الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / الكشف المستطير عن ضلالات عبد الله الجربوع فيما وقع فيه من الإرجاء الكبير
الكشف المستطير عن ضلالات عبد الله الجربوع فيما وقع فيه من الإرجاء الكبير
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
70 |
الكشف المستطير
عن ضلالات: عبد الله الجربوع
فيما وقع فيه من الإرجاء الكبير
دراسة أثرية منهجية علمية؛ في ذكر فضائح: «الفرقة الجربوعية»، في انحرافها في أصول الدين، مع قلة أفرادها، فهي تعتبر من: الفرق الضالة في الإسلام.
* بمعنى: أنه لا يلزم أن يطلق على الكثرة: أنها فرقة فقط، بل يطلق ذلك حتى على القلة أيضا، وإن كانت على عدد أصابع اليد، لأنه يطلق على الجماعة في الإثنين فما فوق.
* وانظر: «لمحة عن الفرق الضالة» للشيخ الفوزان (ص5 و6 و9 و14 و15 و16 و20 و23).
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على تناقض: «عبد الله الجربوع» في حكم: «العبد الكافر»، وبيان تلاعبه في الأحكام، وأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، وهذا من عجيب أمر هذا المدعي، وأنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه، ويكأنه بدأ يخلط وتختلط عليه الأحكام في الدين، وذلك بسبب جهله المركب، حتى وقع في التباين والتضاد في أقواله، فانظر: كيف راج عليه ما حذر منه
أرى كـل إنســـــان يرى عيب غيره |
|
|
ويعمــــــى عن العيب الذي هو فيه |
ولا خير فيمن لا يرى عيب نفسه |
|
|
ويعمــــــى عن العيب الذي بأخيه |
قال عبد الله الجربوع المرجئ؛ بعد أن ذكر حديث العتقاء من النار: (الشفاعة: انتهت من المسلمين، كل من في قلبه ذرة، انتهى الآن ما يتعلق بالمسلمين الذين تنالهم الشفاعة، الذين هم: العصاة من الموحدين.
* بقينا في أناس لقوا الله كفارا، واستحقوا الخلود في النار([1])، الحكم عند الله: كفار. ([2])
* الأولون: مسلمون، وقضى الله أن يكونوا من أهل الجنة، وإن أصابهم ما أصابهم.
* وهؤلاء: كفار، قضى الله أن يكونوا من أهل النار.
* هؤلاء: كفار، يخرج منهم أهل التوحيد، ويسمون: عتقاء!. ([3])
* كيف عتقاء الله، الله: أعتقهم من جزاء كان... لكن الله سبحانه: أعتقهم، يدخلون الجنة عتقاء([4])، يخرجون برحمة رب العالمين، مافي شفاعة أبدا؛ وبإجماع العلماء، أنهم: لم يعملوا خيرا قط! ([5])، هؤلاء: كفار أعتقهم الله: العتقاء، هؤلاء: لقوا الله بعمل مكفر، لكن التوحيد بقي!. ([6])
* نحن لا نقول: أنه مسلم، نقول: أنه: كافر، لكن حقه في حكمة الله، أن يخلد في النار، فأعتقه الله من النار التي هي حقه، وهو مستحق للخلود، فهؤلاء: كتب لهم الخلود، فعفى الله عنهم. ([7])
* وتوجد طائفة من اليعقوبية، من اليهود في إيران، يشهدون أن لا إلـٰه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم يقولون: أن محمدا للعرب، وموسى لبني إسرائيل، فهم: يشهدون له بالرسالة. ([8])
* هؤلاء عندنا كفار، وعند الله كفار، ومستحقون الخلود في النار، نحن لا نخالف.
* جزاؤهم: الخلود في النار، لكن حديث: العتقاء يدخلون فيه([9])، نقول: من لقي الله بالتوحيد، وبـ«لا إلـٰه إلا الله» مصدقا بها([10])، نفعته يوما من الدهر. ([11])
والنووي قال: أنهم يموتون، الذي سيخرجون الآن: يموتون([12])، ومنهم: قال: لا يموتون، لكنهم: يفقدون الإحساس، يموتون يبقون في النار: ميتين، ثم إذا جاء هذا اليوم، من أيام الله يخرجهم الله برحمته، يحيون، يحييهم الله، وهناك: في أحاديث). ([13]) انتهى كلام الجربوع.
* وضرب الجربوع: أمثلة على هذا الصنف من الكفار:
مثل: لو كان الإنسان يصلي، ويقوم بالعبادة، من أركان الإسلام، وغير ذلك، لكنه قال: أن القرآن مخلوق!، هو موحد!. ([14])
ومثل: لو ترك الصلاة تسويفا، هو موحد. ([15])
* وزعم الجربوع: أن حديث العتقاء ليس في المسلمين، بل هو في الكفار! ([16])، وبزعمه أن هؤلاء: دخلوا الجنة هم: موحدون، والتوحيد: يصدق على هؤلاء العتقاء، وعندهم: التوحيد. ([17])
* ونقل الجربوع: عن ابن قدامة([18])، في كونه: كفر، لا يعني: الخلود في النار([19])، ليس كل كافر مخلد في النار. ([20])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على كشف إرجاء: «عبد الله الجربوع»، الكبير، وأن إرجاءه وصل به إلى عدم تكفير: الكفار، الذين كفرهم الله تعالى في القرآن، وكفرهم رسول الله r في السنة، وأجمع الصحابة، والتابعون لهم بإحسان على تكفيرهم، وأنهم: مخلدون في النار بنص القرآن، لا يدخلون الجنة أبدا، فهذا: الجربوع، كذب القرآن، والسنة، وخالف الإجماع في هذا الحكم، فهلك ولا بد. ([21])
* حيث زعم أن هؤلاء الكفار: من العتقاء من النار، وسوف يخرجون من النار في يوم من الأيام، مهما طال بهم الزمان!.([22])
* بل وصل بإرجائه -وهو من أخبث الإرجاء- إلى أنه لم يكفر جماعة من اليهود يزعم أنهم: في إيران([23])، وأنهم سوف يدخلون الجنة؛ لأنهم: من العتقاء من النار، يعتقهم الله تعالى يوم القيامة، لأنهم: موحدون، ويؤمنون بالله تعالى، وبرسوله r!.
قال عبد الله الجربوع: (وتوجد طائفة من اليعقوبية، من اليهود في إيران([24])، يشهدون أن لا إلـٰه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم يقولون: أن محمدا للعرب، وموسى لبني إسرائيل، فهم: يشهدون له بالرسالة.
* هؤلاء عندنا كفار، وعند الله كفار، ومستحقون الخلود في النار، نحن لا نخالف.
* جزاؤهم: الخلود في النار، لكن حديث: العتقاء يدخلون فيها([25])، نقول: من لقي الله بالتوحيد، وبـ«لا إلـٰه إلا الله» مصدقا بها، نفعته يوما من الدهر). ([26]) انتهى كلام الجربوع.
قلت: وأهل الكتاب، يؤمنون بالله تعالى، ويؤمنون بالرسول r، ومع ذلك هم: كفار، لأنهم: لم يسلموا لله تعالى، بل أنكروا الإسلام، وكفروا بعد إقرارهم بالإسلام.
قال تعالى: ]كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون[ [آل عمران: 86-88].
عن قتادة / قال: كان الحسن البصري / يقول في قوله تعالى: ] كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم[ [آل عمران: 86]؛ هم: أهل الكتاب من اليهود والنصارى، رأوا نعت محمد r في كتابهم، وأقروا به، وشهدوا أنه حق، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه، وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب، حين بعث من غيرهم). ([27])
* وهذا القول، فيه قمع: «للجربوع» المرجئ، القائل: أن اليهود الذي يشهدون لله بالإيمان، وأن محمدا رسول الله، فإنهم موحدون، وهم: من العتقاء من النار!، ويدخلون الجنة بذلك!؛ يعني: ينجون في الآخرة على منهجه!، وهذا باطل بلا شك.
وعن الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم[ [آل عمران: 86]؛ قال: (هم أهل الكتاب، كانوا يجدون محمدا مكتوبا في كتابهم، ويستخفون به، فكفروا بعد إيمانهم به). ([28])
قلت: فاليهود كفروا بعد إيمانهم، فهم: ليسوا بموحدين، ولا تنالهم الشفاعة يوم الآخرة.
* ويكرر عبد الله الجربوع المرجئ، لإرجائه الكبير، في خروج جماعة من الكفار من النار، ودخولهم الجنة!، فيقول: (القسم الثاني: الأصل العام، المجمع عليه بين الأمة، ودلالته على أن من مات ويشهد: «أن لا إلـٰه إلا الله»، ولا يشرك بالله شيئـا، أن مصيره، ونهاية أمره إلى الجنة ([29])، والخروج من النار إن دخلها، ولو عمل أي عمل، ولو كان: كفرا ([30])، دون الشرك، وما كان في حكمه من التكذيب والجحود، ومعاندة الحق الموجبة الخلود في النار).
* ثم بعد أن افترى الجربوع على السلف في هذه المسألة، قال: (وهذا يؤكد فقه السلف في حديث: الشفاعة، وما ورد في شأن الذين يخرجهم الله بالقبضتين. ([31])
* وإن الذين يخرجهم الله: هو عام في الكفرة والعصاة).([32]) انتهى كلام الجربوع.
قلت: فانظر إلى هذا التباين والتضاد، وكيف راج عليه ما حذر منه من الإرجاء الذي وقع فيه: الذين من قبله من «المرجئة الخامسة»!.
* فأتى فيه بما لا يخفى على صغار طلبة السنة.
* ذلك أنه جعل صحة إسلام العبد بمجرد نطقه بـ«لا إلـٰه إلا الله»، دون العمل بمقتضاها، وهذا قول: «المرجئة» تمامـا. ([33])
فقال الجربوع: (من مات ويشهد: «أن لا إلـٰه إلا الله»، ولا يشرك بالله شيئـا، أن مصيره، ونهاية أمره إلى الجنة، والخروج من النار إن دخلها، ولو عمل: أي عمل، ولو كان: كفرا!). ([34])
* وهذا القول، لم يقل به أحد من أهل العلم، بل القول به، هو ضد قولهم، بل هو: «مذهب المرجئة»!.
* فلا يكفي بمجرد التلفظ بالشهادة، بل لا بد من العلم بمعناها، والعمل بمقتضاها، فهي: هكذا تنفعه يوم القيامة.
* فأما النطق بها من غير علم لمعناها، ولا عمل بمقتضاها، فإن ذلك غير نافع للعبد بإجماع أهل السنة والجماعة. ([35])
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ج1 ص205): (قوله: «من شهد أن: لا إلـٰه إلا الله»؛ أي: من تكلم بهذه الكلمة عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا، كما دل عليه قوله: ]فاعلم أنه لا إلـٰه إلا الله[ [محمد: 19].
وقوله: ]إلا من شهد بالحق وهم يعلمون[ [الزخرف: 86]؛ أما النطق بها من غير معرفة لمعناها، ولا عمل بمقتضاها؛ فإن ذلك غير نافع: بالإجماع). اهـ.
وقال الإمام القرطبي / في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (ج1 ص204): (باب: لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب: هذه الترجمة تنبيه على فساد: «مذهب المرجئة» ([36])، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافقين بالإيمان الصحيح، وهو باطل قطعـا). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص201): (من اعتقد أنه بمجرد تلفظ الإنسان بهذه الكلمة يدخل الجنة، ولم يدخل النار بحال، فهو ضال مخالف للكتاب، والسنة، وإجماع المؤمنين.
* فإنه قد تلفظ بها المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وهم: كثيرون. ([37])
* بل المنافقون قد يصومون، ويصلون، ويتصدقون، ولكن لا يتقبل منهم، قال تعالى: ]إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا[ [النساء: 142]، وقال تعالى: ]قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون[ [التوبة: 53 و54]). اهـ.
قلت: فهذا العبد يكون فيه: إيمان ونفاق، وإيمانه في الجملة، ولا ينفعه ذلك، وإيمان وكفر؛ بمثل: المنافقين في عهد الرسالة.
* فيكون أحدهما: أقرب منه إلى الآخر، وهو النفاق والكفر، لأنه متلبس بهما، مع إيمانه في الجملة، فيكون من أهلهما: يعني: من أهل النفاق، ومن أهل الكفر: جميعـا، وهو مخلد في النار، لا يخرج منها أبدا، ولا يدخل الجنة. ([38])
قال تعالى: ]هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان[ [آل عمران: 167].
قلت: ولا يقاس الخطأ في أصل الدين، وفي شهادة: «أن لا إلـٰه إلا الله»، بالخطأ في غير ذلك، فأي حجة: «للجربوع» في هذا.
* فكيف ينقل هذا الافتراء على الله تعالى الكذب، ويكتب أدلة بزعمه في جواز إخراج جماعة من الكفار من النار، وإدخالهم في الجنة، فقاتله الله، ما أعمى بصيرته، وما أغلظ جهله!.
* فالجربوع المرجئ: يكتب للذي كفر بالإيمان، وهو مرتكب: للكفر الأكبر، دخوله الجنة، بعد أن يدخل النار!.
* وهو مستحق للوعيد أعظم من استحقاق صاحب الكبيرة الذي إذا دخل النار، فلا بد أن يخرج منها إن شاء الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص535): (فإن المسلم الأصلي إذا ارتد عن بعض شرائعه، كان أسوأ حالا ممن لم يدخل بعد في تلك الشرائع، مثل: مانعي الزكاة، وأمثالهم ممن قاتلهم الصديق t). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص102): (تارك الصلاة، والزكاة: إذا قتل عند أحمد /، فهو عنده من قسم المرتدين، لأنه بالإسلام ملتزم: لهذه الأفعال، فإذا لم يفعلها، فقد ترك ما التزمه، أو لأنها عنده من الغاية التي يمتد القتال إليها، كالشهادتين، فإنه لو تكلم، بإحداهما: وترك الأخرى لقتل). اهـ
* ويكرر ويزيد: عبد الله الجربوع المرجئ، في ضلاله الكبير، وإرجائه المستطير، في الإعفاء عن جماعة من الكفار في دخولهم الجنة، فيقول: (هؤلاء يخرجون وقد دخلوها -يعني: جهنم-، وهم: كافرون، في حكم الكافرين. ([39])
* جزاؤهم: أن يخلدوا في النار، ولكن الله عفا عنهم!).([40]) انتهى كلام الجربوع.
* ويكرر ويعيد عبد الله الجربوع المرجئ في تقريره للإرجاء الكبير، وأن الكفرة هؤلاء حبطت أعمالهم، لكن عندهم: التوحيد، فيخرجون به من النار، فيقول: (عندما وقعوا في المكفر: حبطت أعمالهم، فصاروا كمن لا عمل له.
* وإنما بقي مع الواحد منهم مجرد الإقرار: «بالشهادتين!»، وأنه مات لا يشرك بالله شيئـا([41])، وهو إقرار علمي بـ«التوحيد»، لا يزول بتلبسه بمكفر، الذي هو: دون الشرك!).([42]) انتهى كلام الجربوع.
* ويؤكد عبد الله الجربوع المرجئ في مقدمته، على إرجائه الكبير، وأن هؤلاء: الكفار، هم: عتقاء من النار، يخرجهم الله بالقبضتين، فيقول: (وهو بحث يتعلق بما ورد في سياق، حديث: الشفاعة، الطويل المتعلق بالذين يخرجهم الله بالقبضتين، وهم: عتقاء الله!. ([43])
* وسوف أركز على ما ورد في شأن هؤلاء الذين يخرجهم الله بالقبضتين.
* وهذا البحث فيه بيان دلالة حديث: الشفاعة على أن الله يخرج بالقبضتين بعض من أدخله النار: كافرا ([44])، إذا لقي الله: بـ«التوحيد»، ومات وهو لا يشرك بالله شيئـا).([45]) انتهى كلام الجربوع.
* ويؤكد عبد الله الجربوع: على إرجائه الكبير، في خطئه في عبارة، أن ذلك سبق لسان.
* ليؤكد أن الذين يخرجون من النار، ويدخلون الجنة؛ هم: كفار!.
* في الذين وقعوا في الكبائر، دون الشرك، وهو يقصد: الذين وقعوا في الكفر، دون الشرك، كما بين ذلك: عبد الله الجربوع.
* فهو يقصد: وقعوا في المكفرات، دون الشرك. ([46])
* ويثبت الجربوع: للعبد إيمانا حتى لو لم يعمل عملا قط!.
* فالقرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن العبد لا يثبت له حكم الإيمان، إلا بالعمل مع التصديق، من تأدية: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صيام رمضان»، و«الحج».
قلت: وهذا هو الإيمان الذي أوجبه الله تعالى على الخلق، وهو تصديق، واعتقاد القلب، وإقرار وقول باللسان، وعمل بالجوارح. ([47])
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص405): (وذلك خلاف مقالة: «المرجئة»، الذين حجبت عقولهم، وصرفت قلوبهم، وحرموا البصيرة، وخطئوا طريق الصواب). اهـ
قلت: لأنه يمتنع أن يكون العبد مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه، ولم يؤد عملا صالحا!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا، ولا صلاة، ولا زكاة، ولا صياما، ولا غير ذلك من الواجبات، أو لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله تعالى، ورسوله r، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله تعالى، ورسوله r؛ مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا، إيمانا ثابتا: في قلبه؛ بأن الله فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه، بالامتناع عن السجود: الكفار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص128): (بل القرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق، وهذا في القرآن أكثر بكثير من معنى الصلاة والزكاة، فإن تلك إنما فسرتها السنة، والإيمان بين معناه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف). اهـ.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على الحكم بالكفر على المعين، وبالكفر العام، لمن وقع في المخالفات للأصول الكبرى، والمسائل العظمى، بالضوابط التي ضبطها أئمة الحديث في مسائل التكفير، والتي لا يعذر فيها؛ أي: أحد في تماديه بجهله في حياته، دون أن يتعلم أحكام دينه، ما دام استندوا في تكفيره إلى برهان من الله تعالى، وبيان من رسوله r، وقد وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه وقامت الحجة عليه في الدين؛ ببلوغه القرآن، والرسالة فقط، وإن لم يفهم: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام: 19]
اعلم رحمك الله أن مسألة «التكفير» من القضايا الشائكة التي كثر فيها الخوض، والجدل ما بين: «إفراط»، و«تفريط» من قبل: «الخوارج»، و«المرجئة»، وغيرهم.
* فإطلاق الحكم «بالكفر» خاصة على المعين له تبعات، وآثار خطيرة إذا كان هذا الحكم بغير ضوابط شرعية.
قلت: فيجب ضبط مسألة: «التكفير» بما يتفق مع منهج: «أهل الحديث»، بما سلكوه بكتاب الله تعالى، ولسنة رسوله r، وبآثار السلف.
* فإذا كان المكفر يستند في تكفيره: «بالتكفير المعين»، أو «بالتكفير العام»؛ إلى برهان من كتاب الله، وسنة رسوله r، فالمكفر بهذا مصيب بحكم الله تعالى، وبحكم رسوله r، وبحكم الصحابة y، وبحكم السلف الكرام، ومن تابعهم بإحسان في ذلك، وهو مأجور، ومطيع، وموافق للشريعة المطهرة. ([48])
قلت: وأهل الحديث؛ قديما وحديثا: هم الفرسان في هذا الميدان، فقد تكلموا في: «المسائل التكفيرية»، تأليفا، وتصنيفا، وبحثا، واستدلالا، ومناقشة للملبسين على المسلمين أمر دينهم من: «الخوارج»، و«المرجئة»، وغيرهم من المبتدعة. ([49])
قلت: والإفراط، والتفريط الذي حدث في الطوائف الحزبية في مسألة: «التكفير» والتي كتبت في هذه المسألة، خلاف الدين.
قلت: فإن من يتابع من كتب: مؤخرا في: «مسألة العذر بالجهل»؛ يجد أن الناس قد ذهبوا إلى مذهبين:
* فمنهم الجاحد الغالي: إلى حد أنهم ينفون العذر بالجهل مطلقا، مما أدى هذا الفريق من الناس أن يصدروا أحكاما بالتكفير، والخروج من دائرة الإسلام على أناس من المسلمين، يشملهم: العذر بالجهل.
* وهؤلاء سواء علموا، أو لم يعلموا فقد وقفوا تحت مظلة: «الخوارج» الغلاة الأوائل، الذين كفروا الناس بالكبائر، والظن.
* ومنهم المفرط المتهاون: الذي يقول بالعذر بالجهل مطلقا، من دون أن ينظر إلى حال الجاهل، وسبب جهله، والمسألة التي جهل فيها، فعذروا من لا يصح عذره، وأدخلوا من لا يصح إدخاله في دائرة الإسلام.
* وهؤلاء سواء علموا، أو لم يعلموا فقد وقفوا تحت مظلة: «الإرجاء»، وفيهم شبة من: «المرجئة» الأوائل، الذين نقلوا أن يكون العمل من الإيمان.
* فالمسألة هي: بين الغالي والجافي، وبين الإفراط والتفريط.
لذا رأيت ضرورة، تبيان الحق، والصواب في المسألة متحريا: الدليل من الكتاب، والسنة، وفهم السلف، وأئمة الحديث في كل ما أثبته، وأقروه لكي تكون هذه المسألة حجة في موضوعها على كل مخالف، يرى ما نقول، نعيد كلا: من الغالي، والجافي، إلى الوسطية، التي يتمثل فيها الحق.
قلت: وثمة أمر ينبغي التنويه له في هذه المقدمة، وهو أن المراد من كلامنا عن العذر بالجهل، هو الجهل الذي يؤدي بصاحبه إلى الخروج من دائرة الإسلام، أو الوقوع في ناقض من نواقض التوحيد.
* وليس الجهل في الفروع العملية التي لا يترتب على الجهل فيها كفر، أو خروج من دائرة الإسلام.
* فهذا النوع الأخير من الجهل لا يسلم منه؛ خاصة المسلمين، فضلا عن عامتهم.
عن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله r: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد).([50])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص57): (فتبين أن المجتهد مع خطئه له أجر؛ وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له؛ لأن درك الصواب في جميع أعيان الأحكام، إما متعذر، أو متعسر). اهـ
* فطائفة: اشترطت شروطا في: «تكفير المعين»، أو «التكفير العام»؛ لم يشترطها علماء الحديث.
وهؤلاء عندهم لا يكفر إلا الجاحد للقطعيات فقط، وزعموا أن الورع ترك: «التكفير المعين»، أو «التكفير العام»، ولو مع تحقق الشروط من الكتاب، والسنة، والآثار.
* وطائفة: قصرت التكفير على الجحود، والاستحلال، وأهملت بقية أنواع التكفير التي ذكرها علماء الحديث في أبواب الردة، فدخل على هؤلاء شبهة: «الإرجاء»، من حيث لا يشعرون.
* وطائفة: قد وقعت في الغلو، فسارعت إلى «التكفير المعين»، أو «التكفير العام»، دون اعتبار للضوابط التي ضبط بها علماء الحديث مسألة: «التكفير».
* فكان في هؤلاء شبه من: «الخوارج» في تسرعهم في: «التكفير» بغير ضوابط شرعية.
قلت: والحق أن أهل الحديث: وسط بين هذه الطوائف، فلا يتوقفون في «التكفير المعين»، أو «التكفير العام» متى استوفي: «شرائط التكفير»، ولا يكفرون متى وجدوا مانعا من: «موانع التكفير» يمنع من: «التكفير المعين»، أو «التكفير العام»، على حسب الضوابط. ([51])
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص335): (وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره إلى نص، وبرهان من كتاب الله، وسنة نبيه r، وقد رأى كفرا بواحا؛ كالشرك بالله، وعبادة ما سواه... فالمكفر بهذا مصيب، مأجور، مطيع لله تعالى، ورسوله r... والتكفير: بترك هذه الأصول من أعظم دعائم الدين، وأما من أطلق لسانه لمجرد عداوة، أو هوى، أو لمخالفة المذهب؛ فهذا من الخطأ البين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص336): (والتجاسر على: «التكفير»، أو «التفسيق»، و«التضليل»، لا يسوغ إلا لمن رأى كفرا بواحا؛ عنده فيه من الله برهان، وأما الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب، كالسرقة، والزنا، وشرب الخمر، هؤلاء هم: «الخوارج»، وهم عند أهل السنة: ضلال مبتدعة). اهـ
* وفي هاتين الطائفتين: يقول العلامة مفتي الديار النجدية: الشيخ أبو بطين النجدي / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص336): (وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة؛ فقصر بطائفة: فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب، والسنة، والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين، فكفروا من حكم الكتاب، والسنة، والإجماع؛ بأنه مسلم، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين، ومحنته من تينك البليتين). اهـ
قلت: وموانع التكفير هي:
1) موانع الفاعل: وهي ما يعرض له بما يجعله غير مؤاخذ بأفعال، وأقوال شرعا.
* وهي ما تسمى: «بعوارض الأهلية»؛ مثل: الجهل، والخطأ، والتأويل، والإكراه.
قلت: والعقل، والبلوغ، والاختيار من شروط صحة الأهلية؛ أي: أهلية الأداء، وتعني: صلاحية الفرد، لأن تعتبر أقواله، وأفعاله شرعا.
قلت: وعوارض الأهلية؛ متعلقة بأهلية الأداء، وهي أمور تعرض للمكلف؛ فتجعل أقواله، وأفعاله، غير معتبرة شرعا.
2) موانع في الفعل المكفر: لكون الفعل غير صريح في الكفر، أو الدليل الشرعي غير ثابت عليه.
3) موانع في الثبوت: تمنع من ثبوت الفعل: «المكفر على المعين»؛ لكون أحد الشهود ليس عدلا، غير مقبول الشهادة، أو صغيرا لا يعتد بشهادة. ([52])
قال القاضي برهان الدين ابن فرحون المالكي / في «تبصرة الحكام» (ج2 ص277): (لا تقبل الشهادة بالردة المجملة، كقول الشهود: «كفر فلان»، أو «ارتد»، بل لا بد من تفصيل ما سمعوه، ورأوه منه؛ لاختلاف الناس في: «التكفير»، فقد يعتقدون: «كفرا» ماليس: «بكفر»). اهـ
* وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية /، في مواضع عديدة إلى أن: «تكفير المعين»؛ يتوقف على: «ثبوت شروط»، و«انتفاء موانع»، ونحاول أن نجمع مواضع هذه القاعدة.
قلت: وليس بقولنا بهذه القاعدة أن ذلك على إطلاقه، كما فعلت: «المرجئة العصرية»، فقعدت هذه القاعدة في «مسألة العذر بالجهل» مطلقا، بدون ضوابط شرعية، فلم يكفروا أحدا، إلا بالجحود، والاستحلال.
* فالمسلم يأخذ بهذه القاعدة: على حسب الشرع، بأصول الوسطية، فلا نتركها أيضا مطلقا؛ كما فعلت: «الخوارج» في تكفير جميع الناس، بدون ضوابط شرعية، فافهم لهذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص372): (فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب، والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق، ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين، إلا إذا وجدت: «الشروط»، و«انتفت الموانع»). اهـ.
* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / مقررا هذه القاعدة: (إن التكفير العام؛ كالوعيد العام، يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما المعين أنه كافر، أو مشهود له بالنار؛ فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على: «ثبوت شروطه»، و«انتفاء موانعه»)([53]). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص488)؛ في معرض حديثه، عن تنازع أهل العلم في تكفير أهل البدع مقررا هذه القاعدة: (ولم يتدبروا أن التكفير له: «شروط»، و«موانع»: قد تنتفي في: «حق المعين»، وأن: «التكفير المطلق»، لا يستلزم: «تكفير المعين»؛ إلا إذا وجدت: «الشروط»، و«انتفت الموانع»، بين هذا الإمام أحمد /، وعامة الأئمة الذين أطلقوا العمومات، ولم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص489)؛ مفسرا تكفير الإمام أحمد /؛ لمعين من أهل البدع، ومقررا هذه القاعدة: (وقد نقل عن أحمد / ما يدل على أنه كفر به: «بخلق القرآن» قوما معينين، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان؛ ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل؛ فيقال: من كفر بعينه، فليقام الدليل على أنه وجدت فيه: «شروط التكفير»، و«انتفت موانعه»، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم).اهـ
قلت: وشروط التكفير هي:
1) شروط في الفاعل: أن يكون عاقلا بالغا، متعمدا لفعل الكفر، مختارا له.
2) شروط في الفعل، أو القول المكفر: أن يكون فعله، أو قوله ثبت بالأدلة الشرعية؛ أنه: «كفر أكبر»، أو: «شرك أكبر»، وأن يكون هذا الفعل المكفر مما ذكر علماء الحديث: أنه فعل، أو قول مكفر مخرج من الملة.
قلت: وكذلك يكون الفعل، أو القول صريح الدلالة على: «الكفر»؛ أي: مشتمل بلفظ واضح: «مكفر»؛ بخلاف المحتملات من الألفاظ.
* ومثال: الألفاظ المكفرة بصريح العبارة؛ ألفاظ: «الشرك الأكبر»؛ كقول: «الصوفية»: «يا سيدي فلان عافني، وارزقني، ونحو ذلك.
* وكذلك: من الأفعال المكفرة صراحة: إلقاء المصحف تعمدا في القاذورات مع علمه بأنه كتاب الله تعالى، لأنه لا يحتمل إلا الاستخفاف بكلام الله تعالى. ([54])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص372): (فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب، والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق، ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين، إلا إذا وجدت: «الشروط»، و«انتفت الموانع»). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (إن التكفير العام؛ كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه.
* وأما المعين أنه كافر؛ أو مشهود له بالنار؛ فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت: «شروطه»، و«انتفاء موانعه») ([55]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص488): (ولم يتدبروا أن التكفير له: «شروط»، و«موانع»، قد تنتفي في: «حق المعين»، وأن: التكفير المطلق لا يستلزم: «تكفير المعين»؛ إلا إذا وجدت: «الشروط»، و«انتفت الموانع»، بين هذا الإمام أحمد /، وعامة الأئمة الذين أطلقوا العمومات، ولم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه). اهـ
قلت: وقد كفر الإمام أحمد /، وعامة الأئمة: «أهل البدع»؛ بمثل: قولهم: «بخلق القرآن»، وغير ذلك بعينهم.
* وقد فصلوا القول في آخرين، فقد كفر الإمام أحمد، وعامة الأئمة: «بعينهم»؛ لأنه قام الدليل على أنهم وجدت فيهم شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفرهم: «بعينهم»؛ فلانتفاء ذلك منهم، وهذا مع إطلاق قولهم بالتكفير على سبيل العموم. ([56])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص489)؛ مفسرا: تكفير الإمام أحمد /، لمعين من أهل البدع، ومقررا هذه القاعدة: (وقد نقل عن أحمد /: ما يدل على أنه كفر به: «بخلق القرآن» قوما معينين.
* فأما أن يذكر عنه في المسألة: روايتان؛ ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل؛ فيقال: من كفر بعينه، فليقام الدليل على أنه وجدت فيه: «شروط التكفير»، و«انتفت موانعه»، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن محمد / في «الدرر السنية» (ج10 ص244): (وأما الجهمية: فالمشهور من مذهب: أحمد /، وعامة أئمة: أهل السنة، من الكتاب، والسنة، وحقيقة قولهم: جحود الصانع، وجحود ما أخبر به عن نفسه، وعلى لسان رسوله r، بل وجميع الرسل عليهم السلام). اهـ
* وكذلك: من شروط تكفير المعين، ثبوت الكفر، أو الردة: عليه ثبوتا شرعيا؛ بطريق صحيح، لأن المكلف لا يؤاخذ بشيء من أقواله، أو أفعاله في أحكام الدنيا؛ إلا بطرق تثبتها الشريعة؛ مثل: «الإقرار»، أو «شهادة الشهود».
* وأما الردة: وهي الإتيان بقول مكفر، أو فعل مكفر؛ فتثبت بأحد أمرين:
* «بالإقرار»، أو «بشهادة، رجلين، مسلمين، عدلين»، وهذا مذهب جماهير العلماء. ([57])
قلت: ولا بد في أداء الشهادة: «بالردة» من التفصيل، ولا يقبل الإجمال لاحتمال أن يكون ما وقع ليس كفرا، ولا ردة. ([58])
قال الإمام ابن فرحون المالكي / في «تبصرة الحكام» (ج2 ص277): (لا تقبل الشهادة: «بالردة» المجملة، كقول الشهود: «كفر فلان»، أو «ارتد»، بل لا بد من تفصيل ما سمعوه، ورأوه منه؛ لاختلاف الناس في التكفير، فقد يعتقدون كفرا ماليس بكفر). اهـ
* وقد عرف الفقهاء المرتد: فقالوا: (المرتد: من أشرك بالله تعالى، أو كان مبغضا للرسول r، ولما جاء به، أو تعبد الله تعالى بالبدع، أو ترك إنكار المنكرات بقلبه، حتى ألفها، ودافع عنها، خاصة الشرك، أو استهزء بالدين، أو بالسنة، أو توهم أن أحدا من الصحابة، أو التابعين، لهم: قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا، أو جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط يتوكل عليها، ويدعوهم، ويسألهم، أو ألحد في صفات الله تعالى، ومن شك في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها: فمرتد. ([59])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل الملائكة، والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار؛ مثل: أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن محمد / في «الدرر السنية» (ج10 ص248): (فإن نفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله لا يرى في الآخرة كفر، وإنكار أن يكون الله على العرش كفر، وإنكار القدر كفر، وبعض هذه البدع أشد من بعض).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن محمد / في «الدرر السنية» (ج10 ص247): (والإجماع منعقد: على أن من بلغته دعوة الرسول r، فلم يؤمن بها، فهو كافر، ولا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة، وأعلام النبوة).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص392): (ومن المعلوم: أن أهل البدع الذين كفرهم السلف، والعلماء بعدهم: أهل علم، وعبادة، وفهم، وزهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه؛ إلا الجهل).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص20): (واعلم: أن المشركين في زماننا، قد زادوا على الكفار في زمن النبي r، بأنهم يدعون الأولياء والصالحين، في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم: تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم، والتقرب بهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله تعالى، فهم لا يدعونهم؛ إلا في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله تعالى، قال الله تعالى: ]وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم[ [الإسراء:67]).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص401): (نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء: تدل على كفر من أشرك بالله تعالى؛ فعبد معه غيره.
* ولم تفرق الأدلة بين المعين، وغيره، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به[ [النساء: 48]؛ وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التوبة:5]؛ وهذا عام في كل واحد من المشركين).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ / في «الدرر السنية» (ج10 ص441): (الدعاء عبادة، فمن صرف شيئا من هذه العبادة لغير الله تعالى، سواء كان ملكا، أو نبيا، أو وليا، أو جنيا، أو إنسيا، أو حجرا، أو شجرا: فهو مشرك كافر).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص63)؛ وهو يرد على أحمد بن عبد الكريم الصوفي: (من أن من عبد الأوثان عبادة، أكبر من عبادة: «اللات»، و«العزى»، وبسب دين الرسول r بعدما شهد به، مثل: سب: «أبي جهل»، أنه لا يكفر بعينه. ([60])
* بل العبارة صريحة واضحة: في تكفيره؛ مثل: «ابن فيروز»، و«صالح بن عبد الله»، وأمثالهما، كفرا ظاهرا ينقل عن الملة). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص63)؛ وهو يرد على أحمد بن عبد الكريم الصوفي: (ولم يبق عليك إلا رتبة واحدة، وهي: أنك تصرح مثل: «ابن رفيع»، تصريحا بمسبة دين الأنبياء، وترجع إلى عبادة: «العيدروس»، و«أبي حديدة»، وأمثالهما؛ ولكن الأمر بيد مقلب القلوب). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص68): (واذكر إجماع الصحابة y: على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردتهم، لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة). اهـ
* سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في أمور التوحيد؟، وهل ينطبق هذا على من يدعون، وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟.
فأجاب فضيلته: (لا يعذر بذلك من أقام في بلد التوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين، لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر، والشام، ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره.
* فالواجب على علماء الإسلام أن ينبهوا الناس، وأن يحذروهم من هذا الشرك، وأن يعظوهم، ويذكروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم، ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره، بل يسأل، والله يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشرك!؛ لأنه رأى الناس على ذلك، ولا يسأل، ولا يتبصر، وقد ثبت عن النبي r، أنه قال لمن سأله عن أبيه: «إن أباك في النار، فلما رأى تغير وجهه قال r: إن أبي وأباك في النار»([61])، وأبوه r مات في الجاهلية، رواه مسلم في الصحيح؛ لأنهم كانوا على شريعة تلقوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي التوحيد، وأمه عليه الصلاة والسلام ماتت في الجاهلية، واستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على: أن من مات على كفر لا يستغفر له، ولا يدعى له، وإن كان في الجاهلية، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرسول r، هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر، وله حكم الكفار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]) ([62]).اهـ
* فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل. ([63])
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية؛ أم: لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف حسب الزمان والمكان؟.
فأجاب فضيلته: (ليس في العقيدة عذر في توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المنفرد بالربوبية، ليس هناك خالق سواه، وأنه مستحق للعبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا شبيه له، ولا كفء له، الذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار، فالمقصود أن هذا يختلف فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة؛ فهذا حكمه حكم أهل الفترة([64])، حكمهم عند أهل العلم أنهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، وأما كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسنة، ثم يبقى على الشرك، وعلى إنكار الصفات فهو غير معذور، نسأل الله العافية، وليس العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف من زمان إلى زمان، ومكان إلى آخر؛ لأن الجهل ليس بعذر بالنسبة للعقيدة، إلا إذا كان في محل لم تبلغه الدعوة: للقرآن ولا للسنة، أما في الأحكام فهو عذر: يعني جهل بالحكم الشرعي في بعض الأحكام التي تخفى، أو في دقائق الصفات، وبعض الصفات التي قد تخفى فهذا عذر، أما في الأمور الواضحة، الأمور التي تعد بالضرورة كالإيمان بتوحيد الله، وأنه الخلاق العليم، وأنه مستحق للعبادة، وأنه الكامل في أسمائه وصفاته، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم، والسنة المطهرة من أسماء الله وصفاته، هذا ليس محل عذر إذا كان ممن بلغه القرآن والسنة، نسأل الله السلامة) ([65]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص219): (وأن الإيمان بالله تعالى، ورسوله r لا بد فيه من الانقياد، والاعتقاد، والعمل باطنا وظاهرا). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص232) في التكفير المعين: (وهو من عرف: ثم تبين في السب، والعداوة، وتفضيل أهل الشرك). اهـ
وقال تعالى: ]وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا [ [الفرقان:21].
قلت: فوصفهم بالكبر، والعتو الكبير. ([66])
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص235): (فوصفهم بالكبر والعتو الكبير؛ لما اقترحوا هذه الاقتراحات، ولم يسلموا لما جاء به من الوحي والآيات، وهكذا كل مستكبر وعات([67])، عما جاءت به الرسل، وما قرره أهل العلم، يرده ولا يقبله قدحا فيهم وزعما منه أنهم يدعون إلى أنفسهم، وأنه لا يصلح أن يكون تابعا، فما أقرب المشابهة بين هؤلاء الضلال، وإخوانهم الأولين، أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (والصحابة y كفروا من منع الزكاة، وقاتلوهم مع إقرارهم بالشهادتين، والإتيان: بالصلاة، والصوم، والحج) ([68]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص233): (وما المانع من تكفير من فعل([69]): ما فعلت اليهود من تكفيرهم بالصد عن سبيل الله، والكفر به، مع معرفته؟). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /؛ في معرض حديثه عمن فهم كلام شيخ الإسلام؛ خاطئا في مسألة قيام الحجة: (فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال، أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار، والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44]) ([70]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص404): (كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، ونحن نعلم: أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا: أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال.
* وهذا قول على الله بغير علم، معارض؛ بمثل قوله تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله[ [الأعراف:30]، ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
* وكذلك الخوارج، ورد فيهم الذم العظيم، مع أنهم ما ارتكبوا ما ارتكبوا إلا عن جهل، ولم يعذروا بذلك؛ وهذا جواب لمن يعترف بأن ما يفعلون شرك.
* وأما كثير من الناس، فيقولون: ما يقوله هؤلاء الضالون عند المشاهد، ليس بشرك، بل يقول إنه جائز، أو إنه مستحب، كما يزعمه بعض أئمة الضالين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص491): (فمن جعل شيئا من العبادة لغير الله، فهذا هو الشرك الأكبر، الذي لا يغفره الله، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]؛ فمن زعم: أن الله يغفره، فقد رد خبر الله سبحانه.
* وحد العبادة وحقيقتها: طاعة الله؛ فكل قول، وعمل ظاهر وباطن، يحبه الله: فهو عبادة، فكل ما أمر به شرعا، أمر إيجاب، أو استحباب، فهو عبادة، فهذا حقيقة العبادة عند جميع العلماء، التي من جعل منها شيئا لغير الله، فهو كافر مشرك.
ومما يبين: أن الجهل ليس بعذر في الجملة، قوله r في الخوارج ما قال، مع عبادتهم العظيمة؛ ومن المعلوم: أنه لم يوقعهم ما وقعوا فيه إلا الجهل، وهل صار الجهل عذرا لهم؟، يوضح ما ذكرنا: أن العلماء من كل مذهب يذكرون في كتب الفقه: باب حكم «المرتد»، وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه.
* وأول شيء يبدؤون به، من أنواع الكفر: الشرك، يقولون: من أشرك بالله كفر، لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر، ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله، كما قالوا فيما دونه، وقد قال النبي r لما سئل: أي الذنب أعظم إثما عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك»، فلو كان الجاهل أو المقلد، غير محكوم بردته إذا فعل الشرك، لم يغفلوه، وهذا ظاهر.
وقد وصف الله سبحانه، أهل النار بالجهل، كقوله تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير[ [الملك:10]، وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف:179]، وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف:30]؛ قال ابن جرير عند تفسير هذه الآية: «وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور».اهـ، ومن المعلوم: أن أهل البدع الذين كفرهم السلف والعلماء بعدهم، أهل علم، وعبادة، وفهم، وزهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلا الجهل.
* والذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار، هل آفتهم إلا الجهل؟ ولو قال إنسان: أنا أشك في البعث بعد الموت، لم يتوقف من له أدنى معرفة في كفره، والشاك جاهل، قال تعالى: ]وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية:30]؛ وقد قال الله تعالى عن النصارى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم[ [التوبة:31]؛ قال عدي بن حاتم للنبي r: «ما عبدناهم، قال: أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه؟ ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى; قال: فتلك عبادتهم»، فذمهم الله سبحانه، وسماهم مشركين، مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل.
* ولو قال إنسان عن الرافضة في هذا الزمان: إنهم معذورون في سبهم الشيخين، وعائشة، لأنهم جهال مقلدون، لأنكر عليهم الخاص والعام، وما تقدم من حكاية شيخ الإسلام /، إجماع المسلمين على: أن من جعل بينه، وبين الله وسائط، يتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، أنه كافر مشرك، يتناول الجاهل وغيره.
لأنه من المعلوم: أنه إذا كان إنسان يقر برسالة محمد r، ويؤمن بالقرآن، ويسمع ما ذكر الله سبحانه في كتابه، من تعظيم أمر الشرك، بأنه لا يغفره، وأن صاحبه مخلد في النار، ثم يقدم عليه وهو يعرف أنه شرك، هذا مما لا يفعله عاقل، وإنما يقع فيه من جهل أنه شرك؛ وقد قدمنا كلام ابن عقيل، في جزمه بكفر الذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلو في القبور، نقله عنه ابن القيم مستحسنا له.
* والقرآن يرد على من قال: إن المقلد في الشرك معذور؛ فقد افترى، وكذب على الله، وقد قال الله تعالى عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال سبحانه حاكيا عن الكفار، قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22].
وفي الآية الأخرى: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف:23]، واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأن فرضا على كل مكلف: أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه الأصول ظاهرة، ولله الحمد، لا يختص بمعرفتها العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص88) عن الشرك: (فمن جعل لله تعالى ندا من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الإلهية، والربوبية فقد كفر إجماعا). اهـ
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «القول السديد» (ص24): (فأما الشرك الأكبر: فهو أن يجعل لله تعالى ندا يدعوه كما يدعو الله تعالى، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبه كحب الله تعالى، أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة). اهـ
قلت: فهذا حقيقة الشرك.
وقال العلامة الشيخ السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ص289): (حقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله تعالى، أو يعظم؛ كما يعظم الله تعالى، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية، والإلهية). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستغاثة» (ج1 ص290): (أعظم ما نهي عنه: الشرك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص152): (فصل: فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة: ... ولا يحبط الإيمان غير الشرك بالله تعالى، كما قال تعالى: ]لئن أشركت ليحبطن عملك[ [الزمر:65]). اهـ
وقال العلامة علي بن سلطان في «أدلة معتقد أبي حنيفة» (ص93): (فالمشرك مستحق للعذاب في النار؛ لمخالفته دعوى الرسل عليهم السلام، وهو مخلد فيها دائما). اهـ
وقال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان:23].
وقال تعالى: ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر:65].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستغاثة» (ج2 ص463): (والأنبياء معصومون من الشرك، ولكن المقصود: بيان أن الشرك، لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله؛ فكيف بغيره). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص463): (وأما المشركون، والكفار؛ فإن شركهم، وكفرهم محبط لحسناتهم، ولا يلقون ربهم بحسنة يرجون بها النجاة). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج9 ص165): (أجمع العلماء: على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة، ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدنيا متقربا إلى الله تعالى). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص93): (وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم -يعني: على الكفار-، وكفرهم ببلوغها إياهم، وإن لم يفهموها، وإن أشكل عليكم ذلك؛ فانظروا: قوله r في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([71])، وقوله r: «شر قتلى تحت أديم السماء»([72])، مع كونهم في عصر الصحابة y.
* ويحقر الإنسان عمل الصحابة y معهم، وقد بلغتهم الحجة، ولم يفهموها.
* وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية، وغيرهم، مع علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم؛ لأجل كونهم لم يفهموا، فإذا علمتم ذلك؛ فإن هذا الذي أنتم فيه كفر).اهـ
قلت: وهذا يدل على عدم اشتراط فهم الحجة للتكفير، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وخلا عما يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار تقوم عليهم الحجة بالقرآن. ([73])
قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25].
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص240): (كل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقد أجمع العلماء: أن من بلغته دعوة الرسول r أن حجة الله تعالى قائمة عليه). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص241): (وكل من بلغه القرآن فليس بمعذور، فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله تعالى في كتابه، وأوضحها، وأقام بها حجته على عباده.
* وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا، كما يفهمها من هداه الله تعالى، ووفقه، وانقاد لأمره.
* فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة من الله تعالى مع إخباره، بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛... يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن، ولم يفقهوه، وأنه عاقبهم بالأكنة، والوقر في آذانهم، وأنه ختم على قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم.
* فلم يعذرهم مع هذا كله، بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله r، وحكم بكفرهم، فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوع، وفهمها نوع آخر) ([74]). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن الحجة تقوم في: «المسائل الظاهرة» ببلوغ القرآن، وأنه لا يشترط فهمها.
قال تعالى: ]ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7].
قلت: فينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة.
* فإن من بلغته دعوة الرسل، فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم في الجملة ([75])، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد لما جاء به الرسول r، فافهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجة. ([76])
قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص245): (ولا عذر لمن كان حاله هكذا؛ لكونه لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته؛ لأنه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها
* قد أخبر الله تعالى عن الكفار، أنهم لم يفهموا، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فبين سبحانه أنهم لم يفقهوا، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا.
* بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار). اهـ
قلت: فبين /: بتكفير المعين، وإن لم يفهم الحجة.
* فلا يشترط في قيام الحجة الفهم؛ بل تقوم الحجة بمجرد بلوغها.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص311): (ممن بلغته رسالة محمد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل). اهـ
قلت: ففهم الحجة شيء، وبلوغها شيء آخر.
* فلو كان هذا الحكم: موقوفا؛ على فهم الحجة لم نكفر؛ إلا من علمنا أنه معاند خاصة، وهذا بين البطلان. ([77])
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن النجدي / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص124): (والمقصود: أن الحجة قامت بالرسول r، والقرآن، فكل من سمع بالرسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة). اهـ
قلت: وفي صفة قيام الحجة، وأنها تكون بالبلوغ فقط.
* قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة بالإسلام، وغيره ثم لا يؤمن، ولا يطلب الحق من أهله: فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية وأصر على الكفر.
* أما من عاش في بلاد غير إسلامية، ولم يسمع عن النبي r، ولا عن القرآن ([78])، فهذا على تقدير وجوده: حكمه حكم أهل الفترة([79])) ([80]). اهـ
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (من بلغته الدعوة في هذا الزمان، فقد قامت عليه الحجة، ومن لم تبلغه الدعوة، فإن الحجة لم تقم عليه كسائر الأزمان، وواجب العلماء البلاغ، والبيان، على حسب الطاقة) ([81]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج2 ص282 و284): (أما من بلغه القرآن، أو بعثة الرسول r، فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقال تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
* فمن بلغه القرآن، وبلغه الإسلام ثم لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صح عن النبي r أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار»([82]). أخرجه مسلم في «صحيحه»، فجعل سماعه ببعثة الرسول r حجة عليه). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «شرح كشف الشبهات» (ص101): (ولا فرق بين من يكون كفره عنادا، أو جهلا.
الكفر: منه عناد، ومنه جهل، وليس من شرط قيام الحجة على الكافر أن يفهمها، بل من أقيمت عليه الحجة مثل ما يفهمها مثله، فهو كافر، سواء فهمها، أم لم يفهمها، ولو كان فهمها شرطا لما كان الكفر؛ إلا قسما واحدا، وهو الجحود، بل الكفر أنواع منه الجهل، وغيره). اهـ
قلت: فبين / عدم اشتراط فهم الحجة، وأنه يكفي بلوغ الحجة، فهمها، أم لم يفهمها.
قلت: واشتراط قيام الحجة للتكفير المعين، أو للتكفير العام؛ ببلوغ حجة القرآن عليه، ووصوله إليه.
* فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة، وقامت الحجة عليه، ووصلت إليه حجية الرسالة.
فلا يعذر؛ أي: جاهل بجهله على وجه الأرض([83])، لأن جميع الخلق، وصل لهم الإسلام عن طريق طباعة القرآن الكريم، وطباعة السنة النبوية، والأجهزة الحديثة بواسطة الإعلام، والإذاعات، والتلفاز، والهاتف، والأخبار، والأنباء، وغير ذلك.
قلت: وقيام الحجة لا يشترط فيه فهم الحجة، بل تقوم بمجرد بلوغ الدليل من الكتاب والسنة.
* وقد ذكر أهل العلم في معرض حديثهم عن قيام الحجة؛ أنه ليس من شروط قيام الحجة فهمها.
فقد تقوم الحجة على قوم دون فهمهم لوجه الصواب منها.
* وإلا لو اشترطنا فهم الحجة للزم من ذلك أن لا يكفر إلا المعاند، وهو باطل قطعا.
فمن سمع الحجة وهو عاقل، فقد قامت عليه الحجة.
قال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص13): (هذه ثلاثة مواضع يذكر فيها أن الحجة قامت بالقرآن على كل من بلغه، وسمعه ولو لم يفهمه.
وهذا لله الحمد يؤمن به كل مسلم سمع القرآن). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص434): (فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في: «مسائل خفية»، مثل: مسألة: الصرف، والعطف، فلا يكفر حتى يعرف.
* وأما أصول الدين: التي وضحها الله تعالى، وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله تعالى هي القرآن، فمن بلغه: فقد بلغته الحجة.
ولكن أصل الإشكال: أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وفهم الحجة.
* فإن الكفار، والمنافقين: لم يفهموا حجة الله تعالى مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44]، وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام:25]؛ فقيام الحجة، وبلوغها نوع، وفهمها نوع آخر؛ وكفرهم الله تعالى ببلوغها إياهم، مع كونهم لم يفهموها). اهـ
قلت: والصرف: صرف الرجل عما يهواه؛ كصرفه: مثلا؛ عن محبة زوجته، إلى بغضها.
والعطف: عمل، سحري؛ كالصرف: ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه، إلى محبته، بطرق شيطانية. ([84])
قال تعالى: ]فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه[ [البقرة:102].
قلت: فالشيخ محمد بن عبد الوهاب /: يفرق بين: «المسائل الظاهرة»، وبين: «المسائل الخفية»، في مسائل تكفير المعين.
* فمن وقع في: «الشرك الأكبر»، أو «الكفر الأكبر»، في: «المسائل الظاهرة» أمكن تكفيره، إذا بلغته الحجة بالقرآن. ([85])
* ومن وقع في: «مسألة»، من «المسائل الخفية»، لا يمكن تكفيره على التعيين؛ إلا بعد التعريف، وإقامة الأدلة على ذلك. ([86])
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص13): (والمقصود: أن الحجة قامت بالرسول r، والقرآن الكريم؛ فكل من سمع بالرسول r، وبلغه القرآن: فقد قامت عليه الحجة.
* وهذا ظاهر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية /؛ عند قوله: فمن المعلوم أن قيامها ليس أن يفهم كلام الله تعالى، ورسوله r؛ مثل: أبي بكر الصديق t، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، ورسوله r، وخلى عن شيء يعذر به([87]): فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فتأمل كلامه، واحضر فكرك، واسأل الله الهداية). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (إن الله سبحانه قد أقام الحجة على خلقه بكتابه، ورسوله r، قال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1]، وقال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فكل من بلغه القرآن، فقد أنذر به، وقامت عليه الحجة) ([88]). اهـ
قلت: وعلى هذا يكفي فيه مجرد بلوغ الحجة، والجزم بتكفير المعين، أو غيره.
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الضياء الشارق» (ص290)؛ رادا على داود بن جرجيس: (وأما قول هذا الجاهل: «أولم يتمكن من معرفتها وفهمها»؛ فإنما هو من عدم معرفته بالفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة.
* فإن من بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، فقد قامت عليه الحجة: إذا كان على وجه يمكن معه العلم([89])، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والانقياد لما جاء به الرسول r، فإن فهم الحجة نوع غير قيامها). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج9 ص405)، شارحا موقف شيخ الإسلام ابن تيمية / في: «مسألة قيام الحجة، وأن المراد من قيام الحجة: بلوغها»: (وهذه صفة كلامه -يعني: ابن تيمية- في كل موضع وقفنا عليه لا يذكر عدم تكفير المعين، إلا يصله بما يزيل الإشكال، أن المراد بالتوقف عن تكفيره، قبل أن تبلغه الحجة، وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير، أو تفسيق، أو معصية). اهـ
قلت: وهذا يدل أن ضابط قيام الحجة، هو أن يكون ببلوغ الدليل من القرآن، والسنة. ([90])
* فمن بلغه الكتاب والسنة، فقد قامت عليه الحجة، ولا يشترط في قيام الحجة أن تكون من عالم، أو غيره، بل يقيمها من يحسن إقامتها، أو بأي طريقة يصل عليه الإسلام، ويبلغه القرآن، أو السنة، كما سبق ذكر ذلك. ([91])
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص485): (وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة؛ فإن من بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، فقد قامت عليه الحجة.
* إذا كان على وجه يمكن معه العلم([92])، ولا يشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد لما جاء به الرسول r.
* فهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجة، قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44]، وقال تعالى: ]ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7]). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص88)؛ في باب: حكم المرتد، الذي يكفر بعد إسلامه، نطقا، أو شكا، أو اعتقادا، أو فعلا: (أو كان مبغضا لرسوله r، أو لما جاء به الرسول r اتفاقا كفر، أو جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط، يتوكل عليهم، ويدعوهم، ويسألهم، كفر إجماعا، لأن ذلك: كفعل عابدي الأصنام، قائلين: ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ [الزمر:3].
* أو سجد لصنم، أو شمس، أو قمر، أو أتى بقول، أو فعل صريح، في الاستهزاء بالدين الذي شرعه الله تعالى([93])، أو وجد منه امتهان القرآن، أو أنكر الإسلام: كفر، لأن الدين عند الله تعالى: الإسلام، أو سحر، أو أتى عرافا فصدقه، أو جحد البعث: كفر.
* أو أتى بقول يخرجه عن الإسلام، مثل أن يقول: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو برئ من الإسلام، أو القرآن، أو النبي r، أو يعبد الصليب، وقد عمت البلوى بهذه الفرق، وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التوحيد). اهـ
قلت: وقد ذكر العلماء، وحكوا إجماع المذاهب كلها، في أناس يشهدون أن لا إله إلا الله، ويصلون، ويصومون، لكنهم يعتقدون في عدد من الأولياء، بمثل: عبد القادر الجيلاني، وسيد بدوي، ومعروف الكرخي وغيرهم، ويفعلون الشرك عند قبورهم، فإن هؤلاء من أهل الكفر. ([94])
قلت: إذا فلا يشترط في قيام الحجة فهمها، وإنما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الذي تبلغه عاقلا، مميزا يعي ما يسمع، وهذا العلم في جميع الخلق في هذا الزمان.
* وعدم اعتبار العذر بالشبهة، أو التأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشرك الأكبر» لظهور أدلتها، ووضوح برهانها، لأنها من: «مسائل الاعتقاد» التي تعلم من الدين بالضرورة. ([95])
قلت: لذلك عدم اعتبار الشبهة، أو التأويل، أو الجهل، أو الخطأ في: «مسائل الكفر الأكبر»، أو في: «مسائل الشرك الأكبر».
قال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي / في «الانتصار لحزب الله تعالى» (ص46): (قد ذكر أهل العلم من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، أنه يكفر صاحبها، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند، فالدعي أن مرتكب الكفر: «متأولا»، أو «مجتهدا»، أو «مخطئا»، أو «مقلدا»، أو «جاهلا» معذور؛ مخالف: للكتاب، والسنة، والإجماع بلا شك). اهـ
قلت: فبين / بالإجماع، بأنه لا يعذر العبد بالخطأ، أو الشبهة، أو التأويل، أو الجهل، أو التقليد، أو الاجتهاد الفاسد بدون ضوابط شرعية.
وقال العلامة الشيخ أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص40)؛ موضحا أن شيخ الإسلام لا يعذر بالجهل، أو التأويل في مسائل الشرك: (فقد جزم / في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكره من: «أنواع الشرك».
* وحكى إجماع المسلمين على ذلك، ولم يستثن الجاهل، ونحوه، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:116]، وقال تعالى عن المسيح: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار[ [المائدة:72].
* فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط، فأخرج: «الجاهل»، و«المتأول»، و«المقلد»، فقد شاق الله تعالى، ورسوله r، وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدرون باب: «حكم المرتد» بمن أشرك، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند).اهـ
قلت: فالشرك خطره عظيم، بل هو أخطر الذنوب على الإطلاق، ومن تدبر القرآن، والسنة، وجدهما مصرحين ببطلان دين المشركين، وكفر أهله، وبيان أنهم أعداء الرسل عليهم السلام، وأنهم أصحاب النار؛ لأن ذنبهم لا يساويه ذنب.
* وقد قرر العلماء أن الواقع الذي نحن فيه من عبادة لكثير من الناس للقبور: هو بعينه فعل الجاهلية الوثنيين، وهو الذي جاءت الرسل عليهم السلام بمحوه، وإبطاله، وتكفير فاعله.
* وقد قرر العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادة مع مخالفة ما دلت عليه من الأصول المقررة، ومع: «الشرك الأكبر» في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام. ([96])
* إذ المقصود من الشهادتين حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبة الله تعالى لوحده، والخضوع له، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وإفراده بالاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات، كالذبح، والنذر، والتقوى، والخشية، ونحو ذلك من الطاعات. ([97])
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص170): (فتشبيه عباد القبور؛ بأنهم يصلون، ويصومون، ويؤمنون بالبعث، مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم، وإيمانهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ورسوله r، والمؤمنون). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص190): (وعباد القبور: ما رأيت أحدا من أهل العلم الذين يرجع إليهم، توقف في كفرهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص199): (أجمعت الأمة على تحريم هذا -يعني: الشرك- وعلى كفر فاعله إجماعا ضروريا، يعرف بالضرورة من دين الإسلام، وبتصور ما جاءت به الرسل عليهم السلام، واتفاق دعوتهم، فإن كل رسول أول ما يقرع أسماع قومه بقوله: ]اعبدوا الله ما لكم من إله غيره[([98]) [الأعراف:59]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (من جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم: كفر إجماعا). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد الهادي / في «الصارم المنكي» (ص464): (فدعوى المبالغة([99]) في التعظيم، مبالغة في الشرك، وانسلاخ من جملة الدين). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص346): (ومن أنواعه([100]): طلب حوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (فإنه لا يكفر: إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من: «الشرك الأكبر»، والكفر بآيات الله تعالى، ورسوله r، أو شيئا منها: بعد قيام الحجة، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصالحين، ودعاهم مع الله تعالى) ([101]). اهـ
قلت: والمشرك في عبادته للقبور: يساوي ذلك برب العالمين، وقد اعترف بذلك فقال تعالى: ]تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين[ [الشعراء: 97 و98].
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص73): (ومعلوم أنهم ما سووهم بالله تعالى في الخلق، والرزق، والتدبير.
وإنما هو في: المحبة، والخضوع، والتعظيم، والخوف، والرجاء، ونحو ذلك من العبادات.
قال تعالى: ]ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله[ [البقرة:165]، وهذا حب عبادة، وتأله، وتعظيم.
* فمن عبد غير الله تعالى، وعدل بربه، وسوى بينه تعالى، وبين غيره في خالص حقه: صدق عليه أنه مشرك ضال غير مسلم، وإن عمر المدارس، ونصب القضاة، وشيد المنار، ودعا بداعي الفلاح، لأنه لا يلتزمه. ([102])
قال تعالى: ]قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل[ [المائدة:68]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص219): (المعرض: عما جاء الرسول r من الهدي، ودين الحق يكفر إن عرف ولم ينكر). اهـ
وقال الإمام ابن عبد الهادي / في «الصارم المنكي» (ص210): (وليس أحد من البشر، بل ولا من الخلق: يسمع أصوات العباد كلهم، ومن قال هذا في بشر: فقوله؛ من جنس قول النصارى الذين يقولون: إن المسيح هو الله، وأنه يعلم ما يفعله العباد، ويسمع أصواتهم، ويجيب دعائهم، قال تعالى: ]لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم[ [المائدة:72]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص731): (ونحن نعلم بالضرورة: أن رسول الله r لم يشرع لأمته؛ أن يدعو أحدا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم.
* لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، لأنه r لم يشرع للأمة السجود لميت، ولا إلى ميت، ونحو ذلك، بل نعلم أنه r: نهى عن كل هذه الأمور). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص168): (وكل كافر: قد أخطأ، والمشركون لا بد لهم من تأويلات، ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم، ويدفع عنهم، فلم يعذروا بذلك الخطأ، ولا بتلك التأويل). اهـ
قلت: فبين / في عدم العذر بالخطأ، والشبهة، والتأويل، والجهل في: «مسائل الشرك»، و«مسائل الكفر».
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص192)؛ في رده على: «داود بن جرجيس» في العذر بالشبهة في مسائل الشرك، ونسبة ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وليس في كلام الشيخ العذر بكل شبهة، ولا العذر بجنس الشبهة، فإن هذا لا يفيده كلام الشيخ، ولا يفهمه منه، إلا من لم يمارس من العلوم شيئا، بل عبارته صريحة في إبطال هذا المفهوم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص194): (وأما مسألة عبادة القبور، ودعائهم مع الله تعالى؛ فهي مسألة وفاقية التحريم، وإجماعية التأثيم، فلم تدخل في كلام الشيخ لظهور برهانها، ووضوح أدلتها، وعدم اعتبار الشبهة فيها). اهـ
قلت: وبهذا يتضح أن لا عذر بالشبهة، أو التأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشرك الأكبر»، و«الكفر الأكبر»، فتنبه.
قلت: ويفرق شيخ الإسلام ابن تيمية / بين: «المسائل الظاهرة»، و«المسائل الخفية» في تكفير المعين.
* فمن تلبس بالشرك، أو الكفر في: «المسائل الظاهرة»، وبلغته الحجة، فإنه يحكم عليه، بالكفر، أو بالشرك؛ إلا أن يكون: «حديث عهد بالإسلام»([103])، أو «نشأ ببادية([104]) بعيدة» من الأرض عن البلدان الإسلامية.
قلت: وحديث: العهد بالإسلام: هو الذي دخل في الإسلام حديثا، فيحتاج إلى تعليم وتوضيح لأصول الإسلام، وفروعه.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (كيف تشكون في هذا، وقد وضحت لكم مرارا، أن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي: «حديث عهد بالإسلام»، أو الذي «نشأ ببادية بعيدة»)([105]).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «الفتاوى» (ج1 ص73): (أما من علم بالضرورة، أن الرسول r جاء به وخالفه، فهذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف، سواء في الأصول، أو الفروع، ما لم يكن: «حديث عهد بالإسلام»). اهـ
* بخلاف من وقع في الكفر في: «المسائل الخفية»؛ فإنه لا يكفر حتى: تتبين له الحجة، لأن وقوع المعين في الكفر في: «المسائل الظاهرة»، يختلف عنه في: «المسائل الخفية». ([106])
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص108): (فهذه([107]) ليست من: «المسائل الفرعية الاجتهادية»، التي قد يخفى دليلها؛ فيحتاج المسلم فيها إلى التقليد). اهـ
قلت: وضوابط المسائل الظاهرة؛ وهي:
1) أنها مسائل معلومة من الدين بالضرورة، يعلم الخاصة، والعامة؛ أنها من دين الإسلام.
2) أنها مسائل إجماعية، الدليل فيها محكم، لا تدخل عليه الشبهة، أو التأويل، أو الخلط.
3) أنها مسائل جلية ظاهرة يتناقلها المسلمون عوامهم عن خواصهم.
ما يندرج تحت المسائل الظاهرة: التي هي في غالب أحكام الدين في الأصول والفروع، ولا تخفى على غالب الخلق على وجه الأرض. ([108])
1) توحيد الألوهية، وتحقيقه، وترك الشرك الذي يضاده؛ كعبادة القبور، والنذر لها، والاستغاثة بها، ودعاء أصحابها، وتقديم القرابين، والذبائح لهم، وغير ذلك.
2) توحيد الأسماء والصفات التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة، وغيرهم من الفرق الضالة قديما وحديثا، كالاستواء، والرؤية، وكلام الله تعالى، وغير ذلك من الصفات.
والصفات التي هي من لوازم الربوبية، كالقدرة، والعلم، وغير ذلك.
* فهذه الصفات التي تندرج تحت: «المسائل الظاهرة» لتعلقها بتوحيد الربوبية.
3) معتقدات الفرق المخالفة؛ لأهل السنة التي تخالف النصوص الشرعية قديما وحديثا، مثل: مخالفات: «المرجئة» بجميع أنواعها؛ لأهل السنة في باب الإيمان كله.
4) المسائل المعلومة من الدين بالضرورة؛ كالصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، والحج، إذا تركها العبد، وتحريم الفواحش، والسرقة، والزنا، والربا إذا استحلها، وغير ذلك من الأمور المعلومة في الدين بالضرورة.
5) ما اشتهر، واستفاض علمه من الأحكام في الأصول والفروع؛ مثل: مسائل دار البرزخ، وعذاب القبر ونعيمه، وإيقاع ذلك على الروح والجسد معا، ومسائل دار الآخرة، والجنة والنار، والحوض، والميزان، والصراط، وحكم الأكل في نهار رمضان أحله، والكلام في ترك: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، وغير ذلك مما هو معروف في الدين.
6) المسائل المعلومة من الدين بالضرورة؛ مثل: القضاء والقدر، وما يتعلق بهما من أحكام في الدين.
7) مسائل الميراث من أنكرها كفر بالله تعالى؛ لأنه مكذب للقرآن، والسنة، ولا يعذر بجهله، لأنها معلومة من الدين بالضرورة.
8) مسائل الغيبيات؛ مثل: الملائكة، والجن، والشياطين، وإبليس، فمن أنكر ذلك فقد كفر بالله تعالى، لأنه مكذب للقرآن، والسنة، ولا يعذر بجهله، لأنها معلومة من الدين بالضرورة.
9) مسائل حجاب المرأة، من أنكر الحجاب للمرأة، فقد كفر، لأنه مكذب لله تعالى، ولرسوله r في هذه المسائل.
10) مسائل إنكار الآيات، فمن أنكر آية واحدة، فقد كفر بالله تعالى، لأنه مكذب بالله تعالى.
11) مسائل إنكار الأحاديث، فمن أنكر حديثا واحدا متعمدا ثبت عن النبي r من غير اجتهاد صحيح ([109])، فقد كفر بالله تعالى، لأنه مكذب للرسول r، ومكذب للوحي من الله تعالى، لأن الرسول r يوحى إليه من الله تعالى في جميع الأحاديث، فهو أيضا مكذب لله تعالى. ([110])
قال تعالى: ]والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى [ [النجم: 1و2و3و4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ص146): (الأخذ بظاهره، في قتل من تعمد الكذب، على رسول الله r، ومن هؤلاء من قال: يكفر، بذلك، قاله جماعة، منهم: أبو محمد الجويني، حتى قال ابن عقيل، عن شيخه: أبي الفضل الهمداني). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ص146): (ومن انتقص الرسول r ([111])، فقد كفر). اهـ
قلت: وضوابط المسائل الخفية، وهي:
1) مسائل وقع فيها النزاع بين أهل السنة، وهي من الفروع، والجهل بها ناشئ عن شبهة منسوبة إلى الكتاب، أو السنة، أو الآثار.
* لذا يقع فيها الغلط، بسبب الخلاف فيها، وهي من الجزئيات؛ من أحكام: «الصلاة»، بمثل: رفع اليدين في الصلاة، وتقديم اليدين على الركبتين في الصلاة، وحكم البسملة في الوضوء، ونحو ذلك، وهكذا في أحكام: «الزكاة»، وفي أحكام: «الصيام»، وأحكام: «الحج»، ونحو ذلك من الأحكام في الفروع؛ فإن من جهلها على أن الدليل في خلافها، لا يكفر، لأن سبب جهله اشتبه عليه الحكم الصحيح في الخلاف بين العلماء، فهذا يعذر بجهله.
قلت: فنفي التكفير مخصوص بمثل هذه المسائل التي تنازع فيها العلماء، في الفروع.
2) مسائل خفية أحيانا لا تدرك بمجرد النظر إلى الدليل، بل لا بد من إعمال العقل لفهمها بالرجوع إلى علماء السنة في ذلك، وهم يبينون له التأويل الصحيح في هذا الدليل؛ بمثل: اختلاف التنوع: وهو عبارة عن المعاني المتعددة التي تصب في معنى واحد، مثال ذلك: تفسير ]الصراط المستقيم[ [الفاتحة:6]؛ بأنه القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام، ومنهم من قال: هو السنة والجماعة، وكل هذا صحيح.
* فاختلاف التنوع: هو ما لا يكون فيه أحد الأقوال: مناقضا؛ للأقوال الأخرى، بل كل الأقوال صحيحة.
قلت: فيجهل هذا الجاهل شيئا من المعاني لخفاء هذا العلم عليه. ([112])
* وهذه المسائل الخفية: قد يخفى دليلها على بعض الناس دون أناس، ولا يحكم على قائلها بالكفر، وإن رد فيها بعض النصوص، لاحتمال وجود مانع؛ كالجهل، أو غيره. ([113])
قلت: وحقيقة ما جاء به الرسل عليهم السلام، ودعوا إليه، وجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وأن لا يشرك في واجب حقه أحد من خلقه، وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال.
* فمن خالف ما جاؤوا به، ونفاه وأبطله، فهو كافر ضال، وإن قال: «لا إله إلا الله»، وزعم أنه مسلم، لأن ما قام به من الشرك، يناقض ما تكلم به من كلمة التوحيد، فلا ينفعه التلفظ بقول: «لا إله إلا الله»؛ لأنه يتكلم بما لم يعمل به، ولم يعتقد ما دل عليه. ([114])
قال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص19): (وإنما يكفر الشيخ محمد بن عبد الوهاب من نطق الكتاب، والسنة، بتكفيره، وأجمعت الأمة عليه، كمن بدل دينه، وفعل: فعل الجاهلية الذين يعبدون الملائكة، والأنبياء، والصالحين، ويدعونهم، فإن الله تعالى كفرهم، وأباح دمائهم، وأموالهم، وذراريهم بعبادة غيره: «نبيا»، أو «وليا»، أو «صنما»، لا فرق في الكفر بينهم، كما دل عليه الكتاب العزيز). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص19): (وهذا من أعظم ما يبين الجواب عن قوله([115]) في الجاهل العابد لقبة الكواز؛ لأنه لم يستثن في ذلك لا جاهلا، ولا غيره، وهذه طريقة القرآن، تكفير من أشرك مطلقا). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم؛ إنما هو مجرد اتباعهم، وتقليدهم في أمور مكفرة([116])، فالمقلد يكفر إذا تمكن من العلم، وتمكن من معرفة الحق([117])؛ فأعرض عنه، وعاند وأصر على باطله، كمن يكون في دار الإسلام. ([118])
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص15): (فالواجب على الرجال والنساء: من المسلمين، هو: التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم: خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه، ولا سبيل إلى ذلك، إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال: لأهل العلم، حتى يتعلم الجاهل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص26): (بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا، وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم.
* هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا، واستمروا على عبادة الأموات، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم: الشفاعة، أو شفاء المريض، أو رد الغائب، أو ما أشبه ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص18): (مع أن العلامة ابن القيم / جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في: «المسائل المكفرة»: إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك، وأعرضوا ولم يلتفتوا). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «القواعد» (ص343): (إذا زنى من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين، وادعى الجهل بتحريم الزنا، لم يقبل قوله، لأن الظاهر يكذبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك). اهـ
قلت: والمقصود من كلام الإمام ابن رجب /، أن حكم الزنا مشتهر، وذائع في دار الإسلام.
* فحتى؛ وإن كان الزاني الذي ادعى الجهل صادقا في دعواه، فإنه لا يقبل منه ذلك؛ لتقصيره في تعلم أحكام الإسلام، التي هي من قبيل المعلوم من الدين بالضرورة؛ لأن جهله هذا ليس مما يشق الاحتراز منه، فلا يكون عذرا لتارك الواجب، أو فاعل المحرم، الذي هو من المعلوم من الدين بالضرورة. ([119])
قال الفقيه الأمير / في «مسائل لا يعذر فيها بالجهل» (ص62): (قد ظهر الإسلام، وفشا: فلا يعذر جاهل في شيء من الحدود). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الدرر السنية» (ج2 ص352)؛ عن شهادة: «أن لا إله إلا الله»: (وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر من يقولها تقليدا وعادة، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور، أمثال هؤلاء.
* كما في الحديث: «سمعت الناس يقولون شيئا فقلته».([120])
* وغالب أعمال هؤلاء إنما هو: تقليد واقتداء؛ بأمثالهم، وهم: من أقرب الناس من قوله تعالى: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون[ [سورة الزخرف : 23]). اهـ
قلت: وهؤلاء عارضوا الرسل عليهم السلام بجهلهم: ]كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم[ [البقرة: 118].
قال تعالى: ]قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأحقاف:10].
وقال تعالى: ]وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون[ [الأنعام:26].
وقال تعالى: ]سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام:157].
وقال تعالى: ]إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين[ [الأعراف:152].
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «مصباح الظلام» (ص219): (فلكل مفتر نصيب منها بحسب جرمه، وعلى قدر ذنبه). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص199): (وكم هلك بسبب قصور العلم، وعدم معرفة الحدود، والحقائق من أمة، وكم وقع بذلك من غلط، وريب، وغمة.
مثال ذلك: أن الإسلام، والشرك نقيضان لا يجتمعان، ولا يتفقان، والجهل بالحقيقتين، أو أحدهما: أوقع كثيرا من الناس في الشرك، وعبادة الصالحين.
لعدم معرفة الحقائق وتصورها). اهـ
قلت: فالأمور التي لا يعذر، فيها العبد بسبب جهله، ما يتعلق بأصل الدين، وأساسه من توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فمن وقع في الشرك الأكبر من عبادة غير الله تعالى، وتعلق بالمخلوقين، ولجأ إليهم، واستغاث بهم، وذبح لهم، وغير ذلك من العبادات، فهو كافر، مخلد في النار، إلا أن يتوب.
* وجهله بهذه المسألة الكبيرة، ليس عذرا عند الله تعالى، والأدلة على هذا كثيرة منها:
قال تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ ([121]) [فاطر:24].
وقال تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (8) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ ([122]) [الملك:8 و9].
وقال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية[ [البينة:6].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم([123]) حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة:166 و167].
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:172 و173].
وقال تعالى: ]قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون * إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين * لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين[ [الأعراف:38 و39 و40 و41].
وقال تعالى: ]وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون * وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون * أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين[ [الزخرف:19-25].
وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا[ [الكهف:103-106].
وقال تعالى: ]أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات[ [فاطر:8].
وقال تعالى: ]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين[ [فصلت:25].
وقال تعالى: ]وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين[ [فصلت:29].
وقال تعالى: ]وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد[ [غافر:47و48].
وقال تعالى: ]هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار[ [ص:59-64].
* فالله تعالى: أخبر عن الأتباع، أنهم: في النار، وأن تقليدهم، لكبارهم، وآبائهم، ليس بحجة، لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم: أن الأتباع إنما قلدوا من قلدوه، بسبب جهلهم، وغفلتهم.
وقال تعالى: ]ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم[ [التوبة:113].
قلت: وهذه الآيات، تدل على أن هؤلاء: ما دخلوا النار -من الأحزاب، والجماعات، والعوائل، والأفراد: في الداخل والخارج-؛ إلا أنهم: بلغتهم الحجة من الله تعالى، ولم يعذروا بسبب جهلهم: بما يتعلق بأصول الدين، وأساسه؛ من توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، والإخلاص له، في الفروع والأصول في الدين.
* وقد أخبر الله تعالى في هذه الآيات؛ عن الأتباع، أنهم في النار، وأن تقليدهم، لكبارهم، ورؤوسهم، وآبائهم، وغيرهم، ليس بحجة لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم أن الأتباع إنما قلدوا من قلدوه في أحكام الأصول، وأحكام الفروع، بسبب جهلهم، وغفلتهم في الحياة الدنيا.
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج18 ص125): (قوله تعالى: ]هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا[ [الكهف: 103]؛ كل عامل، عملا: يحسبه فيه مصيبا... كالرهابنة، والشمامسة، وأمثالهم: من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم، واجتهادهم: بالله تعالى: كفرة، من أهل أي دين كانوا، وقوله تعالى: ]الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا[ [الكهف: 104]؛ يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا، على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا؛ بغير ما أمرهم الله تعالى به، بل على كفر منهم به، وهم: يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
* يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله تعالى: مطيعون، وفيما ندب عباده إليه: مجتهدون.
* وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول: من زعم أنه لا يكفر بالله تعالى أحد؛ إلا من حيث يقصد إلى الكفر، بعد العلم بوحدانيته.
* وذلك أن الله تعالى: أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم: محسنون في صنعهم ذلك.
* وأخبر سبحانه؛ أنهم: هم الذين كفروا بآيات ربهم). اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج11 ص95): (قوله تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا[ [الكهف: 103]؛ فيه دلالة على أن: من الناس من يعمل العمل، وهو يظن أنه محسن، وقد حبط سعيه، والذي يوجب إحباط السعي: إما فساد الاعتقاد، أو المراءاة، والمراد هنا: الكفر). اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج11 ص95): (والآية: معناها؛ التوبيخ، أي: قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري، يخيب سعيهم، وآمالهم غدا، فهم: الأخسرون أعمالا، وهم: ]الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 104]؛ في عبادة من سواي). اهـ
قلت: فهم لا وزن لهم، وكذا أعمالهم، لا وزن لها يوم القيامة، فليس لهم حسنات في موازين يوم القيامة، لأن أعمالهم حبطت، وسعيهم بطل.
* ومن كان هذا حاله، فهو في النار، وعمله الباطل يقابل بالعذاب، والعياذ بالله.([124])
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار). ([125])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن من سمع برسول الله r، من يهودي، أو نصراني، أو غيرهما، ثم لا يدخل في الإسلام، ومات، إلا دخل النار، لأنه كفر بالله تعالى، وبرسوله r.
عن أبي هريرة t قال: (زار النبي r قبر: أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال r: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي). ([126])
قلت: ومن المعلوم أن أمه r، ماتت في الجاهلية، وهو صغير، قبل البعثة، ولم تعذر بذلك.
وعن أنس بن مالك t: (أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال r: في النار، فلما: قفى دعاه، فقال r: إن أبي، وأباك في النار). ([127])
قال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج1 ص192): (وكيف لا يكون: أبواه، وجده، بهذه الصفة في الآخرة؛ يعني: في النار -وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين: «عيسى بن مريم» عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص349): (فيه: أن من مات على الكفر، فهو في النار، ولا تنفعه: قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم: دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره: من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ﭭ: (قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك: نافعه؟ قال r: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما، رب: اغفر لي خطيئتي يوم الدين). ([128])
قلت: وهذا يدل على أن: «ابن جدعان» كان على الشرك، ومات عليه في الجاهلية، فلم يعذر بجهله، ولم ينفعه عمله الذي يقوم به من: صلة الرحم، وإطعام المسكين.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ص115)؛ باب الدليل على أن من مات على الكفر، لا ينفعه عمل.
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي، يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب). ([129])
وعن عائشة ﭭ قالت: قال رسول الله r: (رأيت جهنم: يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا، يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب).([130])
فإن العرب: بقوا، قرونا على دين إبراهيم عليه السلام، حتى غير دينهم: «عمرو بن لحي الخزاعي».
قلت: وعمرو بن لحي، هو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام، وقد استحسن هذا بجهله، فدخل النار، ولم يعذر بجهله، بل وكل من قلدوه في الجاهلية في ذلك، فهو مثله في نار جهنم، ولم يعذر بجهله.
قلت: وهذه الأحاديث تدل أن النبي r أخبر عنهم، أنهم في النار، وهم: من كبارهم، وأفاضلهم، فلم ينفعهم ذلك، بل منهم: من كان يتصدق، ويفعل الأعمال الطيبة، ومع ذلك لم ينفعه ذلك، لأنه مات على الكفر.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص1): (وآخر الرسل: محمد r، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله تعالى، إلى أناس يتعبدون، ويحجون، ويتصدقون، ويذكرون الله تعالى كثيرا، ولكنهم: يجعلون بعض المخلوقات وسائط: بينهم، وبين الله تعالى). اهـ
قلت: فكانت الحجة ثابتة لله تعالى، عليهم؛ بإنذار من تقدم من الرسل عليهم السلام، وإن لم يروا رسولا. ([131])
* وهذا إذا كان في زمن: «الجاهلية الكبرى»، في وقت، قلة العلم، وانطماس آثار الرسالة، فكيف بعد بعثة الرسول r، في وقت انتشار النور، وظهور العلم، فمن باب أولى، أن الجهل لا يكون عذرا، للعبد في يوم القيامة.
قلت: ولا يشترط في قيام الحجة، إقناع الجاهل، فهذا لا سلطان، للعبد عليه، إلا ما شاء الله تعالى.
* فالله تعالى بيده الهدى، والضلال، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، والله يحكم لا معقب لحكمه.
قال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
قلت: ولم يثبت في الكتاب، والسنة، ولا عن الصحابة y، ولا السلف، أن المشركين في الجاهلية، من مات؛ منهم: أنه يختبر يوم القيامة.
* وهذا الجهل بسبب الغفلة، والإعراض عن الدين الصحيح. ([132])
قال تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]، يعني: لتنذرهم؛ مثل: ما أنذر آباؤهم. ([133])
فعن عكرمة / قال: في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]؛ قال: (قد أنذروا). ([134])
وقال تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7].
فعن الضحاك بن مزاحم / قال: في قوله تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7]؛ قال: (سبق في علمه). ([135])
قلت: فسبق القول على من لا يؤمن في الحياة الدنيا. ([136])
قال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «شرح كشف الشبهات» (ص101): (ولو كان فهمها -يعني: الحجة- شرطا، لما كان الكفر؛ إلا قسما، واحدا، وهو كفر الجحود، بل الكفر: أنواع، منه: الجهل، وغيره). اهـ
وقال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها[ [آل عمران:103].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج7 ص85): (على حرف، حفرة من النار، وإنما ذلك، مثل: لكفرهم الذي كانوا عليه، قبل أن يهديهم الله تعالى، للإسلام). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن أهل الجاهلية، كفرة، وهم في النار، ولم يعذرهم الله تعالى بجهلهم.
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص11): (فكانوا قبل إنقاذه إياهم: بمحمد r، أهل كفر، في تفرقهم، واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور: الكفر بالله، وابتداع ما لميأذن به الله تعالى، تعالى عما يقولون: علوا كبيرا، لا إله غيره). اهـ
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة:19].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج8 ص277): (أنه قد قطع عذرهم، برسوله r، وأبلغ عليهم في الحجة). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج2 ص30): (قوله تعالى: ]أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير[ [المائدة:19]؛ تعليل: لمجيء الرسول r بالبيان على حين فترة؛ أي: كراهة أن تقولوا، هذا القول معتذرين عن تفريطكم؛ أي: لا تعتذروا، فقد جاءكم: بشير، ونذير، وهو: محمد r). اهـ
وقال تعالى: ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون[ [التوبة:6].
وقوله تعالى: ]لا يعلمون[؛ يعني: العلم، والإيمان بالله تعالى، في دينه على التفصيل، وهو العلم النافع.
* لكن في الجملة؛ هم: يؤمنون بالله تعالى، مع الشرك به، بسبب جهلهم، فهم: يعلمون، ويعقلون دين الله تعالى في الجملة.
* إذا؛ هم: لا يعلمون دين الله تعالى، وتوحيده على التفصيل. ([137])
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص157): (قوله تعالى: ]ذلك بأنهم قوم لا يعلمون[ [التوبة:6]؛ قال: بتوحيد الله تعالى).
وقال العلامة الشوكاني / في «فتح القدير» (ج2 ص220): (قوله تعالى: ]ذلك بأنهم قوم لا يعلمون[ [التوبة:6]؛ أي بسبب: فقدانهم؛ للعلم النافع، المميز: بين الخير، والشر، في الحال والمآل). اهـ
قلت: فهذه الآية القرآنية، هي محكمة في دلالتها، وقد ثبت حكم الشرك، مع الجهل الشديد، في وقت اندرست فيه الشرائع، وطمست فيه السبل، واشتدت الفتن، لذلك سميت بالجاهلية، لكثر الجهالات: ]ظلمات بعضها فوق بعض[ [النور:40].
فعن الإمام الحسن البصري / قال: في قوله تعالى: ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون[ [التوبة:6]؛ (هي محكمة إلى يوم القيامة). ([138])
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص247): (قوم جهلة لا يفقهون عن الله تعالى حجة، ولا يعلمون ما لهم، بالإيمان بالله تعالى لو آمنوا، وما عليهم من الوزر، والإثم؛ بتركهم الإيمان بالله). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج3 ص87): (وأما الجاهلية: فما كان قبل النبوة، سموا بذلك: لكثرة جهالتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص2): (والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها: علما، وهي: جهل، وأعمال يحسبونها: صلاحا، وهي: فساد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص483): (قوله تعالى: ]حتى تأتيهم البينة[ [البينة:1]؛ ومعناه: الماضي، والبينة: الرسول، وهو محمد r، بين لهم ضلالهم، وجهلهم). اهـ
قلت: ولم يذكر المرجئ، دليلا واحدا، أو قولا معتبرا، لأهل العلم، في اشتراط فهم الحجة، حتى تقوم على الجاهل.
* وقد فرق أهل العلم، بين: «المسائل الظاهرة»، وبين: «المسائل الخفية»، في الإعذار.
* وكذلك فرقوا بين صفة قيام الحجة في: «المسائل الظاهرة»، وبين صفة قيام الحجة في: «المسائل الخفية».
فتقام الحجة في: «المسائل الظاهرة»، ببلوغ القرآن.
بخلاف: «المسائل الخفية»، فتقام الحجة فيها، بالإيضاح والبيان، وذلك على حسب الخفاء.
قال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي مفتي الديار النجدية / في «الانتصار» (ص46): (قد ذكر أهل العلم من أهل كل مذهب: أشياء كثيرة، لا يمكن حصرها من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، أنه يكفر صاحبها، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند، فالمدعي أن مرتكب الكفر: «متأولا»، أو «مجتهدا»، أو «مخطئا»، أو «مقلدا»، أو «جاهلا»، معذور، مخالف: للكتاب، والسنة، والإجماع؛ بلا شك). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج10 ص40)؛ موضحا: أن شيخ الإسلام ابن تيمية /، لا يعذر بالجهل، أو التأويل في مسائل الشرك: (فقد جزم / في مواضع كثيرة، بكفر من فعل ما ذكره من أنواع الشرك، وحكى إجماع المسلمين على ذلك، ولم يستثن الجاهل ونحوه، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 116]، وقال عن المسيح: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار[ [المائدة:72]، فمن خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط، فأخرج: «الجاهل»، و«المتأول»، و«المقلد»، فقد شاق الله تعالى، ورسوله r، وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدرون باب: حكم المرتد بمن أشرك، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص168)؛ مبينا عدم العذر بالخطأ، والشبهة، والتأويل في مسائل الشرك: (وكل كافر قد أخطأ، والمشركون لا بد لهم من تأويلات، ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ينفعهم، ويدفع عنهم، فلم يعذروا بذلك الخطأ، ولا بذلك التأويل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص192)؛ في رده على: «داود بن جرجيس» في العذر بالشبهة في مسائل الشرك، ونسبة ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيمية /: (وليس في كلام الشيخ العذر بكل شبهة، ولا العذر بجنس الشبهة؛ فإن هذا لا يفيده كلام الشيخ، ولا يفهمه منه إلا من لم يمارس من العلوم شيئا، بل عبارته صريحة في إبطال هذا المفهوم). اهـ
قلت: وهذه الفتاوى، تدل على عدم اعتبار: «الشبهة»، و«التأويل»، و«الخطأ» في «مسائل الكفر الأكبر»، وفي «مسائل الشرك الأكبر»، لظهور أدلتها، ووضوح برهانها. ([139])
* فالفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، وأنه لا يشترط في قيام الحجة فهمها، إذا كان من بلغته، لو أراد، وإنما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الذي تبلغه، عاقلا، مميزا، يعي ما يسمع.
قلت: وكل إنسان مكلف، له عقل يدرك به الحقائق، فمن سمع كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، بقلب واع، فقد فهمه ابتداء في الجملة، ثم بعد تعلمه، سوف يفهمه على التفصيل، وهذا هو المراد من البلاغ.
قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
قلت: فالإنذار يحصل، لمن بلغه القرآن: بلفظه، أو معناه، فهذا قامت عليه الحجة، وانقطع عذره في هذه الحياة. ([140])
قال العلامة الشيخ حمد بن معمر / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص240): (كل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، وقد أجمع العلماء: أن من بلغته دعوة الرسول r، أن حجة الله تعالى، قائمة عليه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص35): (قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالإنذار يحصل: لمن بلغه القرآن؛ بلفظه، أو معناه، فإذا بلغته الرسالة: بواسطة، أو بغير واسطة، قامت عليه الحجة، وانقطع عذره). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العمدة» (ج2 ص105)؛ لما تكلم في كفر تارك الصلاة: (وفي الحقيقة، فكل رد لخبر الله تعالى، أو أمره، فهو كفر: «دق»، أو «جل» ([141])، لكن قد يعفى عما خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا، في الفروع؛ بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدين، من الأخبار، والأوامر). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص246 و248): (أما من بين المسلمين، يسمع السنة، ويسمع القرآن، هذا غير معذور، لا في العقيدة، ولا في غيرها.
* قال الله تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالله تعالى جعل القرآن نذيرا، ومحمدا جعله، نذيرا.
* فالقرآن نذير، ومحمد نذير، فالذي يبلغه القرآن، والسنة، ويعيش بين المسلمين، فهذا غير معذور، عليه أن يسأل، وعليه أن يتفقه في الدين، وعليه أن يتعلم). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى العذر بالجهل» (ص13): (فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة.
* وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد، وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]؛ ... فالجهل بهذا -يعني: بالتوحيد- لا يكون عذرا، بل يجب على المؤمن أن يعلم هذا، وأن يتبصر فيه، ولا يعذر؛ بقوله: «إني جاهل» في هذه الأمور، وهو بين المسلمين، وهو قد بلغه كتاب: الله تعالى، وسنة: رسوله r.
* هذا يسمى: معرضا، ويسمى: غافلا، ومتجاهلا، لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر... الواجب على المؤمن أن يتعلم، ويتفقه في الدين، ويسأل أهل العلم، كما قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
* فالواجب على الرجال والنساء، من المسلمين: التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال: عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم: خلقوا، ليعبدوا الله تعالى: ويطيعوه سبحانه، ولا سبيل إلى ذلك؛ إلا بالعلم، لا يحصل هكذا، من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال، لأهل العلم، حتى: يتعلم الجاهل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص248)؛ عن أمور الشرك: (هذه أمور معلومة من الدين بالضرورة، ومشهورة بين المسلمين، فلا يعذر من قال: «أني أجهل» وهو بين المسلمين). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص72)؛ رادا على من استدل، بنصوص: شيخ الإسلام ابن تيمية /، في عدم تكفير المعين؛ مثبتا تفريق شيخ الإسلام ابن تيمية /، بين: «المسائل الظاهرة»، وبين: «المسائل الخفية»، في: «مسائل تكفير المعين».
فقال /؛ بعد أن نقل قول شيخ الإسلام ابن تيمية / في التفريق بين المسائل الظاهرة، والمسائل الخفية، في معرض رده على المتكلمين: (فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية، وبين ما نحن فيه، في كفر المعين). اهـ
قلت: فمسألة تكفير المعين، مسألة معروفة، إذا قال: قولا، يكون القول به كفرا، فيقال: من قال بهذا القول، فهو كافر.
* لكن الشخص المعين، إذا قال ذلك: لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة، التي يكفر تاركها.
* وهذا في: «المسائل الخفية» التي يخفى دليلها على بعض الناس، وهي في «المسائل الدقيقة»، التي قد تشكل على الجاهل، فيعذر بجهله فيها، ومرجع ذلك إلى أهل العلم.
* وأما ما يقع منه في: «المسائل الظاهرة الجلية»، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفر قائله، أو فاعله. ([142])
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج8 ص244): (إن الشخص المعين، إذا قال: ما يوجب الكفر، فإنه لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة، التي يكفر تاركها، وهذا في: «المسائل الخفية»، التي قد يخفى دليلها على بعض الناس.
* وأما ما يقع منهم: في «المسائل الظاهرة الجلية»، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفر قائله). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «الفتاوى» (ج1 ص73 و74): (ثم إن الذين توقفوا، في تكفير المعين، في الأشياء التي يخفى دليلها، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية، من حيث الثبوت، والدلالة.
* فإذا أوضحت له بالبيان الكافي: كفر، سواء فهم، أو أنكر، ليس كفر الكفار كله عن عناد، أما ما علم بالضرورة، أن الرسول r جاء به، فهذا يكفر بمجرد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف سواء: في الأصول، أو الفروع([143])، ما لم يكن حديث عهد بالإسلام). اهـ
قلت: فلا بد أن نفرق بين: «المسائل الظاهرة»، وبين: «المسائل الخفية»، في مسألة: تكفير المعين. ([144])
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص245): (أما في الأمور الواضحة، الأمور: التي تعد بالضرورة، كالإيمان بتوحيد الله تعالى، وأنه الخلاق العليم، وأنه مستحق للعبادة، وأنه الكامل في «أسمائه وصفاته»، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم، والسنة المطهرة، من: «أسماء الله وصفاته»، هذا ليس: محل عذر، إذا كان ممن بلغه القرآن والسنة). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج28 ص217): (أما الذي يمكن جهله، مثل: بعض «الصفات»، صفات الله تعالى التي خفيت عليه، أو ما درى أنها، من: «صفات الله»، فأنكرها، ثم علم، وبين له: ما يكفر بذلك؛ لأن مثل: هذا قد يجهل بعض الصفات([145])، أو مثل: بعض: حقوق النبي r جهلها ما درى عن بعض الحقوق، التي تخفى على العامي، أو ما أشبه ذلك).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص245): (أما في الأحكام: فهو عذر؛ يعني: جهل بالحكم الشرعي، في بعض الأحكام التي تخفى، أو في دقائق: «الصفات»، وبعض: «الصفات»، التي قد تخفى، فهذا عذر) ([146]). اهـ
وقال تعالى: ]يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين [ [التوبة:64 و65 و66].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ص178): (وبالجملة؛ فمن قال، أو فعلما هو كفر: كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد؛ إلا ما شاء الله). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله النجدي / في «تيسير العزيز الحميد» (ص454): (والإنسان قد يكفر بالمقالة الكافرة، وإن كان عند نفسه لم يأت بمكفر، كما حصل من المنافقين في غزوة تبوك، قال تعالى: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[ [التوبة:66]، فهؤلاء ظنوا أن ذلك ليس بكفر، ولكن الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر، ولم يعلم، أو يعتقد: أنه كفر، لا يعذر بذلك، بل يكفر بفعله القولي، والعملي). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، ولو هازلا، لم يقصد حقيقة الاستهزاء: كفر إجماعا). اهـ
قلت: فمن نطق بلفظ صريح دال على الكفر؛ فهذا لا يسأل عن قصده، من هذا اللفظ لوضوح الدلالة على كفره.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج12 ص315)؛ عن حديث: الخوارج: (وفيه أن من المسلمين، من يخرج من الدين من غير، أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا، على دين الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (باب: من هزل بشيء فيه، ذكر الله تعالى، أو القرآن، أو الرسول r؛ أي: أنه يكفر بذلك، لاستخفافه بجناب الربوبية، والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، ولهذا: أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (قال المصنف /: «وقول الله تعالى: ]ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب[ [التوبة:65]».
الشرح: يقول تعالى مخاطبا؛ لرسوله r: ]ولئن سألتهم[؛ أي: سألت المنافقين الذين تكلموا بكلمة الكفر استهزاء؛ ]ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب[؛ أي: يعتذرون بأنهم لم يقصدوا الاستهزاء والتكذيب، إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب؛ ]قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون[؛ لم يعبأ باعتذارهم؛ إما لأنهم كانوا كاذبين فيه، وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه معذورا، وعلى التقديرين: فهذا عذر باطل، فإنهم أخطئوا موقع الاستهزاء.
* وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاء بذلك في قلب؟!، بل ذلك عين الكفر، فلهذا كان الجواب مع ما قبله: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[ [التوبة:66]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص272): (فقد أمره أن يقول لهم: قد كفرتم بعد إيمانكم، وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم، فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا ذلك إلا لخواصهم، وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق، وتكلموا بالاستهزاء: صاروا كافرين بعد إيمانهم. ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين). إلى أن قال: (قال تعالى: ]ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب[؛ فاعترفوا واعتذروا، ولهذا قيل: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين[؛ فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر.
* فبين أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم. ولكن لم يظنوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه).اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (وفي الآية: دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر، ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك، بل يكفر، وعلى أن الساب كافر بطريق الأولى نبه عليه شيخ الإسلام) ([147]). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص618): (قوله: «فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق»؛ أي: لم نقصد حقيقة الاستهزاء، وإنما قصدنا الخوض واللعب، والمراد الهزل لا الجد، ونتحدث كما يتحدث الركبان إذا ركبوا رواحلهم، وقصدوا ترويح أنفسهم، وتوسيع صدورهم، ليسهل عليهم السفر، وقطع الطريق.
وقوله: «فقال رسول الله r: ]أبالله وآياته ورسوله...[، إلخ»؛ أراد r: أنه ليس لهم عذر، لأن هذا لا يدخله الخوض واللعب، لأن هذه الأشياء مما تحترم، وتعظم، ويخشع عندها إيمانا بالله، وتصديقا لرسوله، وتعظيما لآياته، وتوقيرا للرسول r، فالمقابل لها بالخوض واللعب واضع له في غير محله، متنقص لله ولآياته ولرسوله، ولا يكون معذورا.
وقوله: «ما يلتفت إليه»؛ فيه الغلظة على أعداء الله، وعدم المبالاة بهم.
وقوله: «وما يزيده عليه»؛ فيه الاقتصار على النص، والإعراض عن مجادلة المبطلين، وفيه أن من الأعذار ما لا ينبغي أن يقبل). اهـ
قلت: برغم وضوح الأقوال التي سبق نقلها عن شيخ الإسلام ابن تيمية /، وغيره في: «مسألة العذر بالجهل»، وأنه يكفر أحيانا: «بالكفر العام»، وأحيانا: «بالكفر المعين»، على حسب الأدلة.
* فإن: «المرجئة» في هذه المسألة احتجوا بها، وبغيرها، على أن شيخ الإسلام ابن تيمية /، لا يكفر المعين مطلقا، أو أنه يطلق؛ اسم: الكفر على القول، دون قائله.
* وجعلوا ذلك قاعدة مطردة في «المسائل الظاهرة»، و«المسائل الخفية»!.
وقد بين أهل العلم، الفهم الصحيح، لأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية / في: «مسألة العذر بالجهل».
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «جامع المسائل» (ج3 ص151)؛ لما احتج عليه البعض، بقول شيخ الإسلام ابن تيمية، في عدم تكفير المعين: (وأنا أذكر لفظه، الذي احتجوا على زيغهم... ([148]) وهذه صفة كلامه لا يذكر عدم تكفيره، قبل أن تبلغه الحجة.
* وأما إذا بلغته الحجة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة: من تكفير، أو تفسيق، أو معصية، وصرح -يعني: ابن تيمية- أن كلامه في غير: «المسائل الظاهرة»).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص120)؛ في رسالة، إلى أحمد بن عبد الكريم: (وصل مكتوبك، تقرر المسألة، التي ذكرت، تذكر أن عليك: إشكال تطلب إزالته.
* ثم ورد منك: رسالة تذكر أنك عثرت، على كلام شيخ الإسلام، أزال عنك الإشكال.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ ردا عليه، في فهمه من أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية /: أنه لا يكفر المعين مطلقا: (يوضح ذلك: أن المنافقين إذا أظهروا نفاقهم، صاروا مرتدين، فأين نسبتك أنه لا يكفر أحدا بعينه). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / من علماء الدعوة؛ مخصصا: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، في عدم تكفير المعين: «بالمسائل الخفية»: (وهذان الشيخان: ابن تيمية، وابن القيم؛ يحكمان أن من ارتكب ما يوجب الكفر، أو الردة: يحكم عليه بمقتضى ذلك، وبموجب ما اقترف: «كفرا»، أو «شركا»، أو «فسقا»، إلا أن يقوم مانع شرعي يمنع من هذا الاطلاق، وهذا له صور مخصوصة، لا يدخل فيها: من عبد: «صنما»، أو «قبرا»، أو «بشرا»، أو «مدرا»، لظهور البرهان، لقيام الحجة بالرسل عليهم السلام) ([149]). اهـ
وقال الشيخ العلامة أبو بطين / في «الدرر السنية» (ج6 ص246)؛ معلقا، وموضحا، موقف: شيخ الإسلام ابن تيمية /، في تكفير المعين في: «المسائل الظاهرة»: (أما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد، والإيمان بالرسالة، فقد صرح / -يعني: ابن تيمية- في مواضع كثيرة بكفر أصحابها، وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل، مع أنا نتحقق أن السبب في تلك الأمور إنما هو: الجهل بحقيقتها، فلو علموا أنها كفر تخرج عن الإسلام: لم يفعلوها، وهذا في كلام الشيخ / كثير). اهـ
قلت: إذا مراد شيخ الإسلام ابن تيمية /، في عدم تكفير المعين، وإطلاق اسم الكفر على القول، دون قائله، إنما هو في «المسائل الخفية»، وليس في «المسائل الظاهرة».
* وأن كلامه ليس في الردة، بل في «المسائل الجزئية»، وقد التبست عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية / على: «المرجئة العصرية»، فافطن لهذا. ([150])
قال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /؛ وقد نقل نصوص الشيخين: ابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، في تكفير المعين: (وأما أن يطلق: اسم الكفر على الفعل، ودون فاعله، فقد خصص كلام ابن تيمية، وابن عبد الوهاب، أنه في: «المسائل الخفية»، التي يقع فيها: أهل الأهواء، بخلاف: «المسائل الظاهرة الجلية»، فإنهما: يطلقان اسم الكفر على المعين، وعلى الفعل وفاعله). ([151])
قلت: فقد بين أهل العلم، أن من احتج، بنص شيخ الإسلام ابن تيمية، على عدم تكفير المعين، حيث حملوا نصه على أنه في «المسائل الخفية» فقط، وأنه ليس كلاما مطلقا.
* فالقول: بأن القول: كفر، ولا نحكم بكفر القائل، فإن إطلاق هذا: جهل صرف، لأن العبارة لا تنطبق؛ إلا على المعين، ومسألة تكفير المعين، مسألة معروفة، إذا قال، قولا يكون: القول به كفرا، في «المسائل الظاهرة».
* لكن فمن قال بهذا القول: فهو كافر، ولكن العبد المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في «المسائل الخفية»، التي قد يخفى دليلها على أناس دون أناس في الدين. ([152])
قلت: وهذا الذي هو عامي في الجملة، وليس بمعرض عن العلم، ويسأل عن دينه، وليس بمعاند في الدين، وهذا لا بد أن يجتهد على نفسه في السؤال عن العلم.
* فهذا إذا وقع في شيء من: «المسائل الخفية»؛ يعني: خفي عليه دليلها؛ مثل؛ نفي: «صفة من الصفات»، أو خفي عليه شيء من: «الإرجاء»، أو في شيء من: «الخروج»، وما شابه ذلك. ([153])
فهذا لا يحكم بكفره بعينه([154])، حتى تقوم عليه الحجة، فإذا أصر حكم بكفره، لأنه جاءه العلم، بهذه: «المسائل الخفية» التي جهلها.
وهذا الصنف في الغالب، يرجع عن خطئه، بخلاف المعرض عن العلم، والمعادي في السنة.
قلت: وأما المعرض عن العلم، والسؤال عنه، فلا يسأل عن دينه في حياته، ولا يبالي في الأخذ ممن هب ودب، فهذا مفرط في دينه، وهو مؤاخذ في «المسائل الخفية»، و«المسائل الظاهرة»، جميعا، لإعراضه عن العلم، والسؤال عنه، وهو مهمل في الدين، وقد قامت عليه الحجة في دار الإسلام إذا مات على ذلك، لأن هذا الصنف المعاند([155])، كما هو مشاهد منه، لا يرجع عن خطئه مهما بينت له من الأدلة، لأنه معرض عن الحجة([156])، جملة وتفصيلا. ([157])
قال تعالى: ]أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون[ [البقرة: 75].
وقال تعالى: ]وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون[ [البقرة: 88].
وقال تعالى: ]وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم[ [البقرة: 93].
وقال تعالى: ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون[ [البقرة: 85].
وقال تعالى: ]فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين[ [البقرة: 89].
وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم[ [البقرة: 91].
وقال تعالى: ]ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون[ [البقرة: 101].
قلت: فالقول على التفصيل في المبتدعة، الذين ثبت النص فيهم، من الكتاب والسنة والأثر، والإجماع عند السلف، فما كان الأئمة من السلف: يتوقفون في تكفيرهم، وذلك مثل: المعلنين بالبدع الكبرى، في نفي الأسماء والصفات، وغير ذلك.
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص247)؛ ردا على من فهم من كلام: شيخ الإسلام ابن تيمية /، أنه لا يكفر: «المعين»، في «مسائل الشرك»: (وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية /، إنما يعرفه، ويدريه؛ من مارس كلامه، وعرف أصوله.
* فإنه قد صرح في غير موضع، أن الخطأ، قد يغفر لمن لم يبلغه الشرع، ولم تقم عليه الحجة، في «مسائل مخصوصة»([158])، إذا اتقى الله تعالى ما استطاع، واجتهد بحسب طاقته. ([159])
* وأين التقوى، والاجتهاد الذي يدعيه: عباد القبور، والداعون للموتى، والغائبين). اهـ
قلت: فهذا فهم أهل العلم في أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية /، في إطلاق اسم: الكفر على القول، دون قائله، أو الفعل، دون فاعله، وذلك في «المسائل الخفية»، وليست في: «الشرك الأكبر»، أو «المسائل الظاهرة».
* فشيخ الإسلام ابن تيمية /، يكفر المعين، إذا وقع منه في: «المسائل الجلية» المعلومة من الدين بالضرورة؛ مثل: عبادة القبور، والاستغاثة بها، وترك الصلاة، وترك الأركان، وما شابه ذلك من أصول الإسلام، لوضوح البرهان فيها، وقيام الحجة بالرسالة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص105): (من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، ولا يحرم ما حرم الله تعالى، ورسوله r، من الفواحش، والظلم، والشرك، والإفك، فهو كافر، مرتد: يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل؛ باتفاق أئمة المسلمين، ولا يغني عنه التكلم: بالشهادتين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص105): (إن كل من تكلم بـ«الشهادتين»، ولم يؤد الفرائض، ولم يجتنب المحارم، يدخل الجنة، ولا يعذب أحد منهم بالنار، فهو كافر، مرتد، يجب أن يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن شيخ الإسلام ابن تيمية /، يكفر المعين في «المسائل الظاهرة».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل: الملائكة، والأنبياء، وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم: جلب المنافع، ودفع المضار، مثل: أن يسألهم؛ غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو: كافر؛ بإجماع المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124)؛ في معرض حديثه، عن الأدعية الشركية: (أن يدعو غير الله تعالى، وهو: ميت، أو غائب، سواء كان من الأنبياء، والصالحين، أو غيرهم، فيقول: يا سيدي: فلان «أغثني»، أو «أنا أستجير بك»، أو «أستغيث بك»، أو «انصرني على عدوي»، ونحو ذلك، فهذا هو: «الشرك بالله»، وأعظم من ذلك، أن يقول: «اغفر لي»، و«تب علي»، كما يفعله: طائفة من الجهال المشركين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج30 ص108)؛ في تكفير الحلاج: (الحلاج: قتل على الزندقة، التي ثبتت عليه بإقراره، وبغير إقراره، والأمر الذي ثبت عليه، بما يوجب القتل؛ باتفاق المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (من استغاث بميت، أو غائب من البشر، بحيث يدعوه في الشدائد، والكربات، ويطلب منه قضاء الحوائج، فيقول: «يا سيدي فلان» أنا في حسبك وجوارك، أو يقول: عند هجوم العدو عليه: «ياسيدي فلان» يستوحيه، ويستغيث به، أو يقول ذلك، عند مرضه، وفقره، وغير ذلك من حاجاته، فإن هذا ضال، جاهل، مشرك، عاص لله تعالى، باتفاق المسلمين) ([160]). اهـ
وعن ابن عمر ﭭ، أن رسول الله r قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص75)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص53)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص92 و367)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص219)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص200)، وأبو يعلى الخليلي في «المنتخب من الإرشاد» (ج2 ص515)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص67)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج2 ص410)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص165)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج4 ص819)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص232)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص89) من طريق شعبة عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر ﭭ به.
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص22): (وكان المشركون الأولون يؤمنون بأن الله تعالى: ربهم، وخالقهم، ورازقهم، وإنما تعلقوا على الأنبياء، والأولياء، والملائكة، والأشجار، والأحجار، وأشباه ذلك، يرجون شفاعتهم عند الله تعالى، وتقريبهم لديه، كما سبق في الآيات، فلم يعذرهم الله تعالى بذلك، ولم يعذرهم رسول الله r، بل أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العظيم، وسماهم: كفارا ومشركين، وأكذبهم في زعمهم أن هذه الألهة تشفع لهم، وتقربهم إلى الله تعالى زلفى، وقاتلهم الرسول r على هذا الشرك حتى يخلصوا العبادة لله تعالى وحده، عملا بقوله سبحانه: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[ [الأنفال: 39]؛ وقال الرسول r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى»([161])؛ ومعنى: قوله r «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»؛ أي: حتى يخصوا الله بالعبادة، دون كل ما سواه). اهـ
وهناك فتوى: للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين النجدي /؛ بعنوان: «حكم تكفير المعين» قال /: وما سألت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه؛ بالكفر إذا ارتكب شيئا من المكفرات؟.
فأجاب /: (فالأمر الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع العلماء على أنه كفر، مثل: «الشرك بعبادة غير الله» سبحانه وتعالى، فمن ارتكب شيئا من هذا النوع أو جنسه، فهذا لا شك في كفره.
* ولا بأس بمن تحقق منه شيء من ذلك أن نقول: كفر فلان بهذا الفعل، يبين هذا، أن الفقهاء: يذكرون في باب: «حكم المرتد» أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافرا، ويفتتحون هذا الباب بقولهم: من «أشرك بالله كفر»، وحكمه: «أنه يستتاب»، فإن تاب وإلا قتل، والاستتابة تكون مع معين، ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي: «إن القرآن مخلوق»، قال: «كفرت بالله العظيم»، وكلام العلماء في: تكفير المعين كثير، وأعظم أنواع الكفر، «الشرك بعبادة الله»، وهو: كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، كما أنه من زنى؛ قيل: فلان زان، ومن رابى؛ قيل: فلان مراب) ([162]). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ أبو بطين النجدي /، عن تكفير المعين؛ فأجاب: (نقول في تكفير المعين: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء، تدل على كفر من أشرك بالله، فعبد معه غيره، ولم تفرق الأدلة بين المعين وغيره، قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به[ [النساء:48]، وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التوبة:5]، وجميع العلماء: في كتب الفقه يذكرون «حكم المرتد»، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردة: «الشرك»، فقالوا: من «أشرك بالله كفر»، ومن زعم لله صاحبة، أو ولدا: كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ويذكرون: أنواعا، مجمعا على كفر صاحبها، ولم يفرقوا بين المعين وغيره) ([163]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص38): (فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخرين: إنا لا نقصد أن أولئك يفيدون بأنفسهم، ويشفون مرضانا بأنفسهم، أو ينفعونا بأنفسهم، أو يضرونا بأنفسهم، وإنما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك؟.
* فالجواب أن يقال له:
إن هذا هو مقصد الكفار الأولين ومرادهم، وليس مرادهم أن آلهتهم تخلق، أو ترزق، أو تنفع، أو تضر بنفسها، فإن ذلك يبطله ما ذكره الله تعالى عنهم في القرآن، وأنهم أرادوا شفاعتهم، وجاههم، وتقريبهم إلى الله تعالى زلفى، كما قال سبحانه وتعالى؛ في سورة يونس عليه الصلاة والسلام: ]ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ [يونس:18]، فرد الله تعالى عليهم ذلك بقوله سبحانه: ]قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون[ [يونس:18]؛ فأبان سبحانه: أنه لا يعلم في السماوات، ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله تعالى وجوده: لا وجود له، لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء، وقال تعالى، في سورة الزمر: ]تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين * ألا لله الدين الخالص[ [الزمر: 1 - 3]؛ فأبان سبحانه: أن العبادة له وحده، وأنه يجب على العباد إخلاصها له جل وعلا؛ لأن أمره للنبي r بإخلاص العبادة له؛ أمر: للجميع، ومعنى الدين هنا: هو العبادة، والعبادة: هي طاعته، وطاعة رسوله r كما سلف، ويدخل فيها الدعاء، والاستغاثة، والخوف، والرجاء، والذبح، والنذر، كما يدخل فيها: الصلاة، والصوم، وغير ذلك؛ مما أمر الله تعالى به ورسوله r، ثم قال عز وجل بعد ذلك: ]والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ [الزمر: 3]؛ أي: يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: ]إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[ [الزمر: 3]؛ فأوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة: أن الكفار ما عبدوا الأولياء من دونه إلا ليقربوهم إلى الله زلفى، وهذا هو مقصد الكفار قديما وحديثا، وقد أبطل الله تعالى ذلك بقوله: ]إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار[ [الزمر: 3]؛ فأوضح سبحانه: كذبهم في زعمهم أن آلهتهم تقربهم إلى الله زلفى، وكفرهم بما صرفوا لها من العبادة، وبذلك يعلم كل من له أدنى تمييز أن الكفار الأولين، إنما كان كفرهم باتخاذهم الأنبياء، والأولياء، والأشجار، والأحجار، وغير ذلك من المخلوقات: شفعاء بينهم، وبين الله تعالى، واعتقدوا أنهم يقضون حوائجهم من دون إذنه سبحانه، ولا رضاه). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص79)؛ مشبها عباد القبور الذين يقولون: «لا إله إلا الله»، مع جهلهم معناها، باليهود: (وعباد القبور: نطقوا بها، وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به، فصاروا، كاليهود الذين يقولونها، ولا يعرفون معناها، ولا يعملون بها). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص619)؛ تعليقا على آية المستهزئين([164]): (وفي الآية: دليل على أن الرجل؛ إذا فعل الكفر، ولم يعلم: أنه كفر، لا يعذر بذلك، وعلى أن الساب: كافر، بطريق الأولى، نبه عليه: شيخ الإسلام ابن تيمية /). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين /؛ وهو يرد على من قال إن المقلد في الشرك معذور: (قد افترى، وكذب على الله تعالى، وقد قال الله تعالى؛ عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال تعالى؛ حاكيا، عن الكفار: قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22]، واستدل العلماء: بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأن فرضا على كل مكلف، أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه النصوص ظاهرة) ([165]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص226): (ولا ريب: أن الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشرك الأكبر»، فكيف يعذر أمة، كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص231): (إن الشرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، فإن هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريات الإسلام). اهـ
وقال تعالى: ]ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون[ [البقرة:78 و79].
وقال تعالى: ]بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ [البقرة:81].
وعن تميم بن أوس الداري t، قال: سمعت رسول الله r يقول: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله عز وجل بيت مدر([166])، ولا وبر([167])؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله عز وجل به الكفر).
حديث صحيح
أخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج5 ص459)، وابن بشران في «البشرانيات» (ج1 ص158)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج2 ص79 و80)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص331)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص430 و431)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ويعقوب بن سفيان، وعبد الكريم بن الهيثم، جميعهم: عن أبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر الكلاعي عن تميم الداري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص118).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
* وتابع أبا اليمان الحكم بن نافع: أبو المغيرة، عبد القدوس بن الحجاج الخولاني عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الداري t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص103)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، وعبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)، وأبو عروبة الحراني في «المنتقى من كتاب الطبقات» (ص58).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: هذا حديث حسن صحيح.
وتابع: صفوان بن عمرو: معاوية بن صالح عن سليم بن عمرو الكلاعي عن تميم الداري t به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1280).
قلت: وهذا سنده حسن.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)؛ ثم قال: «رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد، رجال الصحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص32).
وأخرجه ابن منده في «الأمالي» (ص206) من طريق يعقوب بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمد عن أبيه محمد بن عباد بن تميم عن أبيه عباد بن تميم عن أبيه تميم بن أوس الداري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مجاهيل، وهو غير محفوظ من هذا الوجه.
وبوب عليه الحافظ عبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)؛ باب؛ بلوغ الإسلام: الزمان، والمكان، والإنسان.
قلت: فهذا الحديث العظيم، يقرر فيه رسول الله r، أمرا، عظيما، وهو انتشار هذا الدين في جميع الأرض. ([168])
وهذا الحديث: يوضح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره في الأرض، بحيث لا يدع مجالا للشك، في أن الإسلام وصل للجميع إلى قيام الساعة.
* ومما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار، يستلزم قيام الحجة على الخلق كلهم على وجه الأرض: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج15 ص459): (فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون المراد في حديث: تميم t، عموم الأرض كلها، حتى لا يبقى بيت؛ إلا دخله، إما بالعز الذي ذكره، أو بالذل الذي ذكره في هذا الحديث). اهـ
وعن المقداد بن الأسود t قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل، إما يعزهم الله تعالى، فيجعلهم من أهل الإسلام، أو يذلهم، فيدينون لها).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص4)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص981)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص254)، وفي «مسند الشاميين» (572)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص91)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص476)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417)، و(ج2 ص806)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق دحيم، والوليد بن مسلم، وغيرهما: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقدام بن الأسود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص119).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417): «هذا حديث محفوظ من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم».
وقال الشيخ الوادعي في «الصحيح المسند» (ج2 ص227): «هذا حديث صحيح».
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص806): «هذا حديث، حسن».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)، ثم قال: «رجال الطبراني، رجال الصحيح».
قلت: ففي هذا الحديث، يبشر رسول الله r، بعز هذا الدين، وتمكينه في الأرض، وأن هذا العز، والتمكين سيكون في الأرض، ووصوله إلى الناس كافة.
* فالإسلام سيصل إلى كل موضع، وتظهر به الحجة على الخلق.
* ولذلك قرر الله تعالى هذا الأمر، في قوله تعالى: ]يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[ [التوبة: 32 و33].
* وكذلك: ما أرسل الله تعالى به نبيه محمدا r، لا بد أن يتم ويظهر.
وقد تم، وظهر في بواكير هذه الرسالة العظيمة، وسيبقى إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
ولذلك الله يقول: ]ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون[ [التوبة: 32].
وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأحقاف: 9و10].
قلت: فالرسول r بين لهم، أنه ليس بأول رسول أرسل إليهم، وهذا يعني أنهم يعلمون بالرسل عليهم السلام، حتى في الجاهلية.
* وهم: تركوا دين الرسل عليهم السلام، ووضعوا لهم ديانات من الشرك، وعبدوا الأصنام وغيرها.
* فما لهم من عذر، وعندهم علم الرسل عليهم السلام، وعلم بقايا من أهل العلم. ([169])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص42): (قوله تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل[؛ أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي، وتستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل والأنبياء، من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شيء تنكرون رسالتي؟.
وقوله تعالى: ]وما أدري ما يفعل بي ولا بكم[؛ أي: لست إلا بشرا، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى المتصرف بي وبكم، الحاكم علي وعليكم.
وقوله تعالى: ]إن أتبع إلا ما يوحى إلي[؛ ولست الآتي بالشيء من عندي.
وقوله تعالى: ]وما أنا إلا نذير مبين[؛ فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظكم، ونصيبكم في الدنيا والآخرة.
* وإن رددتم ذلك علي، فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر.
وقوله تعالى: ]قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم[؛ أي: أخبروني، لو كان هذا القرآن من عند الله، وشهد على صحته، الموفقون من أهل الكتاب، الذين عندهم من الحق، ما يعرفون أنه الحق، فآمنوا به واهتدوا، فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء، واستكبرتم، أيها الجهلاء الأغبياء، فهل هذا إلا أعظم الظلم، وأشد الكفر؟.
وقوله تعالى: ]إن الله لا يهدي القوم الظالمين[؛ ومن الظلم، الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه). اهـ
وقال تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين[ [الأحقاف: 29 و30 و31 و32].
قلت: فالجن لما سمعوا القرآن، فآمنوا؛ وقد قامت عليهم الحجة، وذهبوا إلى قومهم يبلغون القرآن لهم، وصاروا حجة على قومهم من الجن.
* والله تعالى يسر لهم الهدى، وهم من الجن، وقامت حجة الله تعالى على بقية الجن إلى يوم القيامة.
* بل اعترفوا أنهم: يعرفون الأنبياء، واعترفوا أن هذا القرآن، هو الحق من ربهم، ووصلت لهم كتب الله تعالى، ورسله عليهم السلام، فالحجة قائمة عليهم. ([170])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص57): (كان الله تعالى قد أرسل رسوله محمدا r، إلى الخلق، إنسهم وجنهم، وكان لا بد من إبلاغ الجميع، لدعوة النبوة والرسالة.
* فالإنس يمكنه، عليه الصلاة والسلام، دعوتهم وإنذارهم.
* وأما الجن، فصرفهم الله إليه بقدرته، وأرسل إليه: ]نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا[؛ أي: وصى بعضهم بعضا بذلك.
قوله تعالى: ]فلما قضي[([171])؛ وقد وعوه، وأثر ذلك فيهم: ]ولوا إلى قومهم منذرين[؛ نصحا منهم لهم، وإقامة للحجة عليهم، وقيضهم الله تعالى، معونة لرسوله r، في نشر دعوته في الجن.
وقوله تعالى: ]قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى[؛ لأن كتاب موسى أصل للإنجيل، وعمدة لبني إسرائيل، في أحكام الشرع.
* وإنما الإنجيل، متمم، ومكمل ومغير لبعض الأحكام.
وقوله تعالى: ]مصدقا لما بين يديه يهدي[، هذا الكتاب الذي سمعناه: ]إلى الحق[، وهو: الصواب في كل مطلوب وخبر: ]وإلى طريق مستقيم[، موصل إلى الله تعالى، وإلى جنته، من العلم بالله تعالى، وبأحكامه الدينية، وأحكام الجزاء.
* فلما مدحوا القرآن، وبينوا محله ومرتبته، دعوهم إلى الإيمان به.
وقوله تعالى: ]يا قومنا أجيبوا داعي الله[؛ أي: الذي لا يدعو إلا إلى ربه، لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه، ولا هوى، وإنما يدعوكم إلى ربكم، ليثيبكم، ويزيل عنكم كل شر ومكروه.
ولهذا قالوا: ]يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم[، وإذا أجارهم من العذاب الأليم، فما ثم بعد ذلك، إلا النعيم، فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
وقوله تعالى: ]ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض[، فإن الله على كل شيء قدير، فلا يفوته هارب، ولا يغالبه مغالب.
وقوله تعالى: ]وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين[؛ وأي: ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرسل عليهم السلام، ووصلت إليه النذر، بالآيات البينات، والحجج المتواترات، فأعرض واستكبر؟!). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج16 ص210): (قوله تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين[ [الأحقاف: 29].
قوله تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن[؛ هذا توبيخ لمشركي قريش؛ أي: إن الجن سمعوا القرآن؛ فآمنوا به، وعلموا أنه من عند الله، وأنتم معرضون مصرون على الكفر.
ومعنى: «صرفنا» وجهنا إليك وبعثنا.
وقوله تعالى: ]فلما حضروه[؛ أي: حضروا النبي r، وهو من باب تلوين الخطاب، وقيل: لما حضروا القرآن واستماعه.
وقوله تعالى: ]قالوا أنصتوا[؛ أي: قال بعضهم لبعض اسكتوا، لاستماع القرآن.
وقيل: ]أنصتوا[، لسماع قول رسول الله r؛ والمعنى متقارب.
]فلما قضي[، وقرأ لاحق بن حميد، وخبيب بن عبد الله بن الزبير: «فلما قضى»، بفتح «القاف»، و«الضاد»؛ يعني: النبي r قبل الصلاة.
فسمعوه وانصرفوا إلى قومهم منذرين، ولم يعلم بهم النبي r.
وقيل: بل أمر النبي r أن ينذر الجن، ويقرأ عليهم القرآن، فصرف الله إليه نفرا من الجن ليستمعوا منه، وينذروا قومهم؛ فلما تلا عليهم القرآن، وفرغ، انصرفوا بأمره قاصدين من وراءهم من قومهم من الجن، منذرين لهم مخالفة القرآن، ومحذرين إياهم بأس الله إن لم يؤمنوا.
* وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبي r، وأنه أرسلهم، ويدل على هذا قولهم: ]يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به[، ولولا ذلك لما أنذروا قومهم.
وقوله تعالى: ]قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم[ [الأحقاف: 31].
قوله تعالى : ]قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى[؛ أي: القرآن، وكانوا مؤمنين بموسى عليه السلام.
وقوله تعالى: ]مصدقا لما بين يديه[؛ يعني: ما قبله من التوراة: ]يهدي إلى الحق[، دين الحق.
وقوله تعالى: ]وإلى طريق مستقيم؛[ دين الله القويم: ]يا قومنا أجيبوا داعي الله[؛ يعني: محمدا r؛ وهذا يدل على أنه كان مبعوثا إلى الجن والإنس) ([172]). اهـ
وقال تعالى: ]ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [الأحقاف: 34].
قلت: وهذه الآية تبين أن الحق وصل إليهم في الحياة الدنيا، وقد اعترفوا بذلك، وبسبب ذلك ذاقوا العذاب.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص59): (يخبر تعالى عن حال الكفار الفظيعة، عند عرضهم على النار، التي كانوا يكذبون بها، وأنهم يوبخون، ويقال لهم: ]أليس هذا بالحق[؛ فقد حضرتموه وشاهدتموه عيانا؟.
وقوله تعالى: ]قالوا بلى وربنا[
* فاعترفوا بذنبهم، وتبين كذبهم.
وقوله تعالى: ]قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[؛ أي: عذابا لازما دائما، كما كان كفركم صفة لازمة). اهـ
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون[ [الأحقاف: 21 و22 و23].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص52): (قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين * قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون[ [الأحقاف: 21 و22 و23].
* أي: ]واذكر[؛ بالثناء الجميل: ]أخا عاد[، وهو: هود عليه السلام، حيث كان من الرسل الكرام، الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه، وإرشاد الخلق إليه.
وقوله تعالى: ]إذ أنذر قومه[، وهم عاد: ]بالأحقاف[؛ أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف، وهي: الرمال الكثيرة في أرض.
وقوله تعالى: ]وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه[؛ فلم يكن بدعا منهم، ولا مخالفا لهم.
قائلا لهم: ]ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[.
* فأمرهم بعبادة الله، الجامعة لكل قول سديد، وعمل حميد.
* ونهاهم عن الشرك والتنديد، وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد، فلم تفد فيهم تلك الدعوة.
وقوله تعالى: ]قالوا أجئتنا لتأفكنا([173]) عن آلهتنا[؛ أي: ليس لك من القصد، ولا معك من الحق، إلا أنك حسدتنا على آلهتنا، فأردت أن تصرفنا عنها.
وقوله تعالى: ]فأتنا بما تعدنا([174]) إن كنت من الصادقين([175])[، وهذا غاية الجهل والعناد: ]قال إنما العلم([176]) عند الله[؛ فهو الذي بيده أزمة الأمور ومقاليدها، وهو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء.
وقوله تعالى: ]وأبلغكم ما أرسلت به[؛ أي: ليس علي إلا البلاغ المبين.
وقوله تعالى: ]ولكني أراكم قوما تجهلون[([177])؛ فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة.
فأرسل الله عليهم العذاب العظيم، وهو الريح التي دمرتهم وأهلكتهم). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج16 ص203): (قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد[ [الأحقاف: 21]؛ هو هود عليه السلام، كان أخاهم في النسب، لا في الدين.
وقوله تعالى: ]إذ أنذر قومه بالأحقاف[؛ أي: اذكر: لهؤلاء المشركين، قصة عاد، ليعتبروا بها.
وقوله تعالى: ]وقد خلت النذر[؛ أي: مضت الرسل عليهم السلام: ]من بين يديه[؛ أي: من قبل هود عليه السلام: ]ومن خلفه[؛ أي: ومن بعده: ]ألا تعبدوا إلا الله[؛ هذا من قول المرسل). اهـ
وقال تعالى: ]فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون[ [فصلت: 13 و14].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج6 ص564): (قوله تعالى: ]فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون[ [فصلت: 13 و14].
* أي: فإن أعرض هؤلاء المكذبون، بعدما بين لهم من أوصاف القرآن الحميدة، ومن صفات الإله العظيم: ]فقل أنذرتكم صاعقة[.
* أي: عذابا يستأصلكم ويجتاحكم.
وقوله تعالى: ]مثل صاعقة عاد وثمود[، القبيلتين المعروفتين، حيث اجتاحهم العذاب، وحل عليهم، وبيل العقاب، وذلك بظلمهم وكفرهم.
وقوله تعالى: ]جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم[؛ أي: يتبع بعضهم بعضا متوالين، ودعوتهم جميعا واحدة.
وقوله تعالى: ]أن لا تعبدوا إلا الله[؛ أي: يأمرونهم بالإخلاص لله، وينهونهم عن الشرك.
* فردوا رسالتهم وكذبوهم: ]قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة[؛ أي: وأما أنتم فبشر مثلنا: ]فإنا بما أرسلتم به كافرون[؛ وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين، من الأمم، وهي من أوهى الشبه.
* فإنه ليس من شرط الإرسال، أن يكون المرسل ملكا.
* وإنما شرط الرسالة، أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه.
* فليقدحوا، إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقلي أو شرعي، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا). اهـ
وقال تعالى: ]حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون[ [فصلت: 1 و2 و3 و4 و5].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج6 ص557): (قوله تعالى: ]حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون[ [فصلت: 1 و2 و3 و4 و5] .
* يخبر تعالى عباده أن هذا الكتاب الجليل، والقرآن الجميل: ]تنزيل[، صادر: ]من الرحمن الرحيم[، الذي وسعت رحمته كل شيء، الذي من أعظم رحمته وأجلها، إنزال هذا الكتاب، الذي حصل به، من العلم والهدى، والنور، والشفاء، والرحمة، والخير الكثير، ما هو من أجل نعمه على العباد، وهو الطريق للسعادة في الدارين.
* ثم أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ]فصلت آياته[؛ أي: فصل كل شيء من أنواعه على حدته، وهذا يستلزم البيان التام، والتفريق بين كل شيء، وتمييز الحقائق.
وقوله تعالى: ]قرآنا عربيا[؛ أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فصلت آياته وجعل عربيا.
وقوله تعالى: ]لقوم يعلمون[؛ أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والغي من الرشاد.
* وأما الجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالا، ولا البيان إلا عمى فهؤلاء لم يسق الكلام لأجلهم: ]سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[.
وقوله تعالى: ]بشيرا ونذيرا[؛ أي: بشيرا بالثواب العاجل والآجل، ونذيرا بالعقاب العاجل والآجل، وذكر تفصيلهما، وذكر الأسباب والأوصاف التي تحصل بها البشارة والنذارة.
* وهذه الأوصاف للكتاب، مما يوجب أن يتلقى بالقبول، والإذعان، والإيمان به، والعمل به.
* ولكن أعرض أكثر الخلق عنه إعراض المستكبرين: ]فهم لا يسمعون[، له سماع قبول وإجابة، وإن كانوا قد سمعوه سماعا، تقوم عليهم به الحجة الشرعية.
]وقالوا[؛ أي: هؤلاء المعرضون عنه، مبينين عدم انتفاعهم به، بسد الأبواب للوصلة إليه:
وقوله تعالى: ]قلوبنا في أكنة[؛ أي: أغطية مغشاة: ]مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر[؛ أي: صمما، فلا نسمع لك: ]ومن بيننا وبينك حجاب[، فلا نراك.
* القصد من ذلك، أنهم أظهروا الإعراض عنه، ومن كل وجه، وأظهروا بغضه، والرضا بما هم عليه). اهـ
وقال تعالى: ]ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب[ [غافر: 34].
قلت: وهذه الآية تدل على أن الرسل عليهم السلام، قد أقاموا الحجة على الخلق.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج6 ص527): (قوله تعالى: ]ولقد جاءكم يوسف[، ابن يعقوب عليهما السلام: ]من قبل[، إتيان موسى عليه السلام، بالبينات الدالة على صدقه، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: ]فما زلتم في شك مما جاءكم به[، في حياته: ]حتى إذا هلك[، ازداد شككم وشرككم.
و]قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا[؛ أي: ظنكم الباطل، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، بل يرسل إليهم رسله.
* وظن: أن الله تعالى لا يرسل رسولا، ظن ضلال، ولهذا قال: ]كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب[، وهذا هو وصفهم الحقيقي، الذي وصفوا به موسى عليه السلام، ظلما وعلوا.
* فهم المسرفون، بتجاوزهم الحق، وعدولهم عنه إلى الضلال.
* وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله تعالى، وكذبوا رسوله.
* فالذي وصفه السرف والكذب، لا ينفك عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفقه للخير، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه.
* فجزاؤه أن يعاقبه، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[ [الصف: 5]، ]ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون[ [الأنعام: 110]، ]والله لا يهدي القوم الظالمين[ [البقرة: 258].
* ثم ذكر وصف المسرف المرتاب فقال: ]الذين يجادلون في آيات الله[، التي بينت الحق من الباطل، وصارت -من ظهورها- بمنزلة الشمس للبصر). اهـ
وقال تعالى: ]وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير * وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير[ [سبأ: 44 و45].
قلت: وهذه الآية تدل على أن الحجة قد قامت على الجهال، ولا يعذروا في الدين، وإن أراد أحد من: «المرجئة العصرية»، أن يحتج لهم، ويعذرهم، فإنه لا مستند له، ولا يعتمد على عذره للجهال، والله المستعان.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج6 ص291): (قوله تعالى: ]وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين[؛ أي: سحر ظاهر لكل أحد، تكذيبا بالحق، وترويجا على السفهاء.
* ولما بين ما ردوا به الحق، وأنها أقوال، دون مرتبة الشبهة، فضلا عن أن تكون حجة، ذكر أنهم، وإن أراد أحد أن يحتج لهم، فإنهم لا مستند لهم، ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا، فقال: ]وما آتيناهم من كتب يدرسونها[، حتى تكون عمدة لهم: ]وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير[، حتى يكون عندهم من أقواله وأحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به.
فليس عندهم علم، ولا أثارة من علم.
* ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين قبلهم فقال: ]وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا[
* أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون: ]معشار ما آتيناهم[؛ أي: الأمم الذين من قبلهم.
وقوله تعالى: ]فكذبوا رسلي فكيف كان نكير[ أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إياهم.
* قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال، وأن منهم، من أغرقه، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم، وبالصيحة، وبالرجفة، وبالخسف بالأرض، وبإرسال الحاصب من السماء.
* فاحذروا يا هؤلاء المكذبون، أن تدوموا على التكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، ويصيبكم ما أصابهم). اهـ
وقال تعالى: ]يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [آل عمران: 106].
قلت: وهذه الآية تدل على أن الكفار قد آمنوا بالميثاق والفطرة، ولذلك عندما يدخلون النار، يقال لهم: ]أكفرتم بعد إيمانكم[([178])؛ يعني: الميثاق، والفطرة التي كانوا عليها. ([179])
وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون[ [العنكبوت: 65].
فقوله تعالى: ]فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون[؛ فالخلق كلهم يقرون لله تعالى أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك. ([180])
وقال تعالى: ]فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا[ [النساء: 41]؛ يعني: لكل أمة من الأمم السابقة، واللاحقة إلى قيام الساعة، لها: شهيد، يشهد عليها، بقيام الحجة عليها في الحياة الدنيا، فلا عذر لأي أمة من الأمم بعد ذلك. ([181])
وقال تعالى: ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون * بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين * ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون[ [الزخرف: 26 و27 و28 و29 و30].
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «مختصر سيرة الرسول r» (ص 16): (ومنذ ظهر إبراهيم عليه السلام لم يعدم التوحيد في ذريته، كما قال تعالى: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون[ [الزخرف: 28]). اهـ
قلت: فيه تصريح بأن قريشا، وأهل الجاهلية كانوا من ذرية النبي إبراهيم عليه السلام، ومن ورثة رسالته، فالحجة قائمة عليهم برسالته، وما ترك لهم من الكتاب والعلم.
* وهذا يدل على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، كان يرى بقيام الحجة على أهل الجاهلية، وأنهم غير معذورين بجهلهم.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان» (ص 363): (سئل الشيخ محمد /: عن معنى «لا إله إلا الله»، فأجاب بقوله: اعلم رحمك الله تعالى أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي التي جعلها إبراهيم عليه السلام كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «تفسير آيات من القرآن الكريم» (ص 375): (أن قريشا صريح آل إبراهيم عليه السلام، وأيضا: ولاة البيت الحرام، وأيضا: خصوا بنعم، مثل: الرحلتين، ودفع الفيل، وأما أهل الكتاب: فأهل العلم، وذرية الأنبياء، وجرى من الكل على رسالة الله ما جرى). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد» (ج1 ص129): (قوله تعالى: ]وجعلها كلمة باقية[ [الزخرف: 28]؛ جعل «لا إله إلا الله» كلمة باقية، في عقبه: في ذرية إبراهيم عليه السلام، فلا يزال فيها من يقول هذه الكلمة، ويعمل بها إلى أن بعث محمد r بها، ودعا إليها، بقيت في عقبه، وإن خالفها الأكثر، إلا أنه يوجد في ذرية إبراهيم عليه السلام من التزم بها، ولو كانوا قليلين، إلى أن بعث محمد r، فلم تخل الأرض من التوحيد، ولله الحمد، ولا تخلو إلا عند قيام الساعة، وإذا خلت الأرض من التوحيد قامت القيامة). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب / في «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» (ص 112): (قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن عبده، ورسوله، وخليله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها، ومذهبها: إنه تبرأ من أبيه، وقومه في عبادتهم الأوثان فقال: ]إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزخرف: 28]؛ أي: هذه الكلمة؛ وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي «لا إله إلا الله»؛ أي: جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم عليه السلام، ]لعلهم يرجعون[؛ أي: إليها، قال عكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي، وغيرهم في قوله: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزخرف: 28]؛ يعني: «لا إله إلا الله»، لا يزال في ذريته من يقولها.... وروى ابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزخرف: 28]؛ قال: الإخلاص والتوحيد، لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده).اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية» (ص 320): (وقد دل صريح القرآن على معنى الإله، وأنه هو المعبود، كما في قوله تعالى: ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهديني وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزخرف: 26ـ28]؛ قال المفسرون: هي كلمة التوحيد «لا إله إلا الله»، ]باقية في عقبه[؛ أي: في ذريته، قال قتادة: «لا يزال في ذريته من يعبد الله ويوحده».
والمعنى: جعل هذه الموالاة والبراءة من كل معبود سواه، كلمة باقية في ذرية إبراهيم، يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض، وهي كلمة: «لا إله إلا الله»، فتبين أن موالاة الله بعبادته، والبراءة من كل معبود سواه؛ هو معنى: «لا إله إلا الله»).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي / في «حاشية ثلاثة الأصول» (ص 87): (أي: وجعل كلمة التوحيد وهي: «لا إلهإلا الله»، باقية في نسله، وذريته، يقتدي به فيها من هداه الله من ذريته: ]لعلهم[؛ أي: لعل أهل مكة وغيرهم، ]يرجعون[، إلى دين إبراهيم الخليل، والكلمة هي: «لا إله إلا الله»؛ بإجماع المفسرين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي / في «حاشية كتاب التوحيد» (ص: 68): (قوله تعالى: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزخرف: 28]؛ في ذريته من بعده، يدينون بها: ]لعلهم يرجعون[؛ إليها، والكلمة هي: «لا إله إلا الله» بإجماع أهل العلم، وقد عبر عنها الخليل بمعناها الذي أريدت به، فعبر عما نفته بقوله: ]إنني براء مما تعبدون[، وعما أثبتته بقوله: ]إلا الذي فطرني[؛ أي: خلقني، فقصر العبادة على الله وحده، ونفاها عن كل ما سواه ببراءته من ذلك، قال ابن كثير: «هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي «لا إله إلا الله»، جعلها في ذريته، يقتدي به فيها من هداه الله منهم»..). اهـ
* لذلك من كان يريد الحق، ويبحث عن دين الله، فالله يهديه للصواب، ويخرجه من ظلمات الشرك والضلال، إلى نور التوحيد والحق، وأما من بقي على الشرك، أو الكفر: مقلدا كان أو جاهلا، أو غير ذلك؛ فهو: غير معذور، وكل ذلك لإعراضه، وعدم إرادته للحق:
* قال تعالى: ] الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات [ [البقرة: 257].
فعن قتادة /: (في قوله تعالى: ]الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور[ [البقرة: 257]؛ يقول: من الضلالة إلى الهدى، ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت[؛ يقول: الشيطان، ]يخرجونهم من النور إلى الظلمات[؛ يقول: من الهدى إلى الضلالة).
أثر صحيح
أخرجه الطبري «جامع البيان» (ج4 ص563) من طريق بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج3 ص202).
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج4 ص563): (يعني تعالى ذكره بقوله: ]الله ولي الذين آمنوا[؛ نصيرهم وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه ]يخرجهم من الظلمات[؛ يعني بذلك: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وإنما عنى بالظلمات في هذا الموضع: الكفر، وإنما جعل الظلمات للكفر مثلا؛ لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان، والعلم بصحته وصحة أسبابه؛ فأخبر تعالى ذكره: عباده أنه ولي المؤمنين، ومبصرهم حقيقة الإيمان، وسبله، وشرائعه، وحججه، وهاديهم، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر أبصار القلوب). اهـ
وقال الإمام يحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج1 ص348): (قوله تعالى: ]وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم[ [الحج: 54]؛ إلى طريق مستقيم، إلى الجنة، قال الله تبارك وتعالى: ]الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور[ [البقرة: 257]، وقال تعالى: ]ومن يؤمن بالله يهد قلبه[ [التغابن: 11]، وقال تعالى: ]وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم[ [الحج: 54]). اهـ
* وقال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
فعن عبد الرحمن بن زيد / قال: في قوله تعالى: ]لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم[؛ بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به).
أثر صحيح
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج11 ص101)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1679) من طريق ابن وهب، وأصبغ، كلاهما: عن عبد الرحمن بن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص81).
وقال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص103): (فتأويل الآية إذن: ولو علم الله في هؤلاء القائلين؛ خيرا: لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره؛ حتى يعقلوا عن الله حججه منه، ولكنه قد علم أنه: لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء، فهم لا يؤمنون، ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا لتولوا عن الله تعالى، وعن رسوله r، وهم معرضون عن الإيمان بما دلهم على حقيقته مواعظ الله، وعبره، وحججه، معاندون للحق بعد العلم به). اهـ
وقال تعالى: ]إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج5 ص159)؛ عند تفسير هذه الآية: (يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله، وجاروا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله، وظهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا، وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها، أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربه فيها، لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل، وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى: فرق، وقد فرق الله بين أسمائهما، وأحكامهما في هذه الآية). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور إذا وقع في الشرك الأكبر، أو الكفر الأكبر.
قلت: وقد وصف الله تعالى؛ أهل النار: بالجهل ([182])، كقوله تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير[ [الملك: 10]، وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179]، وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 103 و104]؛ وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
والعذاب يستحق بأمرين:
الأمر الأول: عند الإعراض عن الحجة، وعدم إرادته بها، وبموجبها.
الأمر الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها.
فالأول: كفر إعراض.
والثاني: كفر عناد([183]).
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص29): (إذا تقرر هذا: فخمس المسائل التي قدمت جوابها في كلام العلماء، وأضيف إليها مسألة سادسة، وهي: إفتائي بكفر شمسان وأولاده، ومن شابههم، وسميتهم: طواغيت.
* وذلك أنهم يدعون الناس: إلى عبادتهم من دون الله تعالى، عبادة أعظم من عبادة: «اللات»، و«العزى» بأضعاف.
* وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحق، لأن عبادة: «اللات»، و«العزى» يعبدونها في الرخاء، ويخلصون لله تعالى في الشدة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إياهم، في شدائد البر والبحر). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص39): (وإنا كفرنا هؤلاء الطواغيت: أهل الخرج وغيرهم، بالأمور التي يفعلونها هم:
منها: أنهم يجعلون آباءهم، وأجدادهم وسائط.
ومنها: أنهم يدعون الناس إلى الكفر.
ومنها: أنهم يبغضون عند الناس دين محمد r، ويزعمون: أن أهل العارض كفروا، لما قالوا: لا يعبد؛ إلا الله تعالى.
* وغير ذلك من أنواع الكفر، وهذا أمر أوضح من الشمس، لا يحتاج إلى تقرير). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان /: (تكفير الكافر من مسائل الأصول التي لا يسع الجهل بها، وليس لأحد عذر في ترك العمل بها، بل هي من واجبات الدين وأصوله) ([184]). اهـ
قلت: ففاعل الشرك عن جهل، ليس بمعذور في الدين.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص39)؛ وهو يرد على سليمان بن سحيم الصوفي: (وأما أهل السنة؛ فمذهبهم: أن المسلم لا يكفر إلا بالشرك:
* ونحن ما كفرنا الطواغيت وأتباعهم؛ إلا بالشرك، وأنت رجل من أجهل الناس، تظن: أن من صلى، وادعى أنه مسلم لا يكفر.
* فإذا كنت تعتقد ذلك، فما تقول في المنافقين، الذين يصلون، ويصومون، ويجاهدون، قال الله تعالى فيهم: ]إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار[ [النساء: 154].
* وما تقول في الخوارج، الذين قال فيهم رسول الله r: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([185])، أتظنهم ليسوا من أهل القبلة؟.
* ما تقول في الذين اعتقدوا في علي بن أبي طالب t، مثل اعتقاد كثير من الناس في عبد القادر، وغيره.
* فأضرم لهم علي بن أبي طالب t نارا، فأحرقهم بها.
* وأجمعت الصحابة على قتلهم... أتظن هؤلاء ليسوا من أهل القبلة؟، أم أنت تفهم الشرع، وأصحاب رسول الله r لا يفهمونه؟.
* أرأيت أصحاب رسول الله r: «لما قاتلوا من منع الزكاة»، فلما أرادوا التوبة؛ قال أبو بكر t: «لا نقبل توبتكم، حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار».([186])
* أتظن أن أبا بكر وأصحابه y لا يفهمون، وأنت وأبوك الذين تفهمون؟، يا ويلك أيها الجاهل المركب. ([187])
* إذا كنت تعتقد هذا، أن من أهل القبلة: لا يكفر، فما معنى هذه المسائل العظيمة الكثيرة، التي ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، التي كثير منها في أناس، أهل زهد، وعبادة عظيمة، ومنهم: طوائف، ذكر العلماء: أن من شك في كفرهم، فهو كافر.
* ولو كان الأمر على زعمك، بطل كلام العلماء في حكم المرتد: إلا مسألة واحدة، وهي: الذي يصرح بتكذيب الرسول r، وينتقل يهوديا، أو نصرانيا، أو مجوسيا، ونحوهم، هذا هو الكفر عندك، يا ويلك.
* ما تصنع بقوله r: «لا تقوم الساعة، حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان».([188])
* وكيف تقول هذا؛ وأنت تقر: أن من جعل الوسائط: كفر.
* فإذا كان أهل العلم في زمانهم، حكموا على كثير من أهل زمانهم، بالكفر، والشرك، أتظن أنكم صلحتم بعدهم؟ يا ويلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص31)؛ وهو يرد على سليمان بن سحيم الصوفي: (نذكر لك أنك أنت وأباك: مصرحون بالكفر، والشرك، والنفاق... وأنت إلى الآن أنت وأبوك، لا تفهمون شهادة: «أن لا إله إلا الله»، أنا أشهد بهذا شهادة،... أنك لا تعرفها إلى الآن، ولا أبوك). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص54): (فإنا لم نكفر المسلمين، بل ما كفرنا؛ إلا المشركين). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص54): (من أعظم الناس ضلالا، متصوفة في: «معكال»، وغيره؛ مثل: ولد: «موسى بن جوعان»، و«سلامة بن مانع»، وغيرهما، يتبعون مذهب: «ابن عربي»، و«ابن الفارض»؛ وقد ذكر أهل العلم: أن «ابن عربي» من أئمة أهل مذهب: «الاتحادية»، وهم أغلظ كفرا من: «اليهود»، و«النصارى».
* فكل من لم يدخل في دين محمد r، ويتبرأ من دين: «الاتحادية»، فهو كافر بريء من الإسلام، ولا تصح الصلاة خلفه، ولا تقبل شهادته).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص367)؛ عن «حلولية الصوفية»: (وأقوال هؤلاء: شر من أقوال: «النصارى»، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال: «النصارى».
* ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه.
* فهذا كله كفر: باطنا، وظاهرا؛ بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء، بعد معرفة قولهم، ومعرفة دين الإسلام، فهو كافر، كمن يشك في كفر: «اليهود»، و«النصارى»، و«المشركين»). اهـ
وقال القاضي عياض / في «الشفا» (ج2 ص1071): (ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين، من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص56): (ذكر لي أحمد، أنه مشكل عليكم الفتيا: بكفر هؤلاء الطواغيت، مثل: «أولاد شمسان»، و«أولاد إدريس»، والذين يعبدونهم، مثل: «طالب» وأمثاله). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص57): (فإذا تبين حكم الله تعالى، ورسوله r، بيانا كالشمس، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله، واليوم الآخر، أن يرده لكونه مخالفا لهواه، أو لما عليه أهل وقته ومشايخه). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي / في «الفتاوى النجدية» (ج3 ص336): (وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة: فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب، والسنة، والإجماع على كفره -وهم: المرجئة-.
* وتعدى بآخرين، فكفروا من حكم بالكتاب، والسنة، مع الإجماع: -وهم: الخوارج-، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين، ومحنته من تينك البليتين). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص293): (فكل من اتخذ من دون الله تعالى ندا، يدعوه من دون الله تعالى، ويرغب إليه، ويرجوه: لما يؤمله من قضاء حاجاته، وتفريج كرباته؛ كحال: عباد القبور، والطواغيت، والأصنام، فلا بد أن يعظموهم، ويحبوهم لذلك، فإنهم: أحبوهم مع الله تعالى، وإن كانوا يحبون الله تعالى، ويقولون: «لا إلـٰه إلا الله»، ويصلون، ويصومون، فقد أشركوا بالله تعالى في المحبة). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج2 ص329): (من صرف الدعاء؛ لغير الله تعالى، فقد أشرك في الدين، الذي أمر الله بإخلاصه، وفي العبادة التي أمر الله تعالى بها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج1 ص344): (وأصل الشرك: أن تعدل بالله تعالى: مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا، من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره، أو توكل عليه؛ فهو: مشرك به). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «القول السديد» (ص43): (إن حد: «الشرك الأكبر»، وتفسيره الذي يجمع أنواعه، وأفراده.
* أن يصرف العبد نوعا، أو فردا، من أفراد العبادة لغير الله تعالى.
* فكل اعتقاد، أو قول، أو عمل: ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله تعالى وحده: توحيد، وإيمان، وإخلاص.
* وصرفه لغيره: شرك، وكفر؛ فعليك بهذا الضابط: «للشرك الأكبر»، الذي لا يشذ عنه شيء). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص375)؛ معددا أنواع: «الشرك الأكبر»: (ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم.
* وهذا أصل شرك العالم؛ فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرا، ولا نفعا، فضلا عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته). اهـ
* وهذا هو الذي وقع فيه مشركو قريش، حيث جعلوا: مع الله تعالى وسائط تقربهم إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ]ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى[ [الزمر: 3]، وقال تعالى: ]ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله[ [يونس: 18]؛ فمن وقع في الشرك، فهو كافر بإجماع العلماء. ([189])
قال تعالى: ]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين[ [يونس: 106].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل الملائكة، والأنبياء، وسائط: يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، مثل: أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص229): (وهو إجماع صحيح: معلوم بالضرورة من الدين.
* وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم: المرتد، على أن من أشرك بالله، فهو: كافر، أي: عبد مع الله غيره: بنوع من أنواع العبادة). اهـ
قلت: إذا ينبغي لمن أراد أن يتعرف على منهج العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، أن يستقصي أقواله، في «مسألة تكفير المعين»، استقصاء وافيا.
* ولا يعتمد قولا من أقوال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، دون جمع أقواله في «مسألة العذر بالجهل»، أو يعتمد، قولا، مشتبها من أقواله، على خلاف أقواله الأخرى، فهذا خلاف أصول البحث المنهجي العلمي.
قلت: فلا بد من جمع أقوال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «مسألة العذر بالجهل»، في موطن واحد، ثم الربط بينها، بحمل المجمل على المفصل، حتى يتبين منهج الشيخ / في «مسألة العذر بالجهل». ([190])
قلت: وقد صرح أهل العلم، بتكفير المعين: إذا وقع في: «المسائل المكفرة»، بسبب الجهل، ولم يعذروه في الدين. ([191])
* وكذلك: صرحوا بتكفير المبتدعة، بالبدع المكفرة: بأعيانهم، وأسمائهم، ومن المعلوم أنه لم يوقعهم، فيما ارتكبوه، من الكفر، والضلال؛ إلا الجهل. ([192])
* وذلك حتى نبين لك: فساد ما يشغب به: «المرجئة العصرية»، ممن تحدثوا في: «مسألة العذر بالجهل».
قال العلامة الشيخ أبو بطين / في «الرسائل النجدية» (ص477 و478): (ومن المعلوم: أن أهل البدع الذين كفرهم السلف، والعلماء بعدهم: «أهل علم وعبادة»، وفيهم: زهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه؛ إلا الجهل، والذين حرقهم: علي بن أبي طالب t، هل آفتهم؛ إلا الجهل). اهـ
وعن المروزي قال:قلت؛ لأبي عبد الله، إن الكرابيسي يقول: «لفظي بالقرآن مخلوق»، وقال أيضا: «أقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق من كل الجهات، إلا لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل، إن لفظي بالقرآن مخلوق، فهو: كافر».
فقال: أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (بل هو الكافر، قاتله الله، وأي شيء قالت الجهمية: إلا هذا؟ قالوا: كلام الله، ثم قالوا: مخلوق). ([193])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص175)؛ عن رؤوس الاتحاد: (فهذه المادة؛ أغلب على: «ابن سبعين»، و«القونوي»، والثانية: أغلب على: «ابن عربي»، ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام، والكل مشتركون في: «التجهم»، و«التلمساني»: أعظمهم: تحقيقا، لهذه: «الزندقة»، و«الاتحاد»، التي انفردوا بها، وهو: أكفرهم بالله، وكتبه، ورسله، وشرائعه). اهـ
قلت: وقد صرح العلامة الشيخ ابن سحمان /، في غير موضع من كتابة: «الضياء الشارق»؛ بكفر: «داود بن جرجيس العراقي»، وخروجه من ملة الإسلام.
فقال العلامة الشيخ ابن سحمان / في «الضياء الشارق» (ص77): (فالجواب: أن يقال، لهذا: «الجهمي المشرك بالله» في عبادته، النافي لصفاته، ونعوت جلاله). اهـ
وعن الربيع بن سليمان قال: (حضرت في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم). وفي رواية: (وكفر حفصا الفرد). وفي رواية: (فقال له الشافعي: والله: كفرت بالله العظيم). ([194])
وقال العلامة الشيخ أبو بطين /: (هذا يدل على أن السلف: كانوا يكفرون في مسائل، أقل بكثير من المسائل التي يقع فيها المتأخرون من: الإشراك بالله، والتوجه بالعبادة إلى غيره) ([195]). اهـ
وقالت اللجنة الدائمة: (أحمد التيجاني، وأتباعه: الملتزمون بطريقته من أشد خلق الله غلوا، وكفرا، وضلالا، وابتداعا في الدين) ([196]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج9 ص193)؛ عن: «جارودي» الفرنسي: (وأخيرا: فإن «روجيه جارودي»، لا يحكم عليه: مرتد عن دين الإسلام، إنما هو: «كافر» أصلي، لم يدخل الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج9 ص18): (عبد الله بن أبي: كافر، وهو يصلي مع النبي r، ويقول: «لا إلـٰه إلا الله»، وهو من أكفر الناس، ما نفعه ذلك؛ لكفره). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص155): (والمقصود بيان ما كان عليه شيخ الإسلام، وإخوانه: أهل السنة والجماعة، من إنكار: «الشرك الأكبر»، الواقع في زمانهم، وذكر الأدلة: من الكتاب والسنة، على كفر من فعل هذا الشرك). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي /، في: «مسألة تكفير المعين»: (الأمر الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع العلماء، أنه: كفر؛ مثل: الشرك بعبادة غيره سبحانه.
* فمن ارتكب شيئا من هذا النوع، أو حسنه، فهذا لا شك في كفره، ولا بأس لمن تحققت منه أشياء، من ذلك؛ أن تقول: كفر فلان، بهذا الفعل) ([197]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ج2 ص780): (معناه: أن خياركم؛ هم: السابقون، الأولون، وهؤلاء: من أولاد المشركين.
* فإن آباءهم كانوا كفارا، ثم إن البنين أسلموا بعد ذلك، ولا يضر الطفل أن يكون من أولاد المشركين، إذا كان مؤمنا، فإن الله تعالى إنما يجزيه بعمله، لا بعمل أبويه، وهو سبحانه يخرج المؤمن من الكفار، والكافر من المؤمن، كما يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي). اهـ
* ومن أنواع الشرك الذي يكفر به المعين، هو دعاء غير الله تعالى:
والدعاء هو العبادة، فمن صرف الدعاء لغير الله تعالى؛ فقد أشرك بالله تعالى، فمن دعا: «نبيا»، أو «وليا»، أو «صالحا»، أو «ملكا»؛ فقد أشرك بالله: «الشرك الأكبر» المخرج من الملة.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /؛ مبينا أهمية توحيد الألوهية: (توحيد الألوهية هو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد؛ كالدعاء، والرجاء، والخوف، والخشية، والاستغاثة، والاستعاذة، والمحبة، والإنابة، والنذر، والذبح، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والتذلل، والتعظيم) ([198]). اهـ
* ويدخل في معنى الدعاء: الاستغاثة، والاستعانة، وطلب النفع، أو دفع الضر من غير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (ومن أنواع العبادة: الدعاء، كما كان المؤمنون يدعون الله ليلا ونهارا، في الشدة والرخاء، ولا يشك أحدا أن هذا من أنواع العبادة.
* فتفكر رحمك الله فيما حدث من الناس اليوم من دعاء غير الله في الشدة والرخاء، فهذا تلحقه الشدة في البر والبحر، ويستغيث: «بعبد القادر»، أو «شمسان»، أو «نبي» من الأنبياء، أو «ولي» من الأولياء، أن ينجيه من الشدة) ([199]). اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين النجدي /: (فمن صرف لغير الله شيئا من أنواع العبادة: فقد عبد ذلك الغير، واتخذه إلهٰا، وأشركه مع الله في خالص حقه، وإن فر من تسمية فعله ذلك تأليها، وعبادة، وشركا، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها) ([200]). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب /، معلقا على قول لشيخ الإسلام ابن تيمية / قال فيه: (فمن جعل الملائكة، والأنبياء: وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب النفع، ودفع المضار، مثل: أن يسألهم: غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات؛ فهو: كافر بإجماع المسلمين) ([201]). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص229)؛ معلقا: (وهو إجماع صحيح معلوم بالضرورة من الدين، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب: «حكم المرتد» على أن من أشرك بالله، فهو: كافر، أي: عبد مع الله غيره، بنوع من أنواع العبادة) ([202]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر /، من علماء الدعوة: (لا نعلم نوعا من أنواع الكفر والردة، ورد فيه من النصوص، مثل ما ورد في دعاء غير الله تعالى بالنهي عنه، والتحذير من فعله، والوعيد عليه) ([203]). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: «اعلم أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله r؛ صفة شركهم: أنهم يدعون الله، ويدعون معه الأصنام، والصالحين، مثل عيسى، وأمه، والملائكة، يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وهم: يقرون أن الله هو النافع الضار المدبر) ([204]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن /: (كل من دعا نبيا من دون الله، فقد اتخذه إلهٰا، وضاهى النصارى في شركهم، وضاهى اليهود في تفريطهم)([205]).اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن /: (فمن دعا غير الله، من ميت، أو غائب، أو استغاث به، فهو: مشرك كافر، وإن لم يقصد إلا مجرد التقرب إلى الله، وطلب الشفاعة عنده) ([206]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن /: (فكل من اتخذ من دون الله ندا يدعوه من دون الله، ويرغب إليه، ويرجوه لما يؤمله من قضاء حاجاته، وتفريج كرباته، كحال: عباد القبور والطواغيت والأصنام، فلا بد أن يعظموهم ويحبوهم لذلك، فإنهم أحبوهم مع الله، وإن كانوا يحبون الله تعالى، ويقولون: لا إلـٰه إلا الله، ويصلون، ويصومون، فقد اشركوا بالله في المحبة) ([207]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن ناصر بن معمر /: (من صرف الدعاء لغير الله، فقد أشرك في الدين الذي أمر الله بإخلاصه، وفي العبادة التي أمر الله بها) ([208]). اهـ
* وهذا هو الضابط في: «الشرك الأكبر»، وعرفنا أن: «الشرك الأكبر»؛ تقديم نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وأن من صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك بالله في الألوهية.
* وعلى هذا فمن قدم عبادة عملية لغير الله تعالى، كالذبح لغير الله تعالى، والنذر لغير الله تعالى، والسجود والركوع لغير الله تعالى، فقد أشرك بالله: «الشرك الأكبر»، وقد أفاض علماء الدعوة في الحديث عن أنواع الشرك العملي الناقض للتوحيد في كتبهم، واستشهدوا له بالنصوص من القرآن، والسنة على أنه شرك أكبر مخرج من الملة. ([209])
* وقد اعترض أناس في تسمية هذه الأمور: شركا، حتى اعتبروها من باب: «الشرك الأصغر».
* ومنشأ غلط هؤلاء، بسبب عدم فهمهم للضابط، الذي يفرق بين: «الشرك الأكبر»، وبين: «الشرك الأصغر»، فما كان من باب تقديم العبادة؛ لغير الله تعالى، فهو من: «الشرك الأكبر».
* مثل أيضا: الذبح لغير الله تعالى، كالذبح للأصنام، والأولياء، والصالحين: «شرك أكبر» يخرج صاحبه من الملة.
* وقد استدل علماء الدعوة على أن الذبح لغير الله تعالى؛ شرك: بقوله تعالى: ]قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين[ [الأنعام: 162 و163]، وقوله تعالى: ]فصل لربك وانحر[ [الكوثر: 2].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن /
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص156)؛ شارحا: الآية الأولى: (فإن الله أمرهم أن يخلصوا جميع أنواع العبادة له دون سواه، فإذا تقربوا إلى غير الله بالذبح، أو غيره من أنواع العبادة، فقد جعلوا لله شريكا في عبادته، وهو ظاهر في قوله: ]لا شريك له[). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص148): (وكل قربة: فهي عبادة، فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له، وتقربا إليه؛ كما يتقرب بذلك، ويعظم ربه سبحانه، كان مشركا بالله عز وجل، وإذا كان مشركا؛ فإن الله تعالى قد بين أنه: حرام على المشرك الجنة، ومأواه النار). اهـ
* وكذلك: من «الشرك الأكبر» النذر لغير الله تعالى، لأنه شرك في العبادة.
وقد بوب الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب: «باب من الشرك النذر لغير الله تعالى».
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص171): (أي: لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله، فيكون النذر لغير الله تعالى: شركا في العبادة). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص169): (أي: أنه؛ «النذر»، من العبادة، فيكون صرفه لغير الله: شركا...، فإذا نذر لمخلوق تقربا إليه، ليشفع له عند الله، ويكشف ضره، ونحو ذلك، فقد أشرك في عبادة الله تعالى غيره ضرورة، كما أن من صلى لله، وصلى لغيره: فقد أشرك كذلك). اهـ
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب / في «مسائل كتاب التوحيد»: (المسألة الثانية: من مسائل الباب، إذا ثبت كونه: «النذر»، عبادة، فصرفه لغير الله: شرك) ([210]). اهـ
* وقد أفاض علماء الدعوة في بيان أن النذر لغير الله تعالى من: «الشرك الأكبر» المخرج من الملة، إذا كان على جهة التقرب، والتعظيم، كنذر عباد القبور، لقبورهم، وأوليائهم الصالحين، بزعم سؤالهم الشفاعة، والقربى إلى الله تعالى. ([211])
* وقد لبس الصوفية المبتدعة، وزعموا أن النذر لغير الله تعالى من: «الشرك الأصغر».([212])
* ومن: «الشرك الأكبر» الذي يكفر صاحبه: السجود، لغير الله تعالى، وكذلك الركوع لغير الله تعالى، وأدلة القرآن صريحة في ذلك:
قال تعالى: ]لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون[ [فصلت: 37]، وقال تعالى: ]اركعوا مع الراكعين[ [البقرة: 43]، وقال تعالى: ]كلا لا تطعه واسجد واقترب[ [العلق: 19].
* وكذلك: الطواف بالقبور، والقباب، والمشاهد على جهة التعظيم لها؛ فهذه أيضا من: «الشرك الأكبر»، لقوله تعالى: ]وليطوفوا بالبيت العتيق[ [الحج: 29].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج27 ص10): (ليس مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها، فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، مع أنها كانت قبلة، لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتخذها مكانا يطاف به كما يطاف بالكعبة). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: (والعبادة أنواع كثيرة، لكني أمثلها بأنواع ظاهرة لا تنكر، من ذلك السجود، فلا يجوز لعبد أن يضع وجهه على الأرض ساجدا إلا لله وحده، لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل) ([213]). اهـ
* وعلى هذا فمن قدم نوعا من أنواع العبادة لغير الله، فهو مشرك: «الشرك الأكبر» سماها تعظيما، أو قربانا، أو شفاعة، فتغير الاسم؛ لا يغير حقيقة المسمى.
قال العلامة الشيخ أبو بطين / في «الانتصار» (ص33): (من جعل شيئا من العبادة لغير الله، فقد: عبده، واتخذه إلهٰا، وإن فر من تسميته إلهٰا معبودا، فتغير الاسم: لا يغير حقيقة المسمى([214])، ولا يزيل حكمه). اهـ
قلت: والذي يقدم الحياة الدنيا، على الحياة الآخرة، لخوف على مال، أو جاه، أو غير ذلك، أو مداهنة لأحد، كائنا من كان.
* فيعمل للدنيا، ويترك الآخرة، فهذا كافر لا يعذر بجهله، وما فعل ذلك؛ إلا بسبب الجهل، لأنه يعرف الحق، ويترك العمل به، من أجل دنياه، والله المستعان.
قال تعالى: ]من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة[ [النحل: 106 و107].
قلت: فصرح سبحانه أن هذا الكفر، سببه، حظوظ الدنيا، فآثرها على الدين.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص46): (وهذه المسألة :مسألة كبيرة طويلة، تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق، ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا، أو جاه، أو مداراة لأحد.. تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر، أو يعمل به، خوفا من نقص مال، أو جاه، أو مداراة لأحد، أعظم ممن يتكلم: بكلمة يمزح بها.
والآية الثانية؛ قوله تعالى: ]من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا[ [النحل: 106]؛ فلم يعذر الله من هؤلاء؛ إلا من أكره، مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، وسواء فعله خوفا، أو طمعا، أو مدراة، أو مشحة بوطنه، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره.
* والآية تدل على هذا من جهتين:
الأولى: قوله: ]إلا من أكره[؛ فلم يستثن الله إلا المكره، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على العمل أو الكلام، وأما عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثانية: قوله تعالى: ]ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة[ [النحل:107].
* فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظا من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين). اهـ
وعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]من كفر بالله[ [النحل: 106]؛ قال: (أخبر الله تعالى، أنه من كفر بعد إيمانه؛ فعليه غضب من الله، وله عذاب عظيم، فأما من أكره، فتكلم بلسانه، وخالفه: قلبه بالإيمان، ينجو بذلك من عدوه، فلا حرج عليه؛ لأن الله سبحانه: إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم).([215])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص489)؛ في قوله تعالى: ]ذلك[؛ الغضب، والعذاب: ]بأنهم استحبوا[؛ يعني: اختاروا: ]الحياة الدنيا[؛ الفانية: ]على الآخرة[؛ الباقية: ]وأن الله لا يهدي[؛ إلى دينه: ]القوم الكافرين[ [النحل: 107].
وقال الإمام يحيى بن سلام / في «تفسير القرآن» (ج1 ص93)؛ في قوله تعالى: ]ذلك بأنهم استحبوا[؛ اختاروا: ]الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين[ [النحل: 107]؛ يعني: الذين يلقون الله تعالى، بكفرهم). اهـ
قلت: وهذا بسبب الغفلة الشديدة.
قال تعالى: ]أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون[ [النحل: 108].
وقال تعالى: ]أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون[ [البقرة: 86].
قلت: فالحالات التي لا ينفع معها العذر بالجهل:
1) الإعراض عن طلب العلم، فجهله هذا لا ينفعه، وهو محاسب عليه، ومسؤول عن تقصيره، وتفريطه.
قال تعالى: ]فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام: 157]؛ يقال: صدف عنها؛ أي: أعرض عنها. ([216])
وقال تعالى: ]ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا[ [الكهف: 57]؛ يعني: أعرض عن أحكام الكتاب، والسنة. ([217])
وقال تعالى: ]وقد آتيناك من لدنا ذكرا * من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا[ [طه: 99و100].
وقال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[ [طه: 124 و125 و126].
وقال تعالى: ]ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون[ [السجدة: 22].
وعن أبي واقد الليثي t، أن رسول الله r: بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله r، وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله r، فأما أحدهما، فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله r قال: (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله إليه، وأما الآخر: فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر: فأعرض، فأعرض الله عنه). ([218])
قلت: فهذا الرجل أعرض، عن مجالسة الرسول r، وطلب العلم منه، فاستحق من الله تعالى: أن يعرض عنه، ومن أعرض عنه، أنى له أن يعذر بالجهل.
* ومن تأمل حال: أكثر المسلمين اليوم، أدرك أن سبب ما يعانون من جهل بالشريعة وعلومها، هو إعراضهم عن مجالس العلم، وتعلم أحكام الدين، ومؤاثرتهم: للكسل، والاكتفاء بما عندهم من قلة العلم، وهو علم غير نافع.
* ومما اعتبره العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: من نواقض الإسلام، الإعراض عن الدين، وعن تعلمه، والعمل به. ([219])
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «نواقض الإسلام» (ص60): (الناقض العاشر: من نواقض الإسلام؛ الإعراض عن دين الله تعالى؛ لا يتعلمه، ولا يعمل به، والدليل: قوله تعالى: ]ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون[ [السجدة: 22]). اهـ
قلت: المراد بالإعراض، الذي هو ناقض من نواقض الإسلام: هو الإعراض، عن تعلم أصل الدين، الذي به يكون المرء مسلما.
قال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان /: (فتبين من كلام الشيخ، أن الإنسان: لا يكفر؛ إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا بترك الواجبات والمستحبات) ([220]). اهـ
* وقد سئل العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ /، عن الإعراض الذي هو ناقض، من نواقض الإسلام؟.
فأجاب: (إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتا عظيما، وتفاوتهم، بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجودا.
* والتفريط، والشرك: إنما هو فيما دون ذلك، من الواجبات والمستحبات.
* وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به في الإسلام، وأعرض عن هذا بالكلية، فهذا كفر إعراض؛ فيه قوله تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179]، وقوله تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا[ [طه: 124]) ([221]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص414): (إن العذاب يستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة، وعدم إرادتها، والعمل بها، وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها.
* فالأول: كفر إعراض، والثاني: كفر عناد). اهـ
2) من كان جهله بسبب تقليده للآباء، والمشايخ؛ فمثل: هذا لا يعذر بالجهل، وحجج المقلدة مردودة عليهم، جملة وتفصيلا، فلا يعذرون. ([222])
3) وكذلك: من كان جهله، بسبب ظنه أنه على الحق، فهذا لا يعذر بالجهل، وظنه أنه على الحق لا ينفعه شيئا، ولا يرد عنه عذابا، ولا يبرر له جهلا. ([223])
قال تعالى: ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[ [البقرة: 11و12].
وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا[ [الكهف: 103 و104 و105].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج16 ص35): (يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة.
* بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله تعالى به، بل على كفر منهم به، ]وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 104].
* يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم، ذلك لله تعالى مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون.
* وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله تعالى أحد؛ إلا من حيث يقصد إلى الكفر، بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى: أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا، ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم؛ هم: الذين كفروا بآيات ربهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ الشنقيطي / في «أضواء البيان» (ج2 ص298): (هذه النصوص القرآنية، تدل على أن الكافر لا ينفعه ظنه أنه على هدى؛ لأن الأدلة التي جاءت بها الرسل عليهم السلام، لم تترك في الحق لبسا، ولا شبهة، ولكن الكافر لشدة تعصبه: «للكفر»، لا يكاد يفكر في الأدلة، التي هي كالشمس، فلذلك كان غير معذور). اهـ
4) وكذلك؛ من كان جهله بنذارة الرسل عليهم السلام، بسبب عناده، ونكيره، فهو لا يؤمن وإن أظهر الله تعالى له الآيات البينات، ومن كان كذلك، لا يعذر بالجهل.
قال تعالى: ]ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون[ [الأنعام: 111].
قلت: فهم؛ يجهلون: لكن لعنادهم في رد الأدلة البينة، لا يعذرون.
وقال تعالى: ]وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم[ [لقمان: 7].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج21 ص64): (قوله تعالى: ]ولى مستكبرا[ [لقمان: 7]؛ يقول: أدبر عنها، واستكبر؛ استكبارا، وأعرض عن سماع الحق، والإجابة عنه: ]كأن لم يسمعها[؛ يقول: ثقلا، فلا يطيق من أجله سماعه). اهـ
5) كذلك؛ من كان غافلا عن الدين، منشغلا باللهو، والغفلة، عن طلب العلم، مؤثرا للدنيا، ومتاعها، على الآخرة ونعيمها، فهذا لا يعذر بالجهل، وهو في الآخرة من الخاسرين.
قال تعالى: ]إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون[ [يونس: 7 و8].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج11 ص87): (قوله تعالى: ]والذين هم عن آياتنا غافلون[ [يونس: 7]؛ عن آيات الله تعالى، وهي: أدلته على وحدانيته، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له: ]غافلون[؛ معرضون عنها، لاهون، لا يتأملونها، تأمل ناصح لنفسه، فيعلموا بها حقيقة، ما دلتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون: ]أولئك مأواهم النار[؛ هؤلاء الذين هذه صفتهم: ]مأواهم[؛ مصيرهم، إلى نار جهنم في الآخرة). اهـ
وقال تعالى: ]الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم: 3].
وقال تعالى: ]ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون[ [النحل: 107 و108].
6) من كان جهله بنذارة الرسل عليهم السلام، بسبب قساوة قلبه، وبسبب ما ران عليه من آثام، وذنوب، فتراه لا يستطيع: أن يتدبر آيات الله تعالى، ولا أن يطلب علما، حتى ولا أن يذكر الله تعالى، أو يسمع ذكر الله تعالى، فهذا جاهل لا يعذر بالجهل.
قال تعالى: ]فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين[ [الزمر: 22].
وقال تعالى: ]فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون[ [الأنعام: 43].
وقال تعالى: ]إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون[ [المطففين: 13 و14].
قلت: وموالاة الكافرين، ومظاهرتهم، على المسلمين، وتعاونهم معهم، للسيطرة على بلدان المسلمين؛ بأي: نوع من أنواع السيطرة، من نواقض الإسلام، ونصرة الكفار على المسلمين، وقد أجمع العلماء على ذلك.
* والموالاة: مشتقة؛ من الولاء، وهو الدنو، والقرب، والولاية: ضد العداوة.
* فالموالاة: هي الموافقة، والمناصرة، والمعاونة، والرضا؛ بأفعال: الكفار، في المسلمين، وتضررهم في بلدانهم.
* وقسم العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ /؛ الموالاة إلى قسمين:
1) موالاة مطلقة: وهي كفر صريح، وهي بهذه الصفة: مرادفة؛ لمعنى: التولي.
* وعلى ذلك: تحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد، عن موالاة الكفار، وأن من والاهم: كفر.
2) موالاة خاصة: موالاة الكفار، لغرض، دنيوي: مع سلامة الاعتقاد. ([224])
قال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون[ [الممتحنة: 9].
يعني: تنصروهم، فجعل الله تعالى التولي: هنا؛ بمعنى: النصرة ، والمولى: هو الناصر، والمعين. ([225])
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «نواقض الإسلام» (ص52): (الثامن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم: على المسلمين، والدليل: قوله تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [المائدة: 51]). اهـ
قلت: ومظاهرة المشركين، والكافرين، ومعاونتهم على المسلمين، فتنة عظيمة، قد عمت؛ فأعمت، ورزية: رمت؛ فأصمت، وفتنة: دعت القلوب، فأجابها كل قلب مفتون يحب الكفار، ولا سيما في هذا الزمن، الذي كثر فيه الجهل، وقل فيه العلم، وتوفرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم على السياسيين، وهذا كله بسبب الإعراض عن تعلم العلوم الشرعية النافعة، والإقبال على الخوض في الدعوات السياسية([226])، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «الدرر السنية» (ج3 ص157): (أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة: البغض، وينشأ عنهما: أعمال القلوب، والجوارح، ما يدخل في حقيقة: الموالاة، والمعاداة، كالنصر، والأنس، والمعاونة، والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري / في «الدرر السنية» (ج7 ص309): (الموالاة: هي الموافقة، والمناصرة، والمعاونة، والرضا؛ بأفعال: من يواليهم، وهذه هي: الموالاة العامة). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن عتيق /: (فأما معاداة الكفار والمشركين، فاعلم أن الله تعالى، قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم، وشدد فيها حتى إنه ليس في كتابه تعالى: حكم: فيه من الأدلة أكثر، ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التوحيد، وتحريم الشرك) ([227]). اهـ
قلت: وهذا يدل على أهمية موالاة المسلمين، ومعاداة الكافرين.
* وبيان أنه لا يستقيم الإسلام؛ إلا بالولاء والبراء. ([228])
قال تعالى: ]والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[ [الأنفال: 73].
قلت: والفتنة في الأرض: الشرك.
* والفساد الكبير: اختلاط المسلم؛ بالكافر.
* والصالح؛ بالطالح.
* والمطيع؛ بالعاصي.
* والعامي؛ بالمبتدع.
* والطيب؛ بالمجرم.
* والمهدي؛ بالضال.
قلت: فعند ذلك يختلط: نظام الإسلام، وتضمحل حقيقة: التوحيد، ويحصل من الشر ما الله تعالى به عليم، وهذا ظاهر في هذا الزمان، والله المستعان. ([229])
قال تعالى: ]فلا تكونن ظهيرا للكافرين[ [القصص: 17].
وقال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون[ [الممتحنة: 9].
وقال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله[ [المجادلة: 22].
وقال تعالى: ]ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم[ [النحل: 106 و107].
وقال تعالى: ]وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم[ [النساء: 140].
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج1 ص274): (أجمع علماء الإسلام: على أن من ظاهر الكفار على المسلمين، وساعدهم عليهم؛ بأي: نوع من المساعدة، فهو: كافر مثلهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (الأمر الثالث: أي: من النواقض التي تنقض التوحيد، موالاة المشرك، والركون إليه، ونصرته، وإعانته باليد، أو اللسان، أو المال.
* كما قال تعالى: ]فلا تكونن ظهيرا للكافرين[ [القصص: 86].
وقال تعالى: ]قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين[ [القصص: 17].
وقال تعالى: ]إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون[ [الممتحنة: 6]) ([230]). اهـ
قلت: فالأمور التي تنقض التوحيد: موالاة الكفار، والمشركين في هذه الحياة.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (أجمع العلماء؛ سلفا، وخلفا: من الصحابة، والتابعين، والأئمة، وجميع أهل السنة، أن المرء لا يكون مسلما؛ إلا بالتجرد من: «الشرك الأكبر»، والبراءة منه، وممن فعله، وبغضهم، ومعاداتهم) ([231]). اهـ
قلت: فقد أجمع أهل السنة والجماعة، على وجوب: البراءة من المشركين، وأنه لا يستقيم الإسلام؛ إلا بذلك، اللهم سلم سلم.
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ /: (الأمر الثاني: انشراح الصدر لمن أشرك بالله، وموادة أعداء الله تعالى.
* كما قال تعالى: ]ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين[ [النحل: 106 و107].
* فمن فعل ذلك، فقد أبطل توحيده، ولو لم يقع في الشرك بنفسه.
قال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله[ [المجادلة: 22]) ([232]). اهـ
* فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، في صور الولاء: المكفر، وغير المكفر، فتوى: (ج2 ص71): (الحمد لله والصلاة والسلام: على رسول الله، وآله، وصحبه، وبعد:
موالاة الكفار: التي يكفر بها من والاهم، هي: محبتهم، ونصرتهم على المسلمين.
* لا مجرد التعامل معهم بالعدل، ولا مخالطتهم لدعوتهم بالإسلام، ولا غشيان مجالسهم، والسفر إليهم: للبلاغ، ونشر الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن عتيق /: (قد دل القرآن، والسنة على أن المسلم، إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك، والانقياد لهم: ارتد بذلك.
قال تعالى: ]ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ [المائدة: 51].
* وأمعن النظر: في قوله تعالى: ]فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم[ [النساء: 140]، وأدلة هذا كثير) ([233]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن عتيق /، في بيان صورة من صور الولاء «المكفر»: (الأمر الرابع: يعني؛ من النواقض: الجلوس عند المشركين، في مجالس شركهم، من غير إنكار.
والدليل: قوله تعالى: ]وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا[ [النساء: 140]) ([234]). اهـ
قلت: ومن الصور المكفرة في مسألة: الموالاة، التشبه المطلق؛ بأهل الكفر، خاصة إذا كانت المشابهة، فيما هو من خصائص دينهم.
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا[ [النساء: 138 و139].
وقال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون[ [التوبة: 23].
وقال تعالى :]إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم[ [محمد: 25].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص17): (قوله تعالى: ]لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ [المائدة: 51]؛ فإنه أخبر في تلك الآيات: أن متوليهم، لا يكون مؤمنا، وأخبر هنا: أن متوليهم: هو منهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص193): (وتبين: أن موالاة الكفار، كانت سبب ارتدادهم، على أدبارهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج28 ص201)؛ عن موالاة الكفار: (ومن تولى: أمواتهم، أو أحياءهم: بالمحبة، والتعظيم، والموافقة، فهو: منهم). اهـ
قلت: موالاة الكفار، سبب من أسباب الردة، خاصة في نصرتهم، ومظاهرتهم، ومعاونتهم، على المسلمين، والتحزب لهم: ضد المسلمين.
قال تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
قلت: وهذه الآية فيها أمر الله تعالى، لكفار قريش: الذين أنكروا رسالة النبي r، أن يسألوا أهل الذكر، وهم: بقايا من أهل العلم الموجودين، قبل بعثة النبي r، وبعد بعثته r. ([235])
* وأن أهل الذكر كان لهم وجود في زمن الجاهلية، وحتى مبعث النبي r.
وهم أهل العلم، من النصارى، واليهود، وطوائف أخرى، ممن كان على دين إبراهيم عليه السلام، وهم: بقايا من أهل العلم.
* فالله تعالى أمر كفار قريش أن يرجعوا: إلى بقايا من أهل العلم، فسيجدون الجواب: عن إرسال الرسل عليهم السلام في الأمم السابقة، وعن رسالة النبي r، وأنها رسالة حق من الله تعالى.
* وأن الحجة قائمة على كفار قريش في زمن أهل الجاهلية، وفي زمن أهل الإسلام.
* فهم: غير معذورين في كفرهم، وشركهم، لا قبل الإسلام، ولا بعد الإسلام، لأنهم: معاندون، ومكذبون للرسل عليهم السلام، فافهم لهذا ترشد. ([236])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص324): (قوله تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
يقول تعالى: رادا على من أنكر بعثة الرسل من البشر: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم[؛ أي: جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر، لم يكن فيهم أحد من الملائكة، كما قال في الآية الأخرى: ]وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى[ [يوسف: 109]، وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل[ [الأحقاف:9] ، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم: أنهم أنكروا ذلك فقالوا: ]أبشر يهدوننا[ [التغابن:6]؛ ولهذا قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[؛ أي: اسألوا أهل العلم من الأمم: كاليهود، والنصارى، وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشرا أو ملائكة؟، إنما كانوا بشرا، وذلك من تمام نعم الله على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم، والأخذ عنهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج5 ص212): (قوله تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]؛ هذا جواب لشبه المكذبين للرسول r القائلين: هلا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرف في الأسواق، وهلا كان خالدا؟.
* فإذا لم يكن كذلك، دل على أنه ليس برسول.
* وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل عليهم السلام، تشابهوا في الكفر، فتشابهت أقوالهم.
فأجاب تعالى: عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول، المقرين بإثبات الرسل عليهم السلام قبله.
* ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام، الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف.
* والمشركون، يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل عليهم السلام قبل محمد r، كلهم من البشر، الذين يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشرية، من الموت وغيره.
* وأن الله تعالى أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدقهم من صدقهم، وكذبهم من كذبهم.
* وأن الله تعالى صدقهم ما وعدهم به من النجاة، والسعادة لهم، ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذبين لهم.
* فما بال محمد r، تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته، وهي موجودة في إخوانه المرسلين، الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟.
* فهذا إلزام لهم في غاية الوضوح.
* وأنهم إن أقروا برسول من البشر، ولن يقروا برسول من غير البشر، إن شبههم باطلة، قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها، وتناقضهم بها.
فلو قدر انتقالهم من هذا إلى إنكار نبوة البشر رأسا، وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا مخلدا، لا يأكل الطعام، فقد أجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: ]وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون[.
* وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة: ]قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا[.
* فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين: ]فاسألوا أهل الذكر[؛ من الكتب السالفة: كأهل التوراة، والإنجيل؛ يخبرونكم بما عندهم من العلم، وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم.
وهذه الآية: وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر، وهم: أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها). اهـ
وقال تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66].
فهذه الآية: تبين كفر المشركين بالتوحيد، فيما أرسل إليهم من دعوة الرسل عليهم السلام، إلى توحيد الله تعالى، وأن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وأن يتبرؤوا من عبادة الأوثان، والأصنام، وهذا حق الله تعالى على العباد.
* لكن عميت أنفسهم من حجج الله تعالى في التوحيد، في الدنيا والآخرة.
* فلم يدروا ما يحتجون به، كي يتخلصوا بما هم فيه من الخزي، لأن الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وأقام عليهم الحجج الواضحة، فلا عذر لهم في: «الشرك»، و«الكفر»، فماذا أجبتم المرسلين.
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج18 ص297): (قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين. فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66]؛ ويوم ينادي الله: هؤلاء المشركين، فيقول لهم: ]ماذا أجبتم المرسلين[؛ فيما أرسلناهم به إليكم، من دعائكم إلى توحيدنا، والبراءة من الأوثان، والأصنام،: ]فعميت عليهم الأنباء يومئذ[؛ يقول: فخفيت عليهم الأخبار، من قولهم: قد عمي عني خبر القوم: إذا خفي، وإنما عني بذلك: أنهم عميت عليهم الحجة، فلم يدروا ما يحتجون، لأن الله تعالى: قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وتابع عليهم الحجة، فلم تكن لهم حجة يحتجون بها، ولا خبر يخبرون به، مما تكون لهم به نجاة ومخلص). اهـ
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]ويوم[ [القصص: 65]؛ قال: (يوم القيامة). ([237])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم[ [القصص: 65]؛ يقول: ويوم يسألهم، يعني: كفار مكة، يسألهم الله تعالى: ]فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ في التوحيد). اهـ
وعن ابن جريج / قال: في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ قال: (بلا إله إلا الله؛ التوحيد). ([238])
وقال الإمام يحيى بن سلام / في «تفسير القرآن» (ج2 ص605): (في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم[ [القصص: 65]؛ يعني: المشركين: ]فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ يستفهمهم، يحتج عليهم، وهو أعلم بذلك، ولا يسأل العباد عن أعمالهم؛ إلا الله وحده). اهـ
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء[ [القصص: 66]، قال: (الحجج). ([239])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء[ [القصص: 66]؛ يعني: الحجج يومئذ).
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]فهم لا يتساءلون[ [القصص: 66]؛ يعني: لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأن الله تعالى: أدحض حجتهم، وأكل ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 66]). اهـ
وقال المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج6 ص604): (أنهم: لا يتساءلون عن الأنباء، لتيقن جميعهم: أنه لا حجة لهم). اهـ
وقال المفسر القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج13 ص304): (قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66]؛ «فعميت عليهم الأنباء يومئذ»؛ أي: خفيت عليهم الحجج؛ لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا، فلا يكون لهم عذر، ولا حجة يوم القيامة: و «الأنباء»؛ الأخبار، سمى: حججهم أنباء؛ لأنها أخبار يخبرونها: «فهم لا يتساءلون»؛ أي: لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأن الله تعالى أدحض حججهم: «لا يتساءلون»؛ أي: لا ينطقون بحجة). اهـ
قلت: فلا يكون لهم عذر، ولا حجة، فهم لا يتساءلون، ولا يجيبون، ولا يحتجون. ([240])
وقال الإمام القرافي / في «تنقيح الفصول» (ج2 ص472): (لم يعذر الله: بالجهل، في أصول الدين، إجماعا). اهـ
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
* فهذه الآية: فيها دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق، والجاحد، والمعاند سواء، ولا نفع له بظنه الذي ظنه أنه على الهدى!.
قال الحافظ البغوي / في «معالم التنزيل» (ج2 ص188): (قوله تعالى: ]فريقا هدى[؛ أي: هداهم الله تعالى: ]وفريقا حق[؛ وجب عليهم الضلالة، أي: الإرادة السابقة: ]إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[؛ فيه: دليل على أن الكافر، الذي يظن أنه في دينه، على الحق، والجاحد، والمعاند سواء، ولا نفع له بظنه). اهـ
وعن عباد بن منصور قال: سألت الحسن البصري، عن قوله تعالى: ]فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم[ [آل عمران: 66]؛ قال: (لا يعذر من حاج بالجهل).([241])
وقال تعالى: ]ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله[ [البقرة: 165].
وقال تعالى: ]ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون[ [الأحقاف: 5].
وقال تعالى: ]له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال[ [الرعد: 14].
وقال تعالى: ]والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير[ [فاطر: 13 و14].
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن / في «الدرر السنية» (ج2 ص268): (ومعلوم أن مشركي العرب، لا يقولون: إن آلهتهم: تخلق وترزق، وتدبر أمر من دعاها.
* وشركهم: إنما هو في: «التأله»، و«العبادة»، ثم ذكر الآيات السابقة، ثم قال: والآيات في بيان الشرك في العبادة، وأنه دين المشركين، وما تضمنه القرآن من الرد عليهم، وبيان ضلالهم، وضياع أعمالهم: أكثر من أن تحصر.
* ويكفي اللبيب الموفق لدينه بعض ما ذكرناه من الآيات المحكمات.
* وأما من لم يعرف حقيقة الشرك، لإعراضه، عن فهم الأدلة الواضحة، والبراهين القاطعة، فكيف يعرف التوحيد، ومن كان كذلك، لم يكن من الإسلام في شيء، وإن صام وصلى، وزعم: أنه مسلم). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / في «مصباح الظلام» (ج3 ص543): (وأما من ترك: التوحيد، الذي دلت عليه: شهادة: «أن لا إلـٰه إلا الله»، فقد اتفق العلماء على: كفره). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / في «منهاج التأسيس» (ص101): (ما يقع منهم: في «المسائل الظاهرة» الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفر قائله). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن / في «منهاج التأسيس» (ص102): (من نشأ من هذه الأمة، وهو يسمع للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأحكام الفقهية، من إيجاب التوحيد، والأمر به.
* وتحريم: الشرك، والنهي عنه، فإن كان ممن يقرأ القرآن؛ فالأمر أعظم وأطم، لا سيما: إن عاند في إباحة الشرك، ودعا إلى عبادة الصالحين والأولياء، زعم أنها مستحبة، وأن القرآن دل عليها، فهذا كفره: أوضح من الشمس في الظهيرة، ولا يتوقف في تكفيره، من عرف الإسلام، وأحكامه، وقواعده، وتحريره). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الأوهام والالتباس» (ص116): (فحجة الله تعالى: هي القرآن، فمن بلغه القرآن، فلا عذر، وليس كل جهل يكون عذرا لصاحبه، فهؤلاء: جهال المقلدين، لأهل الكفر، كفار بإجماع الأمة). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الأوهام والالتباس» (ص117): (ما يقع منهم: في «المسائل الظاهرة» الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة، فهذا لا يتوقف في كفر قائله) ([242]). اهـ
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (ج13 ص85)؛ برئاسة: الشيخ عبد العزيز بن باز /: (لا يعذر بالجهل: من عنده القدرة على تعلم: ماهو واجب عليه، من ضروريات الدين، ولم يتعلم). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على شذوذ زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، في حديث الشفاعة، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح لتفسيرها، وبيان شذوذ زيادة أيضا: «فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين»، هكذا على الشك، وهناك روايات: «فيقبض قبضة من النار»، وهذا يدل على اضطرابها، فلا تصح، وفي هذا قمع: «للجربوع»، الذي يجهل أصول العلل في الحديث، وجهله بأصول الاعتقاد، وبأصول اللغة في مثل معاني هذه الزيادة في الدين
عن أبي سعيد الخدري t؛ أن ناسا في زمن رسول الله r قالوا:
يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله r: نعم. قال r: (هل تضارون([243]) في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا. يا رسول الله! قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما([244])، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد؛ فلا يبقى أحد، كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب([245])؛ فيدعى اليهود فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير بن الله، فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد؛ فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا. يا ربنا! فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب([246]) يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى. فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح بن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا. يا ربنا! فاسقنا، قال فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا([247]) فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا! فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم([248]) ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا (مرتين أو ثلاثا) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب([249]). فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق([250]). فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة([251])، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة. فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة([252]). ويقولون: اللهم! سلم سلم. قيل: يا رسول الله! وما الجسر؟ قال: دحض مزلة([253]). فيه خطاطيف وكلاليب وحسك([254]). تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب([255])، فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم([256]). حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله، في استقصاء الحق([257])، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا! كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا! ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها خيرا([258])).
* وكان أبو سعيد الخدري t يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث؛ فاقرأوا إن شئتم: ]إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما[ [النساء:40]؛ فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما([259])، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة([260])، يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل([261])، ألا ترونها تكون إلى الحجر، أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض([262])؟فقالوا: يا رسول الله! كأنك كنت ترعى بالبادية. قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم([263]). يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله([264]) الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم. فيقولون: ربنا! أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا! أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي. فلا أسخط عليكم بعده أبدا).
* وهذا الحديث: أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)؛ بهذا اللفظ من طريق سويد بن سعيد قال: حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه سويد بن سعيد الحدثاني، وهو متكلم فيه؛ قال ابن المديني: «ليس بشيء»، وقال أحمد: «متروك»، وقال البخاري: «عمي وكان يقبل التلقين»([265])، وقال يعقوب بن شيبة: «صدوق – يعني: في نفسه – مضطرب الحفظ»، وقال عنه النسائي: «ليس بثقة»، وقال عنه ابن حبان: «يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار»، وقال الذهبي: «له مناكير»، وقال ابن حجر: «صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه»، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج2 ص32)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص182).([266])([267])
قلت: فهو سيئ الحفظ ويغلط في الحديث، فلا يحتج به.([268])
* وحفص بن ميسرة العقيلي: وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم ويخالف في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال عنه أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال عنه الساجي: «في حديثه ضعف - يعني: يخطئ»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم».([269])
قلت: وسويد بن سعيد أشد منه في المخالفة؛ فافطن لهذا.
* ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» مطولا (ج1 ص249)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (ص3) من طرق عن سويد بن سعيد به.
قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون، ورواه مسلم أيضا عن سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار.
قلت: وهو يحتمل القبول لولا أن الثقات الحفاظ خالفوا سويدا فرووه، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
* فخالف بروايته هذه الثقات من يأتي ذكرهم من الثقات، فلا يحتج بخبره هذا، والاعتماد في ذلك على الأحاديث الصحيحة المفسرة، كما سوف يأتي ذكرها.
* وسويد بن سعيد: ضعيف في حفظه فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«هشام بن سعد المدني» لا سيما إذا خالف الثقات.
قلت: إذا فهذا خطأ منه، وقد خالف من هو أوثق منه مخالفة تستلزم الحكم عليه بالخطإ في هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص352) عن سويد بن سعيد: (يخطئ في الآثار، ويقلب الأخبار).([270]) اهـ.
وأخرجه مسلم في «صحيحه»، مختصرا: (ج1 ص171)، وأبو عوانة في «المستخرج»؛ مطولا (ج1 ص166 و181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص285)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص481)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص797)، وفي «الرد على الجهمية» (ص35)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، والدارقطني في «الرؤية» (ص95)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص237)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص10 و11)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص582)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص296)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن جعفر بن عون قال ثنا هشام بن سعد قال ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به؛ بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وفي رواية: (لم يعملوا له عمل خير قط).
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه هشام بن سعد المدني، وهو متكلم فيه، قال عنه أحمد: «لم يكن بالحافظ»، وقال مرة: «ليس هو محكم الحديث»، وقال عنه يحيى بن معين: «ضعيف حديثه مختلط»، وقال مرة: «ليس بذاك القوي»، وقال مرة: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم: «يكتب حديثه ولا يحتج به»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال في موضع آخر: «ليس بالقوي»، وكان يحيى القطان: «لا يحدث عنه»، وقال الحاكم: «روى له مسلم في الشواهد»، وقال ابن حجر: «صدوق – يعني: في نفسه – له أوهام»([271])، وذكره ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (ج3 ص174)، والذهبي في «ديوان الضعفاء» (ص419).
قلت: فهو له أوهام ويغلط في الحديث، فلا يحتج به إذا تفرد، أو وافق مثله؛ كـ«سويد بن سعيد الحدثاني» ولا سيما إذا خالف الثقات، خاصة بذكره زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فإنه خالف فيها الثقات الأثبات.
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج3 ص89): عن هشام بن سعد (فلما كثر مخالفة الأثبات فيما يروي عن الثقات بطل الاحتجاج به، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير). اهـ.
ومن هذا الوجه: أخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص248) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا جعفر بن عون ثنا هشام بن سعد به.
قال أبو نعيم: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن عون.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان»؛ مطولا: (ج2 ص802) من طرق عن سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، بذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
قلت: وهذا سـنـده كسابقه فيه سويد بن سـعـيـد الحدثاني وهـو سـيـئ الحفظ ويخلط؛ كما سبق ذكر ذلك، وحفص بن ميسرة الصنعاني يهم في الحديث.
* وفي هذه الرواية متابعة حفص بن ميسرة، لهشام بن سعد عن زيد بن أسلم.
إذا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهم من الراوي، وهي غير محفوظة.
قال الإمام الشافعي /: (ومن كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم يقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة، لم تقبل شهادته). وفي رواية: (ومن كثر تخليطه من المحدثين). ([272])
أثر صحيح
أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص404)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص125)، والبيهقي في «مناقب الشافعي» (ج2 ص26)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص75)، والخطيب في «الكفاية» (ج1 ص429) من طرق عن الربيع بن سليمان عن الشافعي به، وهو في كتابه: «الرسالة» (ص350).
قلت: وهذا سنده صحيح.
* وقد أطلق الإمام أحمد /، لفظ: «منكر الحديث»، على جماعة من الثقات الأثبات المحتج بهم في الصحيحين؛ لمجرد تفردهم عن الثقات، وغلطهم في ألفاظ الأحاديث.
كقول الإمام أحمد /، عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة: «منكر الحديث»، مع أنه قال فيه: «ثقة، ثقة».([273])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص453): (هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة: مالك والأئمة كلهم). اهـ.
قلت: ومن المعلوم أن الثقات يتفاوتون في الضبط، ففيهم من هو في أعلى درجات الثقة والضبط، وفيهم من هو في أوسطها، وفيهم من هو في أدناها.
* ومن المعلوم أيضا أنه إذا اختلف ثقات أحدهم أوثق من الآخر يرجح إلى حديث الأوثق والأضبط، وهذا هو الأولى. ([274])([275])
قال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الاقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض).اهـ.
* وهذا الحديث كما سبق ذكره يرويه زيد بن أسلم، واختلف عليه:
1) فرواه هشام بن سعد المدني، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ لا يحتج به، وقد خالف الثقات في ذكره لهذه الزيادة».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره.
2) ورواه حفص بن ميسرة العقيلي، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنه يهم في الحديث، قال عنه أبو حاتم: «محله الصدق، وفي حديثه بعض الأوهام»، وقال أبو داود: «يضعف في السماع»، وقال الساجي: «في حديثه ضعف – يعني: يخطئ -»، وقال ابن حجر: «ثقة ربما وهم»([276])([277]).
* وقد خالف الثقات في موافقته لهشام في هذه الزيادة، بالإضافة إلى أن الراوي عنه سويد بن سعيد، وخلاصة القول فيه: «سيء الحفظ ويخطئ فلا يحتج به».
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) وغيره، كما سبق.
* وخالفهما جماعة من الثقات، فلم يذكروا هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط) وهم:
1) سعيد بن أبي هلال المصري، وهو ثقة اختلط([278]). روى له البخاري ومسلم، وقد وافق الثقات هنا في عدم ذكر الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، إلا أنه أخطأ: خطأ آخر في ذكر زيادة أخرى بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)؛ فجعل هذه اللفظة من قول أهل الجنة([279])، وهو خطأ منه كذلك.([280])
أخرجه البخاري في «صحيحه»؛ مطولا: (ج13 ص421)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169)، وابن حبان في «صحيحه» (7377)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، والليث بن سعد في «مجلس من فوائده» (ص46)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260) واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسـمـاء والصفات» (ص344)، وفيه: (فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل).
قلت: فوافق الثقات في عدم ذكر الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، مما يتبين بأنها غير محفوظة.
* إذا فهشام بن سـعـد، وسـويد بن سـعـيـد، يذكران الزيادة بلفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، ومرة بلفظ: (لم يعملوا له عمل خير قط)، ومرة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، وسعيد بن أبي هلال: يذكر الزيادة من قول أهلالجنة بلفظ: (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
قلت: وهذا يعتبر اضطرابا في المتن أيضا؛ يدل بأن الرواة غير ضابطين لهذه الزيادات، وهذا يوجب ضعف هذه الزيادات، وهو الصواب.
وكذلك في ذكر زيادة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه)، فتارة تذكر من قول النبي r، كما عند البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص291)، وفي «الاعتقاد» (ص256) من طريق هشام بن سعد أنا زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري t مرفوعا: (هؤلاء الجهنميون هؤلاء الذين أخرجهم الله من النار بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
* فذكرها من قول النبي r مباشرة، وكذا أخرجها مسلم في «صحيحه» (ج1 ص169) من طريق سويد بن سعيد.
* وتارة تذكر من قول أهل الجنة مباشرة بلفظ: (فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)؛ كما عند البخاري في «صحيحه» (ج13 ص422)، وغيره من طريق سعيد بن أبي هلال، وتارة لا تذكر، فهذه علة أخرى، وهي الاضطراب بسبب عدم ضبط الرواة للحديث.
قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث أيضا في وجوه الترجيح باعتبار ألفاظ الحديث المتعلقة به من حيث عدم الشذوذ والاضطراب فيرجح لفظ الحديث السالم من الشذوذ والاضطراب([281])، على ما كان شاذا أو مضطربا([282])، ويرجح ما كان قولا صريحا.
قلت: فيرجح ما اتفق الرواة على لفظه؛ أي: لم يخالف بعضهم بعضا، ولم يختلفوا في حروفه، بل نقلوه مرفوعا على صفة واحدة، أو تقارب ألفاظه، على الآخر الذي اختلف الرواة في لفظه، وذلك بأن يخالف بعضهم بعضا في ألفاظه.
قال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص424): (ويرجح ما روي بلفظ واحد لم يختلف على ما روي بعبارات مختلفة). اهـ.
قلت: فإنه يرجح الحديث الذي لم يضطرب متنه على الحديث الذي وقع في متنه اضطراب.([283])
* إذا لا يصح في الباب حديث بهذه الألفاظ الشاذة.
قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسـنـاده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا؛ فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره، كما سوف يأتي بيان ذلك.
قال الإمام مسلم بن الحجاج / في «التمييز» (ص170): (ليس من ناقل خبر، وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا - وإن كان من أحفظ الناس، وأشدهم توقيا وإتقانا لما يحفظ وينقل- إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصف لك ممن طريقه الغفلة والسهو في ذلك([284])). اهـ.
2) عبد الرحمن بن إسحاق المدني، وهو صدوق.([285])
أخرجه أحمد في «المسند»؛ مطولا: (ج3 ص94)، وابن أبي عاصم في «السنة» (458) و(634)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص307)، وفيه: (ثم يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه...)، ولم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ مما يتبين بأنها غير محفوظة، وهو الصواب.
وإسناده حسن.
3) معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة ثبت.([286])
أخرجه ابن ماجه في «سـنـنـه» (ج1 ص23)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص480) من طريق محمد بن يحيى النيسابوري، وهو ثقة حافظ جليل.([287])
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112) من طريق محمد بن رافع القشيري، وهو ثقة عابد.([288])
وأخرجه الترمذي في «ســنـنـه» (ج5 ص314) من طريق سـلـمـة بن شبيب المسمعي، وهو ثقة.([289])
وأخرجه الخلال في «السنة» (ج1 ص46)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص367) من طريق أبي عبد الله أحمد.
كلهم عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به، دون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
وإسناده صحيح، وهو المحفوظ؛ لموافقته الثقات.
وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص409 و410)، ومن طريقه أحمد في «المسند» (ج3 ص94)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص294)، والجورقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص25)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص181 و182)، وفي «التفسير» (ج1 ص428)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص36)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق معمر به؛ وفيه: (قال: فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).
قلت: وذكر الحديث بهذا الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ وبزيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ فيه وهم من عبد الرزاق بن همام الصنعاني، لأنه وإن كان ثقة؛ إلا أنه تغير حفظه، وخالف في هذا الحديث جمعا من الثقات الأثبات، فخالفه هذا الجمع ورووا الحديث، بدون زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ وبدون شك.
* ولذلك أنكرت عليه أحاديث نبوية بسبب ذلك.
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج8 ص412): (وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه). اهـ.
قلت: فما حدث من كتابه فهو أصح.([290])
وقال الحافظ الذهبي / في «المغني في الضعفاء» (ج2 ص393): (لعبد الرزاق أحاديث ينفرد بها، قد أنكرت عليه). اهـ.
قلت: فبذلك تترجح لنا رواية الجماعة، وتظهر جليا، أن رواية عبد الرزاق: رواية شاذة ضعيفة.
انظر: «التقريب» لابن حجر (ص607)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص154)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج18 ص52)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).
* ويؤيد ذلك: بأن الحديث لم يذكر في الشك: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)؛ كما في رواية البخاري، ومسلم، وغيرهما: (فيقبض قبضة)؛ بدون الشك.
* وكذلك الرواية التي مرت علينا من جمع من الثقات من طريق عبد الرزاق لم يذكر فيها لفظ: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين)، ولا لفظ: (لم يعملوا لله خيرا قط).
قلت: فرواية الحديث بالشك شاذة كذلك.
* ويؤيده: بأن الحديث: رواه محمد بن ثور الصنعاني - وهو ثقة - عن زيد بن أسلم به نحوه، دون ذكر: (فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين ناسا لم يعملوا لله خيرا قط).
أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183) من طريق يوسف القاضي قال ثنا محمد بن عبيد قال ثنا محمد بن ثور به.
* ويوسف القاضي توبع.
وأخرجه الآجري في «الشريعة» (ج3 ص1237) من طريق عثمان بن مطر قال حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (ما مجادلة أحدكم يكون له الحق على صاحـبـه أشـد من المؤمنين لربهم عز وجل في إخوانهم الذين دخلوا النار، يقولون: ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون، أدخلوا النار، قال الله عز وجل: اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم، فيخرجونهم، ثم يقول الله عز وجل: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان حتى يقول: نصف مثقال، حتى يقول خردلة، حتى يقول: ذرة، ثم يقول: شفعت الأخيار من المؤمنين، وبقي أرحم الراحمين، ثم يقبض قبضة، أو قبضتين من النار فيدخلون الجنة).
قلت: وإسناده ضعيف، فيه عثمان بن مطر الشيباني، وهو ضعيف؛ كما في التقريب لابن حجر (ج1 ص14)؛ وزيادة: (أو قبضتين من النار)، منكرة: كما سبق.
وقال إسحاق بن إبراهيم الختلي في «الديباج» (ص105) حدثنا أحمد بن أبي الحارث، حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد، عن معمر بن راشد، وعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (يقول الله تعالى يوم القيامة: قد شفع الملائكة، والنبيون، والمؤمنون، وبقي أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين، فيخرج منها خلقا كثيرا؛ لم يعملوا خيرا).
قلت: وإسناده منكر، فيه إسحاق بن إبراهيم الختلي؛ قال عنه الحاكم: «ليس بالقوي»، وقال مرة: «ضعيف»، وقال الدارقطني: «ليس بالقوي»، وذكر ابن حجر له مناكير ([291]).
وقال الذهبي: وفي كتابه «الديباج» أشياء منكرة([292])، وشيخه أحمد بن أبي الحارث لا يعرف، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد يخطئ في حديثه. ([293])
قلت: وتعريف الحديث الصحيح عند أهل الحديث: ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذا، ولا معلا([294])، وهذا الحديث لم يسلم من الشذوذ، والعلة الخفية، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم بشذوذ زيادة: (لم يعملوا لله خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذكرها.
قلت: ويرد الناقد بلا شك الحديث إذا وجد من خلال خبرته، أنه لا يمكن أن يكون من كلام النبوة، ولو صدر هذا الحديث من ثقة، لاحتمال وهمه، أو تخليطه، أو تلقينه، أو خطئه.
قال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص106): (المستحيل لو صدر عن الثقات رد، ونسب إليهم الخطأ، ألا ترى أنه لو اجتمع خلق من الثقات فأخبروا أن الجمل قد دخل في سـم الخـيـاط، لما نفعتنا ثقتهم، ولا أثرت في خبرهم؛ لأنهم أخبروا بمستحيل، فكل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الأصول([295])، فاعلم أنه موضوع، فلا تتكلف اعتباره). اهـ.
وقال الحافظ ابن الجوزي / في «الموضوعات» (ج1 ص103): (واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وقلبه في الغالب). اهـ.
قلت: فمثل هشام وسـويـد، وعبد الرزاق، لا يحتملون تفردهم بهذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن الرواة الثقات أخذوا هذا الحديث عن الرواة الثقات، فلا يعقل حفظ هؤلاء وحدهم لهذه الزيادة دون غيرهم.
* والوهم معناه: ما أخطأ وغلط فيه الراوي وجه الصواب في لفظ حديث، وغيره.([296])
والوهم أطلقه النقاد: على خلل أصاب الراوي في السند، أو المتن، فهو خلل في ضبط الراوي للحديث.
* والمقرر في أصول الحديث: إذا خالف الراوي الجماعة كان حديثه ضربا من الوهم، وسمـي عـنـد المحدثين بالشاذ إن كان من ثقة، وبالمنكر إن كان من ضعيف.([297])
وهؤلاء الثقات أيضا: تابعهم مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال: حدثني أبي عن أبي ســعـيـد الخدري به، دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط)، وبلفظ (ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فأخرجوه، فيخرجون منها حمما، قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، أو الحيا؛ فينبتون فيه كما تنبت الحبة في جانب السيل).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185) من طريق عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص16)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423) من طريق ابن أبي أويس ثنا مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري به، بدون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).([298])
قلت: وفيه متابعة ابن أبي أويس، لابن وهب عن مالك بن أنس.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص408) من طريق معن بن عيسى قال: حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج1 ص155): (في هذا الحديث: بيان أن أهل المعاصي من المسلمين، لا يخلدون في النار). اهـ.
* وتابع مالكا: اثنان من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
1) وهيب بن خالد الباهلي([299]) – وهو ثقة ثبت - ثنا عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج11 ص416)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص806)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص56) من طرق عن وهيب بن خالد به.
2) خالد بن عبد الله الطحان([300]) – وهو ثقة ثبت – عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص43)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1233)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص34) من طرق عن خالد بن عبد الله به.
* وتابع عمرو بن يحيى، سليمان التيمي عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري به، بنحوه؛ دون ذكر: (لم يعملوا خيرا قط).
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص807 و808)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص476)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طرق عن سليمان التيمي به.
وإسناده صحيح.
وقال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35): وإسناده حسن صحيح.
* وتابع سليمان التيمي: جماعة من الرواة الثقات، على عدم ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
1) عثمان بن غياث الزهراني([301]) – وهو ثقة – ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809 و810) من طرق عن عثمان بن غياث به.
وإسناده صحيح.
2) سعيد بن يزيد الأزدي([302]) – وهو ثقة – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص78)، وابن ماجه في «سـنـنـه» (ج2 ص1441)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص810)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص471)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427) من طرق عن سعيد بن يزيد به.
3) سعيد الجريري – وهو ثقة مختلط، وقد وافق الثقات – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص484)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (861)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص20) من طرق عن الجريري به.
وإسناده صحيح، وروى بعضهم عن الجريري قبل اختلاطه.
4) عوف بن أبي جميلة الأعرابي – وهو ثقة([303]) – عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص813)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص465)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1097) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة به.
وإسناده صحيح.
قلت: وفيه متابعة عوف بن أبي جميلة، لسعيد الجريري عن أبي نضرة.
5) أبو مسلمة: سعيد بن يزيد – وهو ثقة([304]) - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص90)، والدارمي في «المسند» (727)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص140)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص812)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص35)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، والطبري في «جامع البيان» (ج1 ص248) من طريق بشر بن المفضل عن أبي مسلمة به.
* وتابعه سليمان بن عمرو عن أبي سعيد الخدري t به، وفيه: (ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدا في قلبه حبة من إيمان إلا أخرجه منها).
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (ج4 ص585)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص11)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (103)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص81)، وابن جرير في «تفسيره» (ج9 ص113)، والخلال في «السنة» (ج2 ص51)، والخطيب في «الموضح» (ج2 ص116)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص325)، وحسين المروزي في «زوائد الزهد» (ص448) من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب عن سليمان بن عمرو به.
وإسناده فيه مقال([305])، ولا يصح، وقد حسنه الشيخ مقبل الوادعي في «الشفاعة» (ص160).
وانظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص356).
* وهؤلاء الثقات ذكروا الحديث: بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا؛ بذكر الشاهد من الحديث، ولم يذكروا الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
* وهم أكثر: فالقول قولهم بلا شك؛ لاتفاقهم على عدم ذكر الزيادة، وهم جماعة، فالقول قول الجماعة.
قلت: والذين ذكروا هذه الزيادة قد تكلم فيهم: غير واحد من أهل العلم؛ لأوهامهم فلا يحتج بما خالفوا فيه، وقد ذكروها بألفاظ مضطربة عندهم؛ وهم:
1) عبد الرزاق بن همام الصنعاني، له أوهام ويخالف.
2) سويد بن سعيد الحدثاني، يخطئ ويهم ويخالف.
3) هشام بن سعد المدني سيئ الحفظ.
قلت: وقد أعل أئمة الحديث بعض الزيادات بالشذوذ حتى لو رواها ثلاثة، أو أكثر في الصحيحين، أو غيرهما.
* فقد أعلوا زيادة: (فصاعدا)، بالشذوذ، عند مسلم في «صحيحه» (ج2 ص8) في حديث عبادة بن الصامت t (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا)، رغم أن هذه الزيادة رواها ثلاثة من الرواة الثقات: قتيبة، وأحمد بن السرح، ومعمر.
* وممن أعل هذه الزيادة: (فصاعدا): الشيخ ناصر الدين الألباني / فقال: في «صحـيـح سـنـن أبي داود» (ج3 ص406): (وقد أخرجاه - يعني: حديث عبادة بن الصامت - من طرق عن سفيان بن عيينة، دون قوله: (فصاعدا)، وأراه هو المحفوظ، فقد أخرجه سائـر الأئمة في كتبهم عن بضعة عشر حافظا، كلهم عن سفيان: بدون هذه الزيادة...). اهـ.
* وكذلك أعلها الحافظ البخاري / في «جزء القراءة» (ص4).
قلت: فافطن لهذا ترشد والله ولي التوفيق.
* فهؤلاء([306]) لوهمهم ذكروا الزيادة، فخالفوا الجماعة الذين رووا: حديث أبي سعيد الخدري t، بدون ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، والقول قول الجماعة.
قلت: ولقد اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار سند الحديث.
* فوجوه الترجيح باعتبار حال الراوي المتعلقة به من حيث عدالته وضبطه.
فإذا كان راوي أحدهما متفقا على عدالته وضبطه، والآخر مختلفا في عدالته، وضبطه؛ فيرجح الحديث الذي اتفق على عدالة راويه، على الحديث الذي اختلف في عدالة راويه.
* وكذلك اعتبر أهل الحديث وجوه الترجيح باعتبار مجموعة الرواة لضبطهم، أي: باعتبار قوة السند في مجموعه([307])، لأن الجماعة أكثر حفظا وضبطا من الأقل.
فيرجح ما روته الجماعة من الرواة الثقات.
قال العلامة القاسمي / في «قواعد التحديث» (ص323): (الترجيح بكثرة الرواة: فيرجح ما رواته أكثر على من أقل؛ لقوة الظن به، وإليه ذهب الجمهور).اهـ.
وقال الحافظ ابن دقيق العيد / في «الاقتراح» (ص55): (يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كان جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض).اهـ.
وقال الإمـام أحمـد /: (الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا).([308])
وقال الإمام ابن المبارك /: (إذا أردت أن يصح لك الحديث، فاضرب بعضه ببعض).([309])
* أي قارن بين طرقه، وألفاظه بعين فاحصة، ونظرة ناقدة يتبين لك الصحيح منه سندا، ومتنا.
وقال الإمام ابن معين /: (لو لم نكتب الحديث من مئة وجه، ما وقعنا على الصواب).([310])([311])
* ثم للحديث شواهد: في الشفاعة بمثل حديث أبي سعيد الخدري t؛ مع اختلاف يسير في الألفاظ، ليس فيها ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ رواها الثقات عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله y؛ مما يتبين شذوذ هذه الزيادة.
1) أما حديث أبي هريرة t.
فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، و(ج13 ص419)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص407)، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «البعث» (ص176)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، والآجري في «التصديق» (ص65) من طريق معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t قال: (قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال r: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب. قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله r: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم. وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان. قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق([312]) بعمله ومنهم المخردل([313])، ثم ينجو، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود،وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فلا يزال يدعو، فيقول: لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب أدخلني الجنة، ثم يقول: أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك ابن آدم ما أغدرك، فيقول: يا رب لا تجعلني أشـقـى خـلـقـك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى، حتى تنقطع به الأماني، فيقول له: هذا لك ومثله معه).
* قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا.
* قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة: لا يغير عليه شيئا من حديثه، حتى انتهى إلى قوله: (هذا لك ومثله معه). قال أبو سعيد: سمعت رسول الله r يقول: (هذا لك وعشرة أمثاله). قال أبو هريرة حفظت: (مثله معه).
وأخرجه الآجري في «الشريعة» (259) من طريق عبد الرزاق، ومحمد بن ثور؛ كلاهما: عن معمر به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج11 ص444)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص789)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن تيمية في «منتقى العوالي» (ص166 و167)، وابن عبد الهادي في «مسألة التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص167)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص479)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11488)، و(11647)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص139)، وفي «الأسـمـاء والـصـفـات» (ج2 ص66)، والآجري في «التصديق بالنظر إلى الله في الآخرة» (ص64)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275) من طريق الزهري عن سـعـيـد بن المسيب، وعطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص419)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص90)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص293)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص159)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص784)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (ج2 ص238) من طرق عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» مطولا (ج1 ص163)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص246) من طريق زهير بن حرب ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي به.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص786) من طريق الليث بن سعد عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة t به.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787) والحنائي في «الفوائد» (ق/82/ط) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
* ورواه بعضهم مطولا، وبعضهم مختصرا.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص400) من طريق سليمان بن داود ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال أخبرني صالح بن أبي صالح مولى التوأمة قال أخبرني أبو هريرة t قال: قال رسول الله r: (ليتحمدن الله يوم القيامة على أناس (ما عملوا من خير قط) فيخرجهم من النار بعد ما احترقوا فيدخلهم الجنة برحمته بعد شـفـاعـة من يشفع).
حديث منكر
قلت: ورواية صالح بن أبي صالح رواية شاذة بلا شك، لأن صالح بن أبي صالح وإن كان صدوقا، إلا أنه قد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم لاختلاطه، فلا يحتج بما خالف فيه.([314])
* فخالف الثقات الأثبات في هذا الحديث بذكر زيادة: (ما عملوا من خير قط)، وهم: رووا حديث أبي هريرة t، بدون ذكر هذه الزيادة، كما سبق.
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص488): «صدوق اختلط بآخره».
وقال الشيخ مقبل الوادعي / في «الشفاعة» (ص144): (الحديث ضعيف: لأن في سنـده صـالـح بـن أبـي صالح مولى التوأمة، وهو صالح بن نبهان، مختلط). اهـ.
قلت: وأنـت تـرى بـأن هـذه الـزيـادة، لا يـذكـرها؛ إلا الـذي ساء حفظه بسبب الاختلاط وغيره، مما يتبين شذوذها، وإلا لماذا الرواة الثقات الأثبات لم يذكروا هذه الزيادة؟!
قلت: ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسنـاده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها؛ لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ، وغيره.
قلت: والوهم يتعلق بالخلل في ضبط الراوي للحديث، والحفاظ قد عنوا بضبط متون السنة نفسها أشد الاعتناء، فكانوا يعرضون ما يريبهم منها من ألفاظ، أو روايات، وعلى ما علموا من قواعد شرعية مقررة، أو نصوص قاطعة من الكتاب والسنة، فإذا خالفت الألفاظ، أو الروايات ذلك طرحوها جانبا، وحكموا على راويها بالوهم، ولمعرفة نماذج من ذلك يكفي أحدنا مطالعة كتب العلل والرجال، كل ذلك صيانة للسنة من أن يدخلها ما ليس منها.([315])
قال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج1 ص27): عندما ذكر جهاد الصحابة، ونقدهم للحديث، وقبوله: (ثم أخذ مسلكهم - أي: الصحابة - واستن لسنتهم، واهتدى بهديهم، فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين). اهـ.
وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» مطولا (ص136 و143) من طريق إسماعيل بن محمد بن يزيد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به. وفيه: (ولم يبق في النار أحد (عمل لله خيرا قط) قال الله عز وجل: بقيت أنا، وأنا أرحم الراحمين، ثم يدخل كفه في جهنم، فيخرج ما لا يحصي عدده أحد إلا هو).
قلت: وإسـنـاده ضعيف أيضا لا يحتج به، فيه إسـمـاعـيـل بن محمد بن يزيد، وهو مجهول، ولعل في الظاهر أنه تصحيف، وصوابه: إسماعيل بن رافع عن محمد بن يزيد، كما في: «المطبوعة الأخرى»، لكتاب «العظمة» (ج3 ص822) برقم (386)، وكما في الحديث الآخر (ج3 ص838) برقم (387).
قلت: ومن هذا الوجه، أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص283) برقم (273)، وأبو الشيخ في «العظمة» (ج3 ص838) برقم (387)، وابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص86) من طريق إسماعيل بن رافع المدني عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t به، وهذا يؤكد ما صوبناه، ومع ذلك فسنده لا يحتج به لجهالة محمد بن يزيد، وضعف إسماعيل بن رافع المدني،([316]) ورجل لم يسم.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (ص169) من طريق إسماعيل بن رافع عن محمد بن كعب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.
وأخرجه الطبراني في «الأحاديث الطوال» (ص56) من طريق إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده كسابقه، منكر.
وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج8 ص126).
2) وأما حديث أنس بن مالك t.
فأخرجه البخاري في «صحيحه» مطولا (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص183)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص261)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص241)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص23)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص42)، وفي «الاعتقاد» (ص77)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289) من طرق عن حماد بن زيد: حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك t، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه، يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة، جاؤوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال t: حدثنا محمد r قال: (إذا كـان يـوم القيامة ماج([317]) الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع([318]) لنا إلى ربك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن([319])، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته([320])، فيأتون عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد r، فيأتونني، فأقول: أنا لها، فأستأذن([321]) على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد([322]) أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، وأخر([323]) له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعـيـرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).
فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو مررنا بالحسن، وهو متوار([324]) في منزل أبي خليفة، فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك t، فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا، فقلنا له: يا أبا سعيد، جئناك من عند أخيك أنس بن مالك، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة، فقال: هيه([325])، فحدثناه بالحديث، فانتهى إلى هذا الموضع، فقال: هيه، فقلنا: لم يزد لنا على هذا، فقال: لقد حدثني، وهو جميع([326])، منذ عشرين سنة، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا([327])، قلنا يا أبا سعيد فحدثنا: فضحك وقال: خلق الإنسان عجولا، ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم، حدثني كما حدثكم به، وقال: (ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله).
قال الحافظ البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي رواية: معبد بن هلال عن أنس بن مالك t عن النبي r، في هذه القصة: ما دل على أن ذلك، لأهل الكبائر من أمته).
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص296)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص272 و273)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)؛ مطولا من طريق حماد بن سلـمـة عن ثابت عن أنس t: مرفوعا، وفيه بلفظ (فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة).
وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، والضياء في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص322)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسـامـة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t: مرفوعا، وفيه: (فيقول: اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان، فأدخله الجنة فأذهب، فمن وجدت في قلبه ذلك، أدخلتهم الجنة، وفرغ من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم، إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شـيـئا، فيقول الجبار: بعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون من النار، قد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه، كما ينبت الحبة في غثاء السيل).
وإسناده صحيح.
وقال ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.
وقال الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص26): هذا حديث صحيح غريب.
وأخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص279) من طريق ابن أبي أويس حدثني أخي عن سـلـيـمـان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن زياد النميري عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص354)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص173)، والترمذي في «سننه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وأبو يعلى في «المسند» (3273) من طرق عن شعبة عن قتادة عن أنس t قال: قال رسول الله :r (يقول الله: أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن برة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
* وتابعه هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس t به.
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص392)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1442)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص116)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص191)، وفي «الـتـفـسـيـر» (ج3 ص204)، والـبـيـهـقي في «الأسـمـاء والـصـفـات» (ج1 ص487)، و(ج2 ص118)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص285)، وفي «الاعتقاد» (ص90 و249)، والـتـرمـذي في «سنـنـه» (2593)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص271)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص809)، وفي «التوحيد» (ج3 ص90)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، والطيالسي في «المسند» (1966)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص378)، وفي «الزهد» (849)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص338)، وابن مردويه في «ثلاثة مجالس من أماليه» (ص206)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ص357)، وأبو يعلى في «المسند» (ج5 ص305 و331 و351)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص199)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص462)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)؛ بلفظ: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شـعـيـرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص300) مختصرا، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228) من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص300) من طريق الحسين بن الحسن قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد الطويل عن أنس t به.
وإسناده حسن.
* وتابعه: محمد بن أبي بكر ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس t به.
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص286).
وإسناده صحيح.
وأخرجه ضياء الدين الـمـقدسـي في «الأحاديث المختارة» (ج7 ص249 و250) من طريق حرب بن ميمون الأنصاري عن النضر بن أنس عن أنس t به.
وإسناده صحيح.
قال ضياء الدين المقدسي: (فقد ورد في «الصحيح» من حديث أنس، حديث الشفاعة؛ إلا أن هذا فيه ألفاظ ليست في ذلك).
وقال الحافظ البيهقي / في «شعـب الإيمان» (ج1 ص286): (هذا الحديث يجمع شفاعة النبي r؛ لأهل الجمع، حتى يريحهم من مكانهم الذي بلغوا فيه من الغم والكرب ما لا يطيقون من طول القيام في الشمس، ثم شفاعته لأهل الذنوب من أمته). اهـ.
وقال الحافظ البيهقي / في «شعـب الإيمان» (ج1 ص286): (وفي كل ذلك دلالة على أنه يشفع لأهل الكبائر من أمته). اهـ.
وقال الحافظ البيهقي / في «شعـب الإيمان» (ج1 ص295): (وقد ثبت بما ذكرنا، أن المؤمن لا يخلد في النار بذنوبه، غير أن القدر الذي يبقى فيها غير معلوم، والذي تلحقه الشفاعة ابتداء حتى لا يعذب أصلا غير معلوم فالذنب خطره عظيم، وشأنه جسيم وربنا غفور رحيم، عقابه شديد أليم). اهـ.
قلت: وهذا يدل على أن الذين يخرجون من النار من المسلمين من أهل الكبائر من أمة النبي r، وقد عملوا أعمالا، لكن دخلوا النار بسبب ذنوبهم، ثم أدخلوا الجنة على ما عندهم من إيمان، وهذا لا يكون إلا من عمل، فافطن لهذا.
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص112): (ومن قولهم - يعني: أهل السنة - إن الله تعالى يشفع نبيه r، وأهل بيته وصحابته، ومن يشاء من صالح عباده، في عصاة أهل ملته، ويخرج بشفاعة رسول الله r من النار قوم: بعد ما امتحشوا فيها وصاروا حمما، ويدخلون الجنة، ويغسلون في ماء الحياة فتنبت لحومهم كما تنبت الحبة في حميل السيل، على ما أتت به الأخبار الصحاح عن الرسول r). اهـ.
وقال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص148): (وأما شفاعته r؛ لأهل الذنوب من أمته، فمتفق عليها بين الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع، والخوارج والزيدية). اهـ.
وقال أبو الحسن الأشـعـري / في «رسالته إلى أهل الثغر» (ص90): (أجمعوا على أن شفاعة النبي r؛ لأهل الكبائر من أمته، وعلى أنه يخرج من النار قوما من النار، بعد أن صاروا حمما). اهـ.
وقال الحافظ الذهبي / في «إثبات الشفاعة» (ص20): (نؤمن أن الله تعالى يخرج من النار من في قلبه أدنى وزن ذرة من إيمان؛ برحمته، وكرمه، وشفاعة نبيه r، وغير ذلك). اهـ.
3) وأما حديث جابر بن عبد الله t.
فأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وابن شاذان في «حديث ابن جريج» (ص105)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139) من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله t، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092 و1093)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص 191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن سمعون في «الأمالي» (ص189)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1231) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو سـمـع جابرا t يقول: سـمـعـه من النبي r بأذنه يقول: (إن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص263) من طريق قيس بن سـلـيـم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله t قال: قال رسول الله :r (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة).
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص325) من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر t به.
وإسناده صحيح، وأبو الزبير توبع، كما سبق.
قلت: فهذه الأحاديث تدل على شذوذ الأحاديث المتقدمة جميعها من جهة ما فيها من ذكر زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وهو الصواب بلا ريب.
* ثم إن المحققين من أهل الحديث قديما وحديثا، لا يكتفون حين الطعن في الحديث من جهة إسناده فقط، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا، فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة، أو قواعدها، لم يترددوا في الحكم عليه بالشذوذ وغيره.
قلت: ولا ريب أن الصواب مع الذين لم يذكروا زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ لأن النصوص في عدم ذكرها محكمة.
* وقد روي حديث الشفاعة في: «الصحيح» من طريق الثقات الأثبات، كما سبق من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأنس بن مالك t، غير أن في هذا ألفاظا ليس فيها كـ(لم يعملوا خيرا قط)، و(بغير عمل عملوه ولا خير قدموه)، و(بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
* وهذا ما تيسر جمعه، مما له صلة بالباب من أحاديث الشفاعة، وإلا أحاديث الشفاعة كثيرة، وأنا اقتصرت على الأقرب من ألفاظ الباب، وقد بسطت القول في ذلك لعظم الفائدة المترتبة من معرفة الأحكام في هذه الروايات.
قلت: فكذلك هذه الشواهد ذكرها الثقات الأثبات في أحاديث الشفاعة، ولم يذكروا: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي روايات الجماعة، وروايات الجماعة أولى أن تكون محفوظة.
* إذا يسوغ لنا ويدفعنا إلى القطع، والجزم بعدم صحة هذه اللفظة: (لم يعملوا خيرا قط).
قلت: وهذه اللفظة تعتبر من الألفاظ التي تنكر على الإمام مسلم / في «صحيحه».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73)، بعدما علق على: «صحيح البخاري» قال: (وأما - صحيح - مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط).اهـ.
قلت: وعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ فهي تعتبر من الزيادات المجملة التي تحتاج إلى تفسير، لأن أحاديث الشفاعة جاءت مجملة ومفسرة، ومختصرة ومتقصاة، كما ذكر ذلك الإمام ابن خزيمة / في «كتاب التوحيد» في غير ما موضع، وعليه فتحمل الأحاديث المجملة على المفسرة، طالما أن الجمع ممكن من جهة القواعد الحديثية.([328])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص602): (فأصحاب النبي r ربما اختصروا أخبار النبي r إذا حدثوا بها، وربما اقتصوا الحديث بتمامه، وربما كان اختصار بعض الأخبار، أن بعض السامعين، يحفظ بعض الخبر، ولا يحفظ جميع الخبر، وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن، فإذا جمعت الأخبار كلها، علم حينئذ جميع المتن والسند، ودل بعض المتن على بعض، كذكرنا أخبار النبي r في كتبنا، نذكر المختصر منها، والمتقصى منها، والمجمل والمفسر، فمن لم يفهم هذا الباب لم يحل له تعاطي علم الأخبار، ولا ادعاؤها). اهـ.
قلت: والناظر في أحاديث الشفاعة يجد هذا بجلاء، بل لا تكاد ترى حديثا في هذا الباب؛ إلا وفيه إجمال، أو إبهام([329])، والموفق من وفقه الله تعالى.
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص401): (فالمجمل: الشأن فيه طلب المبين، أو التوقف). اهـ.
قلت: بل المجمل ما لا يكفي وحده في العمل به، وإن كان ظاهرا حقا.([330])
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص637): (فإذا ثبت هذا، فإن وجد في الشريعة مجمل، أو مبهم المعنى، أو ما لا يفهم، فلا يصح أن يكلف بمقتضاه، لأنه تكليف بالمحال، وطلب ما لا ينال، وإنما يظهر هذا الإجمال في المتشابه([331]) الذي قال الله فيه: ]وأخر متشابهات[ [آل عمران: 7]. اهـ.
* واعلم أن المقصود الشرعي من الخطاب الوارد على المكلفين تفهم ما لهم، وما عليهم، مما هو مصلحة لهم في دنياهم وأخراهم، وهذا يستلزم كونه بينا واضحا لا إجمال فيه ولا اشتباه، ولو كان فيه بحسب هذا القصد اشتباه وإجمال لناقض أصل مقصود الخطاب، فلم تقع فائدة، وذلك ممتنع من جهة رعي المصالح تفضلا، أو انحتاما، أو عدم رعيها إذ لا يعقل خطاب مقصود من غير تفهيم مقصود.([332])
قال الإمام الشاطبي / في «الموافقات» (ج3 ص328): (إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان، أن المجمل لا يتعلق به تكليف إن كان موجودا ؛ لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح، أو بالحديث الصحيح، أو بالإجماع القاطع، أو لا، فإن وقع بيانه بأحد هذه، فهو من قبيل الضرب الأول من التشابه، وهو الإضافي وإن لم يقع بشيء من ذلك فالكلام في مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يعلم، وهو غير محمود). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص386): (وقد قال كثير من السلف([333]): إن المحكم ما يعمل به، والمتشابه ما يؤمن به، ولا يعمل به).اهـ.
* والنبي r كان مبينا بقوله، وفعله، وإقراره؛ لما كان مكلفا بذلك، في قوله تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
قلت: فكان r يبين للناس ما نزل إليهم في أحكام كثيرة([334]).
* وعلى الجملة: فالمراعى ها هنا، مواضع طلب البيان الشافي المخرج عن الانحراف عن الفهم الصحيح، لنصوص الكتاب والسنة، والراد إلى الصراط المستقيم، ومن تأمل سير السلف الصالح في هذا المعنى تبين ما تقرر بحول الله تعالى، ولا بد من بيان هذه الجملة: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنسبة إلى الحكم الصحيح فيها حتى يظهر منها الغرض المطلوب، والله المستعان.
* وهنا يجب أن يرعى ما يرجع إلى معنى صحيح في الاعتبار، متفق عليه في الجملة بين المختلفين، ويكون اللفظ المؤول قابلا له بحسب لغة العرب - كما بين ابن خزيمة وغيره من العلماء - جاريا ذلك على سـنـن اللغة العربية، واللفظ إذا كان قابلا بحسب اللغة العربية؛ فالحمل على اللغة أولى من الحمل على غيرها.
* فيحمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على العمل اليسير([335]) لصحة المعنى في الاعتبار بأن يكون متفقا مع الشريعة، قابلا له بوجه من وجوه الدلالة الحقيقية في النصوص الأخرى.([336])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص621): (وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه، أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبا ظاهرا ، ولا «صلاة»، ولا «زكاة»، ولا «صياما»، ولا غير ذلك من الواجبات [أو] لا لأجل أن الله أوجبها، مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين، وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسـولـه مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد r). اهـ.
وقـال شـيـخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج7 ص611): (ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، ويعيش دهره لا يسجد لـه سـجـدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقة لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار). اهـ.
وقال الإمام الآجري / في «الأربعين» (ص135): (اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق: وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ولا تجزئ معرفة بالقلب، والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح.
* فإذا كملت الخصال الثلاث كان مؤمنا. فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان.
* فمن لم يصدق الإيمان بعمله، وبجوارحه مثل: «الطهارة»، و«الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، و«الجهاد» أشباه لهذه، ورضي لنفسه المعرفة والقول، دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول). اهـ.
قلت: وهذا متفق عليه في الجملة بين المختلفين.([337])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص187): (وبالجملة: فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها: هو التأويل الصحيح.
* والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة هو التأويل الفاسد). اهـ.
قلت: إذا فعلى فرض صحة زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)([338])، لا يدل ذلك على أن هؤلاء تركوا العمل مطلقا، وإنما يراد بها نفي الكمال.
لأن لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الطرق، والروايات، والشواهد الواردة في هذا الباب.
* ومن هنا يجب معرفة كـيـفـيـة اسـتـنـبــاط الأحكام الشـرعـيـة من نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية، وما يؤول إليها، ومعرفة طرق دلالة النص على المعاني الصحيحة الواضحة الدلالة.
لأن مهمة أهل العلم اقتباس الأحكام من أصولها، وعملهم يتطلب فقه النص، وفهمه الفهم الصحيح، إذ لا يمكن له استنباط الحكم من النص؛ إلا إذا أدرك المعنى الصحيح، وعرف مرمى اللفظ ومدلوله.
* وفهم النص يتوقف على معرفة الألفاظ الواضحة البينة في النصوص الأخرى، وبيانها في لغة العرب، وما تدل عليها ألفاظها مجملة، أو مفسرة.
فليست الألفاظ في النصوص في درجة واحدة من الوضوح والخفاء، فهي تتفاوت درجتها ووضوحها.
قلت: وقد يعرف الحكم من صريح عبارة النص، أو بـواسـطـة إشارة النص التي تومئ إلى المعنى، أو من طريق دلالة الاقتضاء بتقدير لفظ لا بد من تقديره، وقد يكون النص صريحا في الحكم أولى بالحكم من غير الصريح، فيحكم بالمصرح به؛ لأنه أولى بالحكم.
* ثم إن اللفظ من جهة أخرى قد يكون مفسرا في نص آخر مقصورا على حكم ما، أو حكم معين فيتعين الحكم بجميع الألفاظ المتقاربة في الحكم؛ فيحكم بها على أنها الحكم الشرعي، وذلك على إفادة المعنى المفسر لمجمل نص، أو نصين، أو أكثر.([339])
قلت: ولا يحكم بالنص المجمل مع وجود النص المفسر له، لأن المعنى يحتمله بدليل، فصرفه إلى المعنى الحقيقي أولى.([340])
* إذا فيلزم من تفسير لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، بالنصوص الأخرى المفسرة بالعمل اليسير والذي يؤهلهم أن يكونوا من المسلمين، والذي أوصلهم إلى هذا الحال ارتكابهم المخالفات الشرعية مما أضعف إيمانهم حتى استحقوا العذاب من الله تعالى بالنار.
* فألفاظ الأحاديث قيدت بحالة معينة، ألفاظها تدل على حكم معين، ما لم يرد دليل يدل على غيره.
* فدليل دل على مجمل وهو: (لم يعملوا خيرا قط)، ولكن قام الدليل على تفسيره بالعمل الصالح اليسير الذي أوصل بعضهم إلى أن يكون إيمانه كـ«شعيرة»، وبعضهم كـ«خردلة»، وبعضهم كـ«ذرة»، واتحدت الأدلة على ذلك فكانت هي الأولى.
قلت: فيحمل هنا المجمل على المفسر، وهذا باتفاق العلماء، كما هو مقرر في: «أصول الفقه»، لأن دل الدليل على الحمل، إذ لا تنافي في الجمع بينهما، ولا تعارض بينهما([341])، بل من الـمـنـاسـب حمل لفظ: (لم يعملوا خيرا قط)، على الألفاظ الأخرى التي تدل على العمل اليسير من الخير، كما في حديث: أبي سـعـيـد الخدري نفسه، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله y.
وأما أن يحكم بالمجمل مع وجود المفسر، فهذا عين الغلط في دين الله تعالى، وهذا تحكم، وهو باطل.
لأن المفسر: هو اللفظ الذي دل على معناه دلالة أكثر وضوحا، وبيانا من النص الظاهر، بحيث لا يحتمل التأويل.
* فهو يزيل الخفاء المحيط باللفظ، ويزيل إجماله، ويجعله واضحا للحكم به، فيجب العمل به قطعا؛ لأنه محكم.
والمحكم: هو اللفظ الذي دل بصيغته على معناه دلالة واضحة، لا تحتمل تأويلا، ولا غيره.
قلت: واللفظ المحكم يجب العمل به قطعا، دون تردد؛ لأنه لا يحتمل غير معناه.([342])
* إذا فالنص المفسر، والمحكم يوجبان الحكم قطعا، ويقينا، وهذا هو الأصل.
لأن العمل بالأوضح والأقوى أولى وأحرى، لأن فيه جمعا بين الدليلين بحمل ظاهر النص على احتماله الآخر الموافق للنص المفسر([343])، المبين للمشكل لإيضاح مدلول الكتاب والسنة من مجمل، وعام، ومطلق، وغير ذلك.([344])
قلت: وهذا بيان فحكمه تابع لما هو بيان له؛ لأنه حكم الشرع في تلك المسألة، فالدال بمنطوقه أولى، ويترجح العمل به.
قال الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص232): (أما المبين فهو: ما اسـتـقـل بنفسه في الكشف عن المراد، ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره، وذلك على ضربين:
ضرب يفيد بنطقه، وضرب يفيد بمفهومه.
فالذي يفيد بنطقه هو: النص، والظاهر، والعموم.
فالنص: كل لفظ دل على الحكم بصريحه، على وجه لا احتمال فيه.
* مثل:قوله تعالى: ]ولا تقربـوا الـزنـا[ [الإسـراء:32]، ]ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالـحـق[ [الإسـراء:33]، ونـحـو ذلـك من الألفاظ الصريحة في بيان الأحكام.
والظاهر: كل لفظ احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر.
* كالأمر والنهي وغيرهما من أنواع الخطاب الموضوعة للمعاني المخصوصة المحتملة لغيرها.
والعموم: ما عم شيئين فصاعدا.
وأما الضرب الذي يفيد بمفهومه فهو: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، ودليل الخطاب.
ففحوى الخطاب: ما دل عليه اللفظ من جهة التنبيه. كقوله تعالى: ]فلا تقل لهما أف[ [الإسراء:23]، فيه تنبيه على النهي عن ضربهما وسبهما، لأن الضرب والسب أعظم من التأفيف.
وأما لحن الخطاب فهو: ما دل عليه اللفظ من الضمير الذي لا يتم الكلام إلا به، مثل قوله تعالى: ]فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا[ [البقرة: 60]؛ ومعناه: فضرب فانفجرت.
* ومن ذلك أيضا: حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه: كقوله تعالى: ]واسأل القرية[ [يوسف:82]؛ ومعناه: اسأل أهل القرية.
* ولا خلاف أن هذا، كالمنطوق به في الإفادة والبيان.
وأما دليل الخطاب فهو: أن يعلق الحكم على إحدى صفتي الشيء، فيدل على أن ما عداها بخلافه، كقوله تعالى: ]إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة[ [الحجرات: 6]، فيه دلالة على أن العدل، إن جاء بنبإ لم يتبين.
* وكذلك: قوله تعالى: ]وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن[ [الطلاق: 6]؛ فيه دليل على أن المبتوتات غير الحوامل لا يجب عليهن الإنفاق.
وأما المجمل فهو: ما لا يعقل معناه من لفظه، ويفتقر في معرفة المراد إلى غيره.
* مثال ذلك: إن الله تعالى قال: ]وآتوا حقه يوم حصاده[ [الأنعام: 141]، وقال رسول الله r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»([345]). فالحق المذكور في الآية، والمذكور في الحديث، كل واحد منهما مجهول الجنس والقدر، فيحتاج إلى البيان). اهـ.
قلت: فالعمل بالراجح متعين؛ لأنه ترجيح بدليل.
* وكذلك هذه الزيادة مشتبهة.
وطريقة أهل العلم أن يحمل المتشابه على المحكم.([346])([347])
قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الخلاف بين العلماء» (ص5): (من المعلوم عند جميع المسلمين مما فهموه من كتاب الله، وسنة رسوله r أن الله تعالى بعث محمدا r بالهدى، ودين الحق، وهذا يتضمن أن يكون رسول الله r قد بين هذا الدين بيانا، شافيا، كافيا، لا يحتاج بعده إلى بيان). اهـ.
قلت: إذا لا بد من اعتبار هذه الرواية ضمن باقي الروايات، والشواهد الواردة في الباب، التي تبين مراد الله تعالى، ورسوله r في المعنى الصحيح لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
* فالروايات الأخرى تبين بأن هؤلاء العباد من المسلمين الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم وضعف إيمانهم، ومنهم من يكون إيمانه قدر الذرة من الخير في قلبه، وهذا لا يكون؛ إلا من المسلم، ثم يخرجون من النار لبقاء شيء يسير من الخير فيهم، وهذا تفسير لزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)، وإليك الدليل:
1) عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار، ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (4919)، و(7436)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص456)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص805)، وفي «الرد على الجهمية» (ص36)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص251)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص185)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص498)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص391)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص190)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص423)، والدارقطني في «الرؤية» (ص100)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص237)، والآجري في «الشريعة» (ص260)، واللالكائي في «الاعتقاد» (818)، والبيهقي في «الأسمـاء والـصـفـات» (ص344)، وفي «شعـب الإيـمـان» (ج1 ص289)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص94)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص23)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص533)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص314)، والخلال في «السنة» (ج1 ص46)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص350)، والمؤيد الطوسي في «الأربعين عن المشايخ الأربعين» (ص92)، وعبد بن حميد في «الـمنتـخب مـن المسند» (861)، وأسـد بـن مـوسـى في «الـزهـد» (ص52)، والحاكم في «الأربعين» (ق /1 /ط) من طريق مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بن عمارة قال: حدثني أبي عن أبي سعيد الخدري t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص172)، وأبو داود في «السنن» (ج2 ص441)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص427)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص7)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص252)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص186)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص461)، والطبري في «تفسيره» (ج1 ص248)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص293)، وفي «الاعتقاد» (ص40)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص882)، وأبو يعلى في «المسند» (ج2 ص348) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: (أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر([348]) ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل).
وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (ص284) من طريق عبد الرحمن بن إسـحـاق عن زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سـعـيـد الخدري :t مطولا؛ وفيه: (فيقول الله: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون ثم يقول: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه قال فيخرجون؛ قال أبو سعيد الخدري t: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: فأظنه يريد ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين[ [الأنبياء: 47]، قال: فيقذفون في نهر يقال له نهر الحياة، قال فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل أما ترون ما يكون من النبت...).
وإسناده حسن، وليس فيه زيادة: (لم يعملوا خيرا قط).
وقال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسـنـاده جيد، وهو على شرط مسلم).
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521) بهذا الإسـنـاد، ومتنه، إلا أنه لم يسقه بتمامه.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص15)؛ مطولا من طريق عبد الرحمن بن إسـحـاق حدثنا زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سـعـيـد الخدري t؛ وفيه بلفظ: (فيقول الله عز وجل: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من إيمان فأخرجوه، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه زنة قيراط من إيمان فأخرجوه ، قال: فيخرجون، قال: ثم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه قال: فيخرجون، قال: ثم يقول أبو سعيد الخدري: بيني وبينكم كتاب الله، قال عبدالرحمن بن إسحاق: وأظنه يعني قوله ]وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسـبـيـن[ [الأنبياء:47]، قال: فيخرجون من النار فيطرحون في نهر يقال له نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحب في حميل السيل...). وإسناده حسن.
2) وعن جابر بن عبد الله ﭭ؛ في حديث الشفاعة، وفيه: (ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص177 و178)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص283)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص139)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص363)، والحميدي في «المسند» (1245)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج12 ص177)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص404)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص466 و467)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1092)، وابن سـمـعـون في «الأمالي» (189)، وابن المظفر في «حديث شعبة» (ص122 و123)، وسعدان المخرمي في «جزئه» (ص35)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص56 و57)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1231)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص294)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص191)، وفي «الاعتقاد» (ص252)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص409)، وابن الجعد في «حديثه» (2639 و2643) من طرق عن جابر بن عبد الله t به.
3) وعن أنس بن مالك t أن النبي r قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص473 و474)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص182)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص266)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص184)، والنسائي في «السنن الكبرى» (11131)، وأبو يعلى في «المسند» (4350)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص841)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص157)، وفي «تفسيره» (ج3 ص204)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص341)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص42)، وفي «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، وفي «الأسمـاء والصفات» (ج1 ص487)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص289)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج19 ص66)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج15 ص551)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص296)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص253)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والضياء المـقـدسـي في «الأحـاديث المختارة» (ج6 ص323)، وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص354)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1100)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص177)، والطيالسي في «المسند» (1966)، والترمذي في «سـنـنـه» (2593)، وابن أبي عاصم في «الزهد» (851)، وفي «السنة» (ص378)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1442)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص450)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص22)، والخلال في «السنة» (ج5 ص52)، وأبو القـاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص394)، والآجري في «الشريعة» (ج3 ص1228)، والنقاس في «فوائد العراقيين» (ص101)، وابن أبي داود في «البعث» (ص98)، وأســد بن موسى في «الزهد» (ص52) من طرق عن أنس بن مالك t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص182) من طريق حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال: انطلقنا، إلى أنس بن مالك – ثم ذكر: حديث الشفاعة -، وفيه: (فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشـفـع تـشـفع، فأقول: أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل... فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان؛ فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل).
قلت: فدلت هذه الروايات على تفسير ما أجمل؛ من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)، وأنه يقصد به العمل اليسير من الخير، وهذا لا يقع إلا من المسلم بسبب ضعف إيمانه، وإسرافه في المعاصي والله المستعان.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ
قلت: وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومها الصلاة، بدلالة آثار السجود التي حرمت على النار لكونهم يصلون.([349])
وإليك الدليل:
1) عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة – وفيه: (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته، كما تنبت الحبة في حميل السيل).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص165)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص275)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، والآجري في «الشريعة» (ص259)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص457)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص181) من طريق ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة t به.
2) وعن جابر بن عبد الله ﭭ قال: قال رسول الله r: (إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم([350])، حتى يدخلون الجنة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص178)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص829) من طريق قيس بن سليم العنبري قال حدثني يزيد الفقير حدثنا جابر بن عبد الله t به.
* وقد بين عبد الله بن مسعود t عظم قدر الصلاة، ومنزلتهـا فـي الإسـلام، ولا يحافظ عليها؛ إلا مسلم فقال t: (من سره أن يلقى الله غدا مسلما؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم r سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى... الحديث).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص453)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص382 و455)، والطيالسي في «المسند» (313)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج2 ص7)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص58)، وابن ماجه في «سـنـنـه» (ج1 ص255)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج2 ص249 و250)، وأبو داود في «سننه» (ج1 ص148)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص297)، وفي «السنن الصغرى» (ج2 ص84) من طرق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t به.
* بل حذيفة t: لما رأى رجلا، لا يتم الركوع، والسجود، قال له: (ما صليت: ولو مت مت على غير الفطرة، التي فطر الله محمدا r([351])). فما بالك الذي لا يصلي، ولا يعمل عملا قط.
قال الإمام المروزي / في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص1009): (قال r في حديث الشفاعة: الذي رواه أبو هريرة، وأبو سعيد جميعا ﭭ: (أنهم يخرجون من النار، يعرفون بآثار السجود)، قد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة؛ هم المصلون). اهـ.
قلت: وهذه النصوص تدل على أن هؤلاء من المسلمين، لأنهم كانوا يصلون، ويحجون، ويصومون مع المسلمين.
وإليك الدليل أيضا:
عن أبي سعيد الخدري t، وفيه: (إذا خلص المؤمنون من النار فأمنوا... يقولون ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، فيقول: اذهبوا، فأخرجوا من قد عرفتم؛ فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم، لا تأكل النار صورهم...).
حديث صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (20857)، ومن طريقه: أحمد في «المسند» (ج3 ص94 و95)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5010)، وفي «السنن الصغرى» (ج8 ص112)، والترمذي في «سنـنـه» (2598)، وابن خـزيمة في «التوحيد» (ص480) من طريق معمر عن زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (ص521)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص284)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص16) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة فذكر الحديث؛ بطوله: وقال: فما أحدكم في حق يعلم أنه حق له بأشد مناشدة منهم لإخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون: أي رب كنا نغزوا جميعا، ونحج جميعا، ونعتمر جميعا، فبم نجونا اليوم وهلكوا، قال: فيقول الله تبارك وتعالى: انظروا من كان في قلبه زنة دينار من الإيمان فأخرجوه... الحديث).([352])
وإسناده حسن.
قال الشيخ الألباني / في «ظلال الجنة» (ص284): (إسـنـاده جيد، وهو على شرط مسلم).
قلت: وهذه الأحاديث تدل أيضا؛ بأن المؤمنين يعرفون إخوانهم الذين في النار بصورهم، أو وجوههم([353])، فإن منهم: من أخذته النار إلى كعبيه، أو ركبتيه، أو حقويه، أو ثدييه، أو عنقه، ولا تغشى النار الوجوه، فالمعرفة تكون بالوجه أيضا، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.
* والرواية التي فيها: إدارات الوجوه ليست بصريحة على أن المراد بها أثر السجود فقط.
فقد قال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج1 ص586): (قوله: الإدارات الوجوه، جمع دارة، وهو ما يحيط بالوجه من جوانبه، والمراد الوجه كله، لأن فيه محل السجود، ويحتمل أن يكون المراد محل السجود منه فقط، وهو الجبهة والأنف، وجمعت الدارات بحسب الأشخاص). اهـ.
* إذا دارات: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه([354]).
* هذا مع؛ أن رواية: (فيأتونهم فيعرفونهم بصورتهم لا تأكل النار صورهم)؛ صريحة في أن عرفوهم من صورهم ووجوههم([355])، لا بمجرد أثر السجود في الوجه فقط.([356])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص479): (باب ذكر الدليل على أن النبي r إنما أراد بقوله: «فيصيرون فحما»؛ أي: أبدانهم خلا صورهم، وآثار السجود منهم، إن الله عز وجل حرم على النار أكل أثر السجود من أهل التوحيد).اهـ.
* فالمؤمنون يعرفون إخوانهم بصورهم ووجوههم في جميع الدفعات، لأن النار لا تغشى جميع أبدانهم، إنما تغشاهم على حسب أعـمـالـهـم، باستثناء الوجه في بعضهم، والوجه وغيره في البعض الآخر.
قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص449): (فتكون النار لم تقرب صورهم، ولا وجوههم بالتغيير، ولا الأكل). اهـ.
* وأيضا جعل الله تعالى لهم علامة أخرى، وهي مسألة الوزن، سواء كان وزن شعيرة، أو برة، أو خردلة، أو ذرة، أو قيراط، أو نصف قيراط، أو نحو ذلك، مما جاء في الروايات.([357])
قلت: وهذه الأحاديث تدل على أن الله تعالى يعذب قوما من أهل الإيمان، ثم يخرجهم بالشفاعة حتى لا يبقى في النار، إلا من ذكرهم الله عز وجل: ]ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين * فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ [المدثر: 42 - 48].
قلت: هل ترون في هؤلاء خيرا.
* إذا لا يترك الله تعالى في النار أحدا فيه خير؛ إلا أخرجه لما في قلبه من الإيمان.
قال الإمام أحمد /: (قال الله تعالى: ]خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك[ [هود: 107]، فإنما يقع الاستثناء عندنا على أهل التوحيد... لما جاء عن النبي r أن له شفاعة لأهل الذنوب، فهذا ما أولنا).([358])
* ويؤيده: حديث ابن مسعود t عن النبي r قال: (لا يدخل([359]) النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (91)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص361)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص451)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص476)، و(ج9 ص226)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص384)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص31)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص589)، والبغوي في «شرح السنة» (ج13 ص165)، وابن ماجه في «سـنـنـه» (ج1 ص22)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص405)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج9 ص89)، والجركاني في «جزئه» (ص92)، والقشيري في «الرسالة» (ص115)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص161)، وفي «الآداب» (661)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج3 ص362)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج5 ص2)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (206)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص184)، وفي «المستخرج» (ج1 ص167)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج5 ص155)، وأبو داود في «سـنـنـه» (ج4 ص351)، والطبراني في «المعجم الكبير» (10001)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص184) من طريق إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود t به.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج14 ص183): (في هذا الباب عن ابن مسعود عن النبي r، الأول منهما على نفي دخول معه التخليد، وإثبات التخليد لمن سواهم). اهـ.
وقال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج7 ص405): (في هذا الخبر، معنيان اثنان:
أحدهما: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد به جنة عالية يدخلها غير المتكبرين.
وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه حبة خردل من إيمان»، أراد به نارا سافلة([360]) يدخلها غير المسلمين.
والمعنى الثاني: لا يدخل الجنة أصلا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر، أراد بالكبر: الشرك، إذ المشرك لا يدخل الجنة أصلا.
وقوله r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»، أراد به على سبيل الخلود، حتى يصح المعنيان معا). اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص621): (فمعنى: هذه الأخبار التي فيها ذكر بعض الذنوب الذي يرتكبه بعض المؤمنين، فإن النبي r يعني: قال: إن مرتكبه لا يدخل الجنة، معناها: أنه لا يدخل العالي من الجنان، التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب، والخطايا والحوبات، وقد كنت أقول، وأنا حدث: جائز أن يكون؛ معنى: أخبار النبي r: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»([361])؛ أي: لا يدخل النار دخول الأبد، كدخول أهل الشرك، والأوثان، كما قال النبي r: «أما أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها، ولا يحيون»؛ الأخبار التي قد أمليتها بتمامها، أو يكون معناها أي: لا يدخلون النار موضع الكفار، والمشركين من النار، إذ الله عز وجل، قد أعلم أن النار: سبعة أبواب، وأخبر أن لكل باب منهم جزءا مقسوما، فقال تعالى: ]لها سبعة أبواب[ [الحجر: 44]؛ فمعنى: هذا الخبر قد يكون أنهم لا يدخلون النار موضع الكفار منها). اهـ.
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص560): (وذكر في هذه الأحاديث في المعذبين من المؤمنين: «أن النار لا تأكل أثر السجود»، وفي الحديث الآخر: (يحرم صورهم على النار)، دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين بالنار خلاف عذاب الكافرين، وأنها لا تأتي على جميعهم). اهـ.
وقال الإمام الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص175): (وأنتم تروون عن النبي r قال: «أنه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله»، ومن كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة). اهـ.
وقال الإمام حرب الكرماني / في «المسائل» (ص430): (وأما معنى؛ حديث الشفاعة: (أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)، إنما معناه: أن يخرج من براني النار). اهـ.
* وهؤلاء معهم شهادة أن لا إله إلا الله، وهذه الشهادة؛ معناها: التوحيد الخالص لله تعالى، لا مجرد التلفظ بها. وعلم بذلك أيضا، أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك: ذكر أثر السجود وغيره من العلامات التي تدل على إسلامهم، وهذا مستفاد من مجموع الروايات.
قلت: ثم إن لفظة: (لم يعملوا خيرا قط)، لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل من العباد الذين دخلوا النار بسبب ذنوبهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع بعض الأعمال اليسيرة، وإنما يراد بها نفي الكمال، والتمام([362])؛ فتنبه.
وإليك الدليل:
1) عن أبي هريرة t، عن رسول الله r قال: (إن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين([363]) الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله تعالى أن يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله عز وجل له: هل عملت خيرا قط؟ قال: لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك).
حديث حسن
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص91)، وفي «السنن الصغرى» (ج7 ص318)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص285)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص422)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص28)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والقاضي أبو يعلى في «ستة مجالس من أماليه» (ص51)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص41) من طريقين عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج4 ص309) وعزاه للنسائي.
* وأصله في «صحيح البخاري» (ج4 ص309)، و«صحيح مسلم» (1562)؛ من حديث: أبي هريرة t، ويأتي تفصيل ذلك.
قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، وهذا مفهوم في لغة العرب.
وما حثه على هذه الخصلة الطيبة؛ إلا بسبب إيمانه الذي في قلبه.
قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص41): (فقول هذا الرجل الذي: (لم يعمل خيرا قط)، غير تجاوزه عن غرمائه: (لعل الله أن يتجاوز عنا)؛ إيمان، وإقرار بالرب، ومجازاته، وكذلك قوله الآخر: (خشيتك يا رب) إيمان بالله، واعتراف له بالربوبية). اهـ.
2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلا موسرا فكان يخالط الناس فيقول لغلامه تجاوز عن المعسر، فقال الله جل وعلا لملائكته نحن أحق بذلك تجاوزوا عنه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (1561)، والترمذي في «سننه» (1307)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، والطبراني في «المعجم الكبير» (537)، وابن حبان في «صحيحه» (ج11 ص427)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود الأنصاري t به.
قلت: فأطلق عليه أنه لم يوجد له من الخير شيء، مع أنه كان ينظر المعسر، ويتجاوز عنه، ويخالط الناس للمساعدة، وغيرها.
3) وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن سواك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة).
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سـنـنـه» (ج5 ص408)؛ بهذا اللفظ: من طريق الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فأطلق عليه أنه: «لم يعمل خيرا قط»، مع أنه أماط الأذى عن الطريق، وهذا مفهوم في لغة العرب.
* وهذا يبين أن الإيمان في قلبه وإن كان قليلا، فجعله الإيمان، أن يعمل لمساعدة الناس، وبذلك دخل الجنة.
* وهذا هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع بالنسبة إلى زيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ أي: المقصود بها العمل اليسير.([364])
قلت: لأنه لا يتصور أن ينتفي العمل من العبد نهائيا ثم يدخل الجنة!.
4) وعن أبي بكر الصديق t في حديث الشفاعة وفيه: (يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شـيـئـا، قال: فيدخلون الجنة، قال: ثم يقول الله عز وجل: انظروا في النار، هل تلقون من أحد عمل خيرا قط، قال: فيجدون في النار رجلا، فيقول له: هل عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع والشراء، فيقول الله عز وجل: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي، ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقول له: عملت خيرا قط؟ فيقول: لا، غير أني قد أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اطحنوني حتى إذا كان مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح، فقال الله عز وجل: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك، قال: فيقول الله عز وجل: انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله).
حديث حسن
أخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص175)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص310)، وابن حبان في «صحيحه» (6476)، والدارمي في «الرد على الجهمية» (181)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص335 و367)، والبزار في «المسند» (ج1 ص149)، والأموي في «مسند الصديق» (ص48)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص122)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1556)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج1 ص122)، ويحيى بن معين في «التاريخ» (ج2 ص55)، والذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص29)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص4)، وأبو يعلى في «المسند» (56)، والدولابي في «الكنى» (ج2 ص155)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص920) من طريق أبي نعامة العدوي عن أبي هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق t به.
قلت: وهذا سنده حسن، ووالان العدوي، وثقه ابن معين، وابن حبان، وروى عنه اثنان.([365])
والحديث حسنه الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ص335).
* وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج10 ص374) ثم قال: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ورجالهم ثقات.
* ووالان العدوي: هو والان بن بهيس العدوي، ويقال، والان بن قرفة، ذكره أيضا البخاري في «التاريخ الكبير» (ج8 ص185)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال يحيى بن معين: «بصري ثقة»، كما في «الجرح والتعديل» (ج9 ص43).
والحديث ذكره الدارقطني في «العلل» (ج1 ص189؛ مسألة رقم: 14) ثم قال: (يرويه أبو نعامة... إلى أن قال: (ورواه الجريري عن أبي هنيد وأسنده عن حذيفة عن النبي r، ولم يذكروا؛ فيه: أبا بكر t، ووالان غير مشهور، إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت). اهـ.
* وتعقبه ابن حجر في «لسان الميزان» (ج6 ص263): بقوله: (كذا قال، وقد قال يحيى بن معين: بصري: «ثقة»، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج حديثه في «صحيحه». قلت: وكذا أخرجه أبو عوانة، وهو من زياداته على مسلم). اهـ.
قلت: غاية ما أعل به هذا الحديث أمران:
الأول: جهالة والان.
الثاني: كون الجريري أسقط أبا بكر t من السند.
والجواب عن الأول: أن والان، قد روى عنه أبو هنيدة، كما عند ابن خزيمة في «التوحيد».
* وأما رواية: الجريري؛ بإسقاط أبي بكر t من السند؛ فلا تضر، لأن حذيفة بن اليمان هو صحابي، وعلى فرض أنه لم يسمعه من أبي بكر t؛ فهو: مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة؛ كما هو معروف عند أهل الحديث.([366])
فائدة:
قال المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «الشفاعة» (ص33): (والان: وثقه ابن معين، كما في تعجيل المنفعة، وروى عنه اثنان، كما في «التوحيد» لابن خزيمة، فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات، وما انفرد به يتوقف فيه، وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة، وبقوله: «ادعوا الصديقين»([367])، وتقديمهم على الأنبياء، وبقصة الذي أوصى بأن يحرق، وقصة الوصية: بالإحراق في «الصحيحين» في غير حديث الشفاعة، ومن غير هذه الطريق، والله أعلم). اهـ.
قلت: وفي الحديث ألفاظ منكرة، والأصل فيه الشاهد.
قال الحافظ الذهبي في «إثبات الشفاعة» (ص30): هذا حديث غريب.
قلت: وللحديث شواهد سبق ذكرها.
قلت: وأصل الحديث في: «الصحيحين».
* فأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص41)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534)، وفي «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، والدارمي في «المسند» (ج2 ص324)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص148) من طريق زهير بن معاوية حدثنا منصور بن المعتمر أن ربعي بن حراش حدثه أن حذيفة t قال: قال النبي r: (تلقت الملائكة روح رجل – أي استقبلت – ممن كان قبلكم، قالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: كنت آمر فتياني([368]) أن ينظروا([369]) المعسر([370]) ويتجاوزوا([371]) عن الموسر([372])، قال: فتجاوزوا عنه).
وفي رواية: (يا رب ما عملت شيئا أرجو به كثيرا).
قلت: وهذه الرواية تبين بأنه كان يعمل عملا قليلا، ولم يترك العمل مطلقا؛ فتنبه.
ولذلك قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج4 ص309): (وفي حديث الباب: والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله، كفر كثيرا من السيئات)([373]). اهـ.
قلت: فلا إيمان إلا بعمل.
قال الإمام أحمد /: (الإيمان لا يكون، إلا بعمل).([374])
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص843)، والمحاملي في «الأمالي» (ص303)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج14 ص149)، والمراغي في «الأربعين» (ص69)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص399)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص808)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص306)، والبزار في «المسند» (ج7 ص245)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص97) من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي عن حذيفة t قال: سمعت النبي r يقول: (مات رجل، فقيل له، قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1273)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص395)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)، والبزار في «مسنده» (ج7 ص244)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص231)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج2 ص329) من طريق أبي عوانة حدثنا عبد الملك عن ربعي بن حراش قال: قال حذيفة t سمعت النبي r يقول: (إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة).
* قال حذيفة t وسمعت النبي r يقول: (إن رجلا حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، وأوقدوا فيه نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يوما راحا([375])، فاذروه في اليم([376]) ففعلوا، فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له).
* قال أبو مسعود عقبة بن عمرو t: وأنا سـمـعـتـه يقول ذاك: «وكان نباشا»؛ يعني: للقبور.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1194) من طريق زهير حدثنا منصور عن ربعي بن حراش، أن حذيفة: حدثهم قال: قال رسول الله r: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أداين([377]) الناس. فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا([378]) عن الموسر، قال: قال الله عز وجل: تجوزوا عنه).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وبحشل في «تاريخ واسط» (ص88)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص233)، والمحاملي في «الأمالي» (ص302) من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش قال اجتمع حذيفة، وأبو مسعود: فقال حذيفة t: (رجل لقي ربه فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير، إلا أني كنت رجلا ذا مال. فكنت أطالب به الناس، فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور([379])، فقال: تجاوزوا عن عبدي).
* قال أبو مسعود t: سمعت رسول الله r يقول.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195) من طريق أبي خالد الأحمر عن سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة t: (أتي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا (قال: ولا يكتمون الله حديثا)، قال: يا رب! آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز([380])، فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي).
* فقال عقبة بن عامر الجهني([381])، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله r.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1195)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص808)، وصدر الدين البكري في «الأربعين» (ص153) من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي r: (أن رجلا مات فدخل الجنة... الحديث).
قال البخاري / في «صحيحه» (ج2 ص371): (وقال أبو مالك عن ربعي: «كنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر»، وتابعه: شعبة عن عبد الملك عن ربعي. وقال أبو عوانة عن عبد الملك عن ربعي: (أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر)، وقال نعيم بن أبي هند عن ربعي: (فأقبل من الموسر، وأتجاوز عن المعسر).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص731)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص250)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج5 ص43) من طريق الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أنه سـمـع أبا هريرة t عن النبي r قال: (كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص263)، والبغوي في «شرح السنة» (ج8 ص196)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج7 ص534) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (كان رجل يداين الناس... الحديث).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356) من طريق يونس عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة t به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t قال: قـال رسـول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).
وعن أبي ســعـيـد الخدري t عن النبي r: (أن رجلا كان قبلكم، رغسه([382]) الله مالا فقال لبنيه لما حضر: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط، فإذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني([383])، ثم ذروني([384]) في يوم عاصف([385])، ففعلوا، فجمعه الله عز وجـل فقـال : مـا حملك؟ قال: مخافتك، فتلقاه برحمته).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، و(ج5 ص2378)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2111 و2112)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج7 ص490) من طرق عن قتادة سمـعـت عقبة بن عبد الغافر سـمـعـت أبا سعيد الخدري به، في حديث سـلـيـمـان التيمي: (فإنه لم يبتئر عند الله خيرا)، قال فسرها قتادة: لم يدخر عند الله خيرا.
* وفي حديث شيبان بن عبد الرحمن: (فإنه والله ما ابتأر عند الله خيرا)، وفي حديث: أبي عوانة: (ما امتأر) بالميم، وفي حديث شعبة: (وإن الله يقدر علي أن يعذبني).
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2726)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص1112) من طريق معتمر بن سليمان سمعت أبي حدثنا قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سـعـيـد الخدري t عن النبي r (أنه ذكر رجلا فيمن سلف، أو فيمن كان قبلكم – يعني من بني إسرائيل-)، وفيه: (فقال الله عز وجل: كن، فإذا هو رجل قائم، قال الله: أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال: مخافتك... الحديث).
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (قال رجل لم يعمل حسنة([386]) قط لأهله إذا مات فحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر([387]) الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك. يا رب وأنت أعلم فغفر الله له).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج4 ص389)، ومالك في «الموطإ» (ج1 ص240)، وأبو مصعب الزهري في «الموطإ» (ج1 ص392)، والجوهري في «مسند الموطإ» (ص445)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص38)، وابن القـاسـم في «المؤطإ» (ص360)، والحدثاني في «الموطإ» (ص375) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة t به.
* وفي رواية، أبي مصعب: (لم يعمل خيرا قط)، وفي رواية الحدثاني: (كان رجل لم يعط أن يعمل خيرا قط).
قلت: وهذه الروايات تفسر الحسنة، في رواية: مسلم، ومالك رحمهما الله.
* وبهذا الإسناد: أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص2725)، مرفوعا: (قال رجل لم يعمل خيرا قط، فإذا مات.... الحديث).
قلت: فقوله: «لم يعمل خيرا قط»، فهذا تفسير أيضا، للفظ: «لم يعمل حسنة قط»، فافطن لهذا.
وأخرجه البخاري في «صحيحه» (ج3 ص1283)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، وابن ماجه في «سـنـنـه» (ج2 ص1421)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص269)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص283) من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل يسرف على نفسه – يعني: يبالغ في المعاصي – فلما حضره([388]) الموت... الحديث).
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ج4 ص2110)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص666)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113)، والمراغي في «الأربعين» (ص84) من طريق الزبيدي عن الزهري حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة t به.
وأخرجه ابن صاعد في «زوائد الزهد» (ص372) من طريق الحجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن به.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق حماد بن سـلـمـة عن ثابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).
وإسناده صحيح، وقد ذكر: مرسلا، مقرونا من طريق الحسن، وابن سيرين.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).
* وتابعه على الموصول: يحيى بن إسحاق حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني به، عند أحمد في «المسند» (ج1 ص398).
وإسناده صحيح.
قلت: وهذه الأحاديث يفسر بعضها بعضا، في رفع الإشكال، في نفي إيمان الرجل، فافطن لهذا.
قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص40): (روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة، في هذا الحديث؛ أنه قال: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، وهذه اللفظة إن صحت([389])، رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل، فهي صحيحة، من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون، وهم: كفار، لأن الله عز وجل قد أخبر أنه: «لا يغفر أن يشرك به»، لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة، وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط)، أو: (لم يعمل خيرا قط)، لم يعذبه – إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا سائغ في لسان العرب، جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل، والمراد البعض، والدليل على أن الرجل كان مؤمنا، قوله حين قيل له: (لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب)، والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: ﴿$yJ¯RÎ) Óy´øs ©!$# ô`ÏB ÍnÏ$t6Ïã (#às¯»yJn=ãèø9$# 3 ﴾ [فاطر: 28]، قالوا: كل من خاف الله آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به، وهذا واضح لمن فهم، وألهم رشده).اهـ.
قلت: وهذا الكلام استحسنه؛ فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني / بقوله في «الصحيحة» (ج7 ص111): (هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماما في العلم، والمعرفة؛ بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص491) بعد أن ساق الحديث؛ برواية: «الصحيح»، وذكر أنه حديث متواتر: (وهنا أصلان عظيمان:
أحدهما: متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
والثاني: متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمنا بالله في الجملة، ومؤمنا باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب، ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملا صالحا([390]) وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه، غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح). اهـ.
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص112): (وخلاصته: أن الرجل النباش كان مؤمنا موحدا، وأن أمره أولاده بحرقه إنما كان، إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته - وهذا ما أسـتـبـعـده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه، كما قال ابن الملقن؛ فيما ذكره الحافظ (11/314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته.
* وسـواء كان هذا، أو ذاك فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له، كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر). اهـ.
قلت: بل هذا الرجل من أهل التوحيد - كما سبق -، وقد ترك بعض العمل الزائد على الأصول – كـ«التوحيد والصلاة» وغير ذلك - من النوافل: «فلم يعملها قط»، وهذه لا تضر العبد ما دام أنه مؤمن بالله تعالى، وموحد لله تعالى، وإليك الدليل.
1) عن أبي هريرة t عن النبي r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد، فلما احتضر قال لأهله: انظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم راح([391])، فلما مات فعلوا ذلك به، فإذا هو في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا بن آدم، ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي رب من مخافتك، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج2 ص304) من طريق أبي كامل مظفر الخـراسانـي ثنا حماد بن سـلـمـة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي r. وغير واحد عن الحسن، وابن سيرين عن النبي r.
قلت: وللحديث إسنادان:
أولهما: عن حماد بن سلمـة عن ثابت البناني عن أبي رافع الصائغ عن أبي هريرة t.
قلت: وهذا إسنـاد متصل صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج7 ص106).
ثانيهما: عن حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن وابن سيرين مرسلا.
قلت: وهذا ضعيف، لإرساله، ولجهالة الذين روى عنهم حماد بن سلمة.
* وتابعه على الإسناد المتصل يحيى بن إسـحـاق حدثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398).
وإسناده صحيح.
والصواب: هو المتصل.
قلت: فقوله r: (لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)، يدل على أن هذا العبد من الموحدين المؤمنين فغفر له، ودخل الجنة بناء على وجود العمل الصالح عنده([392])، فتنبه.
2) وعن عبد الله بن مسعود t قال: ((أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فخذوني واحرقوني حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر في يوم راح، قال: ففعلوا به ذلك، قال: فإذا هو في قبضة الله، قال: فقال الله عز وجل له ما حملك على ما صنعت قال: مخافتك، قال: فغفر الله له).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص398) من طريق يحيى بن إسحاق أخبرنا حماد بن سـلـمـة عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سـنـده حسن، وهو في حكم المرفوع، وإن كان موقوفا، كما هو معروف؛ عند أهل العلم.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «الصحيحة» (ج7 ص106): (وهو في حكم المرفوع، كما لا يخفى).
وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285) و(ج8 ص470) من طريق أبي كريب عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود t موقوفا به، وزاد فيه: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).
وإسناده صحيح، وسفيان الثوري: قديم السماع من أبي إسحاق.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194)، ثم قال: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10467) من طريق يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله بن مسعود t به، ثم قال في آخره: قال رسول الله r: (فوقع في يد الله، فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: مخافتك. قال: قد غفرت لك). وإسناده منكر.
وأخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج9 ص422) من طريق محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو الجواب حدثنا سليمان بن قرم عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود t، موقوفا به.
وإسـنـاده ضعيف فيه سليمان بن قرم البصري، وهو سـيـئ الحفظ، كما في «التقريب» لابن حجر (ص411).
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص194): وإسـنـاد ابن مسعود حسن، وقال أيضا: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالهما رجال الصحيح، ورواه الطبراني بنحوه. وإسـنـاده منقطع، وروى بعضه مرفوعا، أيضا بإســنـاد متصل، ورجاله رجال الصحيح، غير أبي الزعراء، وهو: «ثقة».
قلت: إذا فـهـذا الـرجـل كـان يـعـمل الأعـمال الـصـالـحـة، لـكن لإسـرافـه في المعاصي كان يسيء الظن بعمله، فيظن أنه لم يعمل خيرا قط، وذلك بقوله (رب ما كنت أعمل خيرا)، كما في رواية: أحمد في «المسند» (ج38 ص449).
وإليك الدليل أيضا:
1) عن حذيفة t عن رسول الله r قال: (كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر فإن الله يقدر علي لم يغفر لي قال فأمر الله الملائكة فتلقت روحه فقال له ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب ما فعلت إلا من مخافتك فغفر الله له).
حديث صحيح
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص667)، وفي «السنن الصغرى» (ج4 ص113) من طريق إســحـاق بن إبراهيم قال أنبا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش عن حذيفة t به.
قلت: وهذا ســنـده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (ج2 ص447).
2) وعن أبي مسعود t قال: قال رسول الله r: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخـيـر شــيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه).([393])
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص1196)، والبخاري في «الأدب المفرد» (293)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص201)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج7 ص11)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص120)، وهناد في «الزهد» (1076)، والترمذي في «سننه» (ج3 ص599)، وابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص252)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج5 ص356)، وفي «شعب الإيمان» (ج7 ص533)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص29) من طريق الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود t به.
قلت: إذا فأطلقا على أنفسهما أنهما: «لم يعملا خيرا قط»، مع أن الأول كان يسامح الناس في البيع والشراء، وهذا لا يكون إلا من كان في قلبه شيء من الإيمان، والإيمان جاءه عن طريق العمل، وإن كان يسيرا.
والثاني: كان يخاف([394]) الله تعالى، ويـسيئ الظن بـعـمــلـه([395]) لإسـرافـه في المعاصي، وقد تاب عن ذلك أيضا، وهذا هو طريق الإيمان، لأن لا يخاف العبد من الله، إلا إذا كان في قلبه الإيمان، وهذا الإيمان أتى بسبب العمل، وإن كان يسيرا، وهذا طريق لغة العرب، كما سبق.
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص116): (وهو سبحانه كما جعل الرجاء؛ لأهل الأعمال الصالحة، فكذلك جعل الخوف، لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء، والخوف النافع، هو ما اقترن به العمل). اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص521): (هذه اللفظة: «لم يعملوا خيرا قط»، من الجنس الذي تقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل: «لم يعملوا خيرا قط»([396]) على الكمال والتمام، لا على ما أوجب عليه، وأمر به). اهـ.
وقال الإمام أبو عوانة / في «المستخرج» (ج1 ص181): (بيان الدليل: على أن الشفاعة لمن قال: «لا إله إلا الله» وكان في قلبه شيء من الخير، وأنه لا تحرق النار صورهم، وأن الشفاعة لا تنفع من قال: «لا إله إلا الله»، ولم يكن في قلبه من الخير شيء). اهـ.
قلت: فهذا محمول على إخراج من بقي من أهل التوحيد من النار، وخلود الكفار، والمنافقين فيها.([397])
قلت: وأيضا هذا الرجل، كما دل قوله بأنه تائب إلى ربه سبحانه وتعالى، بدليل أن الإمام مسلما / ذكر هذا الحديث في «كتاب التوبة» (ج4 ص2110)، وكذلك هذا: صنيع الحافظ البيهقي /، فإنه ذكره في «شعب الإيمان» (ج5 ص430)؛ باب: في معالجة كل ذنب بالتوبة، ومن مات بتوبة غفر له ذنبه، ودخل الجنة، حتى لو أسرف في المعاصي.
وإليك الدليل:
عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى.
وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم أي حكما فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له؟ فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة).([398])
قلت: والشفاعة مخصوصة للنبي r في المذنبين من أمته، الذين ماتوا بلا توبة، فشفاعته r للمذنبين بالتجاوز عن ذنوبهم.([399])
* إذا المجمل لا يكفي وحده في العمل، حتى يتبين المراد منه، ولا يجوز العمل به إلا بدليل خارجي صحيح، فهو محتاج إلى البيان.([400])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص418): (إذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن، واستدل ببعض المتن على بعض). اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص505): (ليس خبر قتادة عن أنس t «أخرجوا من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه من الخير ما يزن برة»، خلاف هذه الأخبار التي فيها: «في قلبه من الإيمان ما يزن كذا»، إذ العلم محيط أن الإيمان من الخير لا من الشر، ومن زعم من: «الغالية المرجئة» أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان كان مكذبا لهذه الأخبار التي فيها «أخرجوا من النار من كان في قلبه من الإيمان كذا»، فيلزمهم: أن يقولوا: هذه الأخبار كلها غير ثابتة، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بإيمان، أو يقولوا: إن الإيمان ليس بخير، وما ليس بخير فهو شر، ولا يقول مسلم: إن الإيمان ليس بخير، فافهمه لا تغالط). اهـ.
قلت: وأكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة، ولا يميزون بين الخبر المجمل، وبين الخبر المفسر، وبين الخبر المختصر، وبين الخبر المتقصى، وغير ذلك. فيحتجون بالخبر المجمل، ويدعون الخبر المفسر، أو يحتجون بالخبر المختصر، ويدعون الخبر المتقصى... وهكذا، وهذا ليس طريق العلم.([401])
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص500): (أن الأخبار رويت على ما كان يحفظها رواتها، منهم من كان يحفظ بعض الخبر، ومنهم من كان يحفظ الكل، فبعض الأخبار رويت مختصرة، وبعضها متقصاة، فإذا جمع بين المتقصى من الأخبار، وبين المختصر منها، بان حينئذ العلم والحكم). اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص581): (ولا يزال يسمع أهل الجهل، والعناد: يحتجون بأخبار مختصرة غير متقصاة، وبأخبار مجملة غير مفسرة، ولا يفهمون أصول العلم، يستدلون بالمتقصى من الأخبار على مختصرها، وبالمفسر منها على مجملها، قد ثبتت الأخبار عن النبي r بلفظة لو حملت على ظاهرها، كما حملت المرجئة الأخبار التي ذكرناها في شهادة: «أن لا إله إلا الله، على ظاهرها لكان العالم بقلبه أن لا إله إلا الله مستحقا للجنة، وإن لم يقر بذلك لسانه، ولا أقر بشيء مما أمر الله تعالى بالإقرار به، ولا آمن بقلبه بشيء أمر الله بالإيمان به، ولا عمل بجوارحه شيئا أمر الله به، ولا انزجر عن شيء حرمه الله). اهـ.
قلت: إذا فلا يجوز ترك الاستدلال بالأخبار المبينة، المفسرة، المتقصاة.([402])
* والبيان والتفسير يحصل من قول الله تعالى، أو من رسوله r، أو من قول أهل لغة العرب.
* ثم إن حديث أبي هريرة t يبين بأن آخر أهل النار خروجا من النار، هو الرجل الذي يبقى مقبلا بوجهه على النار، وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، ولم يكن من القبضة الذين: (لم يعملوا خيرا قط)، لأن هؤلاء آخر العباد خروجا من النار؛ كما جاء في الحديث، وهذا مخالف لحديث أبي هريرة t الذي فيه آخر أهل النار خروجا، هو الرجل المقبل بوجهه على النار، مما تبين شذوذ هذه الزيادة، وإليك الدليل:
عن أبي هريرة t - في حديث الشفاعة – وفيه: (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، هو آخر أهل النار دخولا الجنة، فيقول: أي رب اصرف وجهي عن النار، فإنه قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، ثم يقول الله: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء، فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب قدمني إلى باب الجنة، فيقول الله له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدا، ويلك يا بن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب، ويدعو الله حتى يقول: هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، ويعطي ما شاء من عهود ومواثيق ، فيقدمه إلى باب الجنة، فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة، فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فيسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت، فيقول: ويلك يا بن آدم ما أغدرك، فيقول: أي رب لا أكونن أشــقــى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال له: ادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه، فسأل ربه وتمنى، حتى إن الله ليذكره، يقول: كذا وكذا، حتى انقطعت به الأماني، قال الله: ذلك لك ومثله معه).
* قال عطاء بن يزيد: وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة، لا يرد عليه من حديثه شيئا، حتى إذا حدث أبو هريرة: أن الله تبارك وتعالى قال: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: (وعشرة أمثاله معه). يا أبا هريرة. قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: (ذلك لك ومثله معه). قال أبو سعيد الخدري: أشــهــد أني حفظت من رسول الله r قوله: (ذلك لك وعشرة أمثاله).
قال أبو هريرة: فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة).([403])
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص419) من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء الليثي عن أبي هريرة t به.
قلت: ودل الحديث على، أن أبا سعيد الخدري t، قد أقر أبا هريرة t، على روايته هذه، وأن هذا اللفظ المذكور في حديث أبي هريرة: مفسر لما أجمل، من قوله: (لم يعملوا خيرا قط)([404])؛ في حديث: أبي سعيد الخدري t، وأن المراد بذلك ليس نفي مطلق العمل، وأنه يدخل في عمومه الصلاة، بدلالة آثار السجود، التي حرمت على النار.([405])
قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ص393): (فهذه المقالة تثبت أن أبا سعيد t، قد حفظ هذا الخبر عن النبي r، على ما رواه([406]) أبو هريرة...). اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد»(ص544): (باب ذكر البيان: أن الرجل الذي ذكرنا صفته وخبرنا أنه آخر أهل النار خروجا من النار، ممن يخرج من النار زحفا، لا ممن يخرج بالشفاعة: وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وأن من يخرج بالشفاعة يدخلون الجنة قبله، وأن هذا الواحد يبقى بعدهم بين الجنة والنار، ثم يدخله الله بعد ذلك الجنة بفضله، ورحمته، لا بشفاعة أحد). اهـ.
* وقد ثبت عن النبي r أن الذين يدخلون النار من الموحدين المصلين، ويعيرهم المشركون بذلك، ثم يخرجهم الله تعالى عند ذلك لما معهم من الأعمال الصالحة، ومنها الصلاة بدليل ما جاء في الأحاديث؛ بأنهم يعبدون الله تعالى.
وإليك الدليل:
1) عن أنس بن مالك t وفيه: (ما أغنى عنكم إنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئا).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص144)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص502)، وضياء الدين في «الأحاديث المختارة» (ج6 ص323)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص846)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (ج5 ص479)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص27)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص330)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص276) من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الحافظ ابن منده في «الإيمان» (ج2 ص847): هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد.
* وقد فسر هذا القول: بحديث أبي هريرة t.
2) وعن أبي هريرة t مرفوعا، وفيه: (حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود).
* وفي رواية (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (86)، ومسلم في «صحيحه» (182)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج6 ص504)، وفي «السنن الصغرى» (1140)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج11 ص407) )، والطيالسي في «المسند» (2383)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (238)، و(239)، و(240)، وأبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص162)، وابن المبارك في «الزهد» (284)، والبغوي في «شرح السنة» (ج15 ص173)، والدارقطني في «الرؤية» (32 و33)، والطبري في «تفسيره» (ج13 ص155)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص292)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص787)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص256)، وفي «الأسمـاء والـصـفـات» (ج2 ص66)، وفي «الـبـعـث» (ص176)، وابن خـزيـمـة في «التوحيد» (ص480)، وعثمان الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص91)، وابن عبد الهادي في «مسألة في التوحيد وفضل لا إله إلا الله» (ص56)، والآجري في «التصديق» (ص65)، وفي «الشريعة» (259)، وأبو نعيم في «المستخرج» (ج1 ص247)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج6 ص1177) من طرق عن أبي هريرة t به.
قلت: فبين هذا الحديث أنه لا يلزم من إخراج من كان يشهد: «أن لا إله إلا الله»، أنه لا يصلي، أو أنه يتلفظ بهذه الكلمة دون شيء من عمل الجوارح، وأهم ذلك عندنا جميعا بالنسبة للعمل: «الصلاة».
قال الإمام ابن بطة / في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص795): (فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل، وأن من صدق بالقول، وترك العمل كان مكذبا وخارجا من الإيمان، وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل، ولا عملا إلا بقول). اهـ.
وأما قول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة (بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه).
* فزيادة: «بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه»، زيادة شاذة كذلك، كما سبق.
أخرجها البخاري في «صحيحه» (ج13 ص421)، وغيره: من رواية سـعـيـد بن أبي هلال المصري، وهو مختلط قال عنه أحمد: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، وقد سبقت هذه الرواية.
انظر: «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).
ثم على فرض صحتها لا تدل على «عدم العمل» لأمور:
أولا: هذه اللفظة لا تدل بحال على امتناع وقوع العمل منهم مطلقا، بل قد تطلق مع وقوع يسير الأعمال، وإنما يراد بها نفي الكمال، وهذا مفهوم في لغة العرب، كما سبق.
ثانيا: لا يتصور من العبد المسلم انتفاء العمل مطلقا، مع وجود الإيمان في قلبه، حتى لو كان يسيرا، ولذلك ما دخل الجنة بعد تعذيبه، إلا لوجود الإيمان في قلبه، وهذا طريق الموحدين المقصرين في الآخرة.
ثالثا: فلم يرد ما يدل على ترك العمل مطلقا، إلا من قول أهل الجنة، وهم إنما قالوا ذلك على حسب ظاهر ما يعلمون من حالهم، وهذا شأن العباد في الدنيا والآخرة لا يعلمون من الأمور إلا ما علمهم الله تعالى، وقد يخفى عليهم بعض الأمور، حتى لو كانوا من أهل الجنة لأن الله تعالى كتب على بني آدم ذلك حتى في الآخرة.([407])
* ولذلك أخرجوا من عرفوه، وبقي أناس من أهل التوحيد، لم يعرفهم أهل الجنة، والله يعلم بهم، فأخرجهم لما في قلوبهم من الإيمان.([408])
وإليك الدليل:
عن أبي سعيد الخدري t وفيه (فوالذي نفسي بيده! ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله، في استقصاء الحق لله، من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. قالوا: كانوا يصومون معنا، ويحجون، ويصلون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم صورهم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه، ثم يقولون: يا ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به، ثم يقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه([409]) مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا. فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا([410])).
وفي رواية: (ربنا لم نذر فيها أحدا).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص802) من طرق عن سويد بن سعيد ثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t به.
* وسويد بن سعيد الحدثاني توبع، تابعه: مخلد بن يزيد، وعبد الرزاق.
فأخرجه أبو عوانة في «المستخرج» (ج1 ص169) من طريقين عن مخلد بن يزيد ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسـلـم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t، فذكر الحديث.
وإسناده صحيح.
ويؤيده: ما أخرجه ابن ماجه في «سـنـنـه»، مطولا (ج1 ص23) من طريق محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري t وفيه: (فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم... الحديث).
وإسناده صحيح.
* ومعمر، تابع: ميسرة في روايته.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنـن ابن ماجه» (ج1 ص16).
* وللحديث شواهد بهذه الألفاظ، سبق الكلام عليها.
قلت: فهذه اللفظة ليس فيها دليل على أن هؤلاء: «لم يعملوا عملا قط وخيرا قط»، إلا من قول أهل الجنة على حسب ما علمهم الله تعالى في أناس دون أناس، كما هو ظاهر النصوص.
قلت: فقول أهل الجنة: «هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه»([411])، هذا على حسب علمهم ومعرفتهم، وذلك لنقص علم الخلق حتى في الآخرة، بدليل قوله: «فيخرجون من عرفوا»، وقوله: «فأخرجوا من عرفتم»، وقولهم: «ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به».([412])
* وقد صرح الإمام ابن خزيمة /، بأن شفاعة النبي r فيمن كان في قلبه مثقال كذا وكذا من إيمان، أن المراد بذلك البعض، لا الكل.
فقال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج2 ص727): (باب ذكر الدليل: أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري لها، إلى هذا الموضع، في شفاعة النبي([413]) r، في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة، مرادها خاص، قوله: «أخرجوا من النار من كان في قلبه وزن كذا من الإيمان»، أن معناه بعض من كان في قلبه قدر ذلك الوزن من الإيمان، لأن النبي r قد أعلم أنه يشفع ذلك اليوم أيضا غيره، فيشفعون، فيأمر الله أن يخرج من النار بشفاعة غير نبينا محمد r، من كان في قلوبهم من الإيمان قدر ما أعلم أنه يخرج بشفاعة نبينا محمد r، – إلى أن قال -: ومعروف أيضا في لغة العرب الذين بلغتهم خوطبنا أن يقال: أخرج الناس من موضع كذا وكذا، أو القوم أو من كان معه كذا أو عنده كذا، وإنما يراد بعضهم، لا جميعهم لا ينكر من يعرف لغة العرب أنها بلفظ العام يريد الخاص، وقد بينا من هذا النحو من كتاب ربنا، وسـنـة نبينا المصطفى r في كتاب معاني القرآن، وفي كتبنا المصنفة من المسند في الفقه ما في بعضه الغنية، والكفاية لمن وفق لفهمه، كان معنى الأخبار التي قدمت ذكرها في شفاعة النبي r عندي خاصة، معناها: أخرجوا من النار، من كان في قلبه من الإيمان كذا، أي غير من قضيت إخراجه من النار، بشفاعة غير النبي r من الملائكة، والصديقين والشفعاء غيره، فمن كان له إخوة في الدنيا، يصلون، ويصومون معهم، ويحجون معهم، ويغزون معهم، قد قضيت أني أشفعهم فيهم، فأخرجوهم من النار بشفاعتهم). اهـ.
قلت: وما قاله في حق النبي r، هو كذلك في حق شفاعة المؤمنين في إخوانهم، فإنهم أمروا بإخراج من كان في قلبه وزن كذا، أو مثقال كذا من الإيمان، ثم أمر الأنبياء عليهم السلام بإخراج من كان عنده نفس القدر من الإيمان.
* مما يدل على أن المؤمنين لم يخرجوا الكل، والقرينة لهذا أيضا فوق ما سبق من برهان أنهم أمروا بأن يخرجوا من عرفوا من إخوانهم، فالذين لم يعرفوهم لم يدخلوا في ذلك الأمر أصلا.([414])
قلت: إذا فالروايات التي فيها: «لم يعملوا خيرا قط»، محمولة على أنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله» ولا بد، كما في الروايات السابقة، والروايات التي جاءت بأنهم كانوا يقولون: «لا إله إلا الله»، محمولة أيضا على أنهم لم يأتوا بما يناقضها، ولا بد، كما أوضحت الروايات الأخرى.
* لأن من خرجوا هم من المسلمين، كما هو صريح رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا من غير المسلمين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها. ([415])
قلت: وهذا مستفاد من مجموع الروايات التي سبقت، ومن ضيعه ولم يصبه - لا سيما في هذه المسألة - فاته علم كثير، وأخطأ في هذه المسألة.([416])
* لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وهذه قاعدة ضرورية في تشريع الأحكام عند وجود الأدلة المجملة والمفسرة.([417])
قال الحافظ السبكي / في «شرح الإبهاج» (ج3 ص210): (وإذا تعارض فإنما يرجح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل منهما، فإن أمكن - ولو من وجهه - فلا يصار إلى الترجيح لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية، لأن الأصل في الدليل الإعمال لا الإهمال). اهـ.
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (ثم المختلف قسمان: أحدهما: يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه، يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه). اهـ.
وقال الفقيه القرافي / في «تنقيح الفصول» (ص421): (إذا تعارض دليلان فالعمل بكل واحد منهما من وجه، أولى من العمل بأحدهما). اهـ.
وقال أبو زهرة / في «أصول الفقه» (ص184): (ومن التوفيق أن يؤول أحد النصين بحيث يتلاقى مع النص الآخر). اهـ.
قلت: فهذه القاعدة تعطي حكما مفيدا حسب مقتضى الأدلة، وبإهمالها هو إهمال للحكم الشرعي، وما يترتب عليه من ثمرة علمية مفيدة.([418])
* فالعالم عليه أن يصون هذه القاعدة، وإلا ألغى بعض الأحكام، وهو لا يشعر.
إذا فلو تركنا الروايات الأخرى، كحديث أبي هريرة وغيره، للزم من ذلك إهدار الأدلة السابقة التي تفسر المقصود.
* ثم إن المخالف ليس معه إلا ظاهر جملة مجملة وهي: (لم يعملوا خيرا قط)، و(أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه)، في رواية أبي سـعـيـد الخدري، وقد فصلت هذه الجملة في مواضع أخرى من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وغيرهما.
* فكيف يؤول كل هذه الروايات، ويهدر تلك الأدلة لجملة مجملة مشتركة قد فصلت في مواضع أخرى، كما سبق.
قلت: فالواجب حملها على المعنى المفيد للحكم، لأن خلافه إهمال وإلغاء للحكم المفسر الصحيح المترجح.
قلت: ومنهج التوفيق والترجيح من الأمور الأسـاسـية، لفهم معاني الأحاديث النبوية، فهما، سليما، وهو من أهم الأدوات لاسـتـنـبـاط الأحكام الشرعية من السنة النبوية، استنباطا، صحيحا، وجهله يؤدي بالناظر في مختلف الحديث إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح، فهو من أهم العلوم التي يحتاج إلى معرفتها: العلماء، وطلبة العلم.
قال الحافظ النووي / في «التقريب» (ج2 ص197): (هذا فن من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف). اهـ.
قلت: وأيضا فإن التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث، لا يؤهل له إلا المجتهدون من أهل العلم، المتعمقون في علوم الحديث والفقه، ويقصر عنه المقلدون المتعالمون([419]) المقلون في علوم الحديث والفقه.
قال الحافظ ابن الصلاح / في «المقدمة» (ص285): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، الغواصون على المعاني الدقيقة).([420]) اهـ.
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص149): (وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث، والفقه، والأصوليون المتمكنون في ذلك، الغائصون في المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان). اهـ.
قلت: ومن المعلوم أن الأحاديث النبوية، إنما جاءت للعمل بها، وفي حالة التعارض الظاهري بينها يكون الجمع بين الأحاديث هو السبيل إلى تحقيق الغاية التي جاءت من أجلها حيث إن الجمع بين الأحاديث يؤدي إلى إعمالها جميعا، أما دفع التعارض بالترجيح الصوري، بلا دليل كـ:«ترجيح المجمل على المفسر»، فإنه لا يحقق الإعمال لجميع الأدلة، بل يعمل ببعضها، ويترك البعض الآخر، فيجب إذا الالتزام بالأصل في أن إعمال الأدلة أولى من إهمالها.([421])
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص222): (وكلما احتمل حديثان، أن يستعملا معا استعملا معا، ولم يعطل واحد منهما الآخر). اهـ.
وقال اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص196): (والذي يظهر اعتباره هو تقديم الجمع على الترجيح، لأن في تقديم الترجيح يلزم ترك العمل بأحد الدليلين من غير ضرورة داعية إليه، وفي تقديم الجمع يمكن العمل بكل منهما على ما هو عليه). اهـ.
قلت: فإن أمكن الجمع والترجيح على ما هو عليه للأحاديث المفسرة، فهذا هو العلم فافطن لهذا ترشد.
وقال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج1 ص3): (إني نظرت في الآثار المروية عنه r، بالأسـانـيـد المقبولة التي نقلها ذووا التثبت فيها، والأمانة عليها وحسن الأداء لها، فوجدت فيها أشياء مما سـقـطت معرفته، والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها، وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها، ومن اسـتـخـراج الأحكام التي فيها، ومن نفي الإحالات عنها، وأن أجعل ذلك أبوابا أذكر في كل باب منها ما يهب الله عز وجل لي من ذلك فيها، حتى أبين ما قدرت عليه منها).([422]) اهـ.
وقال الإمام ابن خزيمة /: (ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما).([423]) اهـ.
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص213): (ورسول الله r عربي اللسان والدار، فقد يقول: القول عاما يريد به العام، وعاما يريد به الخاص). اهـ.
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص341): (كل كلام كان عاما ظاهرا في سـنـة رســول الله r، فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله r يدل على أنه إنما يريد بالجملة العامة في الظاهر بعض الجملة دون بعض). اهـ.
قلت: والمطلق على إطلاقه هو الظاهر، ولا يعدل هذا الظاهر الشائع إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، وظاهر الأمر الوجوب فيجب العمل بالظاهر، ولا يحمل الأمر على الندب، أو الإرشاد إلا بدليل، وكذلك النهي ظاهر التحريم، فلا يتحقق مدلوله إلا بالكف، ولا يحمل النهي على الكراهة إلا بدليل.([424])
* وكذلك يرجح الحديث بأمر خارجي، أي: في ترجيح الحديث الذي وافقه دليل آخر في الحكم، وهذا قول جمهور العلماء. ([425])
* لأن المقصود من الترجيح المفسر بيان الحكم الصحيح في أحد الدليلين، وقد وضح أن الحكم الصحيح في الدليل الذي وافقه دليل آخر، فوجب ترجيحه.([426])
قلت: وأحاديث الباب عمل بها جميع الأمة في مسألة الشفاعة للمسلمين، فيجب العمل بها، لأن الترجيح بعمل جميع الأمة أولى، والله ولي التوفيق.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على ضعف حديث: «من قال لا إلـه إلا الله نفعته يوما من دهره»، فلا يحتج به في الأصول، لأنه مخالف للرسول r
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال: لا إلـٰه إلا الله، نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه).
حديث منكر
* اختلف في هذا الحديث، في رفعه، ووقفه:
* فرواه عيسى بن يونس، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن الأغر([427]) أبي مسلم، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال: لا إلـٰه إلا الله، أنجته يوما من دهره، أصابه ما أصابه قبل ذلك).
قال: «أنجته»، بدل: «نفعته».
حديث منكر
أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (ج1 ص346)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص269)، وابن حبان في «صحيحه» (3004)، وابن ثرثال في «السداسيات» (ج1 ص91)، وابن نقطة في «التقييد» (ص157)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص46)، و(ج7 ص126)، وابن العسكري في «حديثه» (242)، والخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (ج2 ص379)، وابن الأعرابي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص463)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص51 و52)، وابن حيويه في «حديثه» (ق/8/ط).
وقال الحافظ أبو نعيم في «الحلية» (ج5 ص46): (غريب من حديث الثوري، ومنصور، لم نكتبه إلا من هذا الوجه)؛ يعني: في رفعه، والمعروف عن الثوري: في وقفه.
وقال الحافظ أبو نعيم في «الحلية» (ج7 ص126): (تفرد به عن سفيان: عيسى بن يونس)؛ يعني: في رفعه.
* هكذا: مرفوعا، ورجاله ثقات، لكنه: معلول بالوقف، وهو الأصح عن الثوري.
* وقد أخطأ فيه عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي في رفعه([428])، إنما هو: موقوف على سفيان الثوري، وهو الصواب.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو يخطئ ويخالف. ([429])
ومنه: قال الحافظ النسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص108): (هذا خطأ، ولا نعلم أحدا تابع: عيسى بن يونس عليه، والصواب: أشعث عن الحسن عن أبي هريرة).
وقال الإمام الخطابي في «معالم السنن» (ج3 ص499): (يقال: إن عيسى بن يونس، قد وهم فيه، وهو يغلط أحيانا فيما يرويه).
فهو: معلول بخطأ: عيسى بن يونس في رفعه، وإنما المحفوظ عن سفيان الثوري، هو الوقف في الإسناد.
* وقد أنكر عليه حديث: «أن النبي r كان يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة». عن عائشة ڤ.
قال الآجري في «السؤالات» (ج3 ص355): (سألت أبا داود عن هذا الحديث، فقال: لم يرفعه إلا عيسى بن يونس، وهو عند الناس: مرسل).
وقال الأثرم، عن أحمد: (كان عيسى بن يونس، يسند حديث: الهدية، والناس يرسلونه). ([430])
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص28)؛ عن ابن معين: (عيسى بن يونس يسند حديثـا عن هشام، عن أبيه، عن عائشة ڤ: «أن النبي r كان يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة»، والناس: يرسلونه).
وخالف عيسى بن يونس: عبد الرزاق الصنعاني؛ وصرح بوقفه.
* فرواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن حصين، ومنصور، أو أحدهما: عن هلال بن يساف، عن أبي هريرة t قال: (من قال عند موته: لا إلـٰه إلا الله أنجته يوما من الدهر([431])، أصابه قبل ذلك ما أصابه).
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص122)؛ ولم يذكر: «الأغر»، وهذا من الاختلاف في الإسناد.
* وعبد الرزاق الصنعاني، من أصحاب سفيان الثوري. ([432])
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص240): (والصحيح: عن حصين، ومنصور: الموقوف).
قلت: وعليه أكثر الرواة الثقات.
وأخرجه السري بن يحيى في «حديثه عن شيوخه» (ص82)، عن سفيان الثوري وهو في «حديثه» (108) عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الأغر، عن أبي هريرة t قال: (من قال: لا إلـٰه إلا الله، أنجته يوما من دهره، أصابه قبل ذلك ما أصابه).
هكذا: موقوفا، وهو الصحيح، بهذا الوجه أيضا. ([433])
قلت: فهو محفوظ عن سفيان الثوري: موقوفا.
* وهكذا: رواه عن الثوري: ثقات أصحابه.
وذكر الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص139 و140)؛ الاختلاف على الثوري في رفعه، ووقفه، ورجح: وقفه.
* ورواه محمد بن إسماعيل الفارسي، قال: حدثنا الثوري، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الأغر، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لقنوا موتاكم لا إلـٰه إلا الله، فإنه من كان آخر كلمته: لا إلـٰه إلا الله عند الموت، دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه).
حديث منكر
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (ج7 ص272)، والدارقطني في «العلل» (ج11 ص240)؛ بهذا اللفظ.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه محمد بن إسماعيل الفارسي، وهو يهم ويخالف.([434])
وأورده الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج9 ص78)؛ ثم قال: «يغرب».
* وزاد أبو إسماعيل الفارسي، وهو محمد بن إسماعيل، في هذا الحديث: كلمة لم يذكرها غيره، وهي قوله: «لقنوا موتاكم لا إلـٰه إلا الله»؛ فهي زيادة منكرة جدا في هذا الحديث!.
والحديث أورده ابن حجر في «لسان الميزان» (ج5 ص77).
* فمحمد بن إسماعيل الفارسي: وافقه، عيسى بن يونس، على الرواية المرفوعة.
* وخالفهما غيرهما: فروى الخبر، موقوفا، على أبي هريرة t.
قلت: وهذا يدل على أن الرواية: المرفوعة، معلولة، بالرواية: الموقوفة.
فهو حديث: مضطرب.
* ورواه أبو كامل، قال: نا أبو عوانة، عن منصور بن المعتمر، عن هلال بن يساف، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال: لا إلـٰه إلا الله، نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه).
حديث منكر
أخرجه البزار في «المسند» (ج15 ص66)، وابن الأعرابي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص466)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (ج1 ص268).
قال الحافظ البزار في «المسند» (ج15 ص66): (وهذا الحديث لا نعلمه: يروى عن النبي r؛ إلا من هذا الوجه، بهذا الإسناد.
* ورواه عيسى بن يونس، عن الثوري، عن منصور أيضا، فتابعه على مثل هذه الرواية.
* وقد روى هذا الحديث: حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، والأغر، عن أبي هريرة: موقوفا، ومنصور أحفظ من حصين([435])). اهـ.
* كذا قال الحافظ البزار في «مسند» (ج15 ص66).
* وخالفه الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص240)؛ فذكر الاختلاف في روايته: عن الثوري، وأن عيسى بن يونس، وأبا إسماعيل الفارسي، روياه: عنه، مرفوعا.
* ثم ذكر باقي طرقه، عن أبي عوانة، وحصين بن عبد الرحمن، ورواه أبو نعيم: عنه، فأوقفه.
* وصحح: الوقف، فقال الحافظ الدارقطني في «العلل» (3/ق224/ط): (والصحيح عن منصور: الموقوف).
* وهو الصواب.
وأورده السيوطي في «الجامع الكبير» (ج9 ص652).
قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص239): (ورواه أبو عوانة، واختلف عنه؛ فرواه: حبان بن هلال، عن أبي عوانة، عن منصور: مرفوعا، وغيره: يرويه عن أبي عوانة: موقوفا.
* وكذلك رواه: إبراهيم بن طهمان، وجرير بن عبد الحميد، وأبو حفص الأبار، عن منصور).
قلت: هنا أبو عوانة، رواه عن منصور بن المعتمر: مرفوعا.
* وقد تابع: منصورا، حصين بن عبد الرحمن، واختلف فيه:
فمنهم: من رواه عن حصين: مرفوعا.
ومنهم: من رواه عن حصين: موقوفا.
* فرواه محمد بن عمرو، ثنا أبي، ثنا حديج بن معاوية، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن الأغر، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال: لا إلـٰه إلا الله نفعته يوما من دهره، أصابه قبل ذلك ما أصابه).
حديث منكر
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6396).
وقال الحافظ الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج6 ص274): (لم يرو هذا الحديث عن حصين، إلا حديج بن معاوية).
قلت: وحديج بن معاوية الكوفي، يهم ويخالف، فلا يحتج به. ([436])
قال عنه ابن معين: «ليس بشيء»، وقال أبو حاتم: «في بعض حديثه ضعف»، وقال البخاري: «يتكلمون في بعض حديثه»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال ابن سعد: «كان ضعيفا في الحديث»، وقال الدارقطني: «غلب عليه الوهم»، وقال ابن حبان: «منكر الحديث، كثير الوهم على قلة روايته»، وقال البزار: «سيئ الحفظ». ([437])
لذلك: قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص226): (صدوق: يخطئ).
* وذكر عبد الله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (5251)؛ حديثـا، لحديج بن معاوية، للإمام أحمد، فقال: «هذا منكر».
وأورده السيوطي في «الجامع الكبير» (ج9 ص652).
وقال الحافظ الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج6 ص274): (لم يرو هذا الحديث عن حصين، إلا حديج بن معاوية).
وأورده الهيثمي في «مجمع البحرين» (ج1 ص55).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص63).
وقال الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (ج2 ص238): (رواه البزار، والطبراني: ورواته، رواة الصحيح).
* وخالفه: محمد بن فضيل الظبي، فأوقفه على أبي هريرة t.
وأخرجه ابن فضيل في «الدعاء» (ص357)، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة t قال: (من قال: لا إلـٰه إلا الله، نفعته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه).
* وهذا من الاختلاف في الحديث.
فهو: حديث مضطرب.
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص239): (وأما حصين بن عبد الرحمن؛ فرواه عمرو بن عثمان الكلابي([438])، عن زهير بن معاوية، عن حصين، عن هلال، عن الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي r.
* وخالفه: شعبة، وهشيم، وعبثر بن القاسم؛ رووه عن حصين، عن هلال: موقوفا). اهـ.
والصواب: من رواية، حصين بن عبد الرحمن: الوقف.
* وقد رجح الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص240)؛ الوقف.
* ورواه الحسين بن علي الصدائي، عن أبيه: علي بن يزيد الصدائي، قال: نا حفص الغاضري، عن موسى الصغير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (من قال: لا إلـٰه إلا الله نفعته يوما من دهره، ولو بعدما يصيبه العذاب).
حديث منكر
أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3486)، وفي «المعجم الصغير» (ج1 ص241).
وفيه زيادة: «ولو بعدما يصيبه العذاب»، وهي زيادة منكرة.
قلت: وهذا سنده واه، وله علتان:
الأولى: علي بن يزيد بن سليم الصدائي، وهو ضعيف الحديث. ([439])
قال الحافظ أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل» (ج6 ص209)؛ عن علي الصدائي: (ليس بقوي، منكر الحديث عن الثقات).
الثانية: حفص بن سليمان الأسدي الغاضري، وهو متروك. ([440])
وبه أعله الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج4 ص568).
وقال الحافظ الطبراني في «المعجم الأوسط» (ج4 ص12): (لا يروى عن عبيد الله بن عبد الله؛ إلا من هذا الوجه).
قلت: وهذا الحديث، معروف عن الأغر، عن أبي هريرة، لا دخل فيه: لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
وقال الحافظ الطبراني في «المعجم الصغير» (ج1 ص241): (لم يروه عن موسى الصغير، إلا حفص بن الغاضري، تفرد به: الحسين بن علي الصدائي، عن أبيه).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص17)؛ ثم قال: «رواه البزار، والطبراني في «الأوسط»، و«الصغير»، ورجاله رجال الصحيح».
* وليس هو كما قال.
وذكره الهيثمي في «مجمع البحرين» (ج1 ص55).
* ورواه محمد بن عمر بن حفص، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، ثنا سعد بن الصلت، ثنا أبو ظبية، عن هلال بن يساف، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (قولوا: لا إلـٰه إلا الله؛ فإنها تنفع صاحبها يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه).
حديث منكر
* لم أره بهذا اللفظ، وهذا الإسناد؛ إلا هنا.
* فهو: حديث مضطرب في سنده ومتنه.
أخرجه القاسم بن الفضل الثقفي في «الثقفيات» (ج1 ص384).
* ولم يذكر بينهما: الأغر، فالإسناد منقطع.
* وهذا من الاختلاف في الإسناد.
* وسعد بن الصلت الفارسي، وهو يغرب، لا يحتج به. ([441])
قال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج6 ص378)؛ عن ابن الصلت: «ربما أغرب».
* وبهذه العلل: يتبين أن هذا الحديث: حديث ضعيف على الوجهين: المرفوع، والموقوف.
وهو حديث: مضطرب في سنده، ومتنه.
وسئل الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج11 ص238)؛ عن حديث الأغر -واسمه: سلمان- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من قال لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر أصابه قبلها ما أصابه».
فقال: (يرويه: هلال بن يساف، عن الأغر، حدث به منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، واختلف عنهما؛
فأما منصور؛ فرواه: الثوري، عن منصور، واختلف عنه؛
فرواه: عيسى بن يونس، وابن إسماعيل([442]) الفارسي، عن الثوري، عن منصور: مرفوعا إلى النبي r. ([443])
* وخالفهما: أبو نعيم؛ فوقفه على أبي هريرة ([444])، وزاد أبو إسماعيل الفارسي، وهو محمد بن إسماعيل في هذا الحديث كلمة لم يقلها غيره، وهي قوله: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله».
* ورواه: أبو عوانة، واختلف عنه؛ فرواه: حبان بن هلال، عن أبي عوانة، عن منصور: مرفوعا ([445])، وغيره: يرويه عن أبي عوانة: موقوفا.
وكذلك: رواه إبراهيم بن طهمان، وجرير بن عبد الحميد، وأبو حفص الأبار، عن منصور، وأما حصين بن عبد الرحمن، فرواه عمرو بن عثمان الكلابي ([446])، عن زهير بن معاوية، عن حصين، عن هلال، عن الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي r.
وخالفه: شعبة، وهشيم، وعبثر بن القاسم؛ رووه عن حصين، عن هلال: موقوفا.([447])
* ورواه: علي بن عابس ([448])، عن حصين، عن الأغر، عن أبي هريرة: موقوفا، أسقط منه: هلال بن يساف، والصحيح: عن حصين، ومنصور: الموقوف). اهـ.
وذكره الحافظ السيوطي في «الجامع الصغير» (ج6 ص188)، ورمز: لحسنه، وفيه نظر لضعف الحديث.
* وصححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (ج3 ص332)؛ ولم يصب.
* وأورده الشيخ الألباني أيضا في «الصحيحة» (ج4 ص566)، وفيه نظر.
وسكت عنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص111).
* وأين كان الإمام البخاري، والإمام مسلم، عن هذا الحديث، فهو معلول عندهما، وهو غير محفوظ.
قلت: وعلى فرض صحته، فليس المقصود من قال يوما: «لا إلـٰه إلا الله»، فقط دون عمل بمقتضاها.
* وإنما المقصود من قالها، وعمل بها، ومات عليها.
* وأما من قالها، ولم يعمل بها، ونقضها فلا تنفعه.
قلت: فهذا مقطوع، بأنه ليس له في الجنة: نصيب، بل هو من المخلدين في النار.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
ذكر الدليل على تناقض: «عبد الله الجربوع» في حكم: «العبد الكافر»، وبيان تلاعبه في الأحكام، وأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، وهذا من عجيب أمر هذا المدعي، وأنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه، ويكأنه بدأ يخلط وتختلط عليه الأحكام في الدين، وذلك بسبب جهله المركب، حتى وقع في التباين والتضاد في أقواله، فانظر: كيف راج عليه ما حذر منه....................................................................................... |
5 |
2) |
ذكر الدليل على كشف إرجاء: «عبد الله الجربوع»، الكبير، وأن إرجاءه وصل به إلى عدم تكفير: الكفار، الذين كفرهم الله تعالى في القرآن، وكفرهم رسول الله في السنة، وأجمع الصحابة، والتابعون لهم بإحسان على تكفيرهم، وأنهم: مخلدون في النار بنص القرآن، لا يدخلون الجنة أبدا، فهذا: الجربوع، كذب القرآن، والسنة، وخالف الإجماع في هذا الحكم، فهلك ولا بد...................................... |
12 |
3) |
ذكر الدليل على الحكم بالكفر على المعين، وبالكفر العام، لمن وقع في المخالفات للأصول الكبرى، والمسائل العظمى، بالضوابط التي ضبطها أئمة الحديث في مسائل التكفير، والتي لا يعذر فيها؛ أي: أحد في تماديه بجهله في حياته، دون أن يتعلم أحكام دينه، ما دام استندوا في تكفيره إلى برهان من الله تعالى، وبيان من رسوله، وقد وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه وقامت الحجة عليه في الدين؛ ببلوغه القرآن، والرسالة فقط، وإن لم يفهم: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام: 19] .................................. |
26 |
4) |
ذكر الدليل على شذوذ زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، في حديث الشفاعة، وذكر الفهم، والمعنى الصحيح لتفسيرها، وبيان شذوذ زيادة أيضا: «فيقبض قبضة من النار، أو قبضتين»، هكذا على الشك، وهناك روايات: «فيقبض قبضة من النار»، وهذا يدل على اضطرابها، فلا تصح، وفي هذا قمع: «للجربوع»، الذي يجهل أصول العلل في الحديث، وجهله بأصول الاعتقاد، وبأصول اللغة في مثل معاني هذه الزيادة في الدين........................................................... |
198 |
5) |
ذكر الدليل على ضعف حديث: «من قال لا إلـه إلا الله نفعته يوما من دهره»، فلا يحتج به في الأصول، لأنه مخالف للرسول................... |
321 |
([1]) انظر إلى أي هوة سقط هذا: «الجربوع»، فهو يقول: هؤلاء كفار، واستحقوا الخلود في النار، وبعد قليل: سوف يجعلهم من العتقاء من النار، ويدخلهم الجنة!، فهو يخلط وتختلط عليه الأحكام في الدين.
([2]) هنا يكفر: «الكافر» ويخلده في النار، ثم يتناقض كعادته، ويقول مع هذا: لا يخلده الله في النار، لأنه يزعم أنه: من العتقاء، فيلقى الله تعالى: «بالتوحيد»، فيغفر له، وإذا دخل النار، لا يخلد، وأنه سوف يخرج بعد تعذيبه!.
* فكيف: تعتقد كفر الكافر، وثم تدعي أنه موحد!، هذا تناقض في الحكم الواحد، ثم تزعم أيضا فتقول: أنه يدخل النار، ولا يخلد فيها، بل زعمت: أنه يغفر له: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5]، وهذا مذهب: «المرجئة» تمامـا.
* وهذا كله طرف من تناقضه في أصل كلامه الباطل، وهذا الرجل لا يدري ما يخرج من رأسه.
* والجربوع: هنا خالف، القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة، ومن تبعهم بإحسان، في كفر الكافر، وأنه يخلد في النار، لأنه غير موحد!.
* ففي مقاله الأول: يكفره، لكنه: يغفر له، ويدخل النار، ولا يخلد فيها، لأنه موحد عنده وهو من العتقاء في إرجائه الكبير!.
* فانظر إلى هذا التناقض، وإلى هذا التباين والتضاد في أقواله، وكيف راج عليه ما حذر منه، وهذا يدل أنه غير ضابط للعلم الشرعي الصحيح.
* فلماذا أيها: «الجربوع»، هذا التنافر والتناقض في الأقوال!، أم أنت تزن بميزانين، وتكيل بمكيالين!.
* وأقوال: «الجربوع» هذا، هي أقوال: «المرجئة» تماما، فكيف يدعي أنه يرد على «المرجئة»، وهو غارق في مذهب «المرجئة»!، و «التبعية العمياء»!.
* كلامه كله: تناقض، فهذا أجلى صور التناقض، وأوضحها، بل إنها قدح صريح، بعدالة هذا: «الجربوع»، الذي يخلط ويخبط في الأحكام.
وهو: فوق هذا كله، يفتخر ويتعالم في دروسه، بما يوهم الجهلة، أنه عالم، وهو متعالم.
* وهذا يدل على أن «الجربوع» غير ضابط لمذهب السلف جيدا، وذلك: لأنه يتعالم في الدين.
([3]) وهذه كبرى معايب هذا: «الجربوع»، بشهادة نفسه على نفسه، ويكأنه بدأ يخلط وتختلط عليه الأحكام.
* فهو يعد أن هؤلاء من الكفار، ثم يعدهم من أهل التوحيد، وأنهم: سوف يخرجون من النار، ويدخلون الجنة، لأن الله أعتقهم من النار، هكذا زعم!.
([4]) وهذا كلام ينطوي على تلبيس وجهل، الكفار، هم: خالدون في نار جهنم، لا يدخلون الجنة أبدا، ولا رحمة لهم يوم القيامة: ]إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين[ [الأعراف: 40].
([7]) انظروا: كيف يتناقض في أقواله في الصفحة الواحدة، لكن كما يقال: «شر البلية ما يضحك»!.
* فتناقضات هذا الرجل، هي أكثر من أن تحصر.
([8]) وهذا تلبيس، يدل على جهله بالفرق، والديانات!.
* اليعقوبية: هي فرقة من فرق النصارى، وهي قديمة، نسبة إلى: «يعقوب البرذعاني»، كان راهبا، مكثرا من السفر: رغبة في ضم نصارى الشرق إلى عقيدته، وهي لها وجود في هذا العصر.
* أما اليعقوبية: وهي طائفة من اليهود، وهي فرقة قديمة جدا، وهي قبل اليعقوبية النصرانية، وليس لها أي وجود في هذا العصر، لا في إيران، ولا في غيرها.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص270).
([9]) هكذا يلقي الكلام على عواهنه، دون تحقيق، أو تدقيق، فلا يدري ما يخرج من رأسه، لكن: ]فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض[ [الرعد: 17].
([10])هنا الجربوع يقول أن: «التصديق» يكفي الكافر للخروج من النار، ويكون من العتقاء، وهذا أشد من قول: «الجهمية»، الذين قالوا أن المسلم يكفيه: «التصديق» الذي يجعل له إيمانـا ينجو به في الآخرة، فالجربوع: قد فاقهم بأنه أثبت إمكانية النجاة للكافر الذي عنده التصديق فقط، ويأتي الرد عليه.
([12]) وهذا من الكذب على الحافظ النووي /.
* الحافظ النووي: تكلم عن العصاة من الموحدين، هؤلاء عنده من العتقاء، وتنالهم: الشفاعة.
* ولم يقل الحافظ النووي /: عن العتقاء الذين هم: كفار، كما زعم: «الجربوع» المرجئ، بل بالعكس، الحافظ النووي يقول في «المنهاج» (ج3 ص40): (أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود، لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة، ينتفعون بها، ويستريحون معها). اهـ.
والدليل على ذلك:
قال تعالى: ]والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور[ [فاطر: 36].
وقال تعالى: ]ثم لا يموت فيها ولا يحيى[ [الأعلى: 13].
* وأما قول الحافظ النووي: أن العصاة من أهل التوحيد، أنهم يعذبون إلى ما شاء الله، فيميتهم الله تعالى إماتة بعد أن يعذبوا المدة التي أرادها الله تعالى، ويذهب معها الإحساس، فهذا القول ليس بصحيح، وليس عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج3 ص40).
قلت: والموت هنا ليس الموت الحقيقي المعروف، بل لغة العرب في مثل ذلك، يقال: «فلان مات من شدة العذاب»، وهو حي، و«فلان مات في هذه الحياة»، وهو حي في حياة البرزخ.
فهو مثل: الميت من شدة العذاب في النار، والأدلة تفسر لك ذلك، أن أهل النار لا يموتون، حتى من المسلمين الذين يدخلون النار، فهم: يحسون بالعذاب، لا يموتون أبدا، والعياذ بالله.
* وقد بينت ذلك في أثناء الشرح في هذا الكتاب.
وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص621).
([13]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «التعليق على كتاب الخلاصة السنية في حقيقة الإيمان»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([18]) وهذا من الكذب على الإمام ابن قدامة /، لأن هذا من الغلط في تصوير مذهبه بذلك!.
وانظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص146 و147)، و«المناظرة على القرآن» له (ص50)، و«شرح مختصر روضة الناظر» للطوفي (ج3 ص661).
([19]) كل كافر مخلد في النار بنص القرآن، وبنص السنة.
* وهذا يدل على أن: «الجربوع» هذا، تبنى الإرجاء، وهو من: «المرجئة السادسة»، ولا بد.
([20]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «التعليق على كتاب الخلاصة السنية في حقيقة الإيمان»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([21]) وسوف يسأل عن أباطيله هذا: ]ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد[ [ق:18].
قال تعالى: ]وقفوهم إنهم مسئولون[ [الصافات: 24].
([23]) هذا قول ملقى على عواهنه، يدل على جهل قائله بالشريعة المطهرة.
* وقد تكلم: الجربوع، من غير وازع ولا ضمير، ومن غير تدبر ولا تفكير، دفعه إلى ذلك ما عشعش في صدره، من حب للبدعة، ونقض للتوحيد وأركانه.
* ولعل هذه الردود، بتوفيق من الله تعالى تكون فيها نهاية: «الجربوع»، إما بكسر منهجه الباطل، أو إعلان توبته، وما ذلك على الله بعزيز، فالعمر قصير مهما توالت أسبابه، والموت قريب، قد شرعت أبوابه.
([24]) هذا القول ملقى على عواهنه، يدل على جهل قائله.
* اليعقوبية: هي فرقة من فرق النصارى، وهي قديمة، ومن أشهر الفرق القديمة.
* نسبة إلى: «يعقوب البرذعاني»، كان راهبا بالقسطنطينية، مكثرا من السفر: رغبة في ضم نصارى الشرق إلى عقيدته، وهي لها وجود في هذا العصر.
* أما اليعقوبية: وهي طائفة من اليهود، فهي فرقة قديمة جدا، وهي قبل اليعقوبية النصرانية، وليس لها أي وجود في هذا العصر، لا في إيران، ولا في غيرها.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج7 ص270).
([25]) انظروا: كيف يجزم بدخول: «الفرقة اليعقوبية» اليهودية في الجنة، وأنهم: من العتقاء.
* وهم: يقولون باعتقاد باطل للغاية، وهو قولهم: (كان الله في الأرض معهم في حياته، ثم صعد إلى السماء). تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا: ]تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا[ [مريم: 95].
* ومع ذلك: يدخلهم: الجربوع، الجنة، سبحان الله: لا يدري ما يخرج من رأسه.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج7 ص270): (فقالت فرقة -من اليهود-: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء: اليعقوبية!). اهـ.
* فهذا الجربوع: يستتاب، أو تضرب عنقه، بحكم العلماء فيه في الدين.
([26]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «التعليق على كتاب الخلاصة السنية في حقيقة الإيمان»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج5 ص560)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج1 ص280).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج3 ص657).
([29]) وهذا الأحمق من المحن على كلام أهل العلم، يضعه في غير موضعه، فيزيل بهجته، ويكدر صفوه.
* وهذا كلام كله قد تقدم في الرد عليه في الأجزاء التي سبقت، وهو قول: «ابن جرجيس»، الذي يزعم «الجربوع» أنه يرد عليه في الإرجاء!.
* ولم يأت: «الجربوع»، بمزيد حجة، بل هو من جنس ما قبله: بتحريف ظاهر في الدين، ونقل لا حجة فيه، وهو تلبيس وتدليس!.
* فليس المراد من الشهادة التلفظ بها، بل لا بد من العمل بها إلى أن يموت، ولا يأتي بمكفر فيها.
* فإنه قد تلفظ بها المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وهم كثير.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص201 و202 و203)، و«منهج التأسيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص513 و514 و517).
([30]) وهذا القول لم يقل به أحد من أهل العلم، بل القول به: هو ضد قولهم.
* وهؤلاء الذي يقصدهم: «الجربوع»، من القسم الثاني: من الكفرة عنده، هم: في الحقيقة من المنافقين في الإسلام، الذين هم: في الدرك الأسفل من النار.
* وهم: يعبدون الله تعالى، مع تلبسهم بمكفر في الإسلام، وهم: يصلون، ويحجون، ويتصدقون، ويصومون، وغير ذلك، ولكن لا يقبل منهم ذلك، لأنهم: متلبسون بالكفر.
قال تعالى: ]قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون[ [التوبة: 53 و54].
وقال تعالى: ]فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا[ [الحديد: 15].
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص201).
([31]) وهذا كذب على الله تعالى، مع ضعف الأحاديث: في «القبضة»، أو «القبضتين»، هكذا على الشك في بعض الروايات، وعلى فرض صحتها: فقد بين أهل العلم، أن أصحاب القبضة، أو القبضتين، هم من أهل الكبائر الذين دخلوا النار من المسلمين، ليسوا هم: من الكفار!، وقد نصت الأحاديث في الشفاعة على ذلك.
([32]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «إفادة الأخيار بأن الموحدين الذين خرجوا بالقبضتين من النار كانوا من الكفار!»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([33]) وانظر: «فتح المجيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ج1 ص120)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (ج1 ص207)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص611 و621).
([34]) تبا لهذا: «الجربوع»، ما أضله عن سواء السبيل، وما أجهله بكلام الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل وما أكذبه في الدين!.
([35]) وانظر: «فتح المجيد» للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ج1 ص120)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (ج1 ص207)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص621).
([37]) وهذا يدل على أن الكفار الذين ذكرهم: «الجربوع»، هم: من المنافقين، لأنهم: يصلون، ويصومون، ويحجون، ويتصدقون.
* وهؤلاء: ليسوا من أهل الشفاعة، ولا من العتقاء.
([38]) وهؤلاء: وإن كانوا يصلون، ويصومون، ويحجون، ويتصدقون، ولكن لا يقبل منهم، لأنهم: كفار، وليس لهم شفاعة، ولا هم: من العتقاء.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص201).
([39]) فانظر: إلى أي هوة سقط هذا الرجل، أبكذبه وتضليله وتلبيسه، أم بعظيم غفلته، وشدة حمقه، أم بضحالة عقله، واستفحال جهله!.
* وهذا الجربوع المرجئ: لم يتقن التدليس والتلبيس في قوله بالإرجاء الخبيث، وهذا ظاهر!.
قلت: فهذا لون آخر من الإرجاء، مما هو متلبس به ويتهم به غيره!.
وقد سبق الكلام عليه: ونقضناه، وبينا فساده، وهدمنا أسه وعماده!.
([40]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «إفادة الأخيار بأن الموحدين الذين خرجوا بالقبضتين من النار كانوا من الكفار!»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([41]) هل أفاده هذا شيئـا، وهو متلبس بـ«الإرجاء»، فيكتب للعبد الإسلام بمجرد تلفظه بـ«الشهادتين»، حتى لو لم يعمل عملا قط، وهذا «مذهب المرجئة»، وقد سبق الكلام لمثل هذا الإرجاء.
وانظر: «المفهم» للقرطبي (ج1 ص204)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان آل الشيخ (ج1 ص205)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص201).
([42]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «إفادة الأخيار بأن الموحدين الذين خرجوا بالقبضتين من النار كانوا من الكفار!»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([43]) قلت: فهذا الحديث، مع ضعفه، لا يدخل فيه: الكفار البتة، بل هو في المسلمين الذين يدخلون النار، ثم يخرجون منها.
* فهذا الجربوع المرجئ: يجعل الكافرين، بمثل: المسلمين في هذا الحكم، والقرآن يرد عليه.
قال تعالى: ]أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون[ [القلم: 35 و36].
أي: أفنساوي، بين هؤلاء، وهؤلاء في الجزاء، كلا ورب الأرض والسماء.
* وقد سبق في الأجزاء الأخرى: الكلام على إرجائه.
([44]) وهذا افتراء على الله، وهو كذب في الدين، الله لا يدخل: الكافر الجنة أبدا، بل يخلد في النار.
قال الله تعالى: عن أهل النار من الكفار: ]ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين[ [الأعراف: 40].
* فهذا الجربوع: مكذب بالقرآن، وهو معاند، مستكبر، والله المستعان.
([45]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «إفادة الأخيار بأن الموحدين الذين خرجوا بالقبضتين من النار كانوا من الكفار!»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([46]) «التواصل المرئي»، بعنوان: «إفادة الأخيار بأن الموحدين الذين خرجوا بالقبضتين من النار كانوا من الكفار!»، بصوت: «عبد الله الجربوع»، في سنة: «1444هـ».
([47]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص128 و611 و621)، و«الفوائد» لابن القيم (ص283)، و«الشريعة» للآجري (ص135)، و«مسائل في الإيمان» للشيخ الفوزان (ص34).
([49]) وكذلك: لا عبرة بمن يهون على المسلمين الحديث في: «مسائل التكفير»، من الجهلة، أو يرى لا حاجة في ذكرها في هذا الزمان، فإن؛ بمثل: هذا لا يلتفت إليه، لأنه لا يفهم الحجج الشرعية في مثل هذه المسائل التي في الكتاب، والسنة، والآثار.
وانظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص18 و19 و20 و21 و22)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص24).
([50]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13ص318)، ومسلم في «صحيحه» (ج 3ص1342)، وأبو داود في «سننه» (ج4ص6)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص198).
([51]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج10 ص372)، و(ج12 ص468)، و«شرح حديث جبريل» له (ص582)، و«الدرر السنية» (ج8 ص97)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص335 و336)، و«السيل الجرار» للشوكاني (ج4 ص578)، و«منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص482 و483)، و«ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص9)؛ تقديم: الشيخ الفوزان، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص17 و19 و35)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص54 و55).
([52]) وانظر: «تبصرة الحكام» لابن فرحون المالكي (ج2 ص277)، و«الشفا» للقاضي عياض (ج2 ص978 و999)، و«الفصل» لابن حزم (ج2 ص1006)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج34 ص136)، و(ج35 ص197)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص5)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص527)، و«ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص48)؛ تقديم: الشيخ الفوزان، و«الفتاوى النجدية» (ج3 ص336)، و«الدرر السنية» (ج10 ص437 و438)، و«حكم تكفير المعين» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص9 و10 و13).
([54]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج12 ص488 و489)، و(ج35 ص197 و198)، و«الشفا» للقاضي عياض (ج2 ص984 و996)، و«الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص258 و259)، و«ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص44 و45)؛ تقديم: الشيخ الفوزان، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص37).
([56]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج12 ص488 و489)، و(ج35 ص197 و198)، و«الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص237 و238 و243 و244).
([59]) وانظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (ج4 ص606)، و«الفروع» لابن مفلح (ج6 ص158)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج10 ص327)، و«منار السبيل» لابن ضويان (ج2 ص357)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص15).
([60]) وهذا مثل: قول «المرجئة الخامسة» في هذا الزمان، الذين لا يكفرون من عبد الأوثان، ودان بعبادة الأوثان بعينه؛ لأنهم يزعمون أنه لابد من إقامة الحجة، ولابد أن يفهم الحجة!.
([64]) الرسالة: قد بلغت الخلق على وجه الأرض إلى قيام الساعة، من: «أهل الفترة»، ومن غيرهم، فلا عذر لأحد جهل الأحكام، ووقع في الشرك.
([66]) انظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص235)، و«الرد على البكري» لابن تيمية (ج2 ص731).
([67]) قلت: وأي مانع يمنع من تكفير هذا النوع.
وانظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص236).
([69]) قلت: والمرجئ لا يبدي قوله في اعتراضه، وتلبيسه؛ إلا هي أكبر من اختها في الجهالة، والضلالة.
وانظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص234).
([70]) وانظر: «مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» (ج3 ص159 -160)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص238).
أخرجه ابن أبي أسامة في «المسند» (ص221-الزوائد)، والآجري في «الشريعة» (ج1 ص156)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج15 ص307)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص34)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص102) من حديث أبي أمامة t.
وإسناده حسن.
([73]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص122)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص11 و12)، و«ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص53)، «تقديم الشيخ الفوزان»، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص55)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص43 و47 و48)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126).
([75]) ألا يكون عديم العقل، والتمييز؛ كالصغير، والمجنون، وغيرهما.
وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص243 و244)، و«كشف الشبهتين» لابن سحمان (ص91 و92).
([76]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص243 244)، و«الدرر السنية» (ج10 ص360 و375)، و«فتاوى نور على الدرب» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص659)، و«الفتاوى» له (ج2 ص126)، و«القول المفيد على كتاب التوحيد» له أيضا (ص297)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص 12 و13)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص 17).
([77]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص311)، و«الدرر السنية» (ج10 ص360 و375)، و«الضياء الشارق في الرد على المازق المارق» للشيخ ابن سحمان (ص290 و291)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص 19 و20)، )، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص 12 و13).
([78]) قلت: حتى الذين في بلاد غير إسلامية الآن سمعوا بالرسول ﷺ، وبلغهم القرآن، ووصلت لهم الدعوة الإسلامية، فقد قامت عليهم الحجة.
وانظر: «تقديم الشيخ الفوزان، لفتاوى الشيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص7 و55 و57).
([79]) قلت: الرسالة، قد بلغت: «أهل الفترة»، وغيرهم فلا عذر لهم بجهلهم بأحكام الشرع، إلى قيام الساعة.
([83]) ولم يعذر أهل العلم الجاهل؛ إلا من كان لقرب عهده بالإسلام، في مدة قصيرة، أما إذا أخذ فترة طويلة في الإسلام، ولم يتعلم وأهمل العلم، ووقع في الشرك الأكبر، وترك الفرائض، فهذا لا يعذر بجهله بعد ذلك، أو لنشأته ببادية بعيدة مثلا، لم يصل إليه الإسلام مطلقا، أو بأرض بعيدة لم يصل إليه القرآن والسنة مطلقا، فهذا لا نكفره إلا بعد قيام الحجة عليه، وبلوغ الرسالة إليه، فهذا إن وجد في هذا الزمان.
* أما الجاهل الذي في دار الإسلام، فهذا قامت عليه الحجة أصلا عند أهل العلم، وبلغته الرسالة، ووصل إليه القرآن، فهذا يكفر إذا وقع في الكفر.
* وذلك بمثل: الذي في البلدان الإسلامية، وغيرها من البلدان على وجه الأرض الآن، لأنه بلغته الحجة، والرسالة.
* وكذلك: الذي نشأ الآن في البادية بلغته الحجة، ووصل إليه القرآن والسنة، فلا يعذر هذا.
وانظر: «تقديم الشيخ الفوزان، لفتاوى الشيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص7 و55 و57).
([84]) فالصرف، والعطف، هذا نوع من السحر، فمن فعله، أو رضي به: كفر.
والدليل: قوله تعالى: ]وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر[ [البقرة: 102].
وقوله تعالى: ]وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر[ [البقرة: 102].
قلت: والسحر، محرم في جميع شرائع الرسل عليهم السلام.
([86]) وليس من شرط قيام الحجة: فهم الحجة، ففهمها: نوع، وبلوغها: نوع آخر.
قلت: والمعين إذا قامت عليه الحجة، ببلوغها، وكان عاقلا، مميزا، يسمع الحجة، فإنه يكفر.
([91]) فمجرد بلوغ الحجة كاف في قيامها على المعين مطلقا، وعدم إعذاره حتى لو كانت له شبهة، وهذا منهج أهل السنة والجماعة.
([94]) وانظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص89)، و«شرح كشف الشبهات» للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص101)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج2 ص282 و284)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص17 و18)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص55 و57)، و«فتاوى لقاءات الباب المفتوح» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص215)، و«الفتاوى» له (ج2 ص126)، و«فتاوى نور على الدرب» له أيضا (ج1 ص659).
([95]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص194)، و«الدرر السنية» (ج11 ص446)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص57)، و«الفتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص29 و43)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص10 و11)، و«الانتصار لحزب الله تعالى» للشيخ أبو بطين (ص46)، و«القول المفيد على التوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (ص97 و264)، و«فتاوى نور على الدرب» له (ج1 ص431).
([96]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83).
([97]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83 و84).
([98]) قلت: وهذا مما اتفقت عليه جميع الكتب، والرسل، وهو من المحكم الذي لا يجوز أن تأتي شريعة بخلافه، ولا يخبر نبي بخلافه.
([102]) وهذا مثل: الذي يحتجون بالأعمال الخيرية، وهم: متحزبون في الدين، ولا يلتزمون بالدين.
قال تعالى: ]إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر[ [التوبة:18].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وانظر: «مصباح الظلام» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص75).
([103]) وأن يكون في مدة قصيرة، أما إذا أخذ فترة طويلة في الإسلام، ولم يتعلم، وأهمل العلم، وغلب على ظننا أنه لا يريد أن يتعلم، ووقع في: «الشرك الأكبر»، أو «الكفر الأكبر»، و«ترك الفرائض»، فهذا لا يعذر بجهله بعد ذلك.
([104]) ولم يصل إليه الإسلام مثلا، وإلا في هذا الزمان قد وصل الإسلام لأهل البادية، وبلغتهم الرسالة على وجه الأرض من طريق الوسائل الحديثة.
وانظر: «مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص55 و57).
([106]) وانظر: «الفتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص 19 و20 و35 و45)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص11 و12).
([109]) مثل: إنكار رؤوس الفرقة العقلانية للأحاديث الصحيحة بالهوى؛ الثابتة في «الصحيحين» وغيرهما، مثل: إنكارهم، لحديث: «سحر النبي ﷺ»، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري في «صحيحه» (5765) من حديث عائشة ڤ.
([110]) وانظر: «فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص12 و14 و15 و16 و17 و21 و29 و35 و36)، و«فتاوى نور على الدرب» له (ج1 ص241 و245 و246 و248)، و«الفتاوى» له أيضا (ج28 ص217)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» له أيضا (ص17 و18 و19 و20 و21)، و«الدرر السنية» (ج6 ص246)، (ج8 ص244)، و(ج10 ص433 و438 و515 و516)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص116 و144 و146)، و«الفتاوى» للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ج1 ص73 و74)، و«جامع المسائل» (ج3 ص151)، و«الضياء الشارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص274 و275)، و(ج30 ص308 و423)، و(ج35 ص105)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله (ص79 و619).
([112]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج6 ص58)، و(ج13 ص178)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» له (ج1 ص149)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج2 ص778)، و«فقه التعامل مع المخالف» للطريقي (ص21)، و«الفتاوى» للشيخ محمد آل الشيخ (ج2 ص190)، و«الدرر السنية» (ج10 ص437 و438)، و«حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص9 و10 و13).
([113]) وانظر: «فتاوى العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص19 و34 و35)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص7 و55)، و«الدرر السنية» (ج8 ص244)، و(ج10 ص72 و432)، و(ج11 ص446)، و«الفتاوى» للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ج1 ص73 و74)، و«الضياء الشارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص143 و158 و247).
([114]) وانظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج10 ص432)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص13 و14)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126)، و«فتاوى نور على الدرب» له أيضا (ج1 ص659)، و«تيسير العزيز الحميد» للشيخ سليمان بن عبد الله (ص79 و619).
([116]) فالمتمكن من معرفة الحق، والمعرض مفرط في ذلك، وهو تارك للواجب عليه، لا عذر له عند الله تعالى.
([117]) أما المقلد الذي لم يتمكن من معرفة العلم، ووقع في شيء من الخطأ في الفروع، فهذا لا يكفر، للعذر بجهله.
([118]) وانظر: «حكم تكفير المعين» للشيخ إسحاق آل الشيخ (ص21)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص14 و15 و20 و24 و27).
([119]) وانظر: «الجهل بمسائل الاعتقاد» لمعاش (ص241)، و«شرح مسائل لا يعذر فيها بالجهل على مذهب الإمام مالك بن أنس» للأمير المالكي (ص48 و60 و61)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص13 و17 و18)، و«مسائل في العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص54 و55).
([120]) حديث صحيح، وهو حديث طويل.
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص281)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص287 و288 و295 و296)، والآجري في «الشريعة» (ص367)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص37 و40)، والطيالسي في «المسند» (753) من حديث البراء بن عازب t.
وإسناده صحيح.
([123]) وهذه الآية تدل على إقامة الحجة على التابع، والمتبوع في الحياة الدنيا، فلا أحد له عذر بسبب جهله في الدين.
([133]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج7 ص234)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج12 ص321)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص773)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج2 ص799).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص150).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص321).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص177).
وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص322).
([137]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج11 ص347)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج4 ص14)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج2 ص220)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج16 ص483 و486)، و«تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج2 ص194)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج2 ص157 و158).
أخرجه يحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج2 ص194)، والبغوي في «معالم التنزيل» (ج4 ص14).
وإسناده صحيح.
([139]) وانظر: «الدرر السنية» (ج9 ص246)، و(ج11 ص446)، و«الانتصار» للشيخ أبا بطين (ص46)، و«منهاج التأسيس والتقديس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص102 و105)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص153)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» للشيخ ابن باز (ص8 و9 و17 و22 و25).
([141]) جل: الشيء، يجل، بالكسر: عظم، فهو: جليل.
انظر: «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» للفيومي (ص95).
([142]) وانظر: «الدرر السنية» (ج8 ص244)، و(ج10 ص433 و438 و515 و516)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص144 و146)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» للشيخ ابن باز (ص22 و23 و34 و38).
([143]) فقد تكون المسألة أصولية، وتكون خفية، لا يكفر فيها المعين.
وقد تكون المسألة من مسائل الفروع، وتكون ظاهرة، يكفر فيها المعين.
وانظر: «ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص76)؛ بتقديم: الشيخ الفوزان.
([145]) يعني: بجهله المؤقت، ويجب عليه في هذه الفترة أن لا يسكت على جهله في هذه الصفات، أو غيرها في الدين، فلا بد عليه أن يسعى في رفع الجهل عن نفسه في ذلك، وإلا لا يعذر بجهله إذا أعرض عن سؤال أهل العلم عن هذه الأحكام، إذا مات.
([146]) فيعذر الذي يريد أن يتعلم في حياته؛ مثل: العامي الذي يسأل عن دينه في الأصول، والفروع.
* فإذا وقع في شيء من ذلك، وسأل، ثم ترك، فليس عليه شيء في الدين، فهذا الذي يعذر في الإسلام، فهذا في الجملة.
* وأما القول على التفصيل في المبتدعة، الذين ثبت النص فيهم، من الكتاب، والسنة، والأثر، والإجماع.
* فما كان الأئمة من السلف: يتوقفون في تكفيرهم، وذلك؛ مثل: المعلنين بالبدع الكبرى، في نفي: «الأسماء والصفات»، وغيرها.
([148]) ونص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية / الذي نقله: الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، هو: (أنا من أعظم الناس نهيا، من أن ينسب معين إلى تكفير، أو تبديع، أو تفسيق).
([150]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص120 و124)، و«الضياء الشارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الدرر السنية» (ج10 ص432 و433).
([152]) وانظر: «الضياء الشارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الدرر السنية» (ج10 ص432 و433)، و(ج11 ص446)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص143 و158)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص274 و275)، و(ج30 ص308 و423)، و(ج35 ص105).
([154]) ولا يدخل في هذا: «عابد القبور»، المشرك، فإنه خارج عن هذا الصنف، لأن الذي وقع فيه من الشرك، من: «المسائل الظاهرة» في الدين، ليست من: «المسائل الخفية»، وقد قامت عليه الحجة في دار الإسلام، ببلوغ القرآن إليه.
* ولا يدخل في هذا: «الأشعري»، و«المرجئ»، و«الخارجي»، و«الصوفي»، و«الإباضي»، وما شابه ذلك، من المبتدعة الأصليين، لأنهم: وقعوا في «الإرجاء»، و«الخروج»، و«نفي الصفات»، وغير ذلك من البدع، على الإجمال، والتفصيل، فلا يعذرون، لأن الحجة قامت عليهم في دار الإسلام، ببلوغ القرآن إليهم، والسنة.
([155]) مثل: «الجهمي»، و«الأشعري»، و«المرجئ»، و«الصوفي»، وما شابه ذلك من المعاندين، فهؤلاء: خارجون عن الصنف الأول، لأنه غير معاند، ولا معرض.
* فهؤلاء: مؤاخذون على: «المسائل الخفية»، و«المسائل الظاهرة» في الدين، لأن الحجة قامت عليهم، فافهم لهذا ترشد.
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص245): (وأما كونه بين المسلمين، يسمع القرآن، والسنة، ثم يبقى على: «الشرك»، وعلى إنكار: «الصفات»، فهو غير معذور.
* وليس العذر: بالجهل، «مسألة قياسية»، تختلف من زمان، إلى زمان، ومكان إلى آخر؛ لأن الجهل: ليس بعذر بالنسبة للعقيدة). اهـ
([157]) وانظر: «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص247)، و«كشف الشبهتين» لابن سحمان (ص91 و96)، و«الضياء الشارق» له (ص168 و169)، و«الدرر السنية» (ج10 ص432 و433)، و«أقوال الشيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص12 و14 و15 و17 و19 و27 و28 و35)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج18 ص54)، و(ج30 ص108 و423).
([158]) وللعلم: أن «المسائل الخفية»، هي قليلة في الدين، وأكثر المسائل، هي من: «المسائل الظاهرة»، في الأصول، والفروع، فمن طلبها عرفها، بسهولة، ويسر في هذه الحياة، فافطن لهذا.
([159]) وهذا الصنف: هو قليل في هذه الحياة، في دار الإسلام، وهذا لا بد من إقامة الحجة عليه في «المسائل الخفية» لأنه يجهلها.
* وهذا لا يترتب عليه في عدم تكفير الصنف الآخر، فيمن وقع في: «المسائل الظاهرة»، لأنها معلومة في الدين بالضرورة، فتنبه.
وانظر: «فتاوى في مسألة العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص12 و13 و17 و23 و27).
([164]) الآية: ]ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين[ [التوبة:65-66].
([167]) الوبر: هم أهل البوادي.
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص258)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص292)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج5 ص126 و127 و426).
([168]) وأن هذا الدين سوف يدخل: المدن، والقرى، والأمصار، والبوادي، والبلدان، والغابات، وأطراف الأرض، وغير ذلك.
([177]) أي: ولكنكم تجهلون ما نبعث به الرسل، لأن الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين، ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه، وليس من وظيفتهم الإتيان بالعذاب، ولا تعيين وقت نزوله.
([178]) لذلك قامت عليهم الحجة، بالإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم: ]ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
([181]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج7 ص38 و39)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص307)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج4 ص443 و444)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج3 ص956)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج1 ص373)، و«تفسير القرآن» لابن المنذر (ج2 ص713).
([183]) انظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل: داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص439 و440).
([186]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص210) مختصرا، وأبو بكر البرقاني في «المخرج على الصحيحين» (ج1 ص131 - الجمع بين الصحيحين)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج11 ص285) من طريق سفيان عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب عن أبي بكر t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (22395)، وأبو داود في «سننه» (4252)، والترمذي في «سننه» (2366)، وابن ماجه في «سننه» (3952) من حديث ثوبان t به مرفوعا، بلفظ: (وستعبد قبائل من أمتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين)، وفي لفظ: (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان)، وفي لفظ: (وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان).
وإسناده صحيح.
([190]) ثم لا بد من الرجوع إلى كتب تلاميذ العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، لأنهم قد اعتنوا، ببيان منهج الشيخ في: «مسألة العذر بالجهل».
([191]) قلت: وليس من غرضنا، أن يتسرع الناس في تكفير المعين، ولكن غرضنا: الرد على من يتوقف عن تكفير المعين، حتى لو استوفى شروط التكفير، وكان كفره، فيما هو من المعلوم من الدين بالضرورة، وكانت ردته واضحة.
وانظر: «ضوابط تكفير المعين» للراشد (ص149).
([192]) وانظر: «مجموع الرسائل والمسائل» لابن تيمية (ج4 ص85)، و«تاريخ الإسلام» للذهبي (ص38)، و«عقيدة الفرقة الناجية» للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص87 و88)، و«مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد» له (ص24)، و«تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي» للبقاعي (ص176)، و«الضياء الشارق في رد المازق المارق» لابن سحمان (ص77)، و«كشف الشبهتين» له أيضا (ص96)، و«كشف الأوهام والإلتباس» له أيضا (ص31 و32 و33 و34)، و«تمييز الصدق من المين» له أيضا (ص12 و131)، و«المنظومة في تكفير الجهمية» له أيضا (ص170)، و«الدرر السنية» (ج8 ص119).
أخرجه المروزي في كتاب: «القصص» (ص14- تاريخ الإسلام).
وإسناده صحيح.
وهذه الرواية: ذكرها الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ص24).
أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشافعي» (210)، و(211)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (553)، و(554)، وفي «معرفة السنن» (176)، وفي «السنن الكبرى» (ج10 ص206)، وأبو الفضل المقرئ في «أحاديث ذم الكلام» (ص79)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج2 ص278 و279)، والآجري في «الشريعة» (176)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص312)، وفي «تبيين كذب المفتري» (ص258)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (248)، و(249)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص112).
وإسناده صحيح.
([209]) وانظر: «مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» (ج5 ص229)، و«منهاج التأسيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص239 و249).
([212]) وانظر: «مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب» (ج5 ص229)، و«منهاج التأسيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص239 و245).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2305)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص209)، والطبري في «جامع البيان» (ج14 ص376)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص123-الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج9 ص123).
([226]) عاد المعروف، منكرا، والمنكر: معروفا، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير، نعوذ بالله من الخذلان.
([229]) وانظر: «الدرر السنية» (ج8 ص447).
قلت: فلا يستقيم الإسلام، إلا بهجر أهل الباطل، بجميع أنواعهم في العالم كله، اللهم سلم سلم.
([235]) فأمرهم الله تعالى، أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرسل عليهم السلام المتقدمة، والمتأخرة، لتزول عنهم الشبهة التي في رؤوسهم.
* وهذه الشبهة موجودة في رؤوس: «المرجئة العصرية» في مسألة: «العذر بالجهل» فعليهم أن يسألوا أهل الحديث لتزول عنهم شبهة: «العذر بالجهل» من رؤوسهم، اللهم غفرا.
([236]) وانظر: «فتح القدير» للشوكاني (ج3 ص76 و77)، و«تفسير القرآن» للسمعاني (ج3 ص369 و370)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص324)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج5 ص212)، و«أنوار التنزيل» للبيضاوي (ج2 ص15)، و«جامع البيان» للطبري (ج16 ص229)، و«المحرر الوجيز» لابن عطية (ج6 ص154).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3000)، والبستي في «تفسير القرآن» (ص55)، والطبري في «جامع البيان» (ج18 ص298)، ويحيى بن سلام في «تفسير القرآن» (ج2 ص605)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص277).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص500).
([240]) وانظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص351)، و«الزواجر عن اقتراف الكبائر» للهيتمي (ج1 ص46)، و«الإتحاف في الرد على الصحاف» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص44)، و«مفتاح دار السعادة» لابن القيم (ج1 ص102)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص124)، و«الإقناع» للحجاوي (ج4 ص285)، و«بدائع الصنائع» للكاساني (ج7 ص132).
([242]) المرجئة العصرية: جعلوا كل جهل: عذرا، ولم يفصلوا في ذلك، بل وجعلوا: «المسائل الظاهرة»، وما يعلم من الدين بالضرورة، «كالمسائل الخفية» التي قد يخفى دليلها على بعض الناس.
[243]) وقوله r: (تضارون)؛ أي: لا تزدحمون عند رؤيته تعالى، كما أنكم لا تزدحمون عند رؤية الشمس، والقمر، فلا يزدحم بعضكم بعضا.
[244]) وقوله :r (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما)؛ معناه: لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا.
[245]) وقوله r: (وغبر أهل الكتاب)؛ معناه: بقاياهم. جمع غابر، بمعنى: الباقي، كقول الله تعالى: ]إلا امرأته كانت من الغابرين[ [الأعراف: 83].
[246]) وقوله :r (كأنها سراب)؛ السراب: ما يتراءى للناس في الأرض القفر، والقاع المستوي، وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
[247]) وقوله r: (يحطم بعضها بعضا)؛ معناه: لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها. والحطم الكسر والإهلاك.
[248]) وقوله :r (فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم)؛ معنى قولهم: التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم، ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم للارتفاق بهم.
[249]) وقوله r: (ليكاد أن ينقلب)؛ هكذا هو في الأصول بإثبات أن. وإثباتها مع كاد لغة. كما أن حذفها مع عسى لغة. ومعنى ينقلب: أي يرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى.
[250]) وقوله r: (فيكشف عن ساق)؛ فالمراد بالساق: ساق الله عز وجل، كما قال تعالى: ]يوم يكشف عن ساق[ [القلم: 42]، وهو صفة من صفاته، وهذه الصفات لا تماثل صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تماثل ذوات المخلوقين كما قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].
[251]) وقوله :r (طبقة واحدة)؛ قال الهروي وغيره: الطبق فقار الظهر، أي: صار فقارة واحدة كالصفيحة، فلا يقدر على السجود لله تعالى.
[252]) وقوله :r (ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة)؛ الجسر، بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان. وهو الصراط؛ ومعنى: تحل الشفاعة: بكسر الحاء، وقيل بضمها؛ أي تقع ويؤذن فيها.
[253]) وقوله :r (دحض مزلة)؛ الدحض والمزلة بمعنى واحد، وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر، ومنه: دحضت الشمس، أي: مالت، وحجة داحضة؛ أي: لا ثبات لها.
[254]) وقوله :r (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك)؛ أما الخطاطيف: فجمع خطاف، بضم الخاء في المفرد، والكلاليب: بمعناه، وحديدة معوجة الرأس ينشل بها الشيء، أو يعلق، وأما الحسك: فهو شوك صلب من حديد.
[255]) وقوله r: (كأجاويد الخيل، والركاب)؛ من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأجاويد جمع أجواد، وهي جمع جواد، وهو الجيد الجري من المطي، والركاب؛ أي: الإبل، واحدتها راحلة من غير لفظها، فهو عطف على الخيل، والخيل: جمع الفرس.
[256]) وقوله r: (فناج مسلم، ومخدوش مرسل. ومكدوس في نار جهنم)؛ معناه: أنهم ثلاث أقسام: قسم يسلم فلا يناله شيء أصلا، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص، وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى بالشين المعجمة، من الكدش وهو السوق الشديد. والكدش: الطرد والجرح أيضا.
[257]) وقوله r: (في استقصاء الحق)؛ أي: تحصيله من خصمه والمتعدي عليه.
[258]) وقوله r: (لم نذر فيهاخيرا)؛ هكذا: هو خير بإسكان الياء؛ أي: صاحب خير.
[259]) وقوله :r (قد عادوا حمما)؛ معنى: عادوا: صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك، بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
[260]) وقوله :r (في أفواه الجنة)؛ الأفواه: جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس، وأفواه الأزقة، والأنهار أوائلها، والمراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
[261]) وقوله :r (الحبة في حميل السيل)؛ الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين، وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش، وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين، أو غثاء وغيره، فعيل بمعنى مفعول، فإذا اتفقت فيه حبة، واستقرت على شط مجرى السيل، فإنها تنبت في يوم وليلة، فشبه بها سرعة عود أبدانهم، وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
[262]) وقوله r: (ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض)؛ أما يكون في الموضعين الأولين فتامة، ليس لها خبر. معناها: ما يقع، وأصيفر وأخيضر مرفوعان، وأما يكون أبيض فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
[263]) وقوله r: (فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم)؛ الخواتم: جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها، والمراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب، أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم، وتلألئهم باللؤلؤ.
[264]) وقوله :r (هؤلاء عتقاء الله)؛ أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله تعالى.
وانظر: «المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج» للنووي (ج3 ص55)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج1 ص450)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص632)، و«إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص546)، و«النهاية» لابن الأثير (ج4 ص155)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص800)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص252).
[265]) والتلقين: إدخال شيء في حديث الراوي، ليس من مروياته، سواء في حفظه، أو كتابه، دون علمه، فيحدث به.
انظر: «الوهم في روايات مختلفي الأمصار» للوريكات (ص396).
[266]) انظر: «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص118)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص352)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج2 ص32)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص272)، و«التقريب» له (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص290)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص148)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج12 ص247).
[267]) وقال الشيخ ناصر الدين الألباني / في «حكم تارك الصلاة» (ص48): (سويد بن سعيد، وهو متكلم فيه). اهـ.
[268]) ويوصف الراوي؛ كـ«سويد بن سعيد»، الذي يتساهل في ضبطه للحديث بالغفلة، وسوء الحفظ، لأنه يستغل من قبل الآخرين، فيدخلوا في مروياته ما ليس منها، وهو ما يسميه المحدثون بالتلقين.
* فهو لا يفطن لذلك، فيرويه على أنه من مروياته لسوء حفظه وغفلته.
وانظر: «الكفاية» للخطيب (ص149)، و«الكامل» لابن عدي (ج1 ص45)، و«العلل» لأحمد (ج2 ص134).
[269]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).
[270]) قلت: بسبب سوء حفظه.
[271]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج30 ص204)، و«المجروحين» لابن حبان (ج3 ص89)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج4 ص298)، و«المغني في الضعفاء» له (ج2 ص710)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج11 ص39)، و«التقريب» له (ص572)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج3 ص174)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج4 ص341)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص234).
[272]) فإن وجدناه كثير المخالفة للثقات، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه.
وانظر: «معرفة أنواع علم الحديث» لابن الصلاح (ص254)، و«جامع الأصول» لابن الأثير (ج1 ص72 و43)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص304).
[273]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ق/ 1536/3)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص274).
[274]) قلت: ولكن أحيانا فقد يحكم لمن هو أقل ثقة على الأوثق، وهذا نادر.
انظر: «السنن الصغرى» للنسائي (ج6 ص59).
[275]) قلت: وهذا يتطلب دراسة كاملة، ومتأنية لكتب الرواية والرجال التي تستدعي معرفة واسعة، أو اطلاعا على علم العلل، ويزين ذلك حسن الفهم للألفاظ والمعاني في الروايات، ودقة الاستنتاج للوصول إلى تأصيل علمي؛ لهذه الأوهام التي تقع من الرواة.
فلابد من دراسة نقدية علمية متخصصة تعمق الفهم في معرفة علل الحديث.
[276]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج7 ص73)، و«التقريب» لابن حجر (ص260)، و«المغني في الضعفاء» للذهبي (ج1 ص183)، و«الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص225).
[277]) قلت: وهو أيضا من رجال البخاري، ومع ذلك لم يخرج له من طريقه هذه الزيادة: (لم يعملوا خيرا قط)؛ كما سوف يأتي ذلك.
قلت: ما أخرجه إلا مسلم في «صحيحه» (ج1 ص170) من طريق حفص بن ميسرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): بعدما علق على صحيح البخاري قال: (وأما - صحيح - مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط). اهـ.
[278]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص162).
[279]) قلت: وهو خطأ منه أيضا فسعيد بن أبي هلال المصري، وإن كان ثقة إلا أنه وهم بذكره هنا هذه اللفظة؛ لأنه قد اختلط، ولم يتابع من أحد من الثقات بهذه الزيادة، قال الساجي: صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث، كما في «التهذيب» لابن حجر (ج4 ص94).
وقال ابن حجر في «التقريب» (ص390): «صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا؛ إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط».
قلت: وقد اتبع ابن حزم في تضعيف: «سعيد بن أبي هلال المصري» الشيخ ناصر الدين الألباني.
انظر: «ملحق الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» (ص468).
[280]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج18 ص73): عن بعض ألفاظ أحاديث صحيح البخاري: (لكن في بعض ألفاظ الحديث ما هو غلط). اهـ
[281]) لأن ما لا اضطراب فيه يدل على قوة حفظ راويه وضبطه.
[282]) وما كان فيه اضطراب يدل على سوء حفظ الراوي، وعدم ضبطه.
[283]) والحديث المضطرب: هو الحديث الذي يروى على وجوه يخالف بعضها بعضا، مع عدم إمكان ترجيح أحدهما على غيره.
انظر: «الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص328)، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص551)، و«نزهة النظر» له (ص127).
[284]) كـ«سويد بن سعيد، وهشام بن سعد».
[285]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج11 ص94)، و«التقريب» لابن حجر (ص570).
[286]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص961).
[287]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص907).
[288]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص844).
[289]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص247).
[290]) انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص130)، و«الضعفاء الكبير» للعقيلي (ج3 ص107).
[291]) انظر: «الميزان» للذهبي (ج1 ص180)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص68)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج1 ص348).
[292]) «السير» (ج13 ص342).
[293]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص620).
[294]) انظر: «نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر» لابن حجر (ص82).
[295]) قلت: كـ(حديث: لم يعملوا خيرا قط)، فهذا الحديث يخالف المعقول، ويناقض الأصول في دخول أناس الجنة؛ لم يعملوا عملا قط بعد دخولهم النار؛ اللهم غفرا.
[296]) وانظر: «الصحاح» للجوهري (ج5 ص2054).
[297]) انظر: «الموقظة في علم مصطلح الحديث» للذهبي (ص42 و77).
[298]) قال الإمام البغوي / في «شرح السنة» (ج15 ص190): (وفي الحديث: دليل على أن أهل المعاصي لا يخلدون في النار، وفيه دليل على تفاضل الناس في الإيمان). اهـ.
[299]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص1045).
[300]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص287).
[301]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص668).
[302]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص391).
[303]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص757).
[304]) انظر: «التقريب» لابن حجر (ص242).
[305]) وسوف أذكر تخريجه في «جزء» مفرد.
[306]) يعني: عبد الرزاق، وسويد بن سعيد، وهشام بن سعد.
[307]) وانظر: «الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص636)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص329)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص559)، و«قواعد التحديث» للقاسمي (ص323)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص276)، و«الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ج1 ص377)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص286).
[308]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، بإسناد حسن.
[309]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في «الجامع» (ج2 ص296)، بإسناد حسن.
[310]) أثر صحيح.
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (ج1 ص33)، والخطيب في «الجامع» (ج2 ص212)، والخليلي في «الإرشاد» (ج2 ص595)، واللفظ للخليلي، بإسناد صحيح.
[311]) قلت: والقوم يفتون في دين الله تعالى عن طريق شريط، أو كتاب؛ فكيف يصيبون الحق!.
[312]) قوله r: (منهم: الموبق)؛ يعني: الهالك.
[313]) قوله r: (ومنهم: المخردل)؛ أي: الذي قطع.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج11 ص454).
[314]) انظر: «الكواكب النيرات» لابن الكيال (ص258)، و«المختلطين» للعلائي (ص58).
[315]) ومن هنا نشأ علم علل الحديث له أسسه، وقواعده، ورجاله الذي يعني بتتبع الثقات، وبيان الوهم الواقع في رواياتهم، لأن الناس عادة يتلقون أحاديث هؤلاء الثقات بالقبول، والتسليم ظهرت من خلال ذلك جلالة المشتغل بهذا العلم.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص202): (والثقة إذا حدث بالخطإ، فيحمل عنه، وهو لا يشعر أنه خطأ، يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سببا للعمل بما لم يقله الشرع). اهـ.
[316]) قلت: والحديث في سنده اختلاف ليس هذا موضع بسطه، وهو يعرف بحديث الصور.
وانظر: «التاريخ الكبير» (ج1 ص260)، و«الكامل» لابن عدي (ج6 ص2270).
[317]) ماج الناس: اضطربوا، واختلطوا.
[318]) يقال: «شفعت»: من التشفيع، وهو تفويض الشفاعة إليه والقبول منه. (خردلة)؛ أي: من الإيمان، والخردلة واحدة: الخردل، وهو نبت صغير الحب، وهذا تمثيل للقلة.
[319]) «خليل الرحمن»: هو الذي أحبه محبة كاملة، لا نقص فيها، ولا خلل.
[320]) «روح الله وكلمته»: أي الذي خلقه مباشرة بكلمة منه دون واسطة أب.
[321]) «فأستأذن على ربي»: أتوسل إليه أن يأذن لي بالشفاعة.
[322]) «يلهمني محامد»: يلقي في نفسي معاني للحمد لم تسبق لي.
[323]) «أخر»: أسقط على وجهي.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص475 و476)، و«عمدة القاري» للعيني (ج20 ص361 و362)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص549 و552).
[324]) «متوار»: مختف في منزل أبي خليفة الطائي البصري، خوفا من الحجاج، «بالحسن» البصري.
[325]) «هيه»: زد من هذا الحديث.
[326]) «وهو جميع»: مجتمع، وهو الرجل الذي بلغ أشده، أراد أنه كان شابا حين حدثه بذلك.
[327]) «تتكلوا»: تعتمدوا على الشفاعة فتتركوا العمل.
انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص553).
[328]) والغالب في خطإ من أخطأ في فقه هذا الباب، هو عدم جمع طرق أحاديث الشفاعة، وإدراك هذه الحقيقة.
[329]) ولذلك يجب تجنب الحكم في الفقه؛ بأحاديث مجملة، إلا بأدلة مفسرة لها تبين الحكم الصحيح فيها.
قال الإمام أحمد /: (يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس).
* ذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص60) من رواية عبد الملك الميموني.
[330]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص391).
[331]) انظر: للفائدة الموقف السليم من المتشابه: «القواعد الحسان لتفسير القرآن» للشيخ عبد الرحمن السعدي (ص70 -71)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص294 و295 و304).
[332]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص140).
[333]) انظر: الآثار الواردة في ذلك عند الطبري في «جامع البيان» (ج3 ص185 - 186).
[334]) انظر: «الموافقات» للشاطبي (ج4 ص73) في البيان والإجمال.
[335]) ويراد بها نفي الكمال والتمام في العمل. وذلك لضعف إيمانهم بسبب مبالغتهم، وإسرافهم في فعل المعاصي.
[336]) قلت: ومن ترك اللفظ الظاهر الصريح المفسر، فهو ترك الدليل لغير شيء، وما كان كذلك فباطل، لأن لا يلزم نفسه الجمع بين الأدلة، فيبطل الراجح جملة اعتمادا على المرجوح، والله المستعان.
[337]) وعلى هذا يجب أن نرجع إلى أصل معتبر في صلب العلم، لقطع النزاع في هذه المسألة، لأن الشريعة إنما هي بيان وهدى.
[338]) وحملها بعض أهل العلم على ترك الفرائض، ومنها: الصلاة، وترك مطلق العمل، وهذا فيه نظر، كما سوف يأتي تفصيل ذلك، والله المستعان.
[339]) ولهذا وضع علماء الأصول من القواعد والضوابط هي في الحقيقة مستمدة من الكتاب، والسنة، واللغة العربية؛ لضبط الألفاظ المجملة، والمفسرة، والمشتبهة، والواضحة.
[340]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج34 ص43)، و(ج31 ص138)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص111)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص194)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص474)، و«مذكرة» الشنقيطي (ص235).
[341]) فلا بد أن يجعل أحدهما أصلا، ويبنى الآخر عليه، باعتبار أن العمل الصالح مأمورا به على جميع العباد، فكان أولى بأن يجعل فاعل العمل الصالح كثيرا، أو قليلا أصلا؛ ليكون للأصل فائدة، ويبنى الفرع على الأصل، والله ولي التوفيق.
[342]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص409)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص110 و111 و120)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص619 و627)، و«الرسالة» للشافعي (ص341 و342)، و«مذكرة» الشنقيطي (ص224 و317).
[343]) والحق أن النص المجمل لا يترجح فيه التفسير، إلا من النص الخارجي.
[344]) وانظر: «العدة» لأبي يعلى (ج1 ص578)، و«المحصول» للفخر الرازي (ج1 ص13)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص167)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص160)، و«الإحكام» للآمدي (ج2 ص163)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج2 ص424)، و«المسودة» لآل تيمية (ص352)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص419)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص358)، و(ج4 ص320)، و(ج7 ص199)، و«المدخل» لابن بدران (ص328)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص148)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص219).
[345]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (7284)، ومسلم في «صحيحه» (20) من حديث أبي هريرة t.
[346]) وانظر: «الخلاف بين العلماء، أسبابه وموقفنا منه» لشيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ص18).
[347]) قلت: وهذا من أسباب الخلاف بين العلماء أن يفهم من الدليل خلاف مراد الله تعالى، ورسوله r.
[348]) أي جماعات.
انظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص185).
[349]) لأن أثر السجود لا يأتي إلا كون العبد يصلي.
* فعلم بذلك أنها تتضمن الصلاة، والدليل على ذلك ذكر أثر السجود. وهذا مستفاد من مجموع الروايات.
[350]) دارات وجوههم: جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه: أن النار لا تأكل دارة الوجه؛ لكونها محل السجود بسبب صلاتهم.
انظر: «النهاية» لابن الأثير (ج2 ص139).
[351]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص273) من طريق شعبة عن سليمان قال: سمعت زيد بن وهب به.
[352]) قلت: وأيضا هذا العمل الصالح الذي في قوله: «لم يعملوا خيرا قط»، هو زائد على الأصول كـ«التوحيد، والصلاة»، وغير ذلك، كما في هذه الروايات، والأخرى، كما سوف تأتي فتنبه.
وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (ج1 ص566).
[353]) ليس فقط يعرفونهم بآثار السجود، بل أناس يعرفون من صورهم ووجوههم، وأناس يعرفون بآثار السجود؛ فتنبه لذلك.
[354]) انظر: «الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» للسيوطي (ج1 ص251).
[355]) فهذه علامات أخرى لمعرفة المسلمين الذين في النار.
[356]) والذين خرجوا، هم: موحدون غير مشركين، كما: هو صريح في رواية: أبي هريرة وغيره، ولو كانوا مشركين لخلدوا في النار، ولم يخرجوا منها، والأمر المهم أن الرجل لا يكون موحدا؛ إلا إذا كان معه من الأعمال الصالحة، ومنها: الصلاة. فلو كان العبد لا يعمل عملا صالحا - وأخص بالذكر الصلاة - أو كان يصلي: صلاة اللاهين الغافلين، لما كان له من الإيمان في قلبه، لتركه لجميع عمل الجوارح - وأهمه الصلاة - فإن عمل الجوارح - عملا وتركا - يؤثر في القلب قوة، وضعفا؛ كما هو معروف، والله المستعان.
[357]) ولو سلمنا بأن المؤمنين قد أخرجوا من عرفوه بآثار السجود، فلا يلزم من ذلك أنهم أخرجوا جميع من فيه أثر السجود، إنما أخرجوا من عرفوا فقط، ولا يقال: إن المؤمنين باجتماعهم يعرفون كل المصلين، لأن هذا - كما سبق - غير مسلم به في ذاته.
* وأيضا فإن هؤلاء الشافعين ليسوا كل المصلين، بدليل أنهم يشفعون في بعض المصلين. ومن ادعى غير ذلك فعليه الدليل الصريح.
[358]) أثر صحيح.
أخرجه حرب الكرماني في «مسائله» (ص430).
[359]) يعني: لا يخلد في النار، كما سوف يأتي من أقوال العلماء.
وانظر: «مشكل الآثار» للطحاوي (ج14 ص179).
[360]) قال حرب الكرماني في «المسائل» (ص429): سمعت أبا عبد الله محمد بن نصر الفراء قال: نازلت سليمان بن حرب، وعبيد الله بن محمد التيمي، وأبا عبيد: دخل كلام، بعضهم في بعض، والمعنى واحد قالوا: (إن للنار جواني وبراني. فلا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، لأن من أدخل مدخل أهل الكفر، والنفاق، لا يخرج منه أبدا، أما تسمع؛ إلى قوله تعالى: ]لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى[ [الليل: 15 - 16]...؛ فمعنى الحديث: أنه لا يدخل أهل التوحيد مدخل أهل الكفر، والنفاق، وهو جوف النار، وأسفله يقول الله: ]إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار[ [النساء: 145]، وتلك النار أعدت للكافرين). اهـ.
[361]) قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص113): (ولهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب). اهـ.
[362]) وما وقع في أعمالهم من الخلل، والنقص؛ إلا بسبب عملهم في المعاصي.
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص124): (فمما ينبغي أن يعلم: أن الذنوب والمعاصي تضر ولا بد وأن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء؛ إلا سببه الذنوب والمعاصي). اهـ.
[363]) فقوله r: (وكان يداين الناس...)؛ يدل على أن معه: عملا ظاهرا.
[364]) ومثله: قول ابن القيم /، في زيادة: (لم يعملوا خيرا قط):
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص71): (وأما قوله في النار: ]أعدت للكافرين[ [البقرة: 24]، فقد قال في الجنة: ]أعدت للمتقين[ [آل عمران: 133]، ولا ينافي إعداد النار للكافرين أن يدخلها الفساق والظلمة، ولا ينافي إعداد الجنة للمتقين، أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان، ولم يعمل خيرا قط). اهـ.
قلت: فأثبت، أولا الإيمان، بأدنى مثقال ذرة، ثم ذكر الزيادة ليبين بأن الإيمان القليل يكون من العمل القليل.
[365]) انظر: «تعجيل المنفعة» لابن حجر (ص287)، و«لسان الميزان» له (ج7 ص313)، و«الثقات» لابن حبان (ج3 ص278)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج9 ص43)، و«العلل» للدراقطني (ج1 ص190).
[366]) انظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص571)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ج1 ص406)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص207)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص308).
[367]) قال الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (531): (إن للفظة التي في خبر أبي بكر الصديق t، قبل ذكر الأنبياء معنيين:
أحدهما: الصديقون من الأنبياء، أي: الأفضل منهم، كما قال تعالى: ]ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض[ [الإسراء: 55]، فيكون منهم صديقون بعد نبينا المصطفى r، ثم يقال: ادع الأنبياء، أي: غير الصديقين الذين قد شفعوا قبل.
والمعنى الثاني: أن الصديقين من هذه الأمة ممن يأمرهم النبي r بأن يشفعوا، فتكون هذه الشفاعة التي يشفعها الصديقون من أمة النبي r بأمره، شفاعة للنبي r مضافة إليه لأنه الآمر، كما قد أعلمت من مواضع من كتبي: أن الفعل يضاف إلى الآمر، كإضافته إلى الفاعل فتكون هذه الشفاعة مضافة إلى النبي r لأمره بها، ومضافة إلى المأمور بها؛ فيشفع، لأنه الشافع بأمر النبي r). اهـ.
[368]) فتياني: جمع فتى، وهو الأجير والخادم.
[369]) ينظروا: من الإنظار، وهو الإمهال.
[370]) المعسر: الذي تعسر عليه سداد الدين.
[371]) يتجاوزوا: يتسامحوا في الاقتضاء، والاستيفاء في الأموال.
[372]) الموسر: يعني يأخذ الشيء اليسير، وهو الناقص عن الاستيفاء.
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224) و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308) و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج5 ص41).
[373]) قلت: ولا يتصور أن الله تعالى يتجاوز عن عبد لا يعمل عملا نهائيا، بعد أن أوجب عليه العمل في الدنيا، ورتب عليه دخول الجنة، أو النار، اللهم غفرا.
[374]) أثر صحيح.
أخرجه الخلال في «السنة» (ج3 ص566)، بإسناد صحيح.
[375]) «راح»، أي: ذي ريح شديدة.
[376]) «اليم»، البحر.
[377]) يداين الناس: يبيعهم مع تأخير الثمن إلى أجل.
[378]) قوله r: «ويتجوزوا»؛ التجاوز، والتجوز معناهما: المسامحة في الاقتضاء، والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير.
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص308).
[379]) أي: آخذ ما تيسر، وأسامح بما تعسر.
[380]) «الجواز»: أي التسامح والتساهل في البيع والاقتضاء، ومعنى: الاقتضاء الطلب.
[381]) وهذا الحديث: إنما هو محفوظ، لأبي مسعود الأنصاري: عقبة بن عمرو البدري وحده، وليس لعقبة بن عامر فيه رواية.
قال الحافظ الدارقطني: (والوهم: في هذا الإسناد من أبي خالد الأحمر قال: وصوابه، عقبة بن عمرو، أبو مسعود الأنصاري). اهـ.
انظر: «المنهاج» للنووي (ج10 ص224).
[382]) رغسه: أي أعطاه.
[383]) اسحقوني: من السحق، وهو أشد الدق.
[384]) ذروني: انثروني، وفرقوني.
[385]) عاصف: شديد الريح.
انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج7 ص491 و492).
[386]) الحسنة: المراد بها هنا العمل، والخير؛ كما في الروايات الأخرى، وليس المراد من ذلك ترك العمل بالكلية؛ فتنبه.
[387]) وأما قوله: (فوالله لئن قدر الله عليه): فقد اختلف في معناه: فقال بعض العلماء: هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله تعالى، وآمن بسائر صفاته، وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا ، قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله، وهذا قول المتقدمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.
وقال بعض العلماء: أراد بقوله: «لئن قدر الله عليه»، من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة، والاستطاعة في شيء قالوا: وهو: مثل قوله تعالى، في ذي النون: ﴿Î) |=yd© $Y6ÅÒ»tóãB £`sàsù br& `©9 uÏø)¯R Ïmøn=tã﴾ [الأنبياء: 87].
انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص42).
قال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص42): (وللعلماء: في تأويل هذه اللفظة قولان، أحدهما: أنها من التقدير والقضاء، والآخر: أنها من التقتير والتضييق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية، فهو جائز في تأويل هذا الحديث، في قوله: (لئن قدر الله علي) فأحد الوجهين تقديره: كان الرجل قال: (لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه، أن يعذب كل ذي جرم على جرمه، ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري، والوجه الآخر: تقديره، والله لئن ضيق الله علي، وبالغ في محاسبتي، وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك). اهـ.
[388]) حضره الموت: أي جاءه الموت.
[389]) قلت: صحت، والحمد لله، كما سبق تخريجها.
[390]) قلت: فبين شيخ الإسلام ابن تيمية /، بأن الرجل كان يعمل عملا صالحا، وهذا الذي ذكرناه فيما سبق، وأما أن نظن بأنه لم يعمل أي عمل، فهذا لا يتصور، والله المستعان.
[391]) أي: في يوم ريح.
[392]) وأنه كان يعمل عملا صالحا، لم يترك العمل بالكلية، فافهم لهذا ترشد.
[393]) وبين ابن الجوزي: بأن الذي لا يعمل أي عمل فهو كافر، فكيف يدخل الجنة؟!.
فقال الحافظ ابن الجوزي / في «جامع المسانيد» (ج6 ص117): (فإن قيل: هذا الذي ما عمل خيرا قط كافر، فكيف يغفر له؟ فقال ابن عقيل: هذا رجل لم تبلغه الدعوة فعمل بخصلة من الخير). اهـ.
قلت: وقد بينا بأن الرجل كان يعمل الخير القليل كما قال ابن عقيل، مع بقاء الأصول فيه، لكن الاستدلال هنا على أن الذي لا يعمل أي عمل فهو كافر.
[394]) كما قال ابن مسعود t: (وكان الرجل نباشا، فغفر له لخوفه).
أخرجه أبو يعلى في «المسند» (ج2 ص285)، و(ج8 ص470)، بإسناد صحيح.
[395]) ولذلك قال الحسن البصري /: (إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل).
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص402)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص144) من طريقين عن الحسن البصري به.
وإسناده حسن.
وذكره ابن القيم في «الداء والدواء» (ص73).
قال الإمام ابن القيم / في «الداء والدواء» (ص76): (ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه). اهـ.
[396]) ولا يقال: بأن هؤلاء جاءوا بإيمان مجرد لم يضموا إليه شيئا من العمل، فتنبه.
[397]) انظر: «المفهم» للقرطبي (ج1 ص421)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج15 ص403)، و«التوحيد» لابن خزيمة (ص621).
[398]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج6 ص512)، ومسلم في «صحيحه» (ج17 ص82).
[399]) وانظر: «إثبات الشفاعة» للذهبي (ص22).
[400]) وانظر: «الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص75)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج1 ص93)، و«مذكرة» له (ص246)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص4141)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص43)، و«الرسالة» للشافعي (ص322).
[401]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص488).
[402]) وانظر: «التوحيد» لابن خزيمة (ص588).
[403]) فهذا الرجل يخرج من النار، بما بقي له من صالح عمله، لا بشفاعة مخلوق، فتنبه.
[404]) على فرض صحتها.
[405]) انظر: «الإيمان» لأبي عبد الرحمن عمرو عبد المنعم (ص139).
[406]) وحديث أبي هريرة: ليس فيه زيادة: «لم يعملوا خيرا قط»، وعلى ذلك لا تعتبر هذه الزيادة، في حديث أبي سعيد الخدري، لأنه حفظ الحديث، كما حفظه أبو هريرة؛ فافطن لهذا.
[407]) وهذه سنة الله تعالى في خلقه في الدنيا والآخرة.
[408]) قال أبو العباس القرطبي / في «المفهم» (ج1 ص442): (قال الشافعون: لم نذر فيها خيرا، مع أنه تعالى مخرج بعد ذلك جموعا كثيرة ممن يقول: لا إله إلا الله، وهم مؤمنون قطعا، ولو لم يكونوا مؤمنين لما خرجوا بوجه من الوجوه). اهـ.
[409]) وقوله: «فمن وجدتم في قلبه»، هذا يبين بأن الله تعالى أعلمهم ذلك بحسب طبيعة الإنسان الذي يعتريه بعض القصور في العلم والمعرفة، ولذلك أخرجوا بعض الناس وتركوا البعض، كما في الروايات الصحيحة، لأن لا يلزم معرفتهم ما في القلوب أن يعرفوا الجميع، والدليل على ذلك خفاء البعض عليهم.
[410]) في «صحيح مسلم»: «لم نذر فيها خيرا»، أي: صاحب خير، وهذا على حسب علمهم، كما في رواية الحافظ: ابن منده / المذكورة.
[411]) قلت: وهذا على فرض صحة هذه الزيادة كما سبق.
[412]) ويتكرر منهم هذا مرارا، مما يتبين بأن أناسا لم يعرفوا من قبل أهل الجنة، وذلك بحسب علمهم، وإلا لماذا يتكرر منهم ذلك مرارا، كما في الرواية، فيقولون: «ربنا لم نذر فيها أحدا»، وقد بقي أناس في النار لم يعرفهم أهل الجنة.
[413]) وهي الشفاعة العظمى، وهي أولى الشفاعات... والنبي r أول من يشفع في إخراج بعض الموحدين من النار.
[414]) قلت: ولو أخرج المؤمنون البواقي أي سائر الدفعات التي يشفع فيها المؤمنون، لا باقي من كان كذلك من أهل النار. لأنه لو كان ذلك كذلك لما بقي لشفاعة الأنبياء وغيرهم شيء.
[415]) إذا فلا بد من تخصيص عموم حديث أبي سعيد الخدري t، بلفظة: «لم يعملوا خيرا قط».
[416]) فالقواعد المستفادة من مجموع الروايات، وقد أشار لذلك: ابن خزيمة، كما سبق، فبالجمع بين الروايات يتضح بعد هذا الاحتمال.
[417]) وانظر: «الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية» للبورنو (ص257)، و«موسوعة القواعد الفقهية» له (ج2 ص219).
[418]) وهذا كله يدلنا على أهمية هذه القاعدة وضرورتها في تشريع الأحكام.
[419]) كـ«القصاص والوعاظ»، وغيرهم.
[420]) قلت: وقد ينشأ هذا الاختلاف في الأحاديث بسبب اختلاف الرواة في الحفظ والضبط.
[421]) انظر: «التمهيد» للأسنوي (ص506)، و«الأشباه والنظائر» للسيوطي (ص128)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم (ص135).
[422]) وقد اجتهد الطحاوي في تحقيق ما قصد إليه فأبان كثيرا مما سقطت معرفته على الناس، وأزال الإشكال عن كثير من الأحاديث، وحرص على جمع كثير من الأحاديث، وكان يذكر الحديث، ويبين المراد منه بذكر أحاديث أخرى تبينه، وكثيرا ما يجمع بين حديثين أو أكثر.
[423]) انظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص170)، مع شرحه «الباعث الحثيث» للشيخ أحمد شاكر.
[424]) انظر: «التمهيد» لأبي الخطاب (ج1 ص8).
[425]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ص209)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص635)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج3 ص217)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص280)، و«المحصول» للرازي (ج2 ص534).
[426]) ومن المعلوم أن صحة الحديث أيضا هي الأساس قبل أي مرجح، ويبلغ الحديث أعلى مراتب الصحة إذا كان متفقا عليه، ويزداد قوة إذا وافقته أحاديث أخرى كما في مسألتنا هذه.
([427]) وهو الأغر أبو مسلم، نزيل الكوفة، ثقة، وهو غير سلمان الأغر الذي يكنى: أبا عبد الله.
انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص151).
([428]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص533)، و«تغليق التعليق» له (ج3 ص355)، و«التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة (ج3 ص256)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج48 ص27)، و«التاريخ» للدوري (ج4 ص28).
([429]) وانظر: «السنن الكبرى» للنسائي (ج1 ص108)، و«الإمام» لابن دقيق العيد (ج3 ص16)، و«العلل» للدارقطني (ج8 ص258)، و«الأفراد» له (ج5 ص310)، و«السير» للذهبي (ج8 ص115)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص249)، و«إتحاف المهرة» له (ج2 ص207)، و«العلل» لابن أبي حاتم (ج1 ص477)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج4 ص172)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص499).
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج28 ص27).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج10 ص528).
([434]) انظر: «لسان الميزان» لابن حجر (ج5 ص77)، و«ترتيب ثقات ابن حبان» للهيثمي (ج8 ص32)، و«الثقات» لقطلوبغا (ج8 ص191).
([436]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص54 و55)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص271)، و«الضعفاء والمتروكين» للدارقطني (ص191)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج3 ص115).
([437]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص54 و55)، و«التاريخ» للدوري (ج3 ص276)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج3 ص311)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص377)، و«الضعفاء والمتروكين» للدارقطني (ص191)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج3 ص115)، و«المجروحين» لابن حبان (ج1 ص271).
([439]) انظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (ص707)، و«تهذيب التهذيب» له (ج9 ص568)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج5 ص212).
([441]) وانظر: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج4 ص86)، و«ترتيب ثقات ابن حبان» للهيثمي (ج6 ص119)، و«الثقات» لابن قطلوبغا (ج4 ص436).
([442]) محمد بن إسماعيل الفارسي، روى عن الثوري، وعنه الذهلي، ذكره ابن حبان في «الثقات» (ج9 ص78)؛ وقال: «يغرب».
([444]) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص122)؛ عن الثوري، عن حصين، ومنصور، أو أحدهما: وليس فيه ذكر: «الأغر».