الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / البرق الخاطف لخطف شبه عبد المحسن بن حمد العباد في فكر إرجائه الجديد والسالف
البرق الخاطف لخطف شبه عبد المحسن بن حمد العباد في فكر إرجائه الجديد والسالف
سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية
|
73 |
البرق الخاطف
لخطف شبه عبد المحسن بن حمد العباد
في فكر إرجائه الجديد والسالف
وهو مناقشة لكتابه: «الإيضاح والتبيين في حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين»
ومعه:
دراسة أثرية، منهجية، علمية؛ في بيان ضعف الأحاديث التي جاءت في امتحان أهل الفترة في يوم القيامة.
* وهذا الكتاب: رد على الذين؛ استدلوا: بها على امتحانهم في الآخرة؛ لأنهم: ذهبوا إلى أن تعريف: أهل الفترة في هذا الزمان، هم: الذين لم تبلغهم الدعوة؛ يعني: صار يطلق عندهم على كل من لم تبلغه رسالة النبي r، بما فيهم: أطفال المشركين!.
* وهذا التعريف؛ لأهل الفترة، ليس بصحيح، وليس عليه دليل، وأخذوه من الأحاديث الضعيفة؛ بل تعريف: أهل الفترة؛ بالإجماع، هم: الذين كانوا بين رسولين: من رسل الله تعالى، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وهي المدة التي لا وحي فيها، وهو التعريف الصحيح، الذي عليه السلف، والأئمة.
* إذا؛ أهل الفترة: هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل عليهم السلام، الذين لم يرسل إليهم: «الرسول الأول»، ولا أدركوا «الرسول الثاني»؛ كالأعراب الذين لم يرسل إليهم: «عيسى عليه السلام»، ولا لحقوا «بالنبي r».
* ولذلك قد: أخطأ عدد من العلماء المتأخرين، فصار يطلقون على أهل الفترة؛ على كل من لم تبلغه الدعوة، فلا تلتفتون إلى خلافهم، بعد ثبوت: الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، في خلاف قولهم، والله المستعان.
* وتقوم الحجة: على أهل الفترة في كل قرن بالرسل الذين من قبلهم، وببقايا من أهل العلم في نفس الفترة في وجودهم فيها إلى قيام الساعة، فافهم لهذا ترشد.
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
نسخة غلاف الكتاب |
الباب الأول:
نقض شبهة عبد المحسن العباد؛ لأخذه، بمجمل قول العالم، وبتركه للمفصل من قوله، وهذا يدل على أنه غير ضابط لأقوال العلماء في العلم النافع
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية /
في
حمل المجمل على المفصل في قول العالم،
وأنه لا يحكم بالمجمل، دون حمله على المفصل
اعلم رحمك الله: أنه ينبغي لمن أراد أن يتعرف على منهج شيخ الإسلام ابن تيمية / مثلا، أن يستقصي أقواله من كتبه، في: «مسألة تكفير المعين» أو في: «مسألة العذر بالجهل»، استقصاء وافيا، حتى يتبين له قول الصواب: من أقواله.
* ولا يعتمد قولا: من أقواله، دون جمع أقواله كلها في «مسألة العذر بالجهل»، أو يعتمد: قولا مشتبها من أقواله، على خلاف أقواله الأخرى، فهذا خلاف أصل البحث المنهجي العلمي.
* فلابد: من جمع أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مسألة العذر بالجهل»، في موطن واحد، ثم الربط بينها، بحمل المجمل على المفصل، حتى يتبين منهج شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مسألة العذر بالجهل»، و«مسألة تكفير المعين».
قلت: وهذا منهج شيخ الإسلام ابن تيمية / في حمل المجمل على المفصل في قول العالم، إذا وردت أقوال له في كتبه، وهذا هو العلم النافع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج2 ص512): (... وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات، من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أصولهم؛ يجر إلى مذاهب قبيحة...). اهـ
* وفي سياق بيان السبب الذي ضل من ضل به في تأويل كلام الأنبياء، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح، لمن بدل دين المسيح» (ج4 ص44): (فإنه يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض، ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به([1])، وتعرف المعاني التي عرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه؛ كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده، وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ، بجعل كلامه متناقضا، وترك حمله على ما يناسب سير كلامه؛ كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه، وتبديلا لمقاصده، وكذبا عليه، فهذا أصل من ضل في تأويل كلام الأنبياء على غير مرادهم...). اهـ
* وفي سياق الكلام على بعض: «أهل الحلول» الذين يستدلون بكلمات مجملة عن بعض المشايخ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص374): (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ، كلمات مشتبهة مجملة، فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص623)؛ مجيبا عليه: (واللفظ الذي يوهم فيه نفي الصلاحية؛ غايته أن يكون محتملا لذلك، ومعلوم أن مفسر كلام المتكلم يقضي على مجمله([2])، وصريحه يقدم على كنايته). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن المنهج الصحيح في العلم النافع، إذا ورد إشكال لعالم من العلماء، مثلا: في مسألة: «تكفير المعين»، أو مسألة: «العذر بالجهل»، وأنه ورد مجمل له في كتاب من كتبه، فيجب هنا جمع كلامه من كتبه كلها، ثم يرد بعضه على بعض، ليوجه كلامه على الوجه الصحيح، ثم يحمل المجمل من كلامه على المفصل، لمعرفة مراد العالم في الحكم الصحيح له، ولا يقول العالم؛ قولا مجملا، حتى يرجع إلى المفصل من كلامه، وهذا هو التوجيه العلمي المفيد في الدين. ([3])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الصارم المسلول» (ج2 ص512): (... وأخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات، من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أصولهم؛ يجر إلى مذاهب قبيحة...). اهـ
* وفي سياق بيان السبب الذي ضل من ضل به في تأويل كلام الأنبياء، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح، لمن بدل دين المسيح» (ج4 ص44): (فإنه يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض، ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا، وتعرف ما عادته يعنيه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به([4])، وتعرف المعاني التي عرف أنه أرادها في موضع آخر، فإذا عرف عرفه وعادته في معانيه وألفاظه؛ كان هذا مما يستعان به على معرفة مراده، وأما إذا استعمل لفظه في معنى لم تجر عادته باستعماله فيه، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه، وحمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عرف أنه يريده بذلك اللفظ، بجعل كلامه متناقضا، وترك حمله على ما يناسب سير كلامه؛ كان ذلك تحريفا لكلامه عن موضعه، وتبديلا لمقاصده، وكذبا عليه، فهذا أصل من ضل في تأويل كلام الأنبياء على غير مرادهم...). اهـ
* وفي سياق الكلام على بعض: «أهل الحلول» الذين يستدلون بكلمات مجملة عن بعض المشايخ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص374): (وهؤلاء قد يجدون من كلام بعض المشايخ، كلمات مشتبهة مجملة، فيحملونها على المعاني الفاسدة، كما فعلت النصارى فيما نقل لهم عن الأنبياء، فيدعون المحكم، ويتبعون المتشابه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على البكري» (ج2 ص623)؛ مجيبا عليه: (واللفظ الذي يوهم فيه نفي الصلاحية؛ غايته أن يكون محتملا لذلك، ومعلوم أن مفسر كلام المتكلم يقضي على مجمله([5])، وصريحه يقدم على كنايته). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /، في المجمل والمفصل، من قول العالم:
* سئل / ما نصه: السؤال: هل كل ما ورد في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية؛ صحيح النسبة إليه، أم أن هناك فتاوى نسبت إليه؟
الجواب: (المعروف أن جامعها الشيخ العلامة عبد الرحمن بن قاسم /، قد اجتهد، وحرص على جمعها من مظانها، وسافر في ذلك الأسفار الكثيرة، ونقب عنها، ومعه ابنه محمد، واجتهد في ذلك، والذي نعلم مما اطلعنا عليه منها، أنها صواب، وأنها صحيح نسبتها إليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل حرف، وكل كلمة ما وقع فيها خطأ من بعض النساخ، أو بعض الطباع، ولكن تراجع الأصول، ويتبين الخطأ، ويظهر الخطأ؛ فإذا وجدت كلمة، أو عبارة لا تناسب ما هو عليه من العقيدة، أو ما هو معروف في كلامه؛ ترد إلى: الأصول، ويعلم أنها خطأ، إما ممن نسخها، أو ممن جرى على يديه الطبع؛ فعقيدة الشيخ معروفة، وكلامه معروف في كتبه /، وإذا وجد إنسان في الفتاوى كلمة أشكلت عليه، أو عبارة أشكلت عليه؛ فالواجب أن يردها إلى النصوص المعروفة من كلامه في كتبه العظيمة، هذا هو الواجب على أهل الحق؛ أن يرد المشتبه إلى المحكم([6])، كما هو الواجب في كتاب الله، وفي سنة رسول الله r، وفي كلام أهل العلم جميعا، نعم) ([7]). اهـ
وقال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في المجمل والمفصل، من قول العالم:
* جاء في «شرح قاعدة في التوسل والوسيلة»، بتاريخ: 2/4/1427هـ، ما نصه:
* سئل العلامة الشيخ الفوزان حفظه الله:
(السؤال: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»: «أن طلب الميت بأن يدعو لك -أي: يدعو الله لك- أن هذا من البدع...»، فهل هي نفس المسألة؟، وهل هي نفس الذي نبهتم عليه في أول الدرس؟).
الجواب: (هذه بدعة شركية، هي من البدع لكنها بدعة شركية، ما تفهم أنها بدعة؛ يعني: بدعة محرمة فقط!، هذه بدعة شركية، فالشرك يسمى بدعة، نعم أنا نبهت على الفهم، ما نبهت على كلام الشيخ، ما نبهت على فهم هذا الناقل، فكون الشيخ قال: هذا بدعة، فما قال: هذا بدعة، وسكت!... هذه بدعة شركية هذا قصده، مثل كلامه هنا، كلامه هنا صريح، فلماذا يأخذ كلامه هناك المجمل، ويترك الكلام الصريح هنا؟!)([8]).اهـ
* وسئل العلامة الشيخ الفوزان حفظه الله أيضا ما نصه: في شريط، بعنوان: «التوحيد يا عباد الله»؛ السؤال رقم: (6)، بعد المحاضرة، قال السائل:
(سؤال: هل يحمل المجمل على المفصل في كلام الناس؟، أم هو خاص بالكتاب والسنة؟ نرجو التوضيح حفظكم الله؟.
الجواب: (الأصل: أن حمل المجمل على المفصل، الأصل في نصوص الشرع من الكتاب والسنة، لكن مع هذا؛ نحمل كلام العلماء، مجمله على مفصله، ولا يقول العلماء قولا مجملا، حتى يرجع إلى التفصيل من كلامهم، إذا كان لهم قول مجمل، وقول مفصل، نرجع إلى المفصل، ولا نأخذ المجمل). اهـ
وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (ليس في تفسير القرآن اختلاف، إنما هو كلام، جامع، يراد به هذا، وهذا). ([9])
وقال الحافظ الخطيب / في «تاريخ بغداد» (ج5 ص438)؛ عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي: (وقد روى العطاردي عن أبيه عن يونس، أوراقا، فاتته من المغازي، وهذا يدل على تثبته.
* وأما قول المطين: «إنه كان يكذب»، فقول: «مجمل»([10])، إن أراد به وضع الحديث، فذلك معدوم في حديث العطاردي)؛ باختصار
* والأصل: أنه إذا وجدنا لأحد، من أهل العلم نصوصا، واضحة في مسألة، ثم جاء نص مشتبه يخالف: هذه النصوص. ([11])
* فإن أصول الاستدلال، والنظر الصحيح؛ الأخذ بالنصوص الواضحة الصريحة، إذا لم يمكن إيضاح هذا النص المشتبه.
فإذا أمكن إيضاحه، لينسجم: مع النصوص الكثيرة المتوافرة، فهنا: لا يمكن لأحد أن يحتج به، أو يجعله قولا لعالم!.
* وفي هذا المعنى: يقول العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن /؛ رادا على من استدل، ببعض النصوص المشتبهة، من كلام العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، على عدم تكفير المعين: (فيالله العجب: كيف يترك قول الشيخ في جميع المواضع، مع دليل الكتاب، والسنة، وأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية /، وابن القيم، كما في قوله: من بلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، وتقبل في موضع واحد مع الإجمال) ([12]). اهـ
قلت: فالباحث يجب عليه أن يستقرئ أقوال العالم في هذه المسألة، حتى يتوصل إلى الحكم الصحيح له في الدين.
قلت: ويدل ما سبق على أن المجمل، لابد من النظر فيه قبل العمل به، ولابد من مراعاة ما يلي:
1) المجمل من كلام العالم، لا يدرك المراد منه، إلا بالمبين من قوله الآخر.
2) المجمل من كلام العالم، لا يمكن بيان مجمله، إلا بالقرائن تحفه، فيتضح بعد ذلك كلامه المراد منه.
3) المجمل في مقابلة المفصل، يحمل هذا على هذا.
4) المجمل لا يجب العمل به في قول العالم، إلا بعد البيان من قوله الآخر، بمثل: هذه المسائل، التي وقع فيها اشتباه في قول العالم.
5) المجمل لم يتضح معناه، ولم يفهم منه معنى، إلا بالمتضح للمعنى الصحيح من قول العالم.
6) فإذا ورد اللفظ المجمل عند العالم، حمل على المفصل من قوله، فيرتفع الإشكال.
7) يرجح المفصل على المجمل من قول العالم، فيحمل اللفظ المجمل على اللفظ المفصل، وهذا يعرف بطريق اللزوم.
8) المفصل: واضح بنفسه، وإن لم يوضحه غيره، وهذا واضح معلوم.
9) المفصل: هو بيان تفسير لكلام العالم، والمراد بالبيان، هنا: بيان التفسير.
10) هذا المفصل، بيان: للمجمل، في قول العالم.
11) المجمل: محمول على المفصل، ولابد، هذا هو العلم.
12) المجمل: يحتاج، للمفصل في كلام العالم.
13) إذا وجد المفصل من قول العالم، لا يبقى حكم المجمل، ومن غير القول به.
14) الأصل عدم القول بالمجمل، ما دام هناك وجود للقول المفصل للعالم.
15) المفصل: يصار إليه لفهم كلام العالم على التفصيل في الحكم.
16) ظهور الفهم من المجمل، ممنوع، لابد له من المفصل، فلا ينقل كلام العالم المجمل للناس، بدون المفصل.
17) المفصل مظهر، وكاشف، لحكم العالم، على التفصيل.
18) لا شيء أدنى دلالة من المجمل.
19) المفصل هو المثبت للحكم في الأصل، من قول العالم، لا المجمل من قوله.
الباب الثاني:
نقض اجتهاد عبد المحسن العباد، في مسألة: «العذر بالجهل»، وقد احتج ببعض الأدلة على اجتهاده الفاسد، وهي حجة عليه لا له، وقد قلبناها عليه في الدين.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية
* اعلم رحمك الله أن المجتهد إذا اجتهد في حكم في مسألة، وبنى على اجتهاده حكما خالف في ذلك الأدلة، يجب عليه أن ينقض اجتهاده في هذه المسألة إذا تبين له غلطه. ([13])
* فإذا لم ينقض اجتهاده، يجب أن ينقض من قبل العلماء الأخرين بالدليل؛ لأن الأدلة ينقض بها اجتهاد العالم. ([14])
قلت: فإذا ثبت النص بخلاف قول المجتهد فإنه ينقض، وهذا مذهب أكثر الحنابلة، وأخذ به الفقيه ابن النجار، وهو الأصح عن الشافعية. ([15])
قال الفقيه الجويني / في «البرهان» (ج2 ص328): (المجتهد إذا اجتهد وصلى، ثم تبين أنه أخطأ نصا، فلا شك أنه يرجع إلى مقتضى النص). اهـ
قلت: فيبين أن الاجتهاد يرجع عنه إذا أخطأ نصا.
وقال الفقيه الغزالي / في «المستصفى» (ج2 ص382): (وإنما حكم الحاكم هو الذي ينقض، ولكن بشرط ألا يخالف نصا، ولا دليلا قاطعا.
فإن أخطأ النص نقضنا حكمه). اهـ
قلت: والنص هنا مطلق، يشمل القرآن، كما أنه يشمل السنة، والإجماع.
وقال الفقيه الرازي / في «المحصول» (ج6 ص65): (واعلم أن قضاء القاضي لا ينتقض بشرط ألا يخالف دليلا قاطعا فإن خالفه نقضناه). اهـ
وقال الأصولي الآمدي / في «الإحكام» (ج4 ص203): (وإنما يمكن نقضه بأن يكون حكمه مخالفا لدليل قاطع من نص، أو إجماع، أو قياس جلي). اهـ
قلت: فاشتملت عبارته على التصريح بأن الاجتهاد ينقض عند مخالفته للدليل من النص، أو الإجماع، أو القياس الجلي.
وقال الأصولي الأصفهاني / في «بيان المختصر» (ج3 ص327): (وينقض بالاتفاق حكم الحاكم إذا خالف دليلا قاطعا: نصا، أو إجماعا، أو قياسا جليا). اهـ
وقال الفقيه القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص441): (والحكم الذي ينقض في نفسه، ولا يمنع النقض، هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي). اهـ
قلت: فصرح بأن الاجتهاد ينقض بالنص.
وقال الفقيه القرافي / في «الفروق» (ج2 ص109): (كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه). اهـ
قلت: وإنما ينقضه بالدليل من نص، أو اجماع.
وقال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج6 ص268): (أما لو ظهر نص، أو إجماع، أو قياس جلي بخلافه؛ نقض هو وغيره). اهـ
قلت: والنص يشمل القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار.
وقال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج4 ص505): (وينقض الحكم وجوبا بمخالفة نص الكتاب). اهـ
قلت: فأطلق القول بأن الاجتهاد ينقض بمخالفة نص القرآن الكريم.
وقال الأصولي الأنصاري / في «فواتح الرحموت» (ج2 ص395) فيما خالف المجتهد: (الكتاب والسنة المتواترة والمشهورة، والإجماع). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص263): (فإن كان مخالفا للدليل القاطع نقضه اتفاقا). اهـ
قلت: فإن كان حكم المجتهد مخالفا للدليل من نص، أو إجماع، فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل القاضي، أو من مفت، أو أي مجتهد آخر لمخالفته الدليل. ([16])
وقال الفقيه المرغيناني / في «الهداية» (ج3 ص107): (إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه، إلا أن يخالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع؛ بأن يكون قولا لا دليل عليه). اهـ
وقال الفقيه ابن فرحون / في «تبصرة الحكام» (ج1 ص78): (وقد نص العلماء على أن حكم الحاكم لا يستقر في أربعة مواضع، وينقض ذلك إذا وقع على خلاف الإجماع، أو القواعد([17])، أو بالنص الجلي، أو القياس). اهـ
قلت: وينقض الاجتهاد بالإجماع، والإجماع هو: اتفاق مجتهدي أمة محمد r ([18]) بعد وفاته في عصر من الأعصار على حكم من الأحكام، وهو دليل قطعي عند جمهور العلماء.
قال بذلك: القاضي أبو يعلى في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1058)، والفقيه أبو الخطاب في «التمهيد في أصول الفقه» (ج3 ص224)، والإمام ابن قدامة في «روضة الناظر» (ج2 ص441)، والفقيه ابن برهان في «الوصول إلى الأصول» (ج2 ص72)، والفقيه ابن الحاجب في «مختصر المنتهى» (ج2 ص30)، وغيرهم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
تأصيل
القاعدة الشريفة الأثرية
قلب الأدلة على المخالف
* أصل القاعدة الشريفة:
* بيان أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة، إنما يدل على الحق المبين، لا يدل على قول المبطل، وهذا فيه أصلان:
أحدهما: أن ما يحتجون به من الأدلة على قولهم المخالف، إنما يدل على ما جاء به القرآن الكريم، والسنة النبوية.
* ويدل على مذهب الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين من القرون الفاضلة، وذلك إذا حققت الأدلة بالفهم الصحيح في أحكام الأصول، وأحكام الفروع.
* فلا يدل على ما أرادوه، وخالفوا به الكتاب، والسنة، والآثار.
فالقاعدة: أن كل دليل شرعي يحتج به المخالف، ففيه دليل على بطلان قوله.
الثاني: أن ما احتجوا به يدل على نقيض مقصودهم، وعلى فساد قولهم المخالف للكتاب، والسنة، والآثار.
* فإن كونه يدل على قول في القرآن، لم يفهموه على مراده.
* وكونه يدل على نقيض قولهم، وفساده، وهذا موجود عند أهل الأهواء، وعند أهل التقليد؛ بسبب فهمهم السقيم لنصوص القرآن، والسنة.
فالقاعدة: في أن كل آية يحتج بها مخالف، ففيها دليل على فساد قوله، ولا بد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القاعدة» (ص131): (فصل: وقد ذكرنا أصلين:
أحدهما: أن ما يحتجون به من الحجج([19]): «السمعية»، و«العقلية» على مذاهبهم: إنما يدل على قول السلف، وما جاء به الكتاب والسنة، لا يدل على ما ابتدعوه، وخالفوا به الكتاب والسنة.
الثاني: أن ما احتجوا به يدل على نقيض مقصودهم، وعلى فساد قولهم، وهذا نوع آخر.
* فإن كونه يدل على قول لم يقولوه نوع، وكونه يدل على نقيض قولهم، وفساد قولهم، نوع آخر، وهذا موجود في حجج المتفلسفة، والمتكلمة). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب اختم بخير
ذكر الدليل
على قلب الأدلة على المخالف بما استدل به على مذهبه كائنا من كان
* اعلم رحمك الله أنه من أبلغ الطرق التي واجه بها أهل الصواب شبه المخالف طريقة قلب الحجة والدليل على المخالف.
* حيث جعلوا ما احتج به المخالف بنفسه دليلا عليه، وما توهمه عاضدا لقوله جعلوه هادما له وداحضا، فإذا دليل المخالف يرتد إلى صاحبه، وإذا بدليل المخالف يكون دليلا لقول أهل الصواب، وشاهدا بصدق قولهم.([20])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص292): (فهؤلاء كل ما احتجوا به من دليل صحيح؛ فإنه لا يدل على مطلوبهم، بل إنما يدل على مذهب السلف المتبعين للرسول r.
* فتبين أن الأدلة العقلية الصحيحة من جميع الطوائف إنما تدل على تصديق الرسول r، وتحقيق ما أخبر به لا على خلاف قوله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القاعدة» (ص57): (فصل: فيه قاعدة شريفة: وهو أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة الشرعية، والعقلية، إنما تدل على الحق، لا تدل على قول المبطل.
* وهذا ظاهر يعرفه كل أحد؛ فإن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق، لا على باطل).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القاعدة» (ص61): (كل ما احتجوا به من دليل صحيح، فإنه لا يدل على مطلوبهم، بل إنما يدل على مذهب السلف المتبعين للرسول r).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القاعدة» (ص61): (والمقصود: أن نفس الدليل الذي يحتج به المبطل: هو بعينه إذا أعطي حقه، وتميز ما فيه من حق وباطل، وبان ما يدل عليه، تبين أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به في نفس ما احتج به عليه).اهـ
مثل: احتجاج الجهمية نفاة الصفات([21])، بقوله تعالى: ]لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار[ [الأنعام: 103].
قلت: فإنها تدل على إثبات الرؤية، ونفي الإحاطة للخلق به سبحانه وتعالى. ([22])
فالقاعدة: في أن كل آية يحتج بها مبتدع، ففيها دليل على فساد قوله، وأن الحق في خلاف مذهبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص374): (وقد كنت قديما ذكرت في بعض كلامي، أني تدبرت عامة ما يحتج به النفاة من النصوص، فوجدتها على نقيض قولهم أدل منها على قولهم.
* كاحتجاجهم على نفي الرؤية، بقوله تعالى: ]لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار[ [الأنعام: 103]، فبينت أن الإدراك: هو الإحاطة، لا الرؤية، وأن هذه الآية تدل على إثبات الرؤية أعظم من دلالتها على نفيها).اهـ
قلت: إنما حدث هذا الإنكار لصفات الله تعالى، لما ظهرت بدع الجهمية القديمة الذين اختلفوا في الكتاب. ([23])
قلت: إذا: كل ما احتجوا به ([24]) من دليل صحيح، فإنه لا يدل على مطلوبهم، بل إنما يدل على مذهب الصحابة، والسلف المتبعين للرسول r.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القاعدة» (ص61): (فتبين أن الأدلة العقلية الصحيحة من جميع الطوائف: إنما تدل على تصديق الرسول r، وتحقيق ما أخبر به، لا على خلاف قوله.
* وهي من آيات الله تعالى، الدالة على تصديق الأنبياء، التي قال الله تعالى فيها: ]سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق[ [فصلت:53]).اهـ
قلت: فالحجة الصحيحة تدل على مذهب السلف في الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج17 ص46) عن كلام الله تعالى: (والمقصود: أن نبين أن مثل هذا هو من العلم المستقر في نفوس الأمة السابقين والتابعين، ولم يعرف قط أحد من السلف رد مثل هذا).اهـ
قلت: فراجت المخالفات في الأصول والفروع في هذا الزمان، من قبل المقلدة، فتصدى لها أهل الحديث، فقمعوها في جحرها، فلم تقم لها قائمة، فتميز الحق من الباطل في الدين.
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص254): (وهذا من أحسن قلب الحجة). اهـ
قلت: وهذه الطريقة في الرد من أقوى الطرق على المخالف بقلب أدلته عليه، وتبيين الصواب في أحكام الأصول والفروع.
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص28): (وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم: اعتصامهم بالكتاب والسنة.
* فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة، والتابعين لهم بإحسان: أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده ... فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به؛ ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص41): (أن ما أخبر به الرسول r عن ربه، فإنه يجب الإيمان به، وسواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها). اهـ
قلت: فدليل المستدل الذي ذكره يدل عليه لا له في تلك المسألة المتنازع فيها بعينها.([25])
فإن ما ذكره المستدل من الدليل ليس بدليل للمستدل، بل هو دليل عليه ومبطل لقوله، من غير أن يكون لهذا الدليل أي وجه للدلالة على الحكم الذي استنبطه المستدل من هذا الدليل.([26])
قال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة[ [الأنعام: 149].
* ومنه في هذه المسألة:
1) قال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص459): (فإنك لا تحتج بشيء إلا وهو راجع عليك وآخذ بحلقك). اهـ
2) وقال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص232): (وكذلك الحجة عليك فيما احتججت به). اهـ
3) وقال الإمام الدارمي / في «النقض» (ج1 ص232): (فهذه عليك لا لك، وقد أخذنا فالك من فيك محتجين بها عليك). اهـ
4) وقال الإمام عبد العزيز الكناني / في «الحيدة» (ص54): (قد كسرت قوله بقوله، ودحضت حجته بحجته). اهـ
قلت: فلا يكاد يخالف أي أحد الصحابة الكرام بحجة، إلا وهي عند التأمل حجة عليه، لا له في الأصول والفروع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج2 ص339): (ففي الجملة: أنه ما من حجة يحتجون بها على بطلان قول منازعيهم، إلا ودلالتها على بطلان قولهم أشد). اهـ
قلت: فالمخالفون الحجة عليهم لا لهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج4 ص218): (والمقدمات التي يحتجون بها هي أنفسها –وما هو أقوى منها من جنسها- تدل على فساد أقوالهم بطريق الأولى، فإن كانت صحيحة دلت على فساد قولهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في « درء تعارض العقل والنقل» (ج4 ص218): (من الأدلة الشرعية: الكتاب والسنة، هي أنفسها تدل على نقيض قولهم، ولا تدل على قولهم).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج9 ص216): (والمقصود: هنا التنبيه على أن كل ما تقيمه كل طائفة من الناس من الحجج العقلية، التي لا مطعن فيها، فإنها إنما تدل على موافقة الكتاب والسنة، وإبطال ما خالف ذلك من أقوال أهل البدع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص35): (فأراد هؤلاء أن يجمعوا بين نصر ما اشتهر عند أهل السنة والحديث، وبين موافقة الجهمية في تلك الأصول العقلية، التي ظنها صحيحة، ولم يكن لهم من الخبرة المفصلة بالقرآن ومعانيه، والحديث وأقوال الصحابة، ما لأئمة السنة والحديث، فذهب مذهبا مركبا من هذا وهذا).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص36): (وأما في معرفة ما جاء به الرسول r، وما كان عليه الصحابة، والتابعون، فمعرفتهم بذلك قاصرة. ([27])
وإلا فمن كان عالما بالآثار، وما جاء عن الرسول r، وعن الصحابة والتابعين y، من غير حسن ظن بما يناقض ذلك، لم يدخل([28]) مع هؤلاء - يعني: أهل البدع).اهـ
قلت: وحينئذ، فلا يجوز أن يتعارض العقل الصريح، والسمع الصحيح، وإنما يظن تعارضهما من غلط في مدلولهما، أو مدلول أحدهما.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص32): (بل هم في الحقيقة مقلدون فيها، وقد اعتقد أقوال السلف أولئك، فجميع ما يسمعونه من القرآن، والحديث، وأقوال السلف: لا يحملونه على ما يخالف ذلك، بل إما أن يظنوه موافقا لهم، وإما أن يعرضوا عنه مفوضين لمعناه).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص385): (ولا يسوغ الذم، والعقوبة بالشبهات، ولا يسوغ جعل الشيء حقا، أو باطلا، أو صوابا، أو خطأ، بالشبهات).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص383): (فجماع هذا أن هذه الأمور تعطى حقها من الكتاب، والسنة، فما جاء به الكتاب، والسنة من الخبر، والأمر، والنهي وجب اتباعه، ولم يلتفت إلى من خالفه كائنا من كان، ولم يجز اتباع أحد في خلاف ذلك كائنا من كان، كما دل عليه الكتاب والسنة، وإجماع الأمة من اتباع الرسول r وطاعته).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10 ص383): (فإن كل أحد من الناس قد يؤخذ من قوله، وأفعاله، ويترك، إلا رسول الله r).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص32): (وأهل العلم بالحديث: أخص الناس بمعرفة ما جاء به الرسول r، ومعرفة أقوال الصحابة، والتابعين لهم بإحسان.
* فإليهم المرجع في هذا الباب، لا إلى من هو أجنبي عن معرفته، ليس له معرفة بذلك، ولولا أنه قلد في الفقه لبعض الأئمة، لكان في الشرع مثل آحاد الجهال من العامة).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
الباب الثالث: المقدمة؛
وفيها بيان مخالفة: عبد المحسن العباد، في مسألة الإيمان، للقرآن، والسنة، وإجماع الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وفتاوى علماء السنة، مما يدل على: «جهله المركب» في أصول الدين.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين،
والعاقبة للمتقين
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد،
* لقد أنزل الله تعالى الكتاب تبيانا لكل شيء.
قال تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل:89].
* كما أن هذا الكتاب: واضح في نفسه وبين.
قال تعالى: ]آلر تلك آيات الكتاب المبين [ [يوسف:1].
*وهو ميسر لمن أراد تعلمه، والاستفادة من هديه.
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر:17].
* فكلام الله تعالى يفهمه من سمعه، لأنه ميسر، وكذلك كلام الرسول r، لأنه مفسر.
* غير أن هذه المسألة: تتفاوت من عبد إلى آخر، إذا كانت على التفصيل، أما على الإجمال، فهذه الشريعة يفهمها كل أحد ابتداء، فإن الفهم لا يفوت جميعهم، لأن قدرات المكلفين تتفاوت في التفصيل في الأحكام في الفروع، والأصول.
* فمن منطلق: وضوح: «الرسالة» في نفسها، ثم توضيح الرسول r: لها أحسن توضيح، اعتبر أهل العلم، أن بلوغ الحجة كاف في قيامها على العباد.
* فلم يشترطوا: فهم الخطاب التفصيلي، بل يكفي: فهم الخطاب الإجمالي في إقامة الحجة على العباد.
ولذلك: قالوا؛ إن كل من بلغه القرآن، وخبر الرسول r، قد قامت عليه الحجة، ولا داعي لبحث، هل فهم مراد الخطاب، أم لم يفهمه، لأن الشريعة بينة لكل أحد، إذا بلغته؛ بأي: وسيلة كانت. ([29])
* ولهذا: كان التكليف؛ بما يطاق من أهم مميزات ديننا الحنيف، فلو كان خطاب الله تعالى، غير مفهوم، لدى الناس، وهم أمروا بالعمل بمقتضاه، لكان ذلك تكليفا بما لا يطاق، وهذا ممتنع في دين الله تعالى.
* فجاء الرسول r: بالبينات، وجوامع الكلم.
قال تعالى: ]ولقد أنزلنا إليك آيات بينات[ [البقرة:99].
وقال تعالى: ]شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان[ [البقرة:185].
* والبيان: ما بين به الشيء من الدلالة، وبان الشيء، بيانا: اتضح، فهو بين، واستبان الشيء: ظهر.
والتبين: الإيضاح، والتبيين: الوضوح، والبيان: إظهار المقصود، بأبلغ لفظ. ([30])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج17 ص128)، و(ج18 ص134)؛ عن تفسير الآيات: (البينات؛ أي: دلالات واضحات... ومبينات؛ أي: صارت مبينة، بنفسها الحق). اهـ
* والله تعالى أرسل رسوله r؛ ليعلم الناس: الكتاب والسنة.
قال تعالى: ]وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل:44].
وقال تعالى: ]ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين[ [النور:34].
* وأدى الرسول r هذه الأمانة، فبين الذكر، الذي أنزل عليه، وبلغه بلاغا مبينا، فعرف أصحابه y: الحق، والعلم، والهدى. ([31])
* فكان r أعلم الخلق بالحق، وكان أفصحهم لسانا، وأقواهم بيانا، وأحرصهم على هداية العباد، وهذا يوجب أن يكون بيانه أكمل من بيان كل الخلق. ([32])
* وهذه المسألة: تحتاج إلى تفصيل عن طريق أهل السنة والجماعة، حتى تتبين على وجهها الصحيح، ولا ينسب لأحد من أهل العلم: ما لم يقله، أو لم يرده، أو أخطأ فيه.
* وأشهر من تكلم في مسألة بلوغ الحجة على المعين، وغيره في هذا الزمان، وأنه كاف في إصدار الحكم على المخالف بحسبه، سواء: فهم ([33])، أم لم يفهم. ([34])
فأشهر من تكلم في ذلك: هو العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأحفاده، وتلاميذه رحمهم الله؛ وهم: أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله؛ في بلد الحرمين.
* وإليك الدليل:
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الرسائل الشخصية» (ج7 ص244): (وأما أصول الدين: التي أوضحها الله تعالى، وأحكمها في كتابه؛ فإن حجة الله تعالى: هي القرآن، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجة.
* ولكن أصل الإشكال؛ أنكم لم تفرقوا: بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن أكثر الكفار، والمنافقين من المسلمين، لم يفهموا: حجة الله تعالى عليهم، مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
* وقيام الحجة: نوع، وبلوغها نوع، فإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا؛ قوله r: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([35])، وقوله r: «شر قتلى تحت أديم السماء»([36])، مع كونهم في عصر الصحابة y، ويحقر الإنسان، عمل الصحابة معهم، ومع إجماع الناس، أن الذي: أخرجهم من الدين، هو: التشديد، والغلو، والاجتهاد، وهم: يظنون أنهم يطيعون الله تعالى، وقد بلغتهم: الحجة، ولكن لم يفهموها -يعني: على التفصيل-.
* وكذلك: قتل علي t، الذين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار، مع كونهم: تلاميذ الصحابة y، مع مبادئهم، وصلاتهم، وصيامهم، وهم يظنون أنهم على حق.
* وكذلك: إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية، وغيرهم، مع علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يحسبون: أنهم يحسنون صنعا، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم؛ لأجل كونهم، لم يفهموا).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» (ص9): (قامت على الناس الحجة بالرسول r، وبالقرآن... فكل من سمع الرسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة). اهـ
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل يعذر الإنسان بجهله؟ مثلا: رجل زار قبور الأولياء بنية التبرك بهم، مع أنه لا يعلم أن ذلك الفعل من الشرك الأكبر، مع بيان وتوضيح الأدلة من الكتاب والسنة، جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (أمور العقيدة التي تتعلق بالتوحيد والشرك لا يعذر فيها بالجهل: وهو بين المسلمين، ويسمع القرآن والأحاديث، ويستطيع أن يسأل، ما يعذر بدعوة القبور، والاستغاثة بالأموات وأشباه ذلك، بل يجب عليه أن يتعلم، وأن يتفقه، وليس له أن يتساهل في هذا الأمر. وقد سأل النبي r ربه أن يستغفر لأمه، وهي ماتت في الجاهلية، فلم يؤذن له، وقال: «إن أبي وأباك في النار»([37]) لما سأله رجل عن أبيه، قال: «إن أبي وأباك في النار»([38])، وقد مات في الجاهلية. قال جمع من أهل العلم: إنما ذلك لأنهما ماتا على علم بشريعة إبراهيم عليه السلام، وشريعة إبراهيم النهي عن الشرك!، فلعل أمه بلغها ذلك، فلهذا نهي عن الاستغفار لها، ولعل أباه بلغه ذلك، فلهذا قال: «إن أبي وأباك في النار»([39])، فإذا كان أبوه r، وأمه لم يعذرا وهما في حال الجاهلية، فكيف بالذي بين المسلمين، وعنده العلماء، ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث.
فالحاصل: أن هؤلاء الذين يعكفون على القبور، ويستغيثون بالأموات غير معذورين، بل يجب عليهم أن يتفقهوا في الدين، وأن يسألوا أهل العلم، وألا يبقوا على حالهم السيئة. والآيات تعمهم والأحاديث) ([40]).اهـ
* وفي حكم العذر بالجهل في اقتراف المعاصي: سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: هل يعذر الشخص بالجهل إذا فعل فعلا مكفرا، وهو كبيرة من الكبائر بل من أكبرها؟ وجهونا حول هذا الموضوع، وكيف نقارن بين هذا، وبين قوله تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].
فأجاب فضيلته: (لا يعذر في اقتراف المعاصي وهو بين المسلمين، في إمكانه أن يسأل أهل العلم ويتبصر، لا يعذر بالتساهل، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى من ذلك، ويبادر بالتوبة من المعصية، والمعصية تختلف إن كانت كفرا؛ كدعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو سب الدين، أو ترك الصلاة، هذا عليه التوبة إلى الله جل وعلا منها، والمبادرة بالتوبة، والله تعالى يتوب على التائبين. أما إن كانت معصية ليست كفرا، مثل التدخين، وشرب المسكر، وأكل الربا، هذه معاص، فالواجب عليه البدار بالتوبة، والاستغفار، والندم، والإقلاع، والعزم ألا يعود في ذلك، وإن مات عليها فهو تحت المشيئة، مثلما قال سبحانه وتعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]؛ إذا مات على المعصية، مات وهو يأكل الربا، أو مات وهو يشرب الخمر، لكنه مسلم يصلي، مسلم، هذا تحت مشيئة الله تعالى، أو مات وهو عاق لوالديه، أو مات وهو قد زنا، أو ما أشبه ذلك، تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء الله سبحانه غفر له، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها، إذا كان غير تائب، ما تاب، أما إذا كان تائبا، فالتوبة تجب ما قبلها - والحمد لله - التائب لا ذنب له، أما لو مات على الزنى ما تاب، أو على العقوق وما تاب، أو على شرب مسكر ما تاب، أو نحو ذلك، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء الله جل وعلا غفر له، فضلا منه، وإحسانا منه، جل وعلا، وإن شاء عذبه على قدر المعصية التي مات عليها؛ وبعد التعذيب والتطهير يخرجه الله من النار إلى الجنة، إذا كان مات مسلما موحدا، لا يخلد في النار إلا الكفار، لكن هذا الذي دخل النار بمعصيته إذا عذب التعذيب الذي أراده الله، يخرجه الله من النار إلى الجنة بتوحيده، وإيمانه الذي مات عليه، لا يخلد في النار إلا الكفرة؛ هذا والله أعلم) ([41]).اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» (ص23): (الحجة بالقرآن على من بلغه، وسمعه، ولو لم يفهمه). اهـ؛ يعني: على التفصيل. ([42])
وقال العلامة الشيخ حمد بن معمر التميمي / في «النبذة الشريفة» (ص115): (إن الله تعالى: أرسل الرسل عليهم السلام، مبشرين، ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله تعالى حجة، بعد الرسل عليهم السلام.
* فكل من بلغه القرآن، ودعوة الرسول r، فقد قامت عليه الحجة.
فقال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15].
* وقد أجمع العلماء: على أن من بلغته دعوة الرسول r، أن حجة الله تعالى قائمة عليه.
* فكل من بلغه القرآن، فليس بمعذور، فإن الأصول الكبار، التي هي: أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، ووضحها، وأقام بها الحجة على عباده.
* وليس المراد: بقيام الحجة، أن يفهمها الإنسان فهما جليا؛ كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفقه، وانقاد لأمره.
* فإن الكفار: قد قامت عليهم حجة الله تعالى مع إخباره، بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه.
* فهذا: بينته لك أن بلوغ الحجة: نوع، وفهمها: نوع آخر).اهـ
قلت: وهذا يدل أن الفهم التفصيلي لا يشترط مطلقا، لقيام الحجة، بل يشترط فقط، الفهم الإجمالي، وذلك لوضوح القرآن؛ لأنه كلام الله تعالى، وبخاصة: في أمر توحيد الله تعالى في المعرفة والإثبات، وأصول الاعتقاد، والطاعة والاتباع، والنهي عن الشرك بالله تعالى، والإيمان بالرسول r، وطاعته، وكذا الإيمان بحياة البرزخ، والإيمان باليوم الآخر.
وسئل العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: نود من فضيلتكم توجيه أبناءكم الطلاب حول الجدل الحاصل بين طلبة العلم؛ حول مسألة العذر بالجهل؟.
فأجاب فضيلته: (اليوم ما فيه جهل ولله الحمد، تعلم الناس، أنتم تقولون الناس مثقفون وتعلموا، والناس، والناس... فما فيه جهل الآن، الكتاب يتلى على مسامع الناس في المشارق والمغارب، وتبثه وسائل الإعلام، القرآن تقوم به الحجة: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ هل ما بلغ القرآن؟!!، والله إنه بلغ المشارق والمغارب، ودخل البيوت، ودخل في الكهوف، وفي كل مكان، فقامت الحجة ولله الحمد، لكن من أعرض عنها فهذا لا حيلة له، أما من أقبل عليها، ولما سمع القرآن تمسك به، وطلب تفسيره الصحيح، وأدلته، وتمسك بها، فهذا ما يبقى على الجهل والحمد لله، مسألة العذر بالجهل هذه إنما جاءت من المرجئة؛ الذين يقولون: إن العمل ليس من الإيمان، لو الإنسان ما عمل، هو مؤمن، هذا مذهب باطل؛ الحجة قائمة ببعثة الرسول r: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165]؛ القرآن: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالرسول: جاء الرسول، والقرآن: موجود، وباقي، ونسمعه، ونقرأه، فما للجهل مكان إلا الإنسان ما يريد العلم، معرض، فالمعرض لا حيلة فيه، أما من أحب العلم، وأقبل عليه فسيجد إن شاء الله العلم الصحيح، نعم) ([43]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: لو قال لا بد أن تتوفر شروط فيمن أريد تكفيره بعينه، وتنتفي الموانع؟
فأجاب فضيلته: (مثل هذه الأمور الظاهرة، ما يحتاج فيها شيء، يكفر بمجرد وجودها، لأن وجودها لا يخفى على المسلمين، معلوم بالضرورة من الدين، بخلاف الذي قد يخفى؛ مثل: شرط من شروط الصلاة، بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة، تجب أو لا تجب، بعض شؤون الحج، بعض شؤون الصيام، بعض شؤون المعاملات، بعض مسائل الربا) ([44]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: بعض الناس يقول: المعين لا يكفر؟
فأجاب فضيلته: (هذا من الجهل، إذا أتى بمكفر: يكفر) ([45]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز
فأجاب فضيلته: (هذا من جهلهم، عباد القبور كفار، واليهود كفار، والنصارى كفار، ولكن عند القتل يستتابون، فإن تابوا؛ وإلا قتلوا) ([46]).اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله البابطين / في «الرسائل النجدية» (ج5 ص519): (التكفير، والقتل: ليسا موقوفين على فهم([47]) الحجة مطلقا، بل على بلوغها، ففهمها شيء، وبلوغها شيء آخر.
* فلو كان هذا الحكم موقوفا، على فهم: الحجة، فلم نكفر، ونقتل، إلا من علمنا أنه: معاند خاصة، وهذا بين البطلان). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الله البابطين / في «الرسائل النجدية» (ج5 ص10): (فمن بلغته رسالة محمد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة، فلا يعذر في عدم: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل.
* وقد أخبر الله تعالى، بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم... لا عذر لمن كان حاله هكذا، بكونه: لم يفهم حجج الله تعالى وبيناته؛ لأنه لا عذر له بعد بلوغها له، وإن لم يفهمها.
* وقد أخبر الله تعالى، عن الكفار: أنهم لم يفهموا، فقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام: 25]؛ فبين تعالى؛ أنهم: لم يفهموا، فلم يعذرهم، لكونهم: لم يفهموا).اهـ
قلت: فإذا ثبت ذلك في العبد، فليس أن يبحث، هل فهم المخاطب، أو لم يفهم، فمن كان صادقا، فإنه يوفق لفهم خطاب الله تعالى، ومن كان غير ذلك، فإنه يعمى عليه، ولا تكون له حجة في ذلك.
* فأهل العلم: لم يتنازعوا في كون فهم الخطاب في الجملة؛ من المكلف شرطا، في قيام الحجة عليه، يعني: المكلف العاقل الذي يدرك الخطاب ابتداء.
سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: عن مسألة قيام الحجة؟
فأجاب فضيلته: (بلغهم القرآن، هذا بلاغ للناس، القرآن بلغهم، وبين المسلمين: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، ]هذا بلاغ للناس[ [إبراهيم:52]، ]ياأيها الرسول بلغ[ [المائدة:67].
* قد بلغ الرسول، وجاء القرآن، وهم بين أيدينا يسمعونه في الإذاعات، ويسمعون في غيرها، ولا يبالون، ولا يلتفتون، وإذا جاء أحد ينذرهم ينهاهم آذوه، نسأل الله العافية) ([48]).اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل من المسائل الخلافية؟
فأجاب فضيلته: (مسألة عظيمة، والأصل فيها أنه لا يعذر من كان بين المسلمين، من بلغه القرآن والسنة، ما يعذر.
* الله جل وعلا قال: ]هذا بلاغ للناس[ [إبراهيم:52]، ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، من بلغه القرآن والسنة غير معذور، إنما أوتي من تساهله، وعدم مبالاته) ([49]).اهـ
قلت: فمن جهل الأحكام في مباني الإسلام، وهي: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، فتركها هذا الجاهل، يكفر بمجرد ذلك.
ولا يعذر بجهله، خاصة في زماننا هذا([50])، الذي استفاض فيه علم الشرع، وانتشر بين العامة والخاصة، وعرف هذا العلم، الخاص، والعام، واشترك فيه: العالم، والجاهل، فلا عذر لأحد، بتأويل: يتأوله بالباطل في الأصول والفروع في الدين.
* إن المعلوم من الدين بالضرورة قد اشترك فيه أفراد الأمة، علماء، وطلبة، وعامة([51])، فلا عذر لأحد في المعلوم من الدين بالضرورة.
وعليه؛ فإن إطلاق القول بأن المعلوم من الدين بالضرورة، أمر قد قامت به الحجة على جميع الناس، فلا يسعهم جهله، ومن ثمة مخالفته.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص70): (فلا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول r، إيمانا عاما مجملا، ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول r على التفصيل، فرض على الكفاية، فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله تعالى به رسوله r، وداخل في تدبر القرآن، وعقله، وفهمه). اهـ
* والمشركون: الذين عاصروا؛ نزول الوحي على رسول الله r؛ فهموا([52]): مدلول آيات القرآن على الإجمال، في التوحيد، والبعث، والرسالة، لأنهم أهل اللغة العربية، وكذا الأعاجم.
* وقد قامت عليهم الحجة، وكفروا بالله تعالى، ونفى الله عنهم الفهم، والفقه على التفصيل، وهذا النوع من الفهم: هو فهم التفقه في الدين.
قال تعالى: ]أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا[ [الفرقان:44].
وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام:25].
قلت: إذا، فلا بد من وجود نوع آخر من الفهم، لقيام الحجة على الخلق، وهو الفهم المجمل، الذي يعقل من الإنسان العاقل.
قلت: وهذا النوع من الفهم: هو الفهم اللغوي، فإنه لا يحتاج إليه، لقيام الحجة، فإذا وصل القرآن إلى الأعجمي، فقد قامت عليه الحجة، لأنه يفهم القرآن، الفهم المجمل.
فالأعاجم: لما بلغهم القرآن، فهموا مدلول آياته على الإجمال، من التوحيد، والبعث، والرسالة، لأنهم: عقلاء.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الرسائل الشخصية» (ج7 ص220): (إذا كان المعين: يكفر، إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم، أن قيامها ليس معناه، أن يفهم كلام الله تعالى، ورسوله r، مثل: فهم أبي بكر t.
* بل إذا بلغه كلام الله تعالى، ورسوله r، وخلا من شيء يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن، مع قول الله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه[ [الأنعام: 25 ]). اهـ
وقال العلامة الشيخ حمد بن معمر التميمي / في «النبذة الشريفة» (ص116): (وليس المراد بقيام الحجة، أن يفهمها الإنسان، فهما، جليا، كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفقه، وانقاد لأمره). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس» (ص251): (وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، فقد قامت عليه الحجة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم). اهـ
قلت: والعلم هنا؛ المراد منه، ليس علم التفقه، بل المراد منه العلم في الجملة، الذي يعرفه كل عاقل مكلف، لأن بعقله، وبفهمه على الإجمال، يعلم أنه مكلف بالدين الإسلامي ابتداء. ([53])
* فإذا تمكن من هذا العلم في الجملة، بعد ذلك يأتي من هذا الإنسان العاقل علم التفقه، وفهم التفقه، حتى يعرف الإسلام جملة وتفصيلا، على حسب اجتهاده في تعلم علم الفقه.
والحاصل: أن مقصود أهل العلم، من عدم اشتراط الفهم، لقيام الحجة على الناس.
هو النوع الأول: من الفهم، وهو الفهم المجمل، وليس مقصودهم، النوع الثاني: وهو فهم التفقه، الذي يؤدي على الامتثال، والانقياد على التفصيل.
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس» (ص252): (ولا يشترط في قيام الحجة، أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد، لما جاء به الرسول r). اهـ
قلت: فالبيان يتحقق بما يفهمه الإنسان بحسب لغته، للجاهل العربي، والجاهل الأعجمي، ويعد بيانا لهما. ([54])
فبلوغ الحجة يكون بالعربية لمن يحسنها، أو بالترجمة، إن حصلت: لمن كان أعجميا، لا يعرف العربية، وإلا في الأصل إذا بلغ هذا الأعجمي القرآن، فقد قامت عليه الحجة، لأنه مكلف عاقل، ويعلم ماذا يريد منه القرآن، وإلا كيف أسلم الأعاجم على مر العصور، وكر الدهور، لأنهم: يعلمون ماذا يريد الله تعالى بالقرآن، والإسلام، وبعثة النبي r. ([55])
قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص413): (الواجب على العبد، أن يعتقد أن كل من دان بدين، غير الإسلام، فهو كافر، وأن الله تعالى، لا يعذب أحدا؛ إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول r، هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه). اهـ
هذا من جهة؛ إذ بعد أن بعث الله تعالى، محمدا r: رسولا، إلى الناس، وأكمل له الدين، ثم بيانه r: لما أرسل به، أحسن بيان وأبلغه.
* ومن جهة أخرى؛ فإن تخلية الله تعالى، للناس: بينهم، وبين الهدى، وبيان الرسول r له.
* وإراءتهم الصراط المستقيم، حتى كأنهم يشاهدونه، عيانا، وأقام لهم أسباب الهداية، ظاهرا، وباطنا.
* ولم يحل بينهم، وبين تلك الأسباب، بل ومن حال بينه، وبينها منهم؛ بزوال عقل، أو صغر، لا تمييز معه، أو كونه بناحية من الأرض، لم تبلغه دعوة رسله، فإنه لا يعذبه، حتى يقيم عليه حجته، فهذا كله مما يجعل حجة الله تعالى، قائمة على العباد.([56])
وفق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
الباب الرابع:
أصل الكتاب، وفيه تعرية: عبد المحسن العباد، من دعاويه العريضة الباطلة، وكشف انحرافاته، وتضليلاته المنثورة في أصول الدين.
* ومن العلم أن كل قول يعد: ساقطا، مرفوضا: حتى يقام عليه الدليل، كما قال الشاعر:
والدعاوى إن لم تقيموا عليها
بينات أصحابها أدعياء
* ولذلك كان القرآن كثيرا ما يقمع الخصوم أن يأتوا بدليل على دعواهم فيقول لهم الحق: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة:111].
ويقول الله تعالى: (قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) [الأنعام: 148، 149].
* ولولا ذلك لكان في إمكان من شاء، أن يقول ما شاء، وفي هذا من المفاسد أشياء!.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درة نادرة
في
عدم العذر بالجهل في أصول الدين
في هذا الزمان لوجود الوسائل الحديثة
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (الحمد لله وبعد: فإن مسألة العذر بالجهل مسألة فيها تفصيل؛ خلافا: «للمرجئة» الذين يعتمدون عليها، ولا يفصلون.
* وذلك أن الجاهل له حالتان:
* حالة: من يكون بعيدا، منعزلا؛ لم تبلغه الدعوة؛ فهذا: يعذر بجهله، حتى تبلغه الدعوة على وجه يفهمه إذا أراد.
* وحالة: من بلغته الدعوة؛ فهذا: لا يعذر بالجهل؛ لأنه مقصر في عدم تعلمه وإزالة جهله، وذلك في مسائل الاعتقاد الواضحة.
* وأما في مسائل الاجتهاد الفرعية الخفية: فيعذر الجاهل حتى توضح له.
واليوم -والحمد لله- وجدت وسائل الاتصال، ووسائل الإعلام؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله، وقد قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله؛ لأنه هو المفرط)([57]).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على أن: «عبد المحسن بن حمد العباد»، يجوز التقليد في: «الشرك بالله»، وأن المقلد يعذر إذا قلد علماء السوء الذين في بلده، في: «الشرك الأكبر»، وذلك بسبب جهله وتقليده لهؤلاء!.
* وهذا كله من أبطل الباطل، لأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، لأن الله تعالى، ما عذر الأمم السالفة، ولا أهل الجاهلية، الذين قلدوا ساداتهم، وعلماءهم، وآباءهم في: «الشرك الأكبر»، بل كفروا بذلك، ولهم الخلود في النار، ولا يمتحنون يوم القيامة.
قال عبد المحسن بن حمد العباد في «الإيضاح والتبيين» (ص27): (أما من لم تقم عليه([58]) -يعني: الحجة- وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام إلا أنه الغلو في الصالحين، والاستغاثة بهم، ودعاؤهم، مغترا بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل، ويسكتون على شركهم([59])، وعبادتهم غير الله!). اهـ.
وقال عبد المحسن بن حمد العباد في «الإيضاح والتبيين» (ص29): (ويتضح مما تقدم أن هناك فرقا بين كفر من قامت عليه الحجة، ومآل أصحابه إلى النار، والخلود فيها، وبين كفر من لم تقم على أصحابه الحجة؛ ككفر أهل الفترات، ومن في حكمهم ممن نشأوا على الغلو في الصالحين والاستغاثة بهم، لا يعرفون الإسلام إلا أنه هذا العمل، مقتدين بأشباه العلماء الذين أضلوهم، فإن هؤلاء أمرهم إلى الله: يمتحنون يوم القيامة([60])، ويكون مآل بعضهم بعد الامتحان إلى الجنة، ومآل بعضهم إلى النار!). اهـ.
وقال عبد المحسن بن حمد العباد في «الإيضاح والتبيين» (ص29): (ومما يوضح أن مصيبة العوام([61]) سببها اغترارهم واقتداؤهم بأشباه العلماء!). اهـ.
* كلامه هذا كله يتصبب: جهلا، باطلا، وادعاء كاذبا، وفهما، أعوج سقيما، فليس فيه علم يرد، أو شبهة تصد، إلا على سبيل كشف جهله للناس في أصول الدين.([62])
قلت: فانظروا -بالله عليكم- إلى هذا التلاعب في أحكام الدين البين، والتناقض الجلي، وكأن هذا: «العباد»، يتلاعب، بعقول الناس، ويظنهم مستسلمين لكلامه، مسلمين برايه ومرامه. ([63])
وقد تورط في ذلك، تورطا، عظيما لا يخرج منه؛ إلا بالتوبة الصادقة، عن هذا الذنب العظيم، الذي تلطخ به، وافتضح به.
* فانظر إلى هذا التباين والتضاد، وهذا يدل على أن: «العباد» بدأ يخلط وتختلط عليه الأمور، ولا يجوز الخلط والخبط في الدين.
قلت: ومادام هؤلاء الجهلة: يعبدون شيئـا من المخلوقات، فهم: لا بد أن يعلموا بوجود الخالق، الذي أمرهم بعبادته وحده لا شريك له.
* فهم كيف عرفوا عبادة المخلوق، ولم يعرفوا عبادة الخالق: ]إن هذا لشيء عجاب[ [سورة «ص»: 5].
قلت: وهذا بسبب جهلهم الذي لا يعذرون فيه لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية[ [البينة:6].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم([64]) حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة:166 و167].
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:172 و173].
وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170].
وقال تعالى: ]وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (23) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ [الزخرف: 23 و24].
وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا [[الأحزاب: 67].
قلت: فبين الله تعالى عن الكفرة في معرض الذم.
وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [[التوبة: 31].
قلت: فأخبر الله تعالى عن أهل الكتاب على وجه الذم.
وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة؛ ([65]) قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [[البقرة: 170]. وفي المائدة،([66]) وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[([67]) وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[([68]) وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين (69) فهم على آثارهم يهرعون[([69]) وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا (66) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[([70]) وقال تعالى: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166] وقال تعالى: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار[ [غافر: 47] وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء[ [إبراهيم: 21] وقال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25].
* فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى: إما للعادة والنسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين، فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه، أو سيده، أو ذي سلطانه... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه). اهـ
وقال تعالى: ]أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات[ [فاطر:8].
وقال تعالى: ]وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين[ [فصلت:25].
وقال تعالى: ]وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين[ [فصلت:29].
وقال تعالى: ]وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار * قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد[ [غافر:47و48].
وقال تعالى: ]هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار * إن ذلك لحق تخاصم أهل النار[ [ص:59-64].
* فالله تعالى: أخبر عن الأتباع، أنهم: في النار، وأن تقليدهم، لكبارهم، وآبائهم، ليس بحجة، لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم: أن الأتباع إنما قلدوا من قلدوه، بسبب جهلهم، وغفلتهم.
وقال تعالى: ]ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم[ [التوبة:113].
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /: (هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر، وله حكم الكفار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]) ([71]).اهـ
وقال العلامة الشيخ أبو بطين /؛ وهو يرد على من قال إن المقلد في الشرك معذور: (قد افترى، وكذب على الله تعالى، وقد قال الله تعالى؛ عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال تعالى؛ حاكيا، عن الكفار: قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22]، واستدل العلماء: بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأن فرضا على كل مكلف، أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه النصوص ظاهرة) ([72]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص226): (ولا ريب: أن الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشرك الأكبر»، فكيف يعذر أمة، كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص231): (إن الشرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، فإن هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريات الإسلام). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص26): (بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصروا، وأن يتفقهوا في الدين، ويسألوا عما أشكل عليهم.
* هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا، واستمروا على عبادة الأموات، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجن؛ صاروا كفارا بذلك، في دعائهم إياهم، وطلبهم منهم: الشفاعة، أو شفاء المريض، أو رد الغائب، أو ما أشبه ذلك). اهـ
وقال العلامة الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «حكم تكفير المعين» (ص18): (مع أن العلامة ابن القيم / جزم بكفر المقلدين لمشايخهم في: «المسائل المكفرة»: إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته، وتأهلوا لذلك، وأعرضوا ولم يلتفتوا). اهـ
* وقد قرر العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادة مع مخالفة ما دلت عليه من الأصول المقررة، ومع: «الشرك الأكبر» في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام. ([73])
* إذ المقصود من الشهادتين حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبة الله تعالى لوحده، والخضوع له، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وإفراده بالاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقه من العبادات، كالذبح، والنذر، والتقوى، والخشية، ونحو ذلك من الطاعات. ([74])
قال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص170): (فتشبيه عباد القبور؛ بأنهم يصلون، ويصومون، ويؤمنون بالبعث، مجرد تعمية على العوام، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم، وإيمانهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ورسوله r، والمؤمنون). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس والتقديس» (ص190): (وعباد القبور: ما رأيت أحدا من أهل العلم الذين يرجع إليهم، توقف في كفرهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التوحيد» (ص97): (يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، ومع ذلك يذهبون إلى القبور يسجدون لها ويركعون؛ فهم كفار غير موحدين، ولا يقبل منهم أي عمل.
* وهذا من أخطر ما يكون على الشعوب الإسلامية؛ لأن الكفر بما سوى الله عندهم ليس بشيء، وهذا جهل منهم، وتفريط من علمائهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص126): (وإذا كان الجهل بالشرك لا يعذر به الإنسان، فلماذا أرسلت الرسل: تدعو قومها إلى توحيد الله تعالى؟، فهم إن كانوا لا يعذرون بالجهل: فمعناه: أنهم عالمون به). اهـ
õõõ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد شبهات: «عبد المحسن بن حمد العباد»، فيما نشره من: «الإرجاء»، ونصرة: «المرجئة العصرية»، وأنه لم يتب، ولم يرجع عن: «بدعة الإرجاء»، وقد شبه له في رجوعه المزيف، بسبب جهله المركب في علم غير نافع، وبسبب تقليده في الدين، وقبوله: بـ«التلقين» في الأحكام الباطلة من غيره.
* وهو متمسك، بمذهب: «المرجئة العصرية»، قديما وحديثـا، بل هو ما زال يخالف نصوص القرآن، وأدلة السنة، وآثار الصحابة، ومذهب السلف، وأئمة الحديث الكبار([75])، وأنه قامت الحجة على العبد إذا وقع في: «الشرك الأكبر»، وعبد غير الله تعالى في حياته، ومات على الشرك، وأنه لا يوجد ما يسمى بأهل الفترة، أو أنهم يمتحنون يوم الآخرة([76])، وهي أحاديث ضعيفة، لا تصح، والحجة وصلت إلى كل عبد مكلف على وجه الأرض.
* وأنه في يوم القيامة يقام الحساب على الخلق كلهم، لا يستثنى منهم: أي: أناس فيمتحنون في الآخرة، وبعد الحساب، فإما إلى الجنة، وإما إلى النار.
قال عبد المحسن بن حمد العباد في رسالته: «الإيضاح والتبيين في حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين» (ص27): (ويتضح مما تقدم أن البناء على القبور، والافتتان بها، وتعظيمها من أعظم الوسائل المؤدية إلى الشرك.
* وأما دعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وكذا دعاء الغائبين من الجن والإنس والملائكة؛ فهو: شرك، مخرج من الملة، ومن كانت هذه حاله، فإنه لا يجوز أن يصلى وراءه، ومن مات وهو كذلك، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومآله إلى دخول النار والخلود فيها([77])؛ كما قال الله عز وجل: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ [المائدة: 72]، وهذا حكم من قامت عليه الحجة([78])، أما من لم تقم عليه، وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام([79])؛ إلا أنه الغلو في الصالحين، والاستغاثة بهم، ودعاؤهم، مغترا بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل([80])، ويسكتون على شركهم، وعبادتهم غير الله؛ فهذا ظاهره الكفر، ويعامل في الدنيا معاملة من قامت عليه الحجة، فلا يصلى وراءه، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدعى له، ولا يحج عنه، وأمره في الآخرة إلى الله([81])، لكونه من جنس أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات ([82])، وهم يمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار، وقد أورد ابن كثير في «تفسيره»، لقول الله عز وجل: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]، جملة من الأحاديث في ذلك، وقال: «إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن ([83])، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها».
* وأما من كان من الإنس حاضرا، أو في حكم الحاضر -كمن يكلم بالهاتف- فإن سؤاله الإغاثة فيما يقدر عليه من الأمور الحسية، كإعانته بالمال قرضا، أو إحسانا، أو مساعدته في حاجات أخرى يقدر عليها، فلا محذور في ذلك؛ كما قال الله عز وجل عن موسى: ]فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه[ [القصص: 15].
* ويتضح مما تقدم أن هناك فرقا بين كفر من قامت عليه الحجة، ومآل أصحابه إلى النار، والخلود فيها، وبين كفر من لم تقم على أصحابه الحجة ([84])؛ ككفر أهل الفترات، ومن في حكمهم ممن نشأوا على الغلو في الصالحين، والاستغاثة بهم، لا يعرفون الإسلام، إلا أنه هذا العمل، مقتدين بأشباه العلماء الذين أضلوهم، فإن هؤلاء أمرهم إلى الله، يمتحنون يوم القيامة، ويكون مآل بعضهم بعد الامتحان إلى الجنة، ومآل بعضهم إلى النار.
* ومما يوضح أن مصيبة العوام سببها اغترارهم واقتداؤهم بأشباه العلماء، أن شيخا كبيرا في بلده، له مكانة مرموقة، ألف رسالة عن: «السيد البدوي»، وذكر في مقدمتها أنه كتب الأسطر الأولى منها وهو في المقصورة المباركة، يعني بذلك: «ضريح البدوي!»، وآخر كان عميدا لكلية شرعية في إحدى الدول العربية سمعته يقول: أنه عندما زار قبر النبي r لا يذكر شيئـا قاله، إلا قوله: «جئتك يا رسول الله!»، يشير بذلك إلى قول الله عز وجل: ]ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما[ [النساء: 64].
* وما جاء في هذه الرسالة من التفصيل([85]) بين من قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه: هو المعتمد، وأي كلام مسموع، أو مقروء جاء عني يفهم منه خلاف ذلك: لا يعول عليه([86])، وإنما التعويل على ما جاء في هذه الرسالة من التفصيل). اهـ كلام العباد.
* وكلامه هذا كله يتصبب: جهلا، باطلا، وادعاء كاذبا، وفهما، أعوج سقيما، فليس فيه علم يرد، أو شبهة تصد، إلا على سبيل كشف جهله للناس في أصول الدين.([87])
قلت: فانظروا -بالله عليكم- إلى هذا التلاعب في أحكام الدين البين، والتناقض الجلي، وكأن هذا: «العباد»، يتلاعب، بعقول الناس، ويظنهم مستسلمين لكلامه، مسلمين برايه ومرامه. ([88])
وقد تورط في ذلك، تورطا، عظيما لا يخرج منه؛ إلا بالتوبة الصادقة، عن هذا الذنب العظيم، الذي تلطخ به، وافتضح به.
* فانظر إلى هذا التباين والتضاد، وهذا يدل على أن: «العباد» بدأ يخلط وتختلط عليه الأمور، ولا يجوز الخلط والخبط في الدين.
* هذا كله باطل، لا أصل له في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله r، ولا قال: أحد به من الصحابة y، ومن سلف الأمة، ولا قال به أئمة الحديث من المتقدمين، ومن المتأخرين الذين يصلحون للاقتداء بهم في الشريعة المطهرة. ([89])
اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا، ونعم الوكيل.
وقول عبد المحسن العباد هذا: (ويتضح مما تقدم أن البناء على القبور، والافتتان بها، وتعظيمها من أعظم الوسائل المؤدية إلى الشرك.
* وأما دعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وكذا دعاء الغائبين من الجن والإنس والملائكة؛ فهو: شرك، مخرج من الملة، ومن كانت هذه حاله، فإنه لا يجوز أن يصلى وراءه، ومن مات وهو كذلك، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومآله إلى دخول النار والخلود فيها). اهـ كلام العباد.
* هذا قول: «عبد المحسن العباد»، موافق: لأهل السنة والجماعة، فيمن أشرك بالله تعالى، ومات عليه، فهو مشرك شركا مخرجا من الملة، وأن مآله إلى دخول النار، والخلود فيها.
* وبعد قليل سوف يتناقض كعادته، وينقض قوله هذا، ويذهب إلى قول: «المرجئة العصرية»، ويعذر بالجهل، ويقرر: بـ«الإرجاء»، مرة ثانية، كما وقع فيه من قبل!.
* فكيف يدعي: «عبد المحسن العباد»، أنه رجع عن: «الإرجاء»، وهو واقع فيه إلى الآن: ]إن هذا لشيء يراد [ [سورة «ص»: 6].
* وهذا يدل على أن: «العباد» هذا، غير متمكن في أصول الدين، وإلا كيف وقع في: «الإرجاء»، وفي هذه البدعة الشنيعة!.
* فما وقع في هذه البدعة، ولم يستطع أن يتخلص منها إلى الآن، إلا لنقص فيه من السنة، ولا بد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (ولا تجد أحدا وقع في بدعة إلا لنقص اتباعه للسنة، علما وعملا). ([90]) اهـ.
فقول عبد المحسن العباد هذا: (ويتضح مما تقدم أن البناء على القبور، والافتتان بها، وتعظيمها من أعظم الوسائل المؤدية إلى الشرك.
* وأما دعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، وكشف الكربات، وكذا دعاء الغائبين من الجن والإنس والملائكة؛ فهو: شرك، مخرج من الملة، ومن كانت هذه حاله، فإنه لا يجوز أن يصلى وراءه، ومن مات وهو كذلك، فإنه لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ومآله إلى دخول النار والخلود فيها؛ كما قال الله عز وجل: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار[ [المائدة: 72]، وهذا حكم من قامت عليه الحجة، أما من لم تقم عليه، وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام؛ إلا أنه الغلو في الصالحين، والاستغاثة بهم، ودعاؤهم، مغترا بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل، ويسكتون على شركهم، وعبادتهم غير الله؛ فهذا ظاهره الكفر، ويعامل في الدنيا معاملة من قامت عليه الحجة، فلا يصلى وراءه، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدعى له، ولا يحج عنه، وأمره في الآخرة إلى الله، لكونه من جنس أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات، وهم يمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار). اهـ كلام العباد.
قلت: فانظر إلى هذا التلاعب البين، والتناقض الجلي، وكأن هذا: «العباد»: يتلاعب بعقول قرائه، ويظنهم مستسلمين لكلامه، مسلمين برأيه ومرامه!.
* فكيف يقول: «عبد المحسن العباد»، عن الذي وقع في: «الشرك الأكبر»، أنه كافر، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدعى له، ولا يحج عنه.
* ثم يقول: وأمره في الآخرة إلى الله!، لأنه من أهل الفترة، وهو لم تبلغه الرسالة!، فيمتحن، ثم ينتهي إلى الجنة، أو إلى النار!. ([91])
* فتأمل.
قلت: فانظر إلى هذا التباين والتضاد، وكيف راج عليه ما حذر منه، ويرجع عنه بزعمه. ([92])
* فهذا هو التلاعب بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، بل هو تلاعب بالدين.
قال الإمام مالك بن أنس /: (ما كنت لاعبا فلا تلعبن بدينك). ([93])
* فكيف يقول بكفره في الدنيا، وفي الآخرة ليس بكافر، بل أمره إلى الله تعالى.
* فإذا ثبت كفر عبد في الدنيا، فهو كافر في الآخرة ولا بد، كما نطق القرآن الكريم، ونطقت السنة النبوية، فيمن كفر في الدنيا، فقد كفر في الآخرة.
* فهذا هو: «الجهل المركب» الذي حذر منه أئمة الحديث قديما وحديثـا.
قال تعالى: ]ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا[ [الإسراء: 72].
قلت: فالعبد يموت على ما عاش عليه من الكفر، أو غيره، ويبعث على ما مات عليه. ([94])
قال تعالى: ]فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل[ [المائدة: 12].
وقال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى[ [طه: 124].
قال الإمام ابن القيم / في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص94): (قوله تعالى: ]ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا[ [الإسراء: 72]؛ فأخبر أن من كان في هذه الدار: ضالا، فهو في الآخرة: أضل). اهـ.
قلت: فإذا حكمنا على عبد: بالكفر في الدنيا ومات عليه، فلا يفارقه في الآخرة، وهو مستمر فيه، لا يزول عنه يوم القيامة. ([95])
قال الإمام ابن القيم / في «حادي الأرواح» (ج2 ص758): (قوله تعالى: ]ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا[ [الإسراء: 72]؛ فأخبر تعالى: أن ضلالهم، وعماهم عن الهدى: دائم لا يزول.
* حتى مع معاينة الحقائق التي أخبرت بها الرسل عليهم السلام، وإذا كان العمى والضلال لا يفارقهم، فإن موجبه، وأثره، ومقتضاه لا يفارقهم). اهـ.
* إذا فكيف هذا: «العباد» يشدد الحكم على العبد، ويرميه بـ«الكفر» في الدنيا، ثم يخفف عنه: الحكم في الآخرة، والله تعالى يقول: ]فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا[ [الإسراء: 72].
* فوقع: «العباد» في الفخ، ولا بد!.
قلت: فهذه التنبيهات وحدها كافية، لنقض رسالته هذه من أسها. ([96])
قال تعالى: ]قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار[ [البقرة: 126].
وقال تعالى: ]ولئن كفرتم إن عذابي لشديد[ [إبراهيم: 7].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله[ [البقرة: 161].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم[ [النساء: 168].
وقال تعالى: ]والذين كفروا إلى جهنم يحشرون[ [الأنفال: 36].
وقال تعالى: ]ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم[ [البقرة: 217].
وقال تعالى: ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[ [الأنعام: 88].
* إذا فهذا فيه من التناقض ما فيه، بل هو أجلى صور التناقض وأوضحها.
* فكيف يقول العباد: عن الذي وقع في: «الشرك الأكبر»، على أنه كافر، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدعى له، ولا يحج عنه.
* ثم يقول: وأمره في الآخرة إلى الله تعالى، لأنه من أهل الفترة، وأنه لم تبلغه الرسالة!، فيمتحن في ذلك اليوم، ثم ينتهي إلى الجنة، أو إلى النار: ]إن هذا لشيء يراد[ [سورة «ص»: 6].
وهذا هو: «الإرجاء» الذي حذر منه الأئمة النجدية في كل زمان، وردوا على من قال بهذا: «الإرجاء».
ويقال: في كلامه تناقض؛ أي: بعضه يقتضي إبطال بعض. ([97])
وقوله هذا: بدعة في الاعتقاد.
والبدعة في الدين: هي ما لم يشرعه الله تعالى، ولا رسوله r في الإسلام.
* فكل من دان بحكم لم يشرعه الله تعالى، فذاك بدعة في الشرع، وإن كان العبد متأولا فيه. ([98])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص42): (فإن البدعة ما لم يشرعه الله تعالى من الدين، فكل من دان بشيء لم يشرعه الله تعالى؛ فذاك بدعة، وإن كان متأولا فيه). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح لمعة الاعتقاد» (ص40): (ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي r، من عقيدة، أو عمل). اهـ.
قلت: فالبدعة ليس لها: أصل في الشرع، يدل عليها.
* والذي يقول بالبدعة، فهذا يدل على نقص في علمه، ولذلك لا بد أن يأخذ بالشبهات، والمتشابهات في الأدلة، من القرآن، أو السنة، ويقع في التقليد المذموم. ([99])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج1 ص107): (قوله تعالى: ]وخضتم كالذي خاضوا[ [التوبة: 69]؛ إشارة إلى اتباع الشبهات، وهو داء المبتدعة، وأهل الأهواء، والخصومات). اهـ.
* فقول العباد هذا: ينطوي على تلبيس وجهل في نفس الوقت، فإنه يضرب أحاديث النبي r بعضها ببعض، بأحديث ضعيفة، ويجعل فيها التناقض، وهو لا يشعر، بسبب جهله باعتقاد السلف الصالح. ([100])
* فلا يكون النبي r، يثبت: الكفر للمشرك والخلود في النار، وأيضا: يثبت: له الامتحان في الآخرة لأنه من أهل الفترة، في آن واحد، لأن ذلك ليس من الحكمة. ([101])
* فهذا من التناقض، ولا تناقض في أحاديث النبي r.
* لأن أحاديث النبي r: سنة، والسنة عند السلف الصالح: وحي لا يعارض القرآن، ولا السنة أبدا.
قال تعالى: ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 3 و4].
* والسلف الصالح: يعتقدون: أنه لا اختلاف بين السنة والقرآن، بل كل منهما يصدق الآخر.
* ويعتقدون: أنها محفوظة، واجبة الاتباع: كالقرآن. ([102])
قلت: فأحاديث: عدم وجود: «أهل الفترة» في الدنيا والآخرة، أصح، من أحاديث: وجود: «أهل الفترة» وامتحانهم يوم القيامة، وهي منكرة، لا تصح.
* فهذا من عجيب أمر هذا المدعي، أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه!.
* وهذا تالله كبرى معايب هذا: «العباد»، بشهادة نفسه على نفسه، ويكأنه بدأ يخلط، وتختلط عليه الأحكام.
قلت: فهذه التنبيهات وحدها كافية، لنقض اعتقاده هذا من أسه، والله المستعان.
* والعباد هذا: ضلل كثيرا من شباب الدول في الأصول والفروع، الذين أتوا للدراسة في الجامعة في المدينة، والذين يأتون من جهته للدراسة عنده، والله المستعان.([103])
* والعباد هذا: تفرقت به السبل في مصادر تلقي الاعتقاد، فجعل من مصادر اعتقاده([104])، سواء يشعر، أو لا يشعر، ما يلي:
1) الأحاديث الضعيفة من مصادر تلقيه لعلم غير نافع.
2) الظن: وهو العلم بغير يقين، وهو: إدراك العبد للعلم في الجملة، مع ترجيحه، وهو الظن الفاسد.
3) الوهم: وهو الخطأ، فيتوهم: العبد أنه مصيب، وهو مخطئ.
4) تحكيم العقل، وهو الاجتهاد الفاسد، والتكلف في الدين.
5) تحكيم الرأي، وهو التفكر، والنظر في الباطل.
6) التأويل الفاسد في الاعتقاد.
7) تحكيم التقليد في آراء الرجال. ([105])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص38): (قال أهل العلم في أصول الفقه: العلم: إدراك المعلوم على ما هو عليه، وإن شئت فقل: «إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما مطابقا».
* فقوله: «إدراك الشيء»، احترازا ممن لم يدرك الشيء أصلا، وهو الجاهل، ويسمى: الجهل البسيط.
* وقوله: «إدراكا جازما»؛ احترازا ممن أدركه على غير وجه الجزم، بل عنده احتمال وهو إما ظان، وإما شاك، أو واهم، فإذا لم يدركه إدراكا جازما لكن غلب على ظنه أن الأمر كذا، فهنا نقول: هذا: «ظن»، والطرف المرجوح يسمى: «وهما»، وإذا كان على السواء؛ فهو: «شك»؛ هذا تقسيم الفقهاء، وأما في الشرع فالعلم إما: «شك»، أو «يقين»، وليس فيه تفصيل.
* وفي قوله: «مطابقا»؛ احتراز من: «الجهل المركب»، فالجهل المركب: أن يدرك الشيء، لكن على غير المطابق، ولنضرب لهذا مثلا: إذا سئل شخص، فقيل له: متى كانت غزوة بدر؟. فأجاب: بأنها في السنة الرابعة من الهجرة؛ فهذا ليس بعلم؛ بل هو: «جهل مركب»، وإذا قال: لا أدري، فهذا ليس بعلم، لكنه: «جهل بسيط»، وإذا قال: لا أدري أفي الثانية، أم في الرابعة؟، فهذا: «شك»، وإذا قال: لا أدري أفي الثانية أم في الرابعة؟، ويغلب على ظني أنها في الثانية؛ فهذا: «ظن»، والمرجوح: «وهم»). اهـ.
قلت: ومادام: «العباد» لم يثبت على قول واحد في موضوع: «العذر بالجهل»، فهذا يدل على عدم رسوخه في الاعتقاد، بل هو من أسباب التناقض عند صاحب الهوى.
* وهو أيضا من عدم الفهم الصحيح للنص، وضعف الفقه، وقلة الحصيلة من العلم النافع، وعدم التسليم للنص الصحيح، والانقياد له، والاعتماد على آراء الرجال، والخوض فيما نهى الله تعالى عنه.
* وهذه الأسباب التي أدت إلى وقوع صاحب الهوى في التناقض، فهو تمسك، بظاهر من القول، لا بظاهر القول. ([106])
قال معن بن عيسى: قلت للإمام مالك بن أنس /: (يا أبا عبد الله كيف لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين؟، قال: أدركتهم متوافرين، ولكن لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه). ([107])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج24 ص172): (نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة، خلافا: لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به: أهل البدع). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية /: (ومن عرف الحق، ولم يعمل به كان متبعا لهواه، واتباع الهوى: هو الغي، ومن عمل بغير علم كان ضالا).
* وقد أوضح العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: ضلال، وتناقض: «المرجئة»، بأن كلمة: «لا إلـٰه إلا الله» ترفع الحرج حتى وإن ارتكب العبد: «الشرك»، وعبد غير الله تعالى. ([109])
* وهذا من كيد الشيطان: «للمرجئة»، في كل زمان، حيث اختلطت عليهم مفاهيم العبادة الصحيحة لله تعالى.
* وقد بين العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /، أن مرتكب: «الشرك»، ليس معذورا في الدين لجهله، لأنه يلزم من ذلك أنه ليس لله تعالى: حجة على أحد([110])، إلا الجاهل المعاند. ([111])
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «الدرر السنية» (ج10 ص20): (واعلم: أن المشركين في زماننا، قد زادوا على الكفار في زمن النبي r، بأنهم يدعون الأولياء والصالحين، في الرخاء والشدة، ويطلبون منهم: تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصالحين، ويريدون شفاعتهم، والتقرب بهم، وإلا فهم مقرون بأن الأمر لله تعالى، فهم لا يدعونهم؛ إلا في الرخاء، فإذا جاءتهم الشدائد أخلصوا لله تعالى، قال الله تعالى: ]وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم[ [الإسراء:67]).اهـ
* فقد قرر العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب /: أن مجرد الإتيان بلفظ الشهادتين، مع مخالفة ما دلت عليه من الأصول المقررة، ومع: «الشرك الأكبر» في العبادة لا يدخل المكلف في الإسلام، إذ المقصود من: «الشهادتين»، حقيقة الأعمال التي لا يقوم الإيمان بدونها. ([112])
وقال العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ / في «منهاج التأسيس» (ص168): (وبهذا تعلم: أن مسمى الإيمان، لا بد فيه من الصدق والعمل.
* ومن شهد: «أن لا إلـٰه إلا الله»، وعبد غيره، فلا شهادة له، وإن صلى، وزكى، وصام، وأتى بشيء من أعمال الإسلام، قال تعالى: لمن آمن ببعض الكتاب، ورد بعضا: ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض[ [البقرة: 85]). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص36): (فإذا ارتكب ما يناقضها: وهو عبادة غير الله تعالى؛ وهو: «الشرك الأكبر»، الذي هو أكبر الذنوب). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص29): (فيقال له: بل أنت مكلف بمعرفة التوحيد، الذي خلق الله تعالى: الجن والإنس لأجله.
* وأرسل جميع الرسل عليهم السلام يدعون إليه، ومعرفة ضده، وهو: «الشرك»، الذي لا يغفر، ولا عذر لمكلف في الجهل بذلك.
* ولا يجوز فيه التقليد: لأنه أصل الأصول، فمن لم يعرف المعروف، وينكر المنكر: فهو هالك، لا سيما أعظم المعروف: هو التوحيد، وأكبر المنكرات: وهو الشرك). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص42)؛ وهو يرد على المجادلين في المشركين: (فإن كان مرتكب الشرك الأكبر، معذورا لجهله، فمن هو الذي لا يعذر!.
* ولازم هذه الدعوى: أنه ليس لله تعالى حجة على أحد، إلا المعاند!). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص124)؛ وهو يرد على من جعل عباد الأوثان؛ أنهم يعبدون الله: (وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله، فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها!). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرد على الأخنائي» (ص214)؛ عن الحج إلى القبور: (ويقولون: هذا الحج الأكبر: وهؤلاء من جنس المشركين، وعبادة الأوثان). اهـ.
قال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص409): (والإسلام: هو توحيد الله تعالى، وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان برسوله r، واتباعه فيما جاء به.
* فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن: كافرا معاندا، فهو: كافر جاهل.
* فغاية هذه الطبقة: أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم، لا يخرجهم عن كونهم: كفارا.
* فإن الكافر من جحد توحيد الله تعالى، وكذب رسوله r، إما: عنادا؛ وإما: جهلا، وتقليدا؛ لأهل العناد). اهـ.
قلت: فـ«العباد» هذا ليس له عناية، ومعرفة بالعلم النافع، والاستدلال به، فهو كـ«حاطب ليل»، ما وجده أخذه، وما اشتهاه قاله، من غير أصل يرجع إليه، ولا دليل يعول عليه، والأدلة كلها ضده، والله المستعان.
وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال: (مثل الذي يطلب العلم بلا حجة، كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1393)، وفي «مناقب الشافعي» (ج2 ص142)، وابن أبي حاتم في «آداب الشافعي» (ص100)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص125) من طريق الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي به.
قلت:. وهذا سنده صحيح.
قال الربيع بن سليمان: يعني الذين لا يسألون عن الحجة من أين؟، يكتب العلم، وهو لا يدري على غير فهم، فيكتب عن الكذاب، وعن الصدوق، وعن المبتدع، وغيره، فيحمل عن الكذاب والمبتدع الأباطيل([113])، فيصير ذلك نقصا لإيمانه، وهو لا يدري!.
قال العلامة الشيخ أبو بطين /؛ وهو يرد على من قال إن المقلد في الشرك معذور: (قد افترى، وكذب على الله تعالى، وقد قال الله تعالى؛ عن المقلدين من أهل النار: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال تعالى؛ حاكيا، عن الكفار: قولهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف:22]، واستدل العلماء: بهذه الآية ونحوها، على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد، والرسالة، وأصول الدين، وأن فرضا على كل مكلف، أن يعرف التوحيد بدليله، وكذلك الرسالة، وسائر أصول الدين، لأن أدلة هذه النصوص ظاهرة) ([114]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص226): (ولا ريب: أن الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهلية، الذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشرك الأكبر»، فكيف يعذر أمة، كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص231): (إن الشرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، فإن هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريات الإسلام). اهـ
وقال تعالى: ]ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون[ [البقرة:78 و79].
وقال تعالى: ]بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون[ [البقرة:81].
وعن تميم بن أوس الداري t، قال: سمعت رسول الله r يقول: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله عز وجل بيت مدر([115])، ولا وبر([116])؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله عز وجل به الكفر).
حديث صحيح
أخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج5 ص459)، وابن بشران في «البشرانيات» (ج1 ص158)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج2 ص79 و80)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص331)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص430 و431)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، ويعقوب بن سفيان، وعبد الكريم بن الهيثم، جميعهم: عن أبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو حدثني سليم بن عامر الكلاعي عن تميم الداري t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص118).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
* وتابع أبا اليمان الحكم بن نافع: أبو المغيرة، عبد القدوس بن الحجاج الخولاني عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الداري t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص103)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، وعبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)، وأبو عروبة الحراني في «المنتقى من كتاب الطبقات» (ص58).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي: هذا حديث حسن صحيح.
وتابع: صفوان بن عمرو: معاوية بن صالح عن سليم بن عمرو الكلاعي عن تميم الداري t به.
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1280).
قلت: وهذا سنده حسن.
والحديث ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)؛ ثم قال: «رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد، رجال الصحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج1 ص32).
وأخرجه ابن منده في «الأمالي» (ص206) من طريق يعقوب بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمد عن أبيه محمد بن عباد بن تميم عن أبيه عباد بن تميم عن أبيه تميم بن أوس الداري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مجاهيل، وهو غير محفوظ من هذا الوجه.
وبوب عليه الحافظ عبد الغني المقدسي في «ذكر الإسلام» (ص36)؛ باب؛ بلوغ الإسلام: الزمان، والمكان، والإنسان.
قلت: فهذا الحديث العظيم، يقرر فيه رسول الله r، أمرا، عظيما، وهو انتشار هذا الدين في جميع الأرض. ([117])
وهذا الحديث: يوضح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره في الأرض، بحيث لا يدع مجالا للشك، في أن الإسلام وصل للجميع إلى قيام الساعة.
* ومما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار، يستلزم قيام الحجة على الخلق كلهم على وجه الأرض: ]فلا تكونن من الممترين[ [البقرة: 147].
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج15 ص459): (فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون المراد في حديث: تميم t، عموم الأرض كلها، حتى لا يبقى بيت؛ إلا دخله، إما بالعز الذي ذكره، أو بالذل الذي ذكره في هذا الحديث). اهـ
وعن المقداد بن الأسود t قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو بذل ذليل، إما يعزهم الله تعالى، فيجعلهم من أهل الإسلام، أو يذلهم، فيدينون لها).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص4)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص981)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص254)، وفي «مسند الشاميين» (572)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص91)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص476)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417)، و(ج2 ص806)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق دحيم، والوليد بن مسلم، وغيرهما: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقدام بن الأسود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «تحذير الساجد» (ص119).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وإنما هو على شرط مسلم فقط.
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج1 ص417): «هذا حديث محفوظ من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم».
وقال الشيخ الوادعي في «الصحيح المسند» (ج2 ص227): «هذا حديث صحيح».
وقال ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص806): «هذا حديث، حسن».
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج6 ص14)، ثم قال: «رجال الطبراني، رجال الصحيح».
قلت: ففي هذا الحديث، يبشر رسول الله r، بعز هذا الدين، وتمكينه في الأرض، وأن هذا العز، والتمكين سيكون في الأرض، ووصوله إلى الناس كافة.
* فالإسلام سيصل إلى كل موضع، وتظهر به الحجة على الخلق.
* ولذلك قرر الله تعالى هذا الأمر، في قوله تعالى: ]يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[ [التوبة: 32 و33].
* وكذلك: ما أرسل الله تعالى به نبيه محمدا r، لا بد أن يتم ويظهر.
وقد تم، وظهر في بواكير هذه الرسالة العظيمة، وسيبقى إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
ولذلك الله يقول: ]ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون[ [التوبة: 32].
وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [الأحقاف: 9و10].
قلت: فالرسول r بين لهم، أنه ليس بأول رسول أرسل إليهم، وهذا يعني أنهم يعلمون بالرسل عليهم السلام، حتى في الجاهلية.
* وهم: تركوا دين الرسل عليهم السلام، ووضعوا لهم ديانات من الشرك، وعبدوا الأصنام وغيرها.
* فما لهم من عذر، وعندهم علم الرسل عليهم السلام، وعلم بقايا من أهل العلم. ([118])
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «تيسير الكريم الرحمن» (ج7 ص42): (قوله تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرسل[؛ أي: لست بأول رسول جاءكم، حتى تستغربوا رسالتي، وتستنكروا دعوتي، فقد تقدم من الرسل والأنبياء، من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأي شيء تنكرون رسالتي؟.
وقوله تعالى: ]وما أدري ما يفعل بي ولا بكم[؛ أي: لست إلا بشرا، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى المتصرف بي وبكم، الحاكم علي وعليكم.
وقوله تعالى: ]إن أتبع إلا ما يوحى إلي[؛ ولست الآتي بالشيء من عندي.
وقوله تعالى: ]وما أنا إلا نذير مبين[؛ فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظكم، ونصيبكم في الدنيا والآخرة.
* وإن رددتم ذلك علي، فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص43): (وقد أخبر الله سبحانه: عن الكفار أنهم في شك مما تدعوهم إليه الرسل، وأنهم في شك من البعث، فقالوا لرسلهم: ]وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب[ [إبراهيم: 9]، وقال تعالى: ]وإنهم لفي شك منه مريب[ [فصلت: 45]، وقال تعالى: إخبارا عنهم: ]إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية: 32].
وقال تعالى، عن الكفار: ]إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
وقال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 103 و104].
* ووصفهم بغاية الجهل، كما في قوله تعالى: ]لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179].
* وقد ذم الله المقلدين بقوله تعالى عنهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[ [الزخرف: 22]؛ الآيتين، ومع ذلك كفرهم سبحانه وتعالى.
* واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها: على أنه لا يجوز التقليد في معرفة الله تعالى والرسالة.
* وحجة الله سبحانه قائمة على الناس بإرسال الرسل إليهم، وإن لم يفهموا حجج الله وبيناته). اهـ.
قلت: ومن المعلوم من الدين بالضرورة، أن حجة الله تعالى، قد قامت على الخلق كلهم: عالمهم، وجاهلهم، إلى يوم القيامة في كل زمان ومكان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (من جعل بينه، وبين الله تعالى: وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم: كفر إجماعا). اهـ.
* وما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص433)؛ فيما كتب على «المحصل» للرازي:
محصل في أصـــــول الدين حاصله |
|
|
من بعد تحصيله جهــــــــل بـــــلا دين |
بحــر الضلالات والإفك المبين وما |
|
|
فيه فــــــــــأكثره وحـــــــي الشـــياطين |
وقول العباد: (وأمره في الآخرة إلى الله، لكونه من جنس أهل الفترات الذين لم تبلغهم الرسالات، وهم يمتحنون يوم القيامة، وبعد الامتحان ينتهون إلى الجنة أو إلى النار، وقد أورد ابن كثير في «تفسيره»([119])، لقول الله عز وجل: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]، جملة من الأحاديث في ذلك، وقال: «إن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح، كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها».). اهـ.
قلت: فهذه الأحاديث، مع ضعفها، هي مخالفة، لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وقواعد الشريعة، فإن الآخرة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، ودار التكليف، هي دار الدنيا، فلو كانت الآخرة، دار تكليف؛ لكان ثم دار جزاء غيرها. ([120])
* والجدير ذكره، أن أولئك العلماء، الذين ذكروا هذه الأحاديث الضعيفة، وسطروها في كتبهم، قديما وحديثا، تركوا كل النصوص التي تثبت إقامة الحجة على أهل الفترة، فهلا تدبروا القرآن، وهلا وقفوا على آياته.
* فكيف نقول أن الله تعالى قد أنذر الجميع، ثم نقول: أن هناك من لم ينذر من أهل الفترة، ويمتحنون يوم القيامة بأحاديث ضعيفة.
* وكيف يبين ربنا تعالى، أنه أرسل رسوله r، لينذر أمته إلى قيام الساعة، ونقول: أنه هناك، فترة فيها قوم، هم: من أهل الفترة لم تصل إليهم الدعوة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [سورة «ص»: 5].
ثم كيف يكلفون، دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين. ([121])
قال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها[ [الطلاق: 7].
وقال تعالى: ]لا تكلف نفس إلا وسعها[ [البقرة: 333].
قلت: وكيف يمتحنون فيدار الجزاء، وهي ليست دار عمل. ([122])
* وهذا يدل على ضعف أحاديث الامتحان؛ لأهل الفترة في الآخرة.
لذلك: يجب إنكارها، وعدم التسليم لها، فلا يعمل بها في الدين.
قال الإمام الحليمي / في «المنهاج» (ج1 ص159): (مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة: ليست بدار الامتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة). اهـ
* إذا، فالذين خالفوا، هذا القول، وقالوا: بامتحان أهل الفترة يوم القيامة، قد اعتمدوا على الأحاديث الضعيفة، وهي لا تقوم بها حجة، ومن ثم فلا يصح العمل بها في هذا المقام العظيم من عالم الغيب في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404): (وهذه الأحاديث: كلها أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرون: أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة» (ص1041): (ويضعفه من جهة المعنى: أن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي: دار جزاء، وثواب، وعقاب). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص180): (وجملة القول في هذه الأحاديث: أنها من أحاديث الشيوخ، وفيها علل، وليست من أحاديث: الأئمة الفقهاء؛ وهو أصل عظيم، والقطع فيه: بمثل هذه الأحاديث: ضعف في العلم، والنظر، مع أنه عارضها، ما هو أقوى منها). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (هي كلها أسانيد، ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404): (وأهل العلم: ينكرون أحاديث هذا الباب؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء.
* وكيف يكلفون دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها). اهـ
قلت: فكيف يؤمر العبد أن يقتحم النار، وهي أشد العذاب، وكيف يمتحن في ذلك، ولم يثبت أي: حديث في الامتحان في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج18 ص404): (وإنما أدخل العلماء في هذا الباب النظر؛ لأنه لم يصح عندهم فيه الأثر). اهـ
فامتحانهم: يوم القيامة، أن يدخلوا في النار، هذا امتحان صعب جدا على العبد، لا يخاطب العقل، لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة، وطبيعي في العبد، أنه يخاف من النار، ويخاف أن يدخلها([123])، بعكس ما يؤمر العبد في الدنيا من الالتزام بتعاليم الدين الحنيفية السمحة.
* فلا يوجد امتحان يوم القيامة، والذي ثبت في أصول القرآن، وأصول السنة، وأصول إجماع الصحابة، أن يوم القيامة، هو: يوم حساب، وجزاء فقط، دون امتحان، وابتلاء.
قلت: وعلى هذا فإن الأمم جميعا قد جاءها النذير، بنص القرآن، ونص السنة، وبإجماع الصحابة، إلى قيام الساعة، فلا حاجة: لهذا الامتحان، لأهل الفترة، لأن جاءهم: النذير في الدنيا، بلا استثناء.
* والذي يقرأ القرآن، ويتأمل لآياته، يجد أن القرآن كثيرا، ما يبين إقامة الأنبياء الحجة على أقوامهم، وهم: النذر في أقوامهم.
قال تعالى: ]لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأعراف: 59].
وقال تعالى: ]وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون[ [الأعراف: 65].
وقال تعالى: ]وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم[ [الأعراف: 73].
وقال تعالى: ]وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين[ [الأعراف: 85].
وقال تعالى: ]وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين[ [الأعراف: 20].
وقال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا[ [النحل: 36].
وقال تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر: 24].
وقال تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس: 47].
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7].
وقال تعالى: ]فكيف كان عذابي ونذر[ [القمر: 16]؛ أي: إنذاري. ([124])
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف[ [الأحقاف: 21].
وقال تعالى: ]فأنذرتكم نارا تلظى[ [الليل: 14].
وقال تعالى: ]إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا[ [النبأ: 40].
وقال تعالى: ]ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر[ [القمر: 36].
وقال تعالى: ]قل إنما أنذركم بالوحي[ [الأنبياء: 45].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها[ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ]كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين[ [الأعراف: 2].
وقال تعالى: ]فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا[ [مريم: 97].
وقال تعالى: ]ولقد جاء آل فرعون النذر[ [القمر: 41]؛ يعني: الرسل عليهم السلام.
وقال تعالى: ]كذبت ثمود بالنذر[ [القمر: 23].
وقال تعالى: ]وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا[ [الكهف: 4].
وقال تعالى: ]لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين[ [يس: 70].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا[ [الأحقاف: 12].
وقال تعالى: ]أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم[ [الأعراف: 63].
وقال تعالى: ]يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا[ [الأنعام: 130].
وقال تعالى: ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم[ [الأنعام: 51].
وقال تعالى: ]أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس[ [يونس: 2].
وقال تعالى: ]وأنذر عشيرتك الأقربين[ [الشعراء: 214].
وقال تعالى: ]أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم[ [نوح: 1].
وقال تعالى: ]أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون[ [النحل: 2].
وقال تعالى: ]والذين كفروا عما أنذروا معرضون[ [الأحقاف: 3].
وقال تعالى: ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
وقال تعالى: ]أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين[ [الأعراف: 184].
وقال تعالى: ]إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 188].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين[ [هود: 25].
وقال تعالى: ]واخفض جناحك للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين[ [الحجر: 89].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين[ [الحج: 49].
وقال تعالى: ]قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين[ [العنكبوت: 50].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا في قرية من نذير[ [سبأ: 34].
وقال تعالى: ]إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد[ [سبأ: 46].
وقال تعالى: ]وجاءكم النذير[ [فاطر: 37].
وقال تعالى: ]إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين[ [ص: 70].
وقال تعالى: ]إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا[ [البقرة: 119].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1].
وقال تعالى: ]ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا[ [الأحزاب: 45].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ يعني: النبي r أنذر، ما أنذر الأولون من الرسل عليهم السلام.
فعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (إنما بعث محمد، بما بعث به الرسل قبله). ([125])
وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (أنذر محمد، كما أنذرت الرسل من قبله). ([126])
قلت: فالنبي r: نذير لقومه، كما كانت النذر الذين قبله؛ نذرا لقومهم.
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر من يخشاها[ [النازعات: 45].
وقال تعالى: ]وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون[ [الشعراء: 208].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا فيهم منذرين[ [الصافات: 72].
وقال تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33].
قلت: النذر؛ هم: رسل الله تعالى، إلى أقوامهم، على مر العصور، وكر الدهور.
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص182): (قوله تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33]؛ يعني: بالرسل).
وذكر المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج8 ص151)؛ أن النذر: جمع نذير، وهو الرسول، أو النبي.
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأحقاف: 21].
قلت: قد تتابعت الرسل عليهم السلام، إلى أقوامهم تترى، من قبل هود عليه السلام، ومن بعد هود عليه السلام، من الرسل عليهم السلام الكثيرة إلى أقوامهم، يعني: من بينهم في بلدانهم، فلم يبعث الله تعالى: رسولا، من قبل هود عليه السلام، ولا من بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له: ]ألا تعبدوا إلا الله[ [الأحقاف: 21]. ([127])
عن الإمام مجاهد بن جبر / قال: (في قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه[ [الأحقاف: 21]؛ جاءت قبلهم الرسل النذر: بتوحيد الله، وأتى الرسل بعدهم: بتوحيد الله). ([128])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص23): (قوله تعالى: ]وقد خلت[ [الأحقاف: 21] ؛ يعني: مضت: ]النذر[؛ يعني: الرسل: ]من بين يديه ومن خلفه[؛ يقول تعالى: قد مضت الرسل: إلى قومهم: من قبل هود، كان: منهم: نوح، وإدريس جد أبي نوح، ثم قال: ومن بعد هود، يعني: قد مضت الرسل إلى قومهم: ]ألا تعبدوا إلا الله[؛ لم يبعث الله تعالى: رسولا من قبل هود، ولا بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى: ]إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[؛ في الدنيا، لشدته).اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /
في
عدم العذر بجهل فيمن وقع في المخالفات الشرعية في الأصول؛
بمثل: من وقع في الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، فإنه يكفر
ولا يعذر بجهله في الدين
* سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في أمور التوحيد؟، وهل ينطبق هذا على من يدعون، وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟.
فأجاب فضيلته: (لا يعذر بذلك من أقام في بلد التوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين، لا يعذر في التوحيد، بل متى وقع الشرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر، والشام، ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدوي وغيره.
* فالواجب على علماء الإسلام أن ينبهوا الناس، وأن يحذروهم من هذا الشرك، وأن يعظوهم، ويذكروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم، ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمعة لغيره، بل يسأل، والله يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
* فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشرك!؛ لأنه رأى الناس على ذلك، ولا يسأل، ولا يتبصر، وقد ثبت عن النبي r، أنه قال لمن سأله عن أبيه: «إن أباك في النار، فلما رأى تغير وجهه قال r: إن أبي وأباك في النار»([129])، وأبوه r مات في الجاهلية، رواه مسلم في الصحيح؛ لأنهم كانوا على شريعة تلقوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي التوحيد، وأمه عليه الصلاة والسلام ماتت في الجاهلية، واستأذن ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على: أن من مات على كفر لا يستغفر له، ولا يدعى له، وإن كان في الجاهلية، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرسول r، هو أولى بأن يقال في حقه: إنه كافر، وله حكم الكفار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* فالواجب على كل إنسان مكلف، أن يسأل، ويتحرى الحق، ويتفقه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامة، والتأسي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عما أشكل عليه، من أمر التوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43]) ([130]).اهـ
* فالواجب على الرجال والنساء من المسلمين التفقه في الدين، والتبصر، والسؤال عما أشكل عليهم، وعدم السكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنهم خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بد من طلب العلم، ولا بد من السؤال لأهل العلم حتى يتعلم الجاهل. ([131])
* وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية؛ أم: لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسية تختلف حسب الزمان والمكان؟.
فأجاب فضيلته: (ليس في العقيدة عذر في توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصحيحة، وأن يوحد الله جل وعلا، ويؤمن بأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المنفرد بالربوبية، ليس هناك خالق سواه، وأنه مستحق العبادة وحده دون كل ما سواه، وأنه ذو الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا شبيه له، ولا كفء له، الذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التساهل في هذا الأمر، إلا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي([132])، فإنه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النار، فالمقصود أن هذا يختلف، فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسنة؛ فهذا حكمه حكم أهل الفترة([133])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل على تفنيد دعوى: «عبد المحسن بن حمد العباد»، بزعمه: أن الشيخ عبد العزيز بن باز / ([135])، يوافقه على ما قاله: هو في مسألة: «العذر بالجهل»، فيمن وقع في: «الشرك الأكبر»، لأنه يزعم أن هذا المشرك قلد علماء السوء في هذا الشرك، فيعذر في ذلك، وأمره إلى الله تعالى يوم القيامة!.
قال عبد المحسن العباد في «الإيضاح والتبيين» (ص30): (وما جاء في هذه الرسالة من التفصيل بين من قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه، هو المعتمد، وأي كلام مسموع، أو مقروء جاء عني يفهم منه خلاف ذلك لا يعول عليه، وإنما التعويل على ما جاء في هذه الرسالة من التفصيل.
* وهذا التفصيل الذي ذكرته قريب مما قاله شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز / في «مجموع الفتاوى»، ثم ذكر بعض الفتاوى...). ([136]) اهـ كلام العباد.
وقال عبد المحسن العباد في «الإيضاح والتبيين» (ص32): (وقد جاء عن الشيخ عبد العزيز بن باز / فتاوى كثيرة فيها إطلاق القول بكفر المستغيثين بغير الله من الأموات والغائبين، وكلامه الذي أوردته فيه التفريق بين من قامت عليه الحجة، ومن لم تقم عليه، فيحمل كلامه الذي كفر فيه من قامت عليه الحجة، على الكفر الواضح البين، الذي مآل أصحابه إلى النار والخلود فيها، وذلك بخلاف من لم تقم عليه الحجة، وكان ظاهر حاله الكفر، وعومل في الدنيا معاملة الكفار فإن مآل هؤلاء في الآخرة بعد الامتحان إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وبذلك يجمع بين ما جاء عنه / من الإجمال في التكفير مطلقـا، وبين التفصيل). ([137]) اهـ كلام العباد.
وهذا كله: باطل لا أصل له في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله r، ولا قال أحد به من سلف الأمة، ولا أئمة الحديث.
فنقل: «عبد المحسن العباد»، قول الشيخ عبد العزيز بن باز /، واحتج به أنه موافق له، وهو ليس بموافق له.
* والشيخ عبد العزيز بن باز /، واجه: كغيره من علماء الإسلام؛ في قمع: «الإرجاء والمرجئة» في هذا العصر الحاضر.
فقام الشيخ عبد العزيز بن باز / بواجبه، وأدى حق العلم الذي أئتمن عليه، هو وإخوانه من علماء الدعوة النجدية.
* وأوضح ضلال وتناقض من قال بأن كلمة: «لا إلـٰه إلا الله» ترفع الحرج حتى وإن ارتكب: «الشرك»، وعبد غير الله تعالى.
* وقد جاهد الشيخ عبد العزيز بن باز / في نشر التوحيد، وقمع: «الشرك»، وأفاض في تأكيد هذا الأصل العظيم، وأن حجة الله تعالى قائمة على الناس بإرسال الرسل عليهم السلام إلى قيام الساعة، فلا عذر لأحد وقع في: «الشرك الأكبر»، بسبب جهله.
وإليك الدليل:
* سئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ والسائل من جمهورية مصر العربية، سيناء، يسأل ويقول: وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر، ويستغيث به، فمنهم من يقول: إن هذا الفعل، فعل شرك، ولا خلاف، ولكن يعذر صاحب هذا الفعل؛ لجهله بأمور التوحيد، والآخر يقول بكفر ذلك الشخص الذي يستغيث بغير الله، ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التوحيد، ولكن يعذر في الفرعيات، والأمور الفقهية. والسؤال هو: أي الرأيين صواب؟، وأيهما خطأ؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (الصواب قول من قال: إن هذا لا يعذر؛ لأن هذه أمور عظيمة وهي: من أصول الدين، وهي أول شيء دعا إليه النبي r، قبل الصلاة، والصوم، والزكاة، وغير ذلك، فأصول الدين لا يعذر فيها؛ بالجهل: لمن هو بين المسلمين، ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث، فالاستغاثة بأصحاب القبور، والنذر لهم، ودعاؤهم، وطلبهم الشفاء، والمدد، كل هذا من أعظم الشرك بالله عز وجل، والله سبحانه يقول: في كتابه العظيم: ]ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون[ [المؤمنون:117]؛ فسماهم كفارا بذلك، وقال عز وجل: ]ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير[ [فاطر: 13-14]، سبحانه وتعالى فسمى دعاءهم إياهم: شركا، والله يقول جل وعلا: ]فلا تدعوا مع الله أحدا[ [الجن:18]؛ ويقول سبحانه: ]ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين[ [يونس:106]؛ والظالمون: هم المشركون، إذا أطلق الظلم فهو الشرك، كما قال عز وجل: ]إن الشرك لظلم عظيم[ [لقمان:13].
* وهكذا: الطواف بالقبور، إذا طاف يتقرب بذلك إلى صاحب القبر، فهو مثل إذا دعاه، واستغاث به، يكون: «شركا أكبر»، أما إذا طاف يحسب أن الطواف بالقبور قربة إلى الله، قصده التقرب إلى الله، كما يطوف الناس بالكعبة، يتقرب إلى الله بذلك، وليس يقصد الميت، هذا من البدع، ومن وسائل: «الشرك» المحرمة الخطيرة، ولكن الغالب على من طاف بالقبور أنه يتقرب إلى أهلها بالطواف، ويريد الثواب منهم، والشفاعة منهم، وهذا شرك أكبر، نسأل الله العافية، كالدعاء) ([138]).اهـ
* وسئل: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ والسائل من مصر يقول: ما حكم الشرع في نظركم في رجل مسلم ارتكب الشرك الأكبر، فهل يعذر بجهله، أم لا؟، ومتى يعذر الإنسان بالجهل؟ وما الدليل في كلا الحالتين؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (من ارتكب الشرك الأكبر، فقد أتى أعظم الذنوب، والواجب عليه البدار بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يقول: ]وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون[ [النور:31]، ويقول سبحانه: ]قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم[ [الزمر:53]؛ يعني: بالشرك والمعاصي: ]لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[ [الزمر: 53]؛ هذه الآية أجمع العلماء على أنها في التائبين، فالواجب على من فعل شيئا من الشرك، أو المعاصي أن يبادر بالتوبة، وألا يقنط، ولا ييأس؛ لأن الله سبحانه وعد من تاب إليه بالتوبة عليه، وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى، والرءوف الرحيم سبحانه وتعالى، وكل من كان بين المسلمين، أو بلغه القرآن، أو السنة فقد قامت عليه الحجة، فالواجب عليه التفقه، والسؤال، والتعلم حتى تبرأ ذمته، وحتى يكون على بصيرة) ([139]).اهـ
* وسئل: العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز /؛ ما حكم من مات على الشرك - والعياذ بالله - ولكنه لم يكن يعرف خطورة ذلك الأمر؟، وهو من جهل أهل القرى في ذلك الوقت، ولا يعرفون أن الشرك من أكبر الكبائر، ومات على ذلك الحال، سؤالي: هل يجب علينا أن ندعو لهم بالرحمة، والمغفرة، وأداء الحج والعمرة؟، وهل ينفعهم ذلك العمل؟
فأجاب فضيلته: (الشرك هو أعظم الذنوب، وهو أكبر الكبائر، كما قال النبي r في الحديث الصحيح: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله»([140])؛ ويدل على هذا، قوله سبحانه: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
* فالشرك أعظم الذنوب، وأقبح السيئات، فمن مات عليه: لم يغفر له، وهو من أهل النار المخلدين فيها، ولا يحج عليه، ولا يصلى عنه، ولا يتصدق عنه، ولا يدعى له؛ لقول الله جل وعلا: ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين[ [الزمر:65]، وقوله سبحانه: ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[ [الأنعام:88]، وقال تعالى في المشركين: ]كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار[ [البقرة:167].
* والشرك هو صرف العبادة، أو شيء منها لغير الله، كالذي يدعو الأموات، أو النجوم، أو الملائكة، أو الأنبياء، يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، هذا هو الشرك، وهكذا من جحد شيئا، مما أوجبه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مما أجمع عليه المسلمون؛ كالذي يجحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو يجحد وجوب صوم رمضان، أو يجحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو يستحل ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وأجمع المسلمون على تحريمه: كالزنى، والخمر، فيقول: الزنى حلال، أو الخمر حلال، أو يقول: عقوق الوالدين حلال، هذا كافر كفرا أكبر، لا يصلى عليه، ولا يستغفر له، ولا يحج عنه، ولا يتصدق عنه؛ لأنه مات على غير الإسلام ما دام بين المسلمين: قد سمع القرآن، ورأى المسلمين، ورأى أعمالهم، هذا غير معذور، قد قامت عليه الحجة؛ لأن الله سبحانه يقول: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة، قال الله سبحانه: ]هذا بلاغ للناس[ [إبراهيم:52]؛ ولأنه معرض، ما تعلم، ولا سأل، وأمره إلى الله، لكن هذا حكمه في الدنيا، مثل عامة كفار قريش، الذين قتلوا يوم بدر، وفي غيره، أو ماتوا في مكة، ومثل عامة كفار اليوم، عامة كفار النصارى، كفار اليهود كلهم جهال، لكن لما رضوا بما هم عليه، ولم ينقادوا لما بعث الله به محمدا r، ولم يلتفتوا إليه صاروا كفارا، نسأل الله العافية والسلامة)([141]).اهـ
قلت: فانظر إلى تصريح الشيخ عبد العزيز بن باز /، فيمن اعتقد في مخلوق مقبور، أنه واسطة في قضاء الحوائج إلى الله تعالى، أو أنه يكشف الضر، أو يفتح الرزق، أو غير ذلك من: «الشرك الأكبر».
* أنه كافر مشرك، لا يعذر بجهله، وإن قلد علماء السوء في هذا: الشرك بالله تعالى، لأنه في دار الإسلام، وقامت عليه الحجة، ببعثة الرسول r للخلق كافة. ([142])
قال تعالى: ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك[ [الزمر: 65].
قلت: فكيف يظن بالشيخ ابن باز /، أنه يقول: بكفر المشرك، وبانتفاء العقاب عنه يوم القيامة، عمن حكم الله تعالى: بخلوده وكفره، وحبوط عمله!: ]إن هذا لشيء يراد[ [سورة «ص»: 6] .
* فتشبيه قول الشيخ عبد العزيز بن باز /، بقول: «المرجئة العصرية»، فهذا مجرد تعمية على الشباب المسكين، وهو تلبيس عليهم في نشر: «الإرجاء» فيهم، وهم لا يشعرون.
قلت: فإذا عرفت هذا، عرفت وجه قول علي بن أبي طالب t، في مقالة: «الخوارج»: «لا حكم إلا لله: إنها كلمة حق أريد بها باطل».([143])
* واعلم أن المراد بقول الشيخ ابن باز / في المنع من تكفير: «أهل الفترة»، المقصود به العذر في الجملة.
* لكن عباد القبور، ليسوا عنده بمسلمين في الجملة، والتفصيل، فتنبه.
* وأهل الفترة؛ لا يقاسون بغيرهم.
والشيخ ابن باز / قصده أن الأصول قد يجري فيها ذلك في الجملة، وليس المراد أن كل من عرضت له شبهة، أو وقع في جهل في الأصول أنه من: «أهل الفترة»، فيعذر بذلك.
قال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم[ [الأنفال: 23].
* فتأمل هذا الكلام، فإنه يستبين به جهل: «عبد المحسن العباد»، وأنه لم يفهم المراد من كلام الشيخ ابن باز /.
* فتأمل تلبيس: «العباد»، وسوء فهمه، فإن الكلام للشيخ ابن باز في جانب، والعباد في كلامه في حديث آخر!.
* وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، فإن من بلغته دعوة الرسول r فقد قامت عليه الحجة. ([144])
قلت: فهذا من عجيب جهل: «العباد» أنه يحتج على: «إرجائه»، بقول الشيخ ابن باز /!.
* ومعلوم أن الشيخ ابن باز([145]) / يقول بكفر من: أشرك بالله تعالى، لأنه قد قامت عليه الحجة؛ بإرسال الرسل عليهم السلام، ولا يعذر بجهله في الدين.
* إذا: إن هذا النقل، قد اعتراه ما اعترى أمثاله، وأجرى الشبهة عليه، قلم إفكه، والتبديل لمنهج الشيخ عبد العزيز بن باز / في مسائل الإيمان، والعذر بالجهل.
* فإذا عرفت هذا، عرفت جهل هذا: «عبد المحسن العباد»، بأقوال العلماء في أصول الدين.
* ومن تأمل كلام الشيخ عبد العزيز بن باز /، وسياقه هنا على الإجمال، عرف مقصوده في التفصيل. ([146])
* فالشيخ ابن باز /، أطلق في إقامة الحجة، وأنها قامت عليهم، خاصة على الذين في دار الإسلام، فلا عذر لهم.
* أما العباد: فقد عذر الجهال منهم الذين في دار الإسلام إذا وقعوا في: «الشرك الأكبر»، كما صرح بقوله: «أما من لم تقم عليه، وعاش في بلاد لا يعرف الإسلام؛ إلا أنه الغلو في الصالحين، والاستغاثة بهم، ودعاؤهم، مغترا بأشباه العلماء الذين يزينون للناس هذا الباطل».([147])
قلت: وهذا يعني: أن هذا الجاهل كان في دار الإسلام، وأنه يعبد القبور([148])، وعرف ذلك لوجود العلماء!. ([149])
قلت: وهذا خلاف قول الشيخ ابن باز /، الذي ينص أنه يكفر في دار الإسلام، لقيام الحجة عليه، وليس عنده أنه من: «أهل الفترة» الذين لم تبلغهم الرسالة، ولا يمتحنون يوم القيامة، بل ينتهون إلى النار، على فرض صحة أحاديث: «أهل الفترة».
* فلا بد أن نفرق بين قول: «الشيخ ابن باز»، وقول: «عبد المحسن العباد»، فإنه مشتبه!.
إذا يقال لهذا: كلامك كله باطل، وجهل مركب، وبهت على الشيخ عبد العزيز بن باز /، وليس فيه ما يوافق لكلامك في «الإرجاء».
* إن الشيخ عبد العزيز بن باز / صرح في تكفيره لعباد القبور، لأن الحجة قد قامت عليهم، ولم يعذرهم بجهلهم.
قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به[ [النساء: 48].
وقال تعالى: ]إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار[ [المائدة: 72].
وقال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].
وقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
قلت: فالرد إلى الله تعالى، هو الرد إلى كتابه العزيز.
* والرد إلى رسوله r، هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته النبوية، بعد وفاته.([150])
قال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص88): (وإنما الواجب على الناس: الرد إلى كتاب الله تعالى، وسنة نبيه r، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وما مضى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
* فيجب على الإنسان الالتفات إلى كتاب الله تعالى([151])، وسنة نبيه r، وطريقة أصحابه والتابعين، وأئمة الإسلام). اهـ.
وقال العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين / في «الانتصار لحزب الله الموحدين» (ص88): (ومحال أن يأمر الله تعالى: الناس بالرد إلى ما لا: يفصل النزاع، لا سيما في أصول الدين، التي لا يجوز فيها: التقليد، عند عامة العلماء). اهـ.
ﭑ ﭑ ﭑ
الباب الخامس:
بيان ضعف الأحاديث في: «امتحان أهل الفترة يوم القيامة»، والتي استدل بها: «عبد المحسن العباد»، على اعتقاده الفاسد في عذر أهل الجهل فيما وقعوا فيه من: «الشرك الأكبر»، وهم في دار الإسلام!.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
ذكر الدليل على ضعف الأحاديث في امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وأنها كلها منكرة، وهي مخالفة لأصول القرآن، وأصول السنة، وأصول الإجماع، على أن الله تعالى جعل الامتحان، والتكليف على الخلق، فقط في الحياة الدنيا، وإنما في الحياة الآخرة ليس فيها؛ أي: امتحان، وتكليف، بل هو جزاء، وهو: المقر الأبدي، فإما إلى الجنة، وإما إلى النار، لذلك: لا يحتج بهذه الأحاديث في عالم الغيب؛ إلا بأدلة واضحة صحيحة في الدين
عن الأسود بن سريع t، أن نبي الله r قال: (أربعة يوم القيامة - يعني: يدلون على الله بحجة- رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في فترة فيقول: رب ما أتاني الرسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، ويرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها ما كانت عليهم إلا بردا وسلاما). وفي رواية: (أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة...).
حديث منكر
* اختلف في هذا الحديث:
* فرواه علي بن المديني، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه؛ كلاهما: عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع t به.
أخرجه إسحاق بن إبراهيم بن راهويه في «المسند» (ج1 ص122)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص24)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص202)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص909 و910)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (900)، والطبراني في «المعجم الكبير» (841)، وابن حبان في «صحيحه» (7357)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج4 ص255 و256)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج1 ص73)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
قلت: وهذا سنده منكر، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم، ويخالف، وقد حدث بأحاديث عن أبيه، منكرة لا تصح، وهذا الحديث منها. ([152])
قال الإمام ابن معين في «معرفة الرجال» (ج1 ص118) عن معاذ بن هشام: (لم يكن بالثقة، وإنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد، وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام الأحاديث).
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج8 ص187)؛ عن معاذ بن هشام: (ولمعاذ عن أبيه عن قتادة، حديث كثير، ولمعاذ عن غير أبيه: أحاديث صالحة، وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء).
وقال الإمام ابن معين في «التاريخ» (ج2 ص205): (صدوق: وليس بحجة).
* يعني: في بعض الأحاديث، فإنه يهم فيها عن أبيه، وهذا الحديث منها، فإن ألفاظه منكرة، لا تصح.
وهو حديث غير محفوظ.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص952): (صدوق: ربما وهم).
* ثم مع وهم معاذ بن هشام الدستوائي أحيانا، فإنه أحيانا لم يسمع من أبيه الحديث، لأنه يحدث عنه، من كتاب. ([153])
فعن الإمام علي بن المديني، قال عن معاذ بن هشام: (فلما جئنا إلى البصرة، أخرج إلينا من الكتب عن أبيه، فقال: هذا سمعته، وهذا لم أسمعه، فجعل يميزها). ([154])
قلت: ففي تفرد معاذ بن هشام عن أبيه، ما يدل على نكارة الحديث.
* وهشام الدستوائي([155]): ثقة ثبت([156])، وهو كثير الأصحاب؛ منهم: شعبة بن الحجاج، وابن مهدي، ويحيى القطان، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغندر، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، وغيرهم([157])، فلم يرو هؤلاء الثقات الأثبات هذا الحديث.
* إذا ففي تفرد ابنه معاذ، عنه: غرابة شديدة، فهو حديث منكر من هذا الوجه. ([158])
فهذا الحديث، من جملة أوهامه، فإنه لم يشاركه الثقات في هذا الحديث من أصحاب هشام الدستوائي.
* لذلك: لم يرو الحافظ البخاري في «صحيحه» عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه، لأن هذا الحديث، ليس على شرطه في «الجامع الصحيح»، فافهم: لهذا.
* وقتادة بن دعامة البصري، وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث. ([159])
* ثم إن قتادة بن دعامة السدوسي، مع تدليسه، فإنه يرسل كثيرا، ولم يذكر سماعا من الأحنف بن قيس في هذا الإسناد، ولم يسمع منه. ([160])
قال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100): (قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
وقال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج4 ص510)؛ وذكر حديثا، ثم قال: (وهو منكر: ولم يلق قتادة، الأحنف بن قيس).
وقد اضطرب في إسناده، ولم يقمه،
فمرة: يرويه، عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع، ومرة: عن قتادة عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة، ومرة: عن قتادة عن أبي هريرة.
* وهذا يدل أن قتادة، دلسه، وأرسله، فهذا الحديث عن قتادة، بهذا الإسناد غير محفوظ.
وأورده السيوطي في «مسالك الحنفا» (ج2 ص406)؛ ثم قال: (إسناده صحيح، على شرط الشيخين، وبمثله: لا يقال من قبل الرأي، فله حكم الرفع!). اهـ
قلت: وليس هو كما قال، لنكارة الحديث، فلا يحتج به، لمخالفته الأصول.
قال العلامة الآبادي / في «عون المعبود» (ج12 ص324): (العلامة السيوطي: متساهل جدا([161])، لا عبرة بكلامه في هذا الباب، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد). اهـ
* وهذا الاختلاف: ذكره الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)؛ بقوله: (وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب:«الاعتقاد» من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أربعة كلهم يدلي على الله بحجة»؛ فذكر نحوه، ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة t، فذكره موقوفا، ثم قال أبو هريرة: «فاقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]؛ وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة t موقوفا).
وقال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص215): (رواه أحمد، والبزار؛ إلا أنه قال: «يعرض على الله، الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة»، ورواه الطبراني بنحوه.
* وذكر بعده إسنادا إلى أبي هريرة قالا: بمثل هذا الحديث، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»؛ هذا لفظ أحمد، ورجاله في طريق الأسود بن سريع، وأبي هريرة، رجال الصحيح، وكذلك: رجال البزار فيهما).
* وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص168)، وابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج1 ص364)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص650)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656)، والهيثمي في «موارد الظمآن» (ص452).
وقال الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج3 ص419): «رواه الطبراني (79/2)؛ بسند صحيح»، وفيه نظر، لضعف الإسناد.
وقال الحافظ ابن كثير في «جامع المسانيد» (ج1 ص327): (وإسناده جيد، قوي، صحيح)، ولم يصب، لنكارة الإسناد، والمتن معا.
وقال الشيخ مقبل الوادعي في «الصحيح المسند» (ج1 ص38): (هذا حديث صحيح، رجاله، رجال الصحيح)، وفيه نظر، لاضطراب الحديث.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «جامع الصحيح» (ج1 ص303 و304)، مع ضعفه.
وقال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج3 ص114)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وهي كلها: أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة).
* وقد ذكر الحافظ البخاري في «القراءة خلف الإمام» (ص58)؛ أحاديث: استنكرها على قتادة في ألفاظها.
* وخالف: محمد بن المثنى: علي بن المديني، وإسحاق بن إبراهيم؛ فرواه عن معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن الأسود بن سريع t عن النبي r قال: (يعرض على الله: الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة، فيقول الأصم: رب جاء الإسلام، وما أسمع شيئا، ويقول الأحمق: رب جاء الإسلام، وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: رب ما أتاني لك من رسول).
حديث منكر
أخرجه البزار في «المسند» (ج3 ص33-كشف الأستار).
قلت: وهذا سنده منكر كسابقه، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم ويخالف. ([162])
* وقتادة بن دعامة البصري، يدلس، وصفه بالتدليس: ابن معين، والنسائي، وابن حبان، والعلائي، وغيرهم. ([163])
عن سليمان الشاذكوني / قال: (من أراد التدين بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش، ولا قتادة؛ إلا ما قالا: سمعناه) ([164]). ([165])
وقال الحافظ الدارقطني في «التتبع» (ص370): (وقتادة، وإن كان ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكروا فيه سماعه) ([166]).
وقال الحافظ الدارقطني في «التتبع» (ص262): (وقتادة: مدلس).
قلت: فعنعنة قتادة، غير مقبولة في هذا الحديث.
قال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص123): (وكان قتادة، معروفا: بالتدليس).
* فقتادة بن دعامة السدوسي، قد أرسل عن كثير من الرواة، ولم يسمع منهم، فينبغي التفطن لعنعنته، للنظر إلى إعلال الحديث([167])، بالقرائن التي تحفه، خاصة: النظر إلى نكارة متن الحديث، الذي يرويه قتادة عن مشايخه([168])، ومخالفته للأصول، بمثل: أحاديث الباب. ([169])
قال الحافظ ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج6 ص39): (وقتادة حافظ: مدلس، يروي عمن لم يسمع منه، ويرسل عنه ما سمعه من ثقة، وغير ثقة).
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص254): (قتادة بن دعامة السدوسي: أحد المشهورين بالتدليس، وهو أيضا يكثر من الإرسال).
قلت: فهو مكثر من الإرسال في الأحاديث، فلا بد أن نتفطن لها. ([170])
* وقتادة: إذا لم يقل: سمعت، أو حدثنا، فلا حجة في نقله، خاصة إذا خالف الثقات الحفاظ.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص350): (قوم دلسوا: عن قوم سمعوا منهم: الكثير، وربما فاتهم الشيء عنهم: فيدلسونه).
قلت: فمثل هذا الحديث المنكر في أسانيده، وألفاظه، لا يمكن قبول: عنعنة: قتادة البصري عن الحسن البصري، فهي: ترد لما لها من القرآئن المعتبرة التي يعرفها أهل هذا الشأن.
* وأخطأ من قال: أن الأئمة جعلوا: عنعنة قتادة البصري عن الحسن البصري: مقبولة، لأنه من الأثبات في الحسن البصري.
* وبزعمه أنهم: لم يشترطوا تصريحه بالسماع عن الحسن البصري، فإن ذلك ليس مطلقا.
* بل تقبل عنعنة قتادة عن الحسن؛ في بعض الأحاديث التي توافق الأصول، أما إذا خالف الأصول، لم تقبل روايته.
قلت: فقتادة أحيانا يرسل، وأحيانا يدلس.
فحكم: عنعنة قتادة عن الحسن، أو غيره، على حسب.
فهي: ليست قاعدة مطردة، تنطبق على جميع الأحاديث التي رواها عن الحسن البصري، فتقبل مطلقا. ([171])
* فهي تختلف، والحكم هذا يكون على حسب وجود القرائن، والأصول المعتبرة في علم الحديث.
قال الحافظ الخطيب البغدادي في «الكفاية» (ص55): (ويجب أن يكون ضابطا لما سمعه، وقت سماعه، متحفظا على شيخه في روايته من أن يدلسه له، إن كان ممن يعرف بالتدليس، فإن: «شعبة»: كان يتحفظ على: «قتادة» في مثل ذلك).
قلت: فقتادة في كثير من الأحاديث، يروي عن شيوخه، بواسطة، وممكن أن تكون هذه الواسطة، لا يحتج بها.
قال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج5 ص321) عن قتادة: (وكان مدلسا).
قلت: فقتادة لم يسمع هذا الحديث، من الحسن، للاختلاف الذي فيه.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص351): (قوم رووا: عن شيوخ لم يروهم قط، ولم يسمعوا منهم: إنما قالوا: «قال فلان»، فحمل ذلك عنهم: على السماع، وليس عندهم عنهم، سماع عال، ولا نازل).
وعن الإمام شعبة بن الحجاج قال: (كان قتادة إذا جاء ما سمع قال: «حدثنا»، وإذا جاء ما لم يسمع قال: «قال فلان»).([172])
* والتدليس: هو أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، موهما سماعه للحديث؛ أي: موهما أنه قد سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد سمعه منه؛ بصيغة محتملة، كـ«عن»، أو «قال».([173])
قال الحافظ الخطيب البغدادي في «الكفاية» (ج1 ص97): (والمدلس: رواية المحدث: عمن عاصره، ولم يلقه، فيتوهم أنه سمع منه، أو روايته: عمن لقيه ما لم يسمعه منه، هذا هو التدليس في الإسناد).
قلت: وعنعنة قتادة البصري هنا، لا تحمل على الاتصال، لأنه لم يصرح بالسماع، وألفاظ الأحاديث التي رواها: منكرة.
قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج5 ص291): (وقتادة إذا لم يقل سمعت، وخولف في نقله، فلا تقوم به حجة، لأنه يدلس عمن لم يسمع منه، وربما كان بينهما: غير ثقة، وليس مثل هذه الأحاديث يعارض بها) ([174]).
وعن مغيرة عن الشعبي /: (قيل: له، هل رأيت قتادة؟، قال: نعم، رأيته: كحاطب ليل). ([175])
يعني: يأخذ عن كل أحد. ([176])
فعن أبي عمرو بن العلاء / قال: (كان قتادة، وعمرو بن شعيب، لا يغث عليهما شيء، يأخذان عن كل أحد) ([177])؛ يعني: عن الثقة، وعن الضعيف. ([178])
قلت: وقتادة: تدليسه أقل، من إرساله، فأكثر ما ذكروا عنه الإرسال.
ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» (ص512)؛ عن الحافظ الخليلي، أنه قال عن قتادة: «كان ربما دلس».
* وقد أنكر على قتادة: أحمد، وابن معين، والبخاري، وابن المديني، وغيرهم، بمثل: هذه الأحاديث المنكرة، بسبب الإرسال، أو التدليس.
وقال الحافظ الحاكم في «المدخل إلى الإكليل» (ص46)؛ وهو يتكلم عن التدليس: (وكذلك قتادة بن دعامة: إمام أهل البصرة، إذا قال: «قال أنس»، أو: «قال الحسن»، وهو مشهور بالتدليس عنهما).
وقال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص343): (قوم دلسوا: على أقوام مجهولين، لا يدرى من هم: ومن أين هم).
وقتادة بن دعامة: هو مشهور بسماعه من الحسن البصري؛ إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية، وقد عرف أحيانا، بأنه يدلس، فيما يفوته سماعه. ([179])
* وقد اضطرب في هذا الحديث، وقد سبق ذكر هذه العلة.
* والحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع، ثم هو مدلس وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث.
فلم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع. ([180])
* سئل الإمام علي بن المديني في «العلل» (ص106)؛ عن حديث الأسود، وهو ابن سريع: «بعث رسول الله r، سرية، فأكثروا القتل».
فقال ابن المديني: (إسناد منقطع، رواية: الحسن عن الأسود بن سريع، والحسن: عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة).
وقال الحافظ ابن قانع في «معجم الصحابة» (ج11 ص4005): (لم يدرك الحسن، عتبة بن غزوان، ولم يدرك الحسن، أيضا الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص229): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع).
* وكذا قال الحافظ ابن منده /. ([181])
وقال أبو عبيد الآجري في «السؤالات» (ص125)؛ سألت أبا داود: (الحسن، سمع من الأسود بن سريع؟، قال: لا، قال الأسود بن سريع لما وقعت الفتنة بالبصرة، ركب البحر، فلا يدرى ما خبره، سمعت أبا داود يقول: ما أرى الحسن، سمع من الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص322): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع شيئا).
وقال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج3 ص8): (والذي حكم به، علي بن المديني: أنه قتل يوم الجمل، وكان ينفي أن يكون الحسن سمع من الأسود بن سريع). ([182])
وقال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص54): (قال علي بن المديني: الأسود بن سريع، قتل أيام الجمل، وإنما قدم الحسن البصرة بعد ذلك).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص566): (الأسود بن سريع: روى الحسن بالإرسال عنه، ولم يسمع منه).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، هو: مدلس، وقد وصفه بتدليس الإسناد، النسائي، والذهبي، والعلائي، وابن حبان، وغيرهم. ([183])
قال الحافظ ابن حبان الله في «الثقات» (ج4 ص123): (الحسن البصري: كان يدلس).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، يدلس عن الضعفاء، وفي سماع الحسن البصري، من الصحابة، فإنه مرسل في أكثر أحاديث الصحابة، وكان يأخذ عن كل أحد. ([184])
وفي رواية: الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل / قال: (أن الحسن البصري: يأخذ عن كل أحد). ([185])
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص30): (وقالوا: مراسيل عطاء، والحسن: لا يحتج بها، لأنهما: كانا يأخذان عن كل أحد).
وفي رواية: الفضل بن زياد قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، كانا يأخذان عن كل أحد). ([186])
وفي رواية: حنبل بن إسحاق قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (وأما الحسن، وعطاء؛ فليس مراسيلهما كذلك، هي أضعف المرسلات، فإنهما كانا يأخذان عن كل). ([187])
قلت: فالحسن البصري؛ يأخذ عن كل ضرب، فلا يعتمد عليه إذا عنعن، إلا إذا صرح بالتحديث.
قال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ص549): (والذي تختاره من هذه الجملة، سقوط فرض العمل بالمراسيل، وأن المرسل غير مقبول، والذي يدل على ذلك، أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بينا من قبل أنه لا يجوز قبول خبر؛ إلا ممن عرفت عدالته، فوجب لذلك كونه: غير مقبول).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص473): (بخلاف: تدليس الحسن البصري، فإنه كان يأخذ عن كل ضرب، ثم يسقطهم، كعلي بن زيد تلميذه([188])).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص572): (الحسن مع جلالته، فهو مدلس، ومراسيله ليست بذاك).
وقال الحافظ ابن حجر في «تعريف أهل التقديس» (ص102): (الحسن بن أبي الحسن البصري: وكان مكثرا من الحديث، ويرسل كثيرا عن كل أحد).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج9 ص549): (وهو صاحب تدليس).
وقال الحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج7 ص49)؛ عن الحسن البصري: (وكان يدلس، ويرسل، ويحدث بالمعاني).
قلت: فما أرسل من الحديث، عن الثقة، فليس بحجة.
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص588): (وقال قائل: إنما أعرض أهل الصحيح، عن كثير مما يقول فيه الحسن البصري: «عن فلان»، وإن كان مما ثبت لقيه فيه: «لفلان المعين»؛ لأن الحسن البصري: معروف بالتدليس، ويدلس عن الضعفاء، فيبقى في النفس من ذلك، فإننا: وإن ثبتنا سماعه من سمرة t، يجوز أن يكون لم يسمع فيه غالب النسخة، التي عن: سمرة t).
وقال الحافظ ابن حبان في «مشاهير علماء الأمصار» (ص143): (الحسن بن أبي الحسن: على تدليس كان منه في الروايات).
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص105): (الحسن بن أبي الحسن البصري: من المشهورين بالتدليس).
قلت: فحكم عنعنة الحسن البصري، فليس لها قاعدة مطردة تنطبق على جميع الأحاديث.
* فالحكم هذا يكون على حسب القرائن المعتبرة في علم الحديث، من حيث السماع، أو عدم السماع، لأن أحيانا يقال: للحسن البصري، ممن سمعت هذا الحديث؟، فيقول: «لا أدري!». ([189])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص30): (وأما الإرسال: فكل من عرف بالأخذ عن الضعفاء، والمسامحة في ذلك، لم يحتج بما أرسله، تابعيا كان، أو من دونه).
وعن ابن عون قال: (كان الحسن البصري: يحدثنا؛ بأحاديث، لو كان يسندها، كان أحب إلينا) ([190])؛ يعني: مرسلة يرويها.
قلت: وأحيانا يطلق على التدليس، ويراد به الإرسال.
* ومما يبين ذلك، أن الحسن البصري، أطلق عليه وصف التدليس أحيانا([191])، لكن الدليل عليه أنه روى عن جماعة: لم يسمع منهم، أو سمع منهم شيئا، معينا، دون سائر ما يروي عنهم، فإنه: مرسل، وهو لاحق بالإرسال الظاهر، أو الإرسال الخفي، فهو: من قبيل المرسل في الحقيقة. ([192])
* وعلى هذا: من الخطأ أن تحمل عنعنة الحسن البصري على الإتصال في جميع الحالات، لذلك لا بد من الدراسة حول روايات الحسن البصري، عمن عاصرهم، ممن سمع منهم، فإنها تختلف في مسألة: السماع، ولا بد من النظر إلى نكارة المتن وألفاظه.
قال الحافظ الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص359): (وإنما يعلل الحديث: من أوجه ليس للجرح فيها مدخل.
* فإن حديث المجروح: ساقط واه، وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات، أن يحدثوا: بحديث له علة، فيخفى عليهم علمه، فيصير الحديث معلولا).
* ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا معاذ بن هشام الدستوائي، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن الأسود بن سريع t قال: قال رسول الله r: (أربعة كلهم يدلي على الله بحجة...).
حديث منكر
أخرجه الديلمي في «مسند الفردوس» (ج2 ص61).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه؛ فإن معاذ بن هشام الدستوائي يهم في الحديث، ويخالف الثقات أحيانا، وقتادة البصري، يدلس، ويرسل، ولم يصرح بالتحديث، والحسن البصري، يدلس أيضا، ويرسل، ولم يسمع من الأسود بن سريع. ([193])
* ورواه محمد بن المثنى، نا معاذ بن هشام، نا أبي، عن قتادة، عن الأسود بن سريع، عن النبي r قال: (يعرض على الله تعالى: الأصم، والأحمق، والهرم، الذي مات في الفترة، فيقول الأصم: جاء الإسلام، ولا أسمع شيئا، ويقول الأحمق: رب جاء الإسلام، وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: رب ما أتاني لك من رسول).
أخرجه الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100)، والبزار في «المسند» (ج17 ص70 و71)، بدون ذكر: «الحسن البصري» في الإسناد، وهذا من الاضطراب، فهو حديث مضطرب.
وقال الحافظ الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص13): (هذا غريب منقطع، وجاء عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ولكن قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
قلت: فقتادة لم يسمع من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع.
* ومعاذ بن هشام الدستوائي، له أوهام([194])، وقد سبق.
وذكره السيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405).
* ورواه محمد بن المثنى أيضا، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الحسن البصري، عن أبي رافع، عن أبي هريرة t، مرفوعا، وفيه: (فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها دخل النار).
حديث منكر
أخرجه البزار في «المسند» (ج3 ص33 و343-كشف الأستار)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج1 ص72).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، لا يحتج به، فيه معاذ بن هشام الدستوائي، له أوهام، وقتادة مدلس، ويرسل، والحسن البصري، مدلس، ويرسل، وقد سبقت ذكر هذه العلل. ([195])
* فصار من مسند: «الأسود بن سريع»، إلى مسند: «أبي هريرة»، وأدخل قتادة: أبا رافع، بين الحسن البصري، وبين أبي هريرة، وهذا من الاضطراب في الإسناد.
* وفي حديث أبي هريرة: «الأحمق»، بدل: «المعتوه»، وزاد: «الأصم»، و«الهرم»([196])، ولم يذكر: «المولود»، وذكره غيره، وهذا من الاضطراب في المتن أيضا.
* وحديث أبي هريرة، ليس بمحفوظ أيضا في هذا الباب، وما يصلح أن يكون حجة، للقائل بامتحان: أهل الفترة، والأحمق، والهرم، والأصم.
* وهو لا يصح من هذا الوجه، إنما هو: موقوف على أبي هريرة، ولا يصح أيضا.
قلت: وهذه أوهام وقعت في أحاديث هذا الباب في امتحان أهل الفترة وغيرهم يوم القيامة، وهي ضعيفة كلها، لا تقوم بها حجة في الغيب.
وقال الحافظ البزار: (لا نعلمه يروى، عن أبي هريرة، إلا بهذا الإسناد، وروي عن غيره).
وقال الحافظ ابن كثير في «جامع المسانيد» (ج1 ص327): (وهذا إسناد جيد)، وفيه نظر، لضعف الإسناد.
* وتابع محمد بن المثنى، على رفعه: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فرواه في «مسنده» (ج1 ص123) من طريق معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة t، مرفوعا، بمثل هذا الحديث.
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه.
وهذا من الاختلاف، والاضطراب في الحديث، وقد سبق ذكر ذلك.
ومن هذا الوجه: أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
* وتابع؛ محمد بن المثنى: علي بن المديني([197])؛ فرواه عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة t، أن النبي r قال: (أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها، لكانت عليهم بردا وسلاما). وزاد: (فمن دخلها كانت عليه بردا، وسلاما، ومن لم يدخلها دخل النار). وفي رواية: (ومن لم يدخلها يسحب إليها).
حديث منكر
فذكر: «الأصم»، و«الأحمق»، و«الهرم»، و«الهالك في الفترة»، ولم يذكر: «المعتوه»، و«الصغير».
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص24)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص203)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص910 و911)، وابن راهويه في «المسند» (ج1 ص123)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج4 ص255).
قلت: وهذا سنده منكر، وله ثلاث علل:
الأولى: معاذ بن هشام الدستوائي، وهو يهم، ويخالف، وقد حدث: بأحاديث عن أبيه، منكرة لا تصح، وحديث الباب منها. ([198])
قال الإمام ابن معين في «معرفة الرجال» (ج1 ص118) عن معاذ بن هشام: (لم يكن بالثقة، وإنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد، وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام الأحاديث).
وقال الحافظ ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج8 ص187)؛ عن معاذ بن هشام: (ولمعاذ عن أبيه عن قتادة، حديث كثير، ولمعاذ عن غير أبيه: أحاديث صالحة، وهو ربما يغلط في الشيء بعد الشيء).
وقال الإمام ابن معين في «التاريخ» (ج2 ص205): (صدوق: وليس بحجة).
* يعني: في بعض الأحاديث، فإنه يهم فيها عن أبيه، وهذا الحديث منها، فإن ألفاظه منكرة، لا تصح.
* وهو: حديث غير محفوظ.
لذلك قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص952): (صدوق: ربما وهم).
* ثم مع وهم معاذ بن هشام الدستوائي أحيانا، فإنه أحيانا لم يسمع من أبيه الحديث، لأنه يحدث عنه، من كتاب. ([199])
فعن الإمام علي بن المديني، قال عن معاذ بن هشام: (فلما جئنا إلى البصرة، أخرج إلينا من الكتب عن أبيه، فقال: هذا سمعته، وهذا لم أسمعه، فجعل يميزها). ([200])
قلت: ففي تفرد معاذ بن هشام عن أبيه، ما يدل على نكارة الحديث.
* وهشام الدستوائي([201]): ثقة ثبت([202])، وهو كثير الأصحاب؛ منهم: شعبة بن الحجاج، وابن مهدي، ويحيى القطان، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح، وغندر، وإسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، وغيرهم([203])، فلم يرو هؤلاء الثقات الأثبات هذا الحديث.
* إذا ففي تفرد ابنه معاذ، عنه: غرابة شديدة، فهو حديث منكر من هذا الوجه. ([204])
فهذا الحديث، من جملة أوهامه، فإنه لم يشاركه الثقات في هذا الحديث من أصحاب هشام الدستوائي.
الثانية: وقتادة بن دعامة البصري، وهو مدلس، وقد عنعن ولم يصرح بالتحديث. ([205])
* ثم إن قتادة بن دعامة السدوسي، مع تدليسه، فإنه يرسل كثيرا، ولم يذكر سماعا من الأحنف بن قيس في هذا الإسناد، ولم يسمع منه. ([206])
قال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص1100): (قتادة: لم يلق الأحنف، ولا سمع منه).
وقال الحافظ الذهبي / في «ميزان الاعتدال» (ج4 ص510)؛ وذكر حديثا، ثم قال: (وهو منكر: ولم يلق قتادة، الأحنف بن قيس).
قلت: فمع تدليس قتادة في الإسناد، إلا أنه لم يسمع من الأحنف بن قيس، لأن قتادة ولد في البصرة، في سنة: «60هـ»، على أحد الأقوال، وتوفي الأحنف بن قيس، في سنة: «67هـ» على أصح الأقوال. ([207])
* وقد اضطرب في إسناده، ولم يقمه،
فمرة: يرويه، عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع، ومرة: عن قتادة عن الأسود بن سريع، ومرة: يرويه، عن الحسن البصري عن أبي رافع عن أبي هريرة، ومرة: عن قتادة عن أبي هريرة.
* وهذا يدل أن قتادة، دلسه، وأرسله، فهذا الحديث عن قتادة، بهذا الإسناد غير محفوظ.
* وهذا الاختلاف: ذكره الحافظ ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص51)؛ بقوله: (وبالإسناد عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة مثله، غير أنه قال في آخره: «فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها»، وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام، ورواه البيهقي في كتاب: «الاعتقاد» من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به، وقال: هذا إسناد صحيح، وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أربعة كلهم يدلي على الله بحجة»؛ فذكر نحوه، ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة t، فذكره موقوفا، ثم قال أبو هريرة: «فاقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]»؛ وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة t موقوفا). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «طريق الهجرتين» (ص656): (فأما حديث: الأسود، فرواه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع، أن النبي r.
* وقال معاذ: وحدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة.
* ورواه أحمد، وإسحاق عن معاذ.
* ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع عن أبي هريرة.
* ورواه معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة، موقوفا عليه). اهـ
* وقتادة بن دعامة البصري، يدلس، وصفه بالتدليس: ابن معين، والنسائي، وابن حبان، والعلائي، وغيرهم. ([208])
وعن سليمان الشاذكوني / قال: (من أراد التدين بالحديث، فلا يأخذ عن الأعمش، ولا قتادة؛ إلا ما قالا: سمعناه) ([209]). ([210])
وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص370): (وقتادة، وإن كان ثقة، وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكروا فيه سماعه) ([211]).
وقال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص262): (وقتادة: مدلس).
قلت: فعنعنة قتادة، غير مقبولة في هذا الحديث.
وقال الحافظ الذهبي / في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص123): (وكان قتادة، معروفا: بالتدليس).
* وقتادة بن دعامة: هو مشهور بسماعه من الحسن البصري؛ إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية، وقد عرف أحيانا، بأنه يدلس، فيما يفوته سماعه. ([212])
* وقد اضطرب في هذا الحديث، وقد سبق ذكر هذه العلة.
الثالثة: الحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع، ثم هو مدلس وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث.
فلم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع، فالإسناد منقطع. ([213])
* سئل الإمام علي بن المديني في «العلل» (ص106)؛ عن حديث الأسود، وهو ابن سريع: «بعث رسول الله r، سرية، فأكثروا القتل».
فقال ابن المديني: (إسناد منقطع، رواية: الحسن عن الأسود بن سريع، والحسن: عندنا لم يسمع من الأسود، لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة).
وقال الحافظ ابن قانع في «معجم الصحابة» (ج11 ص4005): (لم يدرك الحسن، عتبة بن غزوان، ولم يدرك الحسن، أيضا الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص229): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع).
* وكذا قال الحافظ ابن منده /. ([214])
وقال أبو عبيد الآجري في «السؤالات» (ص125)؛ سألت أبا داود: (الحسن، سمع من الأسود بن سريع؟، قال: لا، قال الأسود بن سريع لما وقعت الفتنة بالبصرة، ركب البحر، فلا يدرى ما خبره، سمعت أبا داود يقول: ما أرى الحسن، سمع من الأسود بن سريع).
وقال الدوري في «التاريخ» (ج4 ص322): (قال يحيى بن معين: لم يسمع الحسن، من الأسود بن سريع شيئا).
وقال الحافظ ابن حبان في «الثقات» (ج3 ص8): (والذي حكم به، علي بن المديني: أنه قتل يوم الجمل، وكان ينفي أن يكون الحسن سمع من الأسود بن سريع). ([215])
وقال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص54): (قال علي بن المديني: الأسود بن سريع، قتل أيام الجمل، وإنما قدم الحسن البصرة بعد ذلك).
وقال الحافظ الذهبي في «السير» (ج4 ص566): (الأسود بن سريع: روى الحسن بالإرسال عنه، ولم يسمع منه).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، هو: مدلس، وقد وصفه بتدليس الإسناد، النسائي، والذهبي، والعلائي، وابن حبان، وغيرهم. ([216])
قال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج4 ص123): (الحسن البصري: كان يدلس).
* والحسن بن أبي الحسن البصري، يدلس عن الضعفاء، وفي سماع الحسن البصري، من الصحابة، فإنه مرسل في أكثر أحاديث الصحابة، وكان يأخذ عن كل أحد. ([217])
وفي رواية: الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل / قال: (أن الحسن البصري: يأخذ عن كل أحد). ([218])
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص30): (وقالوا: مراسيل عطاء، والحسن: لا يحتج بها، لأنهما: كانا يأخذان عن كل أحد).
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج4 ص572): (الحسن مع جلالته، فهو مدلس، ومراسيله ليست بذاك).
* ورواه عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: (أربعة يوم القيامة: الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق، والهرم، ورجل مات في الفترة، قال: فيقول الأصم: رب، جاء الإسلام وما أسمع شيئا، ويقول الأحمق: جاء الإسلام والصبيان يخذفوني بالبعر، ويقول الهرم: جاء الإسلام وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
أخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص255).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، لا يصح، فيه: معاذ بن هشام له أوهام، وقتادة مدلس، ويرسل، والحسن البصري، مدلس، ويرسل. ([219])
فذكر: «الأصم»، و«الأحمق»، و«الهرم»، و«الهالك في الفترة»، ولم يذكر: «المعتوه»، و«المولود».
* وخالف عبيد الله بن عمر القواريري؛ فرواه: عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الأسود بن سريع عن النبي r به.
قلت: فأسقط قتادة، من الإسناد: الأحنف بن قيس، وقد سبق.
* وقتادة لم يسمع من الأسود بن سريع، شيئا. ([220])
وأخرجه البزار في «المسند» (2174) من طريق محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع t به.
قلت: فأدخل قتادة، الحسن البصري في الإسناد، بدل: الأحنف بن قيس، والحسن البصري، لم يسمع من الأسود بن سريع شيئا، وقد سبق.
* ورواه حماد بن سلمة عن علي بن جدعان عن أبي رافع عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أربعة كلهم يدلي على الله يوم القيامة بحجة، وعذر: رجل مات في الفترة، ورجل أدركه الإسلام هرما، ورجل أصم، أبكم، ورجل معتوه، فيبعث الله إليهم ملكا، رسولا، فيقول: اتبعوه، فيأتيهم الرسول، فيؤجج لهم نارا، ثم يقول: اقتحموها، فمن اقتحمها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لا، حقت عليه كلمة العذاب).
حديث منكر
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (404)، وأسد بن موسى في «الزهد» (97)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه:«الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص651).
وذكر: «الرجل مات في الفترة»، و«الهرم»، و«الأصم»، و«المعتوه»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«الطفل»، و«فيبعث الله إليهم ملكا، رسولا».
قلت: وهذا سنده منكر، فيه علي بن زيد بن جدعان التيمي، وهو ضعيف، لا يحتج به في الحديث.
قال عنه أحمد: «ليس هو بالقوي»، وقال مرة: «ضعيف الحديث»، وقال ابن معين: «ضعيف، ليس بذاك القوي»، وقال الجوزجاني: «واهي الحديث، ضعيف فيه»، وقال أبو زرعة: «ليس بالقوي»، وقال أبو حاتم: «ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به»، وقال ابن خزيمة: «لا أحتج به، لسوء حفظه»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال ابن سعد: «فيه ضعف، ولا يحتج به».([221])
وأعله الشيخ الألباني في «ظلال الجنة» (ج1 ص176)؛ بعلي بن زيد بن جدعان.
قلت: وهذا الحديث أتى من سوء حفظ ابن جدعان، وهو غير محفوظ بهذا الإسناد أيضا.
والحديث ذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص651)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656).
قلت: وحماد بن سلمة البصري ساء حفظه لما كبر، فيخطئ ويخالف أحيانا. ([222])
قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص269) عن حماد بن سلمة: «وتغير حفظه بآخره».
وقال الحافظ الذهبي في «المغني في الضعفاء» (ج1 ص189): (حماد بن سلمة: إمام ثقة، له أوهام وغرائب، وغيره أثبت منه).
وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج4 ص93): (وحماد بن سلمة: وإن كان من الثقات إلا أنه ساء حفظه في آخر عمره؛ فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه، ويتجنبون ما يتفرد به، عن قيس بن سعد خاصة وأمثاله).
وقال الإمام أحمد بن حنبل /: (كان حماد بن سلمة: يخطئ، وخطأ كثيرا).([223])
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج2 ص50)؛ عن حماد بن سلمة: (لما طعن([224]) في السن ساء حفظه، فلذلك ترك البخاري الاحتجاج بحديثه... فالاحتياط لمن راقب الله أن لا يحتج بما يجد في أحاديثه، مما يخالف الثقات).
قلت: وهذا ينطبق على هذه الرواية التي تكلمنا عليها.
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج4 ص210): (ساء حفظه في آخر عمره، فالحفاظ: لا يحتجون بما يخالف فيه، ويتجنبون ما يتفرد به).
قلت: فحماد بن سلمة، الراوي: لهذا الحديث؛ غير محتج به في هذا الحديث، لمخالفته: للثقات الحفاظ.
قلت: وحماد بن سلمة، وإن كان أثبت الناس في ثابت البناني، وحميد الطويل؛ إلا أنه كان يهم في حديث غيرهما.
قال الإمام مسلم في «التمييز» (ص218): (وحماد بن سلمة: يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت، -كحديثه هذا: وأشباهه-... فإنه يخطئ في حديثهم كثيرا).
وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في «المنتخب من الإرشاد» (ج1 ص176): (والذي عليه حفاظ الحديث؛ الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان، أو غير ثقة).
وقال الإمام النووي في «المجموع» (ج3 ص408): (وقد علم من قاعدة المحدثين، وغيرهم، أن ما خالف الثقات: كان حديثه، شاذا، مردودا).
* ورواه حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن أبي هريرة t، مثله.
أخرجه أسد بن موسى في «الزهد» (ص77).
قلت: وهذا سنده منكر، كسابقه، وإبراهيم بن يزيد النخعي، لم يسمع من أبي هريرة، شيئا. ([225])
قال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص18): (سمعت أبي، يقول: لم يلق إبراهيم النخعي، أحدا من أصحاب النبي r، إلا عائشة، ولم يسمع منها شيئا، فإنه دخل عليها وهو صغير، وأدرك أنسا، ولم يسمع منه).
* وخالفهم محمد بن ثور، فرواه عن معمر بن راشد الأزدي، عن قتادة عن أبي هريرة t، قال: (إذا كان يوم القيامة، جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة، والمعتوه، والأصم، والأبكم، والشيوخ الذين جاء الإسلام، وقد خرفوا، ثم أرسل رسولا، أن ادخلوا النار، فيقولون: كيف ولم يأتنا رسول، وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا، وسلاما، ثم يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل)، قال أبو هريرة t: (اقرءوا إن شئتم: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا[ [الإسراء:15]).
حديث منكر
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص54)، هكذا: موقوفا.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه قتادة بن دعامة السدوسي، لم يسمع من أبي هريرة شيئا([226])، وهو موقوف أيضا، وهذا من الاختلاف، والاضطراب.
* فقتادة عن أبي هريرة: مرسل.
قال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص142): (سمعت أبي يقول: قتادة، عن أبي هريرة: مرسل).
وفيه: «من مات في الفترة»، و«المعتوه»، و«الأصم»، و«الأبكم»، و«الشيخ الكبير»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«المولود».
* ورواه أبو سفيان عن معمر بن راشد الأزدي عن همام بن منبه عن أبي هريرة t به، موقوفا.
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج15 ص54)؛ هكذا: موقوفا.
* ورواه عبد الرحمن عن معمر بن راشد الأزدي عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة t قال: (ثلاثة يمتحنون يوم القيامة: المعتوه، والذي هلك في الفترة، والأصم،... فذكر الحديث).
حديث منكر
أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650).
وذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص654).
وفيه: «المعتوه»، و«الهالك في الفترة»، و«الأصم»، ولم يذكر: «الأحمق»، و«الهرم»، و«الصغير».
* فمرة: يروى، مرفوعا، ومرة: يروى، موقوفا، فهذا: حديث مضطرب في سنده ومتنه، لا يصح على الوجهين.
وقال الإمام ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص654): (وحديث: أبي هريرة، إسناده: صحيح متصل).
قلت: وليس هو كما قال: لضعف الإسناد، وهو مرسل، منقطع، وقد سبق.
2) وعن أنس بن مالك t قال: سمعت رسول الله r يقول: (يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، وبالمعتوه، وبمن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرز، فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب! أين ندخلها ومنها كنا نفر؟، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول تبارك وتعالى: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار).
حديث منكر.
ذكر: «المولود»، و«المعتوه»، و«الهالك في الفترة»، و«الشيخ الفاني»
أخرجه البزار في «المسند» (ج14 ص104)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص203)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص911)، وأبو يعلى في «المسند» (4224)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص128)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص652) من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الوارث مولى أنس عن أنس بن مالك t به.
قلت: وهذا سنده منكر، وله علتان:
الأولى: ليث بن أبي سليم بن زنيم، وهو ضعيف، واختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه، فترك، فلا يحتج به. ([227])
قال عنه ابن معين: «ضعيف»، وقال أحمد: «مضطرب الحديث»، وقال البخاري: «يضعف في الحديث»، وقال مرة: «يغلط».([228])
الثانية: عبد الوارث مولى أنس بن مالك الأنصاري، وهو ضعيف. ([229])
قال عنه البخاري: «منكر الحديث»، وقال ابن معين: «مجهول»، وقال الدارقطني: «ضعيف».([230])
وأما ابن حبان، فذكره في «الثقات» (ج5 ص130)، على قاعدته في توثيق المجهولين.
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص216)؛ ثم قال: «رواه أبو يعلى، والبزار بنحوه، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس».
والحديث أعله الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد مسند البزار» (ج2 ص161)؛ بقوله: «ليث: مدلس، ضعيف».
وبه أعله الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص603).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وهي كلها: أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة).
والحديث أشار إليه ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج8 ص403).
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص52)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص652)، وفي «طريق الهجرتين» (ص656).
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص180)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (وجملة القول: في أحاديث هذا الباب كلها، ما ذكرت منها، وما لم أذكر، أنها أحاديث الشيوخ، وفيها علل... والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث: ضعف في العلم، والنظر، مع أنه عارضها، ما هو أقوى منها).
3) وعن معاذ بن جبل t، عن رسول الله r قال: (يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا: يا رب، لو آتيتني عقلا، ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك في الفترة: يا رب، لو أتاني منك عهد، ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك صغيرا: يا رب، لو آتيتني عمرا، ما كان من آتيته عمرا بأسعد بعمره مني، فيقول الرب تبارك وتعالى: فإني آمركم بأمر، أفتطيعونني؟ فيقولون: نعم، وعزتك، فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا جهنم، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا، فيخرج عليهم قوابض من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا، يقولون: يا ربنا، خرجنا وعزتك نريد دخولها، فخرجت علينا قوابض من نار، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء، ثم يأمرهم ثانية، فيرجعون كذلك، فيقول الرب تبارك وتعالى: خلقتكم على علمي، وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار).
حديث منكر
فذكر: «المجنون»، و«الهالك في الفترة»، و«الصغير».
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج20 ص83)، وفي «المعجم الأوسط» (7955)، وفي «مسند الشاميين» (2205)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص129)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص650)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص127)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص221)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص441)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج5 ص118) من طريق عمرو بن واقد، عن يونس بن حلبس، عن أبي إدريس، عن معاذ بن جبل t به.
قلت: وهذا سنده تالف، وله علتان:
الأولى: عمرو بن واقد القرشي، وهو: متهم بالكذب. ([231])
قال عنه: البخاري: «منكر الحديث»، وقال أبو حاتم: «ضعيف الحديث، منكر الحديث»، وقال النسائي: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «متروك الحديث»، وقال الترمذي: «منكر الحديث»، وقال يعقوب بن سفيان: «ليس بشيء»، وقال أبو أحمد الحاكم: «ليس بالقوي عندهم».([232])
وبه أعله الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص605)، والحافظ ابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256).
وقال الحافظ ابن حبان في «المجروحين» (ج2 ص77)؛ عن عمرو بن واقد: (يقلب الأسانيد، ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك).
وقال الحافظ ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (ج2 ص923): (هذا حديث لا يصح، عن رسول الله r، وفي إسناده: عمرو بن واقد، قال ابن مسهر: «ليس بشيء»، وقال الدارقطني: «متروك»، وقال ابن حبان: «يروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك»).
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص217)؛ ثم قال: «رواه الطبراني في «الأوسط»، و«الكبير»، وفيه: عمرو بن واقد، وهو متروك: عند البخاري، وغيره، ورمي بالكذب».
قلت: وعلى هذا، فذكر: «الصبي» وغيره في الحديث، لا يثبت.
وذكره ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص650)، وابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص406).
الثانية: فإن أبا إدريس الخولاني، لا يصح سماعه من معاذ بن جبل، وهو الصواب.
وإليك الدليل:
فعن الزهري عن أبي إدريس الخولاني، أنه قال: (أدركت: أبا الدرداء، ووعيت عنه، وعبادة بن الصامت، ووعيت عنه، وشداد بن أوس، ووعيت عنه، وفاتني معاذ بن جبل، فأخبرني: فلان عنه).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص73)، وفي «التاريخ الأوسط» (215)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (20749)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص460)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص340)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص125)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج26 ص155) من طريق سفيان بن عيينة، ومعمر، كلاهما: عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الدارقطني في «العلل» (ج6 ص71)؛ ثم قال: (وخالفهم محمد بن مسلم الزهري، وهو أحفظ من جميعهم، فرواه عن أبي إدريس الخولاني... فذكره).
قلت: وهذا أبو إدريس الخولاني، يحكي عن نفسه، أنه لم يدرك معاذ بن جبل، ولم يسمع منه، فالقول: هو قوله، وهو مقدم على غيره في هذا.
* ويؤكد ذلك، أن أبا إدريس الخولاني كان قد ولد في «غزوة حنين»، وهي في أواخر؛ سنة: «ثمان»، ومات معاذ بن جبل، في سنة: «ثمان عشرة».
* فيكون سن أبي إدريس الخولاني حين مات معاذ بن جبل، «تسع سنوات»، ونصفا، أو نحو ذلك.
فيبعد في العادة، أن يجاري معاذا، في المسجد، هذه المجاراة، ويخاطبه: هذه المخاطبة. ([233])
إذا فإن أبا إدريس الخولاني، لا يصح سماعه من معاذ بن جبل t([234])، وهو الصواب.
قال الحافظ يحيى بن معين في «التاريخ» (ج4 ص432): (قال أبو إدريس الخولاني: فاتني معاذ، فحدثني عنه: يزيد بن عميرة).
وقال الحافظ البخاري في «التاريخ الكبير» (ج7 ص83): (قال ابن عيينة، ومعمر عن الزهري عن أبي إدريس، يعني: الخولاني، قال: «أدركت عبادة بن الصامت: وعيت عنه، وأدركت أبا الدرداء: ووعيت عنه، وأدركت شداد بن أوس: ووعيت عنه، وفاتني: معاذ بن جبل»).
وقال الحافظ ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص126): (قلت: لأبي؛ سمع أبو إدريس الخولاني، من معاذ بن جبل؟، قال: يختلفون فيه، فأما الذي عندي، فلم يسمع منه).
وكذا قال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج6 ص71) في عدم سماع أبي إدريس من معاذ بن جبل.
وقال الإمام الشافعي / في «أحكام القرآن» (ص187): (ونحن لا نقبل الحديث المنقطع؛ عمن: هو أحفظ، من عمرو بن شعيب، إذا كان منقطعا).
وأما الحافظ ابن عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج11 ص114)، فقد ذهب إلى صحة سماع أبي إدريس الخولاني من معاذ بن جبل، بقوله: (واختلف في سماعه من معاذ بن جبل، والصحيح: أنه أدركه، وروى عنه، وسمع منه([235])، وقد يحتمل، أن تكون رواية من روى عنه: «فاتني معاذ»؛ أي: فاتني في معنى كذا، أو خبر كذا ([236])، لأن أبا حازم، وغيره، روى عنه، أنه رأى معاذ بن جبل، وسمع منه([237])، ومن أدرك أبا عبيدة، فقد أدرك معاذا، لأنه مات قبله، في طاعون عمواس وقد سئل: الوليد بن مسلم -وكان من العلماء بأخبار الشام- هل لقي: أبو إدريس الخولاني، معاذ بن جبل؟ فقال: نعم، أدركهما ([238])، وهو ابن عشر سنين، لأنه: ولد عام «حنين»).
وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص126): (وإذا صح عن أبي إدريس: أنه؛ لقي معاذ بن جبل، فيحتمل ما حكاه: ابن شهاب عنه من قوله: «فاتني معاذ» يريد فوت لزوم، وطول مجالسة، أو فاتني في حديث: كذا، أو معنى كذا، والله أعلم).
وتعقبه في ذلك الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (ج5 ص75): (إذا كان قد ولد في «غزوة حنين»، وهي في أواخر سنة: «ثمان»، ومات معاذ بن جبل، سنة: «ثمان عشرة»([239])، فيكون سنه -يعني: الخولاني- حين مات: معاذ بن جبل: «تسع سنوات»، ونصفا، أو نحو ذلك، ويبعد في العادة أن يجاري معاذا، في المسجد هذه المجاراة، ويخاطبه هذه المخاطبة، على ما اشتهر من عادتهم، أنهم لا يطلبون العلم، إلا بعد البلوغ).
قلت: والجمع الذي جمع به الحافظ ابن عبد البر، قد سبقه إليه الحافظ الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38 و39)، وساقه من طرق على أبي إدريس، أنه سمع معاذ بن جبل، بالقصة المذكورة، ولم يصب، لما ذكرنا من ضعف هذه الطرق كلها.
قال الحافظ ابن حجر في «التهذيب» (ج5 ص75): (والزهري: يحفظ عن أبي إدريس، أنه لم يسمع من معاذ بن جبل).
4) وعن ثوبان t، أن نبي الله r عظم شأن المسألة قال: (إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم تبارك وتعالى، فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا لك أمر، ولو أرسلت إلينا رسولا؛ لكنا أطوع عبادك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيأمرهم أن يعمدوا جهنم فيدخلونها، فينطلقون حتى إذا دنوا منها، وجدوا لها تغيظا وزفيرا، فرجعوا إلى ربهم، فيقولون: ربنا أخرجنا منها، أو أجرنا منها، فيقول لهم: ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني، فيأخذ على ذلك مواثيقهم، فيقول: اعمدوا لها فادخلوها، فينطلقون حتى إذا رأوها، فرقوا، فرجعوا، فقالوا: ربنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها، فيقول: ادخلوها داخرين. فقال نبي الله r: لو دخلوها أول مرة ؛ كانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
فذكر: «أهل الجاهلية».
أخرجه البزار في «المسند» (ج10 ص106 و107)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص653) من طريق ريحان بن سعيد، قال: نا عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه ريحان بن سعيد السامي، وهو ضعيف لا يحتج به.([240])
قال عنه ابن قانع: «ضعيف»، وقال أبو حاتم: «شيخ لا بأس به، يكتب حديثه، ولا يحتج به»، وقال العجلي: «منكر الحديث»، وقال النسائي: «ليس بحجة في الحديث»، وقال البرديجي: «فأما حديث: ريحان عن عباد، عن أيوب عن أبي قلابة: فهي مناكير»([241])، فهذا الحديث من مناكيره.
وقال الحافظ الترمذي في «العلل الكبير» (ص328): (رأيت محمدا -يعني: البخاري- يستغرب أحاديثه عن عباد بن منصور عن أيوب، ويرضى به).
قلت: فرواية؛ ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور، لا يعتبر بها. ([242])
* وعباد بن منصور الناجي، وهو مدلس، وقد عنعن، ولم يصرح بالتحديث، وقد تغير بآخره، فلا يحتج به. ([243])
وقد ذكره أحمد، والبخاري، والنسائي، والساجي: بالتدليس، عن: «الضعفاء».([244])
وقال عنه ابن معين: «ليس بشيء»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال ابن الجنيد: «متروك قدري»، ولم يرضه يحيى بن سعيد القطان. ([245])
وقال الحافظ الهيثمي / في «مجمع الزوائد» (ج10 ص347): (رواه البزار؛ بإسنادين، ضعيفين).
* وقد أعله الحافظ البزار في «المسند» (ج10 ص108).
وأورده ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53)، والهيثمي في «كشف الأستار» (ج4 ص156)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص653)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص406).
وأخرجه البزار في «المسند» (ج10 ص107 و108)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص449 و450) من طريق إسحاق بن إدريس ثنا أبان بن يزيد ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا أبو قلابة الجرمي حدثني أبو أسماء الرحبي؛ أن ثوبان t حدثه أنه سمع رسول الله r يقول: (إن ربي زوى لي الأرض، حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكنزين الأحمر والأبيض، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فمنعنيها، وقال لي ربي: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء لم يرد، إني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكها بسنة، ولا أظهر عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم بعامة، ولو اجتمع من بأقطارها حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضا، وبعضهم هو يسبي بعضا، وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، ولن تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة)، وأنه قال: (كل ما يوجد في مائة سنة، وسيخرج في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم الأنبياء، لا نبي بعدي، ولن تزال في أمتي طائفة يقاتلون على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله)، قال: وزعم (أنه لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرها شيئا إلا أخلف الله مكانها مثلها)، وأنه قال: (ليس دينار ينفقه رجل بأعظم أجرا من دينار ينفقه على عياله، ثم دينار ينفقه على فرسه في سبيل الله، ثم دينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله)، قال: وزعم (أن نبي الله r عظم شأن المسألة، وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا أمر، ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك لك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر، أتطيعوني؟ قال: فيقولون: نعم، قال: فيأخذ مواثيقهم على ذلك، فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها، قال: فينطلقون حتى إذا جاءوها، رأوا لها تغيظا وزفيرا، فهابوا، فرجعوا إلى ربهم، فيقولون: ربنا فرقنا منها، فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعوني؟، اعمدوا لها، فينطلقون، حتى إذا رأوها فرقوا، فرجعوا، فقالوا: ربنا لا نستطيع أن ندخلها، قال: فيقول: ادخلوها داخرين، قال: فيقول نبي الله r: لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما).
حديث منكر
قلت: وهذا سنده واه، فيه إسحاق بن إدريس الأسواري، وهو متهم: بوضع الحديث.
قال عنه ابن معين: «ليس بشيء، يضع الحديث»، وقال النسائي: «متروك الحديث»، وقال الدارقطني: «منكر»، وقال الذهبي: «كذاب»، وقال البخاري: «تركه الناس».
* وأخطأ الحاكم حيث قال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرج مسلم: حديث معاذ بن هشام، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان t مختصرا).
فأخرجه مسلم في «صحيحه» (1920)، من حديث: حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان t به، وليس عن معاذ بن هشام عن قتادة، فأخطأ الحاكم بقوله هذا.
وقال الحافظ الذهبي في «التلخيص» (ج4 ص449): (على شرط البخاري، ومسلم، وأخرج بعضه من طريق هشام الدستوائي عن يحيى)، ولم يصب.
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (2505).
ثم هذا الحديث: مخالف، لما أخرجه مسلم في «صحيحه» (994)، و(1920)، و(2889) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان t، بدون هذا اللفظ المنكر، بل مرفوعا بلفظ: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا).
وقال r: (أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله). وقال r: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
قلت: ولم يذكر أهل الفترة، ولا امتحانهم يوم القيامة.
قلت: وهذا يدل على نكارة حديث ثوبان t هذا مطولا، لمخالفته، للثقات الأثبات.
وقال الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج10 ص347): (رواه البزار؛ بإسنادين، ضعيفين).
وقال الحافظ البزار / في «المسند» (ج10 ص108): (وهذا الحديث: عن ثوبان، لا نحفظه، إلا من هذا الطريق، الذي ذكرناه، ولا نعلم: رواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان؛ إلا عباد بن منصور، ولا عن عباد؛ إلا ريحان بن سعيد، ولا نعلم حدث: بحديث أبان؛ إلا إسحاق بن إدريس، وهو غريب، عن أيوب، وعن يحيى بن أبي كثير، وهذا الحديث: فمتنه عن رسول الله r، غير معروف؛ إلا من هذا الوجه).
5) وعن أبي سعيد الخدري t([247])، عن النبي r قال: (يؤتى بالهالك في الفترة، والمعتوه، والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب، ولا رسول، ويقول المعتوه؛ أي: رب لم تجعل لي عقلا، أعقل به خيرا، ولا شرا، ويقول المولود: لم أدرك العمل، قال: فترفع لهم نار، فيقال لهم: ردوها، أو قال: ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله: سعيدا، إن لو أدرك العمل، قال: ويمسك عنها من كان في علم الله: شقيا، إن لو أدرك العمل، فيقول تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف: برسلي بالغيب).
حديث منكر
فذكر: «الهالك في الفترة»، و«المعتوه»، و«المولود».
أخرجه البزار في «المسند» (ج14 ص104)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2038)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1076)، والذهلي في «الزهريات» (ج5 ص53)، والطبري في «جامع البيان» (ج16 ص170 و171)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص127)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص2984)، ومحمد بن نصر المروزي في كتابه: «الرد على ابن قتيبة» (ج2 ص651) من طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية بن سعيد العوفي، عن أبي سعيد الخدري t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه عطية بن سعيد العوفي، وهو ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح. ([248])
قال عنه أحمد: «ضعيف الحديث»، وقال النسائي: «ضعيف»، وقال الساجي: «ليس بحجة»، وقال ابن حجر: «ضعيف الحفظ»، وقال هشيم الواسطي: «ضعيف الحديث».([249])
قال الحافظ ابن حجر / في «التقريب» (ج2 ص24)؛ عن عطية العوفي: (صدوق: يخطئ كثيرا، وكان شيعيا، مدلسا).
وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج2 ص176)؛ عن عطية العوفي: (فلا يحل الاحتجاج به، ولا كتابة حديثه؛ إلا على جهة التعجب).
وأورده الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج7 ص216)؛ ثم قال: «رواه البزار، وفيه عطية، وهو ضعيف».
وقال البزار: «لا نعلمه يروى عن أبي سعيد؛ إلا من حديث: فضيل».
* ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري t، موقوفا.
ذكره البيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص911).
قال الإمام محمد بن نصر المروزي: (ورواه أبو نعيم الملائي، عن فضيل عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، موقوفا).
قلت: وهذه علة أخرى في الحديث، وهي: الوقف.
وقد أعله بالوقف، الحافظ السبكي في «الفتاوى» (ج2 ص363)؛ بقوله: (رواه أبو سعيد الخدري، عن النبي r، ومن الناس من يوقفه عليه).
وهذا الاضطراب الذي وقع في الحديث، من عطية العوفي، فإنه سيء الحفظ، فرواه مرة؛ مرفوعا، ومرة: موقوفا.
فهو: حديث معلول، لا يحتج به في الدين. ([250])
وأعله الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص128)، بالوقف على أبي سعيد الخدري.
* وبعطية العوفي أعله الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد مسند البزار» (ج2 ص160)، والسيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405).
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في «الصحيحة» (ج5 ص604)، والحافظ ابن الوزير في «العواصم والقواصم» (ج7 ص256)، والحافظ الحليمي في «شعب الإيمان» (ج1 ص159).
وذكره ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج8 ص403)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج11 ص475)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53)، وابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص651).
* وفضيل بن مرزوق الرؤاسي، له أوهام في الحديث، وهذه منها. ([251])
قال الحافظ أبو حاتم / في «الجرح والتعديل» (ج7 ص75)؛ عن فضيل بن مرزوق: (صدوق: يهم كثيرا).
وقال الحافظ ابن حبان / في «الثقات» (ج7 ص316): (يخطئ).
وقال الحافظ ابن حبان / في «المجروحين» (ج2 ص209): (كان يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية: الموضوعات، منكر الحديث جدا).
وقال الحاكم / في «السؤالات» (ص108)؛ عن فضيل بن مرزوق: (ليس هو من شرط الصحيح، وقد عيب على: مسلم، إخراجه: لحديثه).
وأورده السيوطي في «مسالك الحنفا في والدي المصطفى» (ج2 ص405)؛ ثم قال: (في إسناده: عطية العوفي، وفيه: «ضعف»، والترمذي يحسن حديثه، وهذا الحديث، له شواهد: تقتضي الحكم، بحسنه وثبوته).
قلت: وليس هو كما قال: لضعف أسانيد هذه الأحاديث.
قال العلامة الآبادي / في «عون المعبود» (ج12 ص324): (العلامة السيوطي: متساهل جدا([252])، لا عبرة بكلامه في هذا الباب، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد). اهـ
وقال الحافظ السيوطي في «السبل الجلية في الأباء العلية» (ص216): (أحاديث الامتحان كثيرة: والمصحح منها: ثلاثة، حديث: الأسود، وأبي هريرة، وثوبان). اهـ
* وفيه نظر.
وقال الحافظ السيوطي في «الدرج المنيفة في الآباء الشريفة» (ص88)؛ عن كلامه على إسناد البزار: (أخرجه البزار: بسند حسن على شرط الترمذي). اهـ
* وفيه نظر.
قلت: فحديث أبي سعيد الخدري t، هذا واحد من الأحاديث التي صرحت؛ بأن هؤلاء الأصناف من الناس سوف يمتحنون يوم القيامة؛ وهم:
1) الهالك في الفترة.
2) والمعتوه.
3) والمولود.
* وفي بعض الروايات؛ بزيادة:
4) الأصم.
5) والشيخ الهرم.
6) والمجنون.
* هؤلاء يمتحنون، فيذكر كل عذره يوم القيامة، فيمتحنون في العرصات؛ فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
قلت: وكل ذلك من الباطل في الدين، وذلك أن هذه الأحاديث كلها منكرة لا يحتج بها في الاعتقاد، وفي الغيب، وفي بعضها يدل على أنهم يمتحنون بما فيهم: الأطفال، يكلفون باقتحام النار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى سحب إليها، وهذا لم يثبت من جهة الأسانيد، ومن جهة المتون، وذكر امتحان الأطفال هذا باطل.
* بل زعموا في بعض الروايات: أنها تدل على أن الأطفال -يعني: أطفال الكفار الذين ماتوا في الصغر-مع آبائهم في النار!.
* وهذه الأحاديث لا تقوم بها حجة، وأن دار الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، فكيف يكلفون دخول النار، وليس في وسعهم ذلك.
6) وعن عبد الله بن شداد t: (أن رسول الله r أتاه رجل، فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا، فوضع رأسه ساعة، ثم قال: أين السائل؟، فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال: إن الله تعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار، ولم يبق غيرهم، عجوا فقالوا: اللهم ربنا، لم يأتنا رسولك، ولم نعلم شيئا، فأرسل إليهم ملكا، والله أعلم بما كانوا عاملين، فقال: إني رسول ربكم إليكم، فانطلقوا، فاتبعوه حتى أتوا النار، فقال لهم: إن الله يأمركم أن تقتحموا فيها، فاقتحمت طائفة منهم، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم، فجعلوا من السابقين المقربين، ثم جاءهم الرسول فقال: إن الله تعالى يأمركم أن تقتحموا في النار، فاقتحمت طائفة أخرى، ثم أخرجوا من حيث لا يشعرون، فجعلوا من أصحاب اليمين، ثم جاء الرسول فقال: إن الله تعالى يأمركم أن تقتحموا في النار، فقالوا: ربنا لا طاقة لنا بعذابك، فأمر بهم، فجمعت نواصيهم وأقدامهم، ثم ألقوا في النار).
حديث منكر
فذكر: «أولاد المشركين».
أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص223 و224) من طريق محمد بن الحسين قال: أخبرنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد t به.
قلت: وهذا سنده رجاله ثقات، لكنه: منكر، في سنده، ومتنه، فيه:
* ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد اختلط، واستثنى بعض أهل الفن، رواية: العبادلة؛ عنه، ومنهم: عبد الله بن المبارك، إلا أن ابن لهيعة: هنا خالف الثقات الأثبات في هذا الحديث، فلا يحتج به ([253])، فهو: حديث منكر.
قلت: وهذا الإسناد أيضا ضعيف، لانقطاعه: بين محمد بن كعب القرظي، وبين عبد الله بن شداد؛ فإنه لم يسمع منه، فهو مرسل؛ بل أرسل عن كثير من الرواة في الأسانيد.
* وروى عنه: الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج4 ص1860)؛ حديثا واحدا؛ في كتاب: «التفسير» لسورة: «المنافقين»؛ عن زيد بن أرقم t.([254])
قال أبو نصر الكلاباذي / في «رجال صحيح البخاري» (ج2 ص675)؛ عن كعب القرظي: (سمع: زيد بن أرقم، روى عنه: الحكم بن عتيبة في تفسير: «سورة المنافقين»).
* فلم يرو عنه: الحافظ البخاري؛ إلا ما سمع فقط.
قلت: ولم يرو الحافظ البخاري، عن محمد بن كعب القرظي، من رواية: عبد الله بن شداد بن الهاد، مما يدل أنه: يرسل عنه. ([255])
وكذا: روى له الحافظ مسلم؛ حديثا، واحدا، عن أبي صرمة، مالك بن قيس t.
قال الحافظ ابن منجويه / في «رجال صحيح مسلم» (ج2 ص204): (روى عن: أبي صرمة في: «الرحمة» -يعني: في صحيح مسلم-، روى عنه إبراهيم بن عبيد بن رفاعة). اهـ
* لم يرو عنه: الحافظ مسلم؛ إلا ما سمع فقط.
قلت: ولم يرو الحافظ مسلم، عن محمد بن كعب القرظي، من رواية: عبد الله بن شداد بن الهاد، مما يدل أنه: يرسل عنه. ([256])
* فلم يسمع: محمد بن كعب القرظي، من عبد الله بن شداد، ولا يعرف له سماع منه.
قلت: فرواية، محمد بن كعب القرظي، بالعنعنة: عن عبد الله بن شداد، تعتبر: مرسلة.
* فروى محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t قال: (لقاني رسول الله r: هؤلاء الكلمات، فذكره). ([257])
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج7 ص129)؛ في كتاب: «النعوت» (7626).
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص234)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10390) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10391) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10392) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: والإرسال، ظاهر، ولم يصرح بالتحديث في جميع الطرق. ([258])
* والظاهر في ذلك كله: الإرسال، نعم؛ في روايته عن عبد الله بن شداد بن الهاد.
وذلك؛ فإن حديثنا هذا، لم يصرح بالسماع، مما يتبين بأنه: مرسل، فلا يحتج به.
قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج5 ص66)؛ عن محمد القرظي: (وهو يرسل كثيرا، ويروي عمن لم يلقهم.
فروى عن: أبي ذر، وأبي الدرداء، وعلي، والعباس، وابن مسعود، وسلمان، وعمرو بن العاص.
ويروي عن: رجل، عن أبي هريرة). اهـ
قلت: فمحمد بن كعب القرظي، لم يسمع من عبد الله بن شداد بن الهاد، شيئا.
* وعبد الله بن شداد بن الهاد، لم يسمع من النبي r شيئا، وهو من كبار التابعين، ثقة، وقد ولد على عهد النبي r، وكان صغيرا، وأحيانا يروي عن الصحابة، وأحيانا يروي عن كبار التابعين، وهذا يدل أنه يرسل عن النبي r، وبينه واسطة. ([259])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستيعاب» (ج3 ص380): (ولد على عهد رسول الله r، وكان من أهل العلم).
وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (ص514): (عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، أبو الوليد، المدني، ولد على عهد النبي r، وذكر العجلي: من كبار التابعين الثقات، وكان معدودا في الفقهاء).
وقال عبد الله بن أحمد في «العلل» (ج2 ص533): (قال: أبي -يعني: الإمام أحمد-، عبد الله بن شداد بن الهاد، لم يسمع من النبي r، شيئا).
وقال أبو الحسن الميموني في «العلل» (ج6 ص757)؛ سئل: أحمد بن حنبل: (أسمع: عبد الله بن شداد، من النبي r، شيئا؟، قال: لا).
وذكره الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج6 ص757)؛ وأقره.
وقال أبو الحسن الميموني في «العلل» (ج3 ص60)؛ سئل: أحمد بن حنبل: (أسمع عبد الله بن شداد، من النبي r، شيئا؟، قال: لا).
وذكره الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج3 ص60)؛ وأقره.
وذكره الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» (ج15 ص23)؛ وأقره.
وقال الحافظ العلائي في «جامع التحصيل» (ص212): (عبد الله بن شداد بن الهاد، تابعي؛ قال أحمد: لم يسمع من النبي r، شيئا).
وقال الحافظ أبو محمد المقدسي في «الكمال في أسماء الرجال» (ج6 ص188)؛ عن عبد الله بن شداد: (وروى عن النبي r: مرسلا).
وقال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (ج3 ص60)؛ عن عبد الله بن شداد: (وقد أرسل شيئا).
قلت: وعبد الله بن شداد بن الهاد، هذا معدود من كبار التابعين، وهذه الطبقة: لم يسمعوا من النبي r، شيئا، فأحاديثهم: مرسلة.
قال الحافظ العجلي في «معرفة الثقات» (ج2 ص37): (عبد الله بن شداد بن الهاد: هو من كبار التابعين، وثقاتهم).
وقال الحافظ الخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص148): (عبد الله بن شداد بن الهاد: هو من كبار التابعين، وثقاتهم).
وقال الحافظ الذهبي في «الكاشف» (ج1 ص561): (عبد الله بن شداد بن الهاد: ثقة).
وقال الحافظ أبو محمد المقدسي في «الكمال» (ج2 ص381): (ومن التابعين: عبد الله بن شداد بن الهاد). اهـ
قلت: ومما يدل أن عبد الله بن شداد، يروي عن النبي r؛ بواسطة، وممكن أن تكون من التابعين.
* فروى محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t قال: (لقاني رسول الله r: هؤلاء الكلمات، فذكره). ([260])
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص234)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10390) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السننالكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10391) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج9 ص235)؛ في كتاب: «عمل اليوم والليلة» (10392) من طريق محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: والإرسال، ظاهر، بينه، وبين النبي r.
* وحديث الباب: ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج5 ص254)، والهندي في «كنز العمال» (ج14 ص211)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج5 ص53).
* ومن هنا تعرف خطأ شيخ الإسلام ابن تيمية / في «مختصر الفتاوى المصرية» (ص643)؛ حيث ذكر أن أحاديث الامتحان، رويت بأحاديث حسان، ولم يصب، لضعفها.
7) وعن مسلم بن يسار قال: (ذكر لي: أنه يبعث يوم القيامة، عبد كان في الدنيا، أعمى، أصم، أبكم، ولد كذلك، لم يسمع شيئا قط، ولم يبصر شيئا قط، ولم يتكلم بشيء قط، فيقول الله: ما عملت فيما وليت، وفيما أمرت به؟ فيقول: أي رب، والله ما جعلت لي بصرا، أبصر به الناس؛ فأقتدي بهم، وما جعلت لي سمعا، فأسمع به، ما أمرت به، ونهيت عنه، وما جعلت لي لسانا، فأتكلم به، بخير، أو شر، وما كنت، إلا كالخشبة، فيقول الله عز وجل: أتطيعني الآن فيما آمرك به؟، فيقول: نعم، فيقول: قع في النار، فيأبى: فيدفع فيها).
أثر ضعيف مرسل
أخرجه الحسين المروزي في «زوائد الزهد» (ص465 و466) من طريق الثقفي قال: إسحاق بن سويد عن مسلم بن يسار به.
قلت: وهذا سنده ضعيف مرسل، لا يصح.
وذكره السيوطي في «البدور السافرة» (ص305).
قلت: فهذه الأحاديث، مع ضعفها، هي مخالفة، لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وقواعد الشريعة، فإن الآخرة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، ودار التكليف، هي دار الدنيا، فلو كانت الآخرة، دار تكليف؛ لكان ثم دار جزاء غيرها. ([261])
* والجدير ذكره، أن أولئك العلماء، الذين ذكروا هذه الأحاديث الضعيفة، وسطروها في كتبهم، قديما وحديثا، تركوا كل النصوص التي تثبت إقامة الحجة على أهل الفترة، فهلا تدبروا القرآن، وهلا وقفوا على آياته.
* فكيف نقول أن الله تعالى قد أنذر الجميع، ثم نقول: أن هناك من لم ينذر من أهل الفترة، ويمتحنون يوم القيامة بأحاديث ضعيفة.
* وكيف يبين ربنا تعالى، أنه أرسل رسوله r، لينذر أمته إلى قيام الساعة، ونقول: أنه هناك، فترة فيها قوم، هم: من أهل الفترة لم تصل إليهم الدعوة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
ثم كيف يكلفون، دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين. ([262])
قال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها[ [البقرة: 286].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها[ [الطلاق: 7].
وقال تعالى: ]لا تكلف نفس إلا وسعها[ [البقرة: 333].
قلت: وكيف يمتحنون في دار الجزاء، وهي ليست دار عمل. ([263])
وهذا يدل على ضعف أحاديث الامتحان؛ لأهل الفترة في الآخرة.
لذلك: يجب إنكارها، وعدم التسليم لها، فلا يعمل بها في الدين.
قال الإمام الحليمي / في «المنهاج» (ج1 ص159): (مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة: ليست بدار الامتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة). اهـ
* إذا، فالذين خالفوا، هذا القول، وقالوا: بامتحان أهل الفترة يوم القيامة، قد اعتمدوا على الأحاديث الضعيفة، وهي لا تقوم بها حجة، ومن ثم فلا يصح العمل بها في هذا المقام العظيم من عالم الغيب في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر في / «الاستذكار» (ج8 ص404): (وهذه الأحاديث: كلها أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة، وأهل العلم ينكرون: أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «التذكرة» (ص1041): (ويضعفه من جهة المعنى: أن الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي: دار جزاء، وثواب، وعقاب). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص180): (وجملة القول في هذه الأحاديث: أنها من أحاديث الشيوخ، وفيها علل، وليست من أحاديث: الأئمة الفقهاء؛ وهو أصل عظيم، والقطع فيه: بمثل هذه الأحاديث: ضعف في العلم، والنظر، مع أنه عارضها، ما هو أقوى منها). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (هي كلها أسانيد، ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404): (وأهل العلم: ينكرون أحاديث هذا الباب؛ لأن الآخرة دار جزاء، وليست دار عمل، ولا ابتلاء.
* وكيف يكلفون دخول النار، وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها). اهـ
قلت: فكيف يؤمر العبد أن يقتحم النار، وهي أشد العذاب، وكيف يمتحن في ذلك، ولم يثبت أي: حديث في الامتحان في الآخرة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج18 ص404): (وإنما أدخل العلماء في هذا الباب النظر؛ لأنه لم يصح عندهم فيه الأثر). اهـ
فامتحانهم: يوم القيامة، أن يدخلوا في النار، هذا امتحان صعب جدا على العبد، لا يخاطب العقل، لأن العقل يدرك أن النار فيها خطورة، وطبيعي في العبد، أنه يخاف من النار، ويخاف أن يدخلها([264])، بعكس ما يؤمر العبد في الدنيا من الالتزام بتعاليم الدين الحنيفية السمحة.
* فلا يوجد امتحان يوم القيامة، والذي ثبت في أصول القرآن، وأصول السنة، وأصول إجماع الصحابة، أن يوم القيامة، هو: يوم حساب، وجزاء فقط، دون امتحان، وابتلاء.
قلت: وعلى هذا فإن الأمم جميعا قد جاءها النذير، بنص القرآن، ونص السنة، وبإجماع الصحابة، إلى قيام الساعة، فلا حاجة: لهذا الامتحان، لأهل الفترة، لأن جاءهم: النذير في الدنيا، بلا استثناء.
* والذي يقرأ القرآن، ويتأمل لآياته، يجد أن القرآن كثيرا، ما يبين إقامة الأنبياء الحجة على أقوامهم، وهم: النذر في أقوامهم.
قال تعالى: ]لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأعراف: 59].
وقال تعالى: ]وإلى عاد أخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون[ [الأعراف: 65].
وقال تعالى: ]وإلى ثمود أخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم[ [الأعراف: 73].
وقال تعالى: ]وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين[ [الأعراف: 85].
وقال تعالى: ]وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين[ [الأعراف: 20].
وقال تعالى: ]ولقد بعثنا في كل أمة رسولا[ [النحل: 36].
وقال تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر: 24].
وقال تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس: 47].
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7].
وقال تعالى: ]فكيف كان عذابي ونذر[ [القمر: 16]؛ أي: إنذاري. ([265])
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف[ [الأحقاف: 21].
وقال تعالى: ]فأنذرتكم نارا تلظى[ [الليل: 14].
وقال تعالى: ]إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا[ [النبأ: 40].
وقال تعالى: ]ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر[ [القمر: 36].
وقال تعالى: ]قل إنما أنذركم بالوحي[ [الأنبياء: 45].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها[ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ]كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين[ [الأعراف: 2].
وقال تعالى: ]فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا[ [مريم: 97].
وقال تعالى: ]ولقد جاء آل فرعون النذر[ [القمر: 41]؛ يعني: الرسل عليهم السلام.
وقال تعالى: ]كذبت ثمود بالنذر[ [القمر: 23].
وقال تعالى: ]وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه[ [الشورى: 7].
وقال تعالى: ]وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا[ [الكهف: 4].
وقال تعالى: ]لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين[ [يس: 70].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا[ [الأحقاف: 12].
وقال تعالى: ]أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم[ [الأعراف: 63].
وقال تعالى: ]يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا[ [الأنعام: 130].
وقال تعالى: ]وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم[ [الأنعام: 51].
وقال تعالى: ]أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس[ [يونس: 2].
وقال تعالى: ]وأنذر عشيرتك الأقربين[ [الشعراء: 214].
وقال تعالى: ]أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم[ [نوح: 1].
وقال تعالى: ]أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون[ [النحل: 2].
وقال تعالى: ]والذين كفروا عما أنذروا معرضون[ [الأحقاف: 3].
وقال تعالى: ]هذا بلاغ للناس ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
وقال تعالى: ]أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين[ [الأعراف: 184].
وقال تعالى: ]إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 188].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين[ [هود: 25].
وقال تعالى: ]واخفض جناحك للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين[ [الحجر: 89].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين[ [الحج: 49].
وقال تعالى: ]قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين[ [العنكبوت: 50].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا في قرية من نذير[ [سبأ: 34].
وقال تعالى: ]إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد[ [سبأ: 46].
وقال تعالى: ]وجاءكم النذير[ [فاطر: 37].
وقال تعالى: ]إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين[ [ص: 70].
وقال تعالى: ]إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا[ [البقرة: 119].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1].
وقال تعالى: ]ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا[ [الأحزاب: 45].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ يعني: النبي r أنذر، ما أنذر الأولون من الرسل عليهم السلام.
فعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (إنما بعث محمد، بما بعث به الرسل قبله). ([266])
وعن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]هذا نذير من النذر الأولى[ [النجم: 56]؛ قال: (أنذر محمد، كما أنذرت الرسل من قبله). ([267])
قلت: فالنبي r: نذير لقومه، كما كانت النذر الذين قبله؛ نذرا لقومهم.
وقال تعالى: ]إنما أنت منذر من يخشاها[ [النازعات: 45].
وقال تعالى: ]وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون[ [الشعراء: 208].
وقال تعالى: ]ولقد أرسلنا فيهم منذرين[ [الصافات: 72].
وقال تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33].
قلت: النذر؛ هم: رسل الله تعالى، إلى أقوامهم، على مر العصور، وكر الدهور.
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص182): (قوله تعالى: ]كذبت قوم لوط بالنذر[ [القمر: 33]؛ يعني: بالرسل).
وذكر المفسر ابن عطية / في «المحرر الوجيز» (ج8 ص151)؛ أن النذر: جمع نذير، وهو الرسول، أو النبي.
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[ [الأحقاف: 21].
قلت: قد تتابعت الرسل عليهم السلام، إلى أقوامهم تترى، من قبل هود عليه السلام، ومن بعد هود عليه السلام، من الرسل عليهم السلام الكثيرة إلى أقوامهم، يعني: من بينهم في بلدانهم، فلم يبعث الله تعالى: رسولا، من قبل هود عليه السلام، ولا من بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له: ]ألا تعبدوا إلا الله[ [الأحقاف: 21]. ([268])
عن الإمام مجاهد بن جبر / قال: (في قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه[ [الأحقاف: 21]؛ جاءت قبلهم الرسل النذر: بتوحيد الله، وأتى الرسل بعدهم: بتوحيد الله). ([269])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص23): (قوله تعالى: ]وقد خلت[ [الأحقاف: 21] ؛ يعني: مضت: ]النذر[؛ يعني: الرسل: ]من بين يديه ومن خلفه[؛ يقول تعالى: قد مضت الرسل: إلى قومهم: من قبل هود، كان: منهم: نوح، وإدريس جد أبي نوح، ثم قال: ومن بعد هود، يعني: قد مضت الرسل إلى قومهم: ]ألا تعبدوا إلا الله[؛ لم يبعث الله تعالى: رسولا من قبل هود، ولا بعده؛ إلا أمر بعبادة الله تعالى: ]إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[؛ في الدنيا، لشدته).اهـ
ففيما تقدم: تبين لنا مدى نكارة الأحاديث التي بينت عن امتحان أهل الفترة في الآخرة.
* والفترة: هي ما كانت، بين رسولين، لم يرسل إليه الأول، ولم يدرك الثاني.
* فالفترة عامة، ولم تخصص بقوم، من الأقوام، ولا بزمن من الأزمان، فإنما هناك فترات، فالفترة: هي انقطاع ما بين رسولين، كالفترة التي حصلت: بين نوح عليه السلام، وإدريس عليه السلام، والفترة التي حصلت: بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام. ([270])
قال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة:19].
* فالفترة في اللغة: الإنكسار، والضعف.
قال ابن فارس اللغوي في «مقاييس اللغة» (ج4 ص470): (الفاء، والتاء، والراء: أصل صحيح، يدل على ضعف في الشيء.
* من ذلك: فتر الشيء، يفتر، فتورا). اهـ
والطرف الفاتر: الذي ليس بحديد شزر، وفتر فلان؛ يفتر فتورا؛ إذا سكن عن حدته، ولان بعد شدته. ([271])
* والفترة: هي الزمن الذي يكون، بين رسل الله تعالى.
ويدخل: هنا الذي مات قبل بعثة الرسول r. ([272])
* فالفترة: ما بين كل رسولين، من رسل الله تعالى، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة. ([273])
قال الحافظ ابن حجر / في «هدي الساري» (ص165): (وزمان الفترة: هو ما بين الرسولين، من المدة التي لا وحي فيها). اهـ
وقال الآلوسي المفسر / في «روح المعاني» (ج6 ص103): (وهي عند جميع المفسرين: انقطاع ما بين الرسولين). اهـ
* وأهل الفترة: هم الأمم الكائنة، بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم: «الأول»، ولا أدركوا: «الثاني»، كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى عليه السلام، ولا لحقوا النبي r. ([274])
قال الحافظ السيوطي / في «مسالك الحنفا» (ج2 ص412): (والفترة: بهذا التفسير، تشمل ما بين كل رسولين، ولكن الفقهاء: إذا تكلموا في الفترة؛ فإنما يعنون التي بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص35)؛ في تعريف الفترة: (هي ما بين: كل نبيين؛ كانقطاع الرسالة، بين عيسى عليه السلام، ومحمد عليه السلام). اهـ
* ثم صار يطلق عند عدد من العلماء المتأخرين، على كل من لم تبلغهم الدعوة، بما فيهم: أطفال المشركين. ([275])
قلت: وهذا القول ليس بصحيح، وليس عليه أي دليل في الكتاب، والسنة، لأن أهل الفترة، يطلق عليهم، الذين عاشوا بين رسولين، لم يرسل إليهم: «الرسول الأول»، ولم يدركوا: «الرسول الثاني»، فهم: بين فترة من الرسل عليهم السلام.
* فهذا الذي ثبت في الكتاب، والسنة، واللغة في تعريف أهل الفترة، وهؤلاء في الأمم السالفة، وفي أمة محمد r، قد بلغتهم الدعوة، فردا، فردا، في كل زمان، وفي كل مكان إلى قيام الساعة، وقد تكفل الله تعالى ببلوغ دعوته لكل أحد على وجه الأرض.
* وهذا يدل على أن من قال: أن أهل الفترة، يطلق على كل من لم تبلغهم الدعوة، لم يصب، لأن ذلك خلاف الأدلة الصحيحة.
لذلك: لم يثبت دليل على عذر: «أهل الفترة»، على أنهم: لم يأتهم رسول، بل جاءهم رسول من قبل زمانهم، بالإضافة: إلى وجود بقايا من أهل العلم في زمن فترتهم: يبينون لهم، وينصحوهم، ويرشدوهم إلى الدين الصحيح في زمانهم، فمن أشرك منهم، ومات على الشرك، دخل النار، لأن الحجة قامت عليه، فلا عذر له في غفلته، وجهله، لأن الرسول الذي أرسل إلى قوم قبله، يكفي في بلوغ الدعوة إليه، مع بقايا من أهل العلم. ([276])
قال الحافظ السيوطي / في «مسالك الحنفا» (ج2 ص413): (كما كان على ذلك -يعني: على الحنيفية([277])- من العرب، كـ«زيد بن عمرو بن نفيل»، و«ورقة بن نوفل»، وغيرهما). اهـ
* وقد بين الله تعالى، أن: «أهل الفترة» قد قامت عليهم الحجة في أثناء الفترة بين رسولين، إما بالرسول السابق، أو ببقايا من أهل العلم، يبلغونهم رسالة الرسول الذي سبقهم، فبلغتهم الدعوة، والحجة من الرسول الذي سبقهم، ومن بقي من أهل العلم في زمن الفترة، بين الرسولين.
قلت: فمن وحد ولم يشرك في أثناء الفترة، دخل الجنة([278])، ومن غير وأشرك، دخل النار([279])، لأنه بلغته الدعوة على كل حال من الأحوال.
قلت: فمن مات في أي فترة بين الرسل عليهم السلام، وقد غير التوحيد، وأشرك بالله تعالى غيره، فقد بلغته دعوة الرسل عليهم السلام، وقامت عليه الحجة، لأي رسول في زمن من الأزمان.
* فأهل الفترة، قائمة عليهم الحجة، إما من الرسل عليهم السلام أنفسهم، وإما من أهل العلم الذين وجدوا في الفترات، لأن الله تعالى جعلهم حجة على الخلق في عدم وجود الرسول، لكي لا تفتر الدعوة، والحجة على الخلق في أثناء الفترة بين الرسولين، وهذا ظاهر في النصوص.
قلت: وهذا يدل على أنه لا يوجد ما يسمى: «بأهل الفترة»، لم تبلغهم الدعوة على وجه الأرض، ولم تقم عليهم الحجة في حياتهم إلى قيام الساعة، وقد تكفل الله تعالى بإقامة الحجة، ووصول دعوته إلى كل فرد على وجه الأرض، مهما كان مكانه في العالم.
* إن الله تعالى قطع الحجة على الخلق، بإرسال الرسل عليهم السلام؛ إليهم، مبشرين، ومنذرين، حتى لا يعتذروا يوم القيامة، بأنه لم يأتهم رسول، ولا نذير، ينذرهم من هذا اليوم، فأهل الفترة: من الذين أنذروا، فالحجة قائمة عليهم على العموم.
قال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء: 165].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج9 ص408): (يقول الله: أرسلت رسلي إلى عبادي؛ مبشرين، ومنذرين، لئلا يحتج من كفر بي، وعبد الأنداد من دوني، أو ضل عن سبيلي، بأن يقول: إن أردت عقابه: ]لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى[ [طه: 134]؛ فقطع حجة كل مبطل ألحد في توحيده، وخالف أمره، بجميع معاني الحجج القاطعة عذره، إعذارا منه بذلك إليهم، لتكون لله تعالى الحجة البالغة عليهم، وعلى جميع خلقه). اهـ
وقال تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ [الملك: 8 و9].
* وكلمة: «كلما»، التي في قوله تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج[ [الملك: 8 و9]؛ تفيد العموم.
قال أبو حيان المفسر / في «البحر المحيط» (ج8 ص296): (إن لفظة: «كلما»، تدل على عموم الأزمان والإلقاء، فتعم الملقون الذين، جاءتهم الرسل عليهم السلام). اهـ
قلت: وأهل الفترة جاءتهم الرسل عليهم السلام في الفترات من الأزمان.
* فمن يموت كافرا، من: «أهل الفترة»، فهو في النار، لأنه أنذر، وقامت عليه الحجة، ومات على الشرك. ([280])
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج23 ص510): (وقوله تعالى: ]كلما ألقي فيها فوج سألهم[ [الملك: 8]؛ يقول جل ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة: ]سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير[ [الملك: 8]؛ يقول: سأل الفوج خزنة جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذير ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟؛ فأجابهم: المساكين فقالوا: ]بلى قد جاءنا نذير[ [الملك: 9]؛ ينذرنا هذا، فكذبناه وقلنا له: ]ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير[ [الملك: 9]؛ يقول: في ذهاب عن الحق بعيد.
القول في تأويل؛ قوله تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير[ [الملك: 11].
يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخزنة: ]لو كنا[، في الدنيا: ]نسمع أو نعقل[؛ من النذر ما جاءونا به من النصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه: ]ما كنا[؛ اليوم: ]في أصحاب السعير[ [الملك: 10]؛ يعني: أهل النار.
* وقوله تعالى: ]فاعترفوا بذنبهم[ [الملك: 11]؛ يقول: فأقروا بذنبهم، ووحد الذنب، وقد أضيف إلى الجمع لأن فيه معنى فعل، فأدى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء الناس، وأعطية الناس، ]فسحقا لأصحاب السعير[ [الملك: 11]؛ يقول: فبعدا لأهل النار). اهـ
وقال تعالى: ]وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين[ [الزمر:71].
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة:19].
وقال تعالى: ]قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا[ [الأعراف:158].
وقال تعالى: ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1].
وقال تعالى: ]إن هو إلا ذكر للعالمين[ [سبأ:104].
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا[ [سبأ:28].
قلت: فأرسل الله تعالى محمدا r، هاديا، ومبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فجعل الله تعالى رسالته: عامة إلى الجن، والإنس، وباقية إلى يوم القيامة.
* فهذه نصوص من القرآن، تدل دلالة، واضحة على عموم رسالته r، ويدخل في هذا العموم: «أهل الفترة» ([281])، وغيرهم.
* فأخبر الله تعالى، بأنه قد أرسل إلى الناس، رسولا: يبين لهم أمور دينهم، ويحذرهم من عقابه؛ إن عصوه، وقد قامت الحجة عليهم عموما، ولم يخص سبحانه: «أهل الفترة» بشيء من العذر لا في الدنيا، ولا في الآخرة، ما دام هم: أشركوا بالله تعالى.
قلت: والقرآن، والسنة، والأثر، دلوا على أنه: لم تخل الأرض في كل زمان، وكل قرن، من عهد نوح عليه السلام، أو آدم عليه السلام، إلى بعثة النبي r، ثم إلى أن تقوم الساعة، من ناس على فطرة الإسلام، يعبدون الله تعالى، ويوحدونه، ولا يشرك به شيئا، ويصلون، ويصومون له، ويقومون بعبادته، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم، لأهلك الله تعالى الأرض، ومن عليها، فافهم لهذا ترشد. ([282])
قال تعالى: ]وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما[ [النساء:18].
قلت: فأهل الفترة وغيرهم، إذا ماتوا على الشرك، فهم: كفار في النار.
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء:48].
قلت: فأخبر تعالى أن الشرك: غير مغفور، وأما غيره، فهو: تحت المشيئة، وأهل الفترة: إذا أشركوا، فهم: مشركون، فلا يغفر لهم، فهم في النار.
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[ [البقرة:161].
قلت: فمن مات على الكفر، فهو: مبعد عن رحمة الله تعالى، سواء من: «أهل الفترة»، أو من غيرهم.
* فأهل الفترة، لا يعذرون بجهلهم إذا ماتوا على الشرك، لأنه أتاهم: نذير، ورسول من الله تعالى، في فترة الرسل عليهم السلام.
فعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها، فأذن لي). ([283])
قلت: وهذا الدليل، يدل على أن عدم الإذن للنبي r، في الاستغفار، لأمه، فهو يدل على أنها في النار، وهي من أهل الفترة.
* فدل ذلك على أن من مات من: «أهل الفترة» على الشرك، فهو في النار، لأن الحجة قامت عليه، برسول من قبله، وببقايا من أهل العلم.
وعن أنس بن مالك t، أن رجلا، قال: يا رسول الله، أين أبي؟، قال: في النار، فلما قفى، دعاه، فقال r: (إن أبي، وأباك في النار). ([284])
قلت: فهذا الحديث، يدل أن الكافر في النار، حتى لو كان من: «أهل الفترة»، لأن دعوة الرسل عليهم السلام من قبله، وصلت إليه، وقامت عليه الحجة.
* فمن مات على الكفر: من «أهل الفترة»، فهو في النار، ولا تناله شفاعة، ولا تنفعه قرابة المقربين.
قال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج3 ص79): (فيه -يعني: الحديث- أن من مات على الكفر، فهو من أهل النار، ولا تنفعه قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في «الفترة» على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة([285])؛ فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ڤ، أنها سألت النبي r عن ابن جدعان، قالت: قلت يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجأهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟، قال r: (لا، إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي: خطيئتي يوم الدين). ([286])
* وعمرو بن لحي: فهو أول من سن عبادة الأصنام، وقد مات في الفترة، قال النبي r: (رأيت عمرو بن لحي، يجر قصبه في النار). ([287])
قلت: فهذا الحديث يدل أنه غير، وبدل، وأشرك بالله تعالى، بعد أن بلغته الدعوة في زمن الفترة بالرسول الذي قبله، وإن لم يرسل إليه رسولا، يبلغه بشركه، بعينه. ([288])
* فهذه الأحاديث تدل على أن: «أهل الفترة» إذا أشركوا في كل زمان، لا يعذرون بجهلهم، وإن لم يأتهم نذير، ورسول، لأن الحجة قامت عليهم، بالرسول الذي قبلهم، وببقايا من أهل العلم، فافهم لهذا ترشد. ([289])
قال تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد:7].
والمراد بالهادي، هنا: النبي، والمعنى: ولكل أمة: نبي، كقوله تعالى: ]ولكل أمة رسول[ [يونس:47]، وقوله تعالى: ]وإن من أمة إلا خلا فيها نذير[ [فاطر:24].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح» (ج1 ص210): (وقوله تعالى: ]إنما أنت منذر ولكل قوم هاد[ [الرعد: 7]؛ في أصح الأقوال: أي ولكل قوم داع، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، وعبادته؛ كما أنت: هاد؛ أي: داع لمن أرسلت إليه). اهـ
قلت: وقد ثبت بالقطع، أنه لم يأت نبي بعد عيسى عليه السلام، غير نبينا: محمد r، بين الفترة، بينهما.
فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: (أنا أولى الناس: بابن مريم، والأنبياء: أولاد علات([290])، ليس بيني، وبينه نبي). وفي رواية: (أنا أولى الناس: بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء: إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم: واحد). وفي رواية: (وليس بيني، وبين عيسى: نبي). ([291])
قلت: وهذا الدليل يقطع، بأنه ليس بين: عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام: رسول، ولا نبي، وكانت الفترة، بينهما، يعني: وجود «أهل الفترة» في هذا الزمان، وقد قامت الحجة عليهم في هذه الفترة؛ بملة إبراهيم عليه السلام، وبملة عيسى عليه السلام، ثم بوجود بقايا من أهل العلم: فيما بينهم.
* فلا يفلت أحد من إقامة الحجة عليه، وبلوغ الرسالة إليه، من رسالات الأنبياء والرسل عليهم السلام على وجه الأرض إلى يوم القيامة، من عهد آدم عليه السلام، إلى قيام الساعة: ]فلله الحجة البالغة[ [الأنعام: 149].
* وقد وردت النصوص الصحيحة على تعذيب عدد من: «أهل الفترة»، الذين بين: عيسى عليه السلام، وبين رسول الله r، بسبب كفرهم؛ كـ«عمرو بن لحي»، و«صاحب المحجن»، وغيرهما، كما سبق.
* وإذا صح بتعذيب أفراد من: «أهل الفترة»، وجب أن ينسحب الحكم على جميعهم، فعلى هذا وجب الحكم: بالكفر على: «أهل الفترة» ما دام أشركوا، وكفروا بالله تعالى، والكافر: حكمه الخلود في النار.
وهذا القول: ذهب إليه البقاعي، والنووي، والقرافي، وغيرهم. ([292])
قال تعالى: ]إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48].
وقال تعالى: ]إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين[ [البقرة: 161].
قلت: ولما صحت أحاديث في عذاب: «أهل الفترة» الذين أشركوا، وجب المصير إليها، لأنها تحقق حكم الله تعالى فيهم.
قال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل[ [المائدة: 19].
* والله تعالى، عنده عظيم الحجة على الخلق، وبقطع معاذيرهم: ]ولا يظلم ربك أحدا[ [الكهف: 49].
قلت: فالله تعالى ما عذب: «أهل الفترة»، الذين، وقعوا في الشرك، وهم: غافلون، إلا بعد أن بلغتهم الدعوة، ووصلت إليهم الرسالة، وقامت عليهم الحجة، فإنه سبحانه يعذبهم على شيء يعملونه، ويدركوه، وسمعوه، ومن هنا كان اعتذارهم ليس بشيء.
* فالله تعالى ساوى بهذه الحجة، بين الخلق جميعا، وأعطى لكل: فرصته؛ للإيمان بالله، ودخول الجنة.
* وبعد الحجة: تنقطع المعاذير، وتبطل حجج الخلق، وتسقط الدعاوى، وتلزمهم: حجة الله البالغة. ([293])
قال تعالى: ]حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين[ [الزمر: 71].
قلت: فهم في النار؛ معذبون: لا ينفعهم وجودهم في: «زمن الفترة»، ولا يغني عنهم شيئا؛ لأنهم: أشركوا بالله، والله تعالى: توعد المشرك، أن لا يغفر له أبدا، وأن يحبط عمله، وأن يدخله جهنم.
قال الإمام القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص297): (فائدة: حكاية الخلاف في أنه r؛ كان متعبدا قبل نبوته: بشرع من قبله، يجب أن يكون مخصوصا بالفروع، دون الأصول.
* فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا.
* ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذبون على كفرهم، ولولا التكليف لما عذبوا.
* فهو r متعبد بشرع من قبله؛ بفتح: «الباء»؛ بمعنى : مكلف، هذا لا مرية فيه). اهـ
* ومن لم يشركوا، ولم يبدلوا: دينهم الحق، وبقوا بإيمانهم بالله تعالى، «زمن الفترة»، فهم: ناجون من العذاب يوم القيامة، ويدخلون الجنة مع الداخلين، لأن الدعوة بلغتهم، وحجة الرسالة: عمتهم، ولم يكفروا بالله تعالى، بمثل: «زيد بن عمرو بن نفيل»، و«ورقة بن نوفل»، وغيرهما، و«بقايا من أهل الكتاب»، و«بقايا من أهل العلم»، لما ورد فيهم: أنهم من أهل الجنة.
* بجامع أن هؤلاء، هم: من أهل الفترة، بلغتهم دعوة الرسل الذين من قبلهم، ولم يدركوا النبي r بعد بعثته.
قلت: فإذا ثبت الحكم لهم بالجنة، فيلتحق بهم كل من مات على الإسلام في: «زمن الفترة»؛ يعني: ينسحب الحكم على جميع: «أهل الفترة» المؤمنين.
قلت: وهذا القول، هو الموافق، للقرآن، وقواعد الشرع، فهو تفصيل لما أخبر به القرآن، وبينه الرسول r، وأجمع عليه الصحابة، ومن تابعهم بإحسان.
* لأن الله تعالى أقام الحجة على: «أهل الفترة» في الدنيا، فلا حاجة أن يقيم الله تعالى الحجة عليهم في الآخرة. ([294])
* فإن ذلك اليوم هو أحق المواطن التي تسمع فيه الدعاوى، ويقضى فيه بين العباد، إلى جنة، أو إلى نار، فهذا هو الجزاء، الذي دون التكليف.
قلت: وهذا القول: مطابق لتكليفه تعالى عباده في الدنيا، وإنما امتحنهم، وابتلاهم فيها، ليتبين: من يؤثر رضاه ومحبته، ممن يكفر به ويؤثر سخطه.
* وقد علم الله تعالى، من يفعل هذا، ومن يفعل هذا، الذي يترتب عليهما: الثواب، أو العقاب، لقيام الحجة على الذي كفر.
قلت: هذا القول، هو الذي تندفع به الخصومات، وتجتمع به الأدلة، وهو الذي يؤيده: الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، ويؤيده العقل السليم.
* وهذا القول، هو القول: الوسط.
قلت: والذي يؤاخذ في الفترة، هو الذي ثبتت أهليته، أما الذي لم تثبت أهليته، فهذا لا يؤاخذ، مثل: «الصبي»، و«المجنون»، و«المعتوه»، و«كبير السن» الذي ذهب عقله، وما شابه ذلك.
* ولقد سميت أهلية الوجوب؛ بهذه التسمية: لأنها ينظر للإنسان من خلالها، من جهة كونه: صالحا، لأداء الواجب عليه.
* وأهلية الأداء: معناها، صلاحية الإنسان؛ لصدور الفعل عنه على وجه معتبر شرعا.
قلت: لقد اعتبر الفعل، مناطا: لأهلية الأداء، لأن التكليف يقتضي استجابة المكلف لما كلف به.
* وهذا لا يتحقق إلا بالقصد إلى امتثال مقتضاه، وهذا القصد لا يتأتى إلا ممن يعقل التكليف، ويدرك مراد الخطاب.
* وهذا القائم بالإنسان إن اكتمل له العقل والقول، بأن مناط الأهلية، هو العقل الكامل، فهذا يقتضي، ألا تثبت أهلية الأداء: «لمجنون»، ولا «لصبي»، كما يقتضي عدم ثبوتها من غير الإنسان، «كالحيوان»، و«النبات»، و«الجماد». ([295])
* ثم أهلية الأداء، تتعلق بقدرتين هما:
1) قدرة فهم الخطاب، وتتحقق بالعقل.
2) وقدرة العمل بمضمونه، وتتحقق بالبدن.
قلت: فالإنسان في أول أحواله عديم القدرتين، إلا أن فيه من الاستعداد ما يدعو، لأن توجد فيه كل واحدة منها، شيئا، فشيئا: بخلق الله تعالى وقدرته، إلى أن يبلغ بكل واحد منها درجة الكمال.
* فالإنسان قبل بلوغه درجة الكمال بهما، كانت كل واحدة منهما قاصرة، كما هو حال: «الصبي المميز»، قبل بلوغه، وقد تكون إحداهما: قاصرة، بعد البلوغ، كما هو حال: «المعتوه»، إذ أنه قاصر العقل، «كالصبي»، وإن كان قوي البدن.
قلت: فإلزام الأداء، قبل كمال العقل والبدن، حرج كبير على الإنسان.
لذا أقام الشارع الحكيم: البلوغ مقام كمال العقل، لأن البلوغ في الغالب، يكتمل به العقل، فالتكليف لا يتحقق إلا بعد لزوم الأداء؛ يعني: في الأهلية للتكليف.
قلت: فالصغير في حالة كونه، هو: عديم الأهلية للأداء في الشرع، لذلك: لا يكلف بشيء، وهو فاقد العقل الذي تتوقف عليه صحة التصرفات الشرعية.
* لذا اقتضت حكمة الباري تعالى، ألا يكلف الإنسان في هذا السن، بأن يؤمر بأداء شيء بنفسه، كما لا يؤاخذ على أقواله، وأفعاله في الحياة الدنيا.
* وهذا تطبيق لمعنى القاعدة الفقهية: «عمد الصبي، أو المجنون: خطأ»، لأن انعدام العقل يؤدي إلى انعدام القصد، والإرادة: فينتفي العمد عنه. ([296])
قلت: ويماثل «الصبي» في انعدام الأهلية، في حقه: «المجنون»، وذلك لانعدام العقل عنده، فيشمل بالأحكام، التي يشمل بها: «الصبي».
* وقد ألحق الفقهاء: «المعتوه»، بـ«الصبي» في نقصان الأهلية في حقه، فهو بهذا تنطبق عليه أحكام: «الصبي» في هذه المرحلة.
قلت: والمعتوه، هو: ناقص العقل؛ يعني: نقص عقله، من غير جنون، فهو: معتوه.
* العته: وهو عبارة عن مرض يؤدي إلى اختلال في العقل، فينتج عنه: عدم إدراك الأمور، إدراكا، سليما.
* وبعبارة أخرى، أن العته: ضعف في العقل، أدى إلى ضعف في الإدراك، والفهم.
قلت: وهذا يدل أن: «المعتوه»، هو: مصاب بضعف عقلي، فكيف: يكلف ما لا يطاق في الدين، وهو غير مكلف، ولا يؤاخذ بشيء. ([297])
* لذلك لا تلزمه العبادات، من صلاة، وغيرها، وهي من حقوق الله تعالى، فقد أبدى جمهور العلماء: رأيهم المتضمن، إلى عدم وجوبها على: «المعتوه»، كما أنها لم تجب على: «الصبي المميز»، لأنه غير مكلف. ([298])
قلت: فالمعتوه: ليس من أهل التكليف، لعدم توجيه الخطاب إليه من الشارع الحكيم.
* وهذا معناه: أن لا تثبت: «للمعتوه» أهلية الوجوب، وأهلية الأداء ناقصة.
قلت: وطور الطفولة؛ يبدأ من حين ولادته، وينتهي ببلوغه سن التمييز، وفي هذا الطور لا تثبت له أهلية الوجوب، يعني: أنه لا يكون صالحا، للتكليف شرعا، فلا تجب عليه: الصلاة، والصوم، وغير ذلك من العبادات، لأنه رفع عنه القلم.
قلت: فما دام رفع عنه القلم، فهو: غير مكلف في الدنيا، ولا يؤاخذ بشيء من السيئات؛ فكيف: يكلف يوم القيامة بالإمتحان ([299])، وهو رفع عنه القلم في الدنيا، والآخرة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
* كذلك: في «طور التمييز»، لا يؤاخذ بشيء من السيئات، وهذا الطور: يبدأ ببلوغ الصغير السنة السابعة، وينتهي ببلوغه؛ وفي هذا الطور، لا تثبت له أهلية الوجوب، لأنه قاصر في عقله، فهو لا يطالب بأداء العبادات في الشرع على الوجوب، بمعنى: لو تركها لا يأثم، ولا يعاقب، لأنه يرفع عنه القلم، فكيف: نكلفه بامتحان يوم القيامة، وهو غير مكلف: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
قلت: فالطور الذي يكلف فيه الصغير، هو طور البلوغ فقط: ويبدأ، ببلوغ الإنسان عاقلا، ويستمر حتى موته.
* وفي هذا «الطور» تثبت له أهلية أداء كاملة، فيطالب بكل التكاليف الشرعية، وتصح جميع تصرفاته، وعقوده، ويؤاخذ بجناياته: بدنيا، وماليا.
* هذا: وببلوغ الإنسان هذا: «الطور»، يعد كامل الأهلية.
قلت: وقد ربط الشارع: التكليف، ببلوغ الشخص عاقلا، «فالصبي»، و«المجنون»: غير مكلفين، فلا يؤاخذ؛ أي: منهما، بترك: واجب، أو بفعل: محرم. ([300])
* ويدل على عدم تكليف: «الصبي»، و«المجنون»، وما في حكمهما، مثل: «المعتوه»، و«كبير السن» الذي خرف. ([301])
فعن علي بن أبي طالب t، عن رسول الله r قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق).
وفي رواية: (وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل). ([302])
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه»، برواية: اللؤلؤي: (4401)، و(4402)، و(4403)، وفي «سننه»، برواية: ابن داسة: (ق/270/ط)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7303)، و(7304)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص116 و118 و140 و154 و158)، وفي «فضائل الصحابة» (1232)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص83)، و(ج6 ص57)، و(ج7 ص359)، وفي «السنن الصغرى» (3240)، وفي «الخلافيات» (ج5 ص82 و83)، وفي «معرفة السنن» (ج6 ص325)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص105 و106 و192)، و(ج6 ص272)، وفي «الإحكام» (ص896)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج4 ص585)، والترمذي في «سننه» (1484)، وابن ماجه في «سننه» (2042)، وابن حبان في «صحيحه» (143)، والطيالسي في «المسند» (90)، وأبو يعلى في «المسند» (587)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص258)، و(ج2 ص59)، و(ج4 ص388)، وابن دقيق العيد في «الإمام في معرفة أحاديث الأحكام»؛ تعليقا (ج3 ص532)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج2 ص41 و229)، والخلعي في «الخلعيات» (ص88)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص457)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص321)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص74)، وفي «مشكل الآثار» (3986)، والدارقطني في «السنن» (ج3 ص388 و389)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج1 ص109)، وابن بشران في «البشرانيات» (1199)، وصالح بن أحمد في «المسائل» (ص189)، وأبو القاسم البغوي في «المسائل» (ص81)، وسعيد بن منصور في «السنن» (2080)، و(2081)، و(2082)، والحربي في «غريب الحديث» (ج3 ص1225)، والخطيب في «الكفاية» (77) من طريق أبي الضحى: مسلم بن صبيح، والقاسم بن يزيد، وإبراهيم بن يزيد التيمي، والحسن البصري، وابن عباس؛ كلهم: عن علي بن أبي طالب t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وقد حسنه الحافظ البغوي في «مصابيح السنة» (ج2 ص457).
وقال الحافظ البيهقي في «الخلافيات» (ج5 ص83): «هذا إسناد حسن».
وقال الحافظ الترمذي في «السنن» (ج3 ص252): (حديث علي: حسن غريب، من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي... والعمل على هذا الحديث، عند أهل العلم).
وقال الحافظ النووي في «الخلاصة» (679): «رواه أبو داود، والنسائي: بإسناد صحيح».
وقال الحافظ البخاري كما في «العلل الكبير» (ج2 ص593): «هو عندي حديث: حسن».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «الجامع الصحيح» (ج1 ص659).
وأورده الحافظ الهيثمي في «موارد الظمآن» (ص360).
وذكره الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج11 ص505)، وفي «فتح الباري» (ج15 ص131)، والعلامة الزيلعي في «نصب الراية» (ج4 ص163).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج2 ص12): (والتكليف يتضمن وصفين هما: البلوغ، والعقل.
* فمعنى: مكلف؛ أي: بالغ، عاقل، فغير البالغ، وغير العاقل: لا تلزمه الصلاة، بالدليل: الأثري، والنظري:
أما الأثري: فقوله r: « رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ».([303])
وأما النظر: فلأنهما، ليسا أهلا للتكليف؛ إذ إن قصدهم قاصر، مهما كان). اهـ
وعن علي بن أبي طالب t قال: (ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا، بصيغة الجزم (ج9 ص388)، وأبو داود في «سننه» (4399)، والهيثم بن كليب في «المسند» (ج3 ص418)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج1 ص448 و449)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج4 ص323)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص388 و389)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج8 ص264)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج4 ص457)، وسعيد بن منصور في «السنن» (2078)، وعبد الرزاق في «المصنف» (11427)، وضياء الدين المقدسي في «الأحاديث المختارة» (ج2 ص228) من طريق شعبة، وعبد الله بن نمير، وجرير بن عبد الحميد الرازي، وأبي معاوية، ووكيع، وابن الجعد، وجعفر بن عون الكوفي، ومعمر بن راشد؛ كلهم: عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس به؛ موقوفا: على علي بن أبي طالب t.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأشار إليه الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج3 ص72 و74).
وذكره الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص393).
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (ج9 ص393): (ورجح النسائي: «الموقوف»، ومع ذلك، فهو: مرفوع حكما).
وقال العلامة الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص6): (ولا يضره إيقاف من أوقفه، لأمرين:
الأول: أن من رفعه «ثقة»، والرفع زيادة فيه يجب قبولها.
الثاني: أن رواية: «الوقف» في حكم: «الرفع»، لقول: علي t، لعمر t: «أما علمت»، وقول عمر t: «بلى».
* فذلك: دليل على أن الحديث، معروف عندهم). اهـ
وقال الحافظ الدارقطني في «العلل» (ج3 ص192): «والموقوف: أشبه بالصواب».
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص360): (وقوله: «غير مكلف»: الصغير، والثاني: المجنون، لقول النبي r: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق»([304])). اهـ
وعن عائشة ڤ، أن رسول الله r قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق).
حديث حسن
أخرجه أبو داود في «سننه» (4398)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج5 ص265)، وفي «المجتبى» (ج6 ص156)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص658)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص100 و101)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج5 ص268)، والدارمي في «المسند» (2445)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج2 ص75)، وفي «مشكل الآثار» (ج10 ص151)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج9 ص348)، والترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص592)، وابن الجارود في «المنتقى» (ج1 ص149)، و(ج3 ص109 و110)، وأبو يعلى في «المسند» (ج7 ص366)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج4 ص245)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص355)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص84 و206)، و(ج8 ص41)، و(ج10 ص317)، وفي «الخلافيات» (ج5 ص82)، وفي «شعب الإيمان» (ج1 ص247)، وابن عبد البر في «الاستذكار» (ج25 ص31)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص59)، وابن راهويه في «المسند» (1171)، وصالح بن أحمد في «المسائل» (ص189)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج9 ص171)، والطيالسي في «المسند» (ج3 ص17)، وابن دقيق العيد في «الإمام في معرفة أحاديث الأحكام» (ج3 ص534)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص322)، وابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (946) من طريق يزيد بن هارون، وشيبان بن فروخ، وعفان بن مسلم، وحسين بن موسى الأشيب، وعبد الرحمن بن مهدي، وروح بن عبادة، ومحمد بن أبان، والطيالسي، وموسى بن إسماعيل؛ تسعتهم: عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة ڤ به.
قلت: وهذا سنده حسن.
* وهذا اللفظ: هو المحفوظ في هذا الحديث.
وقال الحافظ الترمذي في «العلل الكبير» (ج2 ص592): (سألت محمدا، عن هذا الحديث؟، فقال: أرجو أن يكون محفوظا).
وقال الحافظ الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط مسلم.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في «الإمام» (ج3 ص534): «وأما حديث عائشة ڤ، فهو أقوى إسنادا».
وقال الإمام ابن دقيق العيد في «البدر المنير» (ج3 ص227): «حديث عائشة ڤ هذا: أقوى إسنادا، من حديث علي t».([305])
وقال العلامة الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص7): «وبالجملة، فحديث علي t: هذا عندي أصح من حديث عائشة المتقدم؛ لأن طريقه فردا، وهذا له أربع طرق؛ إحداها: صحيح».
والحديث صححه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (ج2 ص5).
وقال الإمام ابن المنذر / في «الأوسط» (ج9 ص348): (وكذلك نقول: وقد ثبت مع ما ذكرناه من الإجماع، عن رسول الله r أنه قال: «رفع القلم عن ثلاثة»). اهـ
وعن إبراهيم النخعي /، أنه كان يقول: (رفع القلم عن أربعة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يكشف عنه، وعن الكبير الذي لا يعقل).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «السنن» (ج2 ص237) من طريق هشيم، أنا مغيرة، عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن خزيمة / في «مختصر المختصر» (ج2 ص197): (باب: ذكر الخبر الدال على أن الأمر الصبيان بالصلاة قبل البلوغ على غير الإيجاب). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص369): (والمجنون، والمغمى عليه، غير مخاطبين). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص272)؛ عن المجنون: (إذا رفع القلم عنه، فهو غير مخاطب: بصوم، ولا صلاة). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج6 ص273): (وأما من بلغ مجنونا، مطبقا؛ فهذا لم يكن قط: مخاطبا، ولا لزمته الأحكام، ولا الشرائع، ولم يزل مرفوعا عنه القلم). اهـ
وعن عبد الملك بن عمير، حدثني عطية القرظي t قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون: فمن أنبت الشعر([306]) قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت).
وفي رواية: (فكنت فيمن لم ينبت فعرضت على رسول الله r فخلى عني).
حديث صحيح
أخرجه أبو داود في «سننه» (4404)، والترمذي في «سننه» (1675)، والنسائي في «السنن الكبرى» (8567)، وفي «المجتبى» (ج8 ص92)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص849)، وأحمد في «المسند» (18776)، وابن حبان في «صحيحه» (4780)، و(4781)، و(4782)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص192)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج2 ص575)، والحميدي في «المسند» (888)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص58)، وفي «السنن الصغير» (ج2 ص300)، وفي «معرفة السنن» (ج8 ص264 و265)، و(ج13 ص194)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (6477)، و(6478)، و(6479)، والطيالسي في «المسند» (1380)، والدارمي في «المسند» (2507)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج4 ص450)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص123)، وعبد الرزاق في «المصنف» (ج10 ص1179)، وابن الجارود في «المنتقى» (1045)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج12 ص4196 و4197)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج17 ص429)، وفي «المعجم الأوسط» (8302)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (ج4 ص2213)، والشافعي في «السنن المأثورة» (670)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج3 ص216 و217) من طريق سفيان الثوري، وهشيم بن بشير، وحماد بن سلمة، وزائدة، وشعبة، وغيرهم؛ كلهم: عن عبد الملك بن عمير، حدثني عطية القرظي t به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ الحاكم: «حديث رواه جماعة من أئمة المسلمين عن عبد الملك بن عمير، ولم يخرجاه».
وقال الحافظ الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
والحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (ج3 ص833).
وذكره الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (ج3 ص42)، وفي «إتحاف المهرة» (13847)، وأبو القاسم ابن منده في «المستخرج من كتب الناس» (ج1 ص32).
قلت: وهذا يدل على أن النبي r، لم يؤاخذ الصغير، بشيء من الأحكام، لأنه غير مكلف في الدين. ([307])
قال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج2 ص193): (من المحال: أن يكون رسول الله r: يستحل دم من لم يبلغ: مبلغ الرجال، ويخرج عن الصبيان الذين: قد صح نهي النبي r، عن قتلهم). اهـ
قلت: وإنما لم يكلف كل من: «الصبي»، و«المجنون»، لأنهما، لا يفهمان خطاب الشارع، فلا يتأتى منهما الامتثال ([308])، وإذا لم يتأت منهما الامتثال، كان تكليفهما عبثا، والعبث محال على الله تعالى. ([309])
قال الإمام الشافعي / في «سير الواقدي» (ج4 ص261): (وحد البلوغ: في أهل الشرك، الذين يقتل بالغهم، ويترك غير بالغهم، أن ينبتوا الشعر). اهـ
* هذا: وقد ربط الشارع التكليف أيضا، ببلوغ المرء دعوة الرسول r إليه، وهو مكلف، عاقل في الدين.
فأما من بلغته الدعوة، وهو غير مكلف، وليس بعاقل فهو لا يؤاخذ في الدين، حتى ولو لم يصدق بما بلغه، لأنه رفع عنه القلم، إلى أن يبلغ، ويعقل في الدين ([310])، فبعد ذلك يخاطب بأصول وفروع الشريعة المطهرة.
قلت: فالعبادات، والعقوبات، حيث أن هذه الحقوق، لا يثبت وجوبا، إلا على من كان أهلا لأدائها، إذ المقصود من ثبوتها، هو أداؤها في حالة الأهلية الشرعية.
* ويترتب على هذا، أن الصبي غير مكلف بالإيمان على التفصيل، ولا بالعبادات التفصيلية، مع صفة الصغر، ولعدم إدراكه؛ لمعاني هذه الأحكام. ([311])
* إذ أن الغرض من تكليف الإنسان بهذه الأحكام، هو: اختبار مدى طاعته، وامتثاله، لأمر الشارع، أو مخالفته، وعصيانه له، استدلالا، بقوله تعالى: ]ليبلوكم أيكم أحسن عملا[ [هود: 7]؛ والصغير: في هذه الحالة، لم يكن أهلا لذلك. ([312])
قلت: فمن لم يكلف في الدنيا، لم يكلف في الآخرة؛ بمعنى: أنه رفع عنه القلم في الدنيا، فهو: معفو عنه في الآخرة، وهذه قاعدة.
قلت: فالمجنون، هو فاقد العقل، فلا يصلح، لقبول ما أعد، لقبوله من العقل.
* فالجنون: يؤدي إلى سقوط جميع العبادات، كالصلاة، وغيرها.
فالجنون: يؤدي إلى فقدان التمييز لدى المكلف، ولما كان التمييز أحد العناصر، التي ترتكز عليها أهلية الأداء، كان الجنون: إذن سببا، في انعدام أهلية الأداء في حق المجنون. ([313])
* لذا لا يعتد بتصرفاته لبطلانها، ولا يترتب عليها، أي: أثر من الآثار الشرعية، المترتبة: على تصرفات العاقل المميز. ([314])
فالجنون: لا يترتب عليه تكليفات، لأن مبنى هذه التكليفات، على العقل، وبما أن المجنون: فاقد العقل، فهو غير مكلف.
والقاعدة الفقهية تقول: «أن العقوبات: لا تناسب؛ إلا من قصد انتهاك المحارم»، والمجنون: لم ينتهك حرمة قصدا، حتى يلحقه العقاب.
قلت: فحالة كونه، ناقص الأهلية للأداء، فهذه الحالة: ثبتت للإنسان، وهو في سن التمييز، وقبل أن يبلغ الحلم.
* فالإنسان في هذه المرحلة، لم يكن مكتمل العقل، وإن كان مميزا، لذا تثبت له أهلية أداء ناقصة، لنقصان عقله، وعدم اكتماله.
قلت: فيترتب على هذه الأهلية الناقصة، أن لا تصح التصرفات الشرعية، ولا يؤاخذ عليها، لأنها قبل البلوغ.
* وتثبت هذه الأهلية للإنسان بعد بلوغه: عاقلا، إذ أن أهلية الأداء الكاملة، تتحقق للإنسان عند بلوغه، مكتمل العقل.
والأصل: أن أهلية الأداء توجد بوجود العقل، إلا أنها ربطت بالبلوغ، لأنه مظنة العقل، والأحكام الشرعية، تربط بعلل ظاهرة منضبطة.
* فالبالغ: سواء أكان بلوغه بالسن، أم بالعلامات، يعتبر عاقلا، فهو أهل للأداء الكامل.
قلت: وثبوت أهلية الأداء يستلزم قطعا، ثبوت أهلية الوجوب، لأن مناط أهلية الأداء، هو كمال العقل، وقوة البدن، وهما: لا يتحققان؛ إلا بتحقق الحياة للإنسان، فإذا تحققت الحياة، ثبتت أهلية الوجوب، لأن مناطها الحياة. ([315])
* والبلوغ، معناه: الإدراك، إذ يقال: بلغ الغلام، أي: أدرك، والإدراك، لا يتحقق؛ إلا بظهور علاماته.
قال تعالى: ]وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم[ [النور: 58].
قلت: والبلوغ متى ما وجد في الإنسان؛ فإن الإنسان يدخل به مرحلة توجيه الخطاب إليه، وتكليفه، بجميع الأحكام الشرعية.
* والآيات السابقة، لا تتعارض مع وجود فترة، لم ينذر أهلها، ولم يأتهم رسول في الظاهر([316])، في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس: 6]، وقوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون[ [السجدة: 3]، وقوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون[ [القصص: 46].
* فكيف تنفي هذه الآيات النذارة من بعض الأقوام، بينما: تثبت الآيات الأخرى، أن لكل قوم: نبي، فتأمل.
* وللعلم: أن الخلق فطروا على: «التوحيد»، فلا عذر لهم، إذا غيروا هذه الفطرة: إلى الشرك بالله تعالى، نعوذ بالله من الخذلان.
* وقد فسر النبي r، الفطرة؛ بأنها: «التوحيد».
فعن أنس بن مالك t قال: (كان رسول الله r، يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله r: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله r: خرجت من النار، فنظروا، فإذا هو راعي معزى).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (382)، وأبو داود في «سننه» (2634)، والترمذي في «سننه» (1542)، وأحمد في «المسند» (13440)، و(13240)، و(13120)، والطيالسي في «المسند» (2034)، وابن الجعد في «حديثه» (3372)، وابن منده في «التوحيد» (180)، وأبو يعلى في «المسند» (3307)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (3372)، وابن حبان في «صحيحه» (4753) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك t به.
* والفطرة: بكسر الفاء، بمعنى: الخلقة، والمراد: بها الإسلام، وهي التي اختارها الله تعالى للخلق، فكأنها: أمر جبلي، فطروا عليها. ([317])
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون[ [الروم: 30].
* تعريف الفطرة لغة:
* فطر الله تعالى الخلق؛ أي: خلقهم، وابتدأ صنعة الأشياء.
* وهو فاطر السماوات، والأرض.
* والفطرة: التي طبعت عليها الخليقة من الدين، فطرهم الله تعالى على معرفته: بربوبيته.
* وانفطر الثوب، وتفطر؛ أي: انشق، وتفطرت الجبال، والأرض: انصدعت.([318])
* وعلى هذا، فلفظ: «فطر»، يدور معناه: على الشق، والابتداء، والخلق.
قال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج2 ص781): (والفطرة بالكسر: الخلقة. وقد فطره يفطره بالضم فطرا، أي: خلقه. والفطر أيضا: الشق. يقال: فطرته فانفطر، وتفطر الشئ: تشقق، والفطر: الابتداء والاختراع). اهـ
* تعريف الفطرة شرعا:
الفطرة: هي الإسلام.
* وليس معنى هذا أن العبد لما يولد يعرف الإسلام بتفاصيله؛ بل الفطرة: هي القوة العلمية، التي تقتضي بذاتها الإسلام، مالم يمنعها مانع.
* وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة.
والقول: بأن الفطرة؛ هي الإسلام، هو قول عامة السلف الصالح.([319])
* والعلاقة: بين المعنى؛ اللغوي، وبين المعنى الشرعي:
- معنى الفطرة في اللغة: يدل على الخلق، وابتداء الشيء.
- والمعنى الشرعي: يدل على خلق الناس على وضع، معين: وهو الإسلام، والقبول للعقائد الصحيحة.
* فالفطرة، هي حجة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود؛ إلا وهو يولد على فطرة: الإسلام، والإيمان بالله تعالى.([320])
قال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص30)؛ عن معنى الفطرة: (الإسلام: قاله أبو هريرة، وابن شهاب، وغيرهما، قالوا: وهو المعروف، عند عامة السلف، من أهل التأويل.
* واحتجوا بالآية: ]فطرت الله[ [الروم: 30]؛ وحديث أبي هريرة t: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» الحديث، وعضدوا ذلك: بحديث: عياض بن حمار المجاشعي t، أن رسول الله r، قال للناس يوما: «ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه، إن الله خلق آدم، وبنيه: حنفاء مسلمين، وأعطاهم المال حلالا، لا حرام فيه، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا، وحراما». الحديث، وبقوله r: «خمس من الفطرة...» فذكر منها قص الشارب، وهو من سنن: الإسلام). اهـ
وقال الإمام القرطبي / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج14 ص30): (وعلى هذا التأويل: فيكون معنى الحديث: أن الطفل خلق سليما، من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم، حين أخرجهم من صلبه، وأنهم: إذا ماتوا قبل: أن يدركوا: في الجنة، أولاد المسلمين كانوا، أو أولاد كفار). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص70): (هذا أصح؛ ما قيل: في معنى: الفطرة، التي يولد الناس عليها.
* ومن الحجة أيضا، قوله تعالى: ]إنما تجزون ما كنتم تعملون[ [الطور: 16]، وقوله تعالى: ]كل نفس بما كسبت رهينة[ [المدثر: 38]؛ ومن لم يبلغ وقت العمل، لم يرتهن بشيء). اهـ
وقال الحافظ ابن الأثير / في «النهاية في غريب الحديث» (ج4 ص386): (فطر: فيه «كل مولود يولد على الفطرة»؛ الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة: الحالة منه، كالجلسة والركبة، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السليمة). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم في «الإحكام» (ج5 ص105): (فصح بهذا كله ضرورة أن الناس كلهم مولودون على الإسلام). اهـ
قلت: والفطرة دليل من أدلة: «التوحيد»، التي غرسها الله تعالى، في بني آدم، وخلقهم عليها، فهي توجه العبد، إلى إفراد الرب عز وجل: بالربوبية، والألوهية، إلا أن هذه الفطرة، قد تتغير بما يؤثر عليها من التنشئة على الشرك، والضلال، وما يحيط بها من: «الشهبات»، و«الشهوات».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النبي r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحدا في السماء!، قال: فأيهم تعد لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الذي في السماء!). ([321])
قلت: وهذا فيه تصريح بأن الله تعالى، فطرهم على الإسلام، وأن الله تعالى هو: ربهم.
قال المفسر القاسمي / في «محاسن التأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلهم على معرفته فطرة توحيد، حتى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إن الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطري، ضروري في قلوب الخلق، ومعرفة الربوبية تحصل بالفطرة، الضرورية، التي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([322])
قال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إن الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التقليد عند قيام الدلائل، والقدرة على الاستدلال بها، مما لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أن الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البينات الفطرية، والعقلية، مما لا يقبل). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أن من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، التي تنفر منها: الفطرة السليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسر الخازن البغدادي / في «لباب التأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجة: عليهم؛ لإمدادهم بالرسل عليهم السلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرسل عليهم السلام: إياهم بذلك: «الميثاق» في الدنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجة، ولم تسقط الحجة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصادق صاحب الشرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبت الله تعالى الحجة على كل نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([323])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأن الله ربهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قال الإمام الطحاوي / في «مشكل الآثار» (ج4 ص18): (قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها[ [الروم: 30]؛ أي: ملة الله تعالى التي خلق الناس عليها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص442): (يقول تعالى: فسدد وجهك، واستمر على الدين، الذي شرعه الله تعالى لك، من الحنيفية: ملة إبراهيم عليه السلام، التي هداك الله تعالى لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله تعالى الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته، وتوحيده، وأنه لا إله غيره). اهـ
وقال الحافظ البخاري / في «صحيحه» (ص839): (باب: ]لا تبديل لخلق الله[ [الروم: 30]؛ لدين الله: ]خلق الأولين[ [الشعراء:137]؛ دين الأولين، والفطرة: الإسلام).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج ([324]) البهيمة، بهيمة جمعاء ([325])، هل تحسون فيها من جدعاء ([326]))، ثم يقول أبو هريرة t: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم: 30]. وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الملة، حتى يبين عنه لسانه). وفي رواية: (كل بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت، وهو صغير؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين). وفي رواية: (فقالوا: يا رسول الله، فكيف بمن كان قبل ذلك؛ يعني: مات؟، قال r: الله أعلم بما كانوا عاملين).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (1358)، و(1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، وأبو داود في «سننه» (4714)، ومالك في «الموطأ» (ج1 ص241)، وهمام بن منبه في «صحيفته» (ص259)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص202)، وفي «الاعتقاد» (164)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص857 و858 و860 و861)، وفي «معرفة السنن والآثار» (3830)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (995)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص233 و275 و393 و410 و481)، وابن حبان في «صحيحه» (128)، و(133)، والترمذي في «سننه» (2274)، و(2275)، والطبراني في «مسند الشاميين» (ج1 ص83 و86)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص11 و12 و13)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص672)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1478)، واللالكائي في «الاعتقاد» (995)، و(998)، والجوهري في «مسند الموطأ» (538)، والفريابي في «القدر» (161)، والآجري في «الشريعة» (396)، وابن القاسم في «الموطأ» (338)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص64 و65)، وفي «الاستذكار» (ج8 ص375)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج2 ص571)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج3 ص494)، والمحاملي في «الأمالي» (225)، وابن وهب في «الموطأ» (ص462)، والبزار في «المسند» (ج14 ص181 و371)، و(ج16 ص208 و267)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (ج11 ص119)، والدارقطني في «العلل» (ج8 ص288)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج2 ص38)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص283)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج59 ص389)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص282)، والطيالسي في «المسند» (2823)، والبغوي في «شرح السنة» (84)، و(85)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج3 ص9)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص226)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (1559)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج20 ص261 و268 و269 و273 و274 و275)، والمطرز في «الفوائد» (186)، و(187)، و(188)، و(189)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج18 ص131)، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» (ج2 ص208)، والحميدي في «المسند» (ج2 ص473)، والديلمي في «الفردوس بمأثور الخطاب» (4730)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (ج3 ص470)، وأبو إسحاق الفزاري في «السير» (ج2 ص598)، والشافعي في «الموطأ» (ص462)، والذهلي في «الزهريات» (ج2 ص776)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص321)، و(ج5 ص28)، وأبو بكر الأنصاري في «المشيخة الكبرى» (ج2 ص797) من طريق سعيد بن المسيب، وأبي صالح، وهمام بن منبه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وطاووس، وعطاء بن يزيد، وأبي جامع، وبشير بن نهيك، وعمار مولى بني هاشم، والحسن البصري، والأعرج، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي، جميعهم: عن أبي هريرة t به.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص371): (وروي هذا الحديث، عن النبي r: من وجوه، صحاح، ثابتة، من حديث أبي هريرة t).
* فقوله r: (كل مولود، يولد على الفطرة)؛ إنما أراد r به: الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها، وهي: فطرة الإسلام، و«الميثاق الأول». ([327])
قال تعالى: ]ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى[ [طه:50].
وقال تعالى: ]الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى [ [الأعلى:2 و3].
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج2 ص282 و284): (أما من بلغه القرآن، أو بعثة الرسول r، فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقال تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
* فمن بلغه القرآن، وبلغه الإسلام ثم لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صح عن النبي r أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار»([328]). أخرجه مسلم في «صحيحه»، فجعل سماعه ببعثة الرسول r حجة عليه). اهـ
* ومن كان هذا حاله، فهو في النار، وعمله الباطل يقابل بالعذاب، والعياذ بالله.([329])
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال: (والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار). ([330])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن من سمع برسول الله r، من يهودي، أو نصراني، أو غيرهما، ثم لا يدخل في الإسلام، ومات، إلا دخل النار، لأنه كفر بالله تعالى، وبرسوله r.
عن أبي هريرة t قال: (زار النبي r قبر: أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال r: استأذنت ربي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي). ([331])
قلت: ومن المعلوم أن أمه r، ماتت في الجاهلية، وهو صغير، قبل البعثة، ولم تعذر بذلك.
وعن أنس بن مالك t: (أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال r: في النار، فلما: قفى دعاه، فقال r: إن أبي، وأباك في النار). ([332])
قال الحافظ البيهقي / في «دلائل النبوة» (ج1 ص192): (وكيف لا يكون: أبواه، وجده، بهذه الصفة في الآخرة؛ يعني: في النار -وقد كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا، ولم يدينوا دين: «عيسى بن مريم» عليه السلام). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج1 ص349): (فيه: أن من مات على الكفر، فهو في النار، ولا تنفعه: قرابة المقربين.
* وفيه: أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان، فهو من أهل النار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم: دعوة إبراهيم عليه السلام، وغيره: من الأنبياء عليهم السلام). اهـ
وعن عائشة ﭭ: (قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهلية، يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك: نافعه؟ قال r: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما، رب: اغفر لي خطيئتي يوم الدين). ([333])
قلت: وهذا يدل على أن: «ابن جدعان» كان على الشرك، ومات عليه في الجاهلية، فلم يعذر بجهله، ولم ينفعه عمله الذي يقوم به من: صلة الرحم، وإطعام المسكين.
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ص115)؛ باب الدليل على أن من مات على الكفر، لا ينفعه عمل.
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي، يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب). ([334])
وعن عائشة ﭭ قالت: قال رسول الله r: (رأيت جهنم: يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا، يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب).([335])
فإن العرب: بقوا، قرونا على دين إبراهيم عليه السلام، حتى غير دينهم: «عمرو بن لحي الخزاعي».
قلت: وعمرو بن لحي، هو أول من غير دين إبراهيم عليه السلام، وقد استحسن هذا بجهله، فدخل النار، ولم يعذر بجهله، بل وكل من قلدوه في الجاهلية في ذلك، فهو مثله في نار جهنم، ولم يعذر بجهله.
قلت: وهذه الأحاديث تدل أن النبي r أخبر عنهم، أنهم في النار، وهم: من كبارهم، وأفاضلهم، فلم ينفعهم ذلك، بل منهم: من كان يتصدق، ويفعل الأعمال الطيبة، ومع ذلك لم ينفعه ذلك، لأنه مات على الكفر.
قال الإمام محمد بن إسحاق / في «السيرة النبوية» (ج1 ص77): (واستبدلوا بدين ابراهيم عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام: غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام، يتمسكون بها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج2 ص190): (وما كانوا: ابتدعوه من الشرائع الباطلة الفاسدة، التي ظنها كبيرهم: «عمرو بن لحي» قبحه الله، مصلحة، ورحمة، بالدواب، والبهائم، وهو كاذب، مفتر في ذلك، ومع هذا الجهل والضلال، اتبعه هؤلاء الجهلة الطغام فيه، بل قد تابعوه فيما هو أطم من ذلك، وأعظم بكثير، وهو عبادة الأوثان مع الله تعالى، وبدلوا ما كان الله تعالى بعث به ابراهيم خليله عليه السلام من الدين القويم، والصراط المستقيم من توحيد عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وتحريم الشرك، وغيروا شعائر الحج، ومعالم الدين بغير علم، ولا برهان، ولا دليل صحيح، ولا ضعيف، واتبعوا في ذلك من كان قبلهم من الأمم المشركين، وشابهوا: قوم نوح عليه السلام، وكانوا أول من أشرك بالله، وعبد الأصنام، ولهذا بعث الله تعالى إليهم نوحا عليه السلام، وكان أول رسول بعث ينهى عن عبادة الأصنام: ]وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا[ [نوح: 23]). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «البداية والنهاية» (ج2 ص189): (والمقصود: أن عمرو بن لحي لعنه الله، كان قد ابتدع لهم أشياء في الدين، غير بها دين الخليل، فاتبعه العرب في ذلك، فضلوا بذلك ضلالا، بعيدا، بينا، فظيعا، شنيعا، وقد أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العزيز، في غير ما آية منه، فقال تعالى: ]ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب[ [النحل: 116]، وقال تعالى: ]ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون[ [المائدة: 106]).اهـ
قلت: وهذا القسم، هم: الأكثر، الذين بدلوا، وغيروا، وأشركوا في الجاهلية، في: «الفترة»، ولم يوحدوا، وشرعوا لأنفسهم: الأحكام الباطلة في الدين؛ فهم: كفار في النار، ولم يعذروا، لأن الحجة قامت عليهم؛ بالرسل عليهم الذين من قبلهم، في زمن الفترة، وببقايا من أهل العلم فيهم. ([336])
* فعمرو بن لحي: هو أول من سن للعرب عبادة الأصنام، وشرع الأحكام للناس، في زمن: «الفترة»، فهو كافر في النار، لأن الحجة قامت عليه، بالرسول الذي قبله، وببقايا من أهل العلم في زمنه. ([337])
قلت: فأحدث عمرو بن لحي، عبادة الأصنام، والأوثان، وشرع للعرب([338]): الضلالات من السوائب وغيرها.
* وقد نص الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج16 ص208)؛ على أن من لم يؤمن من: «أهل الفترة»، فهو: في النار.
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في «كشف الشبهات» (ص1): (وآخر الرسل: محمد r، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله الله تعالى، إلى أناس يتعبدون، ويحجون، ويتصدقون، ويذكرون الله تعالى كثيرا، ولكنهم: يجعلون بعض المخلوقات وسائط: بينهم، وبين الله تعالى). اهـ
قلت: فكانت الحجة ثابتة لله تعالى، عليهم؛ بإنذار من تقدم من الرسل عليهم السلام، وإن لم يروا رسولا. ([339])
* وهذا إذا كان في زمن: «الجاهلية الكبرى»، في وقت، قلة العلم، وانطماس آثار الرسالة، فكيف بعد بعثة الرسول r، في وقت انتشار النور، وظهور العلم، فمن باب أولى، أن الجهل لا يكون عذرا، للعبد في يوم القيامة.
قلت: ولا يشترط في قيام الحجة، إقناع الجاهل، فهذا لا سلطان، للعبد عليه، إلا ما شاء الله تعالى.
* فالله تعالى بيده الهدى، والضلال، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، والله يحكم لا معقب لحكمه.
قال تعالى: ]ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
قلت: ولم يثبت في الكتاب، والسنة، ولا عن الصحابة y، ولا السلف، أن المشركين في الجاهلية، من مات؛ منهم: أنه يختبر يوم القيامة.
* وهذا الجهل بسبب الغفلة، والإعراض عن الدين الصحيح. ([340])
قال تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]، يعني: لتنذرهم؛ مثل: ما أنذر آباؤهم. ([341])
فعن عكرمة / قال: في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]؛ قال: (قد أنذروا). ([342])
وقال تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7].
فعن الضحاك بن مزاحم / قال: في قوله تعالى: ]لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7]؛ قال: (سبق في علمه). ([343])
قلت: فسبق القول على من لا يؤمن في الحياة الدنيا. ([344])
قال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في «شرح كشف الشبهات» (ص101): (ولو كان فهمها -يعني: الحجة- شرطا، لما كان الكفر؛ إلا قسما، واحدا، وهو كفر الجحود، بل الكفر: أنواع، منه: الجهل، وغيره). اهـ
وقال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها[ [آل عمران: 103].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج7 ص85): (على حرف، حفرة من النار، وإنما ذلك، مثل: لكفرهم الذي كانوا عليه، قبل أن يهديهم الله تعالى، للإسلام). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن أهل الجاهلية، كفرة، وهم في النار، ولم يعذرهم الله تعالى بجهلهم.
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص11): (فكانوا قبل إنقاذه إياهم: بمحمد r، أهل كفر، في تفرقهم، واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور: الكفر بالله، وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى، تعالى عما يقولون: علوا كبيرا، لا إله غيره). اهـ
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير[ [المائدة: 19].
قال الإمام الطبري / في «جامع البيان» (ج8 ص277): (أنه قد قطع عذرهم، برسوله r، وأبلغ عليهم في الحجة). اهـ
وعن شداد بن أوس t؛ أن رسول الله r قال: (سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت).([345])
قال الإمام ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص75): (قوله r: «وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت»؛ يعني: العهد الذي أخذه الله تعالى على عباده، في أصل: خلقهم، حين أخرجهم من أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ فأقروا له في أصل خلقهم بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم، ألا تشرك بي؛ فأبيت إلا أن تشرك بي). ([346])
قلت: إن الله تعالى، أخذ: «الميثاق» من ذرية آدم من ظهور آبائهم، كما أخذ سبحانه عليهم: «الميثاق» في ظهر أبيهم آدم، ثم أشهدهم على أنفسهم أنه الرب سبحانه، وألا يشركوا به.
* إن الله تعالى أخذ: «الميثاق» من الذرية من ظهر آدم، ومن ظهور آبائهم، ألا يشركوا به شيئا في هذه الحياة الدنيا.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173].
وقال تعالى: ]فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وعن الإمام حماد بن سلمة /؛ أنه كان يفسر؛ حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم،حيث قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([347])
وقال تعالى: ]ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون[ [الزمر: 47].
وقال تعالى: ]ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون[ [الأنعام: 28].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلم فيه الناس كثيرا، وقالوا: إن قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم[ [الأعراف: 172]؛ إن هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانية، والإيمان بالله عز وجل، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدل على أن المراد: بنو آدم أنفسهم، أن الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطحاوية.
وعلى كل حال: الشاهد من هذا أن أهل النار يودون أن يفتدوا بملء الأرض ذهبا، ولكنه لا يحصل لهم ذلك.
* وهذا الحديث فيه مناقشة، وفيه تنديم لهذا الكافر، فإنه يقال له: لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به من هذا العذاب؟ فيقول: نعم، وهذا واقع فالكل يفتدي من عذاب يوم القيامة بما يستطيع.
* وقوله r: «فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك»؛ أي: أن تؤمن بالله تعالى ورسله، وتقيم الصلاة، وتأتي بشرائع الإسلام، وهي أمور سهلة، فحتى الزكاة التي هي حق المال لا تجب في كل مال، وإذا وجبت في مال فهو جزء يسير، والغالب أيضا: أنها لا تجب إلا في الأموال النامية، وقد تجب في الأموال غير النامية كالذهب والفضة). اهـ
وقال الحافظ القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج7 ص275): (قال تعالى: «فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم»، حين أخذت الميثاق، «أن لا تشرك بي فأبيت»، إذ أخرجتك إلى الدنيا، «إلا الشرك»). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: (يقول الله تبارك وتعالى: لأهون أهل النار عذابا؛ لو كانت لك الدنيا، وما فيها، أكنت مفتديا بها؟، فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النار-، فأبيت إلا الشرك). وفي رواية: (فقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا أن تشرك). ([348])
وعن أنس بن مالك t، أن النبي r قال: (يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا، أكنت تفتدي به؟، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك). وفي رواية: (فيقال له: كذبت، قد سئلت ما هو أيسر من ذلك). ([349])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص403 و404): (قوله r: «قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك»، في رواية أبي عمران فيقول: «أردت منك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلا أن تشرك بي»، وفي رواية ثابت: «قد سألتك أقل من ذلك، فلم تفعل، فيؤمر به إلى النار»، قال عياض /: يشير بذلك إلى قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف:172]؛ الآية، فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا: فهو مؤمن، ومن لم يوف به: فهو الكافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت: «الميثاق»، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا: الطلب؛ والمعنى: أمرتك، فلم تفعل، لأنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يريد. واعترض بعض المعتزلة: بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد؟ والجواب: أن ذلك ليس بممتنع، ولا مستحيل). اهـ
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص337): (وقوله r: «يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا: لو كانت لك الدنيا»، إلى قوله: «قد أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم: ألا تشرك، فأبىت إلا الشرك»؛ هذا تنبيه على ما جاء في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فهذا: «الميثاق» الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا، فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو الكافر، ومراد الحديث: قد أردت منك هذا وأنت في صلب آدم: ألا تشرك بي حين أخذت عليك ذلك: «الميثاق»، فأبىت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشريك). اهـ
وقال العلامة الأبي / في «إكمال إكمال المعلم» (ج9 ص252): (في الحديث: «أردت منك أن لا تشرك، فأبيت: إلا الشرك»؛ فإن ذلك بينه: قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]؛ فالمراد الإيمان: الذي أراد منهم هو: إيمانهم ذلك اليوم، وقد حصل، لقوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أنت ربنا، ولكنهم: لم يعبدوا لما خرجوا من الدنيا).اهـ
قلت: إن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه، وأصلاب أولاده، وأخذ عليهم: «الميثاق»، أنه خالقهم، وأنهم: مخلوقون، فاعترفوا بذلك، وقبلوا، وعرفوا ما عرض عليهم، وأنهم: لهم: عقول، يفهمون بها ما سمعوه، ونطقوا به. ([350])
وبوب عليه الحافظ البخاري في «صحيحه» (ص552)؛ باب: خلق آدم وذريته.
قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: عن «الميثاق» المأخوذ عليهم، فإذا قالوا: ذلك، كانت أنفسهم شاهدة عليهم، وكانت الملائكة شهودا عليهم أيضا، بأخذ الميثاق. ([351])
قال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ج2 ص474): (وها هنا مقامات:
أحدها: أن الله سبحانه، استخرج صورهم وأمثالهم، فميز: شقيهم وسعيدهم، ومعافاهم، من مبتلاهم.
الثاني: أنه سبحانه أقام عليهم الحجة حينئذ، وأشهدهم: بربوبيته، واستشهد عليهم ملائكته.
والثالث: أن هذا تفسير، قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم[ [الأعراف: 172]). اهـ
* والله تعالى قد أثبت الحجة على كل منفوس، ممن بلغ، وممن لم يبلغ: «بالميثاق» الذي أخذه عليهم، وزاد سبحانه على من بلغ منهم، الحجة بالآيات، والدلائل، والبراهين، التي نصبها الله تعالى في العالم، وبالرسل المنفذة إليهم: مبشرين، ومنذرين، وبالمواعظ، وبالمثلات، المنقولة إليهم أخبارها؛ غير أنه عز وجل لا يطالب أحدا منهم من الطاعة؛ إلا بقدر ما لزمه من الحجة، وركب فيهم من القدرة، وآتاهم من الآلة. ([352])
وعن عياض بن حمار المجاشعي t؛ أن رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني، يومي هذا، كل مال نحلته عبدا، حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([353])
قلت: وهذا الحديث يدل على صحة ما فسر به الأئمة: «الفطرة»، أنها دين الإسلام. ([354])
قال تعالى: ]فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم[ [الروم:30].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتصديق به، ولئلا يشركوا به شيئا([355])، فآمنوا، وصدقوا، وعرفوا، وأقروا.
* فهذه النصوص تدل على أن الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأن كل مولود يولد على الفطرة السليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكن الشياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإن الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصح أن جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأول»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأول»، ثم بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظلي / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأول: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([356])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أن قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأول».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج2 ص531): (فصل: ويدل على صحة ما فسر به الأئمة «الفطرة» أنها: «الدين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعي، عن النبي r فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ([357]): «إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية، وأن الشياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
قال تعالى: ]والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشرك، ومن النور الذي جاءت به الرسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضلال).اهـ
* لذلك؛ لا يجوز القول بامتحان: «أهل الفترة»، و«المجنون»، و«الصغير»، و«المعتوه»، و«كبير السن»، لأن ذلك من المسائل الغيبية، فلا تقال: بالرأي والاجتهاد، بل تقال: من طريق الوحي، وقد كره النبي r الخوض في مثل: هذه المسائل الغيبية، فافطن لهذا.
فعن عائشة إبنة طلحة، عن عائشة أم المؤمنين ڤ قالت: (أتي رسول الله r، بصبي من الأنصار فصلى عليه، قالت: فقلت: يا رسول الله: طوبى لهذا، لم يعمل سوءا، ولم يدره، عصفور من عصافير الجنة، فقال r: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا، وخلق النار، وخلق لها أهلا، خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2663)، و(2664)، وأبو داود في «سننه» (4713)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2085)، وفي «المجتبى» (1947)، وأحمد في «المسند» (25213)، و(23611)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (20095)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج2 ص410)، وابن ماجه في «سننه» (820)، وابن راهويه في «المسند» (1016)، و(1017)، والحميدي في «المسند» (267)، والفريابي في «القدر» (147)، والطيالسي في «المسند» (1679)، وابن حبان في «صحيحه» (138)، والبيهقي في «القضاء والقدر» (ج3 ص905)، وفي «الاعتقاد» (ص74)، وفي «معرفة السنن» (7414)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج2 ص32 و33)، والآجري في «الأربعين» (ج2 ص824)، والثقفي في «الثقفيات» (ق/164/ط)، وأبو يعلى في «المسند» (4553)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1072)، و(1073)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (4515)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص53)، وابن المحب المقدسي في «صفات رب العالمين» (ج3 ص1307)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (1248) من طريق طلحة بن يحيى القرشي، والفضيل بن عمرو الفقيمي؛ كلاهما: عن عائشة بنت طلحة القرشية، عن عائشة أم المؤمنين ڤ به.
قال الحافظ ابن حبان / في «صحيحه» (ج1 ص349): (أراد النبي r؛ بقوله هذا: ترك التزكية، لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد، وإن عرف منه إتيان الطاعات، والانتهاء عن المزجورات، ليكون القوم أحرص على الخير، وأخوف من الرب، لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار). اهـ
وقال تعالى: ]وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير[ [الملك:10].
* فلو أنهم: انتفعوا بعقولهم، بمعرفة الخالق، ولم يعبدوا غيره، ولكنهم لم ينتفعوا، فعبدوا غيره من المخلوقات، فدل على كفرهم، وأنهم في النار، ويدخل معهم: «أهل الفترة» على العموم.
* ومما سبق ذكره من الأدلة من القرآن والسنة، تعلم خطأ من قال: أن: «أهل الفترة»، يمتحنون في عرصات القيامة، بنار يأمرهم الله تعالى: بدخولها، فمن دخلها كانت عليه بردا، وسلاما، ومن لم يدخلها: فقد عصى الله تعالى، فيدخله الله تعالى فيها!.
* وهذا قول مرجوح، وهو قول: الحافظ البيهقي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن كثير، والحافظ ابن حجر، والإمام السيوطي، والإمام ابن حزم.
* واختاره العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغيرهم. ([358])
* وحكاه أبو الحسن الأشعري رحمه الله: في «مقالات الإسلاميين» (ص297)، عن أهل السنة والجماعة. ([359])
* واستدل هؤلاء الأئمة، على ما ذهبوا إليه، بأحاديث ضعيفة، في امتحان: «أهل الفترة»، لا يحتج بها في الدين، لما فيها من الضعف الشديد، والخطأ البعيد، وقد سبقت.
قلت: وبعد التأمل، والنظر في قول العلماء: الذين قالوا: أن: «أهل الفترة» يمتحنون يوم القيامة، وأنه اعتمدوا على الأحاديث الضعيفة في هذا الحكم.
* وليس عندهم من الأدلة المقنعة، ولا الحجة، ولا البرهان ما يدل على أن: «أهل الفترة» يمتحنون في الآخرة.
* وأما اعتراض الحافظ ابن كثير رحمه الله، على الحافظ ابن عبد البر رحمه الله، فليس: بصواب، لأنه اعترض عليه، بأحاديث، عامة: في الدنيا؛ مثل: فتنة الدجال في الدنيا، وامتحان بني إسرائيل: أن يقتلوا أنفسهم، كل ذلك: عقوبة لهم في الدنيا.
* والأدلة التي في الآخرة: ليس فيها، أي: تكليف مثل التكليف في الدنيا على الإجمال، والتفصيل، بل ظاهرها: يدل على الجزاء للكفار، مثل: عدم سجود الكفار، يوم يكشف عن ساق، والمرور على الصراط. ([360])
* فهذه الأدلة، ليس فيها التكليف المعروف في الدنيا، من فرض العبادات، وامتحان الخلق في العام، والخاص، فهذا ليس بتكليف، إلا في الجملة، والمقصود: التكليف في الدنيا.
* وقد أبعد النجعة الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسير القرآن» (ج5 ص55)؛ بقوله: (والجواب: عمن قال: أن أحاديث هذا الباب؛ منها: ما هو صحيح، كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء! ([361])، ومنها: ما هو حسن، ومنها: ما هو ضعيف، يتقوى بالصحيح، والحسن!). اهـ
* كذلك؛ هذه الأحاديث التي احتج بها الحافظ ابن كثير رحمه الله، لا يحتج بها، لضعفها جملة وتفصيلا، من أن: «أهل الفترة»: يمتحنون في العرصات، فمن أطاع دخل الجنة، ومن عصى دخل النار، فهذا ينافي الأهوال التي سوف تقع في عرصات يوم القيامة. ([362])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك ـ إن شاء الله ـ سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عــنـي به وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا ... وصلى الله وسـلـم
وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في حمل المجمل على المفصل في قول العالم، وأنه لا يحكم بالمجمل، دون حمله على المفصل................................................................................................. |
7 |
2) |
ذكر الدليل على أن المنهج الــصــحيح في العلم النافع، إذا ورد إشكال لعالم من العلماء، مثلا: في مسألة: «تكفير المعين»، أو مسألة: «العذر بالجهل»، وأنه ورد مجمل له في كتاب من كتبه، فيجب هنا جمع كلامه من كتبه كلها، ثم يرد بعضه على بعض، ليوجه كلامه على الوجه الصحيح، ثم يحمل المجمل من كلامه على المفصل، لمعرفة مراد العالم في الحكم الصحيح له، ولا يقول العالم؛ قولا مجملا، حتى يرجع إلى المفصل من كلامه، وهذا هو التوجيه العلمي المفيد في الدين............................................................ |
10 |
3) |
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية........................................................................ |
19 |
4) |
تأصيل القاعدة الشريفة الأثرية قلب الأدلة على المخالف................. |
24 |
5) |
ذكر الدليل على قلب الأدلة على المخالف بما استدل به على مذهبه كائنا من كان................................................................................. |
26 |
6) |
المقدمة..................................................................................................... |
37 |
7) |
درة نادرة في عدم العذر بالجهل في أصول الدين في هذا الزمان لوجود الوسائل الحديثة......................................................................... |
58 |
8) |
ذكر الدليل على أن: «عبد المحسن بن حمد العباد»، يجوز التقليد في: «الشرك بالله»، وأن المقلد يعذر إذا قلد علماء السوء الذين في بلده، في: «الشرك الأكبر»، وذلك بسبب جهله وتقليده لهؤلاء........ |
60 |
9) |
ذكر الدليل على تفنيد شبهات: «عبد المحسن بن حمد العباد»، فيما نشره من: «الإرجاء»، ونــصــرة: «المرجئة العصرية»، وأنه لم يتب، ولم يرجع عن: «بدعة الإرجاء»، وقد شبه له في رجوعه المزيف، بسبب جهله المركب في علم غير نافع، وبسبب تقليده في الدين، وقبوله: بـ«التلقين» في الأحكام الباطلة من غيره............... |
71 |
10) |
فتوى العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز في عدم العذر بجهل فيمن وقع في المخالفات الشرعية في الأصول؛ بمثل: من وقع في الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، فإنه يكفر ولا يعذر بجهله في الدين............ |
113 |
11) |
ذكر الدليل على تفنيد دعوى: «عبد المحسن بن حمد العباد»، بزعمه: أن الشيخ عبد العزيز بن باز، يوافقه على ما قاله: هو في مسألة: «العذر بالجهل»، فيمن وقع في: «الشرك الأكبر»، لأنه يزعم أن هذا المشرك قلد علماء السوء في هذا الشرك، فيعذر في ذلك، وأمره إلى الله تعالى يوم القيامة! ................................................. |
117 |
12) |
ذكر الدليل على ضعف الأحاديث في امتحان أهل الفترة يوم القيامة، وأنها كلها منكرة، وهي مخالفة لأصول القرآن، وأصول السنة، وأصول الإجماع، على أن الله تعالى جعل الامتحان، والتكليف على الخلق، فقط في الحياة الدنيا، وإنما في الحياة الآخرة ليس فيها؛ أي: امتحان، وتكليف، بل هو جزاء، وهو: المقر الأبدي، فإما إلى الجنة، وإما إلى النار، لذلك: لا يحتج بهذه الأحاديث في عالم الغيب؛ إلا بأدلة واضحة صحيحة في الدين.......... |
131 |
([1]) وعلى سبيل المثال: إذا أشكل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية / في: «مسألة العذر بالجهل»، أو في: «مسألة تكفير المعين»، أو في: «مسائل الإيمان»، أو غير ذلك.
* فعلى الباحث: أن يجمع كلامه؛ بعضه إلى بعض، وينظر فيه، فإن اتضح الإشكال، وإلا حملنا كلامه المجمل، على المفصل، ليفسر بعضه بعضا، وهذا هو طريق العلم.
([2]) فيحمل المجمل على المفصل من كلام العالم في الأصول والفروع.
قلت: ولذلك يحمل كلام العالم المتشابه، على المحكم الذي يتضح معناه، للوصول إلى الحكم الصحيح.
([3]) ومن هنا يتبين جهل المقلدة، الذين يأخذون قول العالم في العموم، أو المتشابه، ويدعون المحكم، أو المفسر من كلامه، وهذا هو الضلال المبين في الدين.
([4]) وعلى سبيل المثال: إذا أشكل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية / في: «مسألة العذر بالجهل»، أو في: «مسألة تكفير المعين»، أو في: «مسائل الإيمان»، أو غير ذلك.
* فعلى الباحث: أن يجمع كلامه؛ بعضه إلى بعض، وينظر فيه، فإن اتضح الإشكال، وإلا حملنا كلامه المجمل، على المفصل، ليفسر بعضه بعضا، وهذا هو طريق العلم.
([5]) فيحمل المجمل على المفصل من كلام العالم في الأصول والفروع.
قلت: ولذلك يحمل كلام العالم المتشابه، على المحكم الذي يتضح معناه، للوصول إلى الحكم الصحيح.
([6]) فمن الإنصاف: في العالم الذي عرف بالعقيدة الصحيحة، إن وجد في كلامه ما يدل على خلاف عقيدته، فيجب أن يرد: إلى ما هو صريح من كلامه المفسر العلمي.
([7]) هناك تسجيل؛ لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز /، بهذا العنوان والفتوى موجودة في «الشريط الأول» القديم، وهي محاضرة ألقاها في «النادي الأهلي» بجدة، وهو موجود في «تسجيلات منهاج السنة»، في الرياض.
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج3 ص272)، والبيهقي في «الرؤية» (ج7 ص654-الدر المنثور)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج7 ص654-الدر المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج7 ص654)
([11]) أما أن يؤتى بهذا النص المشتبه، فيجعل: هو الأصل، في منهج العالم، فليس هذا هو منهج الاستدلال الصحيح.
([14]) وانظر: «البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج2 ص328)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص55)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص203)، و«حاشية شرح مختصر المنتهى» للتفتازاني (ج2 ص300)، و«المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص382)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«جمع الجوامع» لابن السبكي (ج2 ص391)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» له (ج3 ص284).
([15]) وانظر: «روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص150)، و«فتح القدير» لابن الهمام (ج7 ص301)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص384)، و«فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص345)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج2 ص31)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج1 ص347)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج9 ص69).
([16]) وانظر: «أصول الفقه الإسلامي» للزحيلي (ج2 ص115)، و«أصول التشريع الإسلامي» لعلي حسب الله (ص99)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص505)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص268)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص263)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«الهداية» للمرغيناني (ج3 ص107).
([17]) قلت: وقد صرح المالكية أيضا بأن المفتي المجتهد إذا خالف القواعد في فتواه، فإنها تنقض، ولا يلتفت لها في الدين.
وانظر: «إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك» للونشريسي (ص150)، و«تبصرة الحكام» لابن فرحون المالكي (ج1 ص79)، و«الشرح الكبير» للدردير (ج4 ص153).
([18]) كإجماع الصحابة y في فطرهم والشمس طالعة، فإجماعهم من الأدلة القطعية في الدين.
وهذا في عصرهم، فلا يلتفت إلى أي عصر خالف بعد إجماعهم.
([20]) وانظر: «إغاثة اللهفان» لابن القيم (ج2 ص254)، و«حادي الأرواح» له (ص202)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج1 ص374)، و«الفتاوى» له (ج6 ص288).
([24]) قلت: فالجهمية مثلا: أتوا بحجج عقلية: اشتبهت على المبتدعة في هذا الزمان، وراجت عليهم في «مسائل الإيمان»، وفي «الأسماء والصفات»، وغير ذلك، مثلا: راجت على «الفرقة الربيعية» وغيرها.
قلت: وهذا يعرفه كل من عرف اعتقاد السلف على حقيقته.
* حتى ظنوا أن قول جهم بن صفوان وأتباعه، هو مذهب السلف؟!.
([26]) وانظر: «شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص331)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص129)، و«نزهة الخاطر العاطر في شرح روضة الناظر» لابن بدران (ج2 ص323)، و«مذكرة في أصول الفقه» للشنقيطي (ص511)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج5 ص1521)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص323).
([28]) لأنه إذا كان عنده من علم السلف المؤصل من الكتاب والسنة؛ فإنه علم من حيث الجملة، والتفصيل: أن أهل البدع المخالفين في ذلك، هم: مخالفون أيضا للرسول r، وللصحابة y قطعا.
ومن هنا لا يقدم على قول قد خالف الرسول r، والصحابة y.
وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ص36).
([29]) انظر: «الدرر السنية» (ج10 ص93 و95)، و«مجموع الفتاوى النجدية» (ج3 ص238)، و«حكم تكفير المعين، والفرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة» للشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص11 و12)، و«مسألة في العذر بالجهل» للشيخ ابن باز (ص15 و26 و27 و36 و43)، و«مسألة العذر بالجهل» للشيخ الفوزان (ص57)، و«شرح كشف الشبهات» للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص101)، و«الضياء الشارق في الرد على المازق المارق» لابن سحمان النجدي (ص290 و291)، و«فتاوى اللجنة الدائمة» (ج2 ص96 و99).
([31]) وهذه الصفات، التي تميز بها كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، القصد منها أساسا، إفهام الناس، خطاب الله تعالى الموجه إليهم، والمتضمن بعبادة الله تعالى وحده وطاعته، والنهي عن عبادة غير الله تعالى معه، أو من دونه، والنهي عن عصيانه تعالى.
([34]) الفهم: يعني، الفهم على التفصيل، فلا حاجة منه، بالنسبة إلى قيام الحجة، فمن بلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجة.
وانظر: «الدرر السنية» (ج10 ص93 و95).
([35]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج12 ص295)؛ في كتاب: «استتابة المرتدين»، في باب: «قتل الخوارج» (6930)، ومسلم في «صحيحه» (1066) من حديث علي بن أبي طالب t.
أخرجه الترمذي في «سننه» (3000)، وابن ماجه في «سننه» (176)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص250) من حديث أبي أمامة t.
([42]) قلت: وأما على الإجمال، فإنه يفهم حجة القرآن، ويفهم: السنة، ويعلم: أنه رسول الله r إذا سمع به، ويدري بالرسالة إذا وصلت إليه، وسمع بها.
([50]) فأما اليوم، وقد شاع الدين في الأرض، واستفاض في دار الإسلام، علم الأصول، وعلم الفروع في العالم كله.
* حتى في دار الكفر شاع دين الإسلام، بين الكفار؛ لوجود المسلمين بينهم، فلا عذر لأحد من الخلق بسبب الجهل، لأن الحجة قامت عليهم، ببلوغ القرآن إليهم، وترجمة القرآن بغالب اللغات في العالم، وبلغت رسالة الرسول r لذلك.
([51]) ومنه ما هو مختص بالعلماء فقط، وهذا في الأمور الدقيقة، بحيث يكون معلوما لهم بالضرورة، ولا يكون كذلك لمن هم دونهم في العلم، كالعامة مثلا.
انظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ص70).
([53]) لذلك ترى الكفار من اليهود والنصارى، والمجوس وغيرهم، يعادون الدين الإسلامي، لعلمهم، بأنه دين الحق، الذي أنزله الله تعالى للخلق كافة.
* فعلموا هذا الدين على الإجمال، وفهموه في الجملة، فقامت عليهم الحجة، فكفروا بالله تعالى، وبرسوله r.
([54]) والفهم المنفي: عن الخلق، هو فهم التفقه فقط ابتداء، ولم ينف الله تعالى عنهم: ابتداء، الفهم المجمل، الذي تقوم عليهم الحجة، ببلوغ القرآن إليهم.
قال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ [النساء:165].
وعن عبد الله بن عمرو t قال: قال رسول الله r: (بلغوا عني ولو آية).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (3461).
([56]) انظر: «شفاء العليل» لابن القيم (ص168 و169)، و«طريق الهجرتين» له (ص413 و414).
قلت: والناس أقسام؛ حيال حجة الله تعالى:
* فمنهم: القابل لها، والمذعن لأحكامها.
* ومنهم: المعرض عن حجة الله تعالى.
* ومنهم: العالم بها، المعاند لها.
* ومنهم: الجاهل بها، مع عدم التمكين من معرفتها، إلا ابتداء.
* ومنهم: الجاهل بها، مع عدم التمكين من معرفتها على وجه التفصيل في الأحكام إلى أن مات.
قلت: ولكل قسم، من هذه الأقسام: حكمه عند الله تعالى.
([57]) انظر: «أقوال الشيخ عبد العزيز بن باز في العذر بالجهل» (ص7)؛ تقديم: «الشيخ الفوزان» بتاريخ: 29/12/1437هـ.
([58]) قلت: قد قامت الحجة على كل أحد بالغ على وجه الأرض، فلا عذر لأحد في جهله.
* وأهل العلم أحيانا، يذكرون إقامة الحجة، هذا في الجملة، وإلا عند تفصيلهم يقولون: الحجة قامت على جميع الخلق ببعثة الرسول r إلى قيام الساعة.
([59]) قلت: مادام هؤلاء الجهال، يعبدون القبور، فقد وقعوا في: «الشرك الأكبر»، ولا عذر لهم في هذا الشرك، ولا يمتحنون يوم القيامة، بل هؤلاء سوف يكفرون بشركهم في الآخرة، كما قال تعالى: ]إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير[ [فاطر: 14].
([60]) قلت: وأحاديث امتحان أهل الفترة، لم تثبت، فهي لا حجة فيها، لمخالفتها لأصول القرآن، وأصول السنة، مع ضعف أسانيدها، واضطراب متونها.
([61]) قلت: وهذا فيه فتح باب للعوام، لإقامة الشرك بالله، في البلدان، بحجة أن علماء السوء في بلدهم: أضلوهم في عبادة غير الله، وأشركوا، فهم: مسلمون وأمرهم إلى الله!، ويمتحنون يوم القيامة!.
([63]) لذلك: يجب أن نتعرف على علماء السنة، ونسأل عنهم: في البلدان، للرجوع إليهم في أحكام الدين، لقوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
* فهذا هو الأصل: الذي يجب سلوكه، وإشاعة نوره في الدين.
* وما ضل من ضل: من الشباب المسكين؛ إلا بسبب أنهم؛ اتخذوا لهم: رؤساء جهالا، لا يفقهون من الدين؛ إلا ما يحلوا لهم، وغاية ما عند هؤلاء الجهال من العلم، إنما هو مجرد ثقافات أشتات، ليس لها أي صلة بالدين.
* وهذا الذي وقع فيه: الشباب الضائع، هو الذي حذر منه الرسول r: من اتخاذ رؤوس جهال، يفتون بغير علم؛ فيضلون، ويضلون.
([64]) وهذه الآية تدل على إقامة الحجة على التابع، والمتبوع في الحياة الدنيا، فلا أحد له عذر بسبب جهله في الدين.
([65]) أي: بلا حجة توجب هذا القبول، وعلى هذا فكل ما أوجبت الحجة قبوله ليس تقليدا.
انظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص297)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص403)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص265)، و«المسودة» لآل تيمية (ص553).
([66]) آية المائدة المشار إليها في قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون [[المائدة: 104].
([67]) آية لقمان هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان: 21].
([73]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83).
([74]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83 و84).
([76]) قلت: فامتحان الخلق في الحياة الدنيوية فقط، لا في الآخرة.
وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«التمهيد» له (ج18 ص180).
([78]) الحجة قامت على الخلق، جملة وتفصيلا، ببعثة الرسول r، ووصلت الرسالة إلى جميع الخلق إلى يوم القيامة.
([80]) قلت: لماذا هذا الجاهل، سكت على جهله، ولم يتعلم، ولم يسأل عن دينه؟!.
* لو أراد أن يعرف الشرك، لسخر الله تعالى له من يعلمه: التوحيد الخالص، وخطر الشرك، لكن هو الذي أهمل العلم النافع في حياته، وفرط إلى أن مات؛ لذلك لا يعذر بجهله في الدين.
([82]) التعريف الصحيح: لأهل الفترة، بالإجماع؛ هم: الذين كانوا بين رسولين: من رسل الله تعالى، من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وهي المدة التي لا وحي فيها، وهو الصواب: الذي عليه السلف الصالح.
* فلا يوجد ما يسمى بـ«أهل الفترة»، لا في الدنيا، ولا في الآخرة، وهم: الذين لم تبلغهم الرسالة، بل الرسالة وصلت لكل فرد من أفراد الناس، وقامت عليهم حجة الله تعالى على الخلق على وجه الأرض.
* وأحاديث: امتحان أهل الفترة كلها ضعيفة، لا تصح، لأنها مخالفة لأصول القرآن، وأصول السنة، فلا يحتج بها في الدين.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الاستذكار» (ج8 ص404)؛ عن أحاديث أهل الفترة: (هي كلها أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة). اهـ.
([83]) بل كلها ضعيفة، بل منكرة، لمخالفتها لأصول القرآن، وأصول السنة، مع ضعف أسانيدها، واضطراب متونها.
([84]) كل الخلق أقام الله عليهم الحجة، كما بين ذلك سبحانه في كتابه، وبين ذلك رسوله r في سنته، وقد أجمع الصحابة y على ذلك.
([86]) كأنك يا أبا زيد ما غزيت!، فلا ينفعك رجوعك هذا، لأنك لم تقمه على وفق أصول الدين.
* فأنت في رجوعك هذا مثل الذين من قبلك، مثل رجوع: «عبد الرحمن عبد الخالق»، ورجوع: «ربيع المدخلي»، ورجوع: «عبيد الجابري»، وغيرهم، كله خديعة للشباب السذج.
([88]) لذلك: يجب أن نتعرف على علماء السنة، ونسأل عنهم: في البلدان، للرجوع إليهم في أحكام الدين، لقوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل:43].
* فهذا هو الأصل: الذي يجب سلوكه، وإشاعة نوره في الدين.
* وما ضل من ضل: من الشباب المسكين؛ إلا بسبب أنهم؛ اتخذوا لهم: رؤساء جهالا، لا يفقهون من الدين؛ إلا ما يحلوا لهم، وغاية ما عند هؤلاء الجهال من العلم، إنما هو مجرد ثقافات أشتات، ليس لها أي صلة بالدين.
* وهذا الذي وقع فيه: الشباب الضائع، هو الذي حذر منه الرسول r: من اتخاذ رؤوس جهال، يفتون بغير علم؛ فيضلون، ويضلون.
([89]) لكن لغلبة الجهل بهؤلاء، وقلة العلم النافع فيهم، يظنون بمثل: هذا الأمر يجوز القول به في الدين.
* فكان هذا: «العباد»، وأمثاله في ناحية أخرى من الدين.
* فهذا: «العباد» لبس الحق بالباطل، وافترى على الله تعالى، ورسوله r، والصحابة y، ونسب إليهم ما ليس من دينهم.
([92]) فهذه الغفلة البالغة التي فيه: تمنع من القول بتراجعه عن إرجائه الذي وقع فيه في القديم، فهو شبه له.
* فكيف يجزم أنه رجع عن: «الإرجاء»، وهو لم يرجع، فهو ظن أنه رجع، ثم الذي يجزم برجوعه عن خطئه، لا بد أن يكون من المتمكنين في العلم النافع، فيعرف أين الخطأ ثم يرجع عنه، أما غير ذلك، فلا.
أخرجه الدشتي في «إثبات الحد لله تعالى» (ص196).
وإسناده صحيح.
وذكره القاضي عياض في «ترتيب المدارك» (ج2 ص65)، والقرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» (ج11 ص25).
([95]) فهذا من عجيب أمر هذا المدعي؛ أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه!.
([96]) فالعباد: قد خالف القرآن في هذا الحكم الجائر، فعليه بالتوبة الصادقة منه، والرجوع، والله المستعان.
قلت: فتناقضات العباد وضلالاته العلمية، هي أكثر من أن تحصر، وقد بدأت بتجميعها في كتاب.
([97]) وانظر: «التعريفات» للجرجاني (ص250 و251)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب الأصفهاني (ص504)، و«القاموس الفقهي» لسعدي (ص359).
([98]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص107 و108)، و(ج11 ص555)، و(ج18 ص346)، و«الاستقامة» له (ج1 ص42)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص265)، و«تلبيس إبليس» لابن الجوزي (ص290)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج1 ص37)، و«الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص88)، و«شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص40).
([99]) وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج1 ص107)، و«قواعد الأحكام» للعز بن عبد السلام (ج2 ص172 و174)، و«إثبات الحق على الخلق» لابن المرتضى (ص84 و88).
([100]) قلت: والعباد هذا، لم يعرف بالدعوة السلفية الصحيحة، بل اشتهر عنه بما يناقضها، في التمييع في الدين، حيث أنه لا يرد يد لامس في البلدان، نعوذ بالله من الخذلان.
([101]) وأحاديث امتحان أهل الفترة، لا تصح عن النبي r، لمخالفتها لأصول القرآن، وأصول السنة، وأصول آثار الصحابة y.
([102]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج2 ص441)، و«إغاثة اللهفان» له (ج2 ص167)، و«الإحكام» لابن حزم (ج1 ص98).
([103]) فماذا درسهم هذا، من علم غير نافع لهم، وقد رجع هؤلاء الشباب إلى بلدانهم، وهم: أخذوا منه ما يخالف الشريعة المطهرة.
* والعباد هذا: لم يعرف بطلبه العلم على يد المشايخ الثقات في المساجد.
* فلم يعرف إلا بالدراسة الأكاديمية الجامعية، التي ذمها: الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الألباني، وغيرهم.
* فدراسته هذا لا تساوي شيئـا في ديننا.
([105]) وانظر: «التدمرية» لابن تيمية (ص91 و96)، و«درء تعارض العقل والنقل » له (ج1 ص14 و206)، و(ج5 ص234)، و«نقض المنطق» له أيضا (ص14 و21)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج2 ص632)، و«إعلام الموقعين» له (ج1 ص55)، و«لوامع الأنوار» للسفاريني (ج1 ص8)، و«المفردات في غريب القرآن» للراغب الأصفهاني (ص209)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج2 ص334)، و«التعريفات» للجرجاني (ص276)، و«القاموس الفقهي» لسعدي (ص391)، و«منهج دراسات لآيات الأسماء والصفات» للشنقيطي (ص18 و19)، و«التوقيف على مهمات التعاريف» للمناوي (ص354).
([106]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص392 و393).
قلت: وخاض: «العباد» هذا، في الأمور الغيبية، التي لا يجوز الخوض فيها بالعقل، والهوى، والرأي، لأن ذلك من شأنه أن يقود صاحبه إلى تكذيب السنة ومخالفتها، والخوض والمجادلة بالباطل، وإلى عدم الثبوت في الاعتقاد، بل يكون الشك، والتنقل من اعتقاد إلى اعتقاد، والوقوع في العداوة لأهل السنة والجماعة في الدين.
أخرجه ابن ناصر الدين في «إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك» (ص82).
بإسناد صحيح.
([109]) انظر: «الرسائل الشخصية» له (ص230 و244)، و«الدرر السنية» (ج2 ص352)، و(ج8 ص26)، و(ج10 ص20 و88)، و«فتاوى الأئمة النجدية» (ج3 ص238).
([110]) انظر: «الانتصار لحزب الله الموحدين والرد على المجادل عن المشركين» للشيخ عبد الله أبا بطين (ص42).
([112]) وانظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل: داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص83 و84).
([116]) الوبر: هم أهل البوادي.
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص258)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص292)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج5 ص126 و127 و426).
([117]) وأن هذا الدين سوف يدخل: المدن، والقرى، والأمصار، والبوادي، والبلدان، والغابات، وأطراف الأرض، وغير ذلك.
([120]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص654)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة بأحوال الموتى» للقرطبي (ج3 ص1041)، و«العواصم والقواصم» لابن الوزير (ج7 ص257).
([121]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص160)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
([122]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص157).
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص255)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
([127]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص23)، و«جامع البيان» للطبري (ج21 ص154)، و«تفسير القرآن» للبستي (ص349).
([132]) إن وجد، وإلا لا يوجد أي أحد على وجه الأرض، إلا الله تعالى بلغه رسالة النبي r، كما هو ظاهر في الأرض.
لذلك فليأتي: «المرجئة» بواحد على وجه الأرض، لم تبلغه الدعوة!.
([133]) قلت: الحفاظ، لا يحتجون بأحاديث: «امتحان أهل الفترة يوم القيامة»، لضعفها، فأهل الفترة قامت عليهم الحجة كلهم بالرسالة على وجه الأرض، فلا حجة عندهم، ولا عذر لهم بجهلهم بأحكام الإسلام، وانظر: التفصيل الذي بعده.
([135]) والشيخ عبد العزيز بن باز /، لم يقل بـ«العذر بالجهل»، لعباد القبور الذين وقعوا في «الشرك الأكبر».
* بل كفرهم مطلقـا، لأنهم قامت الحجة عليهم في دار الإسلام، ووصولها في البلدان، ببلاغ الرسول r، وقد وقع ذلك عند الشيخ ابن باز على التفصيل، فوجب الرجوع إليه في العلم.
* وأما ما قاله الشيخ ابن باز / في: «أهل الفترة»، فهذا أفتى به في الإجمال، لا على التفصيل، وذلك لعدم علمه بضعف الأحاديث في امتحان: «أهل الفترة» يوم القيامة.
* والشيخ ابن باز /: اعتمد في تكفيره لعباد القبور مطلقـا، على الأدلة المفصلة، والمفسرة، لأي: حديث مجمل في مسألة: «العذر بالجهل» في الدين.
* وعلى هذا لا بد أن نرجع إلى قول العالم: «المفصل»، قبل الإفتاء: بقوله: «المجمل» في المسائل، وهذا الذي يقتضيه العلم النافع، والعمل الصالح.
([136]) وسوف يأتي الفرق بين قول: الشيخ ابن باز، وقول: عبد المحسن العباد، وهو فرق واضح في مسألة: «العذر بالجهل».
([137]) بل بالعكس؛ فإن الشيخ ابن باز في تكفير: عباد القبور على التفصيل؛ يعني: مطلقـا، لأن الحجة قامت عليهم في البلدان، ولم ينظر إلى تقليدهم لعلماء السوء في الشرك بالله تعالى، وأجمل في عدم تكفير: بعض أهل الفترة فقط للامتحان يوم القيامة، لأن الحجة لم تبلغهم، والأصل: قد بلغتهم الحجة، والأحاديث في: «أهل الفترة»، لا تصح.
* فالشيخ ابن باز: يجمل في موضع، ويفصل في مواضع أخرى، والأصل أن تأخذ بكلام العالم المفصل والمفسر.
([143]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج2 ص749)، والنسائي في «السنن» (ج5 ص160)، وابن حبان في «صحيحه» (ج15 ص378).
([144]) انظر: «منهاج التأسيس والتقديس في الرد على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشيخ عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ (ص485).
([145]) ولا يزال سبحانه: يغرس، لهذا الدين غرسا، تقوم بهم حججه على عباده.
وانظر: «منهاج التأسيس» للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص230 و231).
([146]) فالعباد: هذا لبس الحق بالباطل، وافترى على الشيخ ابن باز، ونسب إليه ما ليس من منهجه، وما لم يقله، وألزمه ما هو بريء منه في الدين.
([147]) وهذا القول، لم يقل به الشيخ ابن باز /، بل قوله أن من كان في دار الإسلام فقد كفر، ولا يعذر بجهله، لأنه مشرك.
([149]) والشيخ ابن باز / يقول: من وقع في «الشرك الأكبر»، كفر بإجماع، حتى لو أضلوه علماء السوء، لأن المفروض يسأل عن دينه، لوجود علماء السنة في كل زمان، لكنه أهمل ذلك، فلا عذر له بجهله.
([151]) والمفروض على: عبد المحسن العباد، أن يرجع عند الاختلاف، إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، وآثار الصحابة t: لقطع النزاع في مسألة: «العذر بالجهل».
* فلا يرجع إلى فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز، أولا، قبل كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، فإن الشيخ ابن باز، لا يرضى بذلك، فافهم لهذا ترشد.
([152]) وانظر: «معرفة الرجال» لابن محرز (ج1 ص118)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج8 ص187)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص952)، و«تهذيب التهذيب» له (ج13 ص54).
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج8 ص184).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص142)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج13 ص54).
([163]) انظر: «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» لابن حجر (ص146 و147)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص385)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص346)، و«التتبع» للدارقطني (ص262 و370)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج6 ص39).
([167]) فيرد بقرائن، واعتبارات، التي يعرفها أئمة هذا الشأن.
* فيعرف -مثلا- بهذه القرائن أن قتادة البصري، لم يسمع من الحسن البصري، هذا الحديث، خاصة أنه: سمع من الحسن البصري في الجملة، يعني: في بعض الأحاديث، وإن كان ثبتا في الحسن البصري، لكثرة إرساله عن شيوخه، فهذه قرينة قوية في رد عنعنة قتادة في هذه الأحاديث.
([169]) فشيوخ قتادة البصري؛ منهم: لم يسمع حديثهم، مع وجود المعاصرة، ومنهم: سمعهم، لكنه هناك: أحاديث، لم يسمعها من شيوخه الذين سمع بعض أحاديثهم.
* لأنه إما: أن يدلس عنهم، وإما أن يرسل عنهم، فيما لم يسمع منهم، فمثل هذه العنعنة، من قتادة ترد مطلقا، بسبب الانقطاع.
([170]) وانظر: «تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص262)، و«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص168)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254).
أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج9 ص228)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص209).
وإسناده صحيح.
([173]) وانظر: «مختصر علوم الحديث» لابن كثير (ص81)، و«الكفاية» للخطيب (ج1 ص97)، و(ج2 ص367 و402)، و«النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (ج2 ص614)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج1 ص256)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص95)، و«فتح المغيث» للسنجاري (ج1 ص313)، و«الباعث الحثيث» لأحمد شاكر (ص83).
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص277)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج3 ص510).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج10 ص777).
([180]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص160 و164).
([182]) وقد خالف في ذلك: الشيخ أحمد شاكر، فجزم: بسماع الحسن من الأسود بن سريع، في تخريجه: لكتاب: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص137)؛ ولم يصب، وليس بشيء، لأنه اعتمد على رواية: المبارك بن فضالة، في تصريحه بالتحديث، والمبارك بن فضالة، ليس بحجة في ذلك، ولم يعتمد الإمام ابن المديني في «العلل» (ص107)؛ على المبارك بن فضالة في ذلك.
وانظر: «المعرفة والتاريخ» ليعقوب بن سفيان (ج2 ص54)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص90)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164).
([183]) وانظر: «الثقات» لابن حبان (ج4 ص123)، و«تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص102)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص105)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([184]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و(ج4 ص86 و73 و572)، و(ج9 ص549)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص241 و244)، و«تاريخ الإسلام» له أيضا (ج7 ص49)، و«تذكرة الحفاظ» له أيضا (ج1 ص71)، و«تنقيح التحقيق» له أيضا (ج1 ص240).
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص239 و240)، والخطيب في «الكفاية» (ص549 و571)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج40 ص402)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج9 ص42).
وإسناده صحيح.
وذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (ج4 ص86).
([188]) وانظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص122)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص57).
([189]) انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج6 ص122)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج1 ص57).
([191]) وهذا يظهر أن الحسن البصري، يصح وصفه: بـ«التدليس» أحيانا، إذا لم يصرح بالسماع، عمن عاصرهم، وسمع منهم.
([193]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«سير أعلام النبلاء» له (ج1 ص80)، و«الثقات» لابن حبان (ج4 ص123).
([195]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و«تاريخ الإسلام» له (ج7 ص49)، و«الثقات» لابن حبان (ج4 ص123).
([197]) فاتفق: ابن المديني، ومحمد بن المثنى، وابن راهويه على حديث أبي هريرة، ورفعه، بهذا الإسناد، وهو غير محفوظ، بل هو معلول.
([198]) وانظر: «معرفة الرجال» لابن محرز (ج1 ص118)، و«الكامل في الضعفاء» لابن عدي (ج8 ص187)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تقريب التهذيب» لابن حجر (ص952)، و«تهذيب التهذيب» له (ج13 ص54).
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج8 ص184).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في «تهذيب الكمال» (ج28 ص142)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (ج13 ص54).
([208]) انظر: «تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس» لابن حجر (ص146 و147)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص385)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص346)، و«التتبع» للدارقطني (ص262 و370)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص254)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج6 ص39).
([213]) انظر: «تاريخ الإسلام» للذهبي (ج7 ص49)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص160 و164).
([215]) وقد خالف في ذلك: الشيخ أحمد شاكر، فجزم: بسماع الحسن من الأسود بن سريع، في تخريجه: لكتاب: «جامع البيان» للطبري (ج1 ص137)؛ ولم يصب، وليس بشيء، لأنه اعتمد على رواية: المبارك بن فضالة، في تصريحه بالتحديث، والمبارك بن فضالة، ليس بحجة في ذلك، ولم يعتمد الإمام ابن المديني في «العلل» (ص107)؛ على المبارك بن فضالة في ذلك.
وانظر: «المعرفة والتاريخ» ليعقوب بن سفيان (ج2 ص54)، و«نصب الراية» للزيلعي (ج1 ص90)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164).
([216]) وانظر: «الثقات» لابن حبان (ج4 ص123)، و«تعريف أهل التقديس» لابن حجر (ص102)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص105)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([217]) وانظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80)، و(ج4 ص86 و73 و572)، و(ج9 ص549)، و«ميزان الاعتدال» له (ج2 ص241 و244)، و«تاريخ الإسلام» له أيضا (ج7 ص49)، و«تذكرة الحفاظ» له أيضا (ج1 ص71)، و«تنقيح التحقيق» له أيضا (ج1 ص240).
([219]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج28 ص142)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج13 ص54)، و«تعريف أهل التقديس» له (ص102 و146)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص164 و254)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج1 ص80).
([220]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 139 و142)، و«تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص262)، و«جامع التحصيل في أحكام المراسيل» للعلائي (ص255).
([221]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج9 ص402)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص434)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج9 ص251)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج2 ص48)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج4 ص250)، و«التاريخ» للدارمي (ص141)، و«التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة (ج1 ص491)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج4 ص501)، و«الأسامي والكنى» لأبي أحمد الحاكم (ج3 ص276)، و«أحوال الرجال» للجوزجاني (ص194)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص187).
([222]) وانظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (ج1 ص590)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص189)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج3 ص11).
([225]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص18)، و«تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» لأبي زرعة العراقي (ص19)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج2 ص233)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص142).
([228]) وانظر: «الضعفاء والمتروكين» للبخاري (ص440)، و«العلل الكبير» للترمذي (ص418)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج2 ص379)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج24 ص283).
([232]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج10 ص240 و241)، و«الأسامي والكنى» للحاكم (ج3 ص223 و224)، و«التاريخ الكبير» للبخاري (ج6 ص380)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج6 ص267)، و«المعرفة والتاريخ» للفسوي (ج3 ص66)، و«السنن» للترمذي (ج4 ص571)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص186)، و«الضعفاء والمتروكين» للدارقطني (ص305).
([233]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص75)، و«تقريب التهذيب» له (ص479)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص128).
([238]) لم يدرك: معاذ بن جبل، وأبا عبيدة بن الجراح، لأن أبا إدريس الخولاني، كان هو ابن عشر سنين تقريبا.
([241]) انظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج9 ص261)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج4 ص405)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج3 ص517)، و«السنن الكبرى» للنسائي (2884).
([245]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص103)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج2 ص376)، و«المغني في الضعفاء» له (ج1 ص327)، و«الكاشف» له أيضا (ج2 ص62)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص298).
([246]) وانظر: «الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي (ج1 ص99)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج8 ص50)، و«ديوان الضعفاء» له (ص27)، و«الضعفاء والمتروكين» للبخاري (ص414)، و«التاريخ الأوسط» له (ج4 ص936)، و«لسان الميزان» لابن حجر (ج2 ص41)، و«الضعفاء» للعقيلي (ج1 ص103).
([247]) قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج18 ص128): (من الناس من يوقف؛ هذا الحديث على أبي سعيد، ولا يرفعه، منهم: أبو نعيم الملائي). اهـ
([249]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج7 ص224)، و«العواصم والقواصم» لابن الوزير (ج7 ص256)، و«الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص301)، و«الكاشف» للذهبي (ج2 ص269)، و«ميزان الاعتدال» له (ج3 ص79)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج20 ص147)، و«العلل ومعرفة الرجال» لأحمد (ج1 ص548 و549).
([254]) وانظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج12 ص260)، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص268)، و«تحفة التحصيل» لأبي زرعة العراقي (ص286)، و«سير أعلام النبلاء» للذهبي (ج5 ص66).
([257]) وأخرجه البزار في «المسند» (472)، والطبراني في «الدعاء» (1013)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (351)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (623).
([259]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج6 ص757 و758)، و«الإصابة» له (ج3 ص60)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج7 ص164)، و«معرفة الثقات» للعجلي (ج2 ص37)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (ج5 ص80)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج15 ص84)، و«الكمال في أسماء الرجال» للمقدسي (ج2 ص381)، و(ج6 ص188)، و«السنن الكبرى» للنسائي (ج7 ص129)، و(ج9 ص234 و235).
([260]) وأخرجه البزار في «المسند» (472)، والطبراني في «الدعاء» (1013)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (351)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (623).
([261]) وانظر: «أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص654)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة بأحوال الموتى» للقرطبي (ج3 ص1041)، و«العواصم والقواصم» لابن الوزير (ج7 ص257).
([262]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص160)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
([263]) وانظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (ج8 ص404)، و«المنهاج في شعب الإيمان» للحليمي (ج1 ص159)، و«التذكرة» للقرطبي (ص595).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج14 ص157).
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص255)، والطبري في «جامع البيان» (ج22 ص93).
وإسناده صحيح.
([268]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص23)، و«جامع البيان» للطبري (ج21 ص154)، و«تفسير القرآن» للبستي (ص349).
([270]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص135)، و«جمع الجوامع» للسبكي (ج1 ص63)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج6 ص103)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص156)، و«مسالك الحنفا في والدي المصطفى » للسيوطي (ج2 ص409 و412)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص205).
([271]) انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (ج5 ص4)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص43)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص777)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص205).
([273]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص44)، و«الصحاح» للجوهري (ج2 ص777)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص165)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص409 و412).
([274]) انظر: «إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج1 ص370)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص198)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج7 ص317)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج16 ص208).
([276]) وهذا مثل: الزمان الذي نحن فيه، فإن الرسول ﷺ قد أرسل في الزمن الذي من قبلنا، وهي فترة في انقطاع الوحي، وقد قامت الحجة على الناس في هذا الزمان، وبلغتهم الرسالة، مع وجود بقايا من أهل العلم في هذا الزمان، ينصحون الناس في زمن الفترة، إلى قيام الساعة، فلا عذر لأحد وقع في الشرك الأكبر، بسبب جهله، وغفلته.
([278]) مثل: «زيد بن عمرو بن نفيل»، فإنه وحد الله تعالى، ولم يشرك وكان يعبد الله تعالى على دين إبراهيم عليه السلام، ومات عليه، في زمن الفترة، بين عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام.
وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412 و413)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص337)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج7 ص147).
([279]) مثل: «عمرو بن لحي الخزاعي»، فإنه أول من غير دين إسماعيل، وأشرك، في زمن الفترة، بين عيسى عليه السلام، وبين محمد عليه السلام.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج17 ص188)، و«الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص413)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص76).
([281]) فهم: يدخلون في عموم النصوص الني أوردناها، وأن الحجة قامت عليهم.
قال تعالى: ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ [الأنبياء:107].
وقال تعالى: ]وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:69].
([285]) قلت: الدعوة بلغت الذين قبل بعثة الرسول ﷺ، وبعد بعثته ﷺ، وقامت الحجة على الخلق إلى قيام الساعة، فلا عذر لأحد بأحكام الدين.
([288]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص76)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص190 و217).
([289]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص421)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص190 و217)، و«السيرة النبوية» لابن هشام (ج1 ص77).
([290]) العلات: بفتح المهملة: الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة، ثم تزوج أخرى، كأنه عل منها، والعلل: الشرب بعد الشرب.
* وأولاد العلات: الأخوة من الأب، وأمهاتهم: شتى.
انظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج6 ص489)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج15 ص119).
([291]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (60)، ومسلم في «صحيحه» (143)، و(144)، وأبو داود في «سننه» (4675)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص319 و406 و437)، والطيالسي في «المسند» (2575).
([292]) وانظر: «نظم الدرر» للبقاعي (ج6 ص69)، و(ج11 ص388)، و(ج16 ص332)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج3 ص79)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص475)، و«الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد» للشيخ عبد الرحمن بن عبد الحميد (ص11 و23).
([294]) وكل فرد في الدنيا، جاءه رسول، وثبت ذلك في النصوص، فلو جمعت، لرأيت بينها، تناسقا، وتوافقا، لأن السنة مفسرة للقرآن، وموضحة له، والنصوص في جملتها يصدق بعضها بعضا، وأضف إليها تفسيرات السلف، حتى يتبين لك القطع الصحيح في هذه المسألة.
([295]) وانظر: «المعجم الوسيط» (ج1 ص141)، و«تيسير التحرير» لأمير بادشاه (ج2 ص420)، و«كشف الأسرار» للبخاري (ج4 ص1384)، و«الشرح الممتع» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص12 و13)، و«شرح مختصر التحرير» له (ص 360 و375 و429 و439)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص363)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247 و249 و253)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص318 و364 و365)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202).
([297]) وانظر: «كشف الأسرار» للبخاري (ج4 ص1394)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص412)، و«المعجم الوسيط» (ج2 ص589).
([298]) وانظر: «الأحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج1 ص78)، و«مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول» لملا خسرو (ص359)، و«الأم» للشافعي (ج6 ص148)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج11 ص188)، و«الإنصاف» للمرداوي (ج1 ص330).
([299]) فالشرع: لم يكلفه هذا الامتحان في الدنيا، فكيف نكلفه به يوم القيامة: ] إن هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
([300]) وانظر: «التلويح على شرح التوضيح، لمتن التنقيح» للتفتازاني (ج2 ص312)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247 و249 و253)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص31)، و«فواتح الرحموت على مسلم الثبوت» للأنصاري (ج1 ص155)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص11)، و«المجموع» للنووي (ج6 ص255)، و«الحاوي الكبير» للماوردي (ج3 ص463)، و«الخلافيات» للبيهقي (ج5 ص82)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص364 و365)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص267)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121).
([301]) فكيف: هؤلاء يكلفون يوم القيامة بامتحانهم، وهم رفع عنهم القلم، فلا يؤاخذون بشيء في الدنيا، ولا في الآخرة.
([306]) يعني: شعر العانة، كأنه علامة البلوغ في الظاهر، فاعتمدوا عليها.
انظر: «كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه» للسندي (ص972).
([307]) وانظر: «المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص192)، و«عون المعبود» للآبادي (ج12 ص74)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص267)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص78 و79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص318)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375 و429 و439)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص12 و13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص363)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص249 و247 و253).
([309]) وانظر: «المستصفى في علم الأصول» للغزالي (ج1 ص83)، و«تنقيح الفصول» للقرافي (ص38)، و«الخلافيات» للبيهقي (ج5 ص82)، و«المجموع» للنووي (ج6 ص255)، و«الحاوي الكبير» للماوردي (ج3 ص463)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج6 ص272 و273 و369)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص263)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص429 و431 و432)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص12 و13)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373).
([310]) فإنه يشترط في مخاطبة المرء به: البلوغ والعقل، لأن قواعد الشرع تقتضي عدم معاقبة؛ من لم يقصد المفسدة، ولم يشعر بها.
([311]) قلت: ومما يقتضيه حال الصغير في هذه الحالة: هو أن يكون له: ولي أمر، أو وصي: يقوم مقامه في إدارة حياته.
([313]) وانظر: «الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج10 ص372 و373)، و«الروض المربع» للبهوتي (ج1 ص121)، و«الملخص الفقهي» للشيخ الفوزان (ج1 ص263)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص360 و375)، و«الشرح الممتع» له (ج2 ص13)، و«التعليق على صحيح البخاري» له أيضا (ج11 ص642 و643)، و«الأوسط» لابن المنذر (ج9 ص247)، و«المدونة الكبرى» لمالك (ج2 ص79)، و«الأم» للشافعي (ج5 ص364 و365)، و«المبسوط» للسرخسي (ج6 ص202).
([314]) قلت: فالجنون: إذن له تأثير على أهلية الأداء، لفقدان التمييز.
* فالمجنون: لا يؤاخذ بشيء في الشرع.
([315]) وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص63)، و«روح المعاني» للآلوسي (ج4 ص204)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص35)، و«المغني» لابن قدامة (ج4 ص514).
([317]) وانظر: «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» للشيخ علي بن آدم (ج1 ص224 و227 و229)، و«زهرة الربى على المجتبى» للسيوطي (ج1 ص14)، و«طرح التثريب» للعراقي (ج1 ص75)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص284)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص30).
([318]) وانظر: «العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المصباح المنير» للفيومي (ج2 ص476 و477)، و«جامع البيان» للطبري (ج11 ص283)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2802)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص481).
([319]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص245 و247)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج8 ص367 و371 و373)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص72)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص535)، و«شفاء العليل» له (ص285)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص26)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص193)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج3 ص2805)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص386).
([320]) قلت: رغم أن الحجة تقوم على العباد، بحجة: «الميثاق»، و«الفطرة» التي فطروا عليها، والآيات العظام، التي أودعها الله في هذا الكون والآفاق، من آيات بينات باهرات، الدالة على وحدانيته سبحانه وتعالى، إلا أن رحمة الله تعالى على العباد أن أرسل إليهم: الرسل عليهم السلام، لتذكيرهم، ونذارتهم، وتعليمهم، وذلك لتأكيد قيام الحجة عليهم في الجملة، وفي التفصيل.
([321]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الربوبية.
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2355)، والطبراني في «المعجم الكبير» (3551)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزار في «المسند» (3579).
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزي (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([322]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحس.
* فإن العقل السليم من الآفة، البريء من العاهة، يحث على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدل عليه عند الحس.
وانظر: «محاسن التأويل» للقاسمي (ج7 ص299).
([323]) وانظر: «لباب التأويل في معاني التنزيل» للخازن البغدادي (ج2ص611)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90 و91)، و«التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني» للآلوسي (ج9 ص141)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359 و360)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص314)، و«تهذيب السنن» لابن القيم (ج12 ص316 و319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ص292 و293)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95).
([327]) وانظر: «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسنجاري (ص313)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص373)، و«غريب الحديث» للحربي (ج1 ص11)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج14 ص319)، و«الحجة» للأصبهاني (ج2 ص41)، و«التحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح صحيح البخاري» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطابي (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250).
([337]) وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص412)، و«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي (ج2 ص232)، و«السيرة النبوية» لابن إسحاق (ج1 ص77)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (ج2 ص189 و190).
([338]) وكانت العرب على دين إبراهيم عليه السلام، إلى أن بدل: «عمرو بن لحي الخزاعي»، دينهم الصحيح، إلى عبادة الأصنام.
وانظر: «الحاوي للفتاوي» للسيوطي (ج2 ص421).
([341]) وانظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (ج7 ص234)، و«الدر المنثور» للسيوطي (ج12 ص321)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص773)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلام (ج2 ص799).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج22 ص150).
وإسناده صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص321).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص177).
وإسناده حسن.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج12 ص322).
([346]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3334)، و(6557)، ومسلم في «صحيحه» (2805)، وأحمد في «المسند» (ج19 ص302)، والثعلبي في «الكشف والبيان» (ج8 ص239).
أخرجه الطبري في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)، والآلكائي في «الاعتقاد» (880)، وأبو داود في «سننه» (4716)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج6 ص334)، وفي «القضاء والقدر» (606).
وإسناده صحيح.
وذكره أبو القاسم الأصبهاني في «شرح صحيح البخاري» (ج3 ص283).
([350]) وانظر: «الروح» لابن القيم (ج2 ص476)، و«التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص448)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([351]) وانظر: «لباب التأويل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج4 ص225)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص474)، و«حجة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([352]) وانظر: «التفسير البسيط» للواحدي (ج9 ص449)، و«تفسير القرآن» للخازن (ج2 ص268)، و«الروح» لابن القيم (ج2 ص479).
([353]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطيالسي في «المسند» (1079).
([354]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص531).
([355]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيمية (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطبري (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السماع» له (ص383 و385).
([357]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطيالسي في «المسند» (1079)، والنسائي في «فضائل القرآن» (ص104).
([358]) وانظر: «الاعتقاد» للبيهقي (ص70)، و«البدور السافرة» للسيوطي (ص302)، و«السبل الجلية» له (ص266)، و«الدرج المنيفة» له أيضا (ص87)، و«الجواب الصحيح» لابن تيمية (ج1 ص312)، و«طريق الهجرتين» لابن القيم (ص689)، و«أحكام أهل الذمة» له (ج2 ص648)، و«مدارج السالكين» له أيضا (ج1 ص188 و189)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص35)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص445)، و«الفصل في الملل» لابن حزم (ج4 ص74)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص483)، و«الفتاوى» للشيخ إبراهيم آل الشيخ (ص246)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج3 ص163 و164).
([359]) وقد أخطأ في ذلك، بل أهل السنة والجماعة؛ وهم: الصحابة والسلف وغيرهم: على خلاف هذا القول، ولم يقل به؛ إلا بعض المتأخرين، كما بينا.
([360]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج8 ص401)، و«الفتاوى» له (ج24 ص372 و373)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص648 و650)، و«الاعتقاد» للبيهقي (ص112)، و«الإبانة» للأشعري (ص20 و78).
([361]) لم أر هذه الكثرة عن الأئمة، بل رأيت السلف، والأئمة خلاف ذلك، ولم يحتجوا بهذه الأحاديث، في امتحان: «أهل الفترة»، وغيرهم يوم القيامة.
* وهذه نسخة: لـ«تفسير القرآن» لابن كثير، فيها النص المذكور أعلاه.
وهناك نسخ أخرى، يظهر فيها: نص ابن كثير في «تفسير القرآن»، وهو قوله: (كما قد نص على ذلك غير واحد من أئمة العلماء). وهذا النص، هو الصحيح.
وهذا يدل على أن الذين قالوا، بخلاف قول السلف، في مسألة: «امتحان أهل الفترة»، هم قليلون.