الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / القدرية نشأتها، وأصولها، ومناهجها، ووجودها في هذا العصر، والحكم عليها، وسبل مواجهتها، وموقف: أهل السنة والجماعة منها في الإسلام
القدرية نشأتها، وأصولها، ومناهجها، ووجودها في هذا العصر، والحكم عليها، وسبل مواجهتها، وموقف: أهل السنة والجماعة منها في الإسلام
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
نشأتها، وأصولها، ومناهجها، ووجودها في هذا العصر، والحكم عليها، وسبل مواجهتها، وموقف: أهل السنة والجماعة منها في الإسلام
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
|
الجزء الأول |
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتاويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([1])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب ([2])،يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([3])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([4])
أما بعد:
فإنه مما يسرنا، أن نضع بين يدي طلبة العلم: كتابي: «القدرية».
* وكتابي هذا: سرت فيه على طريقة: «أئمة الحديث»، في تصانيفهم في ذاك الزمان.
* فسقت الأدلة: من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية: المثبتة «للقضاء والقدر»، في الشريعة المطهرة.
* وفي هذا الكتاب: أيضا، رددت على فرق: «القدرية القديمة»، وفرق: «القدرية الحديثة».
* وهذا الكتاب: اشتمل على كشف أصول: «الفرقة القدرية».
* والجدير بالذكر، والتنويه، بين يدي هذا الكتاب، أن: «القدرية»، هي كسائر: «الفرق الضالة»، فهي: لا زالت موجودة في أصولها الفاسدة، وسماتها: بين المسلمين في هذا العصر الحاضر.
* وذلك: أن أفكارها البدعية، قد اختلطت بكثير من أفكار الفرق الضالة الأخرى.
* فالقول بـ«القدرية»، وأصول: «القدرية»، كما أنها شبهات قد تحدث، لجماعات، وأفراد في؛ أي: زمان، ومكان.
* كذلك: هي أصول فاسدة، وجدت: فعلا، ولا تزال في الفرق، ولا تزال باقية في فرق أخرى حديثة.
* فالقدرية: توجد ضمن أصول:
1) فرق الجهمية.
2) وفرق الشيعة.
3) وفرق المعتزلة.
4) وفرق الصوفية.
5) وفرق الزيدية.
6) وفرق الأشعرية.
7) وفرق الماتريدية.
8) وفرق العقلانية.
9) وفرق الحرية.
وغيرها في هذا الزمان الحاضر.
* فهذه الفرق: لديها نزعات، قدرية في أصولها الفاسدة، وهي متمثلة، كما بينت لكم، في: «الجهمية»، و«الشيعة»، و«المعتزلة»، و«الصوفية»، و«الزيدية»، و«الأشعرية»، و«الماتريدية»، و«العقلانية»، و«الحرية»، وغيرها.
* والقول: «بالقدر»، هو بدعة من بدع أهل الأهواء، قديما، وحديثا، فيجب الحذر من هذه البدعة الخطيرة في «القدر»، وتنبيه المسلمين اليوم عن الوقوع فيها جملة، أو تفصيلا، وهذا ما حرصت على بيانه من خلال هذا الكتاب.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «لمحة عن الفرق الضالة» (ص5): (فإن الحديث عن الفرق ليس هو من باب السرد التاريخي، الذي يقصد منه الاطلاع على أصول الفرق لمجرد الاطلاع، كما يطلع على الحوادث التاريخية، والوقائع التاريخية السابقة، وإنما الحديث عن الفرق له شأن أعظم من ذلك؛ ألا وهو الحذر من شر هذه الفرق، ومن محدثاتها، والحث على لزوم فرقة أهل السنة والجماعة.
* وترك ما عليه الفرق المخالفة لا يحصل عفوا للإنسان، لا يحصل إلا بعد الدراسة، ومعرفة ما الفرقة الناجية؟.
من هم أهل السنة والجماعة، الذين يجب على المسلم أن يكون معهم؟.
ومن الفرق المخالفة؟.
وما مذاهبهم وشبهاتهم ؟، حتى يحذر منها.
لأن: «من لا يعرف الشر يوشك أن يقع فيه»([5])، كما قال حذيفة بن اليمان t.
* فالخطر شديد، وقد وعظ النبي r أصحابه ذات يوم؛ كما في حديث العرباض بن سارية t: (أنه وعظهم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا. قال r: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة»([6]).
* فأخبر r أنه سيكون هناك اختلاف وتفرق، وأوصى عند ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتمسك بسنة الرسول r، وترك ما خالفها من الأقوال، والأفكار، والمذاهب المضلة، فإن هذا طريق النجاة، وقد أمر الله تعالى؛ بالاجتماع والاعتصام بكتابه، ونهى عن التفرق، قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون[ [ آل عمران: 103].
إلى أن قال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولـئك لهم عذاب عظيم([7]) * يوم تبيض وجوه وتسود وجوه[. [آل عمران: 105].
وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلىالله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام: 159].
* فالدين واحد، وهو ما جاء به رسول الله r، لا يقبل الانقسام إلى ديانات، وإلى مذاهب مختلفة، بل دين واحد هو: دين الله سبحانه وتعالى، وهو ما جاء به رسوله r، وترك أمته عليه، حيث ترك r أمته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وقال r: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وسنتي). ([8])
* وما جاء التفرق في الكتاب العزيز؛ إلا مذموما، ومتوعدا عليه، وما جاء الاجتماع على الحق والهدى؛ إلا محمودا، وموعودا عليه، بالأجر العظيم، لما فيه من المصالح العاجلة والآجلة.
* وجاء عن النبي r في السنة أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة.
قال r: (إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار؛ إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟، قال: ما أنا عليه اليوم، وأصحابي). ([9])
* فأخبر r في هذا الحديث أنه لا بد أن يحصل تفرق في هذه الأمة، وهو لا ينطق عن الهوى، لا بد أن يحصل ما أخبر به r.
* وهذا الإخبار منه r؛ معناه: النهي عن التفرق، والتحذير من التفرق، ولهذا قال: «كلها في النار؛ إلا واحدة».
* ولما سئل عنها r: ما هذه الواحدة الناجية؟، قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
فمن بقي على ما كان عليه الرسول r، وأصحابه؛ فهو من الناجين من النار، ومن اختلف عن ذلك فإنه متوعد بالنار، على حسب بعده عن الحق؛ إن كانت فرقته فرقة كفر وردة؛ فإنه يكون من أهل النار الخالدين فيها، وإن كانت فرقته دون ذلك فإنه متوعد بالنار، لكن لا يخلد فيها ما دام أن فرقته لم تخرجه عن الإيمان، لكن عليه وعيد شديد، ولا ينجو من هذا الوعيد؛ إلا طائفة واحدة من ثلاث وسبعين، وهي: «الفرقة الناجية»، «من كان على مثل ما عليه الرسول r، وأصحابه»، هو: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، والمنهج السليم، والمحجة البيضاء.
* هذا هو ما كان عليه الرسول r، ولهذا قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه[ [التوبة: 100].
* قال: ]والذين اتبعوهم بإحسان[؛ فدل هذا على أنه مطلوب من آخر هذه الأمة أن يتبعوا منهج السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، الذي هو منهج الرسول r، وما جاء به الرسول r.
أما من خالف منهج السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، فإنه يكون من الضالين، قال تعالى: ]ومن يطع الله والرسول فأولـئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولـئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما[ [النساء: 69 و70].
* فمن أطاع الله، وأطاع الرسول في أي زمان ومكان، سواء كان في وقت الرسول r، أو آخر مسلم في الدنيا، إذا كان على طاعة الله ورسوله r، فإنه يكون مع الفرقة الناجية: ]فأولـئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولـئك رفيقا[ [النساء: 69].
* أما من تخلف عن هذا المنهج؛ فإنه لن يحصل على هذا الوعد، ولن يكون مع هؤلاء الرفقة الطيبين، وإنما يكون مع الذين انحاز إليهم من المخالفين، وذلك في قوله تعالى: ]وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول[؛ يعني: محمدا r: ]مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولـئك هم الفاسقون * أفغير دين الله يبغون[ [آل عمران: 81 و82].
* فلا دين بعد بعثة محمد r؛ إلا دين محمد r، ومن ابتغى غيره من الأديان فإنه لن يقبل منه، ويكون يوم القيامة من الخاسرين : ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ [آل عمران: 85].
* فالله جل وعلا: أمر بالاجتماع على الكتاب والسنة، ونهانا عن التفرق والاختلاف.
* والنبي r كذلك: أمرنا بالاجتماع على الكتاب والسنة، ونهانا عن التفرق والاختلاف، لما في الاجتماع على الكتاب والسنة من الخير العاجل والآجل، ولما في التفرق من المضار العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة.
فالأمر يحتاج إلى اهتمام شديد، لأنه كلما تأخر الزمان كثرت الفرق، وكثرت الدعايات، كثرت النحل، والمذاهب الباطلة، كثرت الجماعات المتفرقة، لكن الواجب على المسلم أن ينظر، فما وافق كتاب الله، وسنة رسوله r أخذ به، ممن جاء به، كائنا من كان؛ لأن الحق ضالة المؤمن.
* أما ما خالف ما كان عليه الرسول r: تركه، ولو كان مع جماعته، أو مع من ينتمي إليهم، مادام أنه مخالف للكتاب والسنة؛ لأن الإنسان يريد النجاة، لا يريد الهلاك لنفسه.
* والمجاملة لا تنفع في هذا، المسألة مسألة جنة أو نار، والإنسان لا تأخذه المجاملة، أو يأخذه التعصب، أو يأخذه الهوى في أن ينحاز مع غير أهل السنة والجماعة، لأنه بذلك يضر نفسه، ويخرج نفسه من طريق النجاة إلى طريق الهلاك.
* فالمخالف لا يضر إلا نفسه.
* وليست العبرة بالكثرة، بل العبرة بالموافقة للحق، ولو لم يكن عليه؛ إلا قلة من الناس، حتى ولو لم يكن في بعض الأزمان؛ إلا واحد من الناس؛ فهو على الحق، وهو الجماعة.
فلا يلزم من الجماعة: الكثرة، بل الجماعة: من وافق الحق، ووافق الكتاب والسنة، ولو كان الذي عليه قليل.
أما إذا اجتمع كثرة وحق، فالحمد لله، هذا قوة.
أما إذا خالفته الكثرة، فنحن ننحاز مع الحق، ولو لم يكن معه؛ إلا القليل). اهـ
فأسأل الله أن يتقبل مني عملي هذا، وأن يرزقني الإخلاص، والصدق في القول والعمل.
* وأسأله أن يغفر: «لأبي»، و«أمي»، وأن يرحمهما: كما ربياني صغيرا، آمين.
وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله، وعلى أصحابه، وسلم.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على مراتب القدر من الكتاب، والسنة في الشريعة المطهرة
اعلم رحمك الله: أن مراتب القدر، التي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقدر، وهي:
المرتبة الأولى: العلم السابق؛ يعني: مرتبة العلم.
المرتبة الثانية: وهي مرتبة الكتابة.
المرتبة الثالثة: المشيئة.
المرتبة الرابعة: الخلق.
المرتبة الأولى: العلم السابق، يعني: مرتبة العلم.
* وهذا العلم: هو علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها، فهو سبحانه: محيط بكل شيء من الموجودات، والمعدومات.
* وهو سبحانه محيط، بالكثير والقليل، والظاهر والباطن، والسر والعلانية في هذا الكون، وغير ذلك، كل ذلك بعلمه: الذي هو صفته، ومقتضى: اسمه.
* وهو العليم الخبير، عالم الغيب والشهادة، وهو علام الغيوب، وصفة العلم من الصفات الذاتية لله تعالى. ([10])
فالمرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى: علم ما الخلق: عاملون، وعلم جميع: أحوالهم، من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، وعلمه محيط: بهم، وبكل: شأن من شؤونهم.
قلت: فيجب الإيمان، بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
قال تعالى: ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[ [الأنعام: 59].
وقال تعالى: ]إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[ [لقمان: 34].
وقال تعالى: ]هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة[ [الحشر: 22].
وقال تعالى: ]لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما[ [الطلاق: 12].
وقال تعالى: ]إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما[ [طه: 98].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الأولى: أن تؤمن بأن الله تعالى، بكل شيء عليم: جملة وتفصيلا، بعلمه الأزلي، الأبدي). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بعلم الله تعالى الأزلي: الشامل، لجميع الأشياء: قبل كونها، وعلم ما يكون في الحاضر، وعلم ما يكون في المستقبل.
قال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض[ [الحج: 70].
المرتبة الثانية: وهي مرتبة الكتابة، وهي: كتابته سبحانه لها: قبل كونها، وهي الإيمان بأن الله تعالى: كتب في اللوح المحفوظ؛ مقادير الخلق، ما يحدث شيء في الكون؛ إلا وقد علمه سبحانه، وكتبه قبل حدوثه. ([11])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله تعالى: كتب ما هو كائن، بحسب علمه، في اللوح المحفوظ؛ أي: المحفوظ من التغيير). اهـ
فالمرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى، قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه: كتب كل شيء، في اللوح المحفوظ.
قلت: والمقصود، بهذه الكتابة، الكتابة: في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه الله تعالى من شيء، فكل ما جرى، ويجري، فهو: مكتوب عند الله تعالى.
قال تعالى: ]ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون[ [الأنعام:38].
وقال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[ [الحج: 70] .
وقال تعالى: ]وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين[ [النمل:75].
وقال تعالى: ]وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين[ [يونس:61].
وقال تعالى: ]إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين[ [يس:12].
قلت: فيجب الإيمان بأن كل شيء: مكتوب في اللوح المحفوظ، من الذوات والصفات، والحركات والسكنات، والسعادة والشقاوة، والحياة والموت، والمرض والصحة، والغنى والفقر، والقوة والعجز.
قال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب[ [الحج: 70] .
المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي الإيمان بأن ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات، والأرض، من حركة، ولا سكون؛ إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه ما لا يريد. ([12])
فالمرتبة الثالثة: الإيمان بالمشيئة لله تعالى النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله تعالى: كان، وما لم يشأ: لم يكن، وما في السموات والأرض، من حركة، ولا سكون؛ إلا بمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه؛ إلا ما يريد.
قلت: فكل ما يجري في هذا الكون، فهو: بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى: ]لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[ [التكوير: 28 و29].
وقال تعالى: ]ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم[ [المائدة: 48].
وقال تعالى: ]إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد[ [هود:107].
وقال تعالى: ]قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين[ [هود:33].
وقال تعالى: ]إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون[ [يس:82].
وقال تعالى: ]ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا[ [يونس:99].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة؛ أي: أن ما كان، وما يكون، فهو: بمشيئة الله تعالى، سواء كان من فعله تعالى، أو من فعل الخلق). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بالإرادة والمشيئة، وأن كل شيء وقع في هذا الوجود، قد سبقته: مشيئة الله تعالى وإرادته، ولا يقع في هذا الكون، إلا ما أراد الله تعالى وجوده: كونا، وقدرا، من الطاعة والمعصية، ومن الخير والشر. ([13])
قال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما[ [الإنسان:30].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص204): (الدرجة الثانية من درجات الإيمان بالقدر:
* قوله: «وأما الدرجة الثانية»؛ يعني: من درجات الإيمان بالقدر.
* قوله: «فهي مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة، ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه».
* يعني: أن تؤمن بأن مشيئة الله نافذة في كل شيء، سواء كان مما يتعلق بفعله، أو يتعلق بأفعال المخلوقين، وأن قدرته شاملة، ]وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا[ [فاطر: 44].
وهذه الدرجة تتضمن شيئين؛ المشيئة والخلق:
- أما المشيئة؛ فيجب أن نؤمن بأن مشيئة الله تعالى نافذة في كل شيء، وأن قدرته شاملة لكل شيء من أفعاله، وأفعال المخلوقين.
- وأما كونها شاملة لأفعاله؛ فالأمر فيها ظاهر.
- وأما كونها شاملة لأفعال المخلوقين؛ فلأن الخلق كلهم ملك لله تعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما شاء.
* والدليل على هذا:
قوله تعالى: ]فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وقوله سبحانه: ]ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة[ [هود: 118].
وقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا[ [البقرة: 253].
فهذه الآيات تدل على أن أفعال العباد متعلقة بمشيئة الله.
وقال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله[ [الإنسان: 30].
وهذه تدل على أن مشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله وتابعة لها). اهـ
المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد، وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء؛ فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، وما من ذرة في السموات والأرض؛ إلا والله تعالى خالقها، وخالق حركتها وسكونها. ([14])
فالمرتبة الرابعة: إن الله تعالى خالق: كل شيء، فما من شيء في الوجود؛ إلا والله تعالى: خالقه، وموجده، سواء في ذلك: الذوات والأعيان، والمعاني والأفعال، فلا يخرج شيء في الوجود: من أن يكون مخلوقا لله تعالى.
قلت: فالله تعالى، خالق كل شيء، من ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء؛ إلا وهو خالقه.
قال تعالى: ]قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون[ [الصافات:95 و96].
وقال تعالى: ]الله خالق كل شيء[ [الرعد:16].
وقال تعالى: ]ذلكم الله ربكم خالق كل شيء[ [غافر:62].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الرابعة: أن كل ما حدث، في الكون مخلوق لله تعالى، سواء كان ذلك جمادا، أم ذا روح، حتى أعمال العباد: بهيمها، وعاقلها: كلها مخلوقة لله تعالى، فلا خالق؛ إلا الله وحده عز وجل). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بأن الله تعالى، خلق كل شيء، وأوجده على ما أراد.
قال تعالى: ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا[ [الأنعام:125].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص58): (الذي نطقت به الكتب، والرسل: أن الله تعالى خالق كل شيء). اهـ
* فأهل الحديث: يؤمنون بهذه المراتب، وهي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
* وخالف في ذلك، «القدرية» وغيرهم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص574): (وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بهذه المراتب الأربع، وأما المعتزلة: فإنهم لا يؤمنون بالمرتبتين الأخيرتين، وهما: المشيئة والخلق؛ لأنهم يقولون: إنه لا عموم لمشيئة الله، ولا عموم لخلق الله؛ لأن الإنسان مستقل يفعل الشيء بنفسه، مستقل يوجد الشيء بنفسه، وليس لله فيه علاقة، أعطاه الله عقلا وفكرا، وجعل له الحرية؛ فهو يفعل بمشيئته، ويحدث الأفعال بمشيئته، وليس لله فيه علاقة.
ولهذا سموا: مجوس هذه الأمة؛ وذلك أنهم جعلوا للحوادث الكونية خالقين، كل واحد مستقل عن الآخر، فالآدمي خالق لأفعاله مستقل بها، وأما أفعال الله تعالى فهي خلق لله؛ كإنزال المطر، والليل والنهار، وغير ذلك.
وقابلهم طائفة مبتدعة وقالت: بل إن فعل العبد بمشيئة الله وهو مخلوق لله، وليس للعبد فيه اختيار، أي: أن العبد مجبور على أن يشاء الفعل، ويفعل الفعل، وهؤلاء: هم الجبرية، وهم: عكس القدرية.
* وتوسط السلف، وأهل السنة فقالوا: إن مشيئة الله عامة، وخلق الله عام، والإنسان له إرادة واختيار.
فالأول: وهو قولهم: إن مشيئة الله عامة، وخلقه عام. فيه رد على: «المعتزلة القدرية».
والثاني: قولهم: إن الإنسان له اختيار، وإرادة، وفعل. فيه رد على: «الجبرية».
* ومعلوم أن ما ذهب إليه السلف: هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية، والنظرية أيضا). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن: «الفرقة القدرية» هي من الفرق الضالة، والتي بين الرسول صلى الله عليه وسلم عنها، أنها في النار، لما عندها من أصول فاسدة، تضاد الإسلام جملة وتفصيلا، وهي كسائر الفرق، لا تزال موجودة في أصولها الباطلة، وسماتها بين المسلمين، في هذا الزمان، ذلك لأن أفكارها قد اختلطت بكثير من أصول الفرق الأخرى، وأصول: «الفرقة القدرية»، هي شبهات وشهوات، وأن بدعة: «القدر»، هي من بدع أهل الأهواء، التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف رضي الله عنهم، وحذروا من عدم الخوض في «القدر»، فيجب الحذر من: «الفرقة القدرية» في البلدان
* والجدير بالذكر، والتنويه، بين يدي هذا البحث، أن «القدرية»، هي: كسائر الفرق، فهي لا تزال موجودة في أصولها، بين المسلمين.
* ذلك أن أفكارها البدعية، قد اختلطت، بكثير من أصول: الفرق الأخرى، وبين: «القدرية»، والفرق الأخرى، تقارب في شيء من الأصول.
* فالقول بـ«القدر»، وأصول: «القدرية»، هي شبهات حدثت، وقد تحدث في الفرق المعاصرة، لذلك هي أصول فاسدة: لا تزال في الفرق البدعية، في الزمان الحاضر.
* فأصول: «القدرية»، توجد في أصول: «فرق الشيعة»، وغيرها، وسوف يأتي ذكر أصولهم.
قلت: والقول بـ«القدر»، بدعة من بدع أهل الأهواء والبدع، فيجب الحذر منها.([15])
* وعقيدة أهل السنة والجماعة في القدر، الإيمان به: بخيره وشره، من الله تعالى، وهو أحد أركان الإيمان الستة، التي لا يصح؛ إلا بها. ([16])
وقد ثبت ذلك، عن عمر بن الخطاب t؛ في حديث: جبريل الطويل المشهور: (فأخبرني عن الإيمان، قال r: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره). ([17])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لا يأتي ابن آدم، النذر بشيء لم يكن قدر له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر، قد قدر له، فيستخرج الله تعالى به من البخيل، فيؤتي عليه ما لم يكن يؤتي عليه من قبل). ([18])
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان). ([19])
قلت: فهذه الأدلة، كافية في بيان المراد: من إثبات الإيمان بـ«القدر»، وأن كل شيء، بقضاء، وقدر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة الواسطية» (ص105): (وتؤمن الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة بـ: «القدر خيره وشره».
والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين.
فالدرجة الأولى: الإيمان بـ:
1) أن الله تعالى علم: ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا.
وعلم: جميع أحوالهم، من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال.
(2) ثم كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق.
فأول ما خلق الله القلم؛ «قال له: اكتب!، قال: ما أكتب؟، قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة». ([20])
فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف.
كما قال سبحانه وتعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[ [الحج: 70] .
وقال تعالى: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير[ [الحديد: 22] .
وهذا التقدير: التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا.
فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء.
فإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه؛ بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات، فيقال: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، ونحو ذلك.
فهذا القدر قد كان ينكره غلاة «القدرية» قديما، ومنكروه اليوم قليل.
وأما الدرجة الثانية: فهي:
- مشيئة الله تعالى النافذة، وقدرته الشاملة.
وهو الإيمان؛ بأن ما شاء الله: كان، وما لم يشأ: لم يكن.
وأنه ما في السماوات والأرض، من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه إلا ما يريد.
وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات.
فما من مخلوق في الأرض، ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره، ولا رب سواه.
وقد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته.
وهو سبحانه يحب المتقين، والمحسنين، والمقسطين.
* ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء.
ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.
والعبد هو: المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم.
وللعباد قدرة على أعمالهم، وإرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم، وإرادتهم.
كما قال تعالى: ]لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[ [التكوير: 28 - 29] .
* وهذه الدرجة من القدر، يكذب بها عامة «القدرية» ، الذين سماهم النبي r: «مجوس هذه الأمة».([21])
* ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات، حتى يسلبوا العبد قدرته واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه؛ حكمها، ومصالحها). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج1 ص189): (والإيمان بالقدر: واجب، ومرتبته في الدين: أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي r، لجبريل: حين قال له: ما الإيمان، قال النبي r: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر: خيره وشره»). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص98): (إثبات أن في القدر: خيرا، وأن في القدر: شرا؛ لقوله r: «خيره، وشره»، فما هو الخير، وما هو الشر؟، ما ينفع: هو خير، وما يضر: هو شر).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص98): (فلا يمكن: أن تتم العقيدة، ولا تصح حتى يؤمن الإنسان بالقدر: خيره وشره). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «إتحاف القاري» (ص523): (قوله: «القدرية»، وهم الذين يتكلمون في «القدر»؛ لأن الإيمان بـ«القدر»، هو أحد أركان الإيمان الستة: «أن تؤمن بالله»، و«ملائكته»، و«كتبه»، و«رسله»، و«اليوم الآخر»، و«تؤمن بالقدر: خيره وشره»، بأن الله تعالى قدره، وكتبه في اللوح المحفوظ، وشاءه، وأراده، وأوجده سبحانه وتعالى، هذا مذهب: أهل السنة والجماعة: الإيمان «بالقضاء والقدر»، بهذه المراتب الأربع). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص570): (فالإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن كل ما كان، فهو بتقدير الله عز وجل، وهذا التقدير: مبني على العلم.
* فإن الله تعالى: كان عليما، بكل شيء، ثم قدر الأشياء، وكتبها في اللوح المحفوظ، قبل أن يخلق السموات والأرض، بخمسين ألف سنة). اهـ
* وأن ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه تعالى على كل شيء قدير، وهو سبحانه فعال لما يريد، وبيده مقاليد كل شيء سبحانه، وقد ثبت ذلك في نصوص الكتاب، والسنة، والإجماع، فيجب التسليم بكل نصوص: «القدر»، في الكتاب والسنة.
عن يحيى بن يعمر، قال: (كان رجل من جهينة فيه رهق، وكان يتوثب على جيرانه، ثم إنه قرأ القرآن، وفرض الفرائض، وقص على الناس، ثم إنه صار من أمره: أن زعم أن العمل أنف، من شاء عمل خيرا، ومن شاء عمل شرا؛ فلقيت: أبا الأسود الدؤلي، فذكرت ذلك له، فقال: كذب، ما رأينا أحدا من أصحاب رسول الله r، إلا يثبت القدر). ([22])
قلت: وقدر الله تعالى، هو: تقديره للأشياء، وحكمه، وقضاؤه، وقدرته، ويشمل؛ ذلك: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص418)؛ سياق ما روي، وما نقل من الإجماع في إثبات آيات القدر.
عن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم[ [الأنفال: 68]؛ قال: (لولا كتاب من الله سبق: أني لا أعذب قوما، حتى أبين لهم ما يتقون، فلم أكن نهيتكم عنها، ولا تقدمت إليكم فيها).([23])
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص68): (ومن قولهم -يعني: أهل السنة-: إن الله سبحانه مقدر أرزاق الخلق، ومؤقت لآجالهم، وخالق لأفعالهم، وقادر على مقدوراتهم، وأنه إله ورب لنا، لا خالق غيره، ولا رب سواه، على ما أخبر به جل ثناؤه في قوله: ]الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم[ [الروم: 40]، وقال تعالى: ]إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين[ [الذاريات:58]، وقال تعالى: ]فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون[ [الأعراف: 34]، وقال تعالى: ]هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو[ [فاطر:3]، وقال تعالى: ]والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون[ [النحل:20]، وقال تعالى: ]وخلق كل شيء فقدره تقديرا[ [الفرقان:2]، وقال تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر:49]، وقال تعالى: ]والله خلقكم وما تعملون[ [الصافات: 96]، وقال تعالى: ]قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين[ [الأنعام:162]، وقال تعالى: ]وأنه هو أضحك وأبكى[ [النجم:43]، وقال تعالى: ]وأسروا قولكم أو اجهروا به[ [الملك:13]؛ الآية، فبين تعالى أنه خالق للعباد، وضحكهم وبكائهم وقولهم، وسائر أعمالهم). اهـ
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص489)؛ سياق ما روي في أن: القدري الذي يزعم أن الله لم يخلق أفعال العباد، ولم يقدرها عليهم، ويكذب بخلق الله لها، وينسب الأفعال إلى نفسه دونه.
* فالواجب: على المسلم أن يؤمن بالقدر: خيره وشره، وأن يسلم لله تعالى.
فالقدر سر الله تعالى في خلقه، لا يسأل سبحانه عما يفعل.
* ومن سأل لم فعل كذا، فقد رد حكم الكتاب.
قلت: فلا بد من الإيمان بالقدر، فإن من أنكر القدر، فهو: كافر؛ لأنه منكر: لأصل من أصول الإيمان.
عن يحيى بن يعمر، قال: (كان رجل من جهينة فيه رهق، وكان يتوثب على جيرانه، ثم إنه قرأ القرآن، وفرض الفرائض، وقص على الناس، ثم إنه صار من أمره: أن زعم أن العمل أنف، من شاء عمل خيرا، ومن شاء عمل شرا؛ فلقيت: أبا الأسود الدؤلي، فذكرت ذلك له، فقال: كذب، ما رأينا أحدا من أصحاب رسول الله r، إلا يثبت القدر). ([24])
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب t قال: (قضي القضاء، وجف القلم، وأمور تقضى، في كتاب قد خلا). ([25])
* فالإيمان بالقدر: أن تعلم، أن ما أصابك، لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك، لم يكن ليصيبك.
وعن علي بن أبي طالب t قال: (إن أحدكم لن يخلص الإيمان إلى قلبه، حتى يستقر يقينا، غير ظن: أنه ما أصابه، لم يكن ليخطئه، وما أخطأه، لم يكن ليصيبه، ويقر بالقدر كله). ([26])
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (لأن أعض على جمرة، وأقبض عليها، حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول؛ لشيء قضاه الله: ليته لم يكن). ([27])
وقال تعالى: ]ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك[ [النساء:79].
وعن طاووس / قال: في قوله تعالى: ]وما أصابك من سيئة فمن نفسك[ [النساء: 79]؛ قال: (وأنا قدرتها عليك). ([28])
وعن أبي صالح ذكوان السمان / قال: في قوله تعالى ]ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك[ [النساء: 79]؛ قال: (بذنبك، وأنا قدرتها عليك). ([29])
وقال تعالى: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها[ [الحديد:22].
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]فبما أغويتني[ [الأعراف:16]، قال: (أضللتني). ([30])
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم[ [الجاثية:23]، يقول: (أضله الله في سابق علمه). ([31])
وعن منصور بن عبد الرحمن الغداني، قال: قلت للحسن البصري، قوله تعالى: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها[ [الحديد:22]؛ قال: (سبحان الله: ومن يشك في هذا، كل مصيبة في السماء، والأرض؛ ففي كتاب الله: قبل أن تبرأ النسمة). ([32])
وقال تعالى: ]أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا[ [النساء:78 و79].
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا [ [النساء: 78]؛ يقول: (الحسنة، والسيئة من عند الله، أما الحسنة، فأنعم الله بها عليك، وأما السيئة: فابتلاك الله بها). ([33])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص570): (القدر أمره عظيم جدا، ويجب على المؤمن أن يعتني به؛ لأنه من أركان الإيمان الستة، ولأن فيه مسائل تشكل على بعض الناس، وقد خاض فيها الصحابة y فيما بينهم، وناقشوا فيها رسول الله r، وبينها لهم، وذلك أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة.
والقدر: تقدير الله سبحانه وتعالى لما كان، فالإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن كل ما كان فهو بتقدير الله عز وجل، وهذا التقدير: مبني على العلم، فإن الله تعالى كان عليما بكل شيء، ثم قدر الأشياء، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ لأن الله لما خلق القلم قال له: «اكتب»، قال: ماذا أكتب؟، قال: «اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة»، فكتب في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة. ([34])
* ولكن هذا التقدير أمر مكتوم، لا يعلم إلا ما أعلم الله به عن طريق الوحي، أو ما وقع.
فمما أعلم الله به: ما يكون من أشراط الساعة التي أخبر بها النبي r، وكذلك الملاحم والفتن التي تكون قبل ذلك.
وأما ما علم بالوقوع فهذا كثير، فكل شيء يقع نعلم أنه مقدر، كما قال الله تعالى: ]وكل شيء عنده بمقدار[ [الرعد:8]، وقال النبي r: «وكل شيء عنده بأجل مسمى»([35])، أي: معين لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص). اهـ
قلت: وهذه التقادير: لا نعلمها؛ إلا عن طريق الوحي، وقد بين الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله r، ما يتعلق بها.
* والإيمان بالقضاء والقدر: أصل عظيم من أصول الدين، وركن، وثيق، لا يتحقق الإيمان؛ إلا به، وقد ثبت ذلك في الكتاب، والسنة، فمن وحد الله تعالى، وآمن بالقدر، ثم توحيده، ومن وحد الله تعالى، وكذب بالقدر، نقض تكذيبه: توحيده.
* وأخفى الله تعالى: علم القدر، عن عقول المكلفين: ابتلاء، وامتحانا، وحجبه عنهم، تمحيصا، واختبارا، ولم يجعل لهم سبيلا إلى العلم به، رحمة بهم وإشفاقا. ([36])
* ولذلك كان النبي r: ينهى عن الخوض فيه.
فعن أبي هريرة t، قال: (خرج علينا رسول الله r، ونحن: نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم، إنما هلك من كان قبلكم، حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه).
حديث حسن لغيره
أخرجه الترمذي في «سننه» (2133)، وأبو يعلى في «المسند» (ج10 ص433)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج2 ص710) من طريق صالح المري، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده فيه: صالح بن بشير المري، لكن ما بعده يقويه، فيكون حسنا لغيره.
وقال الترمذي: وهذا حديث غريب.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ ؛ أن رسول الله r: (خرج على أصحابه، وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزع آية، وهذا ينزع آية، فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان، فقال r: ألهذا خلقتم، أم بهذا وكلتم، أو بهذا أمرتم أن تضربوا: كتاب الله بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه، فاجتنبوه).
حديث حسن
أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص154)، وابن ماجه في «سننه» (85)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص168)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص469)، والقطيعي في «جزء الألف دينار» (177)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج2 ص708 و709)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص627)، وابن أبي عاصم في «السنة» (415)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (538)، و(1276)، و(1985)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (1308) من طريق داود بن أبي هند، وقتادة، وثابت، ومطر بن طهمان الوراق، وحميد، وعاصم الأحول؛ جميعهم: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: عبد الله بن عمرو t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في «تخريج مشكاة المصابيح» (ج1 ص36).
وقال الحافظ البيهقي في «القضاء والقدر» (ج2 ص709): (وهذا إسناد حسن).
وقال الشيخ أحمد شاكر في «تخريجه للمسند» (ج6 ص333): (إسناده صحيح).
وأورده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (ج1 ص14)؛ ثم قال: (إسناده صحيح، ورجاله ثقات).
والحديث: أورده ابن أبي الخير في «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» (ج1 ص142)؛ ثم قال: (فهذا الخبر، وما أشبهه من الأخبار الواردة، في النهي عن الخوض في: «القدر»، محمول: على الكلام الذي تكلمت به: «القدرية»).اهـ
* وعلى هذا درج السلف الصالحون، والأئمة المرضيون، فكانوا ينهون عن الخوض، والتنقير في القدر، والتعمق، والتكلف في ذلك؛ لعجز العقول، عن الإحاطة به، وقصورها عن إدراك حقيقته.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج6 ص14): (لا يدرك بجدال، ولا يشفي منه مقال، والحجاج فيه: مرتجة، لا يفتح شيء منها؛ إلا بكسر شيء، وغلقه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج3 ص139): (وجملة القول: في القدر، أنه سر الله تعالى، لا يدرك بجدال، ولا نظر، ولا تشفي منه خصومة، ولا احتجاج). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «العقيدة الطحاوية» (ص49): (وأصل القدر: سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك: ملك مقرب، ولا نبي مرسل.
والتعمق، والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان.
* فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا، ووسوسة، فإن الله تعالى، طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح صحيح مسلم» (ص607): (وجماع هذا الباب: أن يعلم أن الله تعالى، طوى عن العالم، علم ما قضاه، وقدره على عباده، فلم يطلع عليه: نبيا، مرسلا، ولا ملكا، مقربا، لأنه خلقهم؛ ليتعبدهم، ويمتحنهم، قال الله تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات:56]). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح صحيح مسلم» (ص608): (وحجب عليهم: علم القضاء والقدر، وعلقهم بين: «الخوف»، و«الرجاء»، و«الطمع»، و«الوجل»، ليبلو: سعيهم، واجتهادهم، وليميز: «الخبيث»، من: «الطيب»، ولله الحجة البالغة). اهـ
* وللإيمان بالقدر، وتحقيقه: آثاره العظيمة، على عقيدة المسلم وسلوكه.
* ومن ثمرات الإيمان بالقدر المباركة: رضا العبد عن ربه، وحسن ظنه به، كما أن للتقصير في تحقيقه، أو الانحراف في فهمه: آثاره الخطيرة، على دين المسلم، واعتقاده في ربه سبحانه.
قلت: لذلك يجب الإيمان بالقضاء والقدر، مع الأخذ بالأسباب.
فعن عمر بن الخطاب t: (لما خرج إلى الشام، فأخبره: أبو عبيدة بن الجراح t، أن الوباء قد وقع، بأرض الشام، فاستشار الصحابة y، فأمرهم: عمر t، بالإنصراف عنها، وقال: إني مصبح على ظهر: فأصبحوا، فلما قال له: أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله تعالى، فقال عمر t: لو غيرك قالها: يا أبا عبيدة، نعم: نفر من قدر الله إلى قدر الله). ([37])
قال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «شرح صحيح البخاري» (ج5 ص259): (واستعمل عمر t: في ذلك الحذر، وأثبت القدر، وهو نهج السلف الصالح). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهاني / في «التحرير في شرح صحيح مسلم» (ص531): (وفي قول: عمر t، إثبات للقدر؛ إذ رأى تصرف الأحوال، كلها: بقدر الله تعالى). اهـ
وقال الإمام ابن أبي زيد القيرواني / في «المقدمة» (ص57): (والإيمان بالقدر: خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك، قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده: قول، ولا عمل؛ إلا وقد قضاه، وسبق علمه به، ]ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير[ [الملك:14]). اهـ
وقال الإمام ابن أبي زمنين / في «أصول السنة» (ص197): (ومن قول أهل السنة: أن المقادير: كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها، من الله تعالى؛ فإنه خلق الخلق، وقد علم ما يعملون، وما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص528): (فالالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا: نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها: قدح في الشرع؛ فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدا على الله تعالى؛ لا على سبب من الأسباب، والله ييسر له من الأسباب، ما يصلحه في الدنيا والآخرة). اهـ
قلت: فإن سنة الله تعالى اقتضت بمباشرة الأسباب والعمل بها، واستعمالها، لكن لا بد أولا من التوكل على الله تعالى، ثم فعل الأسباب، واعتقاد أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون سببا، ولا أثر له؛ إلا بمشيئة الله تعالى.
* وترك مباشرة الأسباب، فهذا مخالف للكتاب، والسنة، وإجماع السلف. ([38])
* فالإيمان بالقدر، ركن عظيم، من أركان الإيمان، لا يصح إيمان العبد؛ إلا بتحقيقه: على ما دل ذلك خبر النبي r، وقد سأله جبريل عليه السلام، عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر: خيره وشره).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص36 و37 و38)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص6 و7)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص381)، وفي «المجتبى» (ج8 ص97 و98)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص24 و25)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص223 و224)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص27 و38 و52) من طريق عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب t به.
* فحقيقة القدر: أن الله تعالى، هو العليم، بكل شيء، وبكل ما كان، وما سيكون، ولا يخفى عليه: شيء في الأرض ولا في السماء.
* ولكمال علمه، وأن كل شيء بيده، وفي تصرفه، وتدبيره: كتب في اللوح المحفوظ عنده كل ما كان، وما سيكون، فيقع كل ما هو: مكتوب، كما كتب، لا يختلف في قليل، ولا كثير. ([39])
وهذه حقيقة القدر: أن كل شيء، إنما يصدر عن قدر سابق مكتوب.
قال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[ [الحج: 70].
وقال تعالى: ]وكل صغير وكبير مستطر[ [القمر: 53]، يعني: مكتوبا.
* وإذا كان الخلق يتقلبون في أقدار، ما تعاقب فيهم: الليل والنهار؛ مما يحبون ويطلبون، ومما يكرهون ويحذرون.
وقدر الله تعالى؛ فيهم: ماض، وأمره فيهم: نافذ؛ حكمة منه، وعدلا، كما قال تعالى: ]ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون[ [الأنبياء: 35].
قال تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 49].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج7 ص482): (يستدل: بهذه الآية الكريمة، أئمة السنة؛ على إثبات قدر الله تعالى السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها). اهـ
وقال تعالى: ]وكان أمر الله قدرا مقدورا[ [الأحزاب: 38].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص427): (أي: وكان أمره الذي يقدره، كائنا لا محالة، وواقعا، لا محيد عنه، ولا معدل، فما شاء كان، وما لم يشأ: لم يكن). اهـ
قلت: وقد أجمع أهل العلم على إثبات قدر الله تعالى، وأن كل شيء بتقدير من الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص466): (وأما السلف، والأئمة: كما أنهم؛ متفقون على الإيمان بالقدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه خالق كل شيء من أفعال العباد، وغيرها). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص155): (وقد تضافرت الأدلة القطعيات، من الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة، وأهل الحل والعقد، من السلف، والخلف: على إثبات قدر الله تعالى). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص478): (ومذهب السلف قاطبة: أن الأمور كلها؛ بتقدير الله تعالى). اهـ
وعن طاووس اليماني / قال: (أدركت ناسا من أصحاب رسول الله r، يقولون: «كل شيء بقدر»، قال: وسمعت عبد الله بن عمر ﭭ يقول: قال رسول الله r: كل شيء بقدر حتى العجز، والكيس، أو الكيس والعجز).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2655)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج2 ص396 و760)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص205)، وفي «الاعتقاد» (ص148)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص73)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص899)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص416)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص110)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص580)، والفريابي في «القدر» (299)، و(300)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1880)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص417)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص134)، وابن حبان في «صحيحه» (6149)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (117)، والجوهري في «مسند الموطأ» (370)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (204)، والخلال في «السنة» (911)، وأبو أحمد الحاكم في «العوالي عن مالك» (18)، و(49)، والحربي في «الفوائد المنتقاة» (128)، والحدثاني في «الموطأ» (648)، والبرقاني في «التخريج: لصحيح الحديث، عن الشيوخ الثقات على شرط؛ كتابي: البخاري ومسلم» (ق/5/ط)، وابن القاسم في «الموطأ» (187)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1663)، و(1664)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص706)، وأبو عوانة في «المسند المستخرج» (11646)، وابن رشد في «ملء العيبة» (ص154)، وابن حاجب في «العوالي عن مالك» (67)، وابن بكير في «الموطأ» (ج3 ص389 و390)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ج1 ص415 و416)، والسراج في «حديثه» (117)، والواحدي في «الوسيط» (ج4 ص215)، والحداد في «جامع الصحيحين» (142)، وابن وهب في «الموطأ» (ص436)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص57) من طريق زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني به.
* والعجز في اللغة: الضعف، وعدم القدرة، فيحتمل: أن المراد هنا: ترك ما يجب فعله، والتسويف به، وتأخيره عن وقته.
* ويحتمل: أن المراد به: العجز عن الطاعات، ويحتمل العموم في أمور الدنيا والآخرة.
* والكيس: أصله؛ حسن التأتي، للأمور، والنشاط، والحذق فيها، وهو: ضد الحمق.
والكيس: ضد العجز؛ وهو النشاط في تحصيل المطلوب.
ومعناه: أن أفعال العباد كلها قدرها الله تعالى لحسنها، وقبيحها.
فالعاجز: قد قدر عجزه.
والكيس: قد قدر كيسه. ([40])
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ قال: سمعت رسول الله r يقول: (كتب الله مقادير الخلائق كلها، قبل أن يخلق السموات، والأرض، بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء). وفي رواية: (خلق الله مقادير الخلق).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2653)، وابن وهب في «الجامع» (580)، وفي «القدر» (ص46)، والفريابي في «القدر» (85)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص513 و514)، وابن عبد الحكم في «فتوى مصر» (ص430)، والبغوي في «شرح السنة» (67)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص268)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1345)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1025)، و(1026)، والآجري في «الشريعة» (342)، و(343)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (120)، وأحمد في «المسند» (ج11 ص144)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (898)، وفي «الاعتقاد» (ص142)، وفي «القضاء والقدر» (2)، و(6)، والترمذي في «سننه» (2156)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (842)، و(856)، والبزار في «المسند» (2456)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (343)، وابن حبان في «صحيحه» (6138)، والفاكهي في «الفوائد» (204)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4360)، وفي «أخبار أصبهان» (ج1 ص384)، وابن أبي أسامة في «العوالي» (62)، وابن منده في «التوحيد» (11)، والدارمي في «الرد على الجهمية» (118)، وفي «النقض على بشر المريسي» (243)، والطبراني في «المعجم الكبير» (80)، و(81)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج55 ص177)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة في بيان المحجة» (ج2 ص32)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ج1 ص21)، والمخلص في «المخلصيات» (ج3 ص311)، و(ج4 ص165)، وفي (ق/231/ط)، والذهبي في «سفينة منتخبات من مروياته» (ص220 و221) من طرق عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني: سمعت أبا عبد الله الحبلي سمعت: عبد الله بن عمرو t به.
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص406)؛ سياق ما روي عن النبي r، في الأدعية المأثورة عنه، في إثبات القدر.
فعن عبد الله بن مسعود t؛ أن النبي r، كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى). ([41])
وعن عمر بن الخطاب t قال: (اللهم إن كنت كتبتني شقيا، فامحني). وفي رواية: (اللهم إن كنت كتبتني في السعادة، فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني على الشقوة، فامحني فيها، وأثبتني في السعادة، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت، وعندك أم الكتاب). ([42])
وقال تعالى: ]تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب[ [المسد: 1 و2 و3].
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]تبت يدا أبي لهب[ [المسد: 1]؛ قال: (بما جرى من القلم: في اللوح المحفوظ). ([43])
وعن سليمان التيمي قال: سأل رجل؛ عمر بن عبد العزيز، عن القدر، فقال: (ما جرى ذباب بين اثنين؛ إلا بقدر، ثم قال: للسائل؛ لا تعودن تسألني، عن مثل هذا). وفي رواية: (ما طار ذباب بين السماء والأرض؛ إلا بقدر، ثم قال للرجل: لا تعد تسأل عن القدر).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «القدر» (323)، و(324) من طريق عبيد الله بن عمر القواريري، وأبي كامل الجحدري؛ كلاهما: عن بشر بن المفضل، حدثنا سليمان التيمي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: قال مالك بن أنس /: (ما أضل من كذب بالقدر، لو لم يكن عليهم: فيه حجة؛ إلا قوله تعالى: ]هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن[ [التغابن:2]؛ لكفى: بها حجة).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «القدر» (291)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1302)، و(1858)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (558)، والآجري في «الشريعة» (ص206) من طريق محمد بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال تعالى: ]وكل شيء أحصيناه في إمام مبين[ [يس:12].
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]وكل شيء أحصيناه في إمام مبين[ [يس:12]؛ قال: (في أم الكتاب). ([44])
* ومما سبق؛ ذكره: يتبين ثبوت مراتب القدر في الدين، والتي من لم يؤمن بها، لم يؤمن بالقدر، وهي:
المرتبة الأولى: العلم السابق، يعني: مرتبة العلم.
* وهذا العلم: هو علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها، فهو سبحانه: محيط بكل شيء من الموجودات، والمعدومات.
* وهو سبحانه محيط، بالكثير والقليل، والظاهر والباطن، والسر والعلانية في هذا الكون، وغير ذلك، كل ذلك بعلمه: الذي هو صفته، ومقتضى: اسمه.
* وهو العليم الخبير، عالم الغيب والشهادة، وهو علام الغيوب، وصفة العلم من الصفات الذاتية لله تعالى. ([45])
فالمرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى: علم ما الخلق: عاملون، وعلم جميع: أحوالهم، من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، وعلمه محيط: بهم، وبكل: شأن من شؤونهم.
قلت: فيجب الإيمان، بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء.
قال تعالى: ]وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين[ [الأنعام: 59].
وقال تعالى: ]إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير[ [لقمان: 34].
وقال تعالى: ]هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة[ [الحشر: 22].
وقال تعالى: ]لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما[ [الطلاق: 12].
وقال تعالى: ]إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما[ [طه: 98].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الأولى: أن تؤمن بأن الله تعالى، بكل شيء عليم: جملة وتفصيلا، بعلمه الأزلي، الأبدي). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بعلم الله تعالى الأزلي: الشامل، لجميع الأشياء: قبل كونها، وعلم ما يكون في الحاضر، وعلم ما يكون في المستقبل.
قال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض[ [الحج: 70].
المرتبة الثانية: وهي مرتبة الكتابة، وهي: كتابته سبحانه لها: قبل كونها، وهي الإيمان بأن الله تعالى: كتب في اللوح المحفوظ؛ مقادير الخلق، ما يحدث شيء في الكون؛ إلا وقد علمه سبحانه، وكتبه قبل حدوثه. ([46])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله تعالى: كتب ما هو كائن، بحسب علمه، في اللوح المحفوظ؛ أي: المحفوظ من التغيير). اهـ
فالمرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى، قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه: كتب كل شيء، في اللوح المحفوظ.
قلت: والمقصود، بهذه الكتابة، الكتابة: في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه الله تعالى من شيء، فكل ما جرى، ويجري، فهو: مكتوب عند الله تعالى.
قال تعالى: ]ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون[ [الأنعام:38].
وقال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[ [الحج: 70] .
وقال تعالى: ]وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين[ [النمل:75].
وقال تعالى: ]وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين[ [يونس:61].
وقال تعالى: ]إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين[ [يس:12].
قلت: فيجب الإيمان بأن كل شيء: مكتوب في اللوح المحفوظ، من الذوات والصفات، والحركات والسكنات، والسعادة والشقاوة، والحياة والموت، والمرض والصحة، والغنى والفقر، والقوة والعجز.
قال تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب[ [الحج: 70] .
المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي الإيمان بأن ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات، والأرض، من حركة، ولا سكون؛ إلا بمشيئته سبحانه، ولا يكون في ملكه ما لا يريد. ([47])
فالمرتبة الثالثة: الإيمان بالمشيئة لله تعالى النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله تعالى: كان، وما لم يشأ: لم يكن، وما في السموات والأرض، من حركة، ولا سكون؛ إلا بمشيئة الله سبحانه، ولا يكون في ملكه؛ إلا ما يريد.
قلت: فكل ما يجري في هذا الكون، فهو: بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى: ]لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[ [التكوير: 28 و29].
وقال تعالى: ]ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم[ [المائدة: 48].
وقال تعالى: ]إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد[ [هود:107].
وقال تعالى: ]قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين[ [هود:33].
وقال تعالى: ]إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون[ [يس:82].
وقال تعالى: ]ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا[ [يونس:99].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة؛ أي: أن ما كان، وما يكون، فهو: بمشيئة الله تعالى، سواء كان من فعله تعالى، أو من فعل الخلق). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بالإرادة والمشيئة، وأن كل شيء وقع في هذا الوجود، قد سبقته: مشيئة الله تعالى وإرادته، ولا يقع في هذا الكون، إلا ما أراد الله تعالى وجوده: كونا، وقدرا، من الطاعة والمعصية، ومن الخير والشر. ([48])
قال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما[ [الإنسان:30].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص204): (الدرجة الثانية من درجات الإيمان بالقدر:
* قوله: «وأما الدرجة الثانية»؛ يعني: من درجات الإيمان بالقدر.
* قوله: «فهي مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات وما في الأرض من حركة، ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه».
* يعني: أن تؤمن بأن مشيئة الله نافذة في كل شيء، سواء كان مما يتعلق بفعله، أو يتعلق بأفعال المخلوقين، وأن قدرته شاملة، ]وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا[ [فاطر: 44].
وهذه الدرجة تتضمن شيئين؛ المشيئة والخلق:
- أما المشيئة؛ فيجب أن نؤمن بأن مشيئة الله تعالى نافذة في كل شيء، وأن قدرته شاملة لكل شيء من أفعاله، وأفعال المخلوقين.
- وأما كونها شاملة لأفعاله؛ فالأمر فيها ظاهر.
- وأما كونها شاملة لأفعال المخلوقين؛ فلأن الخلق كلهم ملك لله تعالى، ولا يكون في ملكه إلا ما شاء.
* والدليل على هذا:
قوله تعالى: ]فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وقوله سبحانه: ]ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة[ [هود: 118].
وقوله تعالى: ]ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا[ [البقرة: 253].
فهذه الآيات تدل على أن أفعال العباد متعلقة بمشيئة الله.
وقال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله[ [الإنسان: 30].
وهذه تدل على أن مشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله وتابعة لها). اهـ
المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق والإيجاد، وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء؛ فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ساكن وسكونه، وما من ذرة في السموات والأرض؛ إلا والله تعالى خالقها، وخالق حركتها وسكونها. ([49])
فالمرتبة الرابعة: إن الله تعالى خالق: كل شيء، فما من شيء في الوجود؛ إلا والله تعالى: خالقه، وموجده، سواء في ذلك: الذوات والأعيان، والمعاني والأفعال، فلا يخرج شيء في الوجود: من أن يكون مخلوقا لله تعالى.
قلت: فالله تعالى، خالق كل شيء، من ذلك أفعال العباد، فلا يقع في هذا الكون شيء؛ إلا وهو خالقه.
قال تعالى: ]قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون[ [الصافات:95 و96].
وقال تعالى: ]الله خالق كل شيء[ [الرعد:16].
وقال تعالى: ]ذلكم الله ربكم خالق كل شيء[ [غافر:62].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص573): (المرتبة الرابعة: أن كل ما حدث، في الكون مخلوق لله تعالى، سواء كان ذلك جمادا، أم ذا روح، حتى أعمال العباد: بهيمها، وعاقلها: كلها مخلوقة لله تعالى، فلا خالق؛ إلا الله وحده عز وجل). اهـ
قلت: فيجب الإيمان بأن الله تعالى، خلق كل شيء، وأوجده على ما أراد.
قال تعالى: ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا[ [الأنعام:125].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص58): (الذي نطقت به الكتب، والرسل: أن الله تعالى خالق كل شيء). اهـ
* فأهل الحديث: يؤمنون بهذه المراتب، وهي: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق.
* وخالف في ذلك، «القدرية» وغيرهم.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص574): (وأهل السنة والجماعة: يؤمنون بهذه المراتب الأربع، وأما المعتزلة: فإنهم لا يؤمنون بالمرتبتين الأخيرتين، وهما: المشيئة والخلق؛ لأنهم يقولون: إنه لا عموم لمشيئة الله، ولا عموم لخلق الله؛ لأن الإنسان مستقل يفعل الشيء بنفسه، مستقل يوجد الشيء بنفسه، وليس لله فيه علاقة، أعطاه الله عقلا وفكرا، وجعل له الحرية؛ فهو يفعل بمشيئته، ويحدث الأفعال بمشيئته، وليس لله فيه علاقة.
ولهذا سموا: مجوس هذه الأمة؛ وذلك أنهم جعلوا للحوادث الكونية خالقين، كل واحد مستقل عن الآخر، فالآدمي خالق لأفعاله مستقل بها، وأما أفعال الله تعالى فهي خلق لله؛ كإنزال المطر، والليل والنهار، وغير ذلك.
وقابلهم طائفة مبتدعة وقالت: بل إن فعل العبد بمشيئة الله وهو مخلوق لله، وليس للعبد فيه اختيار، أي: أن العبد مجبور على أن يشاء الفعل، ويفعل الفعل، وهؤلاء: هم الجبرية، وهم: عكس القدرية.
* وتوسط السلف، وأهل السنة فقالوا: إن مشيئة الله عامة، وخلق الله عام، والإنسان له إرادة واختيار.
فالأول: وهو قولهم: إن مشيئة الله عامة، وخلقه عام. فيه رد على: «المعتزلة القدرية».
والثاني: قولهم: إن الإنسان له اختيار، وإرادة، وفعل. فيه رد على: «الجبرية».
* ومعلوم أن ما ذهب إليه السلف: هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية، والنظرية أيضا). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص218): (قوله: «والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم».
قال: «والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم»: هذا صحيح؛ فالعبد هو المباشر لفعله حقيقة، والله خالق فعله حقيقة، وهذه عقيدة أهل السنة، وقد سبق تقريرها بالأدلة.
* وخالفهم في هذا الأصل طائفتان:
الطائفة الأولى: القدرية من المعتزلة وغيرهم؛ قالوا: إن العباد فاعلون حقيقة، والله لم يخلق أفعالهم.
الطائفة الثانية: الجبرية من الجهمية وغيرهم؛ قالوا: إن الله خالق أفعالهم، وليسوا فاعلين حقيقة، لكن أضيف الفعل إليهم من باب التجوز، وإلا؛ فالفاعل حقيقة هو الله.
وهذا القول يؤدي إلى القول بوحدة الوجود، وأن الخلق هو الله، ثم يؤدي إلى قول من أبطل الباطل؛ لأن العباد منهم الزاني، ومنهم السارق، ومنهم شارب الخمر، ومنهم المعتدي بالظلم؛ فحاشا أن تكون هذه الأفعال منسوبة إلى الله!!، وله لوازم باطلة أخرى.
* وبهذا تبين أن في قول المؤلف: «والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم»: ردا على الجبرية والقدرية). اهـ
قلت: وهذا رد على: «القدرية»، القائلين: أن العبد مستقل؛ بعمله، ويخلق فعل نفسه، ليس لله تعالى؛ فيه: إرادة، ولا خلق، ولا مشيئة، فأنكروا: عموم المشيئة، والخلق، وهؤلاء؛ هم: «المعتزلة»، ومن وافقهم في هذا العصر، من: «الشيعة»، و«الأشعرية»، و«الزيدية»، وغيرهم.
* وقابل هؤلاء: «القدرية»، طائفة أخرى: فغلوا في: «إثبات القدر»، حتى جعلوا: العبد، مجبورا على فعل نفسه، وليس له اختيار، بل هو كالريشة في مهب الريح، وكحركة الآلة في يد من يحركها، وهذا: «مذهب الجهمية»، ومن تبعهم من: «الأشاعرة» في مسألة: الكسب.
* وسمي هذا المذهب بـ«مذهب الجبرية»، لأنهم يقولون: إنا مجبورون على أفعالنا.
* وإذا كان هؤلاء: قد استدلوا بالنصوص، التي تثبت الفعل، والمشيئة لله تعالى، مثل: قوله تعالى: ]وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى[ [الأنفال:17]، وقوله تعالى: ]وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله[ [النساء: 78]، وقوله تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[ [التكوير: 29] ، إلى غير ذلك من الآيات.
* فإن أولئك: «القدرية»، استدلوا بالنصوص التي تثبت الفعل، والمشيئة للعبد، كقوله تعالى: ]وما أصابك من سيئة فمن نفسك[ [النساء:79]، وقوله تعالى: ]إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا[ [المزمل: 19]، وقوله تعالى: ]كلا إنه تذكرة * فمن شاء ذكره[ [المدثر:55]، إلى غير ذلك من الآيات.
* فكل طائفة أخذت بجانب من الأدلة، وعطلت الجانب الآخر.
فهدى الله تعالى: سلف هذه الأمة، وهم: أهل السنة والجماعة، فأخذوا، بهذا، وبهذا، وتوسطوا بين هؤلاء، وأولئك، وقالوا: إن الله تعالى خالق كل شيء، ولا يكون شيء إلا بقضاء الله تعالى وقدره.
* وأفعال العباد داخلة في ذلك: خيرها وشرها، والطاعة والمعصية، والكفر والإيمان، لا يخرج من ذلك شيء عن مشيئته وتقديره.
* والعبد: غير مجبور عليها، بل قد منحه الله تعالى: المشيئة والاختيار، وأقدره، على ذلك: إن شاء آمن، وإن شاء كفر.
* والعبد: فاعل لفعله حقيقة، وينسب إليه حقيقة، وأن الله تعالى: ما أوقع الكفر من الكافر، إلا لأن الكافر ضل في كفره، وقامت عليه الحجة.
* والله تعالى: لا يرضى الكفر لعباده، ولا يحبه، فشاء الله تعالى، الكفر لهذا الكافر، بمشيئته الكونية، ولا يرضاه، ولا يحبه، ولا يريده؛ بإرادته الدينية، فتفطن لهذا.
* ومنشأ الضلال: لدى الفرق المنحرفة في هذا الباب، والذي أوقعهم في ذلك، هو: «التسوية»، بين: «المشيئة»، و«الإرادة»، وبين: «المحبة»، و«الرضا».
* فكل من «الجبرية»، و«القدرية»، سوت بينهما، لكن: «الجبرية»، قالوا: الكون كله بقضائه وقدره، إذا، فهو محبوب مرضي، أما: «القدرية»، فقالوا: المعاصي ليست محبوبة لله تعالى، ولا مرضية له، إذا، فليست مقدرة، ولا مقضية له.
* ومن هنا: وقع كل من الفريقين فيما وقع فيه، من التخبط والضلال.
وهدى الله تعالى: أهل السنة إلى التفريق بينهما، كما دل ذلك: الكتاب والسنة.([50])
وقال تعالى: ]كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون[ [الأنبياء:35].
عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]ونبلوكم بالشر والخير فتنة[ [الأنبياء:35]؛ يقول: (نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة). ([51])
وقال تعالى: ]وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين * وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين[ [الذاريات: 55 و56 و57 و58].
عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات:56]؛ قال: (على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي، ومن شقوتي وسعادتي). ([52])
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج10 ص11): (وكان في ذلك من تأويل ابن عباس ﭭ ، ما قد دل على: أن الخلق من الله عز وجل: لعباده، هو على ما كتب فيهم: من طاعته ومعصيته، وشقوته وسعادته، لا يخرجون عن ذلك إلى غيره، وإن كانت أعمالهم السعيدة، كانت باختيارهم لها، وأعمالهم التي تخالف ذلك، كانت باختيارهم لها، فكانت سعادتهم بأعمالهم المحمودة منهم، وشقاوتهم؛ لأعمالهم المذمومة منهم.
* وكل ذلك مما قد تقدم من الله عز وجل فيهم؛ أنهم سيعملون تلك الأعمال، فيسعدون بها، أو يشقون بها، فعاد حديث عياض t هذا.
* والأحاديث التي ذكرناها قبله، في الباب الذي قبل هذا الباب، إلى معنى واحد، يصدق بعضها بعضا، ولا يخالف بعضها بعضا، والله عز وجل، نسأله التوفيق).اهـ
وعن عمر بن محمد قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر: وسأله رجل، فقال: أيزني الرجل بقدر؟، فقال: نعم؛ قال: أشيء كتبه الله عليه؟، قال: نعم؛ قال: فيعذبه عليه، وقد كتبه عليه؟، قال: فحصبه). ([53])
وعن عكرمة بن عمار قال: سألت، يحيى بن أبي كثير: من القدرية؟، فقال: (الذين يقولون: إن الله لم يقدر المعاصي). وفي رواية: (إن الله لم يقدر الشر). ([54])
* فالقدر: هو الإيمان، بأنه لا يقع شيء في الوجود، ومشيئته: إلا بعلم الله تعالى الأزلي، وكتابته السابقة، ومشيئته لما وقع، وخلقه له: خيرا أو شرا، حلوا أو مرا. ([55])
وقال تعالى: ]لقد خلقنا الإنسان في كبد * أيحسب أن لن يقدر عليه أحد * يقول أهلكت مالا لبدا * أيحسب أن لم يره أحد * ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين[ [البلد: 4 و5 و6 و7 و8 و9 و10].
عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]وهديناه النجدين[ [البلد:10]؛ قال: (الخير والشر). وفي رواية: (الهدى والضلالة). ([56])
وعن ابن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]وهديناه النجدين[ [البلد:10]؛ قال: (الخير والشر). ([57])
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر:49]؛ قال: (الله خلق الخلق: كلهم بقدر، وخلق الخير والشر، فخير الخير: السعادة، وشر الشر: الشقاوة). ([58])
وعن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي / يقول: (لأن يلقى الله العبد بكل ذنب، ما خلا الشرك بالله، خير له من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء، وذلك أنه رأى قوما يتجادلون في القدر بين يديه، فقال الشافعي: أخبر الله في كتابه: أن المشيئة له دون خلقه، والمشيئة: إرادة الله، يقول الله عز وجل: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله[ [الأنعام:111]؛ فأعلم خلقه: أن المشيئة له، وكان يثبت القدر). ([59])
قال أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص63): (ومن قولهم -يعني: أهل السنة-: إن الأقدار كلها: خيرها وشرها، حلوها ومرها: قد علمها تبارك وتعالى، وقدرها.
* وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.
* وكذا جميع الأعمال قد علمها وكونها، وأحصاها، وكتبها في اللوح المحفوظ، فكلها بقضائه جارية، وعلى من سعد، أو شقي، في بطن أمه ماضية، لا محيص لخلقه عن إرادته، ولا عمل من خير، ولا شر؛ إلا بمشيئته، قال تعالى: ]إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم[ [يس:12]). اهـ
وعن عمرو بن دينار، أنه قال: سمعت عبد الله بن الزبير t، يقول في خطبته: (إن الله تعالى: هو الهادي، والفاتن). ([60])
أثر صحيح
أخرجه مالك في «الموطأ» (2620)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1201)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (1875)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1659)، والحدثاني في «الموطأ» (645)، والفريابي في «القدر» (298)، والبيهقي في «القدر» (495)، وابن وهب في «الموطأ» (ص437)، وفي «القدر» (46)، وابن بكير في «الموطأ» (ج3 ص387)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص437) من طرق عن مالك بن أنس عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال العلامة السفاريني / في «لوامع الأنوار» (ج1 ص348): (اعلم: أن القدر، عند السلف: ما سبق به العلم، وجرى به القلم، مما هو كائن إلى الأبد، وأنه تعالى: قدر مقادير الخلائق، وما يكون من الأشياء، قبل أن تكون في الأزل، وعلم سبحانه: أنها ستقع في أوقات، معلومة عنده تعالى، وعلى صفات مخصوصة، فهي: تقع على حسب ما قدرها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «العقيدة التدمرية» (ص165): (الإيمان: بأن الله خالق كل شيء، وربه، ومليكه، وأنه على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد علم ما سيكون قبل أن يكون، وقدر المقادير، وكتبها حيث شاء). اهـ
فحقيقة القدر: هي الإيمان بخلق الله تعالى: لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته: لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها، وكتابته: إياها، قبلأن تكون. ([61])
وعن أبي رجاء قال: سمعت ابن عباس ﭭ ، وهو يخطب على المنبر بالبصرة، يقول: (لا يزال أمر هذه الأمة مقاربا، أو قواما، ما لم ينظروا في الولدان، والقدر، أو حتى: ينظروا في الولدان، والقدر). ([62])
* قوله: «ما لم ينظروا في الولدان»؛ يحتمل: أنهم: يتكلمون في جمالهم، أو أنهم: يتكلمون في أولاد المشركين: هل هم: في النار، أو في الجنة.
قال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ص77): (وأجمع الصحابة، والتابعون، وجميع أهل السنة والحديث، أن كل كائن إلى يوم القيامة، فهو: مكتوب في أم الكتاب، وقد دل القرآن على أن الرب تعالى، كتب في أم الكتاب، ما يفعله، وما يقوله، فكتب في اللوح: أفعاله وكلامه). اهـ
قلت: وهذه المراتب، هي محل النزاع الطويل، بين أهل السنة، ومن خالفهم: من: «القدرية»، و«المعتزلة»، و«الجبرية».
* وأول من قال بنفي القدر؛ هو: «معبد بن عبد الله بن عويم الجهني البصري»، وأن ذلك كان بـ«البصرة»، في أواخر عهد الصحابة y، فهو: أول من تكلم بالقدر، وابتدع القول بالقدر. ([63])
فعن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر، بالبصرة: معبد الجهني، فانطلقت: أنا، وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين، أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله r، فسألناه: عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا: عبد الله بن عمر بن الخطاب t، داخلا المسجد، فاكتنفته ([64]): أنا، وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا: ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون ([65]) العلم، وذكر من شأنهم؛ وأنهم يزعمون: أن لا قدر، وأن الأمر أنف). ([66])
قلت: وهذا يفيد، أن: «معبدا»، هو أول من قال بنفي القدر.
* وهؤلاء؛ هم: «القدرية الأولى»، الذين أنكروا القدر، وعلم الله تعالى السابق بالأمور، وهذا معنى ما في حديث: يحيى بن يعمر، أنهم: «يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف»، أي: مستأنف، لم يسبق لله تعالى فيه علم.
والقدرية: هم الذين تبرأ؛ منهم: من سمع بهم من الصحابة؛ كـ«عبد الله بن عمر»، و«أبي هريرة»، و«ابن عباس»، و«أنس بن مالك»، و«عبد الله بن أبي أوفى» و«عقبة بن عامر الجهني»، و«واثلة بن الأسقع»، وغيرهم.
والقدرية: هؤلاء، الذين قال فيهم: الأئمة؛ «مالك»، و«الشافعي»، و«أحمد»، وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله تعالى ([67]): «القدرية»، يكفرون، ولهذا كفرهم الصحابة y. ([68])
قلت: «فالقدرية الأوائل»، هم: الذين قالوا، بنفي صفة العلم لله تعالى، وكانوا: هم أول من قال: بنفي القدر.
وهذه الفرقة: كان لها أتباع، ومؤيدون على مر العصور، يشرحون عقيدتها، ويدافعون عنها، ويردون على مخالفيها، وهؤلاء؛ هم: «المعتزلة»، المسمون؛ بـ«القدرية»؛ الذين انتشر على أيديهم، القول: بنفي القدر، فهم: «المعتزلة القدرية».
قلت: ولقد نشأت بعد ذلك، الفرقة: المقابلة: «للقدرية»، وهي: «فرقة الجبرية».
* والجبرية القدرية: الذين يقولون: بالجبر، ومعناه: نفي الفعل عن العبد، وإضافته إلى الرب، أي: أن الله تعالى يجبر العباد على أعمالهم، والعباد: مجبورون على أفعالهم، ليس لهم: أي: دور فيها، وإنما تضاف الأعمال إلى العباد، على جهة المجاز فقط!. ([69])
والمراحل التي مرت بها القدرية:
القدرية: كغيرها من سائر الفرق، بدأت مقولاتها قليلة، وحذرة، ثم تطورت، واتسعت، وتحيزت حتى صارت: لها أصول، وشعب، وفرق، ودعاة إلى أبواب جهنم.
المرحلة الأولى: ظهور القدرية الأولى، وتتمثل في مقولات: «معبد الجهني»، وأتباعه، ثم: «غيلان الدمشقي»، وأتباعه.
* وتتلخص بأن الله تعالى، بزعمهم: لم يقدر أفعال العباد، ولم يكتبها، وأن الأمر أنف؛ أي: مستأنف، لم يكن في علم الله تعالى، ولا تقديره السابق.([70])
* إذن فالقدرية الأولى: هم الذين أنكروا علم الله السابق، وزعموا: أن الله تعالى، لم يقدر أفعال العباد سلفا.
* ولم يعلمها، ولم يكتبها في: «اللوح المحفوظ»، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف، ليس بتقدير سابق من الله تعالى، مما استقل العباد بفعلها.
* وهذه مقولة غالية في القدر، حيث تنكر العلم، والكتابة، وتقدير: عموم أفعال المكلفين: خيرها، وشرها؛ فيما يظهر.
هذا أول أمرهم: فلما أنكر الأئمة هذا القول؛ صار: جمهور: «القدرية» يقرون بالعلم، المتقدم، والكتاب السابق، لكن ينكرون عموم مشيئة الله تعالى، وقدرته، وخلقه؛ لأفعال العباد.
* فأنكروا أن يكون الله تعالى خالقا؛ لأفعال العباد، أو بعضها، وقالوا: أن الله لا يخلق الشر، وهذا ما استقرت عليه: «القدرية الثانية»، وعلى رأسهم: «المعتزلة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج1 ص309): (في أواخر عهد الصحابة y، حدثت بدعة: «القدرية»، و«المرجئة»، فأنكر ذلك الصحابة، والتابعون: كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وواثلة بن الأسقع y). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص384)؛ بعد أن ذكر: «العلم»، و«الكتابة» السابقين: (فهذا القدر هو الذي أنكره: «القدرية»، الذين كانوا في أواخر زمن الصحابة y... ولم يكن على عهد الخلفاء الراشدين أحد ينكر القدرة، فلما ابتدع هؤلاء؛ التكذيب: بـ«القدر»، رده عليهم من بقي من الصحابة y، كـ«عبد الله بن عمر»، و«عبد الله بن عباس»، و«واثلة بن الأسقع»، وكان أكثره بـ«البصرة»، و«الشام»، وقليل منه بـ«الحجاز».
* فأكثر كلام السلف في ذم هؤلاء: «القدرية»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص450): (وغلاة: «القدرية»، ينكرون علمه المتقدم، وكتابته السابقة، ويزعمون: أنه أمر ونهى، وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنف؛ أي: مستأنف.
* وهذا القول: أول ما حدث في الإسلام، بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين... وكان أول من ظهر عنه ذلك بالبصرة: هو «معبد الجهني»، فلما بلغ الصحابة y، قول هؤلاء: تبرءوا منهم، وأنكروا مقالتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص450): (ثم كثر: خوض الناس في القدر؛ فصار جمهورهم: يقر بالعلم المتقدم، والكتاب السابق.
* لكن ينكرون: عموم مشيئة الله تعالى، وعموم خلقه وقدرته، ويظنون أنه لا معنى لمشيئته، إلا أمره فما شاءه، فقد أمر به، وما لم يشأه لم يأمر به). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص490): (ثم في أواخر عصر الصحابة y: نبغ التكلم؛ ببدعة «القدرية»، و«المرجئة»، فردها بقايا الصحابة y، كـ«ابن عمر»، و«ابن عباس»، و«جابر بن عبد الله»، و«أبي سعيد»، و«واثلة بن الأسقع»، وغيرهم؛ ولم يصر لهم: سلطان واجتماع، حتى كثرت: «المعتزلة»، و«المرجئة» بعد ذلك). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص36): (فلما بلغ قولهم: بإنكار «القدر السابق»، الصحابة y: أنكروا، إنكارا، عظيما، وتبرءوا منهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص37): (ثم كثر: الخوض في «القدر»، وكان أكثر الخوض فيه بـ«البصرة»، و«الشام»، وبعضه في «المدينة».
* فصار مقتصدوهم، وجمهورهم: يقرون بـ«القدر السابق»، وبـ«الكتاب المتقدم»، وصار نزاع الناس في الإرادة، وخلق أفعال العباد؛ فصاروا في ذلك حزبين:
النفاة يقولون: لا إرادة؛ إلا بمعنى: المشيئة، وهو لم يرد إلا ما أمر به، ولم يخلق شيئا من أفعال العباد.
وقابلهم الخائضون في القدر من المجبرة: مثل: «الجهم بن صفوان» وأمثاله، فقالوا: ليست الإرادة؛ إلا بمعنى المشيئة، والأمر والنهي، لا يستلزم إرادة، وقالوا: العبد لا فعل له ألبتة، ولا قدرة، بل الله: هو الفاعل القادر فقط). اهـ
فالقدرية الأولى: فكانت مقالتها تتلخص في قولين:
الأول: إن الأمر أنف، أي: مستأنف، ويعنون: بذلك أفعال المكلفين، فيزعمون أن الله تعالى، لم يقدرها، ولم يعلمها؛ إلا أثناء حدوثها، من المكلف.
الثاني: إن الله تعالى، لم يقدر الكتابة؛ أي: في «اللوح المحفوظ»، ولا الأعمال في السابق. ([71])
* أمر الله تعالى، وإرادته؛ نوعان:
الأول: الأمر الكوني، لقضائه، والإرادة الكونية، وترادف المشيئة.
قال تعالى: ]وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له[ [الرعد:11].
الثاني: الأمر الشرعي، والإرادة الشرعية، وهي متعلقة، بحجية الله تعالى.
قال تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة:185].
قلت: العبد له إرادة، ومشيئة.
قال تعالى: ]فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر[ [الكهف:29].
* لكنها: تابعة، لإرادة الله العامة، ومشيئته.
قال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما[ [الإنسان:30].
* فمجمل أباطيل القدرية:
1) المعبدية، والغيلانية، والمعتزلة، أنكروا: علم الله السابق، وكتابته: للمقادير، وأنكروا: مشيئته، وخلقه، وتقديره.
2) المعتزلة، قالوا: بأن العبد خالق أفعاله.
3) الجهمية والصوفية، قالوا بأن العبد: مجبور على أفعاله مطلقا، وبنفي الاستطاعة عن العباد.
4) الأشاعرة ومن سلك سبيلهم، قالوا: بالكسب، ويقصدون به، أن العبد، لا تكون له الاستطاعة؛ إلا مع الفعل، وليس له قدرة، ولا استطاعة قبل الفعل، ولا بعده، يعني: بتقارن الفعل.
5) الأشاعرة، والكلابية، والماتريدية، أنكروا: تعلق أفعال الله تعالى بالمشيئة.
قلت: وكل ذلك بخلاف ما عليه السلف الصالح في «القدر».
* وللقدرية؛ إطلاقان، خاص، وعام:
فالقدرية؛ بالمعنى: الخاص: هم المنكرون للقدر؛ أي: المكذبون، بتقدير الله تعالى، لأفعال العباد، أو بعضها؛ أي: الذين قالوا: لا قدر من الله تعالى، والأمر أنف؛ أي: مستأنف، ليس لله تعالى فيه؛ تقدير: سابق.
والقدرية؛ بالمعنى: العام: هم الخائضون في علم الله تعالى، وكتابته، ومشيئته، وتقديره، وخلقه، بغير علم، وبخلاف مقتضى: النصوص، وفهم السلف.
* ويشمل ذلك الأصناف التالية:
1) المعبدية، والغيلانية، والمعتزلة، وهم: «القدرية النفاة»، الذين أنكروا القدر، أو بعضه.
2) الجهمية، وهم: «الجبرية» الذين زعموا أن العبد، لا اختيار له البتة.
3) الأشاعرة ومن سلك سبيلهم، وهم: الذين خاضوا في مسألة الكسب، والاستطاعة.
* فالتنازع في القدر: من أعظم أسباب هلاك الأمم.
* فمنه نشأ: مذهب؛ المجوس، القائلين؛ بالأصلين: النور، والظلمة.
* ومنه نشأ: مذهب؛ الصابئة، القائلين، بقدم العالم.
* وفي القدر: افترقت، النصارى، واليهود.
* وفي القدر: وقعت القدرية: مجوس هذه الأمة.
فإن قولها بأن العبد: خالق أفعاله، وأنه: لا قدر سابق: شبيه بتلك: المقولات الأولى: «للمجوس»، و«النصارى»، و«الصابئة»، بل هو امتداد له. ([72])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص425): (فالبدع تكون في أولها شبرا، ثم تكثر في الأتباع، حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ
* ومن وجه آخر، فهم: ينقسمون إلى:
1) قدرية مجوسية: وأنه يلزم من قولهم: إن العبد: خالق أفعاله، يعني: أن يكون العبد، خالقا آخر مع الله تعالى، وبعضهم: قد يلتزم ذلك، كما تقول المجوس: بإلهين اثنين، وهم: كثير من «المعتزلة».
2) قدرية مشركية؛ وهم: «الجبرية الجهمية»، والمتصوفة، الذين يزعمون، أن العبد: مجبور على ما يصدر عنه، كما قال المشركون: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[ [الأنعام:148].
3) قدرية إبليسية: مستكبرة تدعي التعارض في أفعال الله تعالى، وأمره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج1 ص433): (وهذا من أصول تفرقهم، في مسألة: تكليف ما لا يطاق، وانقسموا إلى:
* قدرية مجوسية: تثبت الأمر والنهي، وتنفي القضاء والقدر. ([73])
* وإلى قدرية مشركية: شر منهم: تثبت القضاء والقدر، وتكذب بالأمر والنهي، أو ببعض ذلك.
* وإلى قدرية إبليسية: تصدق بالأمرين([74])، لكن ترى ذلك: تناقضا، مخالفا، للحق، والحكمة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج3 ص82): (والخائضون في القدر؛ بالباطل ثلاثة أصناف:
* المكذبون به.
* والدافعون: للأمر والنهي به.
* والطاعنون: على الرب سبحانه، بجمعه: بين الأمر والقدر، وهؤلاء: شر الطوائف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص718): (وهذه الأصناف هي: «القدرية المجوسية»، و«القدرية المشركية»؛ و«القدرية الإبليسية»).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج11 ص421): (وهؤلاء: هم؛ «القدرية المشركية»([75])، الذين يحتجون بالقدر، على دفع الأمر والنهي، هم: شر من: «القدرية»، الذين هم: «مجوس هذه الأمة»... لأن هؤلاء: يقرون بالأمر والنهي، والثواب والعقاب، لكن أنكروا: عموم الإرادة، والقدرة، والخلق، وربما أنكروا: سابق العلم.
* وأما القدرية المشركية: فإنهم: ينكرون الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ويكفرون: بجميع؛ الرسل، والكتب). اهـ
وهناك القدرية الثانية: وهم: «المعتزلة»، و«الجهمية»، ومن تابعهم.
وظهرت: «القدرية الثانية»، في المرحلة الثانية، بظهور: «المعتزلة»، وفي أول «القرن الثاني» الهجري.
* وتتمثل: بمقولات: «المعتزلة»، و«الجهمية» في القدر.
فالقدرية: في هذه المرحلة، توسعت مقالاتها، وتشعبت، بين الفرق على النحو التالي:
1) شعبة صارت: ضمن «المعتزلة»، القائلين، بأن الإنسان مقدر أفعاله، وهو خالقها ومنشؤها، ولم تقدر عليه قبل، وهذه هي: ورثة «القدرية» الأولى النفاة.
2) وشعبة منها صارت: في «الجهمية الجبرية»، القائلين، بأن الإنسان مجبور على أفعاله؛ كالريشة في مهب الريح، فلا اختيار له، وهذه هي: «القدرية الجبرية» الخالصة، وقد ظهرت، فيما بعد في عقائد كثير من: «المتصوفة»، و«الفلاسفة».
3) وشعبة ثالثة: صارت أقرب إلى: «الجبرية»، وهم القائلون بالكسب من: «الأشاعرة»، ومن سلك سبيلهم. ([76])
وهناك مرحلة ثالثة: وتتمثل هذه المرحلة، بمقولة: «الأشاعرة»، وبعض: «الماتريدية»، ومن سلك سبيلهم.
* ويتلخص مذهبهم في: أن الإنسان له قدرة، واستطاعة؛ لكنها لا تكون له؛ إلا مع الفعل؛ أي: إذا عزم على الشروع بتنفيذ الفعل؛ أوجد الله له القدرة، مقارنة للفعل، لا قبله، ولا بعده، وهذا نوع من الجبر. ([77])
* فالقدرية المعتزلة، يقولون بخالق مع الله تعالى.
فكثير من متأخرة القدرية؛ وهم: «المعتزلة»، يقولون: إن العباد خالقون لأفعالهم.([78])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص237 و238): (والمقصود هنا: أن هذين الفريقين: اعتقدوا تنافي القدر، والشرع، كما اعتقد ذلك المجوس والمشركون.
* فقالوا: إذا كان خالقا للفعل امتنع أن يكون الفعل في نفسه حسنا له ثواب، أو قبيحا عليه عقاب.
* ثم قالت القدرية: لكن الفعل منقسم، فليس خالقا للفعل.
وقالت الجبرية: لكنه خالق، فليس الفعل منقسما.
* ولكن الجبرية المقرون بالرسل عليهم السلام، يقرون بالانقسام من جهة أمر الشارع، ونهيه فقط.
ويقولون: له أن يأمر بما شاء، لا لمعنى فيه، وينهى عما يشاء لا لأجل معنى فيه، ويقولون: في خلقه، وفي أمره جميعا: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج1 ص88): (وقد تنازعت الأمة: في القدر على ثلاث فرق، فرقتان، متطرفتان، وفرقة ثالثة: وسط.
* فأما المتطرفتان: فهما، «القدرية»، و«الجبرية».
فالقدرية: أنكروا القدر، فقالوا: إن الله تعالى، لم يقدر: أفعال العباد.
* وكان أول ما ظهر: فيهم هذا الرأي الخاطئ؛ أنهم: أنكروا؛ العلم، وقالوا: إن الله تعالى لا يعلم ما يفعله العباد؛ إلا بعد أن يقع.
* وأن الأمر أنف، أي: مستأنف؛ يعني: أن علم الله تعالى، بأحوال العباد، وأعمالهم: مستأنف؛ أي: لا يدري عنه، حتى يعملوه.
الطائفة الثانية المتطرفة: الجبرية، الذين قالوا: إن الإنسان مجبر على عمله، ليس له فيه: تعلق إطلاقا، وأن حركاته، وسكناته: ليس إليه؛ بل هو: كتحرك الريشة في الفرجة، وما أشبه ذلك.
أما الطائفة المتوسطة: فهي طائفة السنة والجماعة، الذين قالوا: نؤمن بقدر الله تعالى، وأنه سبحانه علم كل ما يعمله العباد، وأنه كتب ذلك، وشاءه، وخلقه، وأن الإنسان ليس مجبرا، بل هو مختار). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «لمحة عن الفرق الضالة» (ص29): (فأول ما حدث، فرقة: «القدرية»، في آخر عهد الصحابة y، «القدرية»: الذين ينكرون القدر، ويقولون: إن ما يجري في هذا الكون ليس بقدر وقضاء من الله تعالى، وإنما هو أمر يحدث بفعل العبد، وبدون سابق تقدير من الله تعالى، فأنكروا: «الركن السادس»، من أركان الإيمان، لأن أركان الإيمان؛ ستة: «الإيمان بالله»، و«ملائكته»، و«كتبه»، و«رسله»، و«اليوم الآخر»، و«الإيمان بالقدر خيره وشره»، كله من الله تعالى.
* وسموا: «بالقدرية»، وسموا بـ«مجوس»، هذه الأمة، لماذا ؟.
لأنهم يزعمون: أن كل واحد يخلق فعل نفسه، ولم يكن ذلك بتقدير من الله تعالى، لذلك أثبتوا: «خالقين»، مع الله: كـ«المجوس» الذين يقولون: «إن الكون له خالقان: «النور والظلمة»، النور: خلق الخير، والظلمة: خلقت الشر».
* «القدرية» زادوا على المجوس، لأنهمأثبتوا خالقين متعددين، حيث قالوا: «كل يخلق فعل نفسه»، فلذلك سموا: «بمجوس هذه الأمة».
* وقابلتهم: «فرقة الجبرية» الذين يقولون: إن العبد مجبور على فعله، وليس له فعل ولا اختيار، وإنما هو كالريشة التي تحركها الريح بغير اختيارها.
* فهؤلاء يسمون: بـ«الجبرية»، وهم: «غلاة القدرية»، الذين غلوا في إثبات القدر، وسلبوا العبد الاختيار.
والطائفة الأولى: منهم على العكس، أثبتوا اختيار الإنسان، وغلوا فيه، حتى قالوا: إنه يخلق فعل نفسه مستقلا عن الله، تعالى الله عما يقولون.
* وهؤلاء يسمون بـ«القدرية النفاة». ومنهم: «المعتزلة»، ومن سار في ركابهم).اهـ
فالقدرية الجبرية: يقولون، أن الله تعالى، يجبر العبد على الفعل، والعبد: مجبور، وهم: مشركون، لأنهم: أشركوا في توحيد العبادة.
قال تعالى: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[ [الأنعام:148]؛ حيث زعموا: أن الله تعالى أجبرهم، وأنهم: لا يملكون، أي: قدرة مؤثرة، واختيار حقيقي.
قلت: فهذا باب شرك، فتح على الناس: وهو نفي القدر.
* فاتقوا هذا القدر، فإنه: شعبة من: «المجوسية».
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج3 ص370)؛ سياق ما روي عن النبي r، في أن أول شرك: يظهر في الإسلام، القدر.
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج3 ص374)؛ سياق ما روي عن النبي r، في النهي عن الكلام في القدر.
* والقدرية، هؤلاء: مشركون بالله تعالى، وقد كفروا، فأحبط الله تعالى عملهم في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ]لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر:65].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج14 ص835): (فالجملة: موزعة على كل واحد، وليس للرسول r فقط، فكل واحد أوحي إليه هذه الجملة: ]لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر:65]). اهـ
قلت: لئن أشرك العبد، ليحبطن عمله، بسبب الشرك.
قال تعالى: ]وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون[ [يوسف:106].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص8377): (قال البخاري /: «وما ذكر في خلق أفعال العباد وأكسابهم»، وذكر هنا خلق الأفعال؛ لأن من أهل القبلة من أشرك في خلق الأفعال، وهم: «القدرية»، فقالوا: إن الإنسان خالق عمله وكسبه، فأخرجوا قسما من الحوادث عن خلق الله عز وجل، وجعلوا أفعال الناس، والمواشي، وغيرها، كلها خارجة عن خلق الله تعالى؛ ولهذا سماهم النبي r: «مجوس هذه الأمة»([79])؛ لمشابهتهم: «للمجوس المشركين»؛ لأن المجوس المشركين يقولون: إن الحوادث لها خالقان: «ظلمة، ونور»، فالشر: خالقه الظلمة، والخير: خالقه النور.
وهؤلاء القدرية يقولون: الحوادث التي تكون في الكون منها ما يخلقه الله تعالى، وهو فعله، ومنها ما يخلقه غير الله تعالى، وهو فعل العباد؛ ولهذا ذكر المؤلف / هذه المسألة: في «خلق أفعال العباد»؛ في: «باب قول الله تعالى: ]فلا تجعلوا لله أندادا[ [البقرة:22]»؛ ردا على: «المعتزلة» الذين قالوا: إن الإنسان خالق عمله وكسبه، فيكونون بذلك: مشركين جاعلين لله أندادا). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص837): (واستدل عكرمة / لكونهم مؤمنين بالربوبية؛ بقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله[ [الزخرف:87]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله[ [لقمان:25]، والمؤلف / ما ساق الآية على أنها آية، بل هي من قول عكرمة /، يعني: أن هؤلاء يقرون بالربوبية، وأن خالق السموات والأرض، وخالقهم هو: الله عز وجل، لكنهم يعبدون غيره، وهذا شركهم.
* وكذلك يوجد من يؤمن بالله وهو مشرك، فمن كان همه المال فهو: مؤمن بالله مشرك؛ لأن الرسول r قال: «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط»([80])؛ فسماه الرسول r: عبدا، فالذي يؤثر المال على الأعمال الصالحة -وإن عملها- يعتبر: مشركا، عابدا لها، كما قال النبي r، وهذا نقول في حقه: ]وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون[ [يوسف:106].
* وكذلك إنسان تقلد وترا، أو علق تميمة محرمة، نقول له: ]وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون[ [يوسف:106]). اهـ
قلت: فالذي يؤثر الدنيا على عبادة الله تعالى، وإن كان يعبد الله تعالى، يعتبر: مشركا، عابدا للدنيا، فما بالك، بـ«القدرية» الذين يعبدون الله تعالى بالاعتقادات الباطلة، فهؤلاء: أقرب إلى الشرك، لمشابهتهم، «للمجوس المشركين»، لأن المجوس المشركين، يقولون: إن الحوادث، لها خالقان: «ظلمة، ونور»، فالشر: خالقه الظلمة، والخير: خالقه النور.
* وهؤلاء القدرية: يقولون، الحوادث التي تكون في الكون؛ منها: ما يخلقه الله تعالى، وهو فعله؛ ومنها: ما يخلقه غير الله تعالى، وهو فعل العباد.
قال تعالى: ]فلا تجعلوا لله أندادا[ [البقرة:22].
قلت: فهذا رد على الذين يزعمون، أن للعالم خالقين، فيتعلق: بتوحيد الربوبية.([81])
عن قتادة قال: قال أحمد بن يحيى بن ثعلب: (ولا أعلم عربيا: قدريا، قيل له: يقع في قلوب العرب: القول بالقدر؟ فقال: معاذ الله، ما في العرب؛ إلا مثبت القدر: خيره وشره: أهل الجاهلية، والإسلام، ذلك في أشعارهم، وكلامهم: كثير بين، ثم أنشد:
تجــري المقــادير على غـرز الإبر |
|
|
فمــــا تنفــــــــــذ الإبرة إلا بقــــــــدر).([82]) |
وقال الحافظ اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص511): وقال بعض رجاز الجاهلية:
هي المقـــادير فلمني أو فــــــــــذر |
|
|
إن كنت أخطــأت فمـــا أخطـــأ القـــدر |
وبوب الإمام البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص823)؛ باب: قول الله جل ذكره، عن أهل النار، من الكفار، والمشركين، وعبدة الأوثان.
* والشاهد منه: الرد على: «القدرية»، الذين أخرجوا، أفعال العباد عن قدر الله تعالى، وبيان أن العرب في الجاهلية: على كفرهم، وضلالهم: لم ينكروا القدر.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص839): (والشاهد: أن الله تعالى خالق، أفعال العباد؛ لأنه خلق كل شيء). اهـ
عن حميد بن أبي حميد الطويل قال: قرأت، القرآن: كله على الحسن البصري، من قبل أن يموت بسنة، وكان يفسر القرآن على الإثبات، فسألته، عن قوله تعالى: ]كذلك سلكناه في قلوب المجرمين[ [الشعراء:200]؛ قال: (الشرك). ([83])
* فالقدرية الجبرية: زعمت أن العبد: مجبور ليس له إرادة، ولا اختيار، ولا قدرة مؤثرة. ([84])
* فالخلق والإيجاد: مبني على الحكمة، وأما العبد، فهو الذي باشرها، وفعلها؛ باختياره، وتسبب فيها، فصارت ضررا عليه.
وهذا هو معنى: قول النبي r: (والشر ليس إليك) ([85])؛ فأفعال الله تعالى، كلها: خير.
قال تعالى: ]صم بكم عمي[ [البقرة: 18].
عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]صم بكم عمي[ [البقرة: 18]؛ قال: (لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه). ([86])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص220): (قوله: «وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم».
* «للعباد قدرة على أعمالهم وإرادة»؛ خلافا: «للجبرية»، القائلين: بأنهم لا قدرة لهم، ولا إرادة، بل هم: مجبرون عليها.
* «والله خالقهم، وخالق إرادتهم وقدرتهم»؛ خلافا «للقدرية»، القائلين: بأن الله ليس خالقا لفعل العبد، ولا لإرادته وقدرته.
* وكأن المؤلف يشير بهذه العبارة إلى وجه كون فعل العبد مخلوقا لله تعالى؛ بأن فعله صادر عن قدرة وإرادة، وخالق القدرة والإرادة هو: الله، وما صدر عن مخلوق؛ فهو مخلوق.
ويشير بها أيضا: إلى كون فعل العبد اختياريا، لا إجباريا؛ لأنه صادر عن قدرة وإرادة؛ فلولا القدرة والإرادة؛ لم يصدر منه الفعل، ولولا الإرادة؛ لم يصدر منه الفعل، ولو كان الفعل إجباريا؛ ما كان من شرطه: القدرة والإرادة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية الكبرى» (ص537): (وكقول القدري([87]): من اعتقد أن الله تعالى؛ أراد الكائنات، وخلق أفعال العباد: فقد سلب العباد القدرة والاختيار، وجعلهم: مجبورين؛ كالجمادات التي لا إرادة لها، ولا قدرة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص842): (إذن القدرية: قالوا؛ إن أفعال العبد، بإرادة منه مستقلة، وليست داخلة: تحت مشيئة الله تعالى، ولا قدرته). اهـ
وقال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان في «إتحاف القاري» (ص524): (هذا مذهب أهل السنة والجماعة: الإيمان بالقضاء والقدر؛ بهذه المراتب الأربع، المخالفون لهم على فرقتين:
الفرقة الأولى: القدرية النفاة: الذين ينفون القدر، ويقولون: كل واحد يخلق فعل نفسه، ولم يقدره الله عليه، وإنما هو الذي فعله مستقلا، وهذا قول: «المعتزلة»، ومن وافقهم.
الفرقة الثانية: القدرية المجبرة: الذين يغلون في إثبات القدر، ويقولون: العبد ليس له اختيار، ولا إرادة ولا فعل، وإنما هو فعل الله فيه، فهو كالريشة يحركها الهواء، وكالميت بيد الغاسل: مجبر ليس له اختيار، هؤلاء يسمون المجبرة، غلوا في إثبات القدر، والعياذ بالله، حتى سلبوا العبد من اختياره وأفعاله، وجعلوه مجبرا على أفعاله، لا يصلي باختياره، ولا يزني باختياره، ولا يزكي باختياره، ولا يأخذ الربا باختياره، وإنما هو مجبر، كل واحد عندهم مجبر، هذا قول: «الجبرية»). اهـ
وعن أبي بكر محمد بن أحمد بن الحجاج المروذي قال: سمعت أبا عبد الله: أحمد بن حنبل، في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم[ [الأحزاب:7]؛ هو حجة على: «القدرية» قال: ]ومنك ومن نوح[ [الأحزاب:7]؛ قدمه على نوح، قال: هذه حجة عليهم). ([88])
وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج3 ص1030): (لعل أحمد أراد: «القدرية» المنكرة للعلم بالأشياء قبل كونها؛ وهم: غلاتهم الذين كفرهم السلف، وإلا فلا تعرض فيها لمسألة خلق الأعمال). اهـ
قلت: كذلك كفر السلف، بقية: «القدرية»، فتنبه.
* فالمعتزلة: في أصولها «القدرية»، هي امتداد:: «للقدرية» التي ابتدعها: «معبد الجهني»، و«غيلان الدمشقي»، ومن اقتدى بهما.
* وقد توسعت المعتزلة، بعد ذلك: في موضوع: «القدر»، حتى جعلوه أصلا، من أصولهم: الخمسة، وأسموه بالعدل، وتمدحوا بالتسمية به.
وقد عرفوا: «العدل»، بأنه تعالى، لا يفعل القبيح، ولا يختاره، ولا يخل بما هو واجب عليه، وأن أفعاله كلها حسنة، وقد زعموا أن العقل، هو الذي قادهم إلى ذلك، ودفعهم إليه، وأما نصوص الكتاب، والسنة، فلا دخل لها في شأن: «العدل».([89])
قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في كتابه: «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة» (ص141): (فأما الكلام في العدل، فالعقل يدل عليه.
* وذلك؛ لأنه تعالى إذا كان علم بالقبيح، وغنيا عنه، لأن الحاجة إنما تصح على من يشتهي، ويتغذى، وتصح عليه الزيادة والنقصان، ومن هذا حاله لا يجوز أن يختار القبيح، ولولا ذلك لما حصل الثقة بكلامه، وقوله). اهـ
قلت: وقد دفعهم ذلك نفي: «قدر الله تعالى»، وعدم إثباته.
قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في «شرح الأصول الخمسة» (ص776): (والذين يثبتون: «القدر»، هم: المجبرة.
* فأما نحن، فإنا ننفيه، وننزه الله تعالى عن أن تكون الأفعال بقضائه، وقدره).اهـ
أما تلقيهم عن المجوس: «فالمعتزلة» في «القدر»، أشبهوا: «المجوس»، وهم: مجوس هذه الأمة؛ لأنهم: «قدرية نفاة»، و«القدرية»؛ هم: مجوس هذه الأمة، و«المعتزلة»: صاروا إلى مذهب: «القدرية».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص215): (ولهذا: كان «المعتزلة»، ونحوهم من القدرية: مجوس هذه الأمة). اهـ
* ذلك: أن «المجوس الثنوية المشركين»؛ يزعمون: أن للخلق، إلهين، اثنين.
أحدهما: خالق الخير، والنور.
والثاني: خالق، الشر، والظلمة.
* فقالت «القدرية المعتزلة»، بأن الله تعالى، لم يقدر؛ إلا الخير فقط، وأن الإنسان: هو الفاعل للشر، استقلالا، ولم يقدره الله تعالى.
وآخرون قالوا: بأن أفعال الإنسان كلها مقدورة له، وليس الله تعالى خالقها، فجعلوا الإنسان: خالقا، مع الله تعالى، وهذا موافق، لقول: «المجوس الثنوية»، بل هو مأخوذ عنه.
* لذلك: سموا: «الثنوية».([90])
* فزعموا: أن المعاصي، والكفر: سببه العبد، وإن كان الله تعالى، خالق لها.
والخلاف المشهور: مع «القدرية»، ويسمون: «القدرية النفاة».
* والقدر: أصل من أصول: الإيمان، التي لا يقوم الإيمان، ولا يستقيم؛ إلا بها، وقد سبق ذكر ذلك.
فإن أصول الإيمان وأركانه ستة؛ وهي:
الأول: الإيمان بالله.
الثاني: الإيمان بالملائكة.
الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة.
الرابع: الإيمان بالرسل.
الخامس: الإيمان باليوم الآخر.
السادس: الإيمان بالقدر: خيره وشره.
* واستبدل: «القدرية المعتزلة»([91])، هذه الأصول؛ بأصول أخرى، وهي عندهم: «الأصول خمسة»، وهي:
1) التوحيد.
2) العدل، ويقصدون به نفي القدر.
3) المنزلة([92]) بين المنزلتين، ويقصدون: أن الفاسق، فاعل الكبيرة، لا مؤمن، ولا كافر، بل في منزلة بينهما، بين الإيمان، والكفر.
4) إنفاذ الوعيد، وهو الوعد، والوعيد.
5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* وكل أصل من هذه الأصول، ستروا تحته؛ معنى: باطلا.
1) فستروا تحت: «التوحيد»، نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة!.
2) وستروا تحت: «العدل»، التكذيب بالقدر، يعني: يقصدون به نفي القدر، وأن الله لا يحل له أن يهدي: ضالا، ولا أن يضل: مهتديا!.
3) وستروا تحت: «المنزلة بين المنزلتين»، القول: بأن العاصي: مرتكب الكبيرة، خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر!، يعني: لا هو مؤمن، ولا هو كافر، بل في منزلة: بين المنزلتين.
4) وستروا تحت: «إنفاذ الوعيد»، القول: بخلود العصاة في النار بالمعاصي!.
5) وستروا تحت: «الأمر بالمعروف»، إلزام غيرهم: بأرائهم، واعتقاداتهم الباطلة.
وستروا تحت: «النهي عن المنكر»، الخروج على ولاة الأمور، بالمعاصي. ([93])
فهذه أصول المعتزلة الفاسدة.
* الجبرية الأشاعرة:
زعموا، أن الله تعالى خلق، وأراد أفعال العباد، وخلق لهم: إرادة، وقدرة، ولكن لا تؤثر في الفعل، بل التأثير كله لله تعالى، وليس للعبد تأثير، واختيار.
قلت: وهذا هو الجبر بعينه، ولا أرى الفرق، بين: «الجبرية»، ومتأخريهم، من: «الأشاعرة»، إلا خلافات لفظية، فيما بينهم، وإلا «الأشاعرة»: «جبرية» في القدر. ([94])
* فالجبريون، والمتأخرون، من «الأشاعرة»، الخلاف بينهم: هو لفظي.
لأن الجهمية قالت: ليس للعبد قدرة، والأشاعرة قالت: له قدرة، ولكن غير مؤثرة.
* لذلك لا يوجد فرق، بين الفرقتين في ذلك، فافهم لهذا.
فالجبرية الأشاعرة:
مذهبهم: أن الله خلق، وأراد أفعال العباد، وخلق لهم إرادة، وقدرة، ولكن لا تؤثر في الفعل، بل التأثير كله لله تعالى، وليس للعبد تأثير، واختيار. ([95])
* فظنوا: أن إثبات قدرة مؤثرة، وإرادة، وفعل، واختيار حقيقي: إخراج لها من أن تكون مقدرة لله تعالى، وأنها بمشيئته، وأنها مخلوقة.
* فما المانع: أن يكون الله خلق العبد، وجعل له من القدرة المؤثرة، والإرادة الحقيقية.
وأن يكون العبد له الاختيار والإرادة المؤثرة، والحقيقية في الفعل.
ولكن تجري بعلم الله تعالى، وتقديره، وخلقه، ولم يجبره الله تعالى على شيء.
* والأشاعرة: لا يزال قولهم، في القدر على: «مذهب الجبرية»، يقولون: (من نظر إلى الخلق، بعين الحقيقة، عذرهم، ومن نظر لهم: بعين الشريعة، مقتهم، فالعبد مجبور في صورة: مختارة). ([96])
قلت: وهذا هو «الجبر» بعينه، ولا أرى الفرق، بين: «غلاة الجبرية»، ومتأخريهم من «الأشاعرة»، إلا خلافات لفظية.
* القدرية: هم النفاة، وغالبا: ما يطلق هذا الاسم: على «المعتزلة».
* والمجبرة: هذا الاسم في الغالب، يطلق على: «الغلاة» في إثبات «القدر»، ومن يسلبون الإنسان حرية الاختيار، وهؤلاء: هم «الجبرية».
قال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ج1 ص199): (كل دليل صحيح: «للجبرية»، إنما يدل على إثبات قدرة الرب تعالى ومشيئته، وأنه لا خالق غيره، وأنه على كل شيء قدير، لا يستثنى من هذا: العموم، فرد من أفراد الممكنات، وهذا حق، وليس معهم: دليل صحيح، ينفي أن يكون العبد قادرا، مريدا، فاعلا، بمشيئته، وقدرته، وأنه الفاعل حقيقة، وأفعاله، قائمة به، وأنها فعل له لا لله، وأنها قائمة به لا بالله تعالى).اهـ
قلت: فالحجة قائمة على: «القدرية» الذين ينفون قدرة الرب سبحانه، على كل شيء من الأعيان، والأفعال، وينفون عموم: مشيئته، وخلقه.
* فهم: مثبتون للقدر، والخلق في العبد، فالعبد الذي يخلق، ويقضي، ويقدر: القضاء والقدر.
فهذه المخالفة: أثبتوا القضاء، والقدر، والخلق، الذي هو من خصائص الله تعالى، للعبد المخلوق المقدر، فاستحقوا: بهذا الإثبات الباطل: تسميتهم: بـ«القدرية».
قلت: «فالقدرية»، مثبتة للقدر الذي هو من خصائص الرب، وأفعاله، للعبد: وجعلوها له.
* وفي «القدرية المعتزلة»، صفة تشابه: «المجوس»، لا توجد في غيرهم، وبهذه العلة الجامعة، استحقوا: أن يسموا: «مجوس الأمة»، وقد سبق ذلك بالتفصيل.
* وهذه العلة المشتركة، بين: «المجوس»، و«القدرية»: هي أن: «المجوس» ادعت، أن للعالم: والكون: «خالقين»، «خالق الخير»، و«خالق الشر»، وأن: «المعتزلة» ادعت أن العالم له خالق، غير الله تعالى، وأن العباد يخلقون، أفعالهم، من خير وشر، فوجدت العلة في «القدرية»، وهذا السر الجامع، بين: «المجوسيتين».
* والقدرية النفاة: يسمون: «بالمجوسية»، وهم: الذين نفوا أن يكون الله تعالى، خلق أفعال العباد.
وسموا: «مجوسية»؛ لأنهم: شابهوا «المجوس» في القول بتعدد الخالق.
فقالوا: كل واحد يخلق فعل نفسه.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «لمحة عن الفرق الضالة» (ص29): (فأول ما حدث، فرقة: «القدرية»، في آخر عهد الصحابة y، «القدرية»: الذين ينكرون القدر، ويقولون: إن ما يجري في هذا الكون ليس بقدر وقضاء من الله تعالى، وإنما هو أمر يحدث بفعل العبد، وبدون سابق تقدير من الله تعالى، فأنكروا: «الركن السادس»، من أركان الإيمان، لأن أركان الإيمان؛ ستة: «الإيمان بالله»، و«ملائكته»، و«كتبه»، و«رسله»، و«اليوم الآخر»، و«الإيمان بالقدر خيره وشره»، كله من الله تعالى.
* وسموا: «بالقدرية»، وسموا بـ«مجوس»، هذه الأمة، لماذا ؟.
لأنهم يزعمون: أن كل واحد يخلق فعل نفسه، ولم يكن ذلك بتقدير من الله تعالى، لذلك أثبتوا: «خالقين»، مع الله: كـ«المجوس» الذين يقولون: «إن الكون له خالقان: «النور والظلمة»، النور: خلق الخير، والظلمة: خلقت الشر».
* «القدرية» زادوا على المجوس، لأنهم أثبتوا خالقين متعددين، حيث قالوا: «كل يخلق فعل نفسه»، فلذلك سموا: «بمجوس هذه الأمة».
* وقابلتهم: «فرقة الجبرية» الذين يقولون: إن العبد مجبور على فعله، وليس له فعل ولا اختيار، وإنما هو كالريشة التي تحركها الريح بغير اختيارها.
* فهؤلاء يسمون: بـ«الجبرية»، وهم: «غلاة القدرية»، الذين غلوا في إثبات القدر، وسلبوا العبد الاختيار.
والطائفة الأولى: منهم على العكس، أثبتوا اختيار الإنسان، وغلوا فيه، حتى قالوا: إنه يخلق فعل نفسه مستقلا عن الله، تعالى الله عما يقولون.
* وهؤلاء يسمون بـ«القدرية النفاة». ومنهم: «المعتزلة»، ومن سار في ركابهم
هذه فرقة القدرية بقسميها:
1) الغلاة في النفي.
2) والغلاة في الإثبات.
وتفرقت «القدرية» إلى فرق كثيرة، لا يعلمها إلا الله؛ لأن الإنسان إذا ترك الحق فإنه يهيم في الضلال، كل طائفة تحدث لها مذهبا، وتنشق به عن الطائفة التي قبلها، هذا شأن أهل الضلال؛ دائما في انشقاق، ودائما تحدث لهم أفكار، وتصورات مختلفة متضاربة.
أما أهل السنة والجماعة؛ فلا يحدث عندهم اضطراب ولا اختلاف، لأنهم متمسكون بالحق الذي جاء عن الله سبحانه وتعالى، فهم معتصمون بكتاب الله، وبسنة رسوله r؛ فلا يحصل عندهم افتراق ولا اختلاف، لأنهم يسيرون على منهج واحد).اهـ
* وأسباب الضلال في القدر: عند الفرق، هو عدم ضبط هذه المسألة، وعدم التفريق: بين الإرادة الكونية القدرية الموافقة للمشيئة، والإرادة الشرعية الدينية الموافقة للمحبة، والرضا، واعتقادهم: أن المحبة، والإرادة: شيء واحد.
* وضلال: «القدرية»، المتأخرة، أنهم: أثبتوا: العلم السابق، وأنكروا: «المشيئة»، و«الخلق»، لأفعال العباد. ([97])
كان إمامهم: «واصل بن عطاء»، وأتباعه؛ هم: «عمرو بن عبيد»، و«معمر بن عباد السلمي»، و«أبو هذيل العلاف»، و«أبو علي الجبائي»، و«الجاحظ»، و«النظام»، و«أبو هشام الجبائي»، و«بشر بن معمر المريسي»، و«أحمد بن أبي دؤاد»، و«عبد الجبار الهمذاني»، وغيرهم.
* وقد أحدثوا البدع في الاعتقاد، غير: «القدر»، مثل: إنكار الصفات، وغير ذلك.
* القدرية الأولى: وهم الذين ينكرون علم الله تعالى، لا وجود لهم اليوم، لكن يوجد من يتبعهم في: «القدر»، فهم: لا يزالون إلى اليوم، وإذا أطلق، لفظ: «القدرية»، انصرف إليهم، وهم: «مجوس هذه الأمة».
* فأصول القدرية الأولى، هي موجودة في هذا العصر، سواء: أنكروا مرتبة: العلم السابق، أو غيرها، فهم: «مجوس هذه الأمة»، في هذا العصر، كما تقدم.
* فيوجد مذهب: «القدرية المعتزلة»، في «الفرقة الزيدية»، وهم موجودون الآن في اليمن.
ولا يزال: إمامهم، الآن، وهو مجد الدين: وهو قدري، معتزلي، زيدي، ولا يخالف: «المعتزلة»، إلا في الإمامة.
* وكذلك: «الرافضة»، فهم: «قدرية»، ولا يزالون إلى الآن، ويدرسون مذهبهم، و«مذهب القدرية»، في جامعاتهم، ومدارسهم.
قلت: ويسمون: «قدرية»، و«مجوسية»، و«نفاة القدر».
* فهؤلاء: كانوا متأثرين بـ«القدرية الأولى»، في أصل نفي القدر، إذا فـ«القدرية» لها وجود إلى الآن.
* والخلاف المشهور: مع «القدرية»([98])، وهؤلاء: ضلوا في «القدر» فنفوا عموم: «مشيئة» الله تعالى، لكل شيء، ونفوا: عموم «خلقه»، فزعموا، أن العبد هو المحدث: للمعصية، كما أنه هو المحدث: للطاعة، وعندهم: أن الله تعالى، ما أحدث: هذا، ولا هذا، بل أمر بالطاعة، ونهى عن المعصية. ([99])
* والقدرية؛ فرقتان:
الفرقة الأولى: تنكر علم الله تعالى، بالأشياء قبل وجودها، وتزعم أن الله تعالى، لم يقدر الأمور أزلا، ولم يتقدم علمه بها، وإنما يعلمها حال وقوعها.
* وقد صرح الأئمة: بكفر هذه الفرقة، التي تنكر علم الله تعالى، وممن نص على: كفرهم، الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم. ([100])
الفرقة الثانية: وهم الذين يقرون، بعلم الله تعالى السابق، وكتابة المقادير، وينكرون عموم: قدرته، وإرادته لأفعال العباد، يعني: ينكرون عموم: المشيئة والخلق، وهم: جمهور القدرية.
* وينتحل هذا المذهب الباطل، الآن جميع، من ينتحل: مذهب «المعتزلة»، من: «الإمامية»، و«الزيدية»، وغيرهم. ([101])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص150): (وهذه الدرجة ([102]): يكذب بها عامة: «القدرية»، الذين سماهم: النبي r؛ مجوس هذه الأمة، ويغلو فيها: قوم من أهل الإثبات، حتى سلبوا العبد قدرته، واختياره ([103])، ويخرجون عن أفعال الله تعالى، وأحكامه، حكمها، ومصالحها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص384): (ولكن لما: اشتهر الكلام في القدر، ودخل فيه: كثير من أهل النظر والعبادة، صار: جمهور «القدرية»، يقرون: بتقدم العلم، وإنما ينكرون: عموم المشيئة والخلق). اهـ
* فـ«القدرية المجوسية»، أو «القدرية المعتزلة»، وهم كل من كذب بالقدر، وادعى، أن أفعال المخلوق، ليست: بـ«قدر»، فهم: «قدرية مجوسية».
وسموا القدرية: لأنهم ينفون «القدر» عن الله تعالى، ويثبتونه، لأنفسهم، يعني: «للمخلوق»، وهم أحق الفرق بهذه التسمية.
وسموا مجوسية: لأنهم شابهوا: «المجوس»، في إثبات خالق مع الله تعالى، وهذا شرك في الربوبية.
فقالت المجوس: خالق: «الخير»، غير خالق: «الظلمة».
وقالت القدرية: أن أفعال العباد، وخصوصا الشريرة، والمعاصي، ليست من خلق الله تعالى، بل العباد، هم: الذين يخلقونها، ويقدرونها، من دون الله تعالى. ([104])
* وسموا بـ«القدرية»؛ لإنكارهم: «القدر»، المتعلق بأفعال المخلوقين، وإنكار، أن يكون الله تعالى: خلق أفعال العباد وقدرها، ونسبتها إلى المخلوق، وإضافتها إليه: إضافة إيجاد، وخلق، واستقلال.
* فصاروا: بهذا القول قد أثبتوا: خالق مع الله تعالى، فوقعوا في الشرك في الربوبية؛ مثل: «المجوس»، ولهذا سموا: «مجوس هذه الأمة».
قلت: فهم في الحقيقة: هربوا من شيء، فوقعوا فيما هو: شر منه.
قال الإمام البخاري / في «خلق أفعال العباد» (ص42): (حركاتهم، وأصواتهم، واكتسابهم، وكتابتهم: مخلوقة). اهـ
* اللوازم الفاسدة في مذهب القدرية؛ عموما:
1) وجود خالق، غير الله تعالى، وهو العبد الخالق لفعله، وحصول أمور خارجة عن ملكه.
2) الشرك في الربوبية، كالمجوس، ولازمه الكفر الأكبر.
3) إنكارهم مرتبتي: «المشيئة»، و«الخلق»، المتعلقة، بأفعال العباد.
* فالله عندهم لم يقدر أفعال العباد، ولم يشأها، ولم يخلقها.
4) عندهم العباد، هم: الخالقون لأفعالهم.
5) أن الله تعالى لم يضل أحدا، ولا يهدي أحدا.
6) أنكروا أن يخلق الله تعالى، الشر، وأفعال العباد، والكفر.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على الإرادة الربانية،
وأقسامها في الشريعة المطهرة
المسألة الأولى: الإرادة الربانية في القدر:
مما يجب معرفته؛ أن الإرادة الربانية: تنقسم إلى قسمين: «قدرية»، و«شرعية»، ويتبع هذا الأصل القضاء وملحقاته؛ مثل: الأمر، والكتابة، وغيرها، ومما ينبغي معرفته أن عدم اعتقاد هذا التقسيم يوجب الضلال في القدر.
المسألة الثانية: أقسام الإرادة:
القسم الأول: الإرادة الكونية القدرية:
* أسماؤها:
* تسمى بالكونية: نسبة إلى الكون؛ أي: الوجود، فلا بد من وجودها.
* وتسمى قدرية: نسبة للقدر، وتعلقها به.
* وتسمى وجودية: أي أنها موجودة، ولا بد من وقوعها.
* وتسمى خلقية: لأنها مرتبط بالخلق، فهي: بمعنى المشيئة المستلزمة للخلق، وهذه الإرادة لا تستلزم المحبة.
* حقيقتها ومعناها:
هذه الإرادة هي بمعنى المشيئة؛ فهي مرادفة لها، ولا يخرج عنها شيء، فالكافر، والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء.
فالطاعات، والمعاصي؛ كلها بمشيئة الله تعالى وإرادته.
* مثالها:
* إيمان: «أبي بكر t»: أراده الله تعالى، وكفر: «أبي جهل»: أراده الله تعالى، وقدره وشاءه، والعكس؛ إيمان: «أبي جهل»: لم يرده الله؛ لأنه لم يقع، وكفر: «أبي بكر t»: لم يرده الله أيضا.
* الأدلة عليها:
1) قوله تعالى: ]وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له[ [الرعد:11].
2) وقوله تعالى: ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا[ [الأنعام:125].
* منكروها:
هذه الإرادة أنكرتها: «القدرية»، واعتمدت عليها: «الجبرية»، دون غيرها.
القسم الثاني: الإرادة الشرعية الدينية:
* أسماؤها:
* تسمى الشرعية: لأنها متعلقة بالشرع.
* وتسمى بالدينية: لأنها متعلقة بالدين.
* وتسمى بالأمرية: لأنها متعلقة بالأمر، وإن كان الأمر؛ على قسمين: «كوني»، و«شرعي»، فهي متعلقة بالأمر الشرعي.
* وتسمى بالتكليفية: نسبة للتكليف.
* حقيقتها ومعناها:
هذه الإرادة: تتضمن محبة الله تعالى ورضاه، وهي متعلقة بالعبادة، وهذه قد لا يتحقق وجودها؛ مثل: الإيمان من: «أبي جهل»: أراده الله تعالى شرعا، ولم يرده كونا، وقدرا، وأما إيمان: «أبي بكر t»: فقد أراده الله تعالى شرعا، وأراده قدرا.
* أدلتها:
قوله تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة:185].
وقوله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم[ [النساء:27].
وقوله تعالى: ]ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم[ [المائدة:6].
* منكروها:
أنكرها الجبرية: وقالوا كل شيء موجود أراده الله كونا، فقد أراده شرعا، وأحبه، ومن ذلك: «الكفر»، و«المعاصي»، وأثبتتها: «القدرية»، وغلوا فيها.
المسألة الثانية: الفرق بين الإرادتين:
1) أن الإرادة الكونية: قد يحبها الله تعالى ويرضاها، وقد لا يحبها، ولا يرضاها؛ مثل: كفر: «أبي جهل»، أما الإرادة الشرعية: فيحبها الله تعالى ويرضاها، فالكونية: مرادفة للمشيئة، والشرعية: مرادفة للمحبة، والرضا.
2) الإرادة الكونية: لا بد من وقوعها، فإذا أراد الله تعالى حصول شيء قدرا، لا بد أن يقع؛ مثل: تقدير المعاصي، أما الشرعية: فلا يلزم وقوعها، فقد تقع، وقد لا تقع، كالإسلام من الكافر يريده الله ولا يقع، ولو كان لا بد من وقوعها، لكان الناس كلهم من المسلمين.
3) أن الإرادة الكونية: متعلقة بربوبية الله تعالى، وأفعاله، وصفاته، وخلقه، والإرادة الشرعية: متعلقة بألوهيته، وعبادته وشرعه.
4) الإرادة الكونية: قد تكون مقصودة لذاتها، وقد تكون مقصودة لغيرها؛ مثل: خلق إبليس، وسائر الشرور: أريدت ليحصل بسببها محاب كثيرة؛ كالجهاد، والتوبة، والاستغفار، فتنقسم الكونية: إلى مرادة لذاتها، ومرادة لغيرها، أما الإرادة الشرعية: فكلها مقصودة لذاتها؛ فالله تعالى أراد الطاعة، وأحبها، وشرعها، ورضيها: لذاتها.
المسألة الثالثة: أنواع الإرادة من حيث وجودها وعدمها:
إما أن توجد الإرادتان، وإما أن تنعدمان، وإما أن توجد إحداهما:
1) اجتمعت الإرادة الكونية والشرعية، في مثل: إيمان «أبي بكر t»، حيث اجتمعت فيه: «الإرادة الكونية»، و«الإرادة الشرعية».
2) وتنتفيان، في كفر المؤمن، فلم يتحقق وجود الإرادتين، حيث لم توجد إرادة الله تعالى بكفره: قدرا، ولم يرده شرعا.
3) وتنفرد الإرادة الكونية، في مثل: كفر الكافر ومعصيته، مثل: كفر: «أبي جهل»، أراد الله تعالى كفره كونا، ولم يرده شرعا.
4) وتنفرد الإرادة الشرعية، في مثل: إيمان الكافر وطاعته؛ مثل: الإيمان من: «أبي جهل» أراده الله تعالى شرعا، ولم يرده كونا.
المسألة الرابعة: أنواع الإرادة من حيث تعلقها بالمحبوب والمراد:
1) إرادة محبوبة لذاتها، مراده سبحانه لذاتها؛ مثل: الطاعات.
2) إرادة محبوبة، ومراده لغيرها؛ مثل: إرادة ومشيئة، الشرور والمعاصي.([105])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطية» (ج2 ص206): (وحينئذ؛ نحتاج إلى أن نقسم الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية:
* فالإرادة الكونية؛ بمعنى: المشيئة، ومثالها قول نوح عليه السلام لقومه: ]ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم[ [هود: 34].
* والإرادة الشرعية؛ بمعنى: المحبة، ومثالها قوله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم[ [النساء: 27].
وتختلف الإرادتان في موجبهما، وفي متعلقهما:
ففي المتعلق: الإرادة الكونية: تتعلق فيما وقع، سواء أحبه أم كرهه، والإرادة الشرعية: تتعلق فيما أحبه، سواء وقع أم لم يقع.
وفي موجبهما: الإرادة الكونية: يتعين فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية: لا يتعين فيها وقوع المراد). اهـ
ومنشأ الضلال في هذا: هو التسوية بين: «الإرادة، والمشيئة»، وبين: «المحبة، والرضا»، وقد بينا في القول الحق الذي تعضده أدلة الكتاب والسنة.
وملخص القول الحق: أن هناك فرقا بين: «الإرادة، والمحبة، والرضى»، إذ أن النصوص دالة على أن كل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وإرادته، وهذا يشمل: «الطاعات»، و«المعاصي»، ثم إن النصوص دلت على أن الله تعالى لا يحب: «الكفر»، ولا «المعاصي»، ولا «الفساد»، وقد اتفقت الأمة على أن الله تعالى يكره: «المنهيات»، دون «المأمورات»، ويحب: «المأمورات»، دون «المنهيات».
* فالطاعات: يريدها الله تعالى من العباد، في «الإرادة» المتضمنة لمحبته لها، ورضاه بها، إذا وقعت وإن لم يفعلها، والمعاصي: يبغضها ويكره من يفعلها من العباد، وإن شاء أن يخلقها، هو لحكمة: اقتضت ذلك، ولا يلزم إذا كرهها للعبد لكونها تضر بالعبد أن يكره أن يخلقها، هو لما فيه من: «الحكمة».
* وكون الإرادة: لا تستلزم المحبة، مما هو مستقر في فطر العقول، وفي واقع الناس، «كإرادة» المريض للدواء الذي يبغضه، وكمحبة: المريض للطعام الذي يضره، ومحبة: الصائم للطعام والشراب الذي لا يريد أن يأكله، ولا يريد أن يشربه، ومحبة: الإنسان للشهوات التي لا يريدها، والتي يكرهها بعقله ودينه، فإذا عقل ثبوت، أحدهما: دون الآخر، وأن، أحدهما: لا يستلزم الآخر، فكيف لا يمكن ثبوت ذلك في حق الخالق تعالى ولله المثل الأعلى. ([106])
* إن هذا كاف في الإجابة على هذا الأمر، ولكن نزيد الأمر وضوحا؛ بإضافة الوجوه التالية:
أن يقال: المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره، فالمراد لنفسه: مطلوب محبوب لله، مرضي له، فما فيه من الخير، فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد، والمراد لغيره: هو المراد بالعرض، وهذا قد لا يكون مقصودا لما يريد، ولا فيه مصلحة بالنظر إلى ذاته، ولكنه وسيلة إلى مقصوده، ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضاؤه وإيصاله إلى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما. ([107])
ومما يوضح ما سبق، ما عقب عليه شيخ الإسلام ابن تيمية /، على هذه المسألة، فقد قال في «منهاج السنة» (ج2 ص37): (وعلى هذا تنبني مسألة: محبة الرب عز وجل نفسه، ومحبته لعباده، فإن الذين جعلوا: المحبة والرضا هو المشيئة العامة، قالوا: إن الرب تعالى لا يحب في الحقيقة ولا يحب، وتأولوا؛ محبته تعالى لعباده: بإرادته ثوابهم، ومحبتهم له: بإرادة طاعتهم له، والتقرب إليه.
ومنهم طائفة كثيرة قالوا: هو محبوب يستحق أن يحب، ولكن محبته لغيره؛ بغيره، بمعنى: مشيئته، وأما السلف، والأئمة، وأئمة الحديث، وأئمة التصوف، وكثير من أهل الكلام والنظر: فأقروا بأنه محبوب لذاته، بل لا يستحق أن يحب لذاته إلا هو، وهذا حقيقة الألوهية، وهو حقيقة ملة إبراهيم عليه السلام، ومن لم يقر بذلك: لم يفرق بين الربوبية والإلهية، ولم يجعل الله معبودا لذاته، ولا أثبت التلذذ بالنظر إليه...
وأما الذين أثبتوا أنه محبوب، وأن محبته لغيره، بمعنى: مشيئته، فهؤلاء ظنوا أن كل ما خلقه: فقد أحبه، وهؤلاء قد يخرجون إلى مذاهب الإباحة، فيقولون: إنه يحب الكفر، والفسوق، والعصيان، ويرضى ذلك، وأن العارف إذا شهد هذا المقام لم يستحسن حسنة، ولم يستقبح سيئة، لشهوده القيومية العامة، وخلق الرب لكل شيء).اهـ
* ومن هذا يتبين أن الانحراف في هذه المسألة؛ مسألة: هل الإرادة مستلزمة للمحبة؟ قد لا يقف عند حد، بل قد يوصل إلى الكفر، وإبطال الشرائع.
* أن الإرادة نوعان: «إرادة»، تتعلق بالأمر، و«إرادة»، تتعلق بالخلق، فالإرادة المتعلقة بالأمر: أن يريد من العبد فعل ما أمره، وهذه الإرادة متضمنة: «للمحبة»، و«الرضا»، وهي: «الإرادة الدينية الشرعية»، وأما «إرادة الخلق»، فأن يريد ما يفعله هو، وهي: «المشيئة»، وهي: «الإرادة الكونية القدرية»، وحينئذ فالطاعة موافقة للأمر المستلزم لتلك: «الإرادة»، فتكون طاعة محبوبة مرضيا عنها، أما المعصية: فليست مرادة لله تعالى بالاعتبار الأول، أي «الإرادة الدينية»، وحين تكون موافقة للنوع الثاني؛ أي: «الإرادة الكونية»، لا تكون طاعة بمجرد ذلك([108])، وبهذا التفصيل في باب: «الإرادة»، تزول كل الإشكالات.
ومما يوضح هذا الأمر أن يقال: الإرادة نوعان: أحدهما: بمعنى «المشيئة»، وهو: أن يريد الفاعل أن يفعل فعلا، فهذه الإرادة المتعلقة بفعله.
والثاني: أن يريد من غيره أن يفعل، فهذه: الإرادة لفعل الغير، وكلا: النوعين مفعول في الناس، وكل من: «الجهمية»، و«القدرية»، قال بنوع واحد فقط، فالجبرية قالوا: بالنوع الأول فقط؛ لأن الأمر عندهم يتضمن: «الإرادة»، والقدرية قالوا: بالنوع الثاني؛ لأن الله عندهم لا يخلق أفعال العباد.
ولكن القول الصحيح: إثبات النوعين من الإرادة، كما أثبت السلف والأئمة؛ لأن الله تعالى أمر الخلق بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم.
* بالوجوه السابقة: يتضح جواب هذا السؤال، فالله تعالى أمر الكافر بالإيمان، وحين أمره هيأ له أسبابه، ففطره على الفطرة السليمة، وبين له طرق الهدى، وأعطاه الإرادة والقدرة على الفعل، ولكن كونه سبحانه لم يرد الإيمان منه كونا، لا يعارض هذا ولا يتناقض معه، وليس فيه حجة لأحد، إذ إن الطاعة هي في موافقة الأمر لا موافقة الإرادة، فتبين بذلك: أن الله قد يأمر الكافر بالإيمان شرعا، ولا يريده منه كونا.
وكذلك؛ فإن الكافر لا يكون مطيعا؛ لأنه فعل ما هو مراد لله كونا؛ لأن الكفر قد نهى الله تعالى عنه، ولا يلزم من كونه تعالى أراد أمرا: أن يكون محبوبا له، وهذا كما أنه تعالى خلق كثيرا من الشرور وهي مبغضة له غير محبوبة، ولكن خلقها لأنها تفضي إلى محبوبات كثيرة، وأقرب مثال إلى ذلك: خلق الله لإبليس لعنه الله الذي هو مادة الفساد في الأديان، والأعمال، والاعتقادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، ومع ذلك فهو: وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، وجودها أحب إليه من عدمها.
منها: إظهار قدرته تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فذات إبليس التي هي أخبث الذوات، في مقابل ذات جبريل التي هي أشرف الذوات.
ومنها: ظهور القهرية من الله تعالى، مثل: القهار، والشديد العقاب.
ومنها: ظهور أسمائه المتضمنة: لحلمه، وعفوه، ومغفرته.
ومنها: حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس ما وجدت، كعبودية الجهاد، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر، ومخالفة الهوى،... إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن تعدادها وحصرها. ([109])
* والمعتزلة القدرية: ينكرون «صفة الإرادة» لله تعالى.
ويقولون: إن الله تعالى مريد بإرادة محدثة، لا في محل، وينفون: أن تكون هذه: «الإرادة» عامة، لكل ما هو حادث، من أفعال العباد.
قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في «المغني في أبواب العدل والتوحيد» (ج6 ص3): (قال شيخنا أبو علي الجبائي([110])، وأبو هاشم الجبائي([111]): ومن تبعهما، أنه تعالى مريد في الحقيقة، وأنه يحصل مريدا بعد ما لم يكن إذا فعل: «الإرادة»، وأنه يريد؛ بـ«إرادة محدثة»، ولا يصح أن يريد لنفسه، ولا بـ«إرادة قديمة»، وأن إرادته توجد لا في محل). اهـ
وقال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في «شرح الأصول الخمسة» (ص440): (واعلم أنه تعالى: مريد عندنا: بـ«إرادة محدثة»، موجودة لا في محل). اهـ
* بل يجعلون «الإرادة» متعلقة: بنوع واحد من أفعال العباد، وهي: الأفعال الواجبة، والمندوبة فقط.
أما ما عداها: فمنها: ما لا يريده، ولا يكرهه، كالمباحات، ومنها: ما لا يريده البتة، بل يكرهه، ويسخطه، وهي المعاصي، والقبائح، فجعلوا: «الإرادة» مستلزمة للأمر، والأمر: دليل على: «الإرادة»، وكل ما أراده الله تعالى: أحبه، ورضيه. ([112])
قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في «المغني في أبواب العدل والتوحيد» (ج6 ص4): (وقال إبراهيم النظام: إن إرادة الله تعالى، إنما هي: فعله، أو أمره، أو حكمه).اهـ
يعني: إرادة الله تعالى لطاعة العباد، هي: أمرهم بها عند: «القدرية».([113])
قال المؤرخ الشهرستاني / في «نهاية الإقدام» (ص243): (ويستحيل كون: الإرادة لا في محل). اهـ
قلت: فالإرادة صفة لله تعالى، والصفة أزلية.
* ويلزم على قولهم: «الله مريد، لا في محل»، أن يكون الله تعالى مريدا، بـ«إرادة قائمة»، لا في ذاته.
* ولو جاز أن يكون تعالى مريدا؛ بـ«إرادة قائمة»، لا في ذاته، لجاز أن يكون عالما، بعلم قائم لا في ذاته، وقادرا بـ«قدرة قائمة»، لا في ذاته، إلى غير ذلك من الصفات، وهذا باطل.
* ويلزم من نفي: «الإرادة» عن الله تعالى، وصفه بالعجز، وهو صفة نقص: تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ووصف الله تعالى بالنقص باطل، فما يؤدي إليه مثله. ([114])
قلت: فقول «المعتزلة»: الله تعالى مريد بـ«إرادة حادثة»، لا في محل: هذا باطل، لأن «الإرادة» صفة ذاتية لله تعالى، وأن إرادته تعالى أزلية قائمة في ذاته تعالى. ([115])
قال تعالى: ]إن الله يحكم ما يريد[ [المائدة: 1].
وعن أنس بن مالك t، أن رسول الله r قال: (وكل الله بالرحم ملكا، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها). ([116])
وعن ابن عمر ﭭ قال: سمعت رسول الله r يقول: (إذا أراد الله بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم). ([117])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص25): (وكذلك: وصف نفسه سبحانه «بالمشيئة» ووصف عبده بالمشيئة.
* وكذلك: وصف نفسه سبحانه «بالإرادة»، ووصف عبده بالإرادة... ومعلوم: أن مشيئة الله تعالى ليست: مثل: مشيئة العبد، ولا إرادته سبحانه؛ مثل: إرادته). اهـ
1) الكوني.
2) والشرعي.
فالإرادة الكونية؛ بمعنى: المشيئة، والإرادة الشرعية؛ بمعنى: المحبة!. ([118])
قلت: فعلى هذا أنكر: «المعتزلة القدرية»، أن يكون ما يقع من العباد: من المعاصي، واقعا؛ «بإرادة» الله تعالى.
والحق في ذلك: أن الله تعالى، موصوف: بـ«الإرادة»، وأن الإرادة الواردة في القرآن الكريم، على نوعين:
النوع الأول: الإرادة الكونية القدرية، وهي بمعنى: «المشيئة» لا يخرج عنها شيء، من أفعال العباد، سواء كان طاعة، أو معصية، خيرا، أو شرا.
* وهي متعلقة بتقديره جل وعلا: وخلقه وهي: دليل كمال ربوبيته، ولا تستلزم: الحب والرضا.
فقد تكون مما يحب الله تعالى، ويرضى؛ كالطاعات الواقعة من عباد الله تعالى الصالحين.
وقد تكون مما لا يحب، ولا يرضى، بل يسخط، ويكره، كالمعاصي، والكفر، ونحوها، الواقعة من العباد.
ومن هذا النوع: قوله تعالى: ]فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء[ [الأنعام: 125]، وقوله تعالى: ]فعال لما يريد[ [البروج: 16]، وقوله تعالى: ]وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها[ [الإسراء: 16].
النوع الثاني: الإرادة الدينية الشرعية، وهي المتعلقة، بإلوهيته سبحانه، وشرعه، وهي مستلزمة؛ لأمره، والأمر دليل عليها، وهي: المتعلقة بحبه، ورضاه.
والدليل عليها: قوله تعالى: ]يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر[ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ]والله يريد أن يتوب عليكم[ [النساء: 27].
* فعلى هذا: ما كان من أفعال العباد، وهو طاعة، وقربة إلى الله تعالى؛ فإنه متعلق؛ بنوعي: «الإرادة الكونية القدرية»، و«الإرادة الدينية الشرعية».
* وما كان من أفعال العباد، وهو معصية، وكفر، وفسق، فهو متعلق بـ«الإرادة الكونية القدرية»، وليس متعلقا بـ«الإرادة الدينية الشرعية» المستلزمة لأمره، وحبه ورضاه.
* فإن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، والمنكر، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد، ولا يحب الخائنين، ولا يحب الظالمين. ([119])
قال تعالى: ]قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف: 28].
وقال تعالى: ]وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون[ [النحل: 90].
وقال تعالى: ]إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر[ [الزمر: 7].
وقال تعالى: ]والله لا يحب الفساد[ [البقرة: 205].
وقال تعالى: ]إن الله لا يحب الخائنين[ [الأنفال: 58].
وقال تعالى: ]والله لا يحب الظالمين[ [آل عمران: 57].
* وهذا فيه رد على: «المعتزلة القدرية»، القائلين: بأن كل ما أراده الله تعالى أمر به، وكل ما أمر به، فهو: يحبه ويرضاه.
* فعليه لزمهم: أن يكون في ملك الله تعالى، ما لا يريده، وهي المعاصي الواقعة من العباد.
* بل أكثر أفعال العباد على هذا واقعة، بغير إرادة الله تعالى، عند: «القدرية».
وهذا فيه الطعن في ربوبية الله تعالى، وسيادته على خلقه.
* وكذلك قول السلف فيه الرد أيضا على: «الجهمية»، ومن تابعهم، من «الأشاعرة»، في عدم تفريقهم بين: «الإرادة»، و«الحب»، و«الرضى»، فجعلوا: كل ما أراده الله تعالى، فهو: لا يكرهه، ويلزمهم على هذا أن الله تعالى، لا يكره: الكفر، والفسق، وهذا باطل مخالف، لنص القرآن، ونص السنة. ([120])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على كشف: «القدرية العصرية»،
في هذا الزمان
اعلم رحمك الله: قد اعتقد أناس من الجهال، أن الفرق القديمة: كـ«المعتزلة»، و«الجهمية»، و«القدرية»، وغيرها، لا وجود لها في العصر الحاضر، بل انتهت منذ زمن قديم.
* وقد وجدت الآن فرق، لم تكن موجودة من قبل: كـ«الشيوعية»، و«الرأسمالية»، و«القاديانية»، و«البهائية»، وغيرها.
* ويزعم هؤلاء: إنه يجب التركيز على دراسة: الفرق الموجودة في وقتنا هذا، والرد عليها، وبيان حكم الإسلام فيها.
* وأما ما سبق من الفرق، فقد انتهت، ولم يعد لها وجود، ومن ثم فلا داعي لدراستها، ولا للرد عليها، والاشتغال بها قتل للوقت، ومضيعة للجهد.
وهذه الأقوال: يردها الاطلاع، بعين فاحصة على الواقع المعاصر، وعلى أحوال الناس وعقائدهم في العالم الإسلامي، وغيره.
* فما من فرق قديمة؛ إلا وهي موجودة الآن، ولها معتنقوها وأتباعها، لم تتغير في آرائها، وعقائدها الأصلية.
* بل إن وجد تغير، ففي بعض المظاهر، أو الجزئيات، أما الأصول: فباقية في أصلها:
«فالنصرانية»، و«اليهودية»، و«المجوسية»، والفرق الأخرى: «الشيعة»، و«الإسماعيلية»، و«الباطنية»، و«المعتزلة»، و«الجهمية»، و«القدرية»، و«الأشاعرة»، و«الزيدية»، و«الصوفية»، وغيرها، لا تزال إلى الآن موجودة، وأتباعها كثر، وكتبها تطبع، ويعتنى بها، ودعاتها: ينشرون، كل ما من سبيله الدعوة إلى مذهبهم، فكيف نقول بعد هذا: إن الفرق القديمة، لا وجود لها الآن.
والفرق الحديثة: وإن كانت لها صفاتها الخاصة، المميزة بها، ولها عقائدها المعروفة بها، إلا أن جذورها كانت موجودة من قديم الزمان.
لذلك؛ لا ننكر أن الفرق البدعية المعاصرة، لها صفات، وخصائص مميزة بها، ولها دعاتها الذين بنوها على أسس، منبعثة من روح، هذا العصر الحديث، وتقدمه العلمي المادي، عن طريق هذه التطورات العالمية، لكنها: هي متأثرة بالفرق القديمة في عقائدها.
* لذلك يجب الرد عليها، وكشفها، ولا بد من نقضها من أسسها القديمة، والحديثة.
ومسألة القدر: في العصر الحاضر، كالعصور السابقة، دخلت في نفوس الناس، وعقائدهم جميعا، ولم توجد ديانة ما إلا وتعرضت، لهذه المسألة، وهي مسألة القدر في حياة العبد، هل هو: حر في أعماله، ومن ثم: فهو مسئول عنها يعاقب عليها، أم أنه غير حر فيها، بل هو واقع تحت الجبر، ومن ثم: فهو معذور في أفعاله، وهو غير مسئول عنها، ولا يعاقب عليها، فتعددت الأقوال في الفرق الضالة في مسألة القدر. ([121])
قلت: فمن فرق: «القدرية»: «الرافضة الإمامية»، وشاركت في نشر: «مذهب القدرية» في هذا العصر.
* وكذلك: «القدرية الزيدية»، ويسمون: «معتزلة» اليمن، وهؤلاء: نشروا: «مذهب القدرية»، بل يعتبر: هو مذهب: «المعتزلة القدرية» في هذا الوقت.
* وحقيقة مذهب: «القدرية الرافضية»، و«القدرية الزيدية»، وهو أن أفعال العباد، من طاعة ومعصية، وخير وشر، وكفر ونفاق، ليست: بقدر الله تعالى.
فالعباد: خلقوها، وقدروها، وليس لله تعالى، في أفعالهم: خلق، ولا تقدير، ولا إرادة، ولا مشيئة.
* بل أراد الله تعالى، منهم: «الإيمان»، وهم: أرادوا الكفر، فكفروا، والله تعالى لا يريد كفرهم، ولم يقدره، ولم يخلقه، مع إقرارهم: أن الله تعالى، قد علمها في الأزل، ولكن لم يخلقها. ([122])
قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في «المغني في أبواب العدل والتوحيد» (ج8 ص3): (من قال إن الله تعالى: خالق أفعال العباد ومحدثها: عظم خطأه). اهـ
* والقول بالقدر في عصرنا الحاضر، له وجود في البلدان، لكنه بمسمى يختلف عن المسمى القديم، فلا يعرفه، إلا من كانت له خبرة بالفرق القديمة، والفرق الجديدة.
* لأن البعض يعتقد، أن الفرق القديمة، كـ«الجهمية»، و«المعتزلة»، و«القدرية»، وغيرها، لا وجود لها في العصر الحاضر، بل عنده انتهت منذ زمن قديم.
* ووجدت بزعمه الآن مذاهب، ونحل لم تكن موجودة، من قبل: كـ«الشيوعية»، و«العلمانية»، و«الرأسمالية»، و«القاديانية»، و«البهائية»، وغيرها.
* حتى زعم: أن هؤلاء، يجب التركيز على دراسة الفرق الموجودة في وقتنا هذا، والرد عليها، وبيان حكم الإسلام فيها.
* وأما ما سبق من الفرق، فقد انتهت، ولم يعد لها وجود في وقتنا هذا، ومن ثم فلا داعي لدراستها، ولا الرد عليها، والاشتغال بها قتل للوقت، ومضيعة للجهد، بدون أية فائدة: تعود على الإسلام، والمسلمين.
قلت: وهذا الكلام كله: باطل، لأنه عند الاطلاع: بعين فاحصة على الواقع المعاصر، وعلى الناس فيه، وعلى عقائدهم في البلدان، فما من فرقة قديمة؛ إلا وهي موجودة في وقتنا هذا، ولها معتنقوها وأتباعها، لم تتغير في آرائها، وعقائدها الأصلية.
* بل إن وجد تغير، ففي بعض المظاهر، والجزئيات، فأما في الأصول، فهي باقية.
* فالنصرانية، واليهودية، والمجوسية، وغيرها، لا تزال إلى الآن موجودة، وأتباعها كثر، وأفكارها موجودة، وكتبها تطبع، ويعتنى بها، ودعاتها ينشرون: كل ما من سبيله الدعوة إلى دينهم الباطل.
* فكيف نقول بعد هذا، إن الفرق القديمة، لا وجود لها الآن في هذا الزمان!.
* والفرق الأخرى: كـ«الشيعة»، و«الإسماعيلية»، و«الصوفية»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة»، وغيرها، لا تزال إلى الآن موجودة، وأتباعها كثر، وأفكارها موجودة، وكتبها تطبع، ويعتنى بها، ودعاتها ينشرون: كل ما من سبيله الدعوة إلى دينهم الباطل.
* فكيف نقول بعد هذا، إن الفرق القديمة، لا وجود لها الآن في هذا الزمان!.
* فالفرق الحديثة، وإن كانت لها صفاتها الخاصة المميزة لها، ولها عقائدها المعروفة، إلا أن جذورها كانت موجودة من القديم، وإن كانت في ظاهرها؛ كأنها وليدة هذا العصر الحاضر.
* ومع هذا: فلا ننكر أن هذه الفرق المعاصرة الوافدة في البلدان الإسلامية، لها دعاتها الذين بنوها على أسس منبعثة من فكر التجديد في هذا العصر، بسبب تقدم هذا العصر العلمي المادي، والتطور العالمي.
* لكن هذه الفرق الحديثة،، هي متأثرة بالفرق التي تقدمتها في القديم، وكذلك: متأثرة بالسياسات الغربية، والدعايات العصرية، فلا بد أن تقع في انحرافات أصولية، وانحرافات فروعية، وهذه ظاهرة موجودة في الفرق الجديدة. ([123])
* ومن ثم: فحين نرد عليها، لا بد من نقضها من أسسها: «القديمة»، و«الحديثة»، فهذه الفرق وأفكارها، لا يمكن الرد عليها، إلا بدراسة: أسسها، عن طريق العلم النافع، بأدلة: الكتاب، والسنة، والأثر.
* حتى يمكن: بدراسة أسسها: «المادية» التي تتقوى بها على انتشارها في العالم، مثل: معرفة «الاقتصادية الشاملة» لها، حتى يمكن نقض هذه الفرق من هذا الجانب أيضا، لإضعافها، لأنها استعملت «المادية»، كوسيلة في أصولها الفاسدة، للوصول إلى المصالح الدينية، والمصالح الدنيوية، وهذا ظاهر من الفرق في البلدان الإسلامية.
* إذا، فدعوى أن هذه الفرق، لا وجود لها الآن، فهذا مردود على قائله.
* ومسألة: «القدر» في العصر الحاضر؛ كالعصور السابقة، دخلت في نفوس الجهلة من الناس، وفي عقائدهم: جميعا، ولم توجد نحلة، أو ديانة؛ إلا وتعرضت، لهذه المسألة في حياة الإنسان:
1) هل هو حر في أعماله، ومن ثم: فهو مسئول عنها، يعاقب عليها.
2) أم أنه غير حر فيها، بل هو واقع تحت ضغط آخر.
* فيختلف الناس في تسميته، ومن ثم، فهو معذور في أفعاله، غير مسئول عنها، ولا يعاقب عليها، فتعددت أقوالهم في مسألة: «القدر». ([124])
وهناك: جماعة نشأت لها فكرة: «الحرية المطلقة»، وأن الإنسان حر، وهو سيد نفسه، من دون مشيئة الله تعالى.
* ولا تتم حرية الإنسان؛ إلا بأن تكون عنده الشجاعة الكافية، للوقوف إزاء كل قيد بأسره، ويمنعه من السعي؛ لتحقيق: حريته الكاملة.
* والشجاعة: التي تعتمد على معطيات الإنسان الذاتية: الإرادة، والعقل، والقوة... فإن التأكيد على حرية الإنسان، في تشكيل مصيره، وصنع قدره الذاتي، وهذا رفض للقضاء والقدر.
* فالحرية عند هؤلاء، هي التي تجمع كافة الاختيار... والاختيار الذي يقوم على الرفض لحكم الدين.
* فهكذا: عندهم، الإنسان: حر تمام الحرية، يفعل ما يشاء، ويتصرف كما يشاء.
قلت: فهؤلاء اضطربت أقوالهم، فلم يهتدوا إلى طريق الحق، والصواب في هذه المسألة الدقيقة.
* ونرى البعض في هذا العصر، من يؤيد: «فرقة المعتزلة»، ويعتقد أنهم: مصيبون، وأن معهم الحق، على ماعندهم من نفي: «القدر»، وغيره.
فنرى عبد الكريم بن عثمان الضال، ينصر مذهب المعتزلة، بقوله في «مقدمة: شرح الأصول الخمسة» (ص35): (المتتبع لحياة: كبار رجال الاعتزال، يجد أن أحدا، لا يجاريهم في هذا الميدان، لأنهم كانوا يعتبرون العمل فيهم واجبهم الأساسي.
* وهكذا: فقد دافعوا عن التوحيد أشد دفاع، ورفضوا أن يتحول القول: بوحدانية الله تعالى، إلى نوع من التجسيم يعود بالمسلمين إلى: وثنية جديدة، ودافعوا عن العدل الإلهي، وأبوا أن يناصروا الباطل، فيرمى الله تعالى بالحيف والظلم، تعالى الله عن ذلك، وأكدوا النبوة، ومعجزاتها في أذهان الناس، خشية أن تضعف تحت ضربات: «البراهمة»، وغيرهم). اهـ
وقال عبد الكريم بن عثمان الضال في كتابه: «قاضي القضاة: عبد الجبار بن أحمد الهمذاني» (ص197)؛ وهو يدافع عن المعتزلة: (وفي رأينا، أن قول المعتزلة، والقاضي في الأفعال، لا يحد من قدرة الله تعالى، ومشيئته.
* ولا يؤدي إلى استقلال العباد في أفعالهم، استقلالا، تاما، عن قدرة الله تعالى.
* وأما أن هذه النظرية لا تؤدي إلى كون العبد: مستقلا في فعله عن الله تعالى، فلأنه هو الذي أقدره على فعله، ومكنه منه، مع هيمنته المطلقة على الإنسان، والمخلوقات جميعا.
* فإن شاء منعه، وإن شاء أمكنه الاستمرار عليه، سواء خالف مراد العبد في التصرف، أو وافقه). اهـ
وقال إبراهيم بن محمد الأزهري الضال في كتابه: «البيان في تصحيح الإيمان» (ص67)؛ بعد أن قرر مذهب المعتزلة، وأيده: (وهذه العقيدة، لا تنقض عقيدة التوحيد، ما دام الإنسان يؤمن بأن قدرة العبد: مخلوقة لله تعالى، وأنه سبحانه: هو الذي وهب له العقل، وملكه التفكير، والحرية المطلقة.
* إذا لا خوف على العقيدة، ولا حرج في أن هذه الأعمال هي للناس، إيجادا، وخلقا، وأي شخص عنده مسكة من العقل، يسمع آيات الوعيد، التي تنذر المخالفين؛ لأمره سبحانه بنار الجحيم، وعذاب السعير.
* ثم يحكم هذا المخطئ، بأن العباد ليس لهم من أعمالهم؛ إلا الاختيار فقط، أو بنوع من الاختيار.
* أما الأعمال، فهي لله تعالى إيجادا، إن هذه سبة تجافي العقل البشري، وعدم تقدير الله حق قدره). اهـ
* وعدنان بن زرزور الضال، في تحقيقه، لكتاب: «متشابه القرآن»، لعبد الجبار الهمذاني (ص4)؛ يرى وجوب نشر: «تراث المعتزلة»، الذين شوهت آراؤهم، على أيدي: «الأشاعرة»، و«دعاة الجبر»، و«التواكل» في العالم الإسلامي.
* ونرى آخرين: يؤيدون «مذهب الأشاعرة»، وآخرين: أيضا، يؤيدون: «مذهب الماتريدية» في موضوع القدر، وغيره.
فهؤلاء: يناصرون: «مذهب الأشاعرة» في «القدر»، ويعتبرونه رأي: أهل السنة والجماعة!؟.
* وهذا: مصطفى صبري الأشعري، في كتابه: «موقف العقل، والعلم، والعالم: من رب العالمين، وعباده المرسلين» (ج3 ص392)؛ الذي كان: ماتريديا، ثم انتقل إلى مذهب الأشاعرة في القدر، يقول: (كنت حين، كنت في تركيا: «ماتريديا»، في مسألة أفعال العباد، كسائر علماء بلادنا.
* وكنت أعرف فضيلة: صديقي الشيخ زاهد الكوثري أيضا: ماتريديا مثلهم، ثم تقرر في نظري: رجحان «مذهب الأشاعرة»، في هذه المسألة، غير ناحية الترجيح، بلا مرجح، على عكس التيار العصري المتوجه، نحو ترجيح المذاهب المضادة، «لمذهب الأشاعرة».
* حتى شرعت في تأليف: «تحت سلطان القدر»، وأنا في تركيا الغربية اليونانية، ثم انتقلت إلى مصر، وانتهيت فيها من تأليفه!). اهـ
وقال مصطفى صبري الأشعري في كتابه: «موقف العقل، والعلم، والعالم» (ج3 ص392)، عن زاهد الكوثري الجهمي: (والآن: أجده: «قدريا»، صريحا، وقد سمعته يقول: إن مذهب: «المعتزلة القدرية»، الذي انقرض رجاله، ما زال يعيش في هذه المسألة، تحت اسم: «الماتريدية»، وفي بعض البلاد، باسم: «الشيعة الإمامية».
* فكنت أفهم: منه أنه يفضل ما في «الاعتزال»، من التفويض الخالص، على اضطراب: «الماتريدية»، وأشباههم). اهـ
وقال محمود شلتوت الأزهري في «الفتاوى» (ص47)؛ وهو يؤيد، مذهب «حرية الاختيار»: (والقدر: بالنسبة، للإنسان معناه: أنه خلقه؛ بإرادة، وحرية، واختيار، فيما كلفه به، من أعمال الخير، والبعد عن أعمال الشر.
* وكل نصوص القرآن، تدل على ذلك دلالة واضحة، واختيار الإنسان: أساس لتكليفه، ومحاسبته، ومحال: أن يكون مجبورا، على فعله، ثم يكلف، ويثاب، أو يعاقب، على ما لا يستطيع صرف نفسه عنه). اهـ
وقال محمد عبده العقلاني في «رسالة التوحيد» (ص75)؛ وهو يؤيد: «مذهب الأشاعرة»: (ودعوى أن الاعتقاد: بكسب العبد؛ لأفعاله: يؤدي إلى الإشراك بالله، وهو الظلم العظيم، دعوى من لم يلتفت إلى معنى: الإشراك، على ما جاء به: الكتاب والسنة). اهـ
وهكذا: تخبطت أقوال المبتدعة في مسألة: «القدر»، حتى شابها الغموض، بسبب جهلهم بالكتاب والسنة.
* علما؛ بأن هناك: من أنكر: «القدر» تماما، بسبب إلحاده في الدين.
وهو عبد الله القصيمي الملحد، حيث يقول في كتابه «الأغلال» (ج2 ص289): (ما هو القضاء والقدر: عند هؤلاء القوم، الذين يلقون، بهذه التعاليم، والأوهام([125]) بين المسلمين، زاعمين لهم أنها، مما يوجبه الإيمان بهما). اهـ
وقال عبد الله القصيمي الملحد: (وإذا الأقدار هي النظام([126])، والكفر: بهذه الأقدار، هو: كفر بالإنسانية، ولا يكفر بالله؛ إلا من كفر بالإنسانية) ([127]). اهـ
* فالقدرية العصرية: وقعت في اعتقاد: «القدرية القديمة»، فيما يلي:
1) الغلو في إثبات الأسباب واستقلالها، من دون الله تعالى، وهم: لا يشعرون بذلك، وهذا اعتقاد: «القدرية».
2) الغلو في إثبات أفعال العباد، وأنها منهم، من دون الله تعالى، وهم: لا يشعرون، وهذا نوع من «الجبر».
3) الغلو في العقل، وتحسينه، وتقبيحه، وهذا ظاهر من العامة، في تعظيمهم للعقل، من دون أدلة الشرع.
4) الغلو في إثبات الحرية، واختيارهم لها، لمنهج حياة، دون أن يشعروا: بتقدير الله تعالى، ومشيئته بذلك.
وهذا الاعتقاد الباطل: انتشر في أوساط كثير من المثقفين في العالم.
5) الغلو في سبق الأحداث([128])، من دون تقدير لها من الله تعالى في علمه السابق، وهذا نوع من نفي علم الله تعالى السابق في التقدير.
6) الغلو في إثبات الإرادة لأنفسهم في أفعالهم([129])، من دون إرادة الله تعالى، وفعله.
7) احتجاجهم بالقدر على فعل معاصيهم، بل وغلوهم في هذا الاعتقاد في القدر؛ وهذا من جنس قوله تعالى: ]لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء[ [الأنعام:148].
8) الغلو في اتخاذهم الأسباب في الحياة، وأن الذي ليس له واسطة؛ لأي: شيء، لا يحصل عليه، إلا بمشيئة هذه الواسطة، من دون مشيئة الله تعالى، وهذا هو الجهل بأحكام القدر.
9) الغلو في اقتحام الشرور، والفتن؛ لإصلاح الأرض زعموا، ونسبوها إلى أنفسهم من فعلهم، من دون تقدير الله تعالى لها في سابق علمه في الأرض، ومن غير مشيئته، وكتابته في الحياة.
10) عندهم أن الإنسان سيد نفسه، وهو حر في جميع أفعاله وتصرفاته، ويعني: ذلك لا سلطان عليه، إلا نفسه الشهوانية في هذه الحياة. ([130])
* فالقدرية: هي التي كانت تثبت للعبد، قدرة على أفعاله([131])، وحرية في اختياره.([132])
* وهناك نظريات غربية، تقول: «بالحرية المطلقة»، وأن العبد حر، وهو سيد نفسه، وهذا فيه رفض للقدر كله، أيما كان هذا القدر، وهذا يسمى: «حرية الاختيار».
* وهذا الاختيار: يقوم على رفض المسؤولية، التي تحد من حريته، وتقف في طريق حركته.
* فالعبد عندهم، هو حر تمام: «الحرية»، يفعل ما يشاء، ويتصرف كما يشاء، ولا إله، ولا قدر، ومن ثم، فلا مسؤولية، ولا عقاب. ([133])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن السلف الصالح؛ كفروا: «القدرية»، بجميع أنواعهم: على مر العصور، وكر الدهور، سواء قالوا: بنفي مراتب القدر كلها، أو بنفي: اثنتين، أو بنفي علم الله تعالى، أو بنفي كتابة الله تعالى، أو بنفي مشيئة الله تعالى، أو بنفي خلق الله تعالى، أو غير ذلك، لأنهم: مكذبون للقرآن، وللسنة، والإجماع، فهم: مكذبون للقدر، وهو أحد أركان الإيمان الستة، وقد حكموا: بإقامة حدود الله عليهم، من القتل، والنكال، والصلب، لأنهم: هم الذين يخوضون في آيات الله تعالى بغير علم، وهم: شرار الخلق، ومجوس هذه الأمة، لذلك: حذر السلف منهم: بالبراءة من القدرية، وأن يستتابوا، ولعنهم، والدعاء عليهم، وتحقيرهم، وعدم احترامهم، وأن لا يصلى خلفهم، وإذا صلى خلفهم، أعاد الصلاة، ولا يعاد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تؤكل ذبائحهم، ومنعوا التزويج إليهم، وأوجبوا الرد عليهم، والتنكيل بهم، وهجرهم، وعدم مجالستهم، وإذلالهم، ونفيهم من البلدان
1) عن أبي هريرة t قال: (جاء مشركو قريش إلى رسول الله r؛ يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية: ]إن المجرمين في ضلال وسعر (47) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (48) إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 47 و48 و49].
أخرجه مسلم في «صحيحه» (5659)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (1)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص491)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص34)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج1 ص328)، وأبو الليث السمرقندي في «بحر العلوم» (ج3 ص356)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص123)، وفي «معالم التنزيل» (ج7 ص435)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص580 و581)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص236)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (3074)، والترمذي في «سننه» (2157)، و(3290)، وأحمد في «المسند» (ج15 ص459)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص161 و162)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج9 ص171)، واللالكائي في «الاعتقاد» (829)، و(830) من طريق سفيان الثوري، عن زياد بن إسماعيل المخزومي قال: حدثنا محمد بن عباد بن جعفر قال: حدثنا أبو هريرة t به.
قال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج7 ص435): (قوله تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 49]؛ أي: ما خلقناه؛ فمقدور، ومكتوب: في اللوح المحفوظ). اهـ
2) وعن مجاهد، عن ابن عباس ﭭ قال: ذكر عنده القدرية، فقال: (لو رأيت أحدا منهم: لعضضت أنفه). ([134])
3) وعن عطاء بن أبي رباح قال: أتيت ابن عباس ﭭ، وهو ينزع في زمزم، قد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تكلم في القدر، فقال: (أوقد فعلوها؟، فقلت: نعم، قال: فوالله ما نزلت هذه الآية؛ إلا فيهم: ]ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 48و49]؛ أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم؛ إن أريتني أحدهم، فقأت عينيه؛ بإصبعي هاتين). ([135])
4) وعن ابن عباس ﭭ قال: (ما غلا أحد في القدر؛ إلا خرج من الإسلام). ([136])
5) وعن ميمون بن مهران قال: قال لي؛ ابن عباس ﭭ: (احفظ عني ثلاثا: إياك: والنظر في النجوم، فإنها تدعو إلى الكهانة، وإياك: والقدر، فإنه يدعو إلى الزندقة، وإياك: وشتم أحد من أصحاب محمد r، فيكبك الله في النار على وجهك).([137])
6) وعن يحيى بن يعمر قال: قلت لابن عمر ﭭ؛ إنا نسافر، فنلقى قوما يقولون: لا قدر، قال ابن عمر ﭭ: (إذا لقيت أولئك، فأخبرهم: أن ابن عمر منهم بريء، وهم: منه براء؛ ثلاث مرات). ([138])
7) وعن يحيى بن يعمر قال: (يا أبا عبد الرحمن: إنه قد ظهر قبلنا ناس، يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم: يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، قال ابن عمر ﭭ: فإذا لقيت أولئك، فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم: برآء مني). ([139])
8) وعن ابن بريدة قال: (قدمنا المدينة، فأتينا: عبد الله بن عمر ﭭ، فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، أنا بأرض: قوم يزعمون، أن لا قدر، فقال: من المسلمين، ممن يصلي إلى القبلة ؟، فقلت: نعم؛ ممن يصلي إلى القبلة، قال: فغضب، حتى وددت أني لم أكن سألته، ثم قال: إذا لقيت أولئك، فأخبرهم: أن عبد الله بن عمر؛ منهم بريء، وأنهم: منه براء). ([140])
9) وعن الإمام محمد بن سيرين / قال: (إن لم يكن أهل القدر، من الذين يخوضون في آيات الله؛ فلا أدري من هم). ([141])
10) وعن الإمام الحسن البصري / قال: (من كذب بالقدر، كذب بالقرآن).([142])
11) وعن نافع، عن عبد الله بن عمر ﭭ، قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن؛ إن قوما يتكلمون في القدر بشيء، فقال: (أولئك يصيرون إلى أن يكونوا: مجوس هذه الأمة، فمن زعم؛ أن مع الله قاضيا، أو قادرا، أو رازقا، أو يملك لنفسه خيرا، أو نفعا، أو موتا، أو حياة، أو نشورا، لعنه الله، وأخرس لسانه، وأعمى بصره، وجعل صلاته وصيامه: هباء منثورا، وقطع به الأسباب، وكبه على وجهه في النار). ([143])
12) وعن طاووس اليماني، عن ابن عباس ﭭ؛ أن رجلا قال له: إن قوما يقولون: ليس الشر بقدر، فقال ابن عباس ﭭ: ]سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا[؛ حتى بلغ: ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 148 و149].
أثر صحيح
أخرجه معمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (ج11 ص114)، والفريابي في «القدر» (336)، واللالكائي في «الاعتقاد» (849)، وابن راهويه في «المسند» (ج12 ص464 -المطالب العالية)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1616) من طريق ابن طاووس، عن طاووس، عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
13) وعن ابن القاسم قال: قال مالك بن أنس /: (ما آية في كتاب الله عز وجل: أشد على أهل الأهواء، من هذه الآية: ]يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [آل عمران: 106]، قال مالك: فأي كلام أبين من هذا؟!، قال ابن القاسم: وقال لي مالك: إنما هذه الآية، لأهل القبلة). ([144])
14) وعن الإمام الحسن البصري / قال: (كل صاحب بدعة: لا تقبل له صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، ولا جهاد، ولا صرف، ولا عدل). ([145])
15) وعن عوف، قال: سمعت الحسن البصري / يقول: (من كفر بالقدر، فقد كفر بالإسلام، ثم قال: إن الله خلق خلقا، فخلقهم بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم أرزاقهم بقدر، والبلاء بقدر، والعافية بقدر). ([146])
16) وعن الإمام الحسن البصري / قال: (من كذب بالقدر، فقد كفر بالإسلام، ثم قال: إن الله خلق خلقا، فخلقهم بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم أرزاقهم بقدر، والبلاء والعافية: بقدر). ([147])
17) وعن الإمام محمد بن كعب القرظي / قال: (ما أنزلت هذه الآية؛ إلا تعييرا، لأهل القدر: ]إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر * إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 47 و48 و49]). ([148])
18) وعن الإمام مالك بن أنس / قال: عن القدرية: (الذين يقولون: إن الله لم يخلق المعاصي). وفي رواية: (الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء قبل كونه). ([149])
19) وعن المزني قال: قال الشافعي /: (تدري من القدري؟ الذي يقول: إن الله لم يخلق الشيء، حتى عمل به، قال المزني والشافعي: بكفره). ([150])
20) وعن الإمام إبراهيم بن طهمان / قال: (الجهمية كفار، والقدرية: كلهم كفار).([151])
21) وعن الإمام سهل بن عبد الله التستري / قال: (من قال: إن الله لا يعلم الشيء، حتى يكون، فهو: كافر، ومن قال: أنا مستغن عن الله عز وجل، فهو: كافر، ومن قال: إن الله ظالم للعباد، فهو: كافر). وفي رواية: (الإيمان بالقدر: فرض، والتكذيب به: كفر، والكلام فيه بدعة، والسكوت عنه سنة). ([152])
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص512): (سياق ما روي: من المأثور في كفر القدرية، وقتلهم، ومن رأى استتابتهم، ومن لم ير:
* روي عن ابن عباس ﭭ: «أن كلام القدرية: كفر».
* وروي عن ابن عمر ﭭ: «أنه لعنهم، وتبرأ منهم»، ولا يجوز على ابن عمر ﭭ؛ أن يتبرأ من المسلمين.
* وعن علي t؛ أنه قال لمن أنكر القدر، فأقر به: «والله: لو قلت غير هذا؛ لضربت الذي فيه عيناك».
* وعن ابن عباس، وابن عمر ﭭ: معناه.
ومن التابعين:
* عمر بن عبد العزيز، ونافع بن مالك، وهو عم مالك الفقيه: «يستتابون، فإن تابوا، وإلا قتلوا».
* وروي عنه: «ونفوا من ديار المسلمين».
* وعن رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي: «أنهم أفتوا بقتلهم».
ومن الفقهاء:
* عن مالك بن أنس، والأوزاعي، وعبيد الله بن الحسن العنبري: «يستتابون، فإن تابوا، وإلا قتلوا».
* وعن سعيد بن جبير: «القدرية: يهود».
* وعن الشعبي: «القدرية: نصارى».
* وعن نافع مولى ابن عمر: «القدرية: يقتلون».
* وحكى المزني، عن الشافعي: «أنه كفرهم».
* وعن إبراهيم بن طهمان: «القدرية: كفار».
* وعن أحمد بن حنبل؛ مثل: قول مالك، وأبي ثور). اهـ
* فأئمة السلف الكبار، كفروا: «القدرية»، ولم يستثنوا، أي: فرقة، من فرق: «القدرية»([153])، لأنهم: نفوا القدر.
وقال الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي / في كتابه: «الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول، إلزاما لذوي البدع والفضول» (ص247): (مذاهب هؤلاء الأئمة الكبار([154]): فإن مذهبهم، ما رويناه: من تكفيرهم: «الجهمية»، و«المعتزلة»، و«القدرية»، و«الواقفية»، وتكفيرهم: «اللفظية»). اهـ
22) وعن الإمام سعيد بن جبير / قال: (القدرية: يهود). ([155])
23) وعن الإمام خالد بن اللجلاج /؛ يقول: لغيلان القدري: (ويحك يا غيلان... فصرت: قدريا زنديقا). ([156])
24) وعن الإمام موسى بن أبي كثير الأنصاري / قال: (الكلام في القدر: أبو جاد، الزندقة). ([157])
* أبو جاد: يعني: وقع العبد في أبي جاد، أي: في باطل. ([158])
25) وعن الإمام عبد الله بن عون / قال؛ عن غيلان القدري: (أنا رأيته مصلوبا، بدمشق).([159])
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص520)؛ سياق ما روي: من المأثور عن الصحابة y، وما نقل عن أئمة المسلمين، من إقامة حدود الله تعالى في القدرية، من القتل، والنكال، والصلب.
26) وعن الإمام يوسف بن أسباط الكوفي / قال: (أصول البدع أربعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، ثم تتشعب كل فرقة). ([160])
قال الإمام الشاطبي / في «الاعتصام» (ج3 ص201): (قال جماعة من العلماء: أصول البدع أربعة؛ وسائر الثنتين والسبعين فرقة: عن هؤلاء تفرقوا؛ وهم: «الخوارج»، و«الروافض»، و«القدرية»، و«المرجئة»). اهـ
27) وعن حفص بن حميد قال: قلت، لعبد الله بن المبارك /: على كم افترقت هذه الأمة؟، فقال: (الأصل أربع فرق: هم «الشيعة»، و«الحرورية»، و«القدرية»، و«المرجئة»).([161])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص350): (وأما تعيين: الفرق الهالكة، فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم: «يوسف بن أسباط»، و«عبد الله بن المبارك»، وهما: إمامان، جليلان، من أجلاء أئمة المسلمين، قالا: «أصول البدع أربعة:... فذكره»). اهـ
28) وقال الإمام أبو حاتم /: (وأخبرت: عن بعض أهل العلم، أول ما افترق من هذه الأمة: «الزنادقة»، و«القدرية»، و«المرجئة»، و«الرافضة»، و«الحرورية»، فهذا جماع الفرق وأصولها، ثم تشعبت كل فرقة: من هذه الفرق على فرق، وكان جماعها الأصل: واختلفوا في الفروع، فكفر بعضهم بعضا، وجهل بعضهم بعضا). ([162])
29) وعن الإمام ميمون بن مهران / قال: (إياكم وكل هوى: يسمى بغير الإسلام). ([163])
قلت: فأصل اثنتين وسبعين هوى، أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء: تشعبت الاثنتان وسبعون هوى: «القدرية»، و«المرجئة»، و«الشيعة»، و«الخوارج».
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص156): (فاعلم رحمك الله: أن لهذه الفرق، والمذاهب: كلها، أصولا أربعة، فكلها عن الحق حائدة، وللإسلام وأهله معاندة، وعن أربعة أصول يتفرقون، ومنها يتشعبون، وإليها يرجعون، ثم تتشعب بهم الطرق، وتأخذهم الأهواء، وقبيح الآراء، حتى يصيروا في التفرق إلى ما لا يحصى). اهـ
قلت: فأصول البدع، هي أربعة: الرافضية، والقدرية، والخوارج، والمرجئة.
30) وعن عكرمة بن عمار اليمامي قال: سمعت، القاسم، وسليمان بن يسار: (يلعنان القدرية). وفي رواية: (القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر)، قالوا: لعكرمة بن عمار، من القدرية؟، قال: (الذين يزعمون، أن المعاصي، ليست بقدر). ([164])
31) وعن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك قال: كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز، فقال: (ما رأيك في هؤلاء القدرية؟، قال: قلت: أرى أن تستتيبهم([165])، فإن قبلوا ذلك، وإلا عرضتهم على السيف([166])، فقال عمر بن عبد العزيز: وذلك رأيي).
قال مالك: «وأنا أرى ذلك».
أثر صحيح
أخرجه ابن وهب في «الموطأ» (ص437)، وفي «المحاربة» (71)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج61 ص418)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» تعليقا (243)، وابن القاسم في «الموطأ» (ص437)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (952)، والفريابي في «القدر» (273)، و(274)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1315)، وابن بكير في «الموطأ» (ج3 ص387 و388)، والدارمي في «النقض على المريسي» (ج2 ص905)، وابن أبي عاصم في «السنة» (199)، والخلال في «السنة» (876)، والحدثاني في «الموطأ» (ج3 ص533)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (540)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص205)، والآجري في «الشريعة» (511)، و(2066)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1834)، وأبو طاهر السلفي في «حديث الإسراء وغيره» (62)، ومالك في «الموطأ» (1776)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج5 ص384)، والجوهري في «مسند الموطأ» (730) من طرق عن مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
32) وعن سيار العنزي قال: قال عمر بن عبد العزيز، في أصحاب القدر: (يستتابون، فإن تابوا، وإلا نفوا من ديار المسلمين). ([167])
33) وعن مروان بن محمد الطاطري قال: سئل مالك بن أنس عن القدري، الذي يستتاب؟، قال: (الذي يقول: إن الله عز وجل، لم يعلم ما العباد عاملون، حتى يعملوا).
وفي رواية: (هؤلاء الذين أخرجوا الله من علمه). ([168])
34) وعن بكر بن محمد، عن أبيه، عن أبي عبد الله: أحمد بن حنبل، قال، وسألته عن القدري: يستتاب؟، وقلت: إن عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، يريان أن يستتيبوه، فإن تاب، وإلا ضربت: عنقه.
قال أبو عبد الله: (أرى أن يستتيبه؛ إذا جحد العلم، قلت: فكيف يجحد علم الله؟، قال: إذا قال: لم يكن هذا في علم الله، استتبه، فإن تاب، وإلا ضربت: عنقه). ([169])
35) وعن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا إدريس بن عبد الكريم قال: أرسل رجل من أهل خراسان، بكتاب يسأل: أبا ثور: فأجاب: (سألتم: عن القدرية، من هم؟، فالقدرية: من قال: إن الله لم يخلق أفاعيل العباد، وإن المعاصي: لم يقدرها على العباد، ولم يخلقها، فهؤلاء: قدرية، لا يصلى خلفهم، ولا يعاد: مريضهم، ولا تشهد: جنائزهم، ويستتابون من هذه المقالة، فإن تابوا، وإلا ضربت أعناقهم، وذلك أن: ]الله خالق كل شيء[ [الرعد:16]، وقال تعالى: ]إنا كل شيء خلقناه بقدر[ [القمر: 49]، فمن زعم أن شيئا: ليس بمخلوق من أفاعيل العباد، كان بذلك ضالا، وذلك يزعم أنه يخلق فعله، والأشياء على معنيين: إما عرض، وإما جسم، فمن زعم أنه خلق جسما، أو عرضا، فقد: كفر). ([170])
36) وعن أبي مصعب قال: سمعت مالك بن أنس / يقول: (لا يصلى خلف القدرية). ([171])
37) وعن أشهب بن عبد العزيز قال: قال مالك بن أنس /: (القدرية لا تناكحوهم، ولا تصلوا خلفهم، ولا تحملوا عنهم الحديث، وإن رأيتموهم في ثغر، فأخرجوهم عنها). ([172])
38) وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (لا تصلوا خلف الرافضي، ولا خلف الجهمي، ولا خلف القدري، ولا خلف المرجئ). ([173])
39) وعن الإمام أبي يوسف القاضي / قال: (لا أصلي خلف: جهمي، ولا رافضي، ولا قدري). ([174])
40) وعن شعيب بن حرب قال: قلت؛ لسفيان الثوري /: (نسيب لي قدري، أزوجه؟، قال: لا؛ ولا كرامة). ([175])
41) وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: (لا يصلى خلف القدرية، والمعتزلة). ([176])
42) وعن مروان بن محمد قال: سألت مالك بن أنس، عن تزويج القدري؟، قال: ]ولعبد مؤمن خير من مشرك[ [البقرة:221]. ([177])
43) وعن الإمام الفضيل بن عياض / قال: (من زوج كريمته من مبتدع، فقد قطع رحمها). ([178])
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص540)؛ سياق ما روي: في منع الصلاة خلف القدرية، والتزويج إليهم، وأكل ذبائحهم، ورد شهادتهم.
44) وعن الإمام محمد بن سيرين /
45) وعن الإمام الحسن بن محمد بن الحنفية / قال: (لا تجالسوا أهل القدر). ([180])
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج3 ص386)؛ سياق ما روي عن النبي r، والصحابة، والتابعين، في مجانبة أهل القدر، وسائر أهل الأهواء.
* وقد حكى أصحاب الإمام أحمد، في تكفير: جميع أهل البدع والأهواء، وهو الصواب. ([181])
وقال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج3 ص394)؛ سياق ما روي عن النبي r، في أن القدرية: مجوس هذه الأمة، ومن كفرهم، ولعنهم، وتبرأ منهم.
46) وعن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن / قال: (إنما أخشى على هذه الأمة ثلاثا: العصبية، والقدرية، والرواية، فإني أراها تزيد). ([182])
قال الإمام اللالكائي / في «الاعتقاد» (ج4 ص550)؛ ما ذكر من مخازي مشايخ: «القدرية»، وفضائح: «المعتزلة».
والمقصود هنا: التنبيه على أصول: «الفرقة القدرية» الباطلة، التي أوجبت كفرهم، وضلالهم في باب: «القدر والإيمان»، لأنهم: جعلوا غير الرسول r، من رؤوسهم: هو العالم بمعاني القرآن والسنة.
* فلم يجعلوا الدين هدى، ولا بيانا لهم، فهم أنكروا: «القدر»، بعقلياتهم في هذا الباب بالكلية، فلا يجعلون الرسول r، وصحابته، وأمته، في باب: الأصول والفروع، هم: القدوة.
* إذا القدرية، وأصولهم: بالمعنى المجمل، والمعنى المفصل؛ هم: المنكرون «للقدر»؛ أي: المكذبون، بتقدير، الله تعالى؛ لأفعال العباد، أو بعضها؛ أي: الذين قالوا: لا قدر من الله تعالى، والأمر: أنف؛ أي: مستأنف، ليس لله تعالى فيه تقدير سابق.
* فقولهم: إن الأمر أنف؛ أي: مستأنف، ويعنون بذلك: أفعال المكلفين، فيزعمون أن الله تعالى، لم يقدرها، ولم يعلمها؛ إلا أثناء حدوثها من المكلف.
* وقولهم: إن الله تعالى، لم يقدر الكتابة؛ أي: في «اللوح المحفوظ»، ولا الأعمال في السابق. ([183])
* فأصول القدرية: تتلخص بأن الله تعالى بزعمهم، لم يقدر أفعال العباد، ولم يكتبها، وأن الأمر أنف، أي: مستأنف، لم يكن في علم الله تعالى ([184])، ولا تقديره السابق، وقد استقل العباد بفعلها. ([185])
قلت: والتنازع في «القدر»، هو من أعظم أسباب هلاك الأمم.
لذلك: السلف، ذموا: «فرقة القدرية»، وكفروها، فهي خارجة من ملة الإسلام.([186])
* المتهمون بالقدر من أهل الفضل:
منذ ظهور مذهب: «القدرية»، على لسان: «معبد الجهني»، بعد سنة: «62هـ».
وطيلة: «القرن الأول»، لم يقل بالقدر أحد من أهل العلم والسنة. ([187])
* لكن في أول: «القرن الثاني»، اتهم طائفة من أهل العلم والفضل: بـ«القدر».
* وبعضهم رجع عن قوله في: «القدر».
* وآخرون: لم يثبت رجوعهم([188]) عن قولهم في «القدر».
* ومنهم: من لم تثبت تهمته([189])، أو ثبتت براءته في «القدر».
وعلى آية حال: فالذين قالوا: بـ«القدر» من أهل العلم، قليل جدا.
* وهي زلة عالم لا توجب تصنيفهم مع أهل الأهواء والبدع، ونسأل الله تعالى أن يعفو عنا، وعنهم، وهم: غير داخلين في كلامنا عن: «فرقة القدرية»، ومقولاتها التفصيلية في: «مسائل القدر».([190])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج3 ص24 و25): (ولهذا: اتهم بمذهب: «القدر»، غير واحد، ولم يكونوا: «قدرية»، بل كانوا لا يقبلون الاحتجاج على المعاصي([191]) بـ«القدر»). اهـ
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج5 ص5): (المتأول لا يخرج من الملة، وإن أخطأ في تأويله). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن الله تعالى عنده كتابان، فكتاب: يمحو فيه ما يشاء، ويثبت فيه ما يشاء في الحياة الدنيا على التفصيل بالمشيئة، من أجل، وعمر، ورزق، وعمل، وشقاوة، وسعادة، وغير ذلك من القضاء والقدر، فيتبدل ويتغير ذلك على حسب مشيئة الله تعالى، وكتاب آخر: حوى القضاء والقدر في الجملة، فلا يدخله تبديل، ولا تغيير، وهو اللوح الـمحفوظ المعروف
1) قال تعالى: ]يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39].
فقوله تعالى: ]يمحوا الله ما يشاء ويثبت[؛ أي: يمحو من الأحكام وغيرها، ويثبت ما يشاء؛ فما محاه هو المنسوخ، وما أبقاه هو المحكم.
فالله تعالى ذو إرادة، ومشيئة لا تخضعان لإرادة الناس، ومشيئاتهم، فهو تعالى يمحو ما يشاء من الشرائع، والأحكام بحسب حاجة عباده، ويثبت كذلك ما هو صالح لهم، وما هو نافع لهم في الدنيا والآخرة. ([192])
وقوله تعالى: ]وعنده أم الكتاب[؛ أي: الذي حوى كل المقادير، فلا يدخله تبديل، ولا تغيير، كالموت والحياة، والسعادة والشقاء.
وهو: أصل الكتاب، وهو اللوح الـمحفوظ الذي لا يبدل، ولا يغير.
فهما كتابان: كتاب سوى كتاب اللوح الـمحفوظ.
فالكتاب الأول: يمحو منه ما يشاء، ويثبت فيه ما يشاء.
أما الكتاب الثاني: وهو أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء، وهذا اللوح الـمحفوظ. ([193])
فدلت الآية على أمور:
الأول: أن أعمال البر من التوحيد، وبر الوالدين، واصطناع المعروف، وصلة الأرحام، وغير ذلك، يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر، ويقي مصارع السوء، وهذا على الله يسير.
الثاني: يمحو من الرزق، ويزيد فيه، ويمحو من الأجل، ويزيد فيه.
الثالث: يمحو ما يشاء من الأجل، ويزيد فيه ما شاء. ([194])
2) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء[. [الرعد: 39]؛ من أحد الكتابين، هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما، ويثبت، ]وعنده أم الكتاب[؛ أي: جملة الكتاب).
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في «المستدرك على الصحيحين» (ج2 ص349)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (255)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص468 – الدر المنثور) من طريق روح بن عبادة، حدثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحاكم: قد احتج مسلم بحماد، واحتج البخاري بعكرمة، وهو غريب صحيح من حديث سليمان التيمي، ووافقه الذهبي.
وذكره ابن حجر في «اتحاف المهرة» (8475)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص468)
قال الحافظ البيهقي / في «القضاء والقدر» (ص214): (والمعنى في هذا: أن الله تعالى قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء، والحرمان، والموت، وغير ذلك.
وأنه إن دعا الله تعالى، أو أطاعه في صلة الرحم، وغيرها؛ لم يصبه ذلك البلاء، ورزقه كثيرا، وعمره طويلا، وكتب في أم الكتاب ما هو كائن من الأمرين، فالمحو، والإثبات، يرجع إلى أحد الكتابين، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما). اهـ
قلت: فالعبد يعمل الزمان بطاعة الله تعالى؛ ثم يعود لمعصية الله تعالى؛ فيموت على ضلالة، فهو الذي يمحو عنه الطاعة، والذي يثبت له المعصية والعذاب بسبب عدم إخلاصه في الدين.
وكذلك: العبد يعمل بطاعة الله تعالى، وقد كان سبق له خير حتى يموت، وهو في طاعة الله تعالى؛ فهو الذي يثبت.
قال الحافظ البيهقي / في «القضاء والقدر» (215): (وقد دل بعض ما مضى من السنن: أن الواحد منا قد يعمل زمانا بمعصية الله، ثم يختم له بعمل أهل الجنة.
ويعمل الآخر زمانا بطاعة الله؛ ثم يختم له بعمل أهل النار.
فيرجع كل واحد منهما إلى ما سبق من علم الله تعالى فيهما؛ فيحتمل أن يكون المحو، والإثبات راجعين إلى عملهما). اهـ
3) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39]، قال: (وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت، كل ذلك في كتاب).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص856)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص523 – فتح الباري)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص481) من طريق عبد الله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص523)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص476).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص850) من طريق الحجاج قال: حدثنا حماد، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كتابان: كتاب يمحو منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص850) من طريق أبي عامر قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بمثله.
وإسناده صحيح.
والتفسير الذي: رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهو ما يعرف بصحيفة علي بن أبي طلحة([195])؛ هو من تدوين ابن عباس، وقد رواه علي بن أبي طلحة عنه بطريق الوجادة.
فيكون علي بن أبي طلحة قد أخذ هذه الصحيفة ورواها عن ابن عباس من غير أن يلقاه، أو يسمعها منه، وهذا ما يسمى في علم مصطلح الحديث: بالوجادة.
قال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص292): (ومثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجد بخطه، ولا له من إجازة ولا نحوها، فله أن يقول وجدت بخط فلان، أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه، أخبرنا فلان بن فلان، ويذكر شيوخه، ويسوق سائر الإسناد والمتن). اهـ
وقال الإمام ابن جماعة / في «المنهل الروي» (ص381): (وهو أن يقف على كتاب بخط شخص فيه أحاديث يرويها ذلك الشخص، ولم يسمعها منه الواجد، ولا له منه إجازة، أو نحوها.
فله أن يقول: «وجدت بخط فلان»، أو «قرأت»، وما أشبهه، وعلى هذا العمل، وهو من باب المرسل، ويشوبه شيء من الإتصال بقوله: «وجدت بخط فلان»). ([196]) اهـ
ورواية: علي بن أبي طلحة لهذه الصحيفة عن ابن عباس؛ بواسطة بينهما، فتارة يذكرون أن بينهما مجاهدا، وعكرمة.
فسلسلة الرواية هي: علي بن أبي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس؛ أحيانا.
وعلي بن أبي طلحة عن عكرمة عن ابن عباس؛ أحيانا.
وأحيانا يجعل الواسطة بينهما: مجاهدا، وأحيانا: سعيد بن جبير.
يعني: علي بن أبي طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
فما دام عرفنا الواسطة بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس، وهم ثقات([197])، فلا يضر الانقطاع بينهما، فيعتبر الإسناد صحيحا. ([198])
وذكر الحافظ المزي / في «تهذيب الكمال» (ج20 ص490)؛ أن بين علي بن أبي طلحة، وابن عباس: مجاهد بن جبر التابعي.
يعني: إنما يروي عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذا قال الحافظ العراقي في «تحفة التحصيل» (ص234).
قلت: فإذا عرفت الواسطة، فلا تضر الرواية، وهي مرسلة. ([199])
قال الإمام ابن أبي حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج1 ص188): (حدثنا عبدالله بن يوسف عن عبدالله بن سالم عن علي بن أبي طلحة عن مجاهد).
قال الحافظ ابن حجر /؛ معلقا بقوله: (بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك).
وقال الإمام ابن النحاس / في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص13): (والذي يطعن في إسناده يقول: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير، وإنما أخذ عن مجاهد، وعكرمة... وهذا القول لا يوجب طعنا؛ لأنه أخذه عن رجلين ثقتين، وهو في نفسه صدوق). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص298): (روى عن ابن عباس، ولم يسمع منه بينهما مجاهد). اهـ
وقال الإمام السيوطي / في «الدر المنثور» (ج6 ص423): (ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق، ولم يلق ابن عباس؛ لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري، وأبو حاتم، وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة). اهـ
والخلاصة: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع التفسير عن ابن عباس مباشرة، ولكن هناك وسائط بينهما؛ مثل: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وهم من تلاميذ ابن عباس الموثوق بهم. ([200])
فهذه الصحيفة هي أجود الطرق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وعن الإمام أحمد / قال: (بمصر كتاب التأويل([201]) عن معاوية بن صالح، لو أن رجلا رحل إلى مصر: فكتبه ثم انصرف به، ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلا). ([202])
قلت: فنقل الإمام أحمد / أن بمصر صحيفة في التفسير: رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا. ([203])
وهذا يدل أن الإمام أحمد / يرى صحة كتاب علي بن أبي طلحة في التفسير عن ابن عباس، وهو الصواب.
وهذا التفسير([204]) من أقدم الروايات التي دونت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد اعتمد هذا التفسير عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الإمام البخاري في «صحيحه» ([205]) (ج8 ص206 و255 و295 و348)، والإمام ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج1 ص49)، و(ج2 ص230)، و(ج4 ص370)،والإمام الطبري في «جامع البيان» (ج1 ص98 و207 و234)، والإمام ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج1 ص289 و290)، والإمام ابن عطية في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148)، والإمام السيوطي في «الإتقان في علوم القرآن» (ج1 ص115)، وغيرهم من علماء التفسير.
قال الإمام الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص134): (روى معاوية بن صالح عنه [يعني: علي بن أبي طلحة] عن ابن عباس تفسيرا كبيرا ممتعا). اهـ
وقال الإمام ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج1 ص148): (ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى: عدول كل خلف، وألف الناس فيه، كعبدالرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم). اهـ
وقد روى الإمام مسلم؛ لعلي بن أبي طلحة في «صحيحه» (ج10 ص12)؛ في كتاب «النكاح».
وأخذ معاوية بن صالح الحضرمي: هذه الصحيفة عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وعبدالله بن صالح المصري، كاتب الإمام الليث بن سعد، وكان صاحب حديث وعلم.
روى عن معاوية بن صالح: هذه الصحيفة، وأصبح واحدا ممن يملكون حق رواية هذه الصحيفة عن طريق الكتاب، وهذا الكتاب صحيح.
قال الحافظ ابن حجر / في «تهذيب التهذيب» (ج7 ص299): (ونقل البخاري من تفسيره رواية: معاوية عنه([206]) عن ابن عباس شيئا كثيرا في التراجم وغيرها). اهـ
وقد استفاد من هذه الصحيفة: الإمام أبو حاتم الرازي، فروى عن عبدالله بن صالح كثيرا منها، ورواها عنه ابنه: عبدالرحمن بن أبي حاتم في «تفسير القرآن».
وهناك كثير من العلماء: استفادوا من هذه: «الصحيفة»، فنقلوا منها.
وإن تفاوت حظهم في هذا النقل بين مقل ومكثر؛ منهم: الإمام ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ج1 ص5 و13 و16 و19)، وفي «القطع والائتناف» (ص90 و95 و199)، والإمام البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص311 و343 و355)، والإمام البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص186)، والإمام البلاذري في «أنساب الأشراف» (ج1 ص127 و177)، والإمام الآجري في «الشريعة» (ص6 و102 و449)، وغيرهم من علماء التفسير.
قلت: فنستطيع أن نستخلص من هذا كله: أن تفسير ابن عباس رضي الله عنهما؛ الذي رواه علي بن أبي طلحة: هو من التفاسير القديمة المدونة لجامع آيات القرآن، وهو مرتب على وفق ترتيب المصحف، وهو كتاب صحيح في التفسير بالمأثور. ([207])
لذلك لا يمنع من قبول هذا التفسير ونقله، والاحتجاج به في الدين.
قال الإمام السيوطي / في «الإتقان» (ج1 ص151): (وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس، وأصحابه الآخذين عنه، فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة.
وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك: عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة؛ فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في «صحيحه» مرتبا على السور). اهـ
فرواية: عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، هي من أجود الطرق، وأصحها عن ابن عباس، وهي صحيفة صحيحة.
قلت: فينسخ الله ما يشاء، ويصنع من الأفعال ما يشاء، وإن شاء زاد فيها، وإن شاء نقص منها.
قال تعالى: ]إن الله يفعل ما يشاء[ [الحج: 18].
وقال تعالى: ] ولكن الله يفعل ما يريد[ [البقرة: 253].
تنبيه:
ولم يثبت أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (أن الله يمحو ما يشاء إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة).
أثر ضعيف
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (20459)، و(20460)، و(20461)، و(20462)، و(20463)، و(20464)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص338)، وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (ص155).
وإسناده ضعيف، فيه محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ. ([208])
4) وعن عكرمة / قال: في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39]؛ قال: (الكتاب: كتابان؛ كتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب). وفي رواية: (وعنده الأصل أم الكتاب).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص850) من طريق عمرو بن علي، قال: حدثنا سهل بن يوسف، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن عكرمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص477).
وأخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص850)، وعبدالرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص338) من طريق محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عكرمة / قال: (الكتاب كتابان: يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب).
وإسناده صحيح.
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج6 ص856): (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ قول من قال: وعنده أصل الكتاب وجملته، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر أنه يمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، ثم عقب ذلك بقوله: ]وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39]؛ فكان بينا أن معناه: وعنده أصل المثبت منه، والممحو، وجملته في كتاب لديه). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج8 ص165): (ومعنى هذه الأقوال: أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها، ويثبت منها ما يشاء). اهـ
قلت: يعلمهم بذلك أن لقضائه فيهم أجلا مثبتا في كتاب، فإذا أراد الله تعالى النقص في أجلهم بسبب فسادهم، وحان هلاكهم، أو هلاك أموالهم، قضى الله ذلك فيهم، فانقطعوا، وانقطع رزقهم؛ فذلك محوه أيضا.
قلت: ويثبت ما شاء ممن بقي أجله ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه، فلا يمحوه في كتاب إلى أجل.
قال تعالى: ]وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب * يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 38 و39].
فقوله تعالى: ]لكل أجل كتاب[؛ أي: لكل مدة كتاب كتبت فيه المدة المحددة، فلكل وقت محدد يعطي الله تعالى فيه، أو يمنع، كتاب كتب فيه ذلك الأجل وعين.
وقال ابن عطية المفسر / في «المحرر الوجيز» (ج10 ص49): (والذي يتخلص من مشكلها: أن نعتقد أن الأشياء التي قدرها الله تعالى في الأزل، وعلمها بحال ما لا يصح فيها محو، ولا تبديل، وهي التي كتبت في أم الكتاب، وسبق بها القضاء.
وأما الأشياء التي قد أخبر الله تعالى أنه يبدل فيها، وينقل، كعفو الذنوب بعد تقريرها، وكنسخ آية بعد تلاوتها، واستقرار حكمها، ففيها يقع المحو، والتثبيت فيما يقيده الحفظة ونحو ذلك.
وأما إذا رد الأمر للقضاء والقدر فقد محا الله ما محا وثبت ما ثبت.
وجاءت العبارة مستقلة بمجيء الحوادث، وهذه الأمور فيما يستأنف من الزمان؛ فينتظر البشر ما يمحو، أو ما يثبت، وبحسب ذلك خوفهم، ورجاؤهم، ودعاؤهم). اهـ
قلت: فالمحو والإثبات، هذا عام في كل ما أراد الله تعالى محوه، أو إثباته من رزق، وأجل، وسعادة، وشقاوة، وغير ذلك، ولا يخصص في أمر من الأمور؛ كما ذهب إليه بعض المتأخرين.
وقال ابن عطية المفسر / في «المحرر الوجيز» (ج10 ص49): (وهذا التخصيص في الآجال أو غيرها لا معنى له.
وإنما يحسن من الأقوال هنا ما كان عاما في جميع الأشياء، فمن ذلك أن يكون معنى الآية: أن الله تعالى يغير الأمور على أحوالها، أعني: ما من شأنه أن يغير- على ما قدمناه-؛ فيمحوه من تلك الحالة، ويثبته في التي نقله إليها). اهـ
وقال ابن عطية المفسر / في «المحرر الوجيز» (ج10 ص50): (وقالت فرقة معناه: يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد). اهـ
وهو الصواب.
وهذا الذي أجمع عليه صحابة رسول الله r، كما هو ظاهر.([209])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج6 ص850): (وقال آخرون: معنى ذلك: أن الله يمحو ما يشاء، ويثبت من كتاب سوى أم الكتاب الذي لا يغير منه شيء). اهـ
وقال الواحدي المفسر / في «الوسيط» (ج3 ص19): (قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء[ [الرعد: 39]؛ ذهب قوم إلى أن هذا عام في كل شيء، كما يقتضيه ظاهر اللفظ، وقالوا: إن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، ومن الأجل، ويمحو السعادة والشقاوة، وهو مذهب([210]) عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، وقتادة، والضحاك، وابن جريج، قالوا: أم الكتاب عند الله يمحو الله ما يشاء منه ويثبت). اهـ
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج6 ص850): (وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه يمحو كل ما يشاء، ويثبت كل ما أراد). اهـ
وقال الإمام البغوي / في «معالم التنزيل» (ج4 ص324): (قوله تعالى: ]لكل أجل كتاب[؛ يقول: لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه، ووقت يقع فيه، وقيل: لكل آجل أجله الله تعالى كتاب أثبت فيه). اهـ
قلت: فيمحو الله تعالى ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
قال تعالى: ]والله يحكم لا معقب لحكمه[ [الرعد: 41].
قلت: لا راد لقضائه، ولا ناقض لحكمه. ([211])
وقال ابن عطية المفسر / في «المحرر الوجيز» (ج10 ص51): (وأصوب ما يفسر به: ]أم الكتاب[؛ أنه كتاب الأمور المجزومة التي قد سبق القضاء فيها بما هو كائن، وسبق ألا تبدل، ويبقى المحو، والتثبيت في الأمور التي سبق في القضاء أن تبدل، وتمحى وتثبت). اهـ
وقال مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص383)؛ في قوله تعالى ]وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39]؛ (يعني: أصل الكتاب، يقول: الناسخ من الكتاب، والمنسوخ: فهو في أم الكتاب؛ يعني بأم الكتاب: وهو اللوح الـمحفوظ). اهـ
5) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الحذر لا يغني من القدر، وإن الدعاء يدفع القدر، وهو إذا دفع القدر فهو من القدر).
أثر حسن
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (253)، والآجري في «الشريعة» (ص213) من طريق شجاع بن الوليد: حدثنا أبو سلمة عمرو بن الجون الدالاني عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن.
6) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله تعالى يمحو بالدعاء ما شاء من القدر).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (254)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص62)، والفريابي في «القدر» (307)، والآجري في «الشريعة» (ص196) من طريق وكيع، وإسحاق بن سليمان الرازي عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وذكره ابن حجر في «اتحاف المهرة» (7849).
قلت: محو الله تعالى بالدعاء ما شاء من القدر.
وعن عاصم بن بهدلة القارئ / قال: (كان أصحابنا([212]) يقولون: إن الله عز وجل يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص689) من طريق حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عاصم ابن بهدلة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
7) و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء[ [الرعد: 39]؛ يقول: (يبدل الله ما يشاء من القرآن؛ فينسخه، ]ويثبت[؛ يقول: ويثبت ما يشاء، ولا يبدله: ]وعنده أم الكتاب[؛ يقول: جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ، وما يبدل، وما يثبت كل ذلك في كتاب).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (260)، وفي «الأسماء والصفات» (ج2 ص444)، والطبري في «جامع البيان» (ج13 ص113) من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص520)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص83).
8) وعن قتادة / قال: (في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت[ [الرعد: 39]؛ هي: مثل قوله تعالى: ]ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها[ [البقرة: 106]، وقوله تعالى: ]وعنده أم الكتاب[؛ أي: جملة الكتاب وأصله).
أثر حسن
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص853 و856) من طريق بشر قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص476)
9) وعن قتادة / قال: في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت[ [الرعد: 39]، قال: ما يشاء، وهو الحكيم، وعنده أم الكتاب وأصله ).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص853 و856) من طريق محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فيكون المحو والإثبات يرجعان إلى عمل العبد.
فهذا أصح ما قيل في تأويل هذه الآية، وأجراه على الأصول.
قال تعالى: ]ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها[ [البقرة: 106].
وقال تعالى: ]والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون[ [البقرة: 221].
وقال تعالى: ]أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه[ [الزمر: 22].
وقال تعالى: ]إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[ [الأنبياء: 101].
وقال تعالى: ]كذلك نفعل بالمجرمين[ [المرسلات: 18].
وقال تعالى: ]فمنهم شقي وسعيد[ [هود: 105].
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة[ [الأعراف: 30].
وقال تعالى: ]إن المجرمين في ضلال وسعر * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر[ [القمر: 47 و48].
وقال تعالى: ]فريق في الجنة وفريق في السعير[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]كذلك سلكناه في قلوب المجرمين[ [الشعراء: 200].
وقال تعالى: ]من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون[ [الأعراف: 186].
وقال تعالى: ]أتريدون أن تهدوا من أضل الله[ [النساء: 88].
وقال تعالى: ]على قلوب أقفالها[ [محمد: 24].
وقال تعالى: ]كلا إن كتاب الفجار لفي سجين[ [المطففين: 7].
وقال تعالى: ]كتاب الأبرار لفي عليين[ [المطففين: 18].
وقال تعالى: ]وحيل بينهم وبين ما يشتهون[ [سبأ: 54].
وقال تعالى: ]فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى [الليل: 5-10].
وقال تعالى: ]وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم[ [الزخرف: 4].
وقال تعالى: ]ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها[ [الحديد: 22].
10) وعن السائب بن مهجان، من أهل الشام من أهل إيلياء، وكان قد أدرك أصحاب رسول الله r في حديث ذكره، قال: (لما دخل عمر t الشام؛ حمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر ثم قال: إن رسول الله r قام فينا خطيبا كقيامي فيكم فأمر بتقوى الله وصلة الرحم وصلاح ذات البين وقال: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئته، وسرته حسنته فهو أمارة المسلم المؤمن، وأمارة المنافق الذي لا تسوءه سيئته ولا تسره حسنته، إن عمل خيرا لم يرج من الله في ذلك ثوابا، وإن عمل شرا لم يخف من الله في ذلك الشر عقوبة، وأجملوا في طلب الدنيا فإن الله قد تكفل بأرزاقكم، وكل ميسر له عمله الذي كان عاملا، استعينوا بالله على أعمالكم فإنه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب).
حديث حسن
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج13 ص426)، وفي «القضاء والقدر» (232)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج20 ص102 و103) من طريق عباس الدوري، حدثنا هارون بن معروف، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، عن السائب بن مهجان الشامي -وكان قد أدرك الصحابة- قال: فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
قال البيهقي: هذه خطبة عمر بن الخطاب على أهل الشام، أثرها عن رسول الله r.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص472).
11) وعن أبي عثمان النهدي: (أن عمر بن الخطاب t قال وهو يطوف بالبيت: اللهم، إن كنت كتبت علي شقوة، أو ذنبا فامحه؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة).
وفي رواية: (اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت علي الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب)
أثر حسن
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص851)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص614)، و(ج2 ص197)، والبغوي في «معالم التنزيل» تعليقا (ج4 ص324)، والبيهقي في «القضاء والقدر» معلقا (ص216) من طريق حماد بن سلمة، وهشام الدستوائي، وسليمان التيمي، وقرة بن خالد، عن أبي حكيمة قال: سمعت أبا عثمان النهدي، قال: سمعت عمر بن الخطاب t وهو يطوف بالكعبة، وذكره.
قلت: وهذا سنده حسن، من أجل أبي حكيمة عصمة العبدي محله الصدق، وبقية رجاله ثقات، وقد صححه البيهقي في «القضاء والقدر» (217).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص38)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج4 ص390).
وقال الحافظ البيهقي / في «القضاء والقدر» (ص216): (هكذا رواه حماد بن سلمة عن أبي حكيمة وسمعناه. ورواه هشام الدستوائي، عن أبي حكيمة مختصرا؛ وقال: «فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب»). اهـ
قلت: ومعناه: اللهم إن كنت كتبتني أعمل عمل الأشقياء، فامح ذلك عني بإثبات عمل السعداء، واجعل خاتمة أمري سعيدا موفقا للخير، فإنك قلت في كتابك: ]يمحو الله ما يشاء[؛ أي: من عمل الأشقياء، و]يثبت[؛ أي: من عمل السعداء، فيبدل ما يشاء من حال إلى حال.
قال الحافظ البيهقي / في «القضاء والقدر» (ص216): (فمعناه يرجع إلى ما ذكرنا من محو العمل والحال، وتقدير قوله: اللهم إن كنت كتبتني أعمل عمل الأشقياء ، وحالي حال الفقراء برهة من دهري فامح ذلك عني بإثبات عمل السعداء، وحال الأغنياء، واجعل خاتمة أمري سعيدا موفقا للخير فإنك قلت في كتابك: ]يمحو الله ما يشاء[؛ أي: من عمل الأشقياء، و]يثبت[؛ أي: من عمل السعداء، ويبدل ما يشاء من حال الفقر، ويثبت ما يشاء من حال الغنى، ثم المحو والإثبات جميعا مسطوران في أم الكتاب). اهـ
12) وعن عبدالله بن مسعود t، أنه كان يقول: (اللهم إن كنت كتبتني في أهل الشقاء فامحني، وأثبتني في أهل السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب).
أثر حسن لغيره
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص851)، والطبراني في «المعجم الكبير» (8847) من طريق الحجاج بن المنهال قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد والمتابعات.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص475)، والهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص185).
وتابع: أبا قلابة؛ عبدالله بن عكيم عن عبدالله بن مسعود t به.
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص852) من طريق شريك، عن هلال بن حميد، عن عبد الله بن عكيم به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات.
وتابعه القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود t قال: (إن كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا، فامح عني اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير، فإنك تقول في كتابك ]يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب[ [الرعد: 39]).
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج10 ص331 و332) من طريق أبي معاوية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن به.
وإسناده حسن في المتابعات.
قال الحافظ البغوي / في «معالم التنزيل» (ج4 ص324): (وعن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهما؛ أنهما قالا: يمحو السعادة والشقاوة أيضا، ويمحو الرزق والأجل، ويثبت ما يشاء). اهـ
13) وعن شقيق أبي وائل /؛ أنه كان يقول: (اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء، فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب). وفي رواية: (كان مما يكثر أن يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص850 و851) من طريق وكيع، وعثام، عن الأعمش، عن شقيق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وهذه الآثار عن السلف تعرب عن مجال تغيير المصير بالأعمال الصالحة والطالحة؛ ومنها: الدعاء والسؤال.
وأنه ليس كل تقدير حتميا لا يغير، ولا يبدل، وأنه لله تعالى لوحين: لوح المحو، والإثبات، ولوح: أم الكتاب، والذي لايتطرق التغيير إليه هو الثاني دون الأول. ([213])
قال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج5 ص329): (فتكون الآية عامة في جميع الأشياء، وهو الأظهر). اهـ
قلت: فيجب أن يتوقف عند هذا القول، لأن ثبت بالتوقيف.
فالآية عامة في كل شيء: فإن الله يمحو من الرزق ويزيد فيه، وكذا القول في الأجل، والسعادة، والشقاوة، والإيمان، والكفر. ([214])
قال العلامة صديق حسن خان / في «فتح البيان» (ج5 ص171): (وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب، فيمحو ما يشاء: محوه من شقاوة، أو سعادة، أو رزق، أو عمر، أو خير، أو شر، ويبدل هذا بهذا، ويجعل هذا مكان هذا؛ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). اهـ
وقال العلامة القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج9 ص372): (تمسك جماعة بظاهر: قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت[ [الرعد: 39]؛ فقالوا: إنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ. قالوا: يمحو الله من الرزق ويزيد فيه؛ وكذا القول في الأجل، والسعادة، والشقاوة، والإيمان، والكفر). اهـ
قلت: فإذا أردت أخي المسلم أن يمحو الله تعالى سيئاتك، ويجعلها حسنات، فعليك بالدعاء الصحيح، والعلم النافع، والعمل الصالح، فاسعى في العمل والتطبيق.
فقل: إن كنت كتبتني في أم الكتاب شقيا، فامح عني اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيدا، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما مقترا علي رزقي فامح حرماني، ويسر رزقي، وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير؛ فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [ [الرعد: 39].
وقل: اللهم؛ إن كنت كتبتني في السعداء، فأثبتني في السعداء، وإن كنت كتبتني في الأشقياء، فامحني من الأشقياء، وأثبتني في السعداء، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.
وقل: اللهم، إن كنت كتبت علي شقوة، أو ذنبا فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة.
فادعو الله تعالى، وقل: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم، واجعله في السعداء.
حتى كان مجاهد بن جبر / عندما سئل عن هذا الدعاء ابتداء، قال: (حسن). ([215])
قال تعالى: ]ومن يتق الله يجعل له مخرجا[ [الطلاق:2].
وقال تعالى: ]قد جعل الله لكل شيء قدرا[ [الطلاق:3].
وقال تعالى: ]وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم[ [الطلاق:3].
قلت: فمعاني المحو، والإثبات المذكورة في الآية هي: أنه عام في كل ما أراد الله محوه، أو إثباته: من رزق وأجل، وسعادة وشقاوة، ويمحو المنسوخ، ويثبت الناسخ، ويغفر ما يشاء من ذنوب عباده، ويترك ما يشاء فلا يغفره، ويمحو ما يشاء بالتوبة، ويثبت مكانها حسنات، ويهلك ما يشاء من الخلق، والأموال، وغير ذلك.
وهذا الذي أجمع عليه الصحابة([216])، والتابعون([217]).
وخالف في ذلك مجاهد بن جبر / في رواية([218])؛ فقال: في قوله تعالى: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [ [الرعد: 39]؛ قال: (إلا الحياة والموت، والسعادة والشقاوة، فإنهما لا يتغيران). ([219])
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج6 ص849) من طريق سفيان، ومعاذ بن عقبة، عن منصور، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص474).
قلت: ألستم قوم عرب؛ هل تكون النسخة إلا من كتاب.
قال تعالى: ]هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون[ [الجاثية: 29].
قلت: والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء؛ لأنه:
1) لا يرد القدر إلا الدعاء.
2) ولا يزيد في العمر إلا البر.
3) وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. ([220])
وقال تعالى: ]لا يسأل عما يفعل وهم يسألون[ [الأنبياء: 33] .
14) وعن أنس بن مالك t؛ أن رسول الله r قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره([221])؛ فليصل رحمه).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (2985)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1982)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (251)، وأبو داود في «سننه» (ج2 ص132)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص18)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص247) من طريق الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك t به.
وبوب عليه الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ج10 ص415)؛ باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
15) وعن أم سليم رضي الله عنها قالت: يا رسول الله r، خادمك أنس: ادع الله له، فقال: (اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته). ([222])
قال أنس t: (فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي، وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم).
قلت: وهذا يدل على أن الله تعالى يزيد في المال، والولد بعدما كان هذه الأرزاق ناقصة في حد بمشيئته سبحانه.
فأبدل الله تعالى هذه الأرزاق من حال إلى حال، فهذه بمشيئته، وهذه بمشيئته: ]يمحو الله ما يشاء ويثبت[ [الرعد: 39].
16) وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (5985) من طريق محمد بن معن، قال: حدثني أبي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة t به.
قلت: فمن سره أن يمد الله تعالى في عمره، ويوسع له رزقه، ويدفع عنه السوء؛ فليتق الله تعالى، وليصل رحمه. ([223])
قال تعالى: ]وكان أمر الله قدرا مقدورا[ [الأحزاب: 38] .
17) وعن عمرو بن ميمون قال: سمعت عمر t لما طعن قال: ]وكان أمر الله قدرا مقدورا[ [الأحزاب: 38].
أثر حسن
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (375)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (892) من طريق شعبة، عن سليمان بن أبي المغيرة، عن عمرو بن ميمون به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: وهذا ليس من الفرار من قدر الله، أو عدم الإيمان بالقدر الذي قدره الله تعالى في اللوح الـمحفوظ، بل هذا فرار من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى، فهذا في كتاب الله تعالى، وهذا في كتاب الله تعالى، أي: فهذا ثبته بقدر، وهذا محاه بقدر: ]كل من عند ربنا[ [آل عمران: 7].
قال تعالى: ]قد جعل الله لكل شيء قدرا[ [الطلاق: 3] .
18) وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب t، خرج إلى الشأم، حتى إذا كان بسرغ([224]) لقيه أمراء الأجناد -أبوعبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم. وساق الحديث في استشارته إياهم واختلافهم عليه، إلى أن قال: فنادى عمر t في الناس: إني مصبح([225]) على ظهر([226]) فأصبحوا عليه. فقال أبوعبيدة بن الجراح t: أفرارا من قدر الله؟ قال عمر t: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف t - وكان متغيبا في بعض حاجته - فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله r يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (7529)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1740)، ومالك في «الموطأ» (ج2 ص894)، وأبو داود في «سننه» (3103)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (267) من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: ويدخل في القدر الذي يمحى بقدر؛ ما في كتب الملائكة، فهذا هو الذي يقع فيه أيضا المحو والإثبات، وهذا يسمى بالقدر المعلق، أو المقيد. ([227])
قال العلامة الشيخ السعدي /في «تيسير الكريم الرحمن» (ج4 ص116): (قوله تعالى: ]وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله[؛ والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه.
وقوله تعالى: ]لكل أجل كتاب[؛ لا يتقدم عليه، ولا يتأخر عنه.
فليس استعجالهم بالآيات أو بالعذاب موجبا؛ لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر مع أنه تعالى فعال لما يريد.
وقوله تعالى: ]يمحوا الله ما يشاء[؛ من الأقدار ]ويثبت[؛ ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه، وكتبه قلمه، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير؛ لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص، أو خلل، ولهذا قال: ]وعنده أم الكتاب[؛ أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابا، ولمحوها أسبابا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ.
كما جعل الله البر، والصلة، والإحسان، من أسباب طول العمر، وسعة الرزق.
وكما جعل المعاصي سببا لمحق بركة الرزق والعمر.
وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببا للسلامة.
وجعل التعرض لذلك سببا للعطب.
فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته.
وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص517): (والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله r: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»؛ فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال: «إن وصل رحمه زدته كذا وكذا»؛ والملك لا يعلم أيزداد أم لا؛ لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص540) عندما سئل عن الرزق: هل يزيد وينقص؟، فقال: (الرزق نوعان؛ أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة([228])، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج8 ص 540 و541): (والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه، واكتسابه، ألهمه السعي، والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب؛ كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج10 ص430): (كأن يقال للملك -مثلا- إن عمر فلان مائة -مثلا- إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل، أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى ]يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب[؛ فالمحو، والإثبات بالنسبة لما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى، فلا محو فيه ألبتة، ويقال له: القضاء المبرم([229])، ويقال للأول: القضاء المعلق). اهـ
قلت: فتكتب الملائكة كل ما يتلفظ به الإنسان، ثم يثبت الله من ذلك ماله، وما عليه، ويمحو ما عدا ذلك.
19) وعن عبد الله بن مسعود t قال: قالت أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها: (اللهم متعني بزوجي رسول الله r، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. قال: فقال لها رسول الله r: سألت الله لآجال مضروبة، وآثار مبلوغة، وأرزاق مقسومة، لا يعجل شيئا منها قبل حله، ولا يؤخر منها شيئا بعد حله، فلو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار، ومن عذاب في القبر لكان خيرا لك وأفضل).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2051)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ص207)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (1254)، و(29749)، وابن أبي عاصم في «السنة» (262)،والفريابي في «القدر» (147) من طريق سفيان الثوري، ومسعر، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن معرور بن سويد، عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: ولا ينافي هذا ما بيناه فيما سبق، فتنبه.
20) وعن الحسن البصري / قال: (من كذب بالقدر؛ كذب بالقرآن).
أثر صحيح
أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (ج11 ص119)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص682)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص276 و277)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (934)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص44)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (427) من طريق معمر، وعاصم الأحول، عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج2 ص326).
قال تعالى: ]واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون[ [الأنفال: 24] .
معنى الآية؛ أن الله تعالى يحض على المراقبة له تعالى، والخوف منه، لأن الله تعالى هو المطلع على القلوب، والضمائر في الصدور.
ففي الآية: تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب، وإن استجاب بالجوارح، فلا تنفع الاستجابة بها دون الاستجابة بالقلب. ([230])
فليحذر العبد أن يضمر شيئا في قلبه يخالف الكتاب والسنة، فإن الله تعالى يحول بينه وبين الدين الصحيح([231]):]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32] .
21) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: ]يحول بين المرء وقلبه[ [الأنفال: 24]؛ قال: (يحول بين المؤمن، وبين الكفر ومعاصي الله، ويحول بين الكافر، وبين الإيمان، وطاعة الله). ([232])
قلت: فيحول بين الكافر ، وبين أن يعي شيئا من الخير، أو يعمله، أو يهتدي له، أو يوفق فيه.
وكذلك يحول بين المبتدع، وبين أن يعي شيئا من الخير، أو يعمله، أو يهتدي له، أو يوفق فيه([233]).
22) وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]يحول بين المرء وقلبه[ [الأنفال: 24]؛ قال: (يحول بين الكافر، وقلبه حتى يتركه لا يعقل) ([234])؛ يعني: يضله.
23) وعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]يحول بين المرء وقلبه[ [الأنفال: 24]؛ قال: (يحول بين المرء المؤمن وبين الكفر([235])، ويحول بين الكافر والإيمان). ([236])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص112): (أن الحول بين الشيء والشيء؛ إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز تعالى بين عبد، وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه إدراكه سبيل). ([237]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص90): (الاستجابة أصلها بالقلب، فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فإن الله تعالى بين العبد وبين قلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه، وهل أضمر ذلك، أو أضمر خلافه... أنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة، وأبطأتم عنها، فلا تأمنوا أن الله يحول بينكم، وبين قلوبكم، فلا يمكنكم بعد ذلك من الاستجابة، عقوبة لكم على تركها بعد وضوح الحق، واستبانته؛ فيكون كقوله تعالى: ]ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة[ [الأنعام: 110]، وقوله تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[ [الصف: 5]، وقوله تعالى: ]فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل[ [الأعراف: 101]، ففي الآية: تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب، وإن استجاب بالجوارح). اهـ
قلت: فبادروا بالطاعات، فإن فيها الحياة الحقيقية على وجه الأرض.
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص87): (الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله تعالى، ورسوله r، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة، فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية، مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات.
فالحياة الحقيقية الطيبة هي: حياة من استجاب لله تعالى، والرسول r ظاهرا وباطنا، فهؤلاء هم الأحياء، وإن ماتوا، وغيرهم أموات، وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول r، فإن كان ما دعا إليه ففيه الحياة.
فمن فاته جزء منه، فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول r). اهـ
24) وعن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود t قال: حدثنا رسول الله r وهو الصادق المصدوق([238])، قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع([239])، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1174 و1175 و1212)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص228)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص228)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص1446)، والنسائي في «السنن الكبرى» (266)، وابن ماجه في «سننه» (ج4 ص446)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص382)، وابن الغطريف في «جزء حديثه» (ص120)، ودانيال في «مشيخته» (ق/80/ط)، والجرجاني في «أحاديث منتخبة من حديثه» (ق/130/ط)، وابن هزارمرد في «مجلس من أماليه» (ق/173/ط)، والحنائي في «الحنائيات» (ق/123/ط)، والفريابي في «القدر» (124)، و(125)، و(126)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (77)، و(80)، و(81)، و(82)، وابن وهب في «القدر» (37)، و(39)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3870) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود t به.
25) وعن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب t، قال: (كنا في جنازة في بقيع الغرقد([240])، فأتانا رسول الله r، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة([241]) فنكس([242]) فجعل ينكت([243]) بمخصرته، ثم قال r: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة. قال: فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا([244])، وندع العمل؟ فقال r: من كان من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة. فقال r: اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: ]فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى[ [الليل: 6]).
وفي رواية: (ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار» قالوا: يا رسول الله فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال r: لا، اعملوا، فكل ميسر لما خلق له. ثم قرأ: ]فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى[، إلى قوله ]فسنيسره للعسرى[).
وفي رواية: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال r: لا، اعملوا، ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1362)، و(4948)، ومسلم في «صحيحه» (2647)، وأبو داود في «سننه» (4694)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11614)، والفريابي في «القدر» (39)، و(40)، و(41)، و(42)، والآجري في «الشريعة» (328)، واللالكائي في «الاعتقاد» (930)، والدولابي في «الأسماء والكنى» (1484)، وأبو الشيخ في «أخلاق النبيr» (435)، وابن ماجه في «سننه» (78)، والبزار في «المسند» (588)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص56)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (32)، و(33)، و(34) من طريق أبي عبدالرحمن السلمي، وعبدالله بن حبيب عن علي بن أبي طالب t به.
فقالوا أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؛ يعني: فمن كان منهم من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة.
ومن كان منهم من أهل الشقاوة، فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة.
فبين لهم النبي r بقوله: (لا، اعملوا، ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له)؛ أي: فلا بد من العمل؛ فمن عمل عملا صالحا كان من أهل الجنة، ومن عمل عملا طالحا كان من أهل النار، فسددوا، وقاربوا في العمل في الحياة الدنيا. ([245])
فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ،وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار.
قال تعالى: ]فريق في الجنة وفريق في السعير[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ] فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى [ [الليل: 5-10].
26) وعن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد t، يبلغ به النبي r، قال: (يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص).
وفي رواية: (وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله r، يقول: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله، فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه، فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2037)، والفريابي في «القدر» (133)، و(134)، (135)، والآجري في «الشريعة» (360)، والحميدي في «المسند» (848)، وابن أبي عاصم في «السنة» (180)، وفي «الآحاد والمثاني» (1011)، وأبو القاسم البغوي في «معجم الصحابة» (423)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص324)، وابن أبي شيبة في «المسند» (818)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3038)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1404)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج18 ص103)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (61)، وابن وهب في «القدر» (33)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2663) من طرق عن عمرو بن دينار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري t به.
27) وعن سهل بن سعد الساعدي t قال: (أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين، في غزوة غزاها مع النبي r، فنظر النبي rفقال: من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هذا. فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين، حتى جرح، فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي r مسرعا، فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: وما ذاك. قال: قلت لفلان: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه. وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبي r عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم).
وفي رواية: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (6607)، ومسلم في «صحيحه» (2651)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص332)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج6 ص176)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (75)، وابن طرخان في «مشيخته» (ص167) من طريق أبي غسان محمد بن مطرف الليثي، و يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد t به.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص112): (وأما من عمل بعمل أهل الجنة مخلصا لله تعالى، موافقا لمرضاته، فلن يخذله الله تعالى، لأن الله تعالى أكرم من أن يخذل عبده المقبل إليه). اهـ
28) وعن جابر بن عبدالله t أنه قال: (يا رسول الله؛ العمل لأمر قد فرغ منه، أم لأمر نأتنفه([246])؟ قال r: لأمر قد فرغ منه، قال سراقة بن مالك t: ففيم العمل إذن يا رسول الله؟ قال رسول الله r : كل عامل ميسر لعمله).
وفي رواية: (اعملوا فكل ميسر).
وفي رواية: (لا، بل شيء ثبت به الكتاب، وجرت به المقادير. فقال: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال r: اعملوا، فكل ميسر لعمله).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2648)، والفريابي في «القدر» (32)، و(48)، وابن وهب في «القدر» (18)، وأحمد في «المسند» (ج22 ص451)، وابن حبان في «صحيحه» (336)، وأبو يعلى في «المسند» (2054)، و(2110)، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (214)، والآجري في «الشريعة» (335)، والنقاش في «فوائد العراقيين» (26)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (23)، و(24)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1356) من طريق عمرو بن الحارث، ومحمد بن أبي ليلى، وأبي خيثمة؛ كلهم: عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله t به.
قلت: فكل ميسر؛ أما من كان من أهل السعادة، فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فإنه يعمل للشقاوة([247]).
29) وعن عمران بن حصين t قال: (قيل: يا رسول الله r؛ أعلم أهل الجنة من أهل النار؟، قال؛ فقال r: نعم، قال قيل: ففيم يعمل العاملون؟ قال r: كل ميسر لما خلق له).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (6596)، و(7551)، ومسلم في «صحيحه» (2649)، والفريابي في «القدر» (49)، و(50)، وابن أبي عاصم في «السنة» (412)، والطبراني في «المعجم الكبير» (271)، وأحمد في «المسند» (ج33 ص103)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (900)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (37) من طريق يزيد الرشك، حدثنا مطرف بن عبدالله بن الشخير، عن عمران بن حصين t به.
قلت: فاعمل أيها المسلم؛ لأن كلا لما يسر له من العمل.
فأما من كان من أهل السعادة، فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فإنه يعمل للشقاوة.
قال الحافظ البيهقي / في «القضاء والقدر» (ج1 ص235): (باب ذكر البيان أن ليس أحد من بني آدم؛ إلا وقد كتب سعادته وشقاوته، وكتب مكانه من الجنة أو النار، وأن أهل كل واحد منهما ميسرون لأعمالها.
قال الله تعالى: ]فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى[ [الليل: 5-10]). اهـ
30) وعن عمر بن الخطاب t، عن النبي r قال: (وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال: يا رسول الله فيم نعمل؟ أنعمل في شيء قد خلا، أو مضى، أو شيء نستأنف الآن؟ قال r: في شيء خلا ومضى. فقال الرجل: ففيم العمل؟ قال r: إن أهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وإن أهل النار ميسرون لعمل أهل النار).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص151)، وأبو داود في «سننه» (4696)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص27)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (32) من طريق عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، وحميد بن عبد الرحمن به.
31) وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا، فيقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال: قال الملك: أي رب ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (318)، و(3333)، و(6595)، ومسلم في «صحيحه» (2646)، والفريابي في «القدر» (144)، والآجري في «الشريعة» (346)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (62)، وابن أبي عاصم في «السنة» (187)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص116 و148)، وعبدالله بن أحمد في «السنة» (860) من طريق حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي بكر، عن جده أنس بن مالك t به.
32) وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: (إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2651)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص484)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (77) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة t به.
قلت: والأجر لا ينال إلا بعمل صالح مما شرعه الله تعالى، وشرعه رسوله r؛ يعني: لا ينال ما عند الله تعالى من الثواب إلا بعمل صالح، فعليكم بالاجتهاد في الطاعة.
33) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله r، يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2653)، والفريابي في «القدر» (85)، وابن وهب في «القدر» (17)، وفي «الجامع» (80)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (120)، والآجري في «الشريعة» (342)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1345)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (127)، و(128)، وفي «الأسماء والصفات» (798)، وابن منده في «التوحيد» (11)، وابن أبي أسامة في «العوالي» (62)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (436)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (343) من طريق أبي هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما به.
ﭑ ﭑ ﭑ
([1]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص282)؛ تعليقا على كلمة الإمام أحمد هذه: (هذه حقيقة حال أهل البدع؛ كما قال الإمام أحمد في كتابه «الرد على الزنادقة والجهمية»: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب). اهـ
([2]) قال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة: 176].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص301): (قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه، فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص284): (وأما قوله: بأنهم (متفقون على مخالفة الكتاب)؛ فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم، وأذواقهم، وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب، ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم إلا كتاب منزل من السماء). اهـ
([3]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص222)؛ (وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة). اهـ
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص126)، و(ج4 ص127)، والترمذي في «سننه» (2676)، وأبو داود في «سننه» (4607)، وابن ماجه في «سننه» (34)، وابن حبان في «صحيحه» (5)، والآجري في «الشريعة» (ص46 و47)، وابن أبي عاصم في «السنة» (27).
وإسناده صحيح.
([7]) قال الحافظ البغوي / في «تفسير هذه الآية» في «معالم التنزيل» (ج2 ص86): (قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: المبتدعة من هذه الأمة). اهـ
أخرجه مالك في «الموطأ» (ج2 ص1899)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص93)، من حديث أبي هريرة t.
أخرجه الترمذي في «سننه» (2641)، واللالكائي في «الاعتقاد» (147)، والآجري في «الشريعة» (ص15)، والمروزي في «السنة» (ص18)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (264 و165)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﭭ.
([10]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و116 و117)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص222 و262)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص194 و207)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص882 و928)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص260)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج5 ص185)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص126)، و«معارج القبول» للحكمي (ج3 ص920)، و«الهداية الربانية في شرح العقيدة الطحاوية» للراجحي (ص289)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص598)، و«موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية » للأمين (ج1 ص297).
([11]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و116)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص197)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص157)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج1 ص698)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص148)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص126)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج3 ص454)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص203)، و«جامع البيان» للطبري (ج18 ص681)، و«معارج القبول» للحكمي (ج3 ص939)، و«الهداية الربانية في شرح العقيدة الطحاوية» للراجحي (ص289)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» له (ج11 ص599).
([12]) انظر: «العقيدة الواسطية» لابن تيمية (ص107)، و«الرسالة الصفدية» له (ص58)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص204)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«الرياض الناضرة» للشيخ السعدي (ص151 و152)، و«تيسير الكريم الرحمن» له (ج3 ص461 و462)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص24)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي في «ج13 ص243)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص250)، و«الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (ج3 ص66)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص451)، و(ج13 ص445 و452)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي(ج6 ص65)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل») للراجحي (ج11 ص600).
([13]) قلت: وهذه هي الإرادة الكونية.
والمقصود: هنا الإرادة الكونية: التي: ترادف المشيئة، فما شاء الله تعالى: كان، وما لم يشأ: لم يكن.
([14]) انظر: «معارج القبول» للحكمي (ج3 ص940)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج10 ص321)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و117)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص208 و209)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج7 ص70)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص22)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج4 ص98)، و(ج7 ص131)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص41).
([16]) وانظر: «اتحاف القاري» للشيخ الفوزان (ص523)، و«لمحة عن الفرق الضالة» له (ص29)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص597)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص189)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص570)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص97)، و«شرح لمعة الاعتقاد» له أيضا (ص51)، و«موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية» للأمين (ج1 ص293).
([17]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص36 و37 و38)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص223 و224)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص6 و7)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص381)، وفي «المجتبى» (ج8 ص97 و98)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص24 و25)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص27 و28 و52 و53)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص55 و56)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ص41)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص620 و641)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص412 و413)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص116 و117 و118).
أخرجه أحمد في «المسند» (ج5 ص317)، وأبو داود في «سننه» (4700)، والترمذي في «سننه» (2155)، و(3319).
وقال الترمذي: «حديث حسن غريب»، وقد صححه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص48).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (912)، و(1046)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (249)، وابن منده في «الإيمان» (11)، وابن البختري في «الأمالي» (728).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1735)، ومسلم بن خالد الزنجي في «تفسير القرآن» (ص48).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (912)، و(1046)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (249)، وابن منده في «الإيمان» (11)، وابن البختري في «الأمالي» (728).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (918)، والطبراني في «المعجم الكبير» (2684)، وتمام الرازي في «الفوائد» (1482)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1073)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (476)، والفريابي في «القدر» (102)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1377)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص101).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1056)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1458)، و(1459)، و(1461)، و(1570)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (206)، و(467).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1058)، وأبو داود في «سننه» (136)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9171)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (481)، وفي «شعب الإيمان» (210)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1457)، و(1595).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (858)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (575)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1775)، وعبد الرزاق في «الأمالي» (15).
وإسناده صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (662)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (566)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج1 ص294)، والطبري في «جامع البيان» (ج7 ص243)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (576)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (99)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1776)، وابن المقرئ في «المعجم» (708)، و(786)، و(981).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص185).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (881)، والطبري في «جامع البيان» (ج10 ص91).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (882)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (15200)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (234).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص433)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص789)، وفي «شعب الإيمان» (9313)، والطبري في «جامع البيان» (ج27 ص135).
وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص176).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (5650)، و(5653)، و(5654)، والطبري في «جامع البيان» (ج7 ص240 و242)، واللالكائي في «الاعتقاد» (855)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (574).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج2 ص185).
أخرجه أبو داود في: كتاب: «السنة»، باب: «في القدر» (4700)، والترمذي: في كتاب: «القدر»، باب: «ما جاء في الرضى بالقضاء» (2155)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص317).
([35]) أخرجه البخاري: في كتاب: «التوحيد»، باب: قول الله: ]قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن[ [الإسراء:110]؛ رقم (7377)، ومسلم: في كتاب: «الجنائز» (923).
([36]) قلت: وذم الله تعالى الخوض في القدر.
وانظر: «الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (142).
([39]) وانظر: «شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص187 و193 و196 و198)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص570 و571)، و«أصول السنة» لابن أبي زمنين (ص197)، و«شرح صحيح البخاري» للأصبهاني (ج5 ص259)، و«التحرير في شرح صحيح مسلم» له (ص531)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص482)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص466)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج11 ص478)، و«الرسالة الوافية» للداني (ص63 و64)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص598 و599)، و«الرياض الناضرة» للشيخ السعدي (ص151 و152).
([40]) وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج9 ص342)، و(ج11 ص478)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج3 ص186)، و«غريب الحديث» للخطابي (ج2 ص186)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص205)، و«شرح الموطأ» للزرقاني (ج4 ص388)، و«مشارق الأنوار» للقاضي عياض (ج1 ص350)، و(ج2 ص68 و358)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص599)، و«تنوير الحوالك» للسيوطي (ج2 ص208)، و«التعليق على الموطأ» للوقشي (ج2 ص311)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج26 ص83)، و«المنتقى» للباجي (ج7 ص207).
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص63)، والطبري في «جامع البيان» (ج13 ص563 و564)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1049)، و(1050)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (872)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1565)، والفاكهي في «أخبار مكة» (418)، والبيهقي في «القضاء والقدر» معلقا (ص216).
وإسناده حسن.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج4 ص324)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج4 ص390).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (865)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (915)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (219)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (491)، والخلال في «السنة» (1889)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج10 ص324)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج14 ص208).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1739)، وابن الضريس في «فضائل القرآن» (152)، واللالكائي في «الاعتقاد» (852)، والطبري في «جامع البيان» (ج19 ص412).
وإسناده صحيح.
([45]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و116 و117)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص222 و262)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص194 و207)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«الشريعة» للآجري (ج2 ص882 و928)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص260)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج5 ص185)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص126)، و«معارج القبول» للحكمي (ج3 ص920)، و«الهداية الربانية في شرح العقيدة الطحاوية» للراجحي (ص289)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص598)، و«موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية » للأمين (ج1 ص297).
([46]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و116)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص197)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص157)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج1 ص698)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص148)، و«شرح العقيدة الواسطية» للشيخ الفوزان (ص126)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج3 ص454)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص203)، و«جامع البيان» للطبري (ج18 ص681)، و«معارج القبول» للحكمي (ج3 ص939)، و«الهداية الربانية في شرح العقيدة الطحاوية» للراجحي (ص289)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» له (ج11 ص599).
([47]) انظر: «العقيدة الواسطية» لابن تيمية (ص107)، و«الرسالة الصفدية» له (ص58)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص204)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص573)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101)، و«الرياض الناضرة» للشيخ السعدي (ص151 و152)، و«تيسير الكريم الرحمن» له (ج3 ص461 و462)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص24)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي في «ج13 ص243)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص250)، و«الفصل في الملل والنحل» لابن حزم (ج3 ص66)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص451)، و(ج13 ص445 و452)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج6 ص65)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل») للراجحي (ج11 ص600).
([48]) قلت: وهذه هي الإرادة الكونية.
والمقصود: هنا الإرادة الكونية: التي: ترادف المشيئة، فما شاء الله تعالى: كان، وما لم يشأ: لم يكن.
([49]) انظر: «معارج القبول» للحكمي (ج3 ص940)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج10 ص321)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ج1 ص91 و117)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص208 و209)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (ج7 ص70)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص22)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج4 ص98)، و(ج7 ص131)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص41).
([50]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص256 و261)، و(ج13 ص36 و37)، و«مجموعة الرسائل والمسائل» له (ص150 و152 و169)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص297 و320)، و«معارج القبول» للحكمي (ج2 ص348 و363).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج16 ص269)، واللالكائي في «الاعتقاد» (886).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (896)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص10 و11).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1109)، و(1132)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (983)، والآجري في «الشريعة» (546)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (522)، والخلال في «السنة» (898)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص44)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (129).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (1269)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (892)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1135).
وإسناده صحيح.
* وعكرمة بن عمار: هنا مستفت فقط، فتنبه.
([55]) وانظر: «الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص222 و262)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص348)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج8 ص291 و513)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص187 و188 و191 و192 و193 و204) و«التعليق على صحيح مسلم» له (ج1 ص101 و102)، و«الرسالة الوافية» للداني (ص63 و64)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص598 و599 و600)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص250).
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (838)، و(839)، والطبري في «جامع البيان» (ج24 ص416) من طرق عن ابن عباس ﭭ به.
وإسناده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (837)، والطبري في «جامع البيان» (ج24 ص415)، والطبراني في «المعجم الكبير» (9097)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج1 ص295)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (1619)، وابن أبي حاتم في «العلل» (ج3 ص96)، والحاكم في «المستدرك» (3992)، والمقرئ في «المعجم» (1148).
وإسناده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (832)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (7).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (891)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص348)، وفي «القضاء والقدر» (568)، وفي «معرفة السنن» (337)، و(338)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص118 و119)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1881)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1788).
وإسناده صحيح.
([61]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص449)، و«الرسالة الصفدية» له (ص58)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ص3)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص348)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص260)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج5 ص185)، و«الرياض الناضرة» له (ص151 و152)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج11 ص491)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص220 و221)، و«شرح لمعة الاعتقاد» له (ص51 و53)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص101 و102)، و«الرسالة الوافية» للداني (ص64)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص598 و599 و600).
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (913)، والفريابي في «القدر» (259)، و(260)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (391)، و(975)، واللالكائي في «الاعتقاد» (980)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (447).
وإسناده صحيح.
والأثر صححه: البيهقي في «الاعتقاد» (ص292)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ص547).
([63]) انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص141)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج9 ص34)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص30)، و«إكمال إكمال المعلم» للسنوسي (ج1 ص51).
([67]) فالقدرية الأولى: هم الذين أنكروا: أن يكون الله تعالى علم بالأشياء قبل كونها، يعني: أن الله تعالى لا يعلم بالأشياء، حتى تقع، فكفرهم الصحابة y.
([68]) وانظر: «الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص19)، و«الإيمان» لابن تيمية (ص368)، و«حاشية كتاب التوحيد» لابن قاسم (ص365)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص601).
([69]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص254 و255)، و«الفتوى الحموية الكبرى» له (ص533 و537)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج1 ص9)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص85)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص218 و219)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص574)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص88 و89)، و«لمحة عن الفرق الضالة» للشيخ الفوزان (ص29 و30)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص602)، و«التعريفات» للجرجاني (ص92).
([77]) وانظر: «التوحيد» للماتريدي (ص256 و257)، و«القضاء والقدر» للمحمود (ص182)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص219 و220)، و«الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» للجويني (ص219)، و«الإنصاف فيما يجب اعتقاده، ولا يجوز الجهل به» للباقلاني (ص46)، و«الماتريدية» للحربي (ص444 و447).
أخرجه أبو داود في كتاب: «السنة»، باب: في «القدر»، (4691) عن ابن عمر ﭭ.
وأخرجه ابن ماجه في «المقدمة»، باب: في «القدر»، (92) عن جابر بن عبد الله ﭭ.
([81]) وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص652 و755 و763)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج16 ص832 و833 و834)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص221 و222)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج12 ص110)، و«جامع البيان» للطبري (ج18 ص11).
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص219)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص245 و510) من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أحمد بن يحيى بن ثعلب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص678) من طريق همام عن قتادة قال: (كانت العرب، تثبت القدر، في الجاهلية، والإسلام).
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (1432)، وأبو داود في «سننه» (4619)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص21)، واللالكائي في «الاعتقاد» (862)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (509)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1300)، و(1700).
وإسناده صحيح.
([84]) انظر: «توفيق رب البرية» للغامدي (ص68)، و«لمحة عن الفرق الضالة» للشيخ الفوزان (ص29 و30)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص219)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص574)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص89)، و«الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص537)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص602)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص165).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (172)، و(15205)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص348)، واللالكائي في «الاعتقاد» (887).
وإسناده صحيح.
([89]) انظر: «شرح الأصول الخمسة» لعبد الجبار المعتزلي (ص132 و301).
* وانظر: «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ص49 و52)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص448).
([91]) وهم: الذين اعتزلوا: «جماعة المسلمين»، وخالفوهم في الاعتقاد، في عهد التابعين.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص484)، و(ج8 ص228)، و(ج13 ص37 و38).
([93]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص182 و183)، و(ج7 ص484)، و(ج8 ص228)، و«بيان تلبيس الجهمية» له (ج2 ص564)، و«المعتزلة» للعقل (ص127)، و«شرح الأصول الخمسة» لعبد الجبار المعتزلي (ص342 و343 و345 و346)، و«المغني في أبواب العدل والتوحيد» له (ج6 ص5 و6 و9 و13 و17 و34 و35)، و«منهج المدرسة العقلية في التفسير» للرومي (ص44 و65)، وكتاب: «العصرانيين بين مزاعم التجديد، وميادين التغريب» للناصر (ص18 و19 و20)، و«المعتزلة: وأصولهم الخمسة» للمعتق (ص 81 و151 و209 و255 و265)، و«المحيط بالتكليف» لابن منتويه المعتزلي (ص21 و232 و233).
([95]) وانظر: «منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص610).
قلت: فالأشاعرة: يثبتون للعبد، كسبا، لكنه كسب لا تأثير له.
فالعبد: لا فعل له، ولا تأثير لفعله، والفاعل، والأفعال: أفعال الله تعالى.
([96]) وانظر: «شرح المقاصد في علم الكلام» للتفتازاني (ج2 ص168)، و«موقف العقل والعلم» لمصطفى صبري (ج3 ص392)، و«تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد» للبيجوري (ص105)، و«توفيق رب البرية» للغامدي (ص55 و56).
قلت: فالأشاعرة: توجد الآن، وهم: «جبرية» في القدر.
([97]) وانظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص47)، و«توفيق رب البرية في حل المسائل القدرية» للغامدي (ص47)، و«لمحة عن الفرق الضالة» للشيخ الفوزان (ص29 و30)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص204 و205)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص574)، و«التعليق على صحيح مسلم» له أيضا (ج1 ص89)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص600 و601).
([99]) وانظر: «التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع» للملطي (ص52 و53)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص153 و154)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج2 ص305)، و«الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص132)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص143)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص114 و115)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج4 ص1538)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ج14 ص574).
([100]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص288)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص253 و263)، و«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» للالكائي (ج4 ص706 و711)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج1 ص103)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص154).
([101]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص150)، و(ج7 ص384)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص302)، و«الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص221)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص89 و134).
([104]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص256)، و«منهاج السنة» له (ج1 ص9)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص110 و111 و137)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص204 و205 و213 و219)، و«التعليق على صحيح البخاري» له (ج14 ص574)، و«التعريفات» للجرجاني (ص92)، و«منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل» للراجحي (ج11 ص601 و602)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص256 و257).
([105]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ص111)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص206)، و«شرح العقيدة السفارينية» له (ص364)، و«القضاء والقدر» للمحمود (ص434)، و«توفيق رب البرية في حل المسائل القدرية» للغامدي (ص93)، و«القضاء والقدر» للأشقر (ص104)، و«الاحتجاج بالقدر» لابن تيمية (ص34)، و«منهاج السنة» له (ج2 ص35 و36)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص279 و280)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص305 و306 و308 و314 و315).
([106]) وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص279 و280)، و«منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص35 و36)، و«القضاء والقدر» للمحمود (ص434 و435).
([107]) وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص280 و281)، و«منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص36)، و«القضاء والقدر» للمحمود (ص436 و437).
([111]) وهو: رئيس معتزلة البصرة، بعد أبيه، وهو: عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، توفي في سنة: «321هـ».
([112]) وانظر: «شرح الأصول الخمسة» لعبد الجبار الهمذاني المعتزلي (ص440 و457 و458)، و«المغني في أبواب العدل والتوحيد» له (ج6 ص218)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص305 و306 و308 و314 و315)، و«الاقتصاد في الاعتقاد» للغزالي (ص106)، و«المعتزلة وأصولهم الخمسة» للمعتق (ص103 و104 و105 و106)، و«نهاية الإقدام في علم الكلام» للشهرستاني (ص243)، و«منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص95)، و«الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص181).
([114]) وانظر: «المعتزلة وأصولهم الخمسة» للمعتق (ص105 و107)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص154 و155).
([115]) وانظر: «دقائق تفسير القرآن» لابن تيمية (ج5 ص184 و193)، و«رسالة إلى أهل الثغر» للأشعري (214).
([119]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص475 و476)، و«شفاء العليل» لابن القيم (ص280)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص115 و117)، و«لوامع الأنوار البهية» للسفاريني (ج1 ص338 و339)، و«الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار» لابن أبي الخير (ج1 ص256 و276 و277).
([123]) مثل: «الفرقة الإخوانية»، و«الفرقة القطبية»، و«الفرقة السرورية»، و«الفرقة التبليغية»، و«الفرقة الداعشية»، و«الفرقة الربيعية»، و«الفرقة التراثية»، وغيرها.
([124]) ومنهم: من جعل في ذلك؛ مثل: النظريات التي تقول: إن الإنسان، ما هو إلا حيوان، يسعى لإشباع غرائزه المختلفة فقط، وهذا رفض لقضاء الله تعالى، وما قدره في الإنسان.
* وهذه النظريات تقضي على الإنسان، وعلى فطرته التي فطره الله تعالى عليها، وهي: الإسلام.
* وهكذا: جاءت هذه النظريات: «الجبرية»، لتجعل الإنسان: يستسلم لغرائزه، وميوله إلى شهواته، وحاجاته المادية.
([126]) فسر: القدر بالنظام، ثم فسر الكفر، بأنه: كفر بالإنسانية، وعلى هذا، «فاليهود»، و«النصارى»، هم: مؤمنون، عنده، لأنهم: لم يكفروا بالإنسانية!، نعوذ بالله من الخذلان.
([128]) مثل: وباء «كورونا» في هذا العصر، في السنوات التي مضت؛ فإن المثقفين، اضطربت أقوالهم في العالم، ففي كل فترة، يقدرون بأقوالهم، بأنه سوف ينتهي هذا الوباء بعد فترة، أو في سنة كذا، من دون قدر الله تعالى في علمه، هل يبقى، أو ينتهي، وترى الأمر لا يزداد إلا شدة في كل سنة، ولم ينته في قدر الله تعالى، ونحن الآن في سنة: « 1443هـ».
([129]) مثل: ما يقولون، نحن سنفعل كذا... ونحن سنفعل كذا، من دون كلمة: «إن شاء الله»: ]ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله[ [الكهف:23 و24].
([132]) قلت: وعلى حرية الاختيار، عامة المثقفين في البلدان، وأنهم: يعتقدون بأفعالهم، وأقوالهم، الحرية المطلقة في الحياة، وأن هذه الحرية قائمة؛ بإرادتهم، وبمشيئة أنفسهم، من دون الله تعالى، فهم: لا يشعرون أن الحرية في اختيارهم، كانت بقدر الله تعالى، ومشيئته.
قال تعالى: ]وما تشاءون إلا أن يشاء الله[ [القيامة: 30].
([133]) وانظر: «مشكلة القدر، والحرية في المسرح الغربي المعاصر» لعماد الدين خليل (ص34 و37)، و«الاختيار وحرية الإرادة في الإسلام» لمريم جميلة (ص42)، و«القضاء والقدر» للمحمود (ص217 و218).
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (973)، والفريابي في «القدر» (268)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1012)، والآجري في «الشريعة» (454).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (831)، و(1011)، و(1222)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1550)، و(1628)، والحسن بن عرفة العبدي في «جزئه» (10)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص345)، وفي «القضاء والقدر» (406)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج10 ص3321).
وإسناده حسن.
وأورده البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (ج6 ص280)، من رواية: أحمد بن منيع في «مسنده»، ثم قال: (هذا إسناد رواته ثقات).
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج13 ص306).
أخرجه الخلال في «السنة» (918)، و(950)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1641)، والفريابي في «القدر» (215)، والآجري في «الشريعة» (446)، واللالكائي في «الاعتقاد» (983)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (163).
وإسناده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (986)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1987).
وإسناده حسن.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (970)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (368)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص439 و440 و441)، وسفيان الثوري في «حديثه» (296)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص84)، واللالكائي في «الاعتقاد» (912)، و(1070)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (185)، و(186)، وابن منده في «الإيمان» (11)، و(12)، والدارقطني في «السنن» (2671)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج1 ص216).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14915)، و(30429)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5852)، وابن طهمان في «مشيخته» (184)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (274)، واللالكائي في «الاعتقاد» (914)، و(915) من طرق عن ابن عمر ﭭ به.
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «الرد على الجهمية» (1006)، واللالكائي في «الاعتقاد» (978)، والطبري في «جامع البيان» (ج20 ص361)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (530).
وإسناده حسن.
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص119)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص44)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص787)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص276 و277)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص682)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص425)، والآجري في «الشريعة» (ص218).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1008)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1130)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (41)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1517)، و(1548).
وإسناده صحيح.
وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، إلا أنه موقوف.
أخرجه أبو عمرو الداني في «الرسالة الوافية» (ص155)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص138)، والآجري في «الشريعة» (137).
وإسناده صحيح.
أخرجه الفريابي في «القدر» (295)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1708)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1094)، والآجري في «الشريعة» (ص199).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1094)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1676)، و(1703)، والآجري في «الشريعة» (462)، والفريابي في «القدر» (295).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (3072)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1535)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (991)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1099)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص162).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص93 و95).
أخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص505)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص121).
وإسناده حسن.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (7)، و(88)، و(1274)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1021)، والخلال في «السنة» (1692)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (254)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص830).
وإسناده حسن.
([154]) منهم: الإمام مالك، والإمام سفيان الثوري، والإمام الشافعي، والإمام الليث بن سعد، والإمام أحمد، والإمام الأوزاعي، والإمام ابن راهويه، والإمام سفيان بن عيينة، وغيرهم.
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ص371)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1166)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج11 ص430)، و(ج60 ص298)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1958).
وإسناده حسن.
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص813)، والمزي في «تهذيب الكمال» (3/ ق1392/ط)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج4 ص221)، والفريابي في «القدر» (238)، و(399).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (999)، وفي «زوائد المسند» (ج10 ص120)، وفي «العلل ومعرفة الرجال» (5249)، والفريابي في «القدر» (1281)، واللالكائي في «الاعتقاد» (161)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج31 ص328)، و(ج48 ص198 و210)، والعقيلي في «الضعفاء» (ج3 ص437).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص156 و157)، وأبو عمرو الداني في «الرسالة الوافية» (ص164)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص304)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج2 ص463).
وإسناده حسن.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج3 ص350).
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص159).
وإسناده صحيح.
وذكره البربهاري في «شرح السنة» (ص122)، وابن تيمية في «الفتاوى» (ج3 ص350).
([162]) أثر صحيح عن أبي حاتم، يحكي عن أهل العلم، وهم: السلف.
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص159).
وإسناده صحيح.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1016)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج5 ص188)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (889)، و(893)، والفريابي في «القدر» (239)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1552)، والآجري في «الشريعة» (492)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص790 و791).
وإسناده صحيح.
أخرجه الحسن بن عرفة في «جزئه» (111)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (1001)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1837)، و(1843)، والفريابي في «القدر» (396)، و(397)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1155)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (543)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج1 ص219).
وإسناده حسن.
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (1188)، وحرب الكرماني في «المسائل» (1049).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخلال في «السنة» (874)، و(875)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1156).
وإسناده صحيح.
أخرجه الفريابي في «القدر» (221)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1186).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الخطيب في «الكفاية» (334)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1862)، وابن نقطة في «التقييد» (ص438) من طريق أصبغ بن الفرج، ويونس بن عبد الأعلى؛ كلاهما: عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس به، وزاد: «ولا تحمل عنهم الرواية».
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1875)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1200).
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (873)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1189).
وإسناده صحيح.
وأخرجه صالح بن أحمد في «سيرة الإمام أحمد» (ص75)، فقال: سألت، أبي: يصلي الرجل خلف القدري، إذا قال: (إن الله لا يعلم ما يعمل العباد، حتى يعملوا؟، قال: لا يصلي خلفه).
وأخرجه ابن هانئ في «المسائل» (4302).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (106)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1187)، وابن أبي عاصم في «السنة» (204)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1859)، و(1860)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص326)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (556) من طرق عن مالك بن أنس به.
وإسناده صحيح.
أخرجه أبو طاهر السلفي في «الطيوريات» (292)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1193)، والخلعي في «الخلعيات» (1014)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص103)، وابن حبان في «الثقات» (ج8 ص166 و415).
وإسناده صحيح.
أخرجه حرب الكرماني في «المسائل» (ج3 ص1046)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1195).
وإسناده حسن.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (832)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (18829)، و(1998)، و(1999)، والفريابي في «القدر» (270)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1116)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج14 ص348).
وإسناده صحيح.
([184]) إذن: «ففرقة القدرية»، هم الذين أنكروا: علم الله تعالى السابق، وزعموا أنه تعالى لم يقدر أفعال العباد سلفا، ولم يعلمها، ولم يكتبها في «اللوح المحفوظ»، نعوذ بالله من الخذلان.
([185]) وينكرون عموم مشيئة الله تعالى، وقدرته، وخلقه؛ لأفعال العباد.
* فأنكروا أن يكون الله تعالى خالقا: لأفعال العباد، أو بعضها.
* وقالوا: أن الله تعالى لا يخلق الشر، وهذا ما استقرت عليه: «فرقة القدرية»، من أصول فاسدة.
([187]) وما نسب في «القدر»؛ للحسن البصري، ومحمد بن الحنفية، لم يثبت، ولا يصح عنهما.
وانظر: «الاعتقاد» للالكائي (ج1 ص133)، و«السنة» لعبد الله بن أحمد (ج2 ص391)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص178)، و«سير أعلام النبلاء» له (ج4 ص579 و580 و583).
([188]) مثل: قتادة السدوسي، وهشام الدستوائي، وثور بن يزيد.
وهؤلاء قالوا: «كل شيء بقدر؛ إلا المعاصي».
وانظر: «تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج1 ص124 و164 و175)، و«سير أعلام النبلاء» له (ج7 ص313 و315).
([189]) مثل: مكحول الشامي، رمي بـ«القدر»، ولم يثبت عنه، ولا يصح، وقد برأه الأوزاعي وغيره.
انظر: «السنة» لعبد الله بن أحمد (ج2 ص291)، و«القدرية» للعقل (ص50).
([191]) يعني: لكونهم كانوا يتشددون في الإنكار للمعاصي، فكل من شدد عليهم في المعاصي، قالوا: «هذا قدري».
وانظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (ج3 ص25) .
([192]) وانظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج4 ص324)، و«جامع البيان» للطبري (ج16 ص39 و40)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج5 ص397)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج9 ص327).
([194]) قلت: فهذا محوه، وهذا مكتوب، ويثبت ما يشاء ممن بقي أجله، ورزقه وأكله، فيتركه على ما هو عليه فلا يمحوه، لأنه غير مكتوب.
([195]) وهذه الصحيفة صحيحة، وهي مثل الكتاب الصحيح الذي يرويه الراوي عن شيخه، ولم يلقاه، أو يسمع منه مباشرة.
إلا فيما أخطأ في هذا الكتاب، وخالف الثقات، فإنه يعتبر شاذا لا يحتج به.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص698): (علي بن أبي طلحة؛ صدوق قد يخطئ)
([197]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ص13 و14)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«الثقات» لابن حبان (ج7 ص1981)، و«تقييد العلم» للخطيب (ص136).
([198]) وكان ابن عباس يكثر من الكتابة من التفسير، وكان يملي على تلاميذه التفسير، فيدونونه، ثم يروونه عن ابن عباس .
([199]) وانظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص118)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص240)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص490)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص299).
([200]) فابن عباس قد كتب تفسيره بنفسه، ثم رواه عنه علي بن أبي طلحة.
وهناك كتب في التفسير: رواها تلاميذ ابن عباس عنه بعد أن كتبها بنفسه.
وهناك تفاسير أخرى دونها تلاميذه عنه مباشرة بالسماع.
وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص90)، و«الناسخ والمنسوخ» لابن النحاس (ج1 ص13)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج1 ص115)، و«الدر المنثور» له (ج6 ص423)، و«التفسير المقرون» للذهبي (ج1 ص277)، و«التعليق على تفسير الطبري» للشيخ أحمد شاكر (ج2 ص528).
أخرجه ابن النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص14).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الإتقان» (ج2 ص188).
([204]) وهذا يدل أن ابن عباس رضي الله عنهما كتب هذا التفسير في كتاب، وأخذه عنه علي بن أبي طلحة ورواه، وهو كتاب صحيح.
قلت: ولو ضربنا على هذا الكتاب، وتركناه، فقد تركنا علما كثيرا في تفسير القرآن، لابن عباس، وهذا هو الخسران المبين، فافطن لهذا.
([205]) فروى الإمام البخاري الكثير منها في «صحيحه»، ولم ينقل كل مافي الصحيفة، فانتبه.
ما روى البخاري في «صحيحه» عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة ذكره ابن حجر في «تغليق التعليق» (ج2 ص26 و254 و394 و430)، و(ج3 ص7 و60 و430 و434 و508)، و(ج4 ص 8 و9 و23 و25 و31 و33 و186 و209 و215 و242 و249 و256 و270 و271 و281 و285 و292 و296 و303 و304 و305 و312 و354 و406 و516 و526)، و(ج5 ص107 و180 و190 و265 و380) وغيرها.
([207]) وانظر: «التحبير في علم التفسير» للسيوطي (ص332)، و«الدعاء» للطبراني (ج2 ص1263)، و(ج3 ص1497)، و«التوبيخ والتنبيه» لأبي الشيخ (ص82 و107)، و«تاريخ جرجان» للسهمي (ص467)، و«المكتفى» للداني (ص406 و407).
([209]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج16 ص39 و40)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج9 ص327)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج8 ص468)، و«القضاء والقدر» للبيهقي (ص214)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص523)، و«تفسير القرآن» لعبدالرزاق (ج2 ص338)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج8 ص165)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج5 ص312)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج4 ص324).
([214]) وانظر: «تفسير القرآن» للمراغي (ج5 ص155 و156)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج13 ص111)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص520)، و«التفسير الكبير» للرازي (ج10 ص64 و65)، و«جامع البيان» للطبري (ج13 ص112)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج15 ص329).
أخرجه البيهقي في «القضاء والقدر» (258)، والطبري في «جامع البيان» (ج25 ص65).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص519).
([221]) قوله r: (ينسأ له في أثره)؛ معناه: يؤخر له في أجله، يقال: نسأ الله في عمرك: آخر العمر، وسمي الأجل أثرا؛ لأنه يتبع العمر.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص429)، و«المنهاج» للنووي (ج16 ص114)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي(ص68).
([226]) أي: على ظهر الراحلة راجعا إلى المدينة.
وانظر: «المنهاج» للنووي (ج14 ص208)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص189).
([227]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص517)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص114)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص430)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص89).
ويسمى الآخر: «القدر المثبت، أو المطلق».
([231]) قلت: فلا بد لابن آدم أن يصيب الضلالات بسبب ذلك، فتدخل على قلبه الموبقات التي يستوجب بها دار الفاسقين.
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1680)، والحاكم في «المستدرك على الصحيحين» (ج2 ص328)، والطبري في «جامع البيان» (ج11 ص108)، وخشيش بن أصرم في «الاستقامة» (ج7 ص83 –الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج8 ص83).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج9 ص143)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (268)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص353)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1681).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص298)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص85).
([237]) قلت: وفي الآية الحض على المبادرة بالطاعة التي دعاهم الله تعالى لها قبل أن يحول الله تعالى بين المرء وبين قلبه، فيقبضه فيموت على الضلالة والعياذ بالله.
وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج4 ص163).
([239]) ذراع: المراد بالذراع التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه، وإن تلك الدار ما بقي بينه وبين أن يصلها إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع.
انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص46).
([244]) (أفلا نمكث على كتابنا)؛ يعني: إذا سبق القضاء بمكان كل نفس من الدارين، وما سبق به القضاء فلا بد من وقوعه، فأي فائدة في العمل، فندعه. وجوابه أن الله سبحانه غيب عنا المقادير. وجعل الأعمال أدلة على ما سبقت به مشيئته من ذلك. فأمرنا بالعمل، فلا بد من امتثال أمره.
انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص47).
([245]) وانظر: «القدر» للفريابي (ص191 و192)، و«الشريعة» للآجري (ج1 ص746)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج2 ص53)، و«القضاء والقدر» للبيهقي (ص162)، و«الرد على الجهمية» للدارمي (ص322)، و«السنن» للترمذي (ج4 ص445)، و«خلق أفعال العباد» للبخاري (ص113).
يقال: استأنفت الشيء: إذا ابتدأته، وفعلت الشيء آنفا؛ أي: في أول وقت يقرب مني.
وقولهم: «إنما الأمر أنف»؛ أي: مستأنف استئنافا من غير أن يكون سبق به سابق قضاء وتقدير.
وإنما هو مقصور على اختيارك، ودخولك فيه.
وانظر: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص75 و76).