للزبيدي (17/252)، و«الصحاح» للجوهري (2/722).
([242]) وانظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (1/12)، و«العلو» للذهبي (ص57)، و«الاختلاف في اللفظ» لابن قتيبة (ص240)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (2/272)، و«الاعتقاد» له (ص112)، و«فتح الباري» لابن حجر (13/405)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص310)، و«الفتاوى» لابن تيمية (5/151)، و«الرد على الجهمية» للدارمي (ص12)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ص140 و317)، و«القول المفيد» له (2/536).
([244]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (4/1285)، و«أصول السنة» لابن أبي زمنين (ص282)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (1/11)، و«تفسير القرآن» له (4/306)، و«بيان تلبيس الجهمية» لابن تيمية (1/157 585).
([245]) انظر: «التبصير في الدين» للإسفرائيني (ص158)، و«الكشاف» للزمخشري (2/530)، و«أصول الدين» للبغدادي (ص112)، و«التفسير الكبير» للرازي (14/115).
([246]) وانظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (1/11)، و«روح المعاني» للآلوسي (24/45)، و«ابن سينا بين الدين والفلسفة» لغرابة (ص137)، و«الفتاوى» لابن تيمية (17/335)، و«الرسالة العرشية» له (ص2 و3)
([250]) وانظر: «تاريخ الأمم والملوك» للطبري (1/33 و36)، و«فتح الباري» لابن حجر (1/289)، و«الفتاوى» لابن تيمية (18/263)، و«مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (1/323).
أخرجه أبو داود في «سننه» (5/76)، والترمذي في «سننه» (5/424)، وأحمد في «المسند» (5/367).
وإسناده صحيح.
([252]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6/286)، وأحمد في «المسند» (4/431)، والفريابي في «القدر» (ص18)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في «العرش» (ص294)
أخرجه الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص15 و16)، وفي «النقض على المريسي الجهمي» (101)، والطبري في «جامع البيان» (13/326)، والآجري في «الشريعة» (ص179)، واللالكائي في «الاعتقاد» (3/396)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في «العرش وما روي فيه» (ص308).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (9089)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (6/2005)، والدارمي في «النقض على المريسي الجهمي» (104)، والحاكم في «المستدرك» (2/367)، والطبري في «جامع البيان» (12/333)، وابن أبي عاصم في «السنة» (584)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (809)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في «العرش وما روي فيه» (ص301) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ به.
وإسناده صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (127)، واللالكائي في «الاعتقاد» (3/401)، وابن قدامة في «صفة العلو» (ص114).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن القيم في «تهذيب السنن» (7/114)، وفي «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص129).
أخرجه الدارمي في «النقض على المريسي الجهمي» (102)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (36905)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (813)، والطبري في «جامع البيان» (10/245).
وإسناده صحيح.
([260]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (14/225)، والترمذي في «سننه» (5/362)، وأحمد في «المسند» (1/218)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/512)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3/113).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
([261]) وانظر: «أصول السنة» لابن أبي زمنين (ص88)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (2/404)، و«البداية والنهاية» له (1/11)، و«العرش وما يروى فيه» لمحمد بن عثمان (ص291)، و«الفتاوى» لابن تيمية (5/519)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (ص99 و100).
([264]) وانظر: «اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (ص99 و100)، و«الفتاوى» لابن تيمية (5/519)، و(18/213)، و«العرش وما يروى فيه» لمحمد بن عثمان (ص285 و286 و289).
([265]) وانظر: «الرد على الجهمية» للدارمي (ص12)، و«العرش» للذهبي (2/5 و6 و9)، و«الأربعين في صفات رب العالمين» له (ص36)، و«الفتاوى» لابن تيمية (17/335)، و«بيان تلبيس الجهمية» له (1/576)، و«جامع البيان» للطبري (1/192)، و(13/94)، و(19/28)، و«معالم التنزيل» للبغوي (2/165).
([266]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (1554) في كتاب: «التوحيد»، باب: وكان عرشه على الماء.
وذكره الذهبي في «العرش» (2/9).
([270]) وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص149)، و«السنة» لابن أبي عاصم (1/225)، و«شرح السنة» للبربهاري (ص84)، و«عقيدة السلف وأصحاب الحديث» للصابوني (ص165)، و«رسالة أهل الثغر» لأبي الحسن الأشعري (ص214)، و«فتح ذي الجلال والإكرام» لشيخنا ابن عثيمين (15/472)، و«شرح صحيح البخاري» له (8/514)، و«الفتاوى» لابن تيمية (6/513)، و(12/304)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (1/502)، و«النقض على المريسي الجهمي» للدارمي (ص202).
([272]) وانظر: «الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية» لابن علان (2/79)، و«جمع النهاية في بدء الخير والغاية» لابن أبي جمرة (4/198)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (3/17).
([273]) وانظر: «عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» للعيني (18/338)، و«فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد» للجيلاني (2/75)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية» لابن علان (2/79)، و«إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (13/359)، و«فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (11/99)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (14/5).
([274]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (37)؛ كتاب الإيمان، «باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان»، ومسلم في «صحيحه» (759)؛ كتاب صلاة المسافرين، باب: «الترغيب في قيام رمضان»؛ من حديث أبي هريرة t.
([275]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (5/25 و26)، و«تفسير غريب القرآن» لابن قتيبة (ص14)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/373)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (3/348)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص362)، و«جامع البيان» للطبري (14/27)، و(15/174)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص37).
([276]) قال الإمام ابن الأثير / في «النهاية» (3/373): (يحتمل: أن يكون دعاء لها بالمغفرة، أو إخبارا؛ أن الله تعالى قد غفر لها). اهـ.
([277]) وانظر: «له الأسماء الحسنى» للشرباصي (2/263)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (ص362)، و«لسان العرب» لابن منظور (5/25 و26)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/373)، و«المقصد الأسنى» للغزالي (ص205)، و«اشتقاق أسماء الله» للزجاجي (ص93)، و«تفسير غريب القرآن» لابن قتيبة (ص14)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» لابن القيم (1/228).
([278]) وانظر: «المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى» للغزالي (ص80 و205)، و«شأن الدعاء» للخطابي (ص52 و53)، و«تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج (ص38)، و«جامع البيان» للطبري (14/27)، و(15/174)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (5/300)، و«المنهاج» للحليمي (1/102)، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (ص55 و56)، و«اشتقاق أسماء الله» للزجاجي (ص93)، و«الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» لابن القيم (4/1564)، و«مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة) له (2/255 و261)، و«شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» له أيضا (2/598)، و«طريق الهجرتين وباب السعادتين» له أيضا (ص88 و190)، و«عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين» له أيضا (ص429 و430)، و«الداء والدواء» له أيضا (ص37)، و«بدائع الفوائد» له أيضا (1/22 و74 و145).
([283]) وانظر: «الكواشف الجلية عن معاني الواسطية» للشيخ السلمان (ص270)، و«روضة المحبين ونزهة المشتاقين» لابن القيم (ص63)، و«مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين» له (1/228).
([284]) وانظر: «النفح الطيب بشرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص74)، و«العلم الهيب بشرح الكلم الطيب» للعيني (ص132)، و«عمدة القاري بشرح صحيح البخاري» له (18/339)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص18)، و«جمع النهاية في بدء الخير والغاية» لابن أبي جمرة (4/198)، و«نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار» للسفاريني (ص212)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية» لابن علان (2/79)، و«الكوكب الدراري بشرح صحيح البخاري» للكرماني (22/124)، و«أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري» للخطابي (3/2236)، و«فتح الباري بشرح صحيح البخاري» لابن حجر (1/100)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (1/206 و207)، و«الملخص في شرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (ص25)، و«شرح كتاب التوحيد» للشيخ ابن باز (ص14)، و«فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (1/82 و91 و121).
([285]) وانظر: «الصفات الألهية» للشيخ الجامي (ص77)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب (1/26)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (1/189)، و«منهاج الأبرار شرح كتاب التوبة والاستغفار» للطهطاوي (ص33 و38)، و«فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (1/82 و85 و124)، و«قرة عيون الموحدين» له (ص22 و41)، و«الفتاوى» لابن تيمية (1/136)، و(2/14)، و(10/249)، و(13/22 و202)، و(17/517)، و«الفتاوى الكبرى» له (2/331)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/32)، و«كلمة الإخلاص» لابن رجب (ص23)، و«شرح مشكاة المصابيح» للطيبي (1/98)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (1/131 و132).
([286]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (17/107)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (1/24 و25)، و(3/449)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (1/139 و140)، و«الملخص في شرح كتاب التوحيد» للشيخ الفوزان (ص12 و14).
([287]) وقد ابتدع القطبيون: تقسيما جديدا، فجعلوا من أقسام التوحيد، قسما سموه: «توحيد الحاكمية»، وهذا من الباطل في الدين.
* وسئل شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «لقاء الباب المفتوح» (150): ما تقول في من أضاف للتوحيد؛ قسما رابعا، سماه: «توحيد الحاكمية»؟
فأجاب /: (نقول: إنه ضال، وجاهل، لأن «توحيد الحاكمية»: هو توحيد الله تعالى، فالحاكم: هو الله تعالى، فإذا قلت: التوحيد ثلاثة أنواع، كما قال العلماء، «توحيد الربوبية»؛ فإن «توحيد الحاكمية» داخل في «توحيد الربوبية»؛ لأن «توحيد الربوبية»: هو «توحيد الحكم، والخلق، والتدبير لله تعالى»، وهذا قول محدث منكر).اهـ
([288]) وانظر: «نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار» للسفاريني (ص213 و267)، و«شرح حديث سيد الاستغفار» للمهايمي (ق/11/ط)، و«منهاج الأبرار شرح كتاب التوبة والاستغفار» للطهطاوي (ص39)، و«شرح حديث سيد الاستغفار» للبدر (ص17).
([289]) وانظر: «نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار» للسفاريني (ص267)، و«منهاج الأبرار شرح كتاب التوبة والاستغفار» للطهطاوي (ص38)، و«شرح حديث سيد الاستغفار» للبدر (ص19).
([292]) وهذا فيه دليل على إثبات قوة العبد واستطاعته، وأنه غير مجبور على ذلك، بل له استطاعة هي مناط الأمر والنهي، والثواب والعقاب.
وانظر: «النفح الطيب» للطيار (ص75).
([293]) اشتراط الاستطاعة فيه الاعتراف بالعجز والقصور، أنا لا أستطيع أن أكمل الإيمان، وآتي به على أعلى مرتبة، وأتم مقاماته، أعترف بعجزي وقصوري، فلا تؤاخذني على عجزي، وضعفي، وقصوري.
([296]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (4/167 و168)، و«العين» للخليل (2/1301 و1302)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (3/2606 و2607)، و«القاموس الفقهي» للسعدي (ص264 و265)، و«المختار الصحاح» للرازي (ص192)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص328)، و«تحرير ألفاظ التنبيه» للنووي (ص276).
([297]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (4/169)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (3/2606)، و«تحرير ألفاظ التنبيه» للنووي (ص151 و276)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص328)، و«جامع البيان» للطبري (19/471)، و«تعظيم قدر الصلاة» للمروزي (1/346 و347)، و«الدر المنثور» للسيوطي (12/365)، و«معالم التنزيل» للبغوي (7/24 و25)، و«الكشف والبيان» للثعلبي (8/134 و135)
([299]) وانظر: «الذريعة إلى مكارم الشريعة» للراغب (ص292)، و«مفردات غريب القرآن» له (ص528)، و«معالم التنزيل» للبغوي (2/6).
([300]) وانظر: «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» للفيروزآبادي (4/114)، و«لسان العرب» لابن منظور (15/398).
([301]) وانظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (6/95)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص416)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص342 و343)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص303).
([302]) وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص342 و343)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (10/75)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (2/74)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة» للعمراني (3/376)، و«أصول السنة» لابن أبي زمنين (ص256)، و«التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ص227).
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في «الحجة في بيان المحجة» (2/74).
وإسناده لا بأس به.
([305]) كما في حديث أبي هريرة t أن رسول الله r، قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال r: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2581).
([311]) قلت: فلا ينسب الشر إلى الله تعالى، ولا إلى أفعاله، ولا إلى قضائه، وقدره الذي هو من فعله، وإنما الشر في المخلوقات.
([312]) وانظر: «النفح الطيب في شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص76)، و«العلم الهيب بشرح الكلم الطيب» للعيني (ص133)، و«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علان (4/370)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص18)، و«نتائج الأفكار في شرح سيد الاستغفار» للسفاريني (ص294 و305)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/318 و324)، و«الكواكب الدراري بشرح صحيح البخاري» للكرماني (22/124)، و«إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» للقسطلاني (13/359)، و«تحفة الباري بشرح صحيح البخاري» للأنصاري (6/168)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (10/77)، و«فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد» للجيلاني (2/75)، و«شرح حديث سيد الاستغفار» للمهايمي (ق/5/ط).