الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / العرض في أن الإسلام قد وصل إلى المدن والقرى والبوادي والصحاري على وجه الأرض
العرض في أن الإسلام قد وصل إلى المدن والقرى والبوادي والصحاري على وجه الأرض
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
87 |
العرض
في أن الإسلام قد وصل إلى المدن والقرى والبوادي والصحاري على وجه الأرض
دراسة أثرية، منهجية، علمية؛ في قمع «المرجئة العصرية»، و أن الإسلام قد تكفل الله تعالى بنشره، وبيانه للخلق، وأنه سوف يصل إلى جميع الخلق على وجه الأرض، في المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر لأحد يجهل بعد ذلك الإسلام، والرسالة المحمدية، ولا يعذر بجهله للأصول، أو الفروع في الدين، وهذا من باب إقامة الحجة على الناس إلى قيام الساعة.
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
دراسة أثرية، منهجية، علمية؛ في قمع «المرجئة العصرية»، و أن الإسلام قد تكفل الله تعالى بنشره، وبيانه للخلق، وأنه سوف يصل إلى جميع الخلق على وجه الأرض، في المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر لأحد يجهل بعد ذلك الإسلام، والرسالة المحمدية، ولا يعذر بجهله للأصول، أو الفروع في الدين، وهذا من باب إقامة الحجة على الناس إلى قيام الساعة.
|
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
في
عدم العذر بالجهل في أصول الدين
في هذا الزمان لوجود الوسائل الحديثة
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (الحمد لله وبعد: فإن مسألة العذر بالجهل مسألة فيها تفصيل؛ خلافا: «للمرجئة» الذين يعتمدون عليها، ولا يفصلون.
* وذلك أن الجاهل له حالتان:
* حالة: من يكون بعيدا، منعزلا؛ لم تبلغه الدعوة؛ فهذا: يعذر بجهله، حتى تبلغه الدعوة على وجه يفهمه إذا أراد.
* وحالة: من بلغته الدعوة؛ فهذا: لا يعذر بالجهل؛ لأنه مقصر في عدم تعلمه وإزالة جهله، وذلك في مسائل الاعتقاد الواضحة.
* وأما في مسائل الاجتهاد الفرعية الخفية: فيعذر الجاهل حتى توضح له.
واليوم -والحمد لله- وجدت وسائل الاتصال، ووسائل الإعلام؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله، وقد قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله؛ لأنه هو المفرط)([1]).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
لا عذر للجاهل المهمل في التفقه في الدين، وقد وقع في الشرك الأكبر، تقليدا لعلماء السوء، في دار الإسلام
قال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص19): (وهذا من أعظم ما يبين الجواب عن قوله([2]) في الجاهل العابد لقبة الكواز؛ لأنه لم يستثن في ذلك لا جاهلا، ولا غيره، وهذه طريقة القرآن، تكفير من أشرك مطلقا). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم؛ إنما هو مجرد اتباعهم، وتقليدهم في أمور مكفرة([3])، فالمقلد يكفر إذا تمكن من العلم، وتمكن من معرفة الحق([4])؛ فأعرض عنه، وعاند وأصر على باطله، كمن يكون في دار الإسلام. ([5])
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص15): (فالواجب على الرجال والنساء: من المسلمين، هو: التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم: خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه، ولا سبيل إلى ذلك، إلا بالعلم، والعلم لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال: لأهل العلم، حتى يتعلم الجاهل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص26): (بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا، وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم.
* هذا الواجب عليهم،أما إذا سكتوا، واستمروا على عبادة الأموات، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم: الشفاعة، أو شفاء المريض، أو رد الغائب، أو ما أشبه ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص18): (مع أن العلامة ابن القيم / جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في: «المسائل المكفرة»: إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك، وأعرضوا ولم يلتفتوا). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «القواعد» (ص343): (إذا زنى من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين، وادعى الجهل بتحريم الزنا، لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك). اهـ
قلت: والمقصود من كلام الإمام ابن رجب /، أن حكم الزنا مشتهر، وذائع في دار الإسلام.
* فحتى؛ وإن كان الزاني الذي ادعى الجهل صادقا في دعواه، فإنه لا يقبل منه ذلك؛ لتقصيره في تعلم أحكام الإسلام، التي هي من قبيل المعلوم من الدين.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
لا عذر للجاهل المقلد في: «الشرك الأكبر»،
إذا وقع فيه، وهو لا يشعر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ص178): (وبالجملة؛ فمن قال، أو فعل ما هو كفر: كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد؛ إلا ما شاء الله). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج12 ص315)؛ عن حديث: الخوارج: (وفيه أن من المسلمين، من يخرج من الدين من غير، أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا، على دين الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص248)؛ عن أمور الشرك: (هذه أمور معلومة من الدين بالضرورة، ومشهورة بين المسلمين، فلا يعذر من قال: «إني أجهل» وهو بين المسلمين). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
والعاقبة للمتقين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد،
* لقد أنزل الله تعالى الكتاب تبيانا لكل شيء.
قال تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل:89].
* كما أن هذا الكتاب: واضح في نفسه وبين.
قال تعالى: ]آلر تلك آيات الكتاب المبين [ [يوسف:1].
*وهو ميسر لمن أراد تعلمه، والاستفادة من هديه.
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر:17].
* فكلام الله تعالى يفهمه من سمعه، لأنه ميسر، وكذلك كلام الرسول r، لأنه مفسر.
* غير أن هذه المسألة: تتفاوت من عبد إلى آخر، إذا كانت على التفصيل، أما على الإجمال، فهذه الشريعة يفهمها كل أحد ابتداء، فإن الفهم لا يفوت جميعهم، لأن قدرات المكلفين تتفاوت في التفصيل في الأحكام في الفروع، والأصول.
* فمن منطلق: وضوح: «الرسالة» في نفسها، ثم توضيح الرسول r: لها أحسن توضيح، اعتبر أهل العلم، أن بلوغ الحجة كاف لقيامها على العباد.
* فلم يشترطوا: فهم الخطاب التفصيلي، بل يكفي: فهم الخطاب الإجمالي في إقامة الحجة على العباد.
ولذلك قالوا: إن كل من بلغه القرآن، وخبر الرسول r، قد قامت عليه الحجة، ولا داعي لبحث، هل فهم مراد الخطاب، أم لم يفهمه، لأن الشريعة بينة لكل أحد، إذا بلغته؛ بأي: وسيلة كانت. ([6])
* ولهذا: كان التكليف؛ بما يطاق من أهم مميزات ديننا الحنيف، فلو كان خطاب الله تعالى، غير مفهوم، لدى الناس، وهم أمروا بالعمل بمقتضاه، لكان ذلك تكليفا بما لا يطاق، وهذا ممتنع في دين الله تعالى.
* فجاء الرسول r: بالبينات، وجوامع الكلم.
قال تعالى: ]ولقد أنزلنا إليك آيات بينات[ [البقرة:99].
وقال تعالى: ]شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان[ [البقرة:185].
* والبيان: ما بين به الشيء من الدلالة، وبان الشيء، بيانا: اتضح، فهو بين، واستبان الشيء: ظهر.
والتبين: الإيضاح، والتبيين: الوضوح، والبيان: إظهار المقصود، بأبلغ لفظ. ([7])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج17 ص128)، و(ج18 ص134)؛ عن تفسير الآيات: (البينات؛ أي: دلالات واضحات... ومبينات؛ أي: صارت مبينة، بنفسها الحق). اهـ
* والله تعالى أرسل رسوله r؛ ليعلم الناس: الكتاب والسنة.
قال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل:44].
وقال تعالى: ]ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين[ [النور:34].
* وأدى الرسول r هذه الأمانة، فبين الذكر، الذي أنزل عليه، وبلغه بلاغا مبينا، فعرف أصحابه y: الحق، والعلم، والهدى. ([8])
* فكان r أعلم الخلق بالحق، وكان أفصحهم لسانا، وأقواهم بيانا، وأحرصهم على هداية العباد، وهذا يوجب أن يكون بيانه أكمل من بيان كل الخلق. ([9])
* وهذه المسألة: تحتاج إلى تفصيل عن طريق أهل السنة والجماعة، حتى تتبين على وجهها الصحيح، ولا ينسب لأحد من أهل العلم: ما لم يقله، أو لم يرده، أو أخطأ فيه.
* وأشهر من تكلم في مسألة بلوغ الحجة على المعين، وغيره في هذا الزمان، وأنه كاف في إصدار الحكم على المخالف بحسبه، سواء: فهم ([10])، أم لم يفهم. ([11])
فأشهر من تكلم في ذلك: هو العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأحفاده، وتلاميذه رحمهم الله؛ وهم: أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله؛ في بلد الحرمين.
* وإليك الدليل:
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الرسائل الشخصية» (ج7 ص244): (وأما أصول الدين: التي أوضحها الله تعالى، وأحكمها في كتابه؛ فإن حجة الله تعالى: هي القرآن، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة.
* ولكن أصل الإشكال؛ أنكم لم تفرقوا: بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار، والمنافقين، لم يفهموا: حجة الله تعالى عليهم، مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
* وقيام الحجة: نوع، وبلوغها نوع، فإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا؛ قوله r: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([12])، وقوله r: «شر قتلى تحت أديم السماء»([13])، مع كونهم في عصر الصحابة y، ويحقر الإنسان، عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس، أن الذي: أخرجهم من الدين، هو: التشديد، والغلو، والاجتهاد، وهم: يظنون أنهم يطيعون الله تعالى، وقد بلغتهم: الحجة، ولكن لم يفهموها -يعني: على التفصيل-.
* وكذلك: قتل علي t، الذين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار، مع كونهم: تلاميذ الصحابة y، مع مبادئهم، وصلاتهم، وصيامهم، وهم يظنون أنهم على حق.
* وكذلك: إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية، وغيرهم، مع علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون: أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم؛ لأجل كونهم، لم يفهموا).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» (ص9): (قامت على الناس الحجة بالرسول r، وبالقرآن... فكل من سمع الرسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل يعذر الإنسان بجهله؟ مثلا: رجل زار قبور الأولياء بنية التبرك بهم، مع أنه لا يعلم أن ذلك الفعل من الشرك الأكبر، مع بيان وتوضيح الأدلة من الكتاب والسنة، جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (أمور العقيدة التي تتعلق بالتوحيد والشرك لا يعذر فيها بالجهل: وهو بين المسلمين، ويسمع القرآن والأحاديث، ويستطيع أن يسأل، ما يعذر بدعوة القبور، والاستغاثة بالأموات وأشباه ذلك، بل يجب عليه أن يتعلم، وأن يتفقه، وليس له أن يتساهل في هذا الأمر. وقد سأل النبي r ربه أن يستغفر لأمه، وهي ماتت في الجاهلية، فلم يؤذن له، وقال: «إن أبي وأباك في النار»([14]) لما سأله رجل عن أبيه، قال: «إن أبي وأباك في النار»([15])، وقد مات في الجاهلية. قال جمع من أهل العلم: إنما ذلك لأنهما ماتا على علم بشريعة إبراهيم عليه السلام، وشريعة إبراهيم النهي عن الشرك!، فلعل أمه بلغها ذلك، فلهذا نهي عن الاستغفار لها، ولعل أباه بلغه ذلك، فلهذا قال: «إن أبي وأباك في النار»([16])، فإذا كان أبوه r، وأمه لم يعذرا وهما في حال الجاهلية، فكيف بالذي بين المسلمين، وعنده العلماء، ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث.
فالحاصل: أن هؤلاء الذين يعكفون على القبور، ويستغيثون بالأموات غير معذورين، بل يجب عليهم أن يتفقهوا في الدين، وأن يسألوا أهل العلم، وألا يبقوا على حالهم السيئة. والآيات تعمهم والأحاديث) ([17]). اهـ
* وفي حكم العذر بالجهل في اقتراف المعاصي: سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل يعذر الشخص بالجهل إذا فعل فعلا مكفرا، وهو كبيرة من الكبائر بل من أكبرها؟ وجهونا حول هذا الموضوع، وكيف نقارن بين هذا، وبين قوله تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].
فأجاب فضيلته: (لا يعذر في اقتراف المعاصي وهو بين المسلمين، في إمكانه أن يسأل أهل العلم ويتبصر، لا يعذر بالتساهل، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك، ويبادر بالتوبة من المعصية، والمعصية تختلف إن كانت كفرا؛ كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو سب الدين، أو ترك الصلاة، هذا عليه التوبة إلى الله جل وعلا منها، والمبادرة بالتوبة، والله تعالى يتوب على التائبين. أما إن كانت معصية ليست كفرا، مثل التدخين، وشرب المسكر، وأكل الربا، فهذه معاص، فالواجب عليه البدار بالتوبة، والاستغفار، والندم، والإقلاع، والعزم ألا يعود في ذلك، وإن مات عليها فهو تحت المشيئة، مثلما قال سبحانه وتعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]؛ إذا مات على المعصية، مات وهو يأكل الربا، أو مات وهو يشرب الخمر، لكنه مسلم يصلي، مسلم، هذا تحت مشيئة الله تعالى، أو مات وهو عاق لوالديه، أو مات وهو قد زنا، أو ما أشبه ذلك، تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء الله سبحانه غفر له، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها، إذا كان غير تائب، ما تاب، أما إذا كان تائبا، فالتوبة تجب ما قبلها - والحمد لله - التائب لا ذنب له، أما لو مات على الزنا ما تاب، أو على العقوق وما تاب، أو على شرب مسكر ما تاب، أو نحو ذلك، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء الله جل وعلا غفر له، فضلا منه، وإحسانا منه، جل وعلا، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها؛ وبعد التعذيب والتطهير يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات مسلما موحدا، لا يخلد في النار إلا الكفار، لكن هذا الذي دخل النار بمعصيته إذا عذب التعذيب الذي أراده الله، يخرجه الله من النار إلى الجنة بتوحيده، وإيمانه الذي مات عليه، لا يخلد في النار إلا الكفرة؛ هذا والله أعلم) ([18]).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» (ص23): (الحجة بالقرآن على من بلغه، وسمعه، ولو لم يفهمه). اهـ؛ يعني: على التفصيل. ([19])
وقال العلامة الشيخ حمد بن معمر التميمي / في «النبذة الشريفة» (ص115): (إن الله تعالى: أرسل الرسل عليهم السلام، مبشرين، ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة، بعد الرسل عليهم السلام.
* فكل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة.
فقال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15].
* وقد أجمع العلماء: على أن من بلغته دعوة الرسول r، فحجة الله تعالى قائمة عليه.
* فكل من بلغه القرآن، فليس بمعذور، فإن الأصول الكبار، التي هي: أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، ووضحها، وأقام بها الحجة على عباده.
* وليس المراد: بقيام الحجة، أن يفهمها الإنسان فهما جليا؛ كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفقه، وانقاد لأمره.
* فإن الكفار: قد قامت عليهم حجة الله تعالى مع إخباره، بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه.
* فهذا: بينته لك أن بلوغ الحجة: نوع، وفهمها: نوع آخر).اهـ
قلت: وهذا يدل أن الفهم التفصيلي لا يشترط مطلقا، لقيام الحجة، بل يشترط فقط، الفهم الإجمالي، وذلك لوضوح القرآن؛ لأنه كلام الله تعالى، وبخاصة: في أمر توحيد الله تعالى في المعرفة والإثبات، وأصول الاعتقاد، والطاعة والاتباع، والنهي عن الشرك بالله تعالى، والإيمان بالرسول r، وطاعته، وكذا الإيمان بحياة البرزخ، والإيمان باليوم الآخر.
وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: نود من فضيلتكم توجيه أبنائكم الطلاب حول الجدل الحاصل بين طلبة العلم؛ حول مسألة العذر بالجهل؟.
فأجاب فضيلته: (اليوم ما فيه جهل ولله الحمد، تعلم الناس، أنتم تقولون الناس مثقفون وتعلموا، والناس، والناس... فما فيه جهل الآن، الكتاب يتلى على مسامع الناس في المشارق والمغارب، وتبثه وسائل الإعلام، القرآن تقوم به الحجة: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ هل ما بلغ القرآن؟!، والله إنه بلغ المشارق والمغارب، ودخل البيوت، ودخل في الكهوف، وفي كل مكان، فقامت الحجة ولله الحمد، لكن من أعرض عنها فهذا لا حيلة له، أما من أقبل عليها، ولما سمع القرآن تمسك به، وطلب تفسيره الصحيح، وأدلته، وتمسك بها، فهذا ما يبقى على الجهل والحمد لله، مسألة العذر بالجهل هذه إنما جاءت من المرجئة؛ الذين يقولون: إن العمل ليس من الإيمان، و لو أن الإنسان ما عمل، فهو مؤمن، هذا مذهب باطل؛ الحجة قائمة ببعثة الرسول r: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165]؛ والقرآن: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالرسول: جاء الرسول، والقرآن: موجود، وباق، ونسمعه، ونقرأه، فما للجهل مكان إلا أن الإنسان الذي لا يريد العلم معرض، فالمعرض لا حيلة فيه، أما من أحب العلم، وأقبل عليه فسيجد إن شاء الله العلم الصحيح، نعم) ([20]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: لو قال لا بد أن تتوفر شروط فيمن أريد تكفيره بعينه، وتنتفي الموانع؟
فأجاب فضيلته: (مثل هذه الأمور الظاهرة، ما يحتاج فيها شيئا، يكفر بمجرد وجودها، لأن وجودها لا يخفى على المسلمين، معلوم بالضرورة من الدين، بخلاف الذي قد يخفى؛ مثل: شرط من شروط الصلاة، بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة، تجب أو لا تجب، بعض شؤون الحج، بعض شؤون الصيام، بعض شؤون المعاملات، بعض مسائل الربا) ([21]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: بعض الناس يقول: المعين لا يكفر؟
فأجاب فضيلته: (هذا من الجهل، إذا أتى بمكفر: يكفر) ([22]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: يا شيخ جملة من المعاصرين ذكروا أن الكافر: من قال الكفر، أو عمل بالكفر، فلا يكفر حتى تقام عليه الحجة، وأدرجوا: عباد القبور في هذا؟
فأجاب فضيلته: (هذا من جهلهم، عباد القبور كفار، واليهود كفار، والنصارى كفار، ولكن عند القتل يستتابون، فإن تابوا؛ وإلا قتلوا) ([23]).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله البابطين / في «الرسائل النجدية» (ج5 ص519): (التكفير، والقتل: ليسا موقوفين على فهم([24]) الحجة مطلقا، بل على بلوغها، ففهمها شيء، وبلوغها شيء آخر.
* فلو كان هذا الحكم موقوفا، على فهم: الحجة، فلم نكفر، ونقتل، إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله البابطين / في «الرسائل النجدية» (ج5 ص10): (فمن بلغته رسالة محمد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل.
* وقد أخبر الله تعالى، بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم... لا عذر لمن كان حاله هكذا، لكونه: لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته؛ لأنه لا عذر له بعد بلوغها له، وإن لم يفهمها.
* وقد أخبر الله تعالى، عن الكفار: أنهم لم يفهموا، فقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام: 25]؛ فبين تعالى؛ أنهم: لم يفهموا، فلم يعذرهم، لكونهم: لم يفهموا).اهـ
قلت: فإذا ثبت ذلك في العبد، فليس أن يبحث، هل فهم المخاطب، أو لم يفهم، فمن كان صادقا، فإنه يوفق لفهم خطاب الله تعالى، ومن كان غير ذلك، فإنه يعمى عليه، ولا تكون له حجة في ذلك.
* فأهل العلم: لم يتنازعوا في كون فهم الخطاب في الجملة؛ من المكلف شرطا، في قيام الحجة عليه، يعني: المكلف العاقل الذي يدرك الخطاب ابتداء.
سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن مسألة قيام الحجة؟
فأجاب فضيلته: (بلغهم القرآن، هذا بلاغ للناس، القرآن بلغهم، وبين المسلمين: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، ]هذا بلاغ للناس[ [إبراهيم:52]، ]ياأيها الرسول بلغ[ [المائدة:67].
* قد بلغ الرسول، وجاء القرآن، وهم بين أيدينا يسمعونه في الإذاعات، ويسمعون في غيرها، ولا يبالون، ولا يلتفتون، وإذا جاء أحد ينذرهم ينهاهم آذوه، نسأل الله العافية) ([25]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل من المسائل الخلافية؟
فأجاب فضيلته: (مسألة عظيمة، والأصل فيها أنه لا يعذر من كان بين المسلمين، من بلغه القرآن والسنة، ما يعذر.
* الله جل وعلا قال: ]هذا بلاغ للناس[ [إبراهيم:52]، ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، من بلغه القرآن والسنة غير معذور، إنما أوتي من تساهله، وعدم مبالاته) ([26]).اهـ
قلت: فمن جهل الأحكام في مباني الإسلام، وهي: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فتركها هذا الجاهل، يكفر بمجرد ذلك.
* ولا يعذر بجهله، خاصة في زماننا هذا([27])، الذي استفاض فيه علم الشرع، وانتشر بين العامة والخاصة، وعرف هذا العلم، الخاص، والعام، واشترك فيه: العالم، والجاهل، فلا عذر لأحد، بتأويل: يتأوله بالباطل في الأصول والفروع في الدين.
* إن المعلوم من الدين بالضرورة قد اشترك فيه أفراد الأمة، علماء، وطلبة، وعامة([28])، فلا عذر لأحد في المعلوم من الدين بالضرورة.
وعليه؛ فإن إطلاق القول بأن المعلوم من الدين بالضرورة، أمر قد قامت به الحجة على جميع الناس، فلا يسعهم جهله، ومن ثم مخالفته.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص70): (فلا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول r، إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول r على التفصيل، فرض على الكفاية، فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله تعالى به رسوله r، وداخل في تدبر القرآن، وعقله، وفهمه). اهـ
* والمشركون: الذين عاصروا؛ نزول الوحي على رسول الله r؛ فهموا([29]): مدلول آيات القرآن على الإجمال، في التوحيد، والبعث، والرسالة، لأنهم أهل اللغة العربية، وكذا الأعاجم.
* وقد قامت عليهم الحجة، وكفروا بالله تعالى، ونفى الله عنهم الفهم، والفقه على التفصيل، وهذا النوع من الفهم: هو فهم التفقه في الدين.
قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام:25].
قلت: إذا، فلا بد من وجود نوع آخر من الفهم، لقيام الحجة على الخلق، وهو الفهم المجمل، الذي يعقل من الإنسان العاقل.
قلت: وهذا النوع من الفهم: هو الفهم اللغوي، فإنه لا يحتاج إليه، لقيام الحجة، فإذا وصل القرآن إلى الأعجمي، فقد قامت عليه الحجة، لأنه يفهم القرآن، الفهم المجمل.
فالأعاجم: لما بلغهم القرآن، فهموا مدلول آياته على الإجمال، من التوحيد، والبعث، والرسالة، لأنهم: عقلاء.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الرسائل الشخصية» (ج7 ص220): (إذا كان المعين: يكفر، إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم، أن قيامها ليس معناه، أن يفهم كلام الله تعالى، ورسوله r، مثل: فهم أبي بكر t.
* بل إذا بلغه كلام الله تعالى، ورسوله r، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن، مع قول الله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه[ [الأنعام: 25 ]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن معمر التميمي / في «النبذة الشريفة» (ص116): (وليس المراد بقيام الحجة، أن يفهمها الإنسان، فهما، جليا، كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفقه، وانقاد لأمره). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس» (ص251): (وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم). اهـ
قلت: والعلم هنا؛ المراد منه ليس علم التفقه، بل المراد منه العلم في الجملة، الذي يعرفه كل عاقل مكلف، لأن بعقله، وبفهمه على الإجمال، يعلم أنه مكلف بالدين الإسلامي ابتداء. ([30])
* فإذا تمكن من هذا العلم في الجملة، بعد ذلك يأتي من هذا الإنسان العاقل علم التفقه، وفهم التفقه، حتى يعرف الإسلام جملة وتفصيلا، على حسب اجتهاده في تعلم علم الفقه.
والحاصل: أن مقصود أهل العلم، من عدم اشتراط الفهم، لقيام الحجة على الناس.
هو النوع الأول: من الفهم، وهو الفهم المجمل، وليس مقصودهم النوع الثاني: وهو فهم التفقه، الذي يؤدي إلى الامتثال، والانقياد على التفصيل.
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس» (ص252): (ولا يشترط في قيام الحجة، أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد، لما جاء به الرسول r). اهـ
قلت: فالبيان يتحقق بما يفهمه الإنسان بحسب لغته، للجاهل العربي، والجاهل الأعجمي، ويعد بيانا لهما. ([31])
* فبلوغ الحجة يكون بالعربية لمن يحسنها، أو بالترجمة، إن حصلت: لمن كان أعجميا، لا يعرف العربية، وإلا في الأصل إذا بلغ هذا الأعجمي القرآن، فقد قامت عليه الحجة، لأنه مكلف عاقل، ويعلم ماذا يريد منه القرآن، وإلا كيف أسلم الأعاجم على مر العصور، وكر الدهور، لأنهم: يعلمون ماذا يريد الله تعالى بالقرآن، والإسلام، وبعثة النبي r. ([32])
قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص413): (الواجب على العبد، أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام، فهو كافر، وأن الله تعالى، لا يعذب أحدا؛ إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول r، وهذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه). اهـ
هذا من جهة؛ إذ بعد أن بعث الله تعالى، محمدا r: رسولا، إلى الناس، وأكمل له الدين، ثم بيانه r: لما أرسل به، أحسن بيان وأبلغه.
* ومن جهة أخرى؛ فإن تخلية الله تعالى، للناس: بينهم، وبين الهدى، وبيان الرسول r له.
* وإراءتهم الصراط المستقيم، حتى كأنهم يشاهدونه عيانا، وإقامة أسباب الهداية لهم ، ظاهرا، وباطنا.
* ولم يحل بينهم، وبين تلك الأسباب، بل ومن حال بينه، وبينها منهم؛ بزوال عقل، أو صغر، لا تمييز معه، أو كونه بناحية من الأرض، لم تبلغه دعوة رسله، فإنه لا يعذبه، حتى يقيم عليه حجته، فهذا كله مما يجعل حجة الله تعالى، قائمة على العباد.([33])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
* فقد كثر في هذا الوقت الكلام في العذر بالجهل مما سبب في الناس تهاونا في الدين، وصار كل يتناول البحث والتأليف فيه مما أحدث جدلا، وتعاديا من بعض الناس في حق البعض الآخر.
* ولو ردوا هذه المسألة إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وإلى أهل العلم لزال الإشكال، واتضح الحق؛ كما قال الله تعالى: ]ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[ [النساء: 83]، وإذا لسلمنا من هذه المؤلفات، والبحوث المتلاطمة التي تحدث الفوضى العلمية التي نحن في غنى عنها، فالجهل هو عدم العلم، وكان الناس قبل بعثة الرسول r في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، فلما بعث الله هذا الرسول r، وأنزل هذا الكتاب، زالت الجاهلية العامة، ولله الحمد، قال تعالى: ]هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ [الجمعة:2]، فالجاهلية العامة زالت ببعثته r، أما الجاهلية الخاصة قد يبقى شيء منها في بعض الناس، ولهذا قال النبي r: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، والجهل على قسمين: جهل بسيط، وجهل مركب، فالجاهل البسيط: هو الذي يعرف صاحبه أنه جاهل فيطلب العلم، ويقبل التوجيه الصحيح.
والجاهل المركب: هو الذي لا يعرف صاحبه أنه جاهل، بل يظن أنه عالم، فلا يقبل التوجيه الصحيح، وهذا أشد أنواع الجهل.
* والجهل الذي يعذر به صاحبه: هو الجهل الذي لا يمكن زواله، لكون صاحبه يعيش منقطعا عن العالم، لا يسمع شيئا من العلم، وليس عنده من يعلمه؛ فهذا إذا مات على حاله فإنه يعتبر من أصحاب الفترة([34])، قال تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15].
* والجهل الذي لا يعذر به صاحبه: هو الجهل الذي يمكن زواله لو سعى صاحبه في إزالته؛ مثل: الذي يسمع أو يقرأ القرآن، وهو عربي يعرف لغة القرآن، فهذا لا يعذر في بقائه على جهله، لأنه بلغه القرآن بلغته، والله تعالى يقول: ]قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، فالذي بلغه القرآن، ووصلت إليه الدعوة، والنهي عن الشرك الأكبر، لا يعذر إذا استمر على الشرك، أو استمر على الزنا، أو الربا، أو نكاح المحارم، أو أكل الميتة، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، أو أكل أموال الناس بالباطل، أو ترك الصلاة، أو منع الزكاة، أو امتنع عن الحج وهو يستطيعه، لأن هذه أمور ظاهرة، وتحريمها أو وجوبها قاطع، وإنما يعذر بالجهل في الأمور الخفية حتى يبين له حكمها، فالعذر بالجهل فيه تفصيل:
أولا: يعذر بالجهل من لم تبلغه الدعوة، ولم يبلغه القرآن، ويكون حكمه أنه من أصحاب الفترة.([35])
ثانيا: لا يعذر من بلغته الدعوة، وبلغه القرآن، في مخالفة الأمور الظاهرة كالشرك، وفعل الكبائر، لأنه قامت عليه الحجة، وبلغته الرسالة، وبإمكانه أن يتعلم، ويسأل أهل العلم؛ عما أشكل عليه، ويسمع القرآن، والدروس، والمحاضرات في وسائل الإعلام.
ثالثا: يعذر بالجهل في الأمور الخفية التي تحتاج إلى بيان حتى يبين له حكمها، ولهذا قال النبي r: «إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه» ([36])، فالحلال بين يؤخذ، والحرام البين يتجنب، والمختلف فيه يتوقف فيه حتى يتبين حكمه بالبحث، وسؤال أهل العلم.
* فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم، فلا يعذر ببقائه على جهله وعنده من يعلمه، قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43]، فيجب على الجاهل أن يسأل، ويجب على العالم أن يبين ولا يكتم، قال الله تعالى: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم[ [البقرة: 159-160]، ولا يجوز للمتعالم؛ وهو: الجاهل المركب أن يتكلم في هذه الأمور بغير علم). اهـ
قلت: ومن التيسير على الخلق في هذا الزمان، أن يسر الله تعالى لهم، التطورات الحديثة، بجميع أنواعها، في معرفة علم الدين، وعلم الدنيا.
* من وسائل الاتصالات، ووسائل المواصلات، ووسائل الإعلام المرئي، والإعلام السمعي، ووسائل آلات الكتابة والطباعة، والإذاعات المتنوعة، التي تصل إلى جميع الخلق على وجه الأرض، مهما كان مكان الإنسان من البعد في الأرض، حتى الذين في الغابات، والذين على أطراف الأرض من القرى، فقد وصل لهم دين الإسلام، ووصل لهم علم الدين، وعلم الدنيا. ([37])
* فشاع دين الإسلام في العالم بأسره، وهذا من التيسير على الناس، ففي هذه الحالة، لا عذر لهم بسبب جهلهم، إذا لم يتعلموا الدين، فقامت عليهم الحجة القاطعة للعذر.
* فالحكم في مسألة المعلوم من الدين بالضرورة، ومدى العذر بجهله، مرجعه الكتاب، والسنة، والآثار، لما في هذه الأصول من التفصيل على النحو الذي مر معنا: بالنسبة لمسألة العذر بالجهل، التي توصلت إليها:
1) إن الجهل صفة مذمومة، والواجب على الإنسان، أن يبذل وسعه قدر الإمكان في رفعها عنه، وبخاصة: في أمور دينه الذي لا يستقيم، إلا بإقامتها.
2)إن الجهل عذر مؤقت، ومقيد بعدم توفر الشروط، فإذا وجدت هذه الشروط، أو أمكن وجودها، تقديرا، فإن الجهل لا يبقى عذرا، بل يصبح ذما، وسببا في الخسران، في الدنيا، والآخرة.
3) إن قيام الحجة على من خالف، أمرا، شرعيا، بفعل، أو قول، أو ترك، أو غير ذلك، هو: مناط المؤاخذة.
4) التقدير في قيام الحجة، من عدمه: مرجعه الكتاب، أو السنة، أو الآثار، أو الإجماع.
5) إن دار الإسلام، بالضرورة تظهر الأحكام الشرعية فيها، وبالتالي قامت الحجة على الناس فيها.
6) إن دار الكفر في الغرب، قد ظهرت فيها الأحكام الشرعية، وانتشر المسلمون فيها، وبنيت المساجد، وقامت فيها شعائر الدين، من: «صلاة»، و«صيام»، و«دعوة»، و«مراكز تعليم القرآن والسنة»، وغير ذلك، فقد قامت عليهم الحجة، ببلوغ الرسالة إليهم، وبلغتهم الدعوة الإسلامية.
7) إن الكفار كلهم بلغتهم الدعوة، على وجه الفهم، سواء المجمل، أو المفصل في بلدانهم، وقامت عليهم الحجة، فلا عذر لهم.
8) إن العذر بالجهل ثابت في الأحكام الدقيقة، وهي قليلة جدا، بالنسبة، للأحكام الظاهرة، والبينة، في أصول الدين، وفروعه.
9) إن الإقرار المجمل بالتوحيد، والبراءة المجملة، من الشرك، قد قامت فيهما الحجة؛ بالنطق بالشهادتين، وبلوغ القرآن، والرسالة.
ولذلك؛ لا يعذر أحد، بجهل، أن الله تعالى وحده، هو المستحق للعبادة؛ لأن ذلك، هو مقتضى الشهادة لله بالوحدانية، فمن اعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة مع الله تعالى، أو من دونه، فلا يكون مسلما أصلا، فضلا عن أن يعذر بجهل، ذلك بعد الإسلام.
10) إن الحكم على شخص، بكفر، أو غيره، مرتبط بمدى توفر الشروط، وانتفاء الموانع.
11) إن القول بالتكفير عند أهل السنة، هو بالعموم، فإذا تحقق من أحد، أنه كفر حقيقة، كانت الحقيقة مقدمة، فيحكم بكفره بعينه.
12) إن المعلوم من الدين بالضرورة، يتنوع في الأحكام، ويحكم على تاركه بالكفر، ولا يعذر بجهله.
13) إن منهج أهل السنة، في تكفير المعين، هو القول بالعموم.
أما التعيين، فمناطه العلم، بحال المعين.
لذلك؛ فمن قام الدليل، على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، فإنه يكفر بعينه.
14) إن مناط التكليف، والجزاء، هو ورود الشرع، وقيام الحجة.
15) إن بلوغ الحجة، وفهمها، شرط في قيامها، وإن الفهم الذي ثار حوله: نوع من الخلاف، يطلق، ويراد به معنيان:
المعنى الأول: هو الفهم المجمل، للنص، والخطاب، الذي يدرك به المقصود، من مراد الشارع على وجه الإجمال.
المعنى الثاني: هو الفهم المفصل للنصوص، وهو المؤثر في السلوك، كفهم طلبة العلم.
* والمشروط: في قيام الحجة، هو الفهم، بالمعنى الأول، وهو: الفهم المجمل.
16) إن الجهل إذا توفرت أسبابه الشرعية، وخلا من التفريط، والإهمال، والعداوة، ثم أوقع في الخطأ، من غير مشاقة: الله تعالى، ورسوله r، فإنه يكون عذرا، في مسائل الفروع.
ولذلك؛ أمكن القول، في مثل: هذه الحالة، بتلازم الجهل والعذر.
17) إن التأويل الذي يعذر صاحبه، هو الذي يصدر، عن أهل العلم: من ذوي الفضل والعقل، الذين عندهم حرص على اتباع الكتاب والسنة والآثار.
أما التأويل: الذي لا يعذر صاحبه، فهو الذي يتضمن في حقيقته التكذيب، أو الإعراض، أو غير ذلك، كما هو حال أهل الأهواء والبدع، بجميع أنواعهم، ومن هم على شاكلتهم.
18) إن القول بعذر الجاهل، بالضوابط الشرعية، هو الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة.
19) إن مناط تكفير، من وقع في الشرك.
1) اعتقاد استحقاق غير الله تعالى للعبادة، بالقول، أو الفعل.
2) الوقوع في الشرك الأكبر.
3) الإصرار على المخالفة في ذلك.
20) إن وصف الإسلام، يثبت للشخص، بالنطق بالشهادتين، في الجملة، ثم التفصيل.
قال تعالى: ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ [الحشر:7].
وقال تعالى: ]من يطع الرسول فقد أطاع الله[ [النساء:80].
وقال تعالى: ]وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول[ [المائدة:92].
قلت: لقد فرض الله تعالى طاعته، وطاعة رسوله r، وحجج الله تعالى، في مثل: هذا قائمة على الخلق، فلا يسع أحد، أن يستنكف عن طاعة الله تعالى، وطاعة الرسول r.
ومما يتصل بهذا الموضوع: مسائل الحلال والحرام، التي تحتاج الأمة إلى بيانها، فقد قطع العذر فيها، ببيان الكتاب والسنة لها.
قال تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل:89].
وقال تعالى: ]يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم[ [النساء:176].
وقال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل:44].
ثم إن هذا التقرير: متعلق بما وضح من أمور الدين، وشاع العلم به وذاع.
وعن النعمان بن بشير ﭭ قال: سمعت رسول الله r يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). ([38])
* أما المسائل الدقيقة، والخفية، والتي ليس فيها: مناقضة للتوحيد، والرسالة، والتي لا يعلمها؛ إلا أهل العلم، فليست داخلة، فيما سبق ذكره، وفيما نحن بصدد تقريره.
سئل: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: متى يعذر الإنسان بالجهل، لو تكرمتم؟
فأجاب فضيلته: (يعذر بالأشياء الخفية، لا سيما في بعض الأحكام الشرعية، قد تخفى على العامي حتى يتعلم، أما الذي بين المسلمين وقال: لا أدري عن الزنا، ما يعذر وهو بين المسلمين، الزنا معروف عند المسلمين أنه حرام، فلو قال: ما عرفت أن الزنا حرام، لا يعذر بهذا، أو قال: ما عرفت أن الخمر حرام وهو بين المسلمين، لا يعذر، لكن في بعض المسائل التي قد تخفى في مسائل الأحكام الدقيقة قد يعذر فيها الإنسان، لأجل كونه ليس من أهل العلم، كذلك لو قال: ما أعلم أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ممنوع، لا يعذر بهذا؛ لأن هذا هو أصل التوحيد وأصل الدين، والله أنزل القرآن للنهي عن هذه الأمور والقضاء عليها، وبين حال المشركين، وحذر من أعمالهم) ([39]). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «مسألة العذر بالجهل» (ص55): (يعذر بالجهل في الأمور الخفية التي تحتاج إلى بيان حتى تبين له حكمها، ولهذا قال النبي r: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه»([40])، فالحلال بين يؤخذ، والحرام البين يتجنب، والمختلف فيه يتوقف فيه حتى يتبين حكمه بالبحث، وسؤال أهل العلم.
* فالجاهل يجب عليه أن يسأل أهل العلم، فلا يعذر ببقائه على جهله، وعنده من يعلمه، قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43]، فيجب على الجاهل أن يسأل، ويجب على العالم أن يبين ولا يكتم، قال الله تعالى: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم[ [البقرة: 159-160]، ولا يجوز للمتعالم؛ وهو: الجاهل المركب أن يتكلم في هذه الأمور بغير علم). اهـ
وفق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
أصل الكتاب:
وفيه تعرية: المرجئ العصري، من دعاويه العريضة الباطلة، وكشف انحرافاته، وتضليلاته المنثورة في أصول الدين.
* ومن العلم أن كل قول يعد: ساقطا، مرفوضا: حتى يقام عليه الدليل، كما قال الشاعر:
والدعاوى إن لم تقيموا عليها
بينات أصحابها أدعياء
* ولذلك كان القرآن كثيرا ما يقمع الخصوم أن يأتوا بدليل على دعواهم فيقول لهم الحق: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة:111].
ويقول الله تعالى: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) [الأنعام: 148، 149].
* ولولا ذلك لكان في إمكان من شاء، أن يقول ما شاء، وفي هذا من المفاسد أشياء!
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قطع دابر: «المرجئة العصرية»، وأبان أن هذا الإسلام سوف ينتشر في المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر لأحد بجهله بأحكام الدين إلى قيام الساعة
عن ثوبان t، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).([41])
* وفي هذا الحديث: يخبر الله تعالى، عن ما أنعم الله تعالى، على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أمته، من سعة انتشار الإسلام على وجه الأرض، وأنه يبلغ ملكها في المشارق والمغارب.
* وهذا الحديث أيضا: يشتمل على خبر صادق، يخبر فيه الصادق المصدوق، حيث جمع الله تعالى له الأرض كلها، وقد أبصر ما تملكته أمته من أقصى المشارق والمغارب، وانتشار الإسلام في جميع البلدان على وجه الأرض.
* وقد وجد ذلك: فقد اتسع ملك الأمة الإسلامية، حتى بلغ من أقصى المشرق، إلى أقصى المغرب، وانتشر القرآن، وانتشرت السنة في أقصى المشارق، وأقصى المغارب على وجه الأرض.
وعن تميم بن أوس الداري t، قال: سمعت رسول الله r يقول: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله عز وجل بيت مدر([42])، ولا وبر([43])؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله عز وجل به الكفر).
حديث صحيح
أخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج5 ص459)، وابن بشران في «البشرانيات» (ج1 ص158)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج2 ص79 و80)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ»(ج2 ص331)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص430 و431)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ويعقوب بن سفيان، وعبد الكريم بن الهيثم، جميعهم: عن أبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر الكلاعي عن تميم الداري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص118).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
* وتابع أبا اليمان الحكم بن نافع: أبو المغيرة، عبد القدوس بن الحجاج الخولاني عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الداري t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص103)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، وعبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)، وأبو عروبة الحراني في «المنتقى من كتاب الطبقات» (ص58).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: هذا حديث حسن صحيح.
وتابع: صفوان بن عمرو: معاوية بن صالح عن سليم بن عمرو الكلاعي عن تميم الداري t به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1280).
قلت: وهذا سنده حسن.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)؛ ثم قال: «رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد، رجال الصحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص32).
وأخرجه ابن منده في «الأمالي» (ص206) من طريق يعقوب بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمد عن أبيه محمد بن عباد بن تميم عن أبيه عباد بن تميم عن أبيه تميم بن أوس الداري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مجاهيل، وهو غير محفوظ من هذا الوجه.
وبوب عليه الحافظ عبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)؛ باب؛ بلوغ الإسلام: الزمان، والمكان، والإنسان.
قلت: فهذا الحديث العظيم، يقرر فيه رسول الله r، أمرا، عظيما، وهو انتشار هذا الدين في جميع الأرض. ([44])
وهذا الحديث: يوضح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره في الأرض، بحيث لا يدع مجالا للشك، في أن الإسلام وصل للجميع إلى قيام الساعة.
* ومما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار، يستلزم قيام الحجة على الخلق كلهم على وجه الأرض: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج15 ص459): (فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون المراد في حديث: تميم t، عموم الأرض كلها، حتى لا يبقى بيت؛ إلا دخله، إما بالعز الذي ذكره، أو بالذل الذي ذكره في هذا الحديث). اهـ
وعن المقداد بن الأسود t قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل، إما يعزهم الله تعالى، فيجعلهم من أهل الإسلام، أو يذلهم، فيدينون لها).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص4)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص981)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص254)، وفي «مسند الشاميين» (572)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص91)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص476)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417)، و(ج2 ص806)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق دحيم، والوليد بن مسلم، وغيرهما: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص119).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417): «هذا حديث محفوظ من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم».
وقال الشيخ الوادعي في «الصحيح المسند» (ج2 ص227): «هذا حديث صحيح».
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص806): «هذا حديث، حسن».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)، ثم قال: «رجال الطبراني، رجال الصحيح».
قلت: ففي هذا الحديث، يبشر رسول الله r، بعز هذا الدين، وتمكينه في الأرض، وأن هذا العز، والتمكين سيكون في الأرض، ووصوله إلى الناس كافة.
* فالإسلام سيصل إلى كل موضع، وتظهر به الحجة على الخلق.
* ولذلك قرر الله تعالى هذا الأمر، في قوله تعالى: ]يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[ [التوبة: 32 و33].
* وكذلك: ما أرسل الله تعالى به نبيه محمدا r، لا بد أن يتم ويظهر.
وقد تم، وظهر في بواكير هذه الرسالة العظيمة، وسيبقى إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
ولذلك الله يقول: ]ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون[ [التوبة: 32].
وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأحقاف: 9و10].
قلت: فالرسول r بين لهم، أنه ليس بأول رسول أرسل إليهم، وهذا يعني أنهم يعلمون بالرسل -عليهم السلام- حتى في الجاهلية.
* وهم: تركوا دين الرسل -عليهم السلام- ووضعوا لهم ديانات من الشرك، وعبدوا الأصنام وغيرها.
* والله تعالى أمرنا عند التنازع أن نرد إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية، فقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59].
فعن ميمون بن مهران / قال: في قول الله عز وجل: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ قال: (الرد إلى الله عز وجل: إلى كتابه، والرد إلى الرسول r إذا قبض: إلى سنته).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج1 ص474)، وابن شاهين في «شرح المذاهب» (ص44)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص528)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص144)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص151)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص1047)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص768)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص68)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص190) من طريق وكيع بن الجراح، ومحمد بن كناسة عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن مجاهد / قال: (في قول الله عز وجل: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ قال: كتاب الله، وسنة نبيه). وفي رواية: (فإن تنازع العلماء ردوه إلى الله والرسول).
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص151)، والبيهقي في «المدخل إلى السنن الكبرى» (ج1 ص242)، وسفيان الثوري في «تفسير القرآن» (ص96)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص293)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص167)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص1290)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج2 ص579-الدر المنثور)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص151)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص990)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73) من طرق عن الليث بن أبي سليم عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده حسن في الشواهد.
وفي لفظ اللالكائي: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ قال: (كتاب الله وسنة نبيه، ولا تردوا إلى أولي الأمر شيئا). يعني: إلى العلماء!.
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ قال: (إلى الله: إلى كتاب الله، وإلى الرسول: إلى سنة رسول الله r).
أثر حسن
أخرجه الآجري في «الشريعة» (106)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص765) من طريق يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن السدي / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ قال: (إن كان الرسول حيا، وإلى الله إلى: كتابه).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص990)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص151) من طريق أحمد بن مفضل، ثنا أسباط بن نصر عن السدي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فالرجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r عند الاختلاف شرط، لأن الكتاب والسنة حجة في الدين، يجب المصير إليهما عند الاختلاف، ويحرم مخالفتهما.([45])
قال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج1 ص144): (قوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59]؛ فدل على أن الرد يجب في حال الاختلاف والنزاع، ولا يجب في حال الاجتماع). اهـ
وقال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج1 ص144): (قال أهل العلم: قوله تعالى: ]فردوه إلى الله[ [النساء: 59]؛ إلى كتاب الله عز وجل، ]والرسول[ [النساء: 59]؛ أي: إلى سنة رسول الله). اهـ
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (في قوله: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (هم أهل العلم وأهل الفقه، وطاعةالرسول: اتباع الكتاب والسنة).
أثر حسن
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص147)، وسعيد بن منصور في «السنن» (655)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص130 و131)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص987) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فقوله تعالى: ]فإن تنازعتم [ [النساء: 59]؛ أي: اختلفتم، ]في شيء[ [النساء: 59]؛ من أمر دينكم.
والتنازع: اختلاف الآراء، ]فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59]؛ أي: إلى الكتاب والسنة، والرد عليهما واجب، ]إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59]؛ أي: أحسن مآلا، وعاقبة.([46])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص112): (إذا تنازع المسلمون في مسألة وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة: وجب اتباعه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص92): (قوله: ]فإن تنازعتم في شيء[ [النساء: 59]؛ نكرة في سياق الشرط، تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين، دقه وجله، جليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله تعالى، ورسوله r: بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيا، لم يأمر بالرد إليه، إذ من الممتنع، أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج5 ص192)؛ وهو يرد على المذهبيين الذين يستحسنون في الدين بآرائهم وعقولهم المخالفة للشريعة: (واحتج القائلون بالاستحسان بقول الله عز وجل: ]الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب[ [الزمر: 18]؛ وهذا الاحتجاج عليهم، لا لهم؛ لأن الله تعالى لم يقل: (فيتبعون ما استحسنوا)، وإنما قال عز وجل: ]فيتبعون أحسنه[، وأحسن الأقوال ما وافق القرآن، وكلام الرسول r، هذا هو الإجماع المتيقن من كل مسلم، ومن قال غير هذا فليس مسلما، وهو الذي بينه عز وجل إذ يقول: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59]؛ ولم يقل تعالى: فردوه إلى ما تستحسنون). اهـ
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]صراط علي مستقيم[ [الحجر: 41]، قال: (الحق يرجع إلى الله، وعليه طريقه).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (ج4 ص1736)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2264)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص416).
وعن الإمام الزهري / قال: (من الله العلم، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله r كما جاءت)([47]). وفي رواية: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» مجزوما به؛ في كتاب: «التوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» (332) تعليقا، والخلال في «السنة» (1001)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميدي في «النوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1370)، وابن حبان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (520)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، والذهبي في «السير» (ج5 ص346)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص620) من طرق عن الزهري به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج5 ص101).
وعن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن / قال: (من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (655)، والعجلي في «تاريخ الثقات» (ص158)، والذهبي في «العلو» (ص98)، والخلال في «السنة» (ص306-الفتوى الحموية)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص408)، وابن قدامة في «إثبات صفة العلو» (ص164) من طرق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن به.
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «العلو» (ص132).
وقال ابن تيمية في «الفتوى الحموية» (ص27): إسناده؛ كلهم أئمة ثقات.
وقال ابن تيمية في «الفتاوى» (ج5 ص365): وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك.
وذكره ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص25)، وابن تيمية في «درء التعارض» (ج6 ص264)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص421).
وقال تعالى: ]وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا[ [النساء:79].
وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [سبأ: 28].
قلت: ولكن: «المرجئة العصرية» لا يتعلمون، ولا يفهمون في الدين.
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص167): (وقوله تعالى: ]وأرسلناك للناس رسولا[ [النساء:79]؛ أي: تبلغهم شرائع الله تعالى، وما يحبه الله تعالى ويرضاه، وما يكرهه، ويأباه: ]وكفى بالله شهيدا[؛ أي: على أنه أرسلك، وهو شهيد أيضا: بينك وبينهم، وعالم بما تبلغهم إياه، وبما يردون عليك من الحق، كفرا، وعنادا). اهـ
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود). وفي رواية: (وبعثت إلى الناس عامة).([48])
قلت: وتبليغ الله تعالى، ورسوله r، هو: نافذ في الخلق، في البر والبحر، بلا شك، ولا ريب، ومن يقل خلاف ذلك، فهذا فيه قلة فهم، وقلة علم، وفيه كثرة جهل، وظلم.
وقال تعالى: ]ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا[ [الفرقان:51 و52].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن الإسلام سوف ينتشر في المشارق، والمغارب في البلدان على وجه الأرض كلها، حتى أنه سوف ينتشر في: المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر؛ لأي: مخلوق بجهله بالإسلام، وبفروعه وأصوله على وجه الأرض، وبذلك قد قامت الحجة على جميع الخلق في مشارق البلدان ومغاربها.
* بل وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ما أنعم الله تعالى به على الأمة الإسلامية، من سعة ما يبلغ ملكها من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب.
عن ثوبان t، عن النبي r قال: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).([49])
* وفي هذا الحديث: يخبر الله تعالى، عن ما أنعم الله تعالى، على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أمته، من سعة انتشار الإسلام على وجه الأرض، وأنه يبلغ ملكها في المشارق والمغارب.
* وهذا الحديث أيضا: يشتمل على خبر صادق، يخبر فيه الصادق المصدوق، حيث جمع الله تعالى له الأرض كلها، وقد أبصر ما تملكه أمته من أقصى المشارق والمغارب، وانتشار الإسلام في جميع البلدان على وجه الأرض.
* وقد وجد ذلك: فقد اتسع ملك الأمة الإسلامية، حتى بلغ من أقصى المشرق، إلى أقصى المغرب، وانتشر القرآن، وانتشرت السنة في أقصى المشارق، وأقصى المغارب على وجه الأرض.
* فالله تعالى يقول: لرسوله r، ولكافة الناس: ]وما أرسلناك إلا كافة للناس[ [سبأ: 28]؛ أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين؛ كقوله تعالى: ]قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا[ [الأعراف: 158]، وقوله تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1].([50])
قلت: وبذلك قد قامت الحجة على الخلق كافة، إلى قيام الساعة.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص194): (الرسالة بلغت أكثر الناس، وستبلغ الناس جميعا، حتى تقوم عليهم الحجة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «تفسير القرآن» (ص194): (الأكثرية لا يلزم أن يكون الصواب معها؛ لأن أكثر الناس لا يعلمون، فهم: في جهل). اهـ
وعن تميم بن أوس الداري t، قال: سمعت رسول الله r يقول: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله عز وجل بيت مدر([51])، ولا وبر([52])؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله عز وجل به الكفر).
حديث صحيح
أخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج5 ص459)، وابن بشران في «البشرانيات» (ج1 ص158)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج2 ص79 و80)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص331)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص430 و431)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ويعقوب بن سفيان، وعبد الكريم بن الهيثم، جميعهم: عن أبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر الكلاعي عن تميم الداري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص118).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
* وتابع أبا اليمان الحكم بن نافع: أبو المغيرة، عبد القدوس بن الحجاج الخولاني عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الداري t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص103)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، وعبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)، وأبو عروبة الحراني في «المنتقى من كتاب الطبقات» (ص58).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: هذا حديث حسن صحيح.
وتابع: صفوان بن عمرو: معاوية بن صالح عن سليم بن عمرو الكلاعي عن تميم الداري t به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1280).
قلت: وهذا سنده حسن.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)؛ ثم قال: «رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد، رجال الصحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص32).
وأخرجه ابن منده في «الأمالي» (ص206) من طريق يعقوب بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمد عن أبيه محمد بن عباد بن تميم عن أبيه عباد بن تميم عن أبيه تميم بن أوس الداري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مجاهيل، وهو غير محفوظ من هذا الوجه.
وبوب عليه الحافظ عبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)؛ باب؛ بلوغ الإسلام: الزمان، والمكان، والإنسان.
قلت: فهذا الحديث العظيم، يقرر فيه رسول الله r، أمرا، عظيما، وهو انتشار هذا الدين في جميع الأرض. ([53])
وهذا الحديث: يوضح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره في الأرض، بحيث لا يدع مجالا للشك، في أن الإسلام وصل للجميع إلى قيام الساعة.
* ومما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار، يستلزم قيام الحجة على الخلق كلهم على وجه الأرض: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج15 ص459): (فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون المراد في حديث: تميم t، عموم الأرض كلها، حتى لا يبقى بيت؛ إلا دخله، إما بالعز الذي ذكره، أو بالذل الذي ذكره في هذا الحديث). اهـ
وعن المقداد بن الأسود t قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل، إما يعزهم الله تعالى، فيجعلهم من أهل الإسلام، أو يذلهم، فيدينون لها).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص4)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص981)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص254)، وفي «مسند الشاميين» (572)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص91)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص476)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417)، و(ج2 ص806)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق دحيم، والوليد بن مسلم، وغيرهما: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص119).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417): «هذا حديث محفوظ من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم».
وقال الشيخ الوادعي في «الصحيح المسند» (ج2 ص227): «هذا حديث صحيح».
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص806): «هذا حديث، حسن».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)، ثم قال: «رجال الطبراني، رجال الصحيح».
قلت: ففي هذا الحديث، يبشر رسول الله r، بعز هذا الدين، وتمكينه في الأرض، وأن هذا العز، والتمكين سيكون في الأرض، ووصوله إلى الناس كافة.
* فالإسلام سيصل إلى كل موضع، وتظهر به الحجة على الخلق.
* ولذلك قرر الله تعالى هذا الأمر، في قوله تعالى: ]يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[ [التوبة: 32 و33].
* وكذلك: ما أرسل الله تعالى به نبيه محمدا r، لا بد أن يتم ويظهر.
وقد تم، وظهر في بواكير هذه الرسالة العظيمة، وسيبقى إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
ولذلك الله يقول: ]ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون[ [التوبة: 32].
وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأحقاف: 9و10].
قلت: فالرسول r بين لهم، أنه ليس بأول رسول أرسل إليهم، وهذا يعني أنهم يعلمون بالرسل عليهم السلام، حتى في الجاهلية.
* وهم: تركوا دين الرسل -عليهم السلام- ووضعوا لهم ديانات من الشرك، وعبدوا الأصنام وغيرها.
* فما لهم من عذر، وعندهم علم الرسل عليهم السلام، وعلم بقايا من أهل العلم. ([54])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص42): (قوله تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل[؛ أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي، وتستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل والأنبياء، من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شيء تنكرون رسالتي؟.
وقوله تعالى: ]وما أدري ما يفعل بي ولا بكم[؛ أي: لست إلا بشرا، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى المتصرف بي وبكم، الحاكم علي وعليكم.
وقوله تعالى: ]إن أتبع إلا ما يوحى إلي[؛ ولست الآتي بالشيء من عندي.
وقوله تعالى: ]وما أنا إلا نذير مبين[؛ فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظكم، ونصيبكم في الدنيا والآخرة.
* وإن رددتم ذلك علي، فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص43): (وقد أخبر الله سبحانه: عن الكفار أنهم في شك مما تدعوهم إليه الرسل، وأنهم في شك من البعث، فقالوا لرسلهم: ]وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب[ [إبراهيم: 9]، وقال تعالى: ]وإنهم لفي شك منه مريب[ [فصلت: 45]، وقال تعالى: إخبارا عنهم: ]إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية: 32].
وقال تعالى، عن الكفار: ]إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 103 و104].
* ووصفهم بغاية الجهل، كما في قوله تعالى: ]لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179].
* وقد ذم الله المقلدين بقوله تعالى عنهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف: 22]؛ الآيتان، ومع ذلك كفرهم سبحانه وتعالى.
* واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها: على أنه لا يجوز التقليد في معرفة الله تعالى والرسالة.
* وحجة الله سبحانه قائمة على الناس بإرسال الرسل إليهم، وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته). اهـ.
قلت: ومن المعلوم من الدين بالضرورة، أن حجة الله تعالى، قد قامت على الخلق كلهم: عالمهم، وجاهلهم، إلى يوم القيامة في كل زمان ومكان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (من جعل بينه، وبين الله تعالى: وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم: كفر إجماعا). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص226): (ولا ريب: أن الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشرك الأكبر»، فكيف يعذر أمة كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص231): (إن الشرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، فإن هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريات الإسلام). اهـ
وقال تعالى: ]ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون[ [البقرة:78 و79].
وقال تعالى: ]بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ [البقرة:81].
* والذي يقرأ القرآن، ويتأمل آياته، يجد أن القرآن كثيرا، ما يبين إقامة الأنبياء الحجة على أقوامهم، وهم: النذر في أقوامهم.
قال تعالى: ]لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأعراف: 59].
وقال تعالى: ]وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون[ [الأعراف: 65].
وقال تعالى: ]وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم[ [الأعراف: 73].
وقال تعالى: ]وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين[ [الأعراف: 85].
وقال تعالى: ]وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين[ [الأعراف: 20].
وقال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا[ [النحل: 36].
وقال تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر: 24].
وقال تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس: 47].
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7].
وقال تعالى: ]فكيف كان عذابي ونذر[ [القمر: 16]؛ أي: إنذاري. ([55])
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف[ [الأحقاف: 21].
وقال تعالى: ]فأنذرتكم نارا تلظى[ [الليل: 14].
وقال تعالى: ]إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا[ [النبأ: 40].
وقال تعالى: ]ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر[ [القمر: 36].
وقال تعالى: ]قل إنما أنذركم بالوحي[ [الأنبياء: 45].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها[ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ]كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين[ [الأعراف: 2].
وقال تعالى: ]فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا[ [مريم: 97].
وقال تعالى: ]ولقد جاء آل فرعون النذر[ [القمر: 41]؛ يعني: الرسل عليهم السلام.
وقال تعالى: ]كذبت ثمود بالنذر[ [القمر: 23].
وقال تعالى: ]وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا[ [الكهف: 4].
وقال تعالى: ]لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين[ [يس: 70].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا[ [الأحقاف: 12].
وقال تعالى: ]أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم[ [الأعراف: 63].
وقال تعالى: ]يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا[ [الأنعام: 130].
وقال تعالى: ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم[ [الأنعام: 51].
وقال تعالى: ]أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس[ [يونس: 2].
وقال تعالى: ]وأنذر عشيرتك الأقربين[ [الشعراء: 214].
وقال تعالى: ]أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم[ [نوح: 1].
وقال تعالى: ]أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون[ [النحل: 2].
وقال تعالى: ]والذين كفروا عما أنذروا معرضون[ [الأحقاف: 3].
وقال تعالى: ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
وقال تعالى: ]أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين[ [الأعراف: 184].
وقال تعالى: ]إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 188].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين[ [هود: 25].
وقال تعالى: ]واخفض جناحك للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين[ [الحجر: 89].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين[ [الحج: 49].
وقال تعالى: ]قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين[ [العنكبوت: 50].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا في قرية من نذير[ [سبأ: 34].
وقال تعالى: ]إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد[ [سبأ: 46].
وقال تعالى: ]وجاءكم النذير[ [فاطر: 37].
وقال تعالى: ]إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين[ [ص: 70].
وقال تعالى: ]إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا[ [البقرة: 119].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1].
وقال تعالى: ]ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا[ [الأحزاب: 45].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ يعني: النبي r أنذر، ما أنذر الأولون من الرسل عليهم السلام.
فعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (إنما بعث محمد، بما بعث به الرسل قبله). ([56])
وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (أنذر محمد، كما أنذرت الرسل من قبله). ([57])
قلت: فالنبي r: نذير لقومه، كما كانت نذر الذين من قبله نذرا لقومهم.
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر من يخشاها[ [النازعات: 45].
وقال تعالى: ]وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون[ [الشعراء: 208].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا فيهم منذرين[ [الصافات: 72].
وقال تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33].
قلت: النذر؛ هم: رسل الله تعالى، إلى أقوامهم، على مر العصور، وكر الدهور.
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص182): (قوله تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33]؛ يعني: بالرسل).
وذكر المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج8 ص151)؛ أن النذر: جمع نذير، وهو الرسول، أو النبي.
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأحقاف: 21].
قلت: قد تتابعت الرسل عليهم السلام، إلى أقوامهم تترى، من قبل هود عليه السلام، ومن بعد هود عليه السلام، من الرسل -عليهم السلام- الكثيرة إلى أقوامهم، يعني: من بينهم في بلدانهم، فلم يبعث الله تعالى: رسولا، من قبل هود عليه السلام، ولا من بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له: ]ألا تعبدوا إلا الله[ [الأحقاف: 21]. ([58])
عن الإمام مجاهد بن جبر / قال: (في قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه[ [الأحقاف: 21]؛ جاءت قبلهم الرسل النذر: بتوحيد الله، وأتى الرسل بعدهم: بتوحيد الله). ([59])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص23): (قوله تعالى: ]وقد خلت[ [الأحقاف: 21] ؛ يعني: مضت: ]النذر[؛ يعني: الرسل: ]من بين يديه ومن خلفه[؛ يقول تعالى: قد مضت الرسل: إلى قومهم: من قبل هود، كان: منهم: نوح، وإدريس جد أبي نوح، ثم قال: ومن بعد هود، يعني: قد مضت الرسل إلى قومهم: ]ألا تعبدوا إلا الله[؛ لم يبعث الله تعالى: رسولا من قبل هود، ولا بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى: ]إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[؛ في الدنيا، لشدته).اهـ
قلت: فبلغوا عن الله تعالى دينه، فمن بلغته الآيات من كتاب الله تعالى؛ فقد بلغه أمره تعالى. ([60])
قال تعالى: ]قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19].
وقال تعالى: ]ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا[ [الأعراف: 158].
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ قال: (من بلغه القرآن، فأنا نذيره، وقرأ: ]ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا[ [الأعراف: 158]؛ قال: فمن بلغه القرآن، فرسول الله r: نذيره). ([61])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج1 ص553): (قوله تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن[ [الأنعام: 19]؛ من عند الله تعالى، ]لأنذركم به[ [الأنعام: 19]؛ يعني: لكي أنذركم بالقرآن، يا أهل مكة، ]ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ القرآن من الجن والأنس، فهو نذير لهم، يعني: القرآن إلى يوم القيامة). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج2 ص168): (يفهم: من الآية، أن الإنذار به عام؛ لكل من بلغه، وأن من بلغه، ولم يؤمن به، فهو في النار، وهو كذلك). اهـ
قلت: ولهذا كانت مهمة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، هي البلاغ وحسب.
* حتى تقوم حجة الله تعالى على عباده، قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [ [النساء: 165]، وقال تعالى: ]فهل على الرسل إلا البلاغ المبين[ [النحل: 35]، وقال تعالى: ]وما على الرسول إلا البلاغ المبين[ [النور: 54].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج2 ص348): (قوله تعالى: ]ما على الرسول إلا البلاغ[ [المائدة: 99]، وقد بلغ r كما أمره، وقام بوظيفته r). اهـ
وعن المغيرة بن شعبة t قال: قال رسول الله r: (ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله: المرسلين، مبشرين ومنذرين). ([62])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص552): (وقوله r: «ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين»؛ يعني: الرسل، وذلك لإقامة العذر والحجة، كما قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء: 165]). اهـ
قلت: وهذا؛ يعني: أن من بلغه القرآن، فليس بمعذور بجهله، في الأصول الكبار، التي هي أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، وأوضحها، وأقام بها حجته على عباده، وليس المراد بقيام الحجة، أن يفهمها العبد، فهما جليا، كما يفهمها، من هداه الله تعالى، ووفقه، وانقاد لأمره، فافهم لهذا ترشد. ([63])
قلت: فاشتراط بلوغ الرسالة، أو الحجة، هو من باب الأصل العام، في هذه المسألة؛ إذ إن البلاغ، هو مناط الإلزام ابتداء، وفي الجملة.
* أما من حيث التفصيل؛ وإصدار الحكم الشرعي على المحكوم عليه، فإنه يتوقف على توفر شروط أساسية، وأهم هذه الشروط، فهم: الحجة في الجملة، وهذا يفهمه كل أحد من المكلفين، وكفى، والبلوغ: في ذلك وحده كاف، باعتبار قيام الحجة على الخلق، خاصة: بضرورة، بقيام الحجة على المعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (أشد الناس عذابا يوم القيامة؛ عالم لم ينفعه الله بعلمه؛ فذنبه من جنس ذنب اليهود) ([64]). اهـ
واعلم رحمك الله: مادام هؤلاء الجهلة: يعبدون شيئـا من المخلوقات، فهم: لا بد أن يعلموا بوجود الخالق، الذي أمرهم بعبادته وحده لا شريك له.
* فكيف عرفوا عبادة المخلوق، ولم يعرفوا عبادة الخالق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [سورة «ص»: 5].
قلت: وهذا بسبب جهلهم الذي لا يعذرون فيه لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية[ [البينة:6].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم([65]) حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة:166 و167].
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:172 و173].
وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170].
وقال تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 23 و24].
وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [[الأحزاب: 67].
قلت: فبين الله تعالى عن الكفرة في معرض الذم.
وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [[التوبة: 31].
قلت: فأخبر الله تعالى عن أهل الكتاب على وجه الذم.
وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة؛ ([66]) قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170]. وفي المائدة،([67]) وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[([68]) وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[([69]) وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين (69) فهم على آثارهم يهرعون[([70]) وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (66) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[([71]) وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166] وقال تعالى: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار[ [غافر: 47] وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء[ [إبراهيم: 21] وقال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25].
* فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى: إما للعادة والنسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين، فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه، أو سيده، أو ذي سلطانه... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه). اهـ
وقال تعالى: ]أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات[ [فاطر:8].
وقال تعالى: ]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين[ [فصلت:25].
وقال تعالى: ]وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين[ [فصلت:29].
وقال تعالى: ]وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد[ [غافر:47و48].
وقال تعالى: ]هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار[ [ص:59-64].
* فالله تعالى: أخبر عن الأتباع، أنهم: في النار، وأن تقليدهم، لكبارهم، وآبائهم، ليس بحجة، لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم: أن الأتباع إنما قلدوا من قلدوه، بسبب جهلهم، وغفلتهم.
وقال تعالى: ]ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم[ [التوبة:113].
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: (هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر، وله حكم الكفار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]) ([72]).اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين /؛ وهو يرد على من قال إن المقلد في الشرك معذور: (قد افترى، وكذب على الله تعالى، وقد قال الله تعالى؛ عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال تعالى؛ حاكيا، عن الكفار: قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22]، واستدل العلماء: بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأنه فرض على كل مكلف، أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه النصوص ظاهرة) ([73]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص226): (ولا ريب: أن الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشرك الأكبر»، فكيف يعذر أمة، كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص231): (إن الشرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، فإن هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريات الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص26): (بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا، وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم.
* هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا، واستمروا على عبادة الأموات، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم: الشفاعة، أو شفاء المريض، أو رد الغائب، أو ما أشبه ذلك).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص18): (مع أن العلامة ابن القيم / جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في: «المسائل المكفرة»: إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك، وأعرضوا ولم يلتفتوا). اهـ
* وقد قرر العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادة مع مخالفة ما دلت عليه من الأصول المقررة، ومع: «الشرك الأكبر» في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام. ([74])
* إذ المقصود من الشهادتين حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبة الله تعالى لوحده، والخضوع له، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وإفراده بالاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات، كالذبح، والنذر، والتقوى، والخشية، ونحو ذلك من الطاعات. ([75])
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص170): (فتشبيه عباد القبور؛ بأنهم يصلون، ويصومون، ويؤمنون بالبعث، مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم، وإيمانهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ورسوله r، والمؤمنون). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص190): (وعباد القبور: ما رأيت أحدا من أهل العلم الذين يرجع إليهم، توقف في كفرهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التوحيد» (ص97): (يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ومع ذلك يذهبون إلى القبور يسجدون لها ويركعون؛ فهم كفار غير موحدين، ولا يقبل منهم أي عمل.
* وهذا من أخطر ما يكون على الشعوب الإسلامية؛ لأن الكفر بما سوى الله عندهم ليس بشيء، وهذا جهل منهم، وتفريط من علمائهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص126): (وإذا كان الجهل بالشرك لا يعذر به الإنسان، فلماذا أرسلت الرسل: تدعو قومها إلى توحيد الله تعالى؟، فهم إن كانوا لا يعذرون بالجهل: فمعناه: أنهم عالمون به). اهـ
قال تعالى: ]قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار[ [البقرة: 126].
وقال تعالى: ]ولئن كفرتم إن عذابي لشديد[ [إبراهيم: 7].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله[ [البقرة: 161].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم[ [النساء: 168].
وقال تعالى: ]والذين كفروا إلى جهنم يحشرون[ [الأنفال: 36].
وقال تعالى: ]ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم[ [البقرة: 217].
وقال تعالى: ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[ [الأنعام: 88].
* فقد بين الله تعالى في هذه الآية: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ [المائدة: 72]؛ وأن المشرك إذا مات، فقد قامت عليه الحجة مطلقـا.
* وذلك ببعثة رسول الله r إلى دعوة التوحيد الخالص، وقد أنذر أمته من «الشرك».
* وبلغ القرآن والسنة، ووصل هذا البلاغ إلى جميع الخلق إلى قيام الساعة.
قال تعالى: ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد[ [إبراهيم: 52]، ولم يقل: ليقولوا: إنما هو إله واحد. ([76])
وقال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ أي: ومن بلغه القرآن. ([77])
* إذا فالآية تبين أن من وقع في: «الشرك الأكبر»، فقد خرج من الإسلام؛ لأن الحجة بلغته من الله تعالى.
وقال تعالى: ]واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا[ [النساء: 36].
* اعبدوا الله؛ يعني: وحدوا الله تعالى، ولا تشركوا به شيئـا، وأنه من وقع في الشرك، ومات على الشرك: فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، وما للظالمين؛ يعني: وما للمشركين من أنصار؛ يعني: من مانع يمنعهم من النار. ([78])
* فهذه الآية: حجة على: «المرجئ العصري»، لأنها تبين إقامة الحجة على الخلق ممن أشرك منهم، فإنه مشرك وقامت عليه الحجة، سواء كان يعلم، أو يجهل، ولا عذر لأحد من الخلق بجهله.
وقال تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ [الذاريات: 56].
قلت: وبذلك أرسل الله تعالى: جميع الرسل عليهم السلام.
قال تعالى: ]وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[ [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين[ [النحل: 36].
* والحجة قد قامت عليهم جميعـا، فلا عذر لأحد من الخلق في الشرك الذي وقع فيه في هذه الحياة، ومات عليه.
قال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص41): (والجواب عن ذلك كله: أن الله تعالى، أرسل رسله: مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
* وأعظم ما أرسلوا به، ودعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك: الذي هو عبادة غيره). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص44): (وحجة الله تعالى: قائمة على الناس؛ بإرسال الرسل عليهم السلام: إليهم، وإن لم يفهموا حجج الله تعالى وبيناته). اهـ.
* وقد عرف الفقهاء المرتد: فقالوا: (المرتد: من أشرك بالله تعالى، أو كان مبغضا للرسول r، ولما جاء به، أو تعبد الله تعالى بالبدع، أو ترك إنكار المنكرات بقلبه، حتى ألفها، ودافع عنها، خاصة الشرك، أو استهزأ بالدين، أو بالسنة، أو توهم أن أحدا من الصحابة، أو التابعين، لهم: قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا، أو جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط يتوكل عليها، ويدعوهم، ويسألهم، أو ألحد في صفات الله تعالى، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها: فمرتد). ([79])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل الملائكة، والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار؛ مثل: أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن محمد / في «الدرر السنية» (ج10 ص247): (والإجماع منعقد: على أن من بلغته دعوة الرسول r، فلم يؤمن بها، فهو كافر، ولا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة، وأعلام النبوة).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص20): (واعلم: أن المشركين في زماننا، قد زادوا على الكفار في زمن النبي r، بأنهم يدعون الأولياء والصالحين، في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم: تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم، والتقرب بهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله تعالى، فهم لا يدعونهم؛ إلا في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله تعالى، قال الله تعالى: ]وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم[ [الإسراء:67]).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص401): (نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء: تدل على كفر من أشرك بالله تعالى؛ فعبد معه غيره.
* ولم تفرق الأدلة بين المعين، وغيره، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به[ [النساء: 48]؛ وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التوبة:5]؛ وهذا عام في كل واحد من المشركين).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ / في «الدرر السنية» (ج10 ص441): (الدعاء عبادة، فمن صرف شيئا من هذه العبادة لغير الله تعالى، سواء كان ملكا، أو نبيا، أو وليا، أو جنيا، أو إنسيا، أو حجرا، أو شجرا: فهو مشرك كافر).اهـ
* سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في أمور التوحيد؟، وهل ينطبق هذا على من يدعون، وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟.
فأجاب فضيلته: (لا يعذر بذلك من أقام في بلد التوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين، لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر، والشام، ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره.
* فالواجب على علماء الإسلام أن ينبهوا الناس، وأن يحذروهم من هذا الشرك، وأن يعظوهم، ويذكروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم، ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره، بل يسأل، والله يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشرك!؛ لأنه رأى الناس على ذلك، ولا يسأل، ولا يتبصر، وقد ثبت عن النبي r، أنه قال لمن سأله عن أبيه: «إن أباك في النار، فلما رأى تغير وجهه قال r: إن أبي وأباك في النار»([80])، وأبوه r مات في الجاهلية، رواه مسلم في الصحيح؛ لأنهم كانوا على شريعة تلقوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي التوحيد، وأمه عليه الصلاة والسلام ماتت في الجاهلية، واستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على: أن من مات على كفر لا يستغفر له، ولا يدعى له، وإن كان في الجاهلية، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرسول r، هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر، وله حكم الكفار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]) ([81]).اهـ
* فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل ([82]). ([83])
وقال تعالى: ]وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا [ [الفرقان:21].
قلت: فوصفهم بالكبر، والعتو الكبير. ([84])
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص235): (فوصفهم بالكبر والعتو الكبير؛ لما اقترحوا هذه الاقتراحات، ولم يسلموا لما جاء به من الوحي والآيات، وهكذا كل مستكبر وعات([85])، عما جاءت به الرسل، وما قرره أهل العلم، يرده ولا يقبله قدحا فيهم وزعما منه أنهم يدعون إلى أنفسهم، وأنه لا يصلح أن يكون تابعا، فما أقرب المشابهة بين هؤلاء الضلال، وإخوانهم الأولين، أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص233): (وما المانع من تكفير من فعل([86]): ما فعلت اليهود من تكفيرهم بالصد عن سبيل الله، والكفر به، مع معرفته؟). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /؛ في معرض حديثه عمن فهم كلام شيخ الإسلام؛ خاطئا في مسألة قيام الحجة: (فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار، والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44])([87]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص404): (كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ونحن نعلم: أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا: أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال.
* وهذا قول على الله بغير علم، معارض؛ بمثل قوله تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله[ [الأعراف:30]، ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
* وكذلك الخوارج، ورد فيهم الذم العظيم، مع أنهم ما ارتكبوا ما ارتكبوا إلا عن جهل، ولم يعذروا بذلك؛ وهذا جواب لمن يعترف بأن ما يفعلون شرك.
* وأما كثير من الناس، فيقولون: ما يقوله هؤلاء الضالون عند المشاهد، ليس بشرك، بل يقول إنه جائز، أو إنه مستحب، كما يزعمه بعض أئمة الضالين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص491): (فمن جعل شيئا من العبادة لغير الله، فهذا هو الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]؛ فمن زعم: أن الله يغفره، فقد رد خبر الله سبحانه.
* وحد العبادة وحقيقتها: طاعة الله؛ فكل قول، وعمل ظاهر وباطن، يحبه الله: فهو عبادة، فكل ما أمر به شرعا، أمر إيجاب، أو استحباب، فهو عبادة، فهذا حقيقة العبادة عند جميع العلماء، التي من جعل منها شيئا لغير الله، فهو كافر مشرك.
ومما يبين: أن الجهل ليس بعذر في الجملة، قوله r في الخوارج ما قال، مع عبادتهم العظيمة؛ ومن المعلوم: أنه لم يوقعهم ما وقعوا فيه إلا الجهل، وهل صار الجهل عذرا لهم؟، يوضح ما ذكرنا: أن العلماء من كل مذهب يذكرون في كتب الفقه: باب حكم «المرتد»، وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه.
* وأول شيء يبدؤون به، من أنواع الكفر: الشرك، يقولون: من أشرك بالله كفر، لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر، ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله، كما قالوا فيما دونه، وقد قال النبي r لما سئل: أي الذنب أعظم إثما عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، فلو كان الجاهل أو المقلد، غير محكوم بردته إذا فعل الشرك، لم يغفلوه، وهذا ظاهر.
وقد وصف الله سبحانه، أهل النار بالجهل، كقوله تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير[ [الملك:10]، وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف:179]، وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف:30]؛ قال ابن جرير عند تفسير هذه الآية: «وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور».اهـ، ومن المعلوم: أن أهل البدع الذين كفرهم السلف والعلماء بعدهم، أهل علم، وعبادة، وفهم، وزهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلا الجهل.
* والذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار، هل آفتهم إلا الجهل؟ ولو قال إنسان: أنا أشك في البعث بعد الموت، لم يتوقف من له أدنى معرفة في كفره، والشاك جاهل، قال تعالى: ]وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية:30]؛ وقد قال الله تعالى عن النصارى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم[ [التوبة:31]؛ قال عدي بن حاتم للنبي r: «ما عبدناهم، قال: أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه؟ ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى; قال: فتلك عبادتهم»، فذمهم الله سبحانه، وسماهم مشركين، مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل.
* ولو قال إنسان عن الرافضة في هذا الزمان: إنهم معذورون في سبهم الشيخين، وعائشة، لأنهم جهال مقلدون، لأنكر عليهم الخاص والعام، وما تقدم من حكاية شيخ الإسلام إجماع المسلمين على: أن من جعل بينه، وبين الله وسائط، يتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، أنه كافر مشرك، يتناول الجاهل وغيره.
لأنه من المعلوم: أنه إذا كان إنسان يقر برسالة محمد r، ويؤمن بالقرآن، ويسمع ما ذكر الله سبحانه في كتابه، من تعظيم أمر الشرك، بأنه لا يغفره، وأن صاحبه مخلد في النار، ثم يقدم عليه وهو يعرف أنه شرك، هذا مما لا يفعله عاقل، وإنما يقع فيه من جهل أنه شرك؛ وقد قدمنا كلام ابن عقيل، في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور، نقله عنه ابن القيم مستحسنا له.
* والقرآن يرد على من قال: إن المقلد في الشرك معذور؛ فقد افترى، وكذب على الله، وقد قال الله تعالى عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال سبحانه حاكيا عن الكفار، قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22].
وفي الآية الأخرى: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف:23]، واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأن فرضا على كل مكلف: أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه الأصول ظاهرة، ولله الحمد، لا يختص بمعرفتها العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص88) عن الشرك: (فمن جعل لله تعالى ندا من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية، والربوبية فقد كفر إجماعا). اهـ
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «القول السديد» (ص24): (فأما الشرك الأكبر: فهو أن يجعل لله تعالى ندا يدعوه كما يدعو الله تعالى، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله تعالى، أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة). اهـ
قلت: فهذا حقيقة الشرك.
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ص289): (حقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله تعالى، أو يعظم؛ كما يعظم الله تعالى، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية، والإلهية). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستغاثة» (ج1 ص290): (أعظم ما نهي عنه: الشرك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص152): (فصل: فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة: ... ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله تعالى، كما قال تعالى: ]لئن أشركت ليحبطن عملك[ [الزمر:65]). اهـ
وقال العلامة علي بن سلطان في «أدلة معتقد أبي حنيفة» (ص93): (فالمشرك مستحق للعذاب في النار؛ لمخالفته دعوى الرسل عليهم السلام، وهو مخلد فيها دائما). اهـ
وقال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان:23].
وقال تعالى: ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر:65].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستغاثة» (ج2 ص463): (والأنبياء معصومون من الشرك، ولكن المقصود: بيان أن الشرك، لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله؛ فكيف بغيره). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص463): (وأما المشركون، والكفار؛ فإن شركهم، وكفرهم محبط لحسناتهم، ولا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج9 ص165): (أجمع العلماء: على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة، ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله تعالى). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص93): (وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم -يعني: على الكفار-، وكفرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها، وإن أشكل عليكم ذلك؛ فانظروا: قوله r في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([88])، وقوله r: «شر قتلى تحت أديم السماء»([89])، مع كونهم في عصر الصحابة y.
* ويحقر الإنسان عمل الصحابة y معهم، وقد بلغتهم الحجة، ولم يفهموها.
* وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية، وغيرهم، مع علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم؛ لأجل كونهم لم يفهموا، فإذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر).اهـ
قلت: وهذا يدل على عدم اشتراط فهم الحجة للتكفير، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وخلا عما يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار تقوم عليهم الحجة بالقرآن. ([90])
قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25].
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص240): (كل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقد أجمع العلماء: أن من بلغته دعوة الرسول r أن حجة الله تعالى قائمة عليه). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص241): (وكل من بلغه القرآن فليس بمعذور، فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله تعالى في كتابه، وأوضحها، وأقام بها حجته على عباده.
* وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا، كما يفهمها من هداه الله تعالى، ووفقه، وانقاد لأمره.
* فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة من الله تعالى مع إخباره، بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛... يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن، ولم يفقهوه، وأنه عاقبهم بالأكنة، والوقر في آذانهم، وأنه ختم على قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم.
* فلم يعذرهم مع هذا كله، بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله r، وحكم بكفرهم، فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوع، وفهمها نوع آخر) ([91]). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن الحجة تقوم في: «المسائل الظاهرة» ببلوغ القرآن، وأنه لا يشترط فهمها.
قال تعالى: ]ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7].
قلت: فينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة.
* فإن من بلغته دعوة الرسل، فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم في الجملة ([92])، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد لما جاء به الرسول r، فافهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجة. ([93])
قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص245): (ولا عذر لمن كان حاله هكذا؛ لكونه لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته؛ لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها
* قد أخبر الله تعالى عن الكفار، أنهم لم يفهموا، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فبين سبحانه أنهم لم يفقهوا، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا.
* بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار). اهـ
قلت: فبين /: بتكفيره للمعين، وإن لم يفهم الحجة.
* فلا يشترط في قيام الحجة الفهم؛ بل تقوم الحجة بمجرد بلوغها.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص311): (ممن بلغته رسالة محمد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل). اهـ
قلت: ففهم الحجة شيء، وبلوغها شيء آخر.
* فلو كان هذا الحكم: موقوفا؛ على فهم الحجة لم نكفر؛ إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان. ([94])
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن النجدي / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص124): (والمقصود: أن الحجة قامت بالرسول r، والقرآن، فكل من سمع بالرسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة). اهـ
قلت: وفي صفة قيام الحجة، وأنها تكون بالبلوغ فقط.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج2 ص282 و284): (أما من بلغه القرآن، أو بعثة الرسول r، فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقال تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
* فمن بلغه القرآن، وبلغه الإسلام ثم لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صح عن النبي r أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار»([95]). أخرجه مسلم في «صحيحه»، فجعل سماعه ببعثة الرسول r حجة عليه). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «شرح كشف الشبهات» (ص101): (ولا فرق بين من يكون كفره عنادا، أو جهلا.
الكفر: منه عناد، ومنه جهل، وليس من شرط قيام الحجة على الكافر أن يفهمها، بل من أقيمت عليه الحجة مثل ما يفهمها مثله، فهو كافر، سواء فهمها، أم لم يفهمها، ولو كان فهمها شرطا لما كان الكفر؛ إلا قسما واحدا، وهو الجحود، بل الكفر أنواع منه الجهل، وغيره). اهـ
قلت: فبين / عدم اشتراط فهم الحجة، وأنه يكفي بلوغ الحجة، فهمها، أم لم يفهمها.
قلت: واشتراط قيام الحجة للتكفير المعين، أو للتكفير العام؛ ببلوغ حجة القرآن عليه، ووصوله إليه.
* فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة، وقامت الحجة عليه، ووصلت إليه حجية الرسالة.
فلا يعذر؛ أي: جاهل بجهله على وجه الأرض، لأن جميع الخلق، وصل لهم الإسلام عن طريق طباعة القرآن الكريم، وطباعة السنة النبوية، والأجهزة الحديثة بواسطة الإعلام، والإذاعات، والتلفاز، والهاتف، والأخبار، والأنباء، وغير ذلك.
قلت: وقيام الحجة لا يشترط فيه فهم الحجة، بل تقوم بمجرد بلوغ الدليل من الكتاب والسنة.
* وقد ذكر أهل العلم في معرض حديثهم عن قيام الحجة؛ أنه ليس من شروط قيام الحجة فهمها.
فقد تقوم الحجة على قوم دون فهمهم لوجه الصواب منها.
* وإلا لو اشترطنا فهم الحجة للزم من ذلك أن لا يكفر إلا المعاند، وهو باطل قطعا.
* فمن سمع الحجة وهو عاقل، فقد قامت عليه الحجة.
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص13): (والمقصود: أن الحجة قامت بالرسول r، والقرآن الكريم؛ فكل من سمع بالرسول r، وبلغه القرآن: فقد قامت عليه الحجة. ([96])
* وهذا ظاهر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية /؛ عند قوله: فمن المعلوم أن قيامها ليس أن يفهم كلام الله تعالى، ورسوله r؛ مثل: أبي بكر الصديق t، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، ورسوله r، وخلا عن شيء يعذر به([97]): فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فتأمل كلامه، واستحضر فكرك، واسأل الله الهداية). اهـ.
وقال الإمام ابن القيم /: (إن الله سبحانه قد أقام الحجة على خلقه بكتابه، ورسوله r، قال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1]، وقال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فكل من بلغه القرآن، فقد أنذر به، وقامت عليه الحجة) ([98]). اهـ
قلت: وعلى هذا يكفي فيه مجرد بلوغ الحجة، والجزم بتكفير المعين، أو غيره.
قلت: إذا فلا يشترط في قيام الحجة فهمها، وإنما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الذي تبلغه عاقلا، مميزا يعي ما يسمع، وهذا العلم في جميع الخلق في هذا الزمان.
* وعدم اعتبار العذر بالشبهة، أو التأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشرك الأكبر» لظهور أدلتها، ووضوح برهانها، لأنها من: «مسائل الاعتقاد» التي تعلم من الدين بالضرورة. ([99])
قلت: لذلك عدم اعتبار الشبهة، أو التأويل، أو الجهل، أو الخطأ في: «مسائل الكفر الأكبر»، أو في: «مسائل الشرك الأكبر».
قال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي / في «الانتصار لحزب الله تعالى» (ص46): (قد ذكر أهل العلم من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، أنه يكفر صاحبها، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند، فالدعي أن مرتكب الكفر: «متأولا»، أو «مجتهدا»، أو «مخطئا»، أو «مقلدا»، أو «جاهلا» معذور؛ مخالف: للكتاب، والسنة، والإجماع بلا شك). اهـ
قلت: فبين / بالإجماع، بأنه لا يعذر العبد بالخطأ، أو الشبهة، أو التأويل، أو الجهل، أو التقليد، أو الاجتهاد الفاسد بدون ضوابط شرعية.
وقال العلامة الشيخ أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص40)؛ موضحا أن شيخ الإسلام لا يعذر بالجهل، أو التأويل في مسائل الشرك: (فقد جزم / في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكره من: «أنواع الشرك».
* وحكى إجماع المسلمين على ذلك، ولم يستثن الجاهل، ونحوه، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:116]، وقال تعالى عن المسيح: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار[ [المائدة:72].
* فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط، فأخرج: «الجاهل»، و«المتأول»، و«المقلد»، فقد شاق الله تعالى، ورسوله r، وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدرون باب: «حكم المرتد» بمن أشرك، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند).اهـ
قلت: فالشرك خطره عظيم، بل هو أخطر الذنوب على الإطلاق، ومن تدبر القرآن، والسنة، وجدهما مصرحين ببطلان دين المشركين، وكفر أهله، وبيان أنهم أعداء الرسل عليهم السلام، وأنهم أصحاب النار؛ لأن ذنبهم لا يساويه ذنب.
* وقد قرر العلماء أن الواقع الذي نحن فيه من عبادة لكثير من الناس للقبور: هو بعينه فعل الجاهلية الوثنيين، وهو الذي جاءت الرسل عليهم السلام بمحوه، وإبطاله، وتكفير فاعله.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص168): (وكل كافر: قد أخطأ، والمشركون لا بد لهم من تأويلات، ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم، ويدفع عنهم، فلم يعذروا بذلك الخطأ، ولا بتلك التأويل). اهـ
قلت: فبين / في عدم العذر بالخطأ، والشبهة، والتأويل، والجهل في: «مسائل الشرك»، و«مسائل الكفر».
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص192)؛ في رده على: «داود بن جرجيس» في العذر بالشبهة في مسائل الشرك، ونسبة ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وليس في كلام الشيخ العذر بكل شبهة، ولا العذر بجنس الشبهة، فإن هذا لا يفيده كلام الشيخ، ولا يفهمه منه، إلا من لم يمارس من العلوم شيئا، بل عبارته صريحة في إبطال هذا المفهوم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص194): (وأما مسألة عبادة القبور، ودعائهم مع الله تعالى؛ فهي مسألة وفاقية التحريم، وإجماعية التأثيم، فلم تدخل في كلام الشيخ لظهور برهانها، ووضوح أدلتها، وعدم اعتبار الشبهة فيها). اهـ
قلت: وبهذا يتضح أن لا عذر بالشبهة، أو التأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشرك الأكبر»، و«الكفر الأكبر»، فتنبه.
قلت: وحقيقة ما جاء به الرسل عليهم السلام، ودعوا إليه، وجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وأن لا يشرك في واجب حقه أحد من خلقه، وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال.
* فمن خالف ما جاؤوا به، ونفاه وأبطله، فهو كافر ضال، وإن قال: «لا إله إلا الله»، وزعم أنه مسلم، لأن ما قام به من الشرك، يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد، فلا ينفعه التلفظ بقول: «لا إله إلا الله»؛ لأنه يتكلم بما لم يعمل به، ولم يعتقد ما دل عليه. ([100])
قال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص19): (وإنما يكفر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نطق الكتاب، والسنة، بتكفيره، وأجمعت الأمة عليه، كمن بدل دينه، وفعل: فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة، والأنبياء، والصالحين، ويدعونهم، فإن الله تعالى كفرهم، وأباح دماءهم، وأموالهم، وذراريهم بعبادة غيره: «نبيا»، أو «وليا»، أو «صنما»، لا فرق في الكفر بينهم، كما دل عليه الكتاب العزيز). اهـ
* ومن كان هذا حاله، فهو في النار، وعمله الباطل يقابل بالعذاب، والعياذ بالله.([101])
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار). ([102])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن من سمع برسول الله r، من يهودي، أو نصراني، أو غيرهما، ثم لم يدخل في الإسلام، ومات، إلا دخل النار، لأنه كفر بالله تعالى، وبرسوله r.
عن أبي هريرة t قال: (زار النبي r قبر: أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال r: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي).([103])
قلت: ومن المعلوم أن أمه r، ماتت في الجاهلية، وهو صغير، قبل البعثة، ولم تعذر بذلك.
وعن أنس بن مالك t: (أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال r: في النار، فلما: قفى دعاه، فقال r: إن أبي، وأباك في النار). ([104])
قال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج1 ص192): (وكيف لا يكون: أبواه، وجده، بهذه الصفة في الآخرة؛ يعني: في النار -وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين: «عيسى بن مريم» عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص349): (فيه: أن من مات على الكفر، فهو في النار، ولا تنفعه: قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم: دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره: من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ﭭ: (قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك: نافعه؟ قال r: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما، رب: اغفر لي خطيئتي يوم الدين). ([105])
قلت: وهذا يدل على أن: «ابن جدعان» كان على الشرك، ومات عليه في الجاهلية، فلم يعذر بجهله، ولم ينفعه عمله الذي يقوم به من: صلة الرحم، وإطعام المسكين.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ص115)؛ باب الدليل على أن من مات على الكفر، لا ينفعه عمل.
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي، يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب). ([106])
وعن عائشة ﭭ قالت: قال رسول الله r: (رأيت جهنم: يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا، يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب).([107])
فإن العرب: بقوا، قرونا على دين إبراهيم عليه السلام، حتى غير دينهم: «عمرو بن لحي الخزاعي».
قلت: وعمرو بن لحي، هو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام، وقد استحسن هذا بجهله، فدخل النار، ولم يعذر بجهله، بل وكل من قلدوه في الجاهلية في ذلك، فهو مثله في نار جهنم، ولم يعذر بجهله.
قلت: وهذه الأحاديث تدل أن النبي r أخبر عنهم، أنهم في النار، وهم: من كبارهم، وأفاضلهم، فلم ينفعهم ذلك، بل منهم: من كان يتصدق، ويفعل الأعمال الطيبة، ومع ذلك لم ينفعه ذلك، لأنه مات على الكفر.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص1): (وآخر الرسل: محمد r، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله تعالى، إلى أناس يتعبدون، ويحجون، ويتصدقون، ويذكرون الله تعالى كثيرا، ولكنهم: يجعلون بعض المخلوقات وسائط: بينهم، وبين الله تعالى). اهـ
قلت: فكانت الحجة ثابتة لله تعالى، عليهم؛ بإنذار من تقدم من الرسل عليهم السلام، وإن لم يروا رسولا. ([108])
* وهذا إذا كان في زمن: «الجاهلية الكبرى»، في وقت، قلة العلم، وانطماس آثار الرسالة، فكيف بعد بعثة الرسول r، في وقت انتشار النور، وظهور العلم، فمن باب أولى، أن الجهل لا يكون عذرا، للعبد في يوم القيامة.
قلت: ولا يشترط في قيام الحجة، إقناع الجاهل، فهذا لا سلطان، للعبد عليه، إلا ما شاء الله تعالى.
* فالله تعالى بيده الهدى، والضلال، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، والله يحكم لا معقب لحكمه.
قال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
قلت: ولم يثبت في الكتاب، والسنة، ولا عن الصحابة y، ولا السلف، أن من مات من المشركين في الجاهلية يختبر يوم القيامة.
* وهذا الجهل بسبب الغفلة، والإعراض عن الدين الصحيح. ([109])
قال تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]، يعني: لتنذرهم؛ مثل: ما أنذر آباؤهم. ([110])
قلت: وهذه الفتاوى، تدل على عدم اعتبار: «الشبهة»، و«التأويل»، و«الخطأ» في «مسائل الكفر الأكبر»، وفي «مسائل الشرك الأكبر»، لظهور أدلتها، ووضوح برهانها.([111])
* فالفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، وأنه لا يشترط في قيام الحجة فهمها، إذا كان من بلغته، لو أراد، وإنما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الذي تبلغه، عاقلا، مميزا، يعي ما يسمع.
قلت: وكل إنسان مكلف، له عقل يدرك به الحقائق، فمن سمع كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، بقلب واع، فقد فهمه ابتداء في الجملة، ثم بعد تعلمه، سوف يفهمه على التفصيل، وهذا هو المراد من البلاغ.
قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
قلت: فالإنذار يحصل، لمن بلغه القرآن: بلفظه، أو معناه، فهذا قامت عليه الحجة، وانقطع عذره في هذه الحياة. ([112])
قال العلامة الشيخ حمد بن معمر / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص240): (كل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، وقد أجمع العلماء: أن من بلغته دعوة الرسول r، فحجة الله تعالى، قائمة عليه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص35): (قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالإنذار يحصل: لمن بلغه القرآن؛ بلفظه، أو معناه، فإذا بلغته الرسالة: بواسطة، أو بغير واسطة، قامت عليه الحجة، وانقطع عذره). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص105)؛ لما تكلم في كفر تارك الصلاة: (وفي الحقيقة، فكل رد لخبر الله تعالى، أو أمره، فهو كفر: «دق»، أو «جل» ([113])، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا، في الفروع؛ بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين، من الأخبار، والأوامر). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص246 و248): (أما من بين المسلمين، يسمع السنة، ويسمع القرآن، هذا غير معذور، لا في العقيدة، ولا في غيرها.
* قال الله تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالله تعالى جعل القرآن نذيرا، ومحمدا جعله، نذيرا.
* فالقرآن نذير، ومحمد نذير، فالذي يبلغه القرآن، والسنة، ويعيش بين المسلمين، فهذا غير معذور، عليه أن يسأل، وعليه أن يتفقه في الدين، وعليه أن يتعلم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124)؛ في معرض حديثه، عن الأدعية الشركية: (أن يدعو غير الله تعالى، وهو: ميت، أو غائب، سواء كان من الأنبياء، والصالحين، أو غيرهم، فيقول: يا سيدي: فلان «أغثني»، أو «أنا أستجير بك»، أو «أستغيث بك»، أو «انصرني على عدوي»، ونحو ذلك، فهذا هو: «الشرك بالله»، وأعظم من ذلك، أن يقول: «اغفر لي»، و«تب علي»، كما يفعله: طائفة من الجهال المشركين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (من استغاث بميت، أو غائب من البشر، بحيث يدعوه في الشدائد، والكربات، ويطلب منه قضاء الحوائج، فيقول: «يا سيدي فلان» أنا في حسبك وجوارك، أو يقول: عند هجوم العدو عليه: «ياسيدي فلان» يستوحيه، ويستغيث به، أو يقول ذلك، عند مرضه، وفقره، وغير ذلك من حاجاته، فإن هذا ضال، جاهل، مشرك، عاص لله تعالى، باتفاق المسلمين) ([114]). اهـ
وعن ابن عمر ﭭ، أن رسول الله r قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص75)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص53)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص92 و367)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص219)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص200)، وأبو يعلى الخليلي في «المنتخب من الإرشاد» (ج2 ص515)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص67)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص410)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص165)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص819)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص232)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص89) من طريق شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر ﭭ به.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص22): (وكان المشركون الأولون يؤمنون بأن الله تعالى: ربهم، وخالقهم، ورازقهم، وإنما تعلقوا بالأنبياء، والأولياء، والملائكة، والأشجار، والأحجار، وأشباه ذلك، يرجون شفاعتهم عند الله تعالى، وتقريبهم لديه، كما سبق في الآيات، فلم يعذرهم الله تعالى بذلك، ولم يعذرهم رسول الله r، بل أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العظيم، وسماهم: كفارا ومشركين، وكذبهم في زعمهم أن هذه الآلهة تشفع لهم، وتقربهم إلى الله تعالى زلفى، وقاتلهم الرسول r على هذا الشرك حتى يخلصوا العبادة لله تعالى وحده، عملا بقوله سبحانه: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[ [الأنفال: 39]؛ وقال الرسول r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى»([115])؛ ومعنى: قوله r «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»؛ أي: حتى يخصوا الله بالعبادة، دون كل ما سواه). اهـ
وهناك فتوى: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين النجدي /؛ بعنوان: «حكم تكفير المعين» قال /: وما سألت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه؛ بالكفر إذا ارتكب شيئا من المكفرات؟.
فأجاب /: (فالأمر الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع العلماء أنه كفر، مثل: «الشرك بعبادة غير الله» سبحانه وتعالى، فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو جنسه، فهذا لا شك في كفره.
* ولا بأس بمن تحقق منه شيء من ذلك أن نقول: كفر فلان بهذا الفعل، يبين هذا، أن الفقهاء: يذكرون في باب: «حكم المرتد» أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافرا، ويفتتحون هذا الباب بقولهم: من «أشرك بالله كفر»، وحكمه: «أنه يستتاب»، فإن تاب وإلا قتل، والاستتابة تكون مع معين، ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: «إن القرآن مخلوق»، قال: «كفرت بالله العظيم»، وكلام العلماء في: تكفير المعين كثير، وأعظم أنواع الكفر، «الشرك بعبادة الله»، وهو: كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أن من زنى؛ قيل: فلان زان، ومن رابى؛ قيل: فلان مراب)([116]). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ أبو بطين النجدي /، عن تكفير المعين؛ فأجاب: (نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء، تدل على كفر من أشرك بالله، فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به[ [النساء:48]، وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التوبة:5]، وجميع العلماء: في كتب الفقه يذكرون «حكم المرتد»، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: «الشرك»، فقالوا: من «أشرك بالله كفر»، ومن زعم لله صاحبة، أو ولدا: كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ويذكرون: أنواعا، مجمعا على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره) ([117]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص38): (فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخرين: إنا لا نقصد أن أولئك يفيدون بأنفسهم، ويشفون مرضانا بأنفسهم، أو ينفعوننا بأنفسهم، أو يضروننا بأنفسهم، وإنما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك؟.
* فالجواب أن يقال له:
إن هذا هو مقصد الكفار الأولين ومرادهم، وليس مرادهم أن آلهتهم تخلق، أو ترزق، أو تنفع، أو تضر بنفسها، فإن ذلك يبطله ما ذكره الله تعالى عنهم في القرآن، وأنهم أرادوا شفاعتهم، وجاههم، وتقريبهم إلى الله تعالى زلفى، كما قال سبحانه وتعالى؛ في سورة يونس عليه الصلاة والسلام: ]ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ [يونس:18]، فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله سبحانه: ]قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون[ [يونس:18]؛ فأبان سبحانه: أنه لا يعلم في السماوات، ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله تعالى وجوده: لا وجود له، لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء، وقال تعالى، في سورة الزمر: ]تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله الدين الخالص[ [الزمر: 1 - 3]؛ فأبان سبحانه: أن العبادة له وحده، وأنه يجب على العباد إخلاصها له جل وعلا؛ لأن أمره للنبي r بإخلاص العبادة له؛ أمر: للجميع، ومعنى الدين هنا: هو العبادة، والعبادة: هي طاعته، وطاعة رسوله r كما سلف، ويدخل فيها الدعاء، والاستغاثة، والخوف، والرجاء، والذبح، والنذر، كما يدخل فيها: الصلاة، والصوم، وغير ذلك؛ مما أمر الله تعالى به ورسوله r، ثم قال عز وجل بعد ذلك: ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ [الزمر: 3]؛ أي: يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: ]إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[ [الزمر: 3]؛ فأوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة: أن الكفار ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى، وهذا هو مقصد الكفار قديما وحديثا، وقد أبطل الله تعالى ذلك بقوله: ]إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[ [الزمر: 3]؛ فأوضح سبحانه: كذبهم في زعمهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى، وكفرهم بما صرفوا لها من العبادة، وبذلك يعلم كل من له أدنى تمييز أن الكفار الأولين، إنما كان كفرهم باتخاذهم الأنبياء، والأولياء، والأشجار، والأحجار، وغير ذلك من المخلوقات: شفعاء بينهم، وبين الله تعالى، واعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم من دون إذنه سبحانه، ولا رضاه). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص79)؛ مشبها عباد القبور الذين يقولون: «لا إله إلا الله»، مع جهلهم معناها، باليهود: (وعباد القبور: نطقوا بها، وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به، فصاروا، كاليهود الذين يقولونها، ولا يعرفون معناها، ولا يعملون بها). اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عــنـي به وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسـلـم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
درة نادرة في عدم العذر بالجهل في أصول الدين في هذا الزمان لوجود الوسائل الحديثة......................................................................... |
5 |
2) |
لا عذر للجاهل المهمل في التفقه في الدين، وقد وقع في الشرك الأكبر، تقليدا لعلماء السوء، في دار الإسلام...................................... |
7 |
3) |
لا عذر للجاهل المقلد في: «الشرك الأكبر»، إذا وقع فيه، وهو لا يشعر......................................................................................................... |
10 |
4) |
المقدمة..................................................................................................... |
11 |
5) |
ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قطع دابر: «المرجئة العصرية»، وأبان أن هذا الإسلام سوف ينتشر في المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر لأحد بجهله بأحكام الدين إلى قيام الساعة................................. |
43 |
6) |
ذكر الدليل على أن الإسلام سوف ينتشر في المشارق، والمغارب في البلدان على وجه الأرض كلها، حتى أنه سوف ينتشر في: المدن، والقرى، والبوادي، والصحاري، والغابات، وأطراف الأرض؛ فلا عذر؛ لأي: مخلوق بجهله بالإسلام، وبفروعه وأصوله على وجه الأرض، وبذلك قد قامت الحجة على جميع الخلق في مشارق البلدان ومغاربها...................................................... |
58 |
([1]) انظر: «أقوال الشيخ عبد العزيز بن باز في العذر بالجهل» (ص7)؛ تقديم: «الشيخ الفوزان» بتاريخ: 29/12/1437هـ.
([4]) أما المقلد الذي لم يتمكن من معرفة العلم، ووقع في شيء من الخطأ في الفروع، فهذا لا يكفر، للعذر بجهله.
([5]) وانظر: «حكم تكفير المعين» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص21)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص14 و15 و20 و24 و27).
([6]) انظر: «الدرر السنية» (ج10 ص93 و95)، و«مجموع الفتاوى النجدية» (ج3 ص238)، و«حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص11 و12)، و«مسألة في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص15 و26 و27 و36 و43)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص57)، و«شرح كشف الشبهات» للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص101)، و«الضياء الشارق في الرد على المازق المارق» لابن سحمان النجدي (ص290 و291)، و«فتاوى اللجنة الدائمة» (ج2 ص96 و99).
([8]) وهذه الصفات، التي تميز بها كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، القصد منها أساسا، إفهام الناس، خطاب الله تعالى الموجه إليهم، والمتضمن عبادة الله تعالى وحده وطاعته، والنهي عن عبادة غير الله تعالى معه، أو من دونه، والنهي عن عصيانه تعالى.
([11]) الفهم: يعني، الفهم على التفصيل، فلا حاجة منه، بالنسبة إلى قيام الحجة، فمن بلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة.
وانظر: «الدرر السنية» (ج10 ص93 و95).
([12]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج12 ص295)؛ في كتاب: «استتابة المرتدين»، في باب: «قتل الخوارج» (6930)، ومسلم في «صحيحه» (1066) من حديث علي بن أبي طالب t.
أخرجه الترمذي في «سننه» (3000)، وابن ماجه في «سننه» (176)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص250) من حديث أبي أمامة t.
([19]) قلت: وأما على الإجمال، فإنه يفهم حجة القرآن، ويفهم: السنة، ويعلم: أنه رسول الله r إذا سمع به، ويدري بالرسالة إذا وصلت إليه، وسمع بها.
([27]) فأما اليوم، وقد شاع الدين في الأرض، واستفاض في دار الإسلام، علم الأصول، وعلم الفروع في العالم كله.
* حتى في دار الكفر شاع دين الإسلام، بين الكفار؛ لوجود المسلمين بينهم، فلا عذر لأحد من الخلق بسبب الجهل، لأن الحجة قامت عليهم، ببلوغ القرآن إليهم، وترجمة القرآن إلى غالب اللغات في العالم، وبلغت رسالة الرسول r لذلك.
([28]) ومنه ما هو مختص بالعلماء فقط، وهذا في الأمور الدقيقة، بحيث يكون معلوما لهم بالضرورة، ولا يكون كذلك لمن هم دونهم في العلم، كالعامة مثلا.
انظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص70).
([30]) لذلك ترى الكفار من اليهود والنصارى، والمجوس وغيرهم، يعادون الدين الإسلامي، لعلمهم أنه دين الحق، الذي أنزله الله تعالى للخلق كافة.
* فعلموا هذا الدين على الإجمال، وفهموه في الجملة، فقامت عليهم الحجة، فكفروا بالله تعالى، وبرسوله r.
([31]) والفهم المنفي: عن الخلق، هو فهم التفقه فقط ابتداء، ولم ينف الله تعالى عنهم: ابتداء، الفهم المجمل، الذي تقوم عليهم الحجة، ببلوغ القرآن إليهم.
قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
وعن عبد الله بن عمرو t قال: قال رسول الله r: (بلغوا عني ولو آية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (3461).
([33]) انظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ص168 و169)، و«طريق الهجرتين» له (ص413 و414).
قلت: والناس أقسام؛ حيال حجة الله تعالى:
* فمنهم: القابل لها، والمذعن لأحكامها.
* ومنهم: المعرض عن حجة الله تعالى.
* ومنهم: العالم بها، المعاند لها.
* ومنهم: الجاهل بها، مع عدم التمكين من معرفتها، إلا ابتداء.
* ومنهم: الجاهل بها، مع عدم التمكين من معرفتها على وجه التفصيل في الأحكام إلى أن مات.
قلت: ولكل قسم، من هذه الأقسام: حكمه عند الله تعالى.
([34]) قلت: أصحاب الفترة، قد قامت عليهم الحجة بالرسالات؛ إلى قيام الساعة؛ فلا عذر لهم، فيما وقعوا فيه من الشرك مثلا.
* والذين قالوا بعذر أهل الفترة، ابتداء، هم: عدد من أهل العلم المتأخرين، حيث أطلقوا على أهل الفترة، هم: الذين لم تبلغهم الدعوة، بمن فيهم: أطفال المشركين، وأنهم: يمتحنون يوم القيامة، وهذا ليس بصحيح، ولذلك فإنهم: استدلوا في اجتهادهم بالأحاديث الضعيفة، وهي ليست بحجة في الإسلام.
* وأهل الفترة: على الصحيح، هم: الذين عاشوا بين رسولين، لم يرسل إليهم: الرسول الأول، ولم يدركوا الرسول الثاني، فهم: بين فترة من الرسل عليهم السلام، وهؤلاء: قامت عليهم الحجة بالرسول الذي من قبلهم، وببقايا من أهل العلم في تلك الفترة.
([35]) قلت: لا يعذر أحد بالجهل، حتى من أهل الفترة؛ لأنه قامت عليهم الحجة بالرسول الذي من قبلهم، وببقايا من أهل العلم، فقد بلغتهم الدعوة على ذلك، فلا وجود «لأهل الفترة» على وجه الأرض لا في قديم الزمان، ولا في هذا الزمان، إلى قيام الساعة.
([37]) لذلك، لا عذر لمن نشأ ببادية بعيدة، لم يتعلم الدين، في الأصول، والفروع، لأن الأحكام استفاضت، حتى في البادية الآن، وانتشر العلم عندهم، عن طريق الوسائل الحديثة، وغيرها، بين أهل البادية، بجميع طوائفهم، وأماكنهم في البلدان.
([40]) أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب: «الإيمان»، باب: «فضل من استبرأ لدينه» (52)، ومسلم في «صحيحه» (1599)، من حديث النعمان بن بشير t.
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص258)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص292)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج5 ص126 و127 و426).
([44]) وإن هذا الدين سوف يدخل: المدن، والقرى، والأمصار، والبوادي، والبلدان، والغابات، وأطراف الأرض، وغير ذلك.
([46]) انظر: «معالم التنزيل» للبغوي (ج2 ص242)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص826).
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص91): (أمر تعالى برد ما تنازع فيه المؤمنون إلى الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأخبرهم أن ذلك خير لهم في العاجل، وأحسن تأويلا في العاقبة). اهـ
([47]) فقوله: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاءت)؛ هو من باب حمل المفرد على معنى الجمع، وهو يجوز في اللغة العربية، والجادة في العبادة؛ أن يقال: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت)، ويقال: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاء).
انظر: «الخصائص» لابن جني (ج2 ص419).
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص258)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص292)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج5 ص126 و127 و426).
([53]) وأن هذا الدين سوف يدخل: المدن، والقرى، والأمصار، والبوادي، والبلدان، والغابات، وأطراف الأرض، وغير ذلك.
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص157).
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص255)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
([58]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص23)، و«جامع البيان» للطبري (ج21 ص154)، و«تفسير القرآن» للبستي (ص349).
([60]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج3 ص330)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج1 ص553)، و«زاد المسير في علم التفسير» لابن الجوزي (ج3 ص13 و14)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص121)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحدي (ج2 ص259)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص133)، و«إرشاد العقل السليم» لأبي السعود (ج3 ص118).
([65]) وهذه الآية تدل على إقامة الحجة على التابع، والمتبوع في الحياة الدنيا، فلا أحد له عذر بسبب جهله في الدين.
([66]) أي: بلا حجة توجب هذا القبول، وعلى هذا فكل ما أوجبت الحجة قبوله ليس تقليدا.
انظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص297)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص403)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص265)، و«المسودة» لآل تيمية (ص553).
([67]) آية المائدة المشار إليها في قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [[المائدة: 104].
([68]) آية لقمان هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان: 21].
([74]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83).
([75]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83 و84).
([76]) وانظر: «الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين» للشيخ عبد الله أبي بطين (ص28).
([79]) وانظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (ج4 ص606)، و«الفروع» لابن مفلح (ج6 ص158)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج10 ص327)، و«منار السبيل» لابن ضويان (ج2 ص357)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص15).
([83]) الرسالة: قد بلغت الخلق على وجه الأرض إلى قيام الساعة، من: «أهل الفترة»، ومن غيرهم، فلا عذر لأحد جهل الأحكام، ووقع في الشرك.
([84]) انظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص235)، و«الرد على البكري» لابن تيمية (ج2 ص731).
([85]) قلت: وأي مانع يمنع من تكفير هذا النوع.
وانظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص236).
([86]) قلت: والمرجئ لا يبدي قوله في اعتراضه، وتلبيسه؛ إلا هي أكبر من أختها في الجهالة، والضلالة.
وانظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص234).
([87]) وانظر: «مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» (ج3 ص159 -160)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص238).
أخرجه ابن أبي أسامة في «المسند» (ص221-الزوائد)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص156)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص307)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص34)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص102) من حديث أبي أمامة t.
وإسناده حسن.
([90]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص122)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص11 و12)، و«ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص53)، «تقديم الشيخ الفوزان»، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص55)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص43 و47 و48)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126).
([92]) ألا يكون عديم العقل، والتمييز؛ كالصغير، والمجنون، وغيرهما.
وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص243 و244)، و«كشف الشبهتين» لابن سحمان (ص91 و92).
([93]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص243 244)، و«الدرر السنية» (ج10 ص360 و375)، و«فتاوى نور على الدرب» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص659)، و«الفتاوى» له (ج2 ص126)، و«القول المفيد على كتاب التوحيد» له أيضا (ص297)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص 12 و13)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص 17).
([94]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص311)، و«الدرر السنية» (ج10 ص360 و375)، و«الضياء الشارق في الرد على المازق المارق» للشيخ ابن سحمان (ص290 و291)، و« حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص 19 و20)، )، و« فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص 12 و13).
([96]) والحجة تقوم بالدليل: من القرآن، أو السنة، فمن بلغه الدليل، فقد قامت عليه الحجة.
* وليس من شرط قيام الحجة: فهم الحجة، ففهمها: نوع، وبلوغها: نوع آخر.
قلت: والمعين إذا قامت عليه الحجة، ببلوغها، وكان عاقلا، مميزا، يسمع الحجة، فإنه يكفر.
([99]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص194)، و«الدرر السنية» (ج11 ص446)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص57)، و«الفتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص29 و43)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص10 و11)، و«الانتصار لحزب الله تعالى» للشيخ أبي بطين (ص46)، و«القول المفيد على التوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (ص97 و264)، و«فتاوى نور على الدرب» له (ج1 ص431).
([100]) وانظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص432)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص13 و14)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126)، و«فتاوى نور على الدرب» له أيضا (ج1 ص659)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله (ص79 و619).
([110]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج7 ص234)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج12 ص321)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص773)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج2 ص799).
([111]) وانظر: «الدرر السنية» (ج9 ص246)، و(ج11 ص446)، و«الانتصار» للشيخ أبي بطين (ص46)، و«منهاج التأسيس والتقديس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص102 و105)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص153)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» للشيخ ابن باز (ص8 و9 و17 و22 و25).