الرئيسية / سلسلة النصيحة الذهبية للعودة إلى السلفية / قصف العرقلة لمن عطل صفة الهرولة
قصف العرقلة لمن عطل صفة الهرولة
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
]في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا[
درة نادرة
قاعدة: لأهل السنةوالجماعة في إثبات
صفات الله تعالى في الكتاب والسنة والآثار
منها: صفة: «الهرولة»
1) عن الوليد بن مسلم، قال: سألت مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، والأوزاعي عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فقالوا: (أمروها كما جاءت بلا تفسير)([1]). وفي رواية: (أمروها كما جاءت بلا كيف). وفي رواية: (بلا كيفية).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج1 ص259)، والدارقطني في «الصفات» (ص75)، والآجري في «الشريعة» (720)، والذهبي في «العلو» (ج2 ص959)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص241)، وابن منده في «التوحيد» (ج3 ص115 و307)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص527)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص158)، و(ج19 ص231)، وفي «الانتقاء» (ص63)، وفي «الاستذكار» (ج8 ص118)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ج2 ص377)، وفي «السنن الكبرى» (ج3 ص2)، وفي «الاعتقاد» (ص57)، وأبو عثمان الصابوني في «الاعتقاد» (ص56)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص20)، وابن المقرئ في «المعجم» (555)، وابن دحية في «الابتهاج في أحاديث المعراج» (ص98)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج2 ص345)، و(ج3 ص249)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ق/264/ط) من طرق عن الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الذهبي في «الأربعين» (ص82)، والشيخ الألباني في «مختصر العلو» (ص142)، وابن تيمية في «الفتاوى» (ج5 ص39).
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص96): (وقد روينا عن مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد في الأحاديث في الصفات؛ أنهم كلهم قالوا: أمروها كما جاءت).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة، وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة ... والأربعة الباقون هم أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين). اهـ
قلت: فهذه الأحاديث نثبت ألفاظها ومعانيها مع اعتقادنا أننا مكلفون بمعرفة تلك الألفاظ والمعاني؛ أي: فإننا متعبدون بمعرفة معاني صفات الله تعالى، مع إثبات الظاهر لهذه الصفات، ونفي علمنا بكيفية هذه الصفات؛ فإن هذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، فهو أعلم بصفاته سبحانه.([2])
قال تعالى: ]ولا يحيطون به علما[ [طه:110].
وقال تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11].
وقال تعالى: ]ولم يكن له كفوا أحد [[الإخلاص: 4].
وقال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [[الإسراء: 36].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص36): (وتأويل الصفات هو في الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول). اهـ
قلت: وهذا التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، هو علم كيفية صفاته سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ]وما يعلم تأويله إلا الله[ [آل عمران: 7].
وقال تعالى: ]هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله[ [الأعراف:53].
وقال تعالى: ]ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا[ [الكهف:82].
وقال تعالى: ]سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا[ [الكهف:87].
وقال تعالى: ]ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء:59].
قلت: وأحسن التأويل هو: تأويل الله تعالى لصفاته، لأن لا يعلم هذا التأويل إلا هو سبحانه وتعالى؛ أي: علم كيفية هذه الصفات.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي / في «أعلام الحديث» (ج1 ص637): (هذا الحديث، وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها الإيمان بها، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص41-قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد؛ أو (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت). اهـ
2) وعن الأوزاعي قال: سئل مكحول، والزهري؛ عن تفسير أحاديث الصفات، فقالا: (أمروها كما جاءت). وفي رواية: (أمر الأحاديث كما جاءت). وفي رواية: (أمضوا الأحاديث على ما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص478)، والخلال في «السنة» (ص76-الفتوى الحموية)، والخطابي في «معالم السنن» (ج3 ص555)، وفي «أعلام الحديث» (ج1 ص638)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ج2 ص377)، والأصبهاني في «الحجة» تعليقا (ج1 ص192)، وأبو عمرو الداني في «الرسالة الوافية» (ص138)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1801)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج17 ص77)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص18)، والقاضي أبو يعلى في «إبطال التأويلات» (ج1 ص47)، وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (ج2 ص252)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص621)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج1 ص494)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ق/264/ط) من طرق عن بقية بن الوليد قال: حدثني الأوزاعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «الفتاوى» (ج5 ص39)، والذهبي في «السير» (ج5 ص162)، والشاطبي في «الاعتصام» (ج2 ص851).
ففي قول السلف: (أمروها كما جاءت، بلا كيف)، إثبات لحقيقة صفات الله تعالى، ونفي لعلمنا بكيفياتها؛ فالتفويض يكون في كيفية الصفات لا في معانيها، فافطن لهذا.([3])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص39 –قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة. والزهري ومكحول: هما أعلم التابعين في زمانهم). اهـ
قلت: فلا يجوز دفع أحاديث صفة: «الهرولة» بتأويل الجهمية، والأشعرية، والإباضية، والصوفية، وغيرهم([4])، فانتبه.
فعن الإمام أحمد /، وذكر التأويل الفاسد للصفات، ثم قال: (وهذا كلام الجهمية).([5])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «جواب الاعتراضات المصرية» (ص188): (فالمأول بما يخالف الظاهر؛ مع أنه مبتدع لهذه التأويلات، فهي بدعة مخالفة لإجماع السلف ... و«الجهم»، و«الجعد»، أو من بعد هؤلاء؛ مثل: «أبي الهذيل العلاف» وطبقته، و«بشر المريسي»، ونحوه؛ فهؤلاء الذين ابتدعوا هذه التأويلات). اهـ
قلت: ولهذا كان السلف الصالح الأوائل يعدون التأويل مذهبا من مذاهب الجهمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج2 ص95): (وهم يثبتون الصفات –يعني: السلف-، لا يقولون بتأويل الجهمية النفاة، التي هي صرف النصوص عن مقتضاها، ومدلولها، ومعناها). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص265):
كــــــلا ولا الــــتـــــأويـــــل والـــتـــــبــديـل |
|
|
والتـــحـــريـــــف للـــــوحــــيين بالبـــهـتان
|
وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص188): (الكلام في صفات الله عز وجل ما جاء منها في كتاب الله، أو روي بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله r، فمذهب السلف رحمة الله عليهم أجمعين إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وذهب قوم من المثبتين([6]) إلى البحث عن التكييف). اهـ
وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص395): (سبق بالكتاب الناطق من الله تعالى، ومن قول النبي r، ومن أقوال الصحابة y: أنا أمرنا بالاتباع وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع، وزجرنا عنه ). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص369): (أجمعوا على الأخذ بظاهر النصوص، وأنه حق على حقيقته، وأنه هو اللائق بالله عز وجل). اهـ
3) وعن الإمام الزهري / قال: (من الله العلم، وعلى رسول الله البلاغ، وعلينا التسليم، أمروا حديث رسول الله r كما جاءت)([7]). وفي رواية: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه البخاري في «صحيحه»، مجزوما به؛ في كتاب: «التوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» (332) تعليقا، والخلال في «السنة» (1001)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميدي في «النوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1370)، وابن حبان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (520)، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، وأبو زرعة الدمشقي في «التاريخ» (ج1 ص620)، والذهبي في «السير» (ج5 ص346) من طرق عن الزهري به.
وإسناده صحيح.
4) وعن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن / قال: (من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (655)، والعجلي في «تاريخ الثقات» (ص158)، والذهبي في «العلو» (ص98)، والخلال في «السنة» (ص306-الفتوى الحموية)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص408)، وابن قدامة في «إثبات صفة العلو» (ص164) من طرق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن به.
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «العلو» (ص132).
وقال ابن تيمية في «الفتوى الحموية» (ص27): «إسناده كلهم أئمة ثقات».
وقال ابن تيمية في «الفتاوى» (ج5 ص365): «وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك».
وذكره ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص25)، وابن تيمية في «درء التعارض» (ج6 ص264)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص421).
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص127): (والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص148): (الذي عليه أهل السنة، وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها؛ الإيمان بما جاء عن النبي r فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد، والكيفية في شيء منه).اهـ
قلت: وهذا إجماع في إثبات الصفات على ظاهرها، وإمرارها على ما جاءت النصوص، وقد أخبر بهذا الإجماع من هو ممن يتتبع كلام أهل العلم، ويطلع على خلافهم فيقول: أجمعوا على هذا؛ أي: يعني: أثبتوا أنه لا يوجد أي خلاف في ثبوت الصفات على حقيقتها.([8])
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص312):
مـــن قـــال ذا قــد خــــالـــف الإجــمـــــاع |
|
|
والـــخــبــر الــصــحــيـــح وظـــاهر القرآن
|
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (وعليه فنجري الحديث على ظاهره، ونقول: إن الله تعالى يأتي حقيقة: «هرولة»، ويتقرب حقيقة ذراعا وباعا، وأي مانع؟ لأن الله تعالى يفعل ما يريد([9])، وهذا مما يريده عز وجل). اهـ
وقال أبو القاسم الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص395): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ
5) وعن أبي داود الطيالسي، قال: كان سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وشريك، وأبو عوانة، (لا يحدون، ولا يشبهون، ولا يمثلون، يروون الحديث ولا يقولون: كيف، وإذا سئلوا أجابوا بالأثر).
أثر حسن
أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (909)، وفي «السنن الكبرى» (ج3 ص3) من طريق إسحاق بن أحمد الفارسي، ثنا حفص بن عمر المهرقاني، ثنا أبو داود به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قال أبو داود الطيالسي: وهو قولنا.
6) وعن المروذي: سألت أبا عبد الله –يعني: الإمام أحمد-؛ عن أحاديث الصفات، قال: (نمرها كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص327 و331)، والآجري في «الشريعة» (771)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص56)، والخلال في «السنة» (ج1 ص246)، وابن يزداد البغدادي في «السنة» (ص20)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص22) من طرق عن المروذي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الإمام ابن بطة في «الرد على الجهمية» (ج3 ص326)؛ باب جامع من أحاديث الصفات رواها الأئمة، والشيوخ الثقات، الإيمان بها من تمام السنة، وكمال الديانة، لا ينكرها إلا جهمي خبيث.
قلت: وذكر الإمام ابن بطة / بعض أحاديث الصفات؛ منها: حديث([10]) صفة: «الهرولة»، وهذا يدل أنه /: يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث.([11])
قلت: فالسلف الصالح من الصحابة، والتابعين لم ينقل عنهم أنهم اشتغلوا بالاجتهاد في الاعتقاد!.
قال الإمام أبو يعلى الحنبلي / في «إبطال التأويلات» (ج1 ص43): (لا يجوز رد هذه الأخبار على ما ذهب إليه جماعة من المعتزلة، ولا التشاغل بتأويلها على ما ذهب إليه الأشعرية، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله تعالى لا تشبه سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا نعتقد التشبيه فيها). اهـ
وقال الإمام أبو يعلى الحنبلي / في «إبطال التأويلات» (ج1 ص71): (ويدل على إبطال التأويل: أن الصحابة، ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغا لكانوا إليه أسبق). اهـ
قلت: فلا يجوز رد هذه الأحاديث، ولا التشاغل بتحريفها، وتعطيلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله تعالى تليق بكماله وجلاله.([12])
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص139):
قــفــل مـــــن الجـــهــــل المركب فوقه |
|
|
قــفـــل الـــتــعـــصـــب كيــــف يــنـــفتحان
|
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص303): (القول الشامل في جميع هذا الباب –أي: باب الصفات - أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله r، وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث).اهـ
7) وعن الإمام سليمان التيمي / قال: (كانوا([13]) يكرهون تفسير حديث رسول الله r بآرائهم، كما يكرهون تفسير القرآن برأيهم). وفي رواية: (ليتقى من تفسير حديث رسول الله r؛ كما يتقى من تفسير القرآن).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، والدارمي في «المسند» (444)، وابن مفلح في «الأداب» تعليقا (ج2 ص61) من طريق موسى بن خالد، والأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن أبيه.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فأمروا حديث رسول الله r على ما جاءت به الرواية في صفة: «الهرولة».
قال فضيلة الشيخ محمد الجامي / في «الصفات الإلهية» (ص365): (السلف يفهمون معاني الصفات العامة([14])، ويفوضون الكيفية فقط، فليسوا بالمؤولين المحرفين، وليسوا بالمشبهين المجسمين، ولا بالمفوضين الجاهلين، ولا الواقفين الحائرين، بل هم أصحاب فهم صحيح، وفقه دقيق([15])، إذ هم وسط بين هذه النحل المختلفة). اهـ
وقال فضيلة الشيخ محمد الجامي / في «الصفات الإلهية» (ص235): (تحديد مفهوم السلف، وأنهم كانوا يفهمون من هذه النصوص؛ كتابا وسنة ما تدل عليه بوضعها وبظاهرها باقية على حقيقتها، ولم يؤولوها، ولم يخرجوا بها عن ظاهرها؛ كما يزعم الخلف). اهـ
8) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: في ذكر أحاديث الصفات: (نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول كيف هذا، ولم جاء هذا).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (495)، والدارقطني في «الصفات» (64)، والذهبي في «العلو» معلقا (433)، وابن البناء في «الرد على المبتدعة» تعليقا (ص153)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص278) من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سمعت: وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فعرفنا أن مذهب السلف يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها.([16])
قال الإمام ابن البناء / في «الرد على المبتدعة» (ص153): (وأصحاب الحديث: يمرونها كما جاءت من غير إبطال، ولا تأويل). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص153): (ومذهب السلف – رحمة الله عليهم – الإيمان بصفات الله تعالى، وأسمائه التي وصف بها نفسه في آياته، وتنزيله، أو على لسان رسوله r، من غير زيادة عليها، ولا نقص منها، ولا تجاوز لها، ولا تفسير، ولا تأويل لها بما يخالف ظاهرها ولا تشبيه بصفات المخلوقين، ولا سمات المحدثين، بل أمروها كما جاءت، وردوا علمها إلى قائلها، ومعناها([17]) إلى المتكلم بها). اهـ
9) وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال: (كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن، فقراءته تفسيره؛ لا كيف ولا مثل). وفي رواية: (فتفسيره تلاوته والسكوت عليه). وفي رواية: (ما وصف الله تعالى به نفسه فتفسيره قراءته، ليس لأحد أن يفسره إلا الله تبارك وتعالى، أو رسله صلوات الله عليهم).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (736)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (906)، والدارقطني في «الصفات» (61)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص19) من طريقين عن عيسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري قال: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص407).
وله طريق آخر؛ أخرجه الصابوني في «عقيدة السلف» (89)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (869).
وترجم الخطيب: «لعيسى بن إسحاق» في «تاريخ بغداد» (ج11 ص171)؛ وفيه أنه سمع من أبيه.
وترجم: لأبيه الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص513)؛ وفيه ذكر سماعه من سفيان بن عيينة.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج6 ص423)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص406).
وقال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص555): (مذهب علماء السلف، وأئمة الفقهاء: أن يجروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها، وأن لا يريغوا([18]) لها المعاني، ولا يتأولوها لعلمهم بقصور علمهم عن دركها). اهـ
10) وعن عباس الدوري قال: كان أبو عبيد / يقول: (نحن نروي هذه الأحاديث ولا نريغ لها المعاني).([19])
قال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج7 ص230): (وكان السلف ينسبون تأويل هذه الآيات، والأحاديث الصحيحة إلى الجهمية). اهـ
وقال الإمام الترمذي/ في «السنن» (ج3 ص51): (فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم!). اهـ
11) وعن الإمام سفيان بن عيينة / قال؛ في أحاديث الصفات: (هي كما جاءت نقر بها؛ ونحدث بها بلا كيف).
أثر صحيح
أخرجه الدارقطني في «الصفات» (65)، وأبو داود في «المراسيل» (75)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص20)، والذهبي في «العلو» معلقا (423)، وفي «السير» (ج8 ص466)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص148 و149) من طريق أحمد الدورقي قال: حدثني أحمد بن نصر قال: سمعت سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
12) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (أدركنا إسماعيل بن أبي خالد، وسفيان، ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون([20]) شيئا).
أثر صحيح
أخرجه الدارقطني في «الصفات» (60)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص149)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ص199)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص21)، وابن منده في «التوحيد» (ج3 ص116)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (759) من طريق عباس بن محمد الدوري -وهو في «التاريخ» (ج3 ص520) - قال: سمعت يحيى بن معين به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: ونحن نؤمن بالأحاديث في هذا، ونقرها ونمرها كما جاءت بلا كيفية، ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه سبحانه وتعالى.([21])
قلت: أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت.
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص138): (وهذا دين الأمة، وقول أهل السنة في هذه الصفات أن تمر كما جاءت بغير تكييف، ولا تحديد، فمن تجاوز المروي فيها وكيف شيئا منها، ومثلها بشيء من جوارحنا وآلتنا، فقد ضل واعتدى، وابتدع في الدين ما ليس منه، وخرق إجماع المسلمين، وفارق أئمة الدين).اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص210)؛ عن اعتقاد الصحابة في الأسماء والصفات: (لم يتنازعوا في تأويل آيات الصفات، وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم، وكلمة التابعين بعدهم على إقرارها وإمرارها؛ مع فهم معانيها وإثبات حقائقها.
* وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانا، وأن العناية ببيانها أهم؛ لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد فبينها، الله تعالى، ورسوله r بيانا شافيا، لا يقع فيه لبس، ولا إشكال يوقع الراسخين في العلم في منازعة؛ ولا اشتباه).اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج6 ص12): (وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار، واعتقادها وترك المجادلة فيها؛ وبالله العصمة والتوفيق). اهـ
13) وعن الإمام الأوزاعي / قال: (ونؤمن بما وردت السنة به من صفاته جل وعلا).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (365)، والجوزقاني في «الأباطيل والمناكير» (ج1 ص80)، والذهبي في «السير» (ج7 ص120 و121)، وفي «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص181 و182)، وفي «العلو» (334)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ق/264/ط) من طريق إبراهيم بن الهيثم البلدي ثنا محمد بن كثير المصيصي قال: سمعت الأوزاعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن تيمية في «درء التعارض» (ج6 ص262)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج1 ص181).
وقال ابن القيم في «الصواعق» (ج2 ص211): رواته كلهم أئمة ثقات.
وجوده ابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص406).
وذكره ابن تيمية في «الفتوى الحموية» (ص232)، والذهبي في «الأربعين» (ص81)، وابن القيم في «اجتماع الجيوش» (ص135).
وأخرجه الثعلبي في «الكشف والبيان» (ق/14/4/ط)، والذهبي في «العلو» (335) عن الوليد بن مسلم، وقد سئل الأوزاعي عن أحاديث الصفات، فقال: (أمروها كما جاءت).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وإنما قال الأوزاعي ذلك بعد ظهور أمر «جهم» المنكر لكون الله فوق عرشه، النافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف كان خلاف ذلك). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة والجماعة في صفة: «الهرولة» الإقرار، والإمرار، والكف عن تأويلها.([22])
قلت: وصفة «الهرولة» كغيرها من الصفات يثبت ما ورد منها على ما يليق بجلال الله، وعظمته من غير تشبيه ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قلت: والأشاعرة المبتدعة هم الذين يتأولون الصفات ... والعجب من البعض كيف يثبت الصفات ثم يتأول صفة: «الهرولة» على طريقة الأشاعرة المبتدعة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قال فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان: (الذي لا يثبت صفة: «الهرولة» فإنه في ضلال)؛ وذكر له بعض العلماء الذين أولوا صفة: «الهرولة» لله عز وجل مثل: ابن قتيبة، والنووي، والشيخ الفوزان، وغيرهم؛ فخطأهم وقال: (كل يؤخذ من قوله ويرد).([23])
قال تعالى: ]فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله[ [آل عمران: 7].
قال الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج17 ص160): (وأما المعتزلة؛ فيثبتون الأحكام بالعقل ... في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة: لنصوص الشرع). اهـ
فأمروا أحاديث: صفة: «الهرولة» كما جاءت، وقد أجمع السلف([24]) على إمرارها، والله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (وحكوا إجماعهم([25]) على إمرار الصفات أحاديثها، وإنكارهم على المحرفين([26]) لها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص471): (والأشعري، وأمثاله([27]) برزخ بين السلف، والجهمية؛ أخذوا من هؤلاء كلاما صحيحا، ومن هؤلاء أصولا عقلية ظنوها صحيحة: وهي فاسدة). اهـ
وقال العلامة حمد بن عتيق / في «الدرر السنية» (ج3 ص357): (وليحذر طالب الحق من كتب أهل البدع؛ كالأشاعرة، والمعتزلة، ونحوهم، فإن فيها من التشكيك، والإيهام، ومخالفة نصوص الكتاب، والسنة ما أخرج كثيرا من الناس عن الصراط المستقيم، نعوذ بالله من الخذلان). اهـ
قلت: والمبتدعة المعطلة هم: في الحقيقة يجمعون بدعتين: إنكار الصفات، وتحريفها عن معانيها الصحيحة.([28])
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص149):
وتــــأولــــوا عــــلـــم الإلـــــه وقوله |
|
|
وصــفـــاتـــــه بالـــســــلــــب والبـــطلان
|
وقال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ص319): (قالوا: من ردها فهو ضال خبيث، يحذرونه ويحذرون منه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «اجتماع الجيوش» (ص221): (وليس مقصود السلف بأن من أنكر لفظ القرآن يكون جهميا مبتدعا، فإنه يكون كافرا زنديقا، وإنما مقصودهم من أنكر: معناه وحقيقته). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص193):
مـــن قـــال بالــتـــعــطــيـل فـهـو مــكـــذب |
|
|
بــجــمــيــــع رســـــل الله والفــــرقـــــــان
|
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص202):
تــوبـــوا إلى الـــرحـــمـــن مـــن تـعطيلكم |
|
|
فالـــرب يـــقــــبـــــل تـــوبـــــة الـــنـــدمــان
|
مـــن تـــاب مـــنـــكـــم فالــجــــنان مصيره |
|
|
أو مــــــات جـــهـــمـــــيا فـــفي الــنيران |
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص147):
هـــــذا وأصــــل بــلـــيــــة الإسلام مـــن |
|
|
تـــــأويـــل ذي الـــتــــحـــــريف والبطلان
|
14) وعن الإمام أحمد / قال: (وهذه أحاديث نرويها كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص212)، وابن النجاد في «الرد على من يقول: القرآن مخلوق» (ص31) من طريق عبد الله بن أحمد به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص223).
15) وعن الإمام أحمد / قال: (إنما نروي هذه الأحاديث كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص212)، وابن النجاد في «الرد على من يقول: القرآن مخلوق» (ص32) من طريق عبد الله بن أحمد به.
وإسناده صحيح.
وقد بوب الإمام أبو إسماعيل الهروي / في «دلائل التوحيد» (ص79)؛ باب: الهرولة لله عز وجل.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص148): (الذي عليه أهل السنة، وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها؛ الإيمان بما جاء عن النبي r فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد، والكيفية في شيء منه).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (وعليه فنجري الحديث على ظاهره، ونقول: إن الله تعالى يأتي حقيقة: «هرولة»، ويتقرب حقيقة ذراعا وباعا، وأي مانع؟، لأن الله تعالى يفعل ما يريد([29])، وهذا مما يريده عز وجل). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (فهو سبحانه يأتي: «هرولة»، ويأتي بتأن، فأي مانع يمنع هذا؟، ما دام ثبت أنه يأتي في القرآن، فإنه إذا أتى؛ فلا بد أن يكون إما بسرعة، وإما بغير سرعة، فأي مانع يمنع من أن يكون بسرعة، أو بغير سرعة؟، الجواب: لا مانع). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض على المريسي» (ج1 ص561): (وقد أجمعنا([30]) على أن الحركة والنزول، والمشي والهرولة، والاستواء على العرش وإلى السماء قديم، والرضا والفرح والغضب، والحب والمقت، كلها أفعال في الذات للذات، وهي قديمة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص187):
يــــــــا قــــــــوم والله انـــــظــــروا وتفكروا |
|
|
في هــــذه الأخــــبــــــار والقــــــــــــــرآن |
16) وعن الإمام محمد بن الحسن / قال: (اتفق الفقهاء كلهم، من المشرق إلى المغرب، على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله r في صفة الرب من غير تغيير وفي رواية: [من غير تفسير]، ولا وصف، ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك، فقد خرج مما كان عليه النبي r، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا، وفي رواية: [ولكن آمنوا] بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم، فقد فارق الجماعة، لأنه قد وصفه بصفة لا شيء).
أثر حسن
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج3 ص432)، والذهبي في «العلو» تعليقا (ص113)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ق/264/ط)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص14) من طريق داود بن طلحة قال: سمعت عبد الله بن أبي حنيفة الدوسي يقول: سمعت محمد بن الحسن به.
قلت: وهذا سنده حسن، وآثار السلف في هذا الاعتقاد تشهد له.
* وطريقة السلف الصالح جامعة، لكل خير في الدين والدنيا.
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص185):
والله يــــعــــــلــــم أننا في وصــــفـــــه |
|
|
لــــــــم نــــعـــــد مــــــا قـــــد قال في القرآن |
أو قــــــالـــــــــــه أيـــــضا رســـــــــــول الله |
|
|
فـــــــهــــــو الـــصادق المصدوق بالبرهان |
أو قـــــــالــــــــه أصــــــحـــــابــــــه من بعده |
|
|
فـــــهـــــــــــم الــــنـــــجــوم مطالع الإيمان |
17) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال؛ عن أحاديث الصفات: (أدركنا الأعمش، وسفيان الثوري: يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص232) من طريق أحمد بن حنبل به.
وإسناده صحيح.
قلت: فمذهب السلف؛ هو: قبول الأحاديث في الصفات، والعمل بها، وعدم ردها.
وصفة: «الهرولة»؛ فإنا نثبتها من غير تعرض للكيفية، وعدم تحريفها، لأن الأدلة قد وردت بذلك في السنة الصحيحة، والله الهادي إلى سواء الصراط.
قال تعالى: ]آمنا به كل من عند ربنا[ [آل عمران: 7].
وقال الإمام أحمد / في «السنة» (ص212): (أنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص13): (وقد نقل عن جماعة منهم الأمر بالكف عن الكلام في هذا، وإمرار أخبار الصفات كما جاءت). اهـ
18) وعن الإمام محمد بن الحسن / قال: (هذه الأحاديث قد روتها الثقات؛ فنحن نرويها، ونؤمن بها، ولا نفسرها).
أثر حسن
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (741)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص14)، وفي «إثبات صفة العلو» (98)، والذهبي في «العلو» (ص113) من طريق عمرو بن وهب قال: سمعت شداد بن حكيم عن محمد بن الحسن به.
قلت: وهذا سنده حسن.
* والمقصود ها هنا: بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذه المسائل، وأن السني لا يسعه؛ إلا الاتباع والتسليم، لما كان عليه السلف الصالح([31])، والله الموفق.
قلت: وأجمع أهل السنة والجماعة على «إثبات الهرولة للـه تعالى»؛ بمعنى: إثبات هذه الصفة له على ما يليق بجلاله.([32])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص24): (صفة «الهرولة» ثابتة لله تعالى، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة t عن النبي r، قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي (فذكر الحديث، وفيه): وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة)، وهذه «الهرولة» صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر بها عن نفسه، فوجب علينا قبولها بدون تكييف؛ لأن التكييف قول على الله بغير علم، وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأن الله يقول: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج8 ص592)؛ عن الهرولة: (الرواية كما جاءت من غير تعرض للكيفية). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص68): (وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير، والكرم، والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير، والعمل الصالح، ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح ... ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء، وهذه الثمرة، وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى([33]) يجب إثباته لله من التقرب، والمشي و«الهرولة»، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى). اهـ
قلت: هذه الأحكام في الأصول كلها نؤمن بها، ولا نحرفها، والسلف نقلوا لنا هذه الأحكام، ولا بد أن نأخذ بها؛ لأن الذين نقلوا هذه السنن؛ هم: الذين نقلوا لنا الأحكام في الفروع؛ مثل: الطهارة، والصلاة، وسائر الأحكام.
* فقبل أهل الأهواء هذا الأحكام في الفروع من السلف، وأخذوا منهم، واحتجوا بهم، ولكنهم ردوا أحكام الأصول مثل: الصفات وغيرها، ولم يأخذوا منهم، ولم يحتجوا بهم، وهذا من الضلال المبين، لأن كيف يأخذوا من السلف الفروع، ويتركوا الأصول: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5]؛ فمن فعل ذلك فهو مبتدع ضال فاحذروه.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله r ]هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات[ فقال: رسول الله r: (فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج8 ص209)، وفي «خلق أفعال العباد» (ص167)، ومسلم في «صحيحه» (ج4 ص2053)، وأبو داود في «سننه» (4598)، والترمذي في «سننه» (2993 و2994)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص185)، والطيالسي في «المسند» (ج3 ص50)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج2 ص64)، ومحمد بن طاهر في «الحجة» (ج2 ص583)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص179)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج3 ص208)، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص124)، وفي «الأسماء والصفات» (958)، وفي «دلائل النبوة» (ج6 ص545)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص256)، والدارمي في «المسند» (147)، وابن حبان في «صحيحه» (73)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (777)، وابن أبي زمنين في «أصول السنة» (223)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص174)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص9)، وفي «معالم التنزيل» (ج2 ص9)، وإسحاق بن راهويه في «المسند» (ج2 ص389)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص9) من عدة طرق عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة به.
قال الإمام الآجري في / في «الشريعة» (ص299): (هذه السنن كلها نؤمن بها ولا نقول فيها: كيف؟ والذين نقلوا هذه السنن: هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة، وفي الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وسائر الأحكام من الحلال والحرام، فقبلها العلماء منهم أحسن قبول، ولا يرد هذه السنن إلا من يذهب مذهب المعتزلة([34]) فمن عارض فيها أو ردها، أو قال: كيف؟ فاتهموه واحذروه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص174):
فـــاعـــــجــــب لعميـــــان البصائر أبصروا |
|
|
كـــون المـــقـــلد صــــاحب البـــرهــــــان |
ورأوه بالــتـــقـــليــــد أولـــى مــــــــــــن |
|
|
ســـواه بـــغـــيـــر مــا بــصـــر ولا بــرهـــان |
وعــمـــوا عـــن الوحـــييــن إذ لم يفهموا |
|
|
مـــعـــنـــاهـــما عـــجـــبا لـــــذي الحرمان |
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص193):
واحـــذر مـــقالات الذيــــن تـــفــــــرقـوا |
|
|
شــيــــعا وكـــــــانوا شـــيعــــة الــشــيــطان |
قال العلامة المعلمي / في «القائد» (ص14): (ومن أوضح الأدلة على غلبة الهوى على الناس أنهم - كما تراهم - على أديان مختلفة، ومقالات متباينة، ومذاهب متفرقة، وآراء متدافعة؛ ثم تراهم: كما قال الله تبارك وتعالى: ] كل حزب بما لديهم فرحون[ [الروم: 32]). اهـ
قال تعالى: ]وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين[ [الأنعام: 55].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص263): (ولتظهر طريق المجرمين المخالفين: للرسل عليهم السلام). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص204): (فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف على طريقة السلف؛ إنما أتوا من حيث ظنوا: أن طريقة السلف هي: مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث، من غير فقه لذلك! بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: ]ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني[ [البقرة: 78]، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.
* فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف؛ فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة). اهـ
19) وقال الإمام أحمد / في «السنة» (ص212): (هذه الأحاديث نرويها كما جاءت). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص26): (فإنه لا يخفى عليك أن هذه الصفة جاء إثباتها لله تعالى فيما أخبر الله به نفسه عن نفسه: «أتيته هرولة»، وفيما نقله عنه أمينه على وحيه، ورسوله إلى من أرسله إليهم من خلقه، وفيما رواه الصحابة عن رسول الله r، وفيما رواه التابعون عن الصحابة، وفيما رواه أئمة الأمة من بعدهم إلى عصرنا هذا، كلهم يقولون عن الله: «أتيته هرولة»، فقد ذكرت في كلام الله في الحديث القدسي، وفي كلام رسوله، وفي كلام الصحابة، وفي كلام التابعين، وفي كلام الأئمة من بعدهم رواية ودراية، نقلا وقبولا، ولله الحمد.
* ولا يخفى عليك القاعدة العامة عند السلف من أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله تعالى بلا كيف؛ كما اشتهر عنهم قولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف)؛ وهذه القاعدة تجري على كل فرد من أفراد النصوص، وإن لم ينصوا عليه بعينه، ولا يمكننا أن نخرج عنها نصا واحدا إلا بدليل عن السلف أنفسهم، ولو قلنا: إنه لا بد أن ينصوا على كل نص بعينه لم يكن لهذه القاعدة فائدة، ومن ذلك هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإن ظاهره ثبوت إتيان الله تعالى: «هرولة»، وهذا الظاهر ليس ممتنعا على الله عز وجل؛ لأنه لا يتضمن نقصا فيكون داخلا في القاعدة المذكورة، فيثبت لله تعالى حقيقة، ويصان عن الأوهام الباطلة من التمثيل والتكييف، ولا يخفى عليك أن هذا الحديث ليس فيه شيء من المشاكلة). اهـ
وقال الإمام السرمري / في «نهج الرشاد» (ص32):
وأن أحــــــــــاديــــــث الــــصـــــفات وآيها |
|
|
تمــــر كــــمــــر الســــحب من غير ما نشر |
ومـــــا جــــاء في القــــــــــرآن أو صح نقله |
|
|
عـــــــن الــــســـيد المختار من ناقلي الأثر |
قلت: ومذهب السلف الصالح إثبات الصفات، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها([35])، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود؛ لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات.([36])
قال الحافظ الخطيب / في «جوابه في الصفات» (ص74): (فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص6 و7): (وعلى هذا مضى السلف كلهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص27): (وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص242): (الواجب علينا في نصوص الصفات إجراؤها على ظاهرها، وهي بالمعنى العربي). اهـ
20) وعن أشهب بن عبد العزيز قال سمعت مالك بن أنس يقول: (إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع: الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان).
أثر حسن
أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج5 ص70)، وأبو الفضل المقرئ في «أحاديث ذم الكلام» (ص82)، وأبو القاسم في «الحجة» (ج1 ص103)، والصابوني في «عقيدة السلف» (ص244) من طريق محمد بن عمير الرازي حدثنا أبو زكريا يحيى بن أيوب العلاف التجيبي حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا أشهب بن عبد العزيز به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص217).
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج7 ص554): (فإذا كان الله يأتي حقيقة، فإنه لا بد أن يأتي على صفة ما، سواء كانت «الهرولة» أو غيرها، فإذا قال عن نفسه: (أتيته هرولة)؛ قلنا: ما الذي يمنع أن يكون إتيانه هرولة؟؛ إذا كنا نؤمن بأنه يأتي حقيقة، ونحن نؤمن بأنه يأتي حقيقة، فإذا كان يأتي حقيقة، فلا بد أن يكون إتيانه على صفة من الصفات، فإذا أخبرنا بأنه يأتي «هرولة»، قلنا: آمنا بالله.
* لكن كيف هذه: «الهرولة؟»، فالجواب: لا يجوز أن نكيفها، ولا يمكن أن نتصورها، فهي فوق ما تتصور، وفوق ما نتكلم به). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص426): (قوله في هذا الحديث: (تقربت منه)، و(أتيت هرولة) من هذا الباب، والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف، ولا تمثيل). اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج2 ص168): (فالذين عطلوا الله تعالى من صفاته حكموا عقولهم؛ فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل). اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج2 ص168): (من أنكر شيئا من صفات الله تعالى، فهو من المشاقين لله تعالى، ومن المتبعين غير سبيل المؤمنين، ومن الملحدين المعطلين لأسماء الله وصفاته). اهـ
قلت: فثبت بالكتاب أن من اتبع سبيلهم فهو على الحق، ومن خالفهم فهو على الباطل.
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
فمن سبيلهم في الاعتقاد: الإيمان بآيات الصفات وأحاديثها، والإقرار بها، وإمرارها كما جاءت، لا نفسر ولا نأول بما يخالف ظاهرها.([37])
قال العلامة الشيخ عثمان النجدي / في «نجاة الخلف» (ص17): (مذهب سلف الأمة وأئمتها: أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله r: من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيثبتون له ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينزهونه عما نزه عنه نفسه من مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].
وقوله: ]ليس كمثله شيء [؛ رد على الممثلة.
وقوله: ]وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]؛ رد على المعطلة.
قال بعض العلماء: المعطل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما، والموحد يعبد إلها واحدا صمدا). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج2 ص255): (وقد سرى هذا التعطيل إلى سائر فرق المعطلة، على اختلاف آرائهم، وتباينهم في التعطيل، كما سرى داء الشرك تأصيلا، وتفصيلا في سائر فرق المشركين على اختلاف مذاهبهم فيه، وكما سرى جحد النبوات تأصيلا، وتفصيلا في سائر من جحد النبوة أو صفة من صفاتها، أو أقر بها جملة، وجحد مقصودها، وزبدتها أو بعضه.
* فهذه الفرق الثلاثة سرى داؤها، وبلاؤها في الناس، ولم ينج منه إلا أتباع الرسول r، العارفون بحقيقة ما جاء به، المتمسكون به دون ما سواه، ظاهرا وباطنا.
* فداء التعطيل، وداء الإشراك، وداء مخالفة الرسول r وجحد ما جاء به، أو شيء منه: هو أصل بلاء العالم، ومنبع كل شر، وأساس كل باطل. فليست فرقة من فرق أهل الإلحاد، والباطل والبدع إلا وقولها مشتق من هذه الأصول الثلاثة، أو من بعضها.
فــــإن تـــنـــج مـــنــها تنج من ذى عظيمة |
|
|
وإلا فـــــــإنى لا أظنـــــــــك نـــاجيا). اهـ |
قلت: رحم الله الإمام ابن القيم؛ كيف لو رأى، وسمع عن: «جهمية» هذا الزمن الذين حاربوا أهل التوحيد، ويحاولون القضاء على التوحيد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص409): (والصواب: أن جميع هذه التأويلات مبتدعة لم يقل أحد من الصحابة شيئا منها، ولا أحد من التابعين لهم بإحسان؛ وهي خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص26): (القاعدة العامة عند السلف من أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله تعالى بلا كيف؛ كما اشتهر عنهم قولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف).
* وهذه القاعدة تجري على كل فرد من أفراد النصوص، وإن لم ينصوا عليه بعينه، ولا يمكننا أن نخرج عنها نصا واحدا إلا بدليل عن السلف أنفسهم.
ولو قلنا: إنه لا بد أن ينصوا على كل نص بعينه لم يكن لهذه القاعدة فائدة، ومن ذلك هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإن ظاهره ثبوت إتيان الله تعالى: «هرولة»، وهذا الظاهر ليس ممتنعا على الله عز وجل؛ لأنه لا يتضمن نقصا فيكون داخلا في القاعدة المذكورة، فيثبت لله تعالى حقيقة). اهـ
وقال الإمام السرمري / في «نهج الرشاد» (ص31):
ومــــذهبــــــــنا لا كيـــــــــف لا مثل لا لما |
|
|
بالإقـــــــــرار والإمـــــــرار من غير ما فسر |
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص280): (فهؤلاء حرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معان عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابا كثيرا، وسموا ذلك تأويلا، وهو في الحقيقة تحريف).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص25)؛ فيما يتعلق بالحديث القدسي الذي: رواه النبي r عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال: (من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة): (تعلم أن هذا الحديث أخبر الله تعالى به عن نفسه، ونقله عنه أمينه على وحيه، ورسوله r إلى عباده، ومبلغ رسالته على الوجه الأتم، ونقله عن هذا الرسول r أمناء أمته من الصحابة والتابعين، وأئمة الأمة من أهل الحديث والفقه، وتلقته الأمة بالقبول.
* وتعلم أن الله تبارك وتعالى: أعلم بنفسه وبغيره: ]والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [البقرة: 219]، ]قل أأنتم أعلم أم الله[ [البقرة: 140].
* وتعلم أن الله تعالى لم يطلع خلقه على ما علمه إياهم من أسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، إلا ليبين لهم الحق حتى لا يضلوا: ]يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم[ [النساء: 176] .
* وتعلم أنه لا أحد أحسن من الله حديثا، ولا أصدق منه قيلا، وأن كلامه جل وعلا في أعلى الفصاحة والبيان.
* وقد قال سبحانه عن نفسه: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)، فلا تستوحش يا أخي من شيء أثبته الله تعالى لنفسه بعد أن علمت ما سبق، واعلم أنك إذا نفيت أن الله تعالى يأتي هرولة؛ فسيكون مضمون هذا النفي صحة أن يقال: إن الله لا يأتي هرولة، وفي هذا ما فيه.
* ومن المعلوم أن السلف يؤمنون بأن الله تعالى يأتي إتيانا حقيقيا للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق به، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وليس في هذا الحديث القدسي إلا أن إتيانه يكون «هرولة» لمن أتاه يمشي، فمن أثبت إتيان الله تعالى حقيقة لم يشكل عليه أن يكون شيء من هذا الإتيان بصفة: «الهرولة» على الوجه اللائق به. وأي مانع يمنع من أن نؤمن بأن الله تعالى يأتي «هرولة»، وقد أخبر الله تعالى به عن نفسه، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
* وليس في إتيان الله تعالى «هرولة» على الوجه اللائق به بدون تكييف ولا تمثيل شيء من النقص، حتى يقال: إنه ليس ظاهر الكلام، بل هو فعل من أفعاله يفعله كيف يشاء، ولهذا لم يأت في كلام الله تعالى عنه، ولا في كلام رسول الله r ما يصرفه عن ذلك). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([38])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
21) وعن الإمام أبي عبيد / قال؛ عن الصفات: (وهذه الأحاديث ... هي عندنا حق، حملها الثقات بعضهم عن بعض، غير أنا إذا سئلنا عن تفسيرها لا نفسرها([39])، وما أدركنا أحدا يفسرها).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (ج2 ص90)، والأزهري في «تهذيب اللغة» (ج9 ص45)، وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص439)، والآجري في «الشريعة» (ص255)، والدارقطني في «الصفات» (ص68 و69)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص149)، واللالكائي في «أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (ج2 ص526)، وابن البناء في «المختار في أصول السنة» (70)، وفي «الرد على المبتدعة» (ص151)، وابن منده في «التوحيد» (ج1 ص232)، والخلال في «السنة» (311)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ق/264/ط)، والزبيدي في «طبقات النحويين» (ص200)، والذهبي في «العلو» (ص127)، وفي «السير» (ج1 ص505)، وفي «العرش» (ج2 ص236)، وأبو يعلى في «إبطال التأويلات» (ج1 ص48)، والدقاق في «مجلس رؤية الله تعالى» (7) من طرق عن العباد بن محمد، وعباس الدوري عن أبي عبيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في «مختصر العلو» (ص186)، والذهبي في «العرش» (ج2 ص237).
وقال ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص333): وروي بأسانيد صحيحة عن أبي عبيد القاسم بن سلام.
وذكره ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص20).
قلت: وقد بين الإمام أبو عبيد /، أن هذه الصفات لا تفسر، ولا سمع أحدا يفسرها؛ تفسير: الجهمية المعطلة. ([40])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص333): (أبو عبيد أحد الأئمة الأربعة: الذين هم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد؛ وله من المعرفة بالفقه، واللغة، والتأويل: ما هو أشهر من أن يوصف وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء، وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها؛ أي: تفسير الجهمية). اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص395): (نحن لا ننتهي في صفاته جل جلاله إلا إلى حيث انتهى إليه رسول الله r، ولا ندفع ما صح عنه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1046)؛ وهو يتكلم عن أنواع التكذيب بنصوص الصفات: (ولو أقر بلفظه مع جحد معناه، أو حرفه إلى معان أخر غير ما أريد به لم يكن مصدقا، بل هو إلى التكذيب أقرب). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج10 ص506): (قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم، وما أبقوا ممكنا.
* وآيات الصفات، وأحاديثها؛ لم يتعرضوا لتأويلها أصلا، وهي أهم الدين، فلو كان تأويلها سائغا أو حتما، لبادروا إليه). اهـ
وقال الإمام الترمذي / في «السنن» (ج4 ص692): (والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم؛ أنهم رووا هذه الأشياء، ثم قالوا: تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها، ولا يقال: كيف؟، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن يرووا هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها، ولا تفسر، ولا تتوهم، ولا يقال: كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه). اهـ
قلت: فالسلف الصالح ينهون عن تفسير نصوص صفات الله تعالى، ويريدون به؛ النهي عن تفسيرها بتفسيرات: الجهمية المعطلة البدعية.
قال تعالى: ]انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا[ [الإسراء: 48].
وقال تعالى: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74].
وقال تعالى: ]وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله[ [البقرة: 102].
قال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص240): (فكما أنه تعالى له ذات لا تشبه ذوات خلقه، فله صفات لا تشبه صفات خلقه، هو جل شأنه لا يقاس بخلقه، لا في أحكامه، وقضائه، وقدره، ولا في أفعاله وصفاته، كما لا يقال بهم في ذاته، قال تعالى: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74]، وقال تعالى: ]انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا[ [الإسراء: 48]، وقال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «تعليقه على العقيدة الواسطية» (ص19): (قوله: (الفرقة الناجية: أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات)؛ هو إثبات ما جاء في القرآن العظيم، والسنة الصحيحة؛ من أسماء الله وصفاته، على الوجه اللائق بجلال الله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ عملا بقول الله تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]، فنفى عن نفسه المماثلة، وأثبت السمع والبصر، فدل ذلك على أن مراده سمع وبصر لا يماثلان أسماع الخلق وأبصارهم). اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص332): (والله تعالى كما هو صريح القرآن، وصريح سنة الرسول r له صفات؛ صفات لائقة بعظمته، ومجده وكبريائه، صفات يجب إثباتها لله كما أثبتها الله لنفسه في القرآن، وكما أثبتها الرسول r لربه في سنته المطهرة.
* صفات يجب إثباتها لله تعالى على الحقيقة لا على المجاز خلافا: «للمعتزلة»، و«الجهمية»، و«الماتريدية، و«الأشاعرة»، و«القدرية».
* فما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله r وجب إثباته؛ إثباتا من غير تكييف، ولا تمثيل، ومن غير تحريف، ولا تعطيل: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص118): (ما جاء عن النبي r من نقل الثقات، وجاء عن الصحابة وصح عنهم؛ فهو علم يدان به، وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصل فيما جاء عنهم؛ فبدعة وضلالة).اهـ
قلت: وهم خير القرون بنص الرسول r عنهم، وإجماعهم حجة ملزمة، لأنه مقتضى الكتاب والسنة.
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص173):
واعــــلــــم بـــــأن طــــريقـــهـــــم عكــس |
|
|
الـــطــــريق المـــســـتــقــيم لمن له عينان
|
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص296): (وأهل السنة والجماعة: جعلوا المتبادر من النصوص هو: المعنى الحقيقي اللائق بالله تعالى، وقالوا: إن هذا المعنى حق على حقيقته، لكنه لائق بالله تعالى.
ففي قولهم: (إنه حق على حقيقته)؛ رد على المعطلة، وفي قولهم: (اللائق بالله)؛ رد على الممثلة الذين جعلوه مماثلا للمخلوق). اهـ
قلت: فهم مجمعون على الإقرار، والإيمان لهذه الصفات العظيمة.
22) وعن الإمام أحمد / قال: (ألا إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ج1 ص280)، وابن البناء في «المختار في أصول السنة» (ص97) من طريق النجاد قال أخبرنا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص224).
وقال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص7): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة). اهـ
وقال الحافظ البيهقي / في «الأسماء والصفات» (ج2 ص43): (أما المتقدمون من هذه الأمة، فإنهم لم يفسروا ما كتبنا من الآيتين والأخبار في هذا الباب). اهـ. يعني: في باب الصفات.
وقال الإمام ابن سريج / في «أجوبة في أصول الدين» (ص86)؛ في الصفات: (أنا نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها، ولا ننقص منها، ولا نفسرها، ولا نكيفها، ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب، ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلق الله عز وجل.
* ونفسر الذي فسره النبي r، وأصحابه، والتابعون، والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة.
* ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر لظاهره، والآية لظاهر تنزيلها، لا نقول بتأويل: «المعتزلة»، و«الأشعرية»، و«الجهمية»، و«الملحدة»، و«المجسمة»، و«المشبه»، و«الكرامية»، و«المكيفة».
* بل نقبلها بلا تأويل، ونؤمن بها بلا تمثيل.
ونقول: الآية والخبر صحيحان، والإيمان بهما واجب، والقول بهم سنة، وابتغاء تأويلها: بدعة وزندقة). اهـ
وسئل الشيخ العلامة الألباني /: هل تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟
الجواب: (الهرولة: كالمجيء والنزول، صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها إذا خصصناها بالله عز وجل؛ لأن هذه الصفات ليست صفة نقص حتى نبادر رأسا إلى نفيها ... لكن لا أتوسع([41]) في موضوع «الهرولة»، ولا أزيد على أكثر مما جاء في الحديث)([42]). اهـ
قلت: فالشيخ الألباني / يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهر الحديث.
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي؛ عن صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»: (هذه كلها من الصفات الفعلية لله عز وجل ... لكن ثمراتها([43]) أن الله تعالى أسرع بالخير إلى العبد، وأسرع بالإثابة من فعل العبد للطاعة([44])، فهذه ثمرات، وليست هي الصفات ... وهذه الصفات الفعلية توصف بها نفس الله عز وجل). ([45]) اهـ
وقد ورد في الفتوى (رقم: 6932) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية (ج3 ص142) ما يلي:
س: هل لله صفة الهرولة؟.
ج: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه ... وبعد:
نعم؛ صفة «الهرولة» على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به، قال تعالى: (إذا تقرب إلي العبد شبرا؛ تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا؛ تقربت منه باعا، وإذا أتاني ماشيا؛ أتيته هرولة). رواه: البخاري، ومسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم).([46]) اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في «الفتاوى» (ج1 ص188): (من المعلوم أن السلف يؤمنون بأن الله تعالى يأتي إتيانا حقيقيا للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق به، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وليس في هذا الحديث القدسي إلا أن إتيانه يكون: «هرولة» لمن أتاه يمشي، فمن أثبت إتيان الله تعالى حقيقة، لم يشكل عليه أن يكون شيء من هذا الإتيان بصفة: «الهرولة» على الوجه اللائق به، وأي مانع يمنع من أن نؤمن بأن الله تعالى يأتي: «هرولة»، وقد أخبر الله تعالى به عن نفسه، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير؟!.
* وليس في إتيان الله تعالى «هرولة» على الوجه اللائق به بدون تكييف ولا تمثيل شيء من النقص، حتى يقال: إنه ليس ظاهر الكلام، بل هو فعل من أفعاله يفعله كيف يشاء). اهـ
23) وعن الإمام أبي القاسم / قال: (ما جاء في الصفات في كتاب الله تعالى، أو روي بالأسانيد الصحيحة، فمذهب السلف رحمة الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات، وعلى هذا مضى السلف كلهم).
أثر صحيح
أخرجه ابن قدامة في «ذم التأويل» (40) من طريق يحيى بن محمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام الحميدي / في «أصول السنة» (ج2 ص546): (أصول السنة: -فذكر أشياء- ثم قال: ما نطق به القرآن والحديث ... لا نزيد ولا نفسر، ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
24) وعن الإمام أحمد / قال: (وهذه الأحاديث التي جاءت؛ نرويها كما جاءت ولا نفسرها).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص155)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص230)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص226) من طريق أبي جعفر محمد بن سليمان المنقري قال: حدثني عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن قدامة في «ذم التأويل» (ص40): (وأما الإجماع: فإن الصحابة y أجمعوا على ترك التأويل بما ذكرناه عنهم، وكذلك أهل كل عصر بعدهم، ولم ينقل التأويل إلا عن مبتدع، أو منسوب إلى بدعة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص320):
يــــــا قـــــوم فــــانـــتـــبـــهوا لأنـــفــســـكم |
|
|
وخـــــلـــــوا الجهل والدعوى بلا برهان |
25) وعن الإمام ابن المديني / قال: (ونحو هذه الأحاديث مما ذكرناه، ومما لم نذكره في هذه الأحاديث: مما صح وحفظ، فإنه يسلم له، وإن لم يعلم تفسيره، فلا يتكلم فيه، ولا يجادل فيه ولا يتكلم فيه ما لم يبلغ لنا منه، ولا نفسر الأحاديث إلا على ما جاءت، ولا نردها).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص160) من طريق أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن بسطام يقول: سمعت سهل بن محمد قرأها على علي بن عبد الله بن جعفر المديني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص40): (والإجماع حجة قاطعة فإن الله لا يجمع أمة محمد عليه السلام على ضلالة، ومن بعدهم من الأئمة قد صرحوا بالنهي عن التفسير، والتأويل، وأمروا بإمرار هذه الأخبار كما جاءت، وقد نقلنا إجماعهم عليه فيجب اتباعه، ويحرم خلافه). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص41): (ومن المعنى: أن صفات الله تعالى وأسماءه لا تدرك بالعقل؛ لأن العقل إنما يعلم صفة ما رآه أو رأى نظيره، والله تعالى لا تدركه الأبصار، ولا نظير له ولا شبيه؛ فلا تعلم صفاته وأسماؤه إلا بالتوقيف، والتوقيف إنما ورد بأسماء الصفات دون كيفيتها وتفسيرها، فيجب الاقتصار على ما ورد به السمع لعدم العلم بما سواه، وتحريم القول على الله تعالى بغير علم بدليل: قول الله تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف: 33] ). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «ذم التأويل» (ص47): (ينبغي أن يعلم أن الأخبار الصحيحة التي ثبتت بها صفات الله تعالى هي الأخبار الصحيحة الثابتة بنقل العدول الثقات التي قبلها السلف، ونقلوها ولم ينكروها، ولا تكلموا فيها). اهـ
قلت: فيكفي المرء الإيمان بما عرف من هذه الأحاديث في الصفات.([47])
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص131)؛ وهو يقرر إثبات صفة: «الهرولة» على ظاهر الحديث: (وقوله r: (يقول الله عز وجل: أنا مع ظن عبدي بي، وأنا معه حيث ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منه، وإن تقرب مني شبرا، تقربت منه ذراعا، وإن تقرب منى ذراعا، تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)؛ ومن فهم من شيء من هذه النصوص تشبيها، أو حلولا، أو اتحادا، فإنما أتي من جهله، وسوء فهمه عن الله تعالى، ورسوله r، والله تعالى ورسوله r بريئان من ذلك كله، فسبحان من ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني / في «التعليق على الترغيب» (ج2 ص610)؛ في رده على أهل التأويل: (ولو أنهم تلقوها حين سماعها، مستحضرين؛ قوله: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]؛ لما ركنوا إلى التأويل، وآمنوا بحقائقها على ما يليق به تعالى.
* شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي: «السمع»، و«البصر»، وغيرهما من صفاته عز وجل، مع تنزيهه عن مشابهة للحوادث، لو فعلوا ذلك هنا، لاستراحوا وأراحوا، ونجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته). اهـ
قلت: وقد روى أئمة الحديث؛ أحاديث صفة: «الهرولة» في كتبهم، ولم يتعرضوا لتأويلها، وتفسيرها بشيء، وهذا مما يدل على أنهم يثبتون صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث، وهم:
1) الإمام البخاري / في «الجامع الصحيح» (ج6 ص2694)، وفي «خلق أفعال العباد والرد على الجهمية» (ص742).
2) الإمام ابن منده / في «الرد على الجهمية» (ص93).
3) الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج1 ص16).
4) الإمام ابن بطة / في «الرد على الجهمية» (ج3 ص377).
5) الإمام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص646)، وفي «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259).
وهؤلاء الأئمة: طريقتهم في ذكر أحاديث الصفات في كتبهم: إمرارها على ظاهرها.([48])
* ولذلك ذكروا آثار السلف؛ بقولهم: (أمروها كما جاءت بلا تفسير)؛ على إثبات صفة: «الهرولة».
قال الإمام أبو إسحاق الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص684): (قوله: هرولة: مشي سريع). اهـ
وقال الإمام أبو موسى المديني / في «المجموع المغيث» (ج2 ص684): (قوله: (من أتانى يمشى أتيته هرولة): وهي مشي سريع بين المشي والعدو). اهـ
قلت: وهذا إثبات منهما لصفة: «الهرولة» على حقيقتها، وهي المشي السريع، وهي في حق الله تعالى على ما يليق بكماله وجلاله.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1150)؛ عن إثبات النبي r للصفات للرب تعالى: (ومرة يشير بإصبعه، ومرة يضع يده على عينه وأذنه حين يخبر عن سمع الرب وبصره، ومرة يصفه بالنزول، والمجيء، والإتيان، والانطلاق، والمشي، و«الهرولة»، ومرة يثبت له الوجه، والعين، واليد، والإصبع والقدم، والرجل، والضحك، والفرح، والرضى، والغضب، والكلام، والتكليم، والنداء بالصوت والمناجاة). اهـ
وقال فضيلة الشيخ محمد الجامي / في؛ إثبات صفة الهرولة: (الحديث القدسي الذي فيه: (إذا تقرب عبدي مني شبرا، تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة)؛ فأتباع السلف الذين ينهجون منهج السلف لا يستبعدون إتيان الله تعالى سواء كان ذلك مشيا، أو «هرولة»، وإتيان الله تعالى إلى بعض عباده، وتقرب الله تعالى إلى بعض عباده ... لا يستغربون الصفات كلها من باب واحد؛ لا فرق عندهم بين هذا الحديث –يعني: حديث الهرولة- وبين حديث النزول، وآية الاستواء، والنزول، والإتيان، وتقريب الله تعالى بعض عباده، وتقربه بنفسه بما يليق به، يؤمنون بذلك على ظاهر هذه النصوص على ما يليق بالله تعالى دون أن يشبهوا تلك الصفات بصفات خلقه).([49]) اهـ
قلت: وهذه الصفات نقلتها الأمة نقلا عاما متواترا؛ خلفا عن سلف، وحصل العلم الضروري للخلق بذلك؛ كما حصل لهم العلم الضروري أن النبي r بلغهم ألفاظ هذه الصفات العلى؛ منها: صفة: «الهرولة»، وحصل اليقين من كلام الله تعالى، وكلام رسوله r؛ لأن ذلك يفيد اليقين.([50])
قال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي: (إن «الملل»، و«الهرولة»؛ وصف يليق بالله تعالى، ولا يلزم منه النقص؛ لأنه سبحانه لا يشابه المخلوقين في شيء من الصفات؛ لكن من أثر الصفة: أن الله أسرع بالخير من العبد).([51]) اهـ
26) وعن الإمام أحمد / قال: (ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له، وإن لم يعلم تفسيرها، ولا يتكلم فيه، ولا يجادل فيه، ولا تفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت، ولا نردها إلا بأحق منها).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص155)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص230)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص226) من طريق أبي جعفر محمد بن سليمان المنقري قال: حدثني عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وانظر: كتاب: «أصول السنة» للإمام أحمد (ص12).
قلت: وهذه أحاديث صحيحة في صفة: «الهرولة»؛ رواها: جماعة من الصحابة y عن النبي r، وأصحاب الحديث فيما ورد في السنة النبوية، ولم يتكلم أحد من الصحابة y، والتابعين الكرام في تأويلها، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص24): (الواجب في نصوص القرآن، والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات، حيث لا مجال للرأي فيها). اهـ
27) وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (من رأيتموه ينكر من هذه الأحاديث فاحسبوه من الجهمية).([52])
أثر صحيح
أخرجه الدارقطني في «الصفات» (62)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (418)، وابن منده في «التوحيد» (ج2 ص115) من طرق عن وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
28) وعن الإمام شريك بن عبد الله؛ وقيل له أن المعتزلة ينكرون أحاديث الصفات، فقال: (أما نحن فقد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله r فهم عمن أخذوا؟).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (508)، و(509)، والدارقطني في «الصفات» (67)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (958)، والذهبي في «العلو» معلقا (144)، وابن منده في «التوحيد» (ج3 ص116) من طريق عباد بن العوام به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص231): (الواجب على الأمة ولا سيما العلماء منهم: إجراء نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، والظاهر من الكلام هو المتبادر منه عند الإطلاق، كما سيأتي في الأدلة لا سيما نصوص الصفات؛ لأن نصوص الصفات من الأمور الغيبية التي ليس للعقل فيها مجال حتى يتحكم ويقول: هذا لا يراد به ظاهره. وما أشبه ذلك، فنحن نسلم لهذه النصوص، ونجريها على ظاهرها مع اعتقاد أن ظاهرها لا يراد به الباطل).اهـ
قلت: فإجماع المسلمين قديما ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التحريف؛ فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة؛ وهم: الصحابة الذين هم خير القرون، والتابعون لهم بإحسان، وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله r من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.([53])
قال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص39): (وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص175): (ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد r، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد r على هدي كل أحد ... والإجماع، هو الأصل الثالث: الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص346): (من قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة). اهـ
قلت: فمصادر المعرفة في الاعتقاد موقوفة على هذه الأصول الثلاثة عند السلف الصالح، فعنها يصدرون، ومنها ينهلون، إذ لا حاجة لهم إلى غيرها في تلك المطالب، فقد ضمن الله لعباده فيها الهدى والنور، والعصمة من الغي والضلال، وفيها الكفاية والرحمة والذكرى لمن طلب الحق وصح قصده: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال الإمام ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص96): (ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه؛ إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله، أو صح عن رسول r، أو أجمعت عليه الأمة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص136): (وأما الأمور الإلهية، والمعارف الدينية؛ فهذه العلم فيها مأخذه عن الرسول؛ فالرسول أعلم الخلق بها، وأرغبهم في تعريف الخلق بها، وأقدرهم على بيانها وتعريفها، فهو فوق كل أحد في العلم والقدرة والإرادة، وهذه الثلاثة بها يتم المقصود). اهـ
* وهذا المنهج المتين الذي قام عليه مذهب السلف في الاستدلال قد دلت عليه أدلة كثيرة من النقل والعقل السليم([54])، فمنها:
قوله تعالى: ]فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[ [الأعراف: 158].
وقوله تعالى: ]من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا [ [النساء: 80].
وقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
قلت: والرد إلى النبي r يكون إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته.([55])
* وإن تمسك السلف بالكتاب والسنة في أبواب الاعتقاد؛ لهو أعظم معالم منهجهم الذي خالفوا به عامة الطوائف المنحرفة، كما أنه من أعظم نعم الله عليهم، وذلك أن من فتح الباب لعقله في هذه المطالب الغيبية ضل، وانحرف عن السبيل، وتاه في ظلمات الغي والضلال.([56])
قلت: فالشرع ينبه على الطريق العقلية التي بها يعرف الصانع، فتكون عقلية شرعية ... والمعرفة المفصلة بأسماء الله وصفاته التي بها تحصل الإيمان بالشرع.([57])
قال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص241): (والعقل الصحيح، يتفق مع النقل الصريح). اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص94): (فهو جل شأنه المعبود المألوه: المستحق أن يفرد بجميع أنواع العبادة: لما اتصف به من صفات الكمال، ونعوت الجلال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج7 ص308): (إنه يعلم بالفطرة، وبالعقل إثبات الصانع على طريق الإجمال، وأما تفصيل صفاته وأسمائه فتعلم بالسمع). اهـ
قلت: وبهذا يتبين أن العلاقة بين العقل والنقل علاقة تكامل وتوافق، لا علاقة تنازع، وتعارض؛ بل يقال: إن العلاقة بين صحيح النقل، وصحيح العقل علاقة تضمن.
* ودلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، والتضمن، وبالالتزام، وهذه قاعدة، وهي من أهم القواعد.
وهذه القاعدة: لا تختص بالأسماء في الواقع، بل كل لفظ فإنه يدل على المعنى بالمطابقة والتضمن والالتزام، ولهذا نقول أنواع الدلالة ثلاثة: بالمطابقة، والتضمن، وبالالتزام.
بالمطابقة: باعتبار دلالة اللفظ على جميع المعنى، وتكون بالتضمن وهي: دلالة اللفظ على أجزائه؛ أي: أجزاء المعنى، بالالتزام وهي: دلالة اللفظ على معنى خارج لا يدخل تحت الاشتقاق.
مثال ذلك: إذا قلت: «هذه دار»، فإنها تشمل الحجر، والغرف، والبرحات كلها دلالة مطابقة، ودلالتها على كل حجرة بعينها، أو كل برحة بعينها دلالة تضمن، ودلالتها على أن لها بانيا دلالة التزام؛ لأنه لا بد من بان.
مثال ثان: «السيارة»، فكلمة «السيارة» تدل على كل السيارة بهيكلها، وعجلاتها، وماكينتها، وأنابيبها، وكل شيء بالمطابقة، وتدل على العجلات فقط، أو على البطارية فقط بالتضمن([58])، وتدل على الذي صنعها بالالتزام، أي: أن لها صانعا، ولم تصنع نفسها.
مثال ثالث: الجمل: يدل هذا اللفظ على كل الجمل دلالة مطابقة، وعلى يده، أو رجله، أو رأسه، أو ذيله دلالة تضمن، وعلى أن له خالقا دلالة التزام، إذن دلالة المطابقة مساواة اللفظ للمعنى، ودلالة التضمن دلالة اللفظ على جزء معناه، ودلالة الالتزام على شيء خارج.
مثال ذلك: «الخالق» يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها، وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.([59])
فالخالق: يدل على فاعل وصفة، فالفاعل هو: الله، والصفة هي: الخلق، فالخلق: وهو الصفة لا بد فيه من علم، ولا بد فيه من قدرة؛ لأن من لا يعلم لا يمكن أن يخلق، ومن لا يقدر لا يمكن أن يخلق؛ ولهذا قلنا: «ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام».
* لأن العلم والقدرة لا يدل عليهما اللفظ من حيث الاشتقاق، فاللفظ من حيث الاشتقاق يدل على خالق وخلق، لكن على علم، وقدرة، وإرادة لا يدل، وقد زدنا الإرادة؛ لأنه لا يمكن خلق إلا بعلم، وإرادة، وقدرة. فدلالة الخالق أو الخلاق على العلم، والإرادة، والقدرة دلالة التزام؛ لأن نفس الإرادة، والعلم، والقدرة لا يدل عليها لفظ: «خلق».
وجه ذلك؛ الأول: أنه لا يمكن خلق إلا بعلم، بأن يعلم كيف يخلق، والثاني: إرادة، والثالث: قدرة، ولنضرب لهذا مثلا بالنسبة للمخلوق؛ هل يمكن لإنسان أن يصنع بابا إلا بعد العلم كيف يصنعه، وبعد الإرادة بأن يريد أن يصنعه، وبعد القدرة بأن يقدر على أن يصنع، وإلا ما صنع بابا!.
إذن: دلالة أسماء الله تبارك وتعالى على الذات والصفة دلالة مطابقة، ودلالتها على الذات وحدها، أو الصفة وحدها دلالة تضمن؛ لأنها دلت على جزء المعنى، ودلالتها على أمر خارج لا بد منه دلالة التزام.
قال تعالى: ]الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا[ [الطلاق: 12] يعني: أخبرناكم بذلك؛ لتعلموا: ]أن الله على كل شيء قدير[ [الطلاق: 12]، ولولا قدرته ما خلق: ]وأن الله قد أحاط بكل شيء علما[ [الطلاق: 12]، ولولا علمه ما خلق.([60])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج8 ص24): (إن الأدلة العقلية والسمعية متلازمة، كل منهما مستلزم صحة الآخر.
فالأدلة العقلية: تستلزم صدق الرسل فيما أخبروا به.
والأدلة السمعية: فيها بيان الأداة العقلية التي بها يعرف الله، وتوحيده، وصفاته، وصدق أنبيائه). اهـ
قلت: واعلم أن ظواهر نصوص الكتاب والسنة معلومة لنا باعتبار المعنى المتبادر إلى الذهن ومفهومه، وهي أيضا مجهولة لنا باعتبار الكيفية.
فمذهب أهل السنة والجماعة: أن الألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي.
فنثبت ما أثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني، وذلك في نصوص الأسماء والصفات وغيرها.
* وهم بذلك قد فارقوا أهل التعطيل والتأويل، وأهل التجهيل من جهة ... وأهل التشبيه والتمثيل من جهة أخرى، فلم يفوضوا([61]) المعنى المراد من نصوص الصفات، ولم يكيفوا([62]) صفات الله تعالى بصفات المخلوق.([63])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص133): (لهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل؛ كما قال تعالى ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]، فقوله: ]ليس كمثله شيء[ رد على أهل التمثيل، وقوله ]وهو السميع البصير[؛ رد على أهل التعطيل). اهـ
قلت: فأهل السنة يسلمون تسليما مطلقا؛ لكل ما صح في نصوص الوحي؛ فما أثبته النقل أثبتوه، وما نفاه نفوه، وما سكت عنه توقفوا فيه دون إثبات أو نفي.([64])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص41): (أن ما أخبر به الرسول r عن ربه؛ فإنه يجب الإيمان به سواء عرفنا معناه، أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق؛ فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها). اهـ
قلت: فالنبي r بين لأصحابه الكرام القرآن لفظه ومعناه، فبلغهم معانيه؛ كما بلغهم ألفاظه، ولا يحصل البيان، والبلاغ المقصود إلا بذلك.([65])
قال الحافظ الخطيب / في «جوابه في الصفات» (ص74): (أما الكلام في الصفات؛ فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها، وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية، والتشبيه عنها). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «جوابه في الصفات» (ص74): (فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد، وتكييف). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «التحف» (ص18)؛ عن اعتقاد السلف في الصفات: (قد كانوا يمرون أدلة الصفات على ظاهرها، ولا يتكلفون علم ما لا يعلمون ولا يتأولون: وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لا يشك فيه شاك، ولا ينكره منكر، ولا يجادل فيه مجادل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج1 ص145): (فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضا الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل).اهـ
قلت: فالسلف يراعون الألفاظ والمعاني، فلا يتكلمون إلا بالألفاظ الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة.
قال تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
وقال تعالى: ]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[ [إبراهيم: 4].
قلت: فتفسير الصفات: فإن كان المفسر صحابيا فتأويله مقبول متبع، لأنه شاهد التنزيل، وعرف التأويل الصحيح.
* وأما إذا لم يكن المفسر صحابيا نظرنا في تأويله، فإن تابعه عليه الأئمة([66]) من نقلة السنة تابعناه على تفسيره وقبلناه، لأن ذلك هو سبيل المؤمنين الذين لا يجتمعون على ضلالة.([67])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص195): (ومذهب سلف الأمة وأئمتها: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله r من غير تحريف ولا تعطيل؛ ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه؛ ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين؛ بل هو سبحانه ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11] ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله). اهـ
وقال الإمام الطحاوي / في «عقيدته» (ص149): (ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام). اهـ
قلت: فقدم الإسلام لا يثبت إلا على قنطرة التسليم.([68])
قال تعالى: ]والراسخون في العلم يقولون آمنا[ [آل عمران: 7].
* فيجب التسليم بجميع ما ورد عن الرسول r، وقبوله، واتباع سنته([69])؛ كما قال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].
قلت: فيجب التسليم، والقبول لآيات، وأحاديث الصفات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص169): (وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله دينا غيره). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص169): (فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته). اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج1 ص168): (يجب الاستسلام والتسليم لنصوص الكتاب والسنة). اهـ
قلت: فلا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، وقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص538): (أنهم –يعني: الصحابة- لم يكونوا يدعون ما يعرفون من السنة تقليدا لهؤلاء الثلاثة؛ كما تفعله فرقة التقليد، بل من تأمل سيرة القوم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحد كائنا من كان). اهـ
قال الإمام الشافعي: (لقد ضل من ترك حديث رسول الله r لقول من بعده).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386) من طريق يوسف ابن القاسم الميانجي، حدثني الحسين بن الفتح، قال: حدثني أبو محمد بن صاعد، نا بحر، نا الشافعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
29) وعن مالك بن أنس، قال: سمعت ابن شهاب، يقول: (سلموا للسنة ولا تعارضوها).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص385)، والدارقطني في «الصفات» (ص44)، وأبو الفتح نصر المقدسي في «الحجة» (ج1 ص12) من طريق يحيى بن أيوب الزاهد، نا عبد الله بن وهب، عن مالك به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص55) من طريق أبان بن عيسى بن دينار عن أبيه عن ابن القاسم عن مالك عن الزهري قال: (دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأي).
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص140).
30) وقال الإمام نعيم بن حماد، يقول: (من ترك حديثا معروفا فلم يعمل به، وأراد له علة أن يطرحه فهو مبتدع).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386) من طريق صالح بن أحمد التميمي، نا محمد بن عبد الله بلبل، نا أبو حاتم، قال: سمعت نعيم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
31) وقال الإمام الزهري: (الاعتصام بالسنة نجاة). وفي لفظ: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص281)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص281)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص592)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص25)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص369)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص14)، والبيهقي في «المدخل» (860)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص143)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص404)، والدينوري في «المجالسة» (ج2 ص235)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص320)، والآجري في «الشريعة» (ص313) من طريق يونس بن يزيد عن الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص257): (وحينئذ فيكون حفظ الولي بمتابعة الكتاب والسنة، ولا ريب أن السنة؛ كما كان الزهري / يذكر عمن مضى من سلف المؤمنين، قال: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة). اهـ
32) وقال مخلد بن الحسين، (قال: قال لي الأوزاعي: يا أبا محمد، إذا بلغك عن رسول الله r حديث فلا تظنن غيره، ولا تقولن غيره، فإن محمدا إنما كان مبلغا عن ربه).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص387)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص353) من طريقين عن عبد الكريم بن الهيثم، نا أبو عثمان الصياد سعيد بن المغيرة، نا مخلد بن الحسين به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فهذه آثار السلف في إثبات صفات الله تعالى ذكرتها لأهل السنة والجماعة؛ ليحفظوها، ويعرضوها، ويتواصوا بها جيلا بعد جيل، وقرنا بعد قرن ... كتبها أئمة أعلام، وجهابذة كرام، نصحا للأنام، وذبا عن الإسلام، وتتابع عليها أئمة الدين الأعلام([70]) ... فقرروها عقيدة نقية، واضحة جلية، ناصعة أبية، راسخة سنية، أثرية سلفية ... واعلم أن كل عقيدة تخالف ما أصلوه، وتناقض ما قرروه، فهي عقيدة بدعية، زائغة ردية.
وكــــــل خــــــيــــــر في اتبــــــــاع من سلف |
|
|
وكـــــــل شـــــــــر في ابـــتــــــداع من خلف |
قال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص8): (لا يكون صاحبه من أهل السنة؛ حتى يدع الجدال، ويؤمن بالآثار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص180): (فأما السلف، والأئمة، وأكابر أهل الحديث والسنة والجماعة؛ فهم أولى الطوائف بموافقة المعقول الصريح، والمنقول الصحيح). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص27)؛ عن مذهب أهل الحديث في الصفات: (ولذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص7): (التوحيد في الصفات فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله: نفيا وإثباتا؛ فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه.
* وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.
وكذلك: ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد: لا في أسمائه، ولا في آياته؛ فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته).اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج2 ص156): (ومعتقد أهل السنة والجماعة وقولهم: هو إمرار آيات الصفات، وأحاديث الصفات؛ كما جاءت مع اعتقاد معناها حقيقة؛ لأن تفسيرها المخالف لما عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان قول على الله تعالى، وعلى رسوله r بلا علم، وخروج عن طريق الاعتدال). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
]أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى[
المقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، يبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم!.
* ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب([71])، مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب([72])، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم([73])، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.([74])
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة أثرية في باب من أبواب الاعتقاد السلفي؛ وهو «إثبات صفة الهرولة لله تعالى» على ما يليق بكماله وجلاله.([75])
* وهي تضم أحاديث مهمة عن النبي r في «إثبات صفة الهرولة للـه تعالى»، وشرحها أهل العلم، وأثبتوا هذه الصفة بأدلة السنة النبوية، وإجماع الصحابة y، وأئمة الحديث.
قلت: وهذا معتقد أهل السنة والأثر قديما وحديثا، فلم نأت بمحدث من القول، ولا بمنكر من الاعتقاد، وقد تحرينا فيه الاقتداء، والاتباع لما كان عليه سلف الأمة من الصحابة y، والتابعين الكرام، والأئمة الفضلاء ممن جاء بعدهم، وسار على طريقتهم، واقتفى أثرهم.
قلت: وقد أمرنا بالاقتداء بهم، والتمسك بما كانوا عليه في الدين... لأنهم لا يثبتون أحكام الدين في الأصول والفروع إلا بأدلة من الكتاب، أو السنة، أو الآثار.([76])
وقد ذكر الإمام عثمان الدارمي / في «النقض على المريسي» (ص41)؛ أنه أثبت صفات الله تعالى؛ ومنها: «صفة الهرولة» من القرآن، وعن رسول الله r، وعن أصحابه y؛ حيث قال: (وروينا عن رسول الله r، وعن أصحابه y). اهـ
قلت: فبين الإمام الدارمي أن من أصول كتابه هذا الذي ذكر فيه صفات الله تعالى أنه أثبت([77]) هذه الصفات من القرآن، والسنة، والآثار، والحمد لله.
قال الإمام الآجري / في «الشريعة» (ج1 ص301): (علامة من أراد الله تعالى به خيرا سلوك هذا الطريق كتاب الله، وسنن رسول الله r، وسنن أصحابه y، ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص210): (فإن كنتم من المؤمنين، وعلى منهاج أسلافهم، فاقتبسوا العلم من آثارهم، واقتبسوا الهدى من سبيلهم، وارضوا بهذه الآثار إماما، كما رضي القوم بها لأنفسهم إماما). اهـ
قلت: وصفة «الهرولة»؛ هي صفة فعلية ثابتة لله عز وجل بالسنة الصحيحة، وإجماع الصحابة، وأئمة الحديث.([78])
فعن أنس بن مالك t، عن النبي r يرويه عن ربه، قال: (إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة). ([79])
وعن أبي هريرة t عن النبي r، قال: (قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا، تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة).([80])
وعن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: (يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).([81])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح البخاري» (ج8 ص593): (الشاهد من هذه الأحاديث: أن النبي r يروي الحديث عن الله تعالى، وهذه الأحاديث تسمى الأحاديث القدسية، وهي أرفع من الأحاديث النبوية، ودون القرآن، فهي في منزلة وسط، ولهذا تضاف إلى الله تعالى فيقال: الأحاديث القدسية، ولكن لا يثبت لها أحكام القرآن، فيجوز أن تنقل بالمعنى، كما تنقل الأحاديث النبوية). اهـ
قلت: والشاهد من الحديث إثبات صفة القرب، وصفة: «الهرولة» ... فنصف الله تعالى بالقرب، و«الهرولة»، ولا يلزم من ذلك قطع المسافة، أو شيء من لوازم المخلوق، فانتبه.
وقد بوب الإمام أبو إسماعيل الهروي / في «دلائل التوحيد» (ص79)؛ باب: الهرولة لله عز وجل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص466): (وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده؛ فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله واستوائه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص127): (والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص148): (الذي عليه أهل السنة، وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها؛ الإيمان بما جاء عن النبي r فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد، والكيفية في شيء منه).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (وعليه فنجري الحديث على ظاهره، ونقول: إن الله تعالى يأتي حقيقة: «هرولة»، ويتقرب حقيقة ذراعا وباعا، وأي مانع؟، لأن الله تعالى يفعل ما يريد([82])، وهذا مما يريده عز وجل). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (فهو سبحانه يأتي: «هرولة»، ويأتي بتأن، فأي مانع يمنع هذا؟ ما دام ثبت أنه يأتي في القرآن، فإنه إذا أتى؛ فلا بد أن يكون إما بسرعة، وإما بغير سرعة، فأي مانع يمنع من أن يكون بسرعة، أو بغير سرعة؟، الجواب: لا مانع). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض على المريسي» (ج1 ص561): (وقد أجمعنا([83]) على أن الحركة والنزول، والمشي والهرولة، والاستواء على العرش وإلى السماء قديم، والرضا والفرح والغضب، والحب والمقت، كلها أفعال في الذات للذات، وهي قديمة). اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /:
لقد قرأت في رياض الصالحين بتصحيح السيد علوي المالكي، ومحمود أمين النواوي حديثا قدسيا يتطرق إلى «هرولة» الله سبحانه وتعالى، والحديث مروي عن أنس t عن النبي r؛ فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري.([84])
فقال المعلقان في تعليقهما عليه: إن هذا من التمثيل، وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه، فمعناه: أن من أتى شيئا من الطاعات ولو قليلا أثابه الله بأضعافه، وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقرب حسي، ولا مشي، ولا «هرولة» من الله سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين.
* فهل ما قالاه في المشي، و«الهرولة» موافق لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله، وإمرارها كما جاءت، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي، ولا «هرولة» فنرجو منكم إيضاحها، والله الموفق؟
الجواب: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه؛ أما بعد:
* فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وهذا الحديث الصحيح: يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير، والكرم، والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير، والعمل الصالح.([85])
* ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره([86]) على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي r سمعوا هذا الحديث من رسول الله r ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله، وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى.
* فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا هرولته كهرولته، وهكذا: غضبه، وهكذا: رضاه، وهكذا: مجيئه يوم القيامة، وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وهكذا: استواؤه على العرش، وهكذا: نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه فيها خلقه.
* فكما أن استواءه على العرش، ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة، لا يشابه استواء خلقه، ولا مجيء خلقه، ولا نزول خلقه؛ فهكذا تقربه إلى عباده العابدين له، والمسارعين لطاعته، وتقربه إليهم لا يشابه تقربهم، وليس قربه منهم كقربهم منه، وليس مشيه كمشيهم، ولا هرولته كهرولتهم، بل هو شيء يليق بالله لا يشابه فيه خلقه سبحانه وتعالى كسائر الصفات، فهو أعلم بالصفات، وأعلم بكيفيتها عز وجل.
* وقد أجمع السلف([87]) على أن الواجب في صفات الرب وأسمائه إمرارها كما جاءت، واعتقاد معناها، وأنه حق يليق بالله سبحانه وتعالى، وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، فالصفات كالذات، فكما أن الذات يجب إثباتها لله، وأنه سبحانه وتعالى هو الكامل في ذلك، فهكذا صفاته يجب إثباتها له سبحانه مع الإيمان، والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها، وأنها لا تشابه صفات الخلق، كما قال عز وجل: ]قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4) [[الإخلاص: 1-4]، وقال عز وجل: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74]. وقال سبحانه: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]. فرد على المشبهة بقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]، وقوله تعالى: ]فلا تضربوا لله الأمثال[؛ ورد على (المعطلة) بقوله تعالى: ]وهو السميع البصير[ وقوله تعالى: ]قل هو الله أحد[ ]الله الصمد[ ]إن الله عزيز حكيم[ [البقرة: 220]، وقوله تعالى: ]إن الله سميع بصير[ [الحج: 75]، وقوله تعالى: ]إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173]، ]إن الله على كل شيء قدير[ [البقرة: 109] إلى غير ذلك.
فالواجب على المسلمين علماء، وعامة إثبات ما أثبته الله لنفسه، إثباتا بلا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه تنزيها بلا تعطيل، هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي r، وأتباعهم من سلف الأمة؛ كالفقهاء السبعة، وكمالك بن أنس، والأوزاعي، والثوري والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم من أئمة الإسلام، يقولون أمروها كما جاءت، وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وأما ما قاله المعلقان في هذا: (علوي وصاحبه محمود)؛ فهو كلام ليس بجيد، وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم([88])، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء، وهذه الثمرة، وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب، والمشي، و«الهرولة»، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، من غير أن يشابه خلقه في شيء من ذلك، فنثبته لله على الوجه الذي أراده الله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وقولهم: إن هذا من تصوير المعقول بالمحسوس: هذا غلط، وهكذا يقول أهل البدع في أشياء كثيرة، وهم يؤولون، والأصل عدم التأويل، وعدم التكييف، وعدم التمثيل، والتحريف، فتمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتعرض لها بتأويل، ولا بتحريف، ولا بتعطيل، بل نثبت معانيها لله كما أثبتها لنفسه، وكما خاطبنا بها، إثباتا يليق بالله لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى في شيء منها، كما نقول في الغضب، واليد، والوجه، والأصابع، والكراهة، والنزول، والاستواء، فالباب واحد، وباب الصفات باب واحد).([89]) اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج7 ص554): (فإذا كان الله يأتي حقيقة، فإنه لا بد أن يأتي على صفة ما، سواء كانت «الهرولة» أو غيرها، فإذا قال عن نفسه: (أتيته هرولة)؛ قلنا: ما الذي يمنع أن يكون إتيانه هرولة؟؛ إذا كنا نؤمن بأنه يأتي حقيقة، ونحن نؤمن بأنه يأتي حقيقة، فإذا كان يأتي حقيقة، فلا بد أن يكون إتيانه على صفة من الصفات، فإذا أخبرنا بأنه يأتي «هرولة»، قلنا: آمنا بالله.
* لكن كيف هذه: «الهرولة؟»، فالجواب: لا يجوز أن نكيفها، ولا يمكن أن نتصورها، فهي فوق ما نتصور، وفوق ما نتكلم به). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص426): (قوله في هذا الحديث: (تقربت منه)، و(أتيت هرولة) من هذا الباب، والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف، ولا تمثيل). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([90])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قلت: فأمر القرآن باتباع سبيل المؤمنين في الأصول والفروع، وقد «أثبتوا صفة الهرولة للـه تعالى»، فيجب اتباعهم، ومن لم يتبعهم في ذلك، فقد ترك سبيلهم، ومن ترك سبيلهم؛ فله وعيد شديد، والعياذ باللـه.
قلت: ووجه الاستدلال بها([91])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهـم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيـلا لهم؛ فيكون
اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([92])
* والآية تدل أيضا: على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول الله r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا، وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([93])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([94]) الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([95])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.
قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([96])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسول r متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا؛ قوله تعالى:] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[
[البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r: هم الصحابة y.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي / في «العدة» (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم: قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين، وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([97])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم: فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسولr قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسول r مخالف للـه؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([98])
* فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الإجماع. فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص). اهـ
قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([99])؛ إذ لا يضم المباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([100])
قلت: والاعتراضات التي ذكرها المبتدعة على إجماع السلف، والأئمة في الأسماء والصفات؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفوها حتى يروجوا بدعة: «التجهم» في الدين.
قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي: في جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.
* وسبيل المرء؛ يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.
قلت: وإذا ثبت هذا لزم من المبتدع أن يتبع غير سبيل الرسول r، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا، بما جاء من اعتقاد فاسد في الأسماء والصفات، والله المستعان.
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
والظاهر أن مضمون الآية: أن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان، لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
ومنه؛ لقوله تعالى: ]يوم ندعوا كل أناس بإمامهم[ [الإسراء:71]، أي: أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.
فقوله تعالى: ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، ويضله ويتركه بينه وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([101])، والعياذ بالله.
قلت: ولا شك أن مخالفة المبتدع ما أجمع عليه السلف، والأئمة في الأسماء والصفات، هذا ضلال، وزيغ، وانحراف، لا مجرد أن هذا الرجل خالف؛ كما يقال: ولكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك المبتدع الإجماع في إثبات الأسماء والصفات من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، وهذه هي مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار، فافطن لهذا ترشد.
قال الإمام أبو عمرو الداني / في «الرسالة الوافية» (ص189): (ومن قولهم: إن من فرائض الدين؛ لزوم جماعة المسلمين، وترك الشذوذ عنهم والخروج من جملتهم؛ قال الله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115]). اهـ
قلت: وعليه؛ فلا تعجل أخي القارئ برد هذا الكتاب، ولا ما جاء فيه عن أئمة الحديث؛ فتقع في مخالفتهم؛ فإنه لم يأت إنكار مسألة «صفة الهرولة للـه تعالى» إلا عن «الجهمية»، أعداء السنة والتوحيد، نفاة صفات رب العالمين، فعنهم تلقفها من جاء بعدهم ممن اشتغل بالنظر في كتب أهل الكلام، وأعرض عن دراسة ما كتبه أهل السنة والجماعة في هذه المسألة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج12 ص485): (المشهور من مذهب الإمام أحمد، وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية، وهم المعطلة لصفات الرحمن، فإن قولهم صريح في مناقضة ما جاءت به الرسل عليهم السلام من الكتاب، وحقيقة قولهم جحود الصانع، ففيه جحود الرب، وجحود ما أخبر به عن نفسه على لسان رسله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج1 ص224): (لهذا السلف مطبقون على تكفير الجهمية حين كان ظهور مخالفتهم للرسول r مشهورا معلوما بالاضطرار، لعموم المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء التعارض» (ج5 ص257): (ولهذا كان السلف، والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة؛ بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع). اهـ
قلت: وإنما ذكرت صفة: «الهرولة» هنا حتى يتبين لك أن هذا الكتاب الذي سطرته في عقيدة أهل السنة والجماعة أنه شجى في حلوق أهل البدع من: «الجهمية»، و«المرجئة العصرية»، و«الأشاعرة»، و«الإباضية»، و«الصوفية»، وغيرهم([102])، والله المستعان.
والمقصود ها هنا: بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذه المسائل، وأن السني لا يسعه؛ إلا الاتباع والتسليم لما كان عليه السلف الصالح، والله الموفق..
قلت: وأجمع أهل السنة والجماعة على «إثبات الهرولة للـه تعالى»؛ بمعنى: إثبات هذه الصفة له على ما يليق بجلاله.([103])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص24): (صفة «الهرولة» ثابتة لله تعالى، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة t عن النبي r، قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي (فذكر الحديث، وفيه): وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة)، وهذه «الهرولة» صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر بها عن نفسه، فوجب علينا قبولها بدون تكييف؛ لأن التكييف قول على الله بغير علم، وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأن الله يقول: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج8 ص592)؛ عن الهرولة: (الرواية كما جاءت من غير تعرض للكيفية). اهـ
قلت: وورد عن بعض أهل العلم إطلاق معنى الهرولة، ومرادهم ثمرة صفة:
«الهرولة»، فأرادوا بذلك معنى صحيحا يوافق ما أجمعوا عليه من إثبات صفة: «الهرولة»، لا ما يريده الجهمية من نفي الصفات لله تعالى وتعطيلها.([104])
قال العلامة الشيخ ابن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص68): (وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير، والكرم، والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير، والعمل الصالح ، ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح ... ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء، وهذه الثمرة، وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى([105]) يجب إثباته لله من التقرب، والمشي و«الهرولة»، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج7 ص555): (ولهذا لا ينكر السلف كل تأويل، السلف ينكرون كل تأويل([106]) لا يدل عليه دليل، فإذا دل عليه دليل قالوا: إن المراد ما دل عليه هذا الدليل). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص169)؛ على تعليقه لحديث؛: «الهرولة»: (وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه، وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية: لم يكن تفسيره به خروجا به عن ظاهره، ولا تأويلا؛ كتأويل أهل التعطيل؛ فلا يكون حجة لهم على أهل السنة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص127): (والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل). اهـ
وقال الإمام عثمان الدارمي / في «النقض على المريسي» (ص75): (فكما نحن لا نكيف هذه الصفات، لا نكذب بها كتكذيبكم، ولا نفسرها؛ كباطل تفسيركم). اهـ
عن أبي هريرة t عن رسول الله r قال: (إن الله قال: إذا تلقاني عبدي بشبر، تلقيته بذراع، وإذا تلقاني بذراع، تلقيته بباع، وإذا تلقاني بباع أتيته بأسرع). وفي رواية: (أتيته بأسرع منه).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2675)، وأحمد في «المسند» (8178)، والبغوي في «شرح السنة» (ج5 ص25) من طريق معمر عن همام بن منبه قال: حدثنا أبو هريرة t به.
وأخرجه همام بن منبه في «صحيفته» (81).
وأخرجه أحمد في «المسند» (8178)؛ ضمن روايته لصحيفة همام بن منبه.
وعن قتادة السدوسي / قال؛ عن ثمرة الهرولة: (والله أسرع بالمغفرة).([107])
وقال الكرماني / في «المسائل» (ص345): (سمعت إسحاق يقول: في حديث النبي عليه السلام: (من تقرب إلى الله شبرا([108]) تقرب الله إليه باعا). قال: يعني من تقرب إلى الله شبرا بالعمل تقرب الله إليه بالثواب باعا). اهـ
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي؛ عن صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»: (هذه كلها من الصفات الفعلية لله عز وجل ... لكن ثمراتها أن الله تعالى أسرع بالخير إلى العبد، وأسرع بالإثابة من فعل العبد للطاعة([109])، فهذه ثمرات، وليست هي الصفات ... وهذه الصفات الفعلية توصف بها نفس الله عز وجل). ([110]) اهـ
قلت: وهذا يفهمه كل من عرف ما بين قول المسلمين، وبين الجهميين من الفرق في الدين.
* واعلم أن من أهم ما تريد الجهمية الزنادقة الوصول إليه: هو نفي صفات الله، والعياذ باللـه.
قلت: لذلك أنكر عليهم أئمة السنة، واشتد نكيرهم عليهم، حتى كفروهم، وحذروا منهم، وبينوا للناس أمرهم، وتلبيسهم، اللهم سلم سلم.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص915): (قال تعالى في آلهة المشركين المعطلين: ]ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها[ [الأعراف: 195]؛ فجعل سبحانه عدم البطش والمشي، والسمع والبصر دليلا على عدم إلهية من عدمت فيه هذه الصفات فالبطش والمشي من أنواع الأفعال، والسمع والبصر من أنواع الصفات، وقد وصف نفسه سبحانه بضد صفة أربابهم، وبضد ما وصفه به المعطلة والجهمية). اهـ
* فيسرنا أن نضع بين يدي طلبة السنة كتابي: «قصف العرقلة لمن عطل صفة الهرولة»، وكتابنا هذا سرنا فيه على طريقة السلف في تصانيفهم، فسقنا الأحاديث النبوية، والإجماعات السلفية؛ «المثبتة لصفة الهرولة للـه تعالى» على المعاني الصحيحة فيها.
قلت: وهذا الاستنباط من النصوص في الأصول والفروع لا يعرفه، إلا علماء السنة والأثر: ]ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ [الجمعة: 4]، وهو من التأويل الصحيح للنصوص، ولله الحمد والمنة.
قال تعالى: ]وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب[ [آل عمران: 7].
وقال تعالى: ]لعلمه الذين يستنبطونه منهم[ [النساء: 83].
وقال تعالى: ]أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].
قلت: فمن أين لهم هذه الحذلقة، والفلسفة([111]) على أن يردوا على الله تعالى، وعلى رسوله r، وعلى أئمة المسلمين، وعلمائهم من أهل الحديث، والله المستعان.
قال أبو محمد الدشتي / في «إثبات الحد للـه» (ص100): (وكل واحد منهم- يعني: الأئمة - له تصانيف كثيرة... وكلهم من أصحاب الحديثيعرفون تفسير القرآن العظيم، وتفسير الأحاديث عن النبي r، وتأويلها ... وما قالوا في ذلك بالمقاييس والآراء، ولا بأهواء أنفسهم، وإنما قالوا بدلائل، وبراهين من الكتاب والسنة، ولا يكون على وجه الأرض أحد أعلم بالكتاب والسنة من أصحاب الحديث، فمن يخالفهم، ولا يقول ما قالوه، ولا يعتقد ما اعتقدوه، فهو مبتدع ضال مضل). اهـ
قلت: والسلف كرهوا الخوض في صفات الله تعالى، قبل أن يخوض المبتدعة فيها، فلما خاضوا بالباطل في صفات الله تعالى، وأعلنوه أنكر ذلك السلف عليهم، وحذروا الناس منهم.
فكره ابن المبارك /: (حكاية كلامهم قبل أن يعلنوه. فلما أعلنوه أنكر عليهم وعابهم ذلك).([112])
وكذلك قال الإمام أحمد /: (كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء، فلما أظهروه لم نجد بدا من مخالفتهم والرد عليهم).([113])
قلت: وهذا شأن السلف الصالح من أهل البدع لما أعلنوا الباطل في صفات الله تعالى، وخشي على الناس الافتتان بهم؛ لم يجد علماء السنة بدا من الرد عليهم، ومقارعتهم بالحجج الدامغة حتى دحرهم الله تعالى، ورد كيدهم في نحورهم، ولله الحمد.
قال الإمام الدارمي / في «النقض على المريسي» (ج1 ص536): (فكره القوم الخوض فيه؛ إذ لم يكن يخاض فيها علانية، وقد أصابوا في ترك الخوض فيه، إذ لم يعلن، فلما أعلنوه ... ودعوا العامة إليه([114]) ... أنكر ذلك عليهم من غبر من العلماء وبقي من الفقهاء، فكذبوهم وكفروهم وحذروا الناس أمرهم، وفسروا مرادهم من ذلك، فكان هذا من الجهمية خوضا فيما نهوا عنه، ومن أصحابنا إنكارا للكفر البين، ومنافحة عن الله عز وجل كيلا يسب وتعطل صفاته، وذبا عن ضعفاء الناس كيلا يضلوا بمحنتهم هذه، من غير أن يعرفوا ضدها من الحجج التي تنقض دعواهم وتبطل حججهم). اهـ
وعن سليمان بن الأشعث قال: سمعت أحمد بن حنبل؛ سئل: (هل لهم رخصة أن يقول الرجل: القرآن كلام الله، ثم يسكت؟ فقال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا، لأي شيء لا يتكلمون؟).([115])
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص18): (وقد كان من مضى من السلف يكرهون الخوض في هذا وما أشبهه، وقد كانوا رزقوا العافية منهم، وابتلينا بهم عند دروس الإسلام، وذهاب العلماء، فلم نجد بدا من أن نرد ما أتوا به من الباطل بالحق). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص14): (ومن بعض حقوق الله تعالى على عبده رد الطاعنين على كتابه، ورسوله r، ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان). اهـ
قلت: فهذا نحن نروي عن أئمة المسلمين من أهل الحديث بأسانيد صحيحة في «إثبات صفة الهرولة لله تعالى»، بما يليق بجلاله سبحانه تعالى.
* وها أنا ذا الآن شارع فيما قصدت من التبيين؛ فالله أسأل أن يقوي حجتي، وأن يسدد قلمي، وأن يرزقني هديا قاصدا، إن ربي لسميع الدعاء.
والحمد لله تعالى على السنة.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
]ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7]
التمهيد
تعريف الصفات لغة:
أصل الكلمة؛ الصفات: جمع صفة، مشتقة من الفعل وصف، فالواو، والصاد، والفاء أصل واحد، وهو تحلية الشيء.([116])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (ج6 ص115): (وصف: الواو، والصاد، والفاء: أصل واحد، هو تحلية الشيء). اهـ
تصاريفها: ووصفته أصفه وصفا، وصفة: إذا حليته، ونعته، وذكرت صفته.([117])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (ج6 ص115): (ووصفته أصفه وصفا. والصفة: الأمارة اللازمة للشيء، كما يقال وزنته وزنا، والزنة: قدر الشيء. يقال اتصف الشيء في عين الناظر: احتمل أن يوصف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج6 ص340): (والصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه، وصفا، وصفة). اهـ
معنى الصفة:
الصفة: الأمارة اللازمة للشيء، والصفة: تجمع على صفات.([118])
قال ابن فارس اللغوي / في «مقاييس اللغة» (ج6 ص115): (ووصفته أصفه وصفا، والصفة: الأمارة اللازمة للشيء، كما يقال وزنته وزنا، والزنة: قدر الشيء). اهـ
قلت: ويتلخص من هذه المعاني إن الصفة يدور معناها على نعت الشيء، وأمارته التي تميزه عن غيره.
أما في الاصطلاح: الصفة؛ ما قام بالذات من المعاني والنعوت، وهي في حق الله تعالى نعوت الجلال، والجمال، والعظمة، والكمال، كالقدرة، والإرادة، والهرولة، والعلم، والحكمة، وغير ذلك.
قلت: فالصفة هي: ما قام بالذات الإلهية مما يميزها عن غيرها؛ أي: ما قام بالله تعالى من المعاني، والنعوت الواردة في الكتاب والسنة.([119])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج3 ص333): (وأما العلم فيراد به في الأصل نوعان: أحدهما: العلم به نفسه؛ وبما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام، وما دلت عليه أسماؤه الحسنى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج10 ص83): (من أعظم الفرية على رب العالمين، وأعظم الجهل بما هو عليه سبحانه من نعوت الكمال). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «العلو» (ج2 ص1303): (فإننا إذا أثبتنا نعوت الباري، وقلنا تمر كما جاءت؛ فقد آمنا بأنها صفات). اهـ
وقال الحافظ الذهبي / في «العلو» (ج2 ص1178): (وما جاء به المرسلون إلى أممهم من إثبات نعوت الرب عز وجل، فالحمد لله على الإسلام والسنة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص1303): (وكذلك قوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى:11] فإنه سبحانه ذكر ذلك بعد ذكر نعوت كماله وأوصافه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «بدائع الفوائد» (ج2 ص1303): (قوله تعالى: ]قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى[ [النمل: 59]؛ فإنه تضمن حمده بما له من نعوت الكمال، وأوصاف الجلال، والأفعال الحميدة، والأسماء الحسنى).اهـ
قلت: فمعتقد أهل السنة والجماعة في الصفات قائم على أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله r نفيا وإثباتا، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.([120])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
ذكر الدليل
من السنة، والإجماع على «إثبات صفة الهرولة لله تعالى»
على ما يليق بجلاله؛ لا يشابه فيها خلقه، كسائر صفاته تعالى
تعريف الهرولة:
الهرولة لغة: بين العدو والمشي، يقال: هرول الرجل هرولة: بين المشي والعدو، وقيل: الهرولة فوق المشي، وقيل الهرولة: الإسراع؛ أي: أسرع في مشيه.([121])
وهرول: فعل؛ هرول يهرول، هرولة، فهو مهرول.
وهرول الشخص: أسرع في مشيه، وجرى بين المشي والعدو.
وهرولة: اسم؛ وهرولة: مصدر هرول.
قال الإمام أبو إسحاق الحربي / في «غريب الحديث» (ج2 ص684): (قوله: هرولة: مشي سريع). اهـ
وقال الإمام أبو موسى المديني / في «المجموع المغيث» (ج3 ص684): (قوله: (من أتانى يمشى أتيته هرولة): وهي مشي سريع بين المشي والعدو). اهـ
قلت: وهذا إثبات منهما لصفة: «الهرولة» على حقيقتها، وهي المشي السريع، وهي في حق الله تعالى على ما يليق بكماله وجلاله.
وقال ابن أبي بكر الرازي اللغوي / في «مختار الصحاح» (ص289): (الهرولة: ضرب من العدو، وهو ما بين المشي والعدو). اهـ
وقال الفيروزآبادي اللغوي / في «القاموس المحيط» (ص1083): (الهرولة: بين العدو والمشي، والإسراع في المشي). اهـ
وقال الخليل اللغوي / في «العين» (ج3 ص1882): (الهرولة: بين المشي والعدو. هرول الرجل هرولة). اهـ
وقال الجوهري اللغوي / في «الصحاح» (ج5 ص1850): (الهرولة: ضرب من العدو، وهو ما بين المشي والعدو). اهـ
وقال ابن الأثير اللغوي / في «النهاية» (ج5 ص1850): (الهرولة: بين المشي والعدو). اهـ
قلت: ومما نقل عن أهل الحديث - كما قد بسط في غير هذا الموضع- وبينوا أن ما أثبتوه لله تعالى من صفة «الهرولة» لا يعلمها غيره، فكيفية هذه «الهرولة» لا يعلمها إلا الله تعالى.([122])
وإليك الدليل:
1) فعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: (قال ربكم: إن تقرب عبدي مني شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني مشيا أتيته هرولة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص414)، وفي «خلق أفعال العباد» (426)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص130 و138 و128)، وعبد الرزاق في «المصنف» (20575)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (960)، و(961)، وابن ظهيرة في «مشيخته» (ج3 ص1593)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ص340)، والبزار في «المسند» (7129)، والطيالسي في «المسند» (2079)، والبغوي في «شرح السنة» (1250)، وفي «معالم التنزيل» (ج1 ص179)، وأبو يعلى في «المسند» (3180)، و(3269)، وابن منده في «التوحيد» (541)، والروياني في «مسند الصحابة» (1346)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ص98)، وأبو الشيخ في «الفوائد» (ص32)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (214)، والطبراني في «الدعاء» (1871)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (1169)، وابن يزداد البغدادي في «السنة» (ص15)، وابن عبد الهادي في «النهاية في اتصال الرواية» (ص22) من طريق إبراهيم القناد، ومعمر، وشعبة عن قتادة يحدث عن أنس بن مالك t به.
وتابعه سليمان التيمي عن أنس بن مالك t مرفوعا به.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2675) من طريق يحيى بن سعيد، وابن أبي عدي عن سليمان التيمي به.
2) وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (7405)، ومسلم في «صحيحه» (2675)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص509)، والترمذي في «سننه» (3603)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7730)، وفي «النعوت» (72)، وابن ماجة في «سننه» (3822)، وضياء الدين المقدسي في «فضائل الأعمال» (ص575)، وابن خزيمة في «التوحيد» (ج1 ص16)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص284)، وفي «الأربعين الصغرى» (43)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص337)، وابن بلبان في «الأحاديث الإلهية» (ص217)، والبغوي في «شرح السنة» (1251)، وابن حبان في «صحيحه» (811)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص117)، و(ج9 ص26 و27)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» تعليقا (ج2 ص814)، و(ق/219/ط)، والكرماني في «المسائل» (ص345)، وأبو إسماعيل الهروي في «دلائل التوحيد» (ص79)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (ص93)، وفي «التوحيد» (538) من طرق عن الأعمش قال: سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة t به.
3) وعن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: (يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (2687)، وابن ماجة في «سننه» (2821)، وإبراهيم بن محمد في «زوائده على صحيح مسلم» (2687)، والبغوي في «شرح السنة» (1253)، وفي «معالم التنزيل» (ج3 ص211)، وابن منده في «الإيمان» (78)، وفي «التوحيد» (543)، واللالكائي في «الاعتقاد» (1975)، والطبري في « تهذيب الآثار» (ج2 ص637 و638-مسند ابن عباس)، وأبو إسحاق الحربي في «غريب الحديث» (ج2 ص682)، وفخر الدين ابن البخاري في «مشيخته» (ق/297/ط)، وابن عساكر في «معجم الشيوخ» (ج2 ص883)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج2 ص200)، وفي «الدعاء» (1870)، وابن المحب في «صفات رب العالمين» (ج2 ص815)، و(ق/219/ط)، والبزار في «المسند» (3988)، وأبو عوانة في «الدعوات» (ج14 ص1 ص99-الإتحاف)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص209)، وفي «شعب الإيمان» (1043)، و(7047)، والحسين المروزي في «زوائده على زهد ابن المبارك» (1035)، وأحمد في «المسند» (21360) من طرق عن الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر t به.
وتابعه: واصل الأحدب عن المعرور بن سويد عن أبي ذر t به.
أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص268).
قلت: وهذه الأحاديث النبوية تدل على ثبوت صفة: «الهرولة لله تعالى»، وهي من الصفات الفعلية، والتي هي في حق الله تعالى على ما يليق بكماله وجلاله لا يشابه فيها خلقه تعالى؛ كسائر الصفات، فهو أعلم بصفاته، وأعلم بكيفيتها عز وجل: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11] فإذا أخبرنا عن نفسه أنه يأتي «هرولة»، قلنا: آمنا بالله تعالى.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص127): (والسلف أهل السنة والجماعة: يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل، من غير تكييف ولا تمثيل). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص148): (الذي عليه أهل السنة، وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها؛ الإيمان بما جاء عن النبي r فيها، والتصديق بذلك، وترك التحديد، والكيفية في شيء منه).اهـ
قلت: وهذا إجماع في إثبات الصفات على ظاهرها، وإمرارها على ما جاءت النصوص، وقد أخبر بهذا الإجماع من هو ممن يتتبع كلام أهل العلم، ويطلع على خلافهم فيقول: أجمعوا على هذا؛ أي: يعني: أثبتوا أنه لا يوجد أي خلاف في ثبوت الصفات على حقيقتها.([123])
قال الإمام ابن القيم / في «الكافية الشافية» (ص312):
مـــن قـــال ذا قــد خــــالـــف الإجــمـــــاع |
|
|
والـــخــبــر الــصــحــيـــح وظـــاهر القرآن
|
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (وعليه فنجري الحديث على ظاهره، ونقول: إن الله تعالى يأتي حقيقة: «هرولة»، ويتقرب حقيقة ذراعا وباعا، وأي مانع؟، لأن الله تعالى يفعل ما يريد([124])، وهذا مما يريده عز وجل). اهـ
وعن المروذي: سألت أبا عبد الله –يعني: الإمام أحمد-؛ عن أحاديث الصفات، قال: (نمرها كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج3 ص327 و331)، والآجري في «الشريعة» (771)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص56)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص22) من طريقين عن المروذي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وبوب الإمام ابن بطة في «الرد على الجهمية» (ج3 ص326)؛ باب جامع من أحاديث الصفات رواها الأئمة، والشيوخ الثقات، الإيمان بها من تمام السنة، وكمال الديانة، لا ينكرها إلا جهمي خبيث.
قلت: وذكر الإمام ابن بطة / بعض أحاديث الصفات؛ منها: حديث([125]) صفة: «الهرولة»، وهذا يدل أنه / يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث.([126])
قال الإمام الخطابي / في «معالم السنن» (ج3 ص555): (مذهب علماء السلف، وأئمة الفقهاء: أن يجروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها، وأن لا يريغوا([127]) لها المعاني، ولا يتأولوها لعلمهم بقصور علمهم عن دركها). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة والجماعة في صفة: «الهرولة»([128]) الإقرار، والإمرار، والكف عن تأويلها.([129])
قلت: وصفة «الهرولة» كغيرها من الصفات يثبت ما ورد منها على ما يليق بجلال الله، وعظمته من غير تشبيه ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قلت: والأشاعرة المبتدعة هم الذين يتأولون الصفات ... والعجب من البعض كيف يثبت الصفات ثم يتأول صفة: «الهرولة» على طريقة الأشاعرة المبتدعة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قال فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان: (الذي لا يثبت صفة: «الهرولة» فإنه في ضلال)؛ وذكر له بعض العلماء الذين أولوا صفة: «الهرولة» لله عز وجل مثل: ابن قتيبة، والنووي، والشيخ الفوزان، وغيرهم؛ فخطأهم وقال: (كل يؤخذ من قوله ويرد).([130])
وعن الإمام أحمد / قال: (وهذه أحاديث نرويها كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص212)، وابن النجاد في «الرد على من يقول القرآن مخلوق» (ص31) من طريق عبد الله بن أحمد به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص223).
وعن الإمام أحمد / قال: (إنما نروي هذه الأحاديث كما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (ص212)، وابن النجاد في «الرد على من يقول القرآن مخلوق» (ص32) من طريق عبد الله بن أحمد به.
وإسناده صحيح.
وقد بوب الإمام أبو إسماعيل الهروي / في «دلائل التوحيد» (ص79)؛ باب: الهرولة لله عز وجل.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (وعليه فنجري الحديث على ظاهره، ونقول: إن الله تعالى يأتي حقيقة: «هرولة»، ويتقرب حقيقة ذراعا وباعا، وأي مانع؟، لأن الله تعالى يفعل ما يريد([131])، وهذا مما يريده عز وجل). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص427): (فهو سبحانه يأتي: «هرولة»، ويأتي بتأن، فأي مانع يمنع هذا؟، ما دام ثبت أنه يأتي في القرآن، فإنه إذا أتى؛ فلا بد أن يكون إما بسرعة، وإما بغير سرعة، فأي: مانع يمنع من أن يكون بسرعة، أو بغير سرعة؟، الجواب: لا مانع). اهـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي / في «النقض على المريسي» (ج1 ص561): (وقد أجمعنا([132]) على أن الحركة والنزول، والمشي والهرولة، والاستواء على العرش وإلى السماء قديم، والرضا والفرح والغضب، والحب والمقت، كلها أفعال في الذات للذات، وهي قديمة). اهـ
وعن الإمام محمد بن الحسن / قال: (هذه الأحاديث قد روتها الثقات؛
فنحن نرويها، ونؤمن بها، ولا نفسرها).
أثر حسن
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (741)، وابن قدامة في «ذم التأويل» (ص14)، وفي «إثبات صفة العلو» (98)، والذهبي في «العلو» (ص113) من طريق عمرو بن وهب قال: سمعت شداد بن حكيم عن محمد بن الحسن به.
قلت: وهذا سنده حسن.
والمقصود ها هنا: بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة في هذه المسائل، وأن السني لا يسعه؛ إلا الاتباع والتسليم لما كان عليه السلف الصالح([133])، والله الموفق.
قلت: وأجمع أهل السنة والجماعة على «إثبات الهرولة للـه تعالى»؛ بمعنى: إثبات هذه الصفة له على ما يليق بجلاله.([134])
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص24): (صفة «الهرولة» ثابتة لله تعالى، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ومسلم عن أبي هريرة t عن النبي r، قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي... فذكر الحديث، وفيه: وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة)، وهذه «الهرولة» صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها، من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر بها عن نفسه، فوجب علينا قبولها بدون تكييف؛ لأن التكييف قول على الله بغير علم، وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأن الله يقول: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز / في «تعليقه على صحيح البخاري» (ج8 ص592)؛ عن الهرولة: (الرواية كما جاءت من غير تعرض للكيفية). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز / في «فتاوى نور على الدرب» (ج1 ص68): (وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير، والكرم، والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير، والعمل الصالح، ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح ... ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء، وهذه الثمرة، وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى([135]) يجب إثباته لله من التقرب، والمشي و«الهرولة»، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى). اهـ
قلت: هذه الأحكام في الأصول كلها نؤمن بها، ولا نحرفها، والسلف نقلوا لنا هذه الأحكام، ولا بد أن نأخذ بها؛ لأن الذين نقلوا هذه السنن؛ هم: الذين نقلوا لنا الأحكام في الفروع؛ مثل: الطهارة، والصلاة، وسائر الأحكام..
* فقبل أهل الأهواء هذا الأحكام في الفروع من السلف، وأخذوا منهم، واحتجوا بهم، ولكنهم ردوا أحكام الأصول مثل: الصفات وغيرها، ولم يأخذوا منهم، ولم يحتجوا بهم، وهذا من الضلال المبين، لأن كيف يأخذوا من السلف الفروع، ويتركوا الأصول: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5]؛ فمن فعل ذلك فهو مبتدع ضال فاحذروه.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص26): (فإنه لا يخفى عليك أن هذه الصفة جاء إثباتها لله تعالى فيما أخبر الله به نفسه عن نفسه: «أتيته هرولة»، وفيما نقله عنه أمينه على وحيه، ورسوله إلى من أرسله إليهم من خلقه، وفيما رواه الصحابة عن رسول الله r، وفيما رواه التابعون عن الصحابة، وفيما رواه أئمة الأمة من بعدهم إلى عصرنا هذا، كلهم يقولون عن الله: «أتيته هرولة»، فقد ذكرت في كلام الله في الحديث القدسي، وفي كلام رسوله، وفي كلام الصحابة، وفي كلام التابعين، وفي كلام الأئمة من بعدهم رواية ودراية نقلا وقبولا، ولله الحمد.
* ولا يخفى عليك القاعدة العامة: عند السلف من أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله تعالى بلا كيف؛ كما اشتهر عنهم قولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف)؛ وهذه القاعدة تجري على كل فرد من أفراد النصوص، وإن لم ينصوا عليه بعينه، ولا يمكننا أن نخرج عنها نصا واحدا إلا بدليل عن السلف أنفسهم، ولو قلنا: إنه لا بد أن ينصوا على كل نص بعينه لم يكن لهذه القاعدة فائدة، ومن ذلك هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإن ظاهره ثبوت إتيان الله تعالى: «هرولة»، وهذا الظاهر ليس ممتنعا على الله عز وجل؛ لأنه لا يتضمن نقصا فيكون داخلا في القاعدة المذكورة، فيثبت لله تعالى حقيقة، ويصان عن الأوهام الباطلة من التمثيل والتكييف، ولا يخفى عليك أن هذا الحديث ليس فيه شيء من المشاكلة). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج7 ص554): (فإذا كان الله يأتي حقيقة، فإنه لا بد أن يأتي على صفة ما، سواء كانت «الهرولة» أو غيرها، فإذا قال عن نفسه: (أتيته هرولة)؛ قلنا: ما الذي يمنع أن يكون إتيانه هرولة؟ إذا كنا نؤمن بأنه يأتي حقيقة، ونحن نؤمن بأنه يأتي حقيقة، فإذا كان يأتي حقيقة، فلا بد أن يكون إتيانه على صفة من الصفات، فإذا أخبرنا بأنه يأتي «هرولة»، قلنا: آمنا بالله.
* لكن كيف هذه: «الهرولة؟»، فالجواب: لا يجوز أن نكيفها، ولا يمكن أن نتصورها، فهي فوق ما تتصور، وفوق ما نتكلم به). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص426): (قوله في هذا الحديث: (تقربت منه)، و(أتيت هرولة) من هذا الباب، والسلف أهل السنة والجماعة يجرون هذه النصوص على ظاهرها، وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف، ولا تمثيل). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص26): (القاعدة العامة: عند السلف من أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله تعالى بلا كيف؛ كما اشتهر عنهم قولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف).
وهذه القاعدة: تجري على كل فرد من أفراد النصوص، وإن لم ينصوا عليه بعينه، ولا يمكننا أن نخرج عنها نصا واحدا؛ إلا بدليل عن السلف أنفسهم.
ولو قلنا: إنه لا بد أن ينصوا على كل نص بعينه لم يكن لهذه القاعدة فائدة، ومن ذلك هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه، فإن ظاهره ثبوت إتيان الله تعالى: «هرولة»، وهذا الظاهر ليس ممتنعا على الله عز وجل؛ لأنه لا يتضمن نقصا فيكون داخلا في القاعدة المذكورة، فيثبت لله تعالى حقيقة). اهـ
وقال الإمام السرمري / في «نهج الرشاد» (ص31):
ومــــذهبــــــــنا لا كيـــــــــف لا مثل لا لما |
|
|
بالإقـــــــــرار والإمـــــــرار من غير ما فسر |
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص280): (فهؤلاء حرفوا النصوص عن ظاهرها إلى معان عينوها بعقولهم، واضطربوا في تعيينها اضطرابا كثيرا، وسموا ذلك تأويلا، وهو في الحقيقة تحريف).اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الجواب المختار» (ص25)؛ فيما يتعلق بالحديث القدسي الذي: رواه النبي r عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال: (من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة): (تعلم أن هذا الحديث أخبر الله تعالى به عن نفسه، ونقله عنه أمينه على وحيه، ورسوله r إلى عباده، ومبلغ رسالته على الوجه الأتم، ونقله عن هذا الرسول r أمناء أمته من الصحابة والتابعين، وأئمة الأمة من أهل الحديث والفقه، وتلقته الأمة بالقبول.
* وتعلم أن الله تبارك وتعالى أعلم بنفسه وبغيره: ]والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [البقرة: 219]، ]قل أأنتم أعلم أم الله[ [البقرة: 140].
* وتعلم أن الله تعالى لم يطلع خلقه على ما علمه إياهم من أسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، إلا ليبين لهم الحق حتى لا يضلوا: ]يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم[ [النساء: 176] .
* وتعلم أنه لا أحد أحسن من الله حديثا، ولا أصدق منه قيلا، وأن كلامه جل وعلا في أعلى الفصاحة والبيان.
* وقد قال سبحانه عن نفسه: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)، فلا تستوحش يا أخي من شيء أثبته الله تعالى لنفسه بعد أن علمت ما سبق، واعلم أنك إذا نفيت أن الله تعالى يأتي هرولة؛ فسيكون مضمون هذا النفي صحة أن يقال: إن الله لا يأتي هرولة، وفي هذا ما فيه.
* ومن المعلوم أن السلف يؤمنون بأن الله تعالى يأتي إتيانا حقيقيا للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق به، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وليس في هذا الحديث القدسي إلا أن إتيانه يكون «هرولة» لمن أتاه يمشي، فمن أثبت إتيان الله تعالى حقيقة لم يشكل عليه أن يكون شيء من هذا الإتيان بصفة: «الهرولة» على الوجه اللائق به. وأي مانع يمنع من أن نؤمن بأن الله تعالى يأتي «هرولة»، وقد أخبر الله تعالى به عن نفسه، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
* وليس في إتيان الله تعالى «هرولة» على الوجه اللائق به بدون تكييف ولا تمثيل شيء من النقص، حتى يقال: إنه ليس ظاهر الكلام، بل هو فعل من أفعاله يفعله كيف يشاء، ولهذا لم يأت في كلام الله تعالى عنه، ولا في كلام رسول الله r ما يصرفه عن ذلك). اهـ
قلت: فعليك بمذهب السلف الصالح في أحكام الدين، والاقتداء بهم فيه واتباعهم جملة وتفصيلا. ([136])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
وسئل الشيخ العلامة الألباني /: هل تثبتون صفة الهرولة لله تعالى؟.
الجواب: (الهرولة: كالمجيء، والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها إذا خصصناها بالله عز وجل؛ لأن هذه الصفات ليست صفة نقص حتى نبادر رأسا إلى نفيها ... لكن لا أتوسع([137]) في موضوع «الهرولة»، ولا أزيد على أكثر مما جاء في الحديث)([138]). اهـ
قلت: فالشيخ الألباني / يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهر الحديث.
وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي؛ عن صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»: (هذه كلها من الصفات الفعلية لله عز وجل ... لكن ثمراتها([139]) أن الله تعالى أسرع بالخير إلى العبد، وأسرع بالإثابة من فعل العبد للطاعة([140])، فهذه ثمرات، وليست هي الصفات ... وهذه الصفات الفعلية توصف بها نفس الله عز وجل). ([141]) اهـ
وقد ورد في الفتوى (رقم: 6932)؛ من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية (ج3 ص142) ما يلي:
س: هل لله صفة الهرولة؟.
ج: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه ... وبعد:
نعم؛ صفة «الهرولة» على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به، قال تعالى: (إذا تقرب إلي العبد شبرا؛ تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا؛ تقربت منه باعا، وإذا أتاني ماشيا؛ أتيته هرولة). رواه: البخاري، ومسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم).([142]) اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج1 ص188): (من المعلوم أن السلف يؤمنون بأن الله تعالى يأتي إتيانا حقيقيا للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق به، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى، وليس في هذا الحديث القدسي إلا أن إتيانه يكون: «هرولة» لمن أتاه يمشي، فمن أثبت إتيان الله تعالى حقيقة، لم يشكل عليه أن يكون شيء من هذا الإتيان بصفة: «الهرولة» على الوجه اللائق به، وأي مانع يمنع من أن نؤمن بأن الله تعالى يأتي: «هرولة»، وقد أخبر الله تعالى به عن نفسه، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير؟!.
* وليس في إتيان الله تعالى «هرولة» على الوجه اللائق به بدون تكييف ولا تمثيل شيء من النقص، حتى يقال: إنه ليس ظاهر الكلام، بل هو فعل من أفعاله يفعله كيف يشاء). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص131): (ومن فهم من شيء من هذه النصوص تشبيها، أو حلولا، أو اتحادا، فإنما أتي من جهله، وسوء فهمه عن الله تعالى، ورسوله r، والله تعالى ورسوله r بريئان من ذلك كله، فسبحان من ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير). اهـ
وقال العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني / في «التعليق على الترغيب» (ج2 ص610)؛ في رده على أهل التأويل: (ولو أنهم تلقوها حين سماعها، مستحضرين؛ قوله: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]؛ لما ركنوا إلى التأويل، وآمنوا بحقائقها على ما يليق به تعالى.
* شأنهم في ذلك شأنهم في إيمانهم بصفتي: «السمع»، و«البصر»، وغيرهما من صفاته عز وجل، مع تنزيهه عن مشابهة للحوادث، لو فعلوا ذلك هنا، لاستراحوا وأراحوا، ونجوا من تناقضهم في إيمانهم بربهم وصفاته). اهـ
قلت: وقد روى أئمة الحديث؛ أحاديث صفة: «الهرولة» في كتبهم، ولم يتعرضوا لتأويلها، وتفسيرها بشيء، وهذا مما يدل على أنهم يثبتون صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث، وهم:
1) الإمام البخاري / في «الجامع الصحيح» (ج6 ص2694)، وفي «خلق أفعال العباد والرد على الجهمية» (ص742).
2) الإمام ابن منده / في «الرد على الجهمية» (ص93).
3) الإمام ابن خزيمة / في «التوحيد» (ج1 ص16).
4) الإمام ابن بطة / في «الرد على الجهمية» (ج3 ص377)، وفي «الإبانة الصغرى» (ص259).
5) الإمام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص646)، وفي «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259).
6) الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص65).
7) الإمام ابن المحب / في «صفات رب العالمين» (ق/219/ط)، و(ج2 ص814).
وهؤلاء الأئمة: طريقتهم في ذكر أحاديث الصفات في كتبهم: إمرارها على ظاهرها.([143])
* ولذلك ذكروا آثار السلف؛ بقولهم: «أمرها كما جاءت بلا تفسير»، على إثبات صفة: «الهرولة».
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1150)؛ عن إثبات النبي r للصفات للرب تعالى: (ومرة يشير بأصبعه، ومرة يضع يده على عينه وأذنه حين يخبر عن سمع الرب وبصره، ومرة يصفه بالنزول، والمجيء، والإتيان، والانطلاق، والمشي، و«الهرولة»، ومرة يثبت له الوجه، والعين، واليد، والأصبع والقدم، والرجل، والضحك، والفرح، والرضى، والغضب، والكلام، والتكليم، والنداء بالصوت والمناجاة). اهـ
وقال فضيلة الشيخ محمد الجامي / في؛ إثبات صفة الهرولة: (الحديث القدسي الذي فيه: (إذا تقرب عبدي مني شبرا، تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا، تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي، أتيته هرولة)؛ فأتباع السلف الذين ينهجون منهج السلف لا يستبعدون إتيان الله تعالى سواء كان ذلك مشيا، أو «هرولة»، وإتيان الله تعالى إلى بعض عباده، وتقرب الله تعالى إلى بعض عباده ... لا يستغربون الصفات كلها من باب واحد؛ لا فرق عندهم بين هذا الحديث –يعني: حديث الهرولة- وبين حديث النزول، وآية الاستواء، النزول، والإتيان، وتقريب الله تعالى بعض عباده، وتقربه بنفسه بما يليق به، يؤمنون بذلك على ظاهر هذه النصوص على ما يليق بالله تعالى دون أن يشبهوا تلك الصفات بصفات خلقه).([144]) اهـ
قلت: وهذه الصفات نقلتها الأمة نقلا عاما متواترا؛ خلفا عن سلف، وحصل العلم الضروري للخلق بذلك؛ كما حصل لهم العلم الضروري أن النبي r بلغهم ألفاظ هذه الصفات العلى؛ منها: صفة الهرولة، وحصل اليقين من كلام الله تعالى، وكلام رسوله r؛ لأن ذلك يفيد اليقين.([145])
قال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي: (أن «الملل»، و«الهرولة»؛ وصف يليق بالله تعالى، ولا يلزم منه النقص؛ لأنه سبحانه لا يشابه المخلوقين في شيء من الصفات؛ لكن من أثر الصفة: أن الله أسرع بالخير من العبد).([146]) اهـ
وعن الإمام أحمد / قال: (ونحوه من الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له، وإن لم يعلم تفسيرها، ولا يتكلم فيه، ولا يجادل فيه، ولا تفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت، ولا نردها إلا بأحق منها).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص155)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص230)، وابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (ج1 ص226) من طريق أبي جعفر محمد بن سليمان المنقري قال: حدثني عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وانظر كتاب: «أصول السنة» للإمام أحمد (ص12).
قلت: وهذه أحاديث صحيحة في صفة: «الهرولة»؛ رواها جماعة من الصحابة y عن النبي r، وأصحاب الحديث فيما ورد في السنة النبوية، ولم يتكلم أحد من الصحابة y، والتابعين الكرام في تأويلها، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (يجب اتباع طريقة السلف من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فإن إجماعهم حجة قاطعة، وليس لأحد أن يخالفهم فيما أجمعوا عليه، لا في الأصول، ولا في الفروع). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «القواعد المثلى» (ص24): (الواجب في نصوص القرآن، والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات، حيث لا مجال للرأي فيها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص7): (التوحيد في الصفات فالأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله: نفيا وإثباتا؛ فيثبت لله ما أثبته لنفسه وينفي عنه ما نفاه عن نفسه.
* وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
وكذلك: ينفون عنه ما نفاه عن نفسه مع إثبات ما أثبته من الصفات من غير إلحاد: لا في أسمائه، ولا في آياته؛ فإن الله تعالى ذم الذين يلحدون في أسمائه وآياته).اهـ
وقال فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي / في «عقيدة المسلمين» (ج2 ص156): (ومعتقد أهل السنة والجماعة وقولهم: هو إمرار آيات الصفات، وأحاديث الصفات؛ كما جاءت مع اعتقاد معناها حقيقة؛ لأن تفسيرها المخالف لما عليه الصحابة، والتابعون لهم بإحسان قول على الله تعالى، وعلى رسوله r بلا علم، وخروج عن طريق الاعتدال). اهـ
وسئل العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز /:
لقد قرأت في رياض الصالحين بتصحيح السيد علوي المالكي، ومحمود أمين النواوي حديثا قدسيا يتطرق إلى «هرولة» الله سبحانه وتعالى، والحديث مروي عن أنس t عن النبي r فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة). رواه البخاري.([147])
فقال المعلقان في تعليقهما عليه: إن هذا من التمثيل، وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه، فمعناه: أن من أتى شيئا من الطاعات ولو قليلا أثابه الله بأضعافه، وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقرب حسي، ولا مشي، ولا «هرولة» من الله سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين.
* فهل ما قالاه في المشي، و«الهرولة» موافق لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله، وإمرارها كما جاءت، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي، ولا «هرولة» فنرجو منكم إيضاحها، والله الموفق؟.
الجواب: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه؛ أما بعد:
* فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وهذا الحديث الصحيح: يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود، فهو أسرع إليهم بالخير، والكرم، والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير، والعمل الصالح.([148])
* ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره([149]) على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي r سمعوا هذا الحديث من رسول الله r ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله، وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى.
* فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا هرولته كهرولته، وهكذا غضبه، وهكذا رضاه، وهكذا مجيئه يوم القيامة، وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وهكذا استواؤه على العرش، وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه فيها خلقه.
* فكما أن استواءه على العرش، ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة، لا يشابه استواء خلقه، ولا مجيء خلقه، ولا نزول خلقه؛ فهكذا تقربه إلى عباده العابدين له، والمسارعين لطاعته، وتقربه إليهم لا يشابه تقربهم، وليس قربه منهم كقربهم منه، وليس مشيه كمشيهم، ولا هرولته كهرولتهم، بل هو شيء يليق بالله لا يشابه فيه خلقه سبحانه وتعالى كسائر الصفات، فهو أعلم بالصفات، وأعلم بكيفيتها عز وجل.
* وقد أجمع السلف([150]) على أن الواجب في صفات الرب وأسمائه إمرارها كما جاءت، واعتقاد معناها، وأنه حق يليق بالله سبحانه وتعالى، وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، فالصفات كالذات، فكما أن الذات يجب إثباتها لله، وأنه سبحانه وتعالى هو الكامل في ذلك، فهكذا صفاته يجب إثباتها له سبحانه مع الإيمان، والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها، وأنها لا تشابه صفات الخلق، كما قال عز وجل: ]قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4) [[الإخلاص: 1-4]، وقال عز وجل: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74]. وقال سبحانه: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]. فرد على المشبهة بقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]، وقوله تعالى: ]فلا تضربوا لله الأمثال[؛ ورد على (المعطلة) بقوله تعالى: ]وهو السميع البصير[ وقوله تعالى: ]قل هو الله أحد[ ]الله الصمد[ ]إن الله عزيز حكيم[ [البقرة: 220]، وقوله تعالى: ]إن الله سميع بصير[ [الحج: 75]، وقوله تعالى: ]إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173]، ]إن الله على كل شيء قدير[ [البقرة: 109] إلى غير ذلك.
فالواجب على المسلمين علماء، وعامة إثبات ما أثبته الله لنفسه، إثباتا بلا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه تنزيها بلا تعطيل، هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي r، وأتباعهم من سلف الأمة؛ كالفقهاء السبعة، وكمالك بن أنس، والأوزاعي، والثوري والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وغيرهم من أئمة الإسلام، يقولون أمروها كما جاءت، وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وأما ما قاله المعلقان في هذا: (علوي وصاحبه محمود)؛ فهو كلام ليس بجيد، وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث: أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم([151])، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء، وهذه الثمرة، وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب، والمشي، و«الهرولة»، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، من غير أن يشابه خلقه في شيء من ذلك، فنثبته لله على الوجه الذي أراده الله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وقولهم: إن هذا من تصوير المعقول بالمحسوس: هذا غلط، وهكذا يقول أهل البدع في أشياء كثيرة، وهم يؤولون، والأصل عدم التأويل، وعدم التكييف، وعدم التمثيل، والتحريف، فتمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتعرض لها بتأويل، ولا بتحريف، ولا بتعطيل، بل نثبت معانيها لله كما أثبتها لنفسه، وكما خاطبنا بها، إثباتا يليق بالله لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى في شيء منها، كما نقول في الغضب، واليد، والوجه، والأصابع، والكراهة، والنزول، والاستواء، فالباب واحد، وباب الصفات باب واحد).([152]) اهـ
قلت: وبعد النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية /، وطريقته في إثبات صفات الله تعالى وجدت أنه يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهرها لا يخرج فيها عن مذهب السلف في إثبات الصفات كما جاءت النصوص.
وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية /: في هذا المعتقد بسهم وافر في السير على طريقة السلف، وأئمة الحديث في هذا الباب، فتراه قد ملأ كتبه بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية في ثبوت صفات الله تعالى على ظاهرها، ولم يتعرض لها بتأويل يصرفها عن دلالتها.
وقد ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية /؛ ثبوت صفة: «الهرولة»، وذلك عندما ذكر الأدلة على صفات الله تعالى ذكر بعد ذلك حديث: صفة: «الهرولة» على ظاهر الحديث، ولم يتعرض لكلمة: «الهرولة» بتأويل مما يدل على أنه يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهرها.
* وهذا المسلك كما هو معروف عنه سلكه في جميع الصفات الثابتة في الكتاب والسنة، ويحتج بذلك بآثار السلف بقولهم: «أمروها كما جاءت بلا كيف»، ومن هذه الصفات؛ صفة: «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259)؛ بعدما ذكر أدلة الصفات من القرآن قال عن صفة الهرولة والتقرب: (ومثله في «الصحيحين» عن النبي r أنه قال: يقول الله تعالى: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)([153]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص464-قسم الأسماء والصفات)؛ بعدما ذكر نصوص المجئ، والنزول ... ذكر حديث صفة الهرولة والتقرب؛ حيث قال: (وفي «الصحيحين» عن النبي r: (يقول الله تعالى: من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). اهـ
قلت: ولم يتعرض لصفة: «الهرولة» بشيء من تفاسير المعطلة، بل أمرها كما جاءت؛ مما يدل أنه يثبت صفة: «الهرولة» لله تعالى على ما يليق بجلاله.
وإليك الدليل من أقواله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص41-قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد؛ أو (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة، وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة ... والأربعة الباقون هم أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص39 –قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة. والزهري ومكحول: هما أعلم التابعين في زمانهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص303): (القول الشامل في جميع هذا الباب –أي: باب الصفات- أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله r، وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (وحكوا إجماعهم([154]) على إمرار الصفات أحاديثها، وإنكارهم على المحرفين([155]) لها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص6 و7): (وعلى هذا مضى السلف كلهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص27): (وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص333): (أبو عبيد أحد الأئمة الأربعة: الذين هم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد؛ وله من المعرفة بالفقه، واللغة، والتأويل: ما هو أشهر من أن يوصف وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء، وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها: أي تفسير الجهمية). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
قلت: وما دام قال: (أمروها كما جاءت)؛ فإن ذلك يقتضي عنده إبقاء صفة: «الهرولة» على دلالتها؛ أي: على ما هي عليه من ظاهر اللفظ، فإنها جاءت على لفظ له معنى، ولو كانت دلالتها منتفية عنده لكان الواجب عليه أن يقول بتأويلها عن ظاهرها، ولم يفعل ذلك.
* فإذا ثبت الحديث عنده على ظاهره، لأن ما ثبت من الصفات في النصوص، فإن مذهب السلف إثباتها([156])، وإجراؤها على ظواهرها من غير تأويل، وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية / تماما.
قلت: ولم يكن من شيخ الإسلام ابن تيمية /: أن يتعرض لنص صفة: «الهرولة» بتأويل يصرف فيه هذه الصفة عن ظاهرها، ومعناها، ودلالتها المعلومة من لغة العرب.
* فهو /: يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله r من الأسماء الحسنى والصفات العلى لا يتجاوز فيها القرآن والحديث.
* وعلى هذا فإنه يثبت ألفاظ صفة: «الهرولة» في الأحاديث كما جاءت، ويعلم معناها في لسان العرب الذي نزل به القرآن والسنة، فهو ينطلق في هذا الباب من أسس ثابتة.
قلت: وثبت أن الإمام ابن القيم / يثبت صفة: «الهرولة»، وقد أخذ هذا الاعتقاد من شيخه ابن تيمية /، لأنه ورث علمه، ولازمه في ذلك، ولم يخرج عن شيء من أقواله في توحيد الأسماء والصفات، وغير ذلك.([157])
قلت: ومما يدل على أن شيخ الإسلام ابن تيمية / يرى إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى، أنه في أثناء معرض رده على الجهمية والأشعرية أنكر عليهم تأويلهم للصفات؛ منها: صفة: «الهرولة»، ونقل قول الإمام الهروي / في كتابه: «ذم الكلام» (ج5 ص137)؛ حيث قال في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص282): (وأولئك قالوا: لا صفة، وهؤلاء يقولون: وجه؛ كما يقال: وجه النهار، ووجه الأمر، ووجه الحديث، وعين كعين المتاع، وسمع: كأذن الجدار، وبصر كما يقال: جداران هما يتراءيان، ويد كيد المنة والعطية، والأصابع؛ كقولهم: خراسان بين أصبعي الأمير، والقدمان كقولهم: جعلت الخصومة تحت قدمي، والقبضة؛ كما قيل: فلان في قبضتي؛ أي أنا أملك أمره، وقال الكرسي العلم، والعرش: الملك، والضحك: الرضى، والاستواء: الاستيلاء، والنزول: القبول، و«الهرولة» مثله، فشبهوا من وجه، وأنكروا من وجه، وخالفوا السلف، وتعدوا الظاهر، فردوا الأصل، ولم يثبتوا شيئا، ولم يبقوا موجودا). اهـ
قلت: فهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية /؛ في إقراره كلام الإمام الهروي في إثبات الصفات، منها: صفة: «الهرولة».
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص165)؛ أن الحنابلة رحمهم الله: أثبتوا صفة «الهرولة» لله تعالى، ولم ينكروها، ولم يتأولوها، بل رد على المعترض لأنكاره الصفات؛ منها: صفة «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص165): (ثم قال المعترض: قال أبو الفرج ابن الجوزي في «الرد على الحنابلة»: إنهم أثبتوا لله سبحانه عينا، وصورة، ويمينا، وشمالا، ووجها زائدا على الذات، وجبهة، وصدرا، ويدين، ورجلين، وأصابع، وخنصرا، وفخذا، وساقا، وقدما، وجنبا، وحقوا، وخلفا، وأماما، وصعودا، ونزولا، و«هرولة»، وعجبا؛ لقد كملوا هيئة البدن وقالوا: يحمل على ظاهره وليست بجوارح، ومثل هؤلاء لا يحدثون، فإنهم يكابرون العقول، وكأنهم يحدثون الأطفال.
قلت: الكلام على هذا فيه أنواع:
الأول: بيان ما فيه من التعصب بالجهل والظلم قبل الكلام في المسألة العلمية.
الثاني: بيان أنه رد بلا حجة ولا دليل أصلا.
الثالث: بيان ما فيه من ضعف النقل والعقل). اهـ
* وبهذا يتضح أن شيخ الإسلام / يرى القول بصفة: «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص15): (وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه r، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص18): (نعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه r، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله تعالى بدعة لم يأذن الله تعالى بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم). اهـ
قلت: وشيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجامع المسائل» (ج7 ص357 و398 و359 و360 و361 و363)؛ يذكر المعنى الذي هو في مقام ذكر الخلاف بين الناس في صفة «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، ولم يتبين أنه لم يثبت صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، بل وذكر شيئا من الثمرة، ولكن يكفينا ما صرح به من إثبات صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة» في «الفتاوى» (ج5 ص39-قسم الأسماء والصفات)، و«الفتاوى» (ج4 ص165-قسم الاعتقاد)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259)، وفي «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص282).
وقال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج1 ص61): (وهكذا النزول و«الهرولة» جاءت بها الأحاديث الصحيحة، ونطق بها الرسول r، وأثبتها لربه عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه، ولا يعلم كيفية هذه الصفات إلا هو سبحانه). اهـ
وقال العلامة أبو النصر علي بن حسن القنوجي / في «القائد إلى العقائد» (ق/3/ط) و(ص25/م): (ومن صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه، ونطق بها كتابه: أنه فوق سبع سماواته؛ مستو على عرشه ... والدنو، والقرب، والإتيان، والنزول، والهرولة). اهـ
وقال الإمام الهروي / في: «ذم الكلام» (ج5 ص137): (وأولئك قالوا: لا صفة، وهؤلاء يقولون: وجه؛ كما يقال: وجه النهار، ووجه الأمر، ووجه الحديث، وعين كعين المتاع، وسمع: كأذن الجدار، وبصر كما يقال: جدراهما يتراءيان، ويد كيد المنة والعطية، والأصابع؛ كقولهم: خراسان بين أصبعي الأمير، والقدمان كقولهم: جعلت الخصومة تحت قدمي، والقبضة؛ كما قيل: فلان في قبضتي؛ أي أنا أملك أمره، وقال الكرسي العلم، والعرش: الملك، والضحك: الرضى، والاستواء: الاستيلاء، والنزول: القبول، و«الهرولة» مثله، فشبهوا من وجه، وأنكروا من وجه، وخالفوا السلف، وتعدوا الظاهر، فردوا الأصل، ولم يثبتوا شيئا، ولم يبقوا موجودا).اهـ
قلت: والعلامة الشيخ ابن باز / يبدع من يؤول الصفات؛ منها: صفة: «الهرولة»، حيث قال في «الفتاوى» (ج4 ص131): (التأويل منكر، لا يجوز تأويل الصفات، بل يجب إمرارها كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله سبحانه وتعالى بغير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل.
* فالله جل وعلا أخبرنا عن صفاته، وعن أسمائه وقال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]، فعلينا أن نمرها كما جاءت ... ومن ذلك الحديث القدسي، وهو قول الله سبحانه: (من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)؛ يمر كما جاء عن الله سبحانه وتعالى ... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، ومن سار في ركابهم، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة والجماعة، وتبرؤوا منه، وحذروا من أهله). اهـ
قلت: وهذه النقولات تدل على أن أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات، وما دلت عليه من معاني عظيمة؛ مع إمرارها كما جاءت بلا كيف، وصفة: «الهرولة» ثابتة لله تعالى، يجب إمرارها كما جاءت بلا كيف، على ما يليق بجلاله، وكماله.([158])
فأهل السنة والجماعة: يثبتون ما أثبته الله عز وجل لنفسه، وما أثبته له رسوله r، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ويمرونها كما جاءت مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة، فكل ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من جميع الأسماء والصفات أثبتوه على الوجه اللائق به تعالى، إثباتا مفصلا على حد: قوله سبحانه: ]وهو السميع البصير[ [الشورى: 11] وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله نفيا إجماليا غالبا على حد: قوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]؛ والنفي يقتضي إثبات ما يضاده من الكمال، فكل ما نفى الله عن نفسه من النقائص؛ فإن ذلك يدل على ضده من أنواع الكمال، وقد جمع الله النفي والإثبات في آية واحدة: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ [الشورى: 11]؛ فهذه الآية تضمنت تنزيه الله من مشابهة خلقه: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وفي أولها رد على المشبهة، وهو قوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ [الشورى: 11]؛ وفي آخرها رد على المعطلة، وهو قوله تعالى: ]وهو السميع البصير[ [الشورى: 11]؛ وفي أولها نفي مجمل، وفي آخرها إثبات مفصل، وقال الله عز: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74]، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله r وأتباعهم بإحسان. نقلها عنهم أئمة أهل السنة.([159])
قلت: وهذه طريقة السلف الصالح؛ وهي الطريقة الواجبة في أسماء الله تعالى وصفاته، وهي الأسلم، والأعلم، والأحكم، وليس هناك طريقة أخرى صحيحة في باب: الأسماء والصفات إلا طريقتهم في إثباتها، وإمرارها كما جاءت، وهي مطابقة للكتاب والسنة، فمن تتبع طريقة السلف بعلم، وعدل، وإنصاف، وجدها مطابقة لما في الكتاب والسنة جملة وتفصيلا ؛ ذلك لأن الله تعالى أنزل الكتاب ليدبر الناس آياته، ويعملوا بها إن كانت أحكاما، ويصدقوا بها إن كانت أخبارا.([160])
* فالسلف الصالح من الصحابة، والتابعين هم: ورثة الأنبياء والمرسلين؛ فقد تلقوا علومهم من ينبوع الرسالة الإلهية ؛ فالقرآن نزل بلغة الصحابة y، وفي عصرهم، وهم أقرب الناس إلى معين النبوة الصافي، وهم أصفاهم قريحة، وأقلهم تكلفا، كيف وقد زكاهم الله تعالى في محكم تنزيله، وأثنى عليهم، وعلى التابعين لهم بإحسان، كما قال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان y ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم[ [التوبة: 100].
قلت: وقد توعد رب العزة الذين يتبعون غير سبيلهم بالعذاب الأليم، فقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115]؛ ولا ريب أن سبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن اتبعهم بإحسان.
* فإذا كان الأمر كذلك فمن المحال أن يكون خير الناس، وأفضل القرون قد قصروا في هذا الباب بزيادة أو نقصان؛ وهذا مما يدل على صحة مذهب السلف الصالح؛ فلو كان مذهب الخلف حقا لما تناقضوا واضطربوا، ولما تحيروا وحيروا، وذلك لأنهم على مذاهب أهل الإلحاد ([161])، اللهم سلم سلم.
قال تعالى: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون[ [الأعراف: 180].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وأهل السنة يقولون لهؤلاء([162]): ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل عليهم السلام جاءت بإثبات الصفات). اهـ
قلت: وترى هذا الصنف حائرا شاكا مرتابا إذا نظر إلى أحاديث الصفات ؛ لا يعرف كيف يوجهها، فإذا تجرأ وأقحم نفسه بجهله ووجهها وقع في التحريف، والجهل، فإما أن يقع في الجهل البسيط؛ كظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، وهذا داخل في الجهل المركب، ثم يتبين أنه جهل هذا العلم فيعاند ويصر، ولهذا تجده يذكر أقوال المعطلة وحججهم ليؤيد ضلاله بذلك، ولا يعرف يرجح شيئا للحيرة التي وقع فيها، وهذه نهاية الإقدام على الباطل في تفسير أحاديث الصفات حيرة وضلالة.
قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].
قلت: وقد ضل المعطلة في تقرير الصفات، وذلك لأنهم حكموا عقولهم في قضايا العقيدة، وجعلوا العقل هو الفيصل في ذلك، وعرضوا نصوص الوحيين عليه، فكثر اضطرابهم، وجعلوا العباد في حيرة، وشك من دينهم، وقرروا الباطل المحض، وتعاموا عن الحق والهدى: ]فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور[ [الحج: 46].
قلت: فالعقول لا تكاد تنضبط في أمور صغيرة ويسيرة، بل الآراء فيها تتباين، والاختلاف في أصلها يكثر، وتتعدد وجهات النظر حولها، هذا على سهولتها فكيف والحالة هذه تحكم في قضايا كلية، وأمور اعتقادية.
* لذا لما عول أهل البدع على عقولهم وتحاكموا إليها ؛ كثر اضطرابهم، وتباينت آراؤهم، بل ووجد التضاد في أقوالهم في المسألة الواحدة، ولدى الطائفة
الواحدة([163])؛ اللهم سلم سلم.
* وهؤلاء هم الحيارى؛ من التحير وهو الوقوع في الحيرة، وهي: التردد، والاضطراب، وعدم الاهتداء، وهم المتهوكون؛ من التهوك وهو: الذي يقع في كل أمر.([164])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عما بعث الله به محمدا r من البينات). اهـ
قلت: والممثل بالركض لصفة: «الهرولة»؛ جمع بين التعطيل والتمثيل: حيث مثل الخالق بالخلق، وعطل عنه حقيقة صفة: «الهرولة» اللائق به المستحق بها.([165])
وقد ألزم شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص272 و273 و274)؛ المعطلة بذلك بمجرد تعطيل المعطل، حتى لو لم يمثل حقيقة.
* لأن المخالف للسلف في تأويله لصفة: «الهرولة» يزعم أن العقل يحيلها، وأنه مضطر فيها إلى التأويل، لأن الله تعالى بزعمه لا يركض([166])!؛ فياليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة.
قلت: فهذا المعطل لصفة: «الهرولة» أنكر الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، وتأويل الأحاديث تأويلات لا يقرها دين، ولا يقبلها عقل.
وهذا مردود عليه من وجوه:
1) أن الأحاديث الواردة لا تحتمل التأويل.
2) أن رسول الله r يعلم الحقائق في الأحاديث على ما هي عليه.
3) أن رسول الله r قد بين صفة: «الهرولة» في السنة، وهو أعلم الخلق بالله تعالى.
4) أن العقل لا يحيل ذلك.
5) أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به الأحاديث في صفة: «الهرولة».
* لذلك فالواجب تلقي علم صفة: «الهرولة» على ما جاءت به الأحاديث.
وهذا من العلم الضروري: الذي هو يضطر إليه المرء، ولا يمكن دفعه.([167])
قلت: ألا يعلم هؤلاء أن مذهب السلف في الصفات بين التعطيل، وبين التمثيل.
* لذلك فإن معطلة صفة: «الهرولة» قد فهموا من أحاديث إثبات صفة: «الهرولة»؛ إلا ما هو اللائق بالمخلوق، وهو: «الركض»، وأن الله تعالى لا يركض، ثم شرعوا في نفي صفة: «الهرولة»، ثم حرفوها عن موضعها الحقيقي، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، مثلوا أولا، وعطلوا آخرا.([168])
قلت: وهذا تشبيه، وتمثيل منهم للمفهوم لأحاديث صفة: «الهرولة» بزعمهم، فمفهومهم لهذا هو جامع بين التعطيل والتمثيل، فمثلوا بركض المخلوق، ثم عطلوا صفة: «الهرولة»، والسلف لا يمثلون صفات الله تعالى ولا يعطلونها.([169])
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص329)؛ أن السلف كانوا يسمون نفاة الصفات: «معطلة»؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى، وهم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل بسبب جهلهم في الأصول، وذلك لأن العقائد توقيفية ؛ يدور المسلم مع النص فيها، ولا مجال للعقل، أو الاجتهاد.
قلت: وهذه التأويلات الفاسدة([170]) لصفة: «الهرولة» اليوم موجودة في مقالات المقلدة لزلات العلماء في التواصل الاجتماعي؛ هي بعينها التي ذكرها المعطلة النفاة في هذه الصفة، وحرفوها عن معناها الصحيح.
قال الإمام ابن القيم / في «الجواب الكافي» (ص90): (أصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها، هو التعطيل، وهو ثلاثة أقسام:
* تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه.
* أو تعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس، بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله.
* أو تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد). اهـ
قلت: ومذهب هؤلاء في هذا التعطيل ؛ مع تعظيمهم مذهب السلف، كما قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج7 ص34): (ونوع ثالث: سمعوا الأحاديث، والآثار، وعظموا مذهب السلف، وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار، ما لأئمة السنة والحديث، لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأوا ما بينهما من التعارض، ولهذا كان هؤلاء تارة يختارون طريقة أهل التأويل، كما فعله ابن فورك وأمثاله في الكلام على مشكل الآثار، وتارة يفوضون معانيها، ويقولون: تجري على ظواهرها، كما فعله القاضي أبو يعلى وأمثاله في ذلك، وهذا حال أبي بكر بن فورك، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وأمثالهم).اهـ
قلت: وقد وقع في تأويل صفة: «الهرولة» عدد من أهل العلم، وخالفوا في ذلك مذهب السلف في إثبات الصفات، حيث قالوا: أن المراد بذلك من تقرب بالطاعة، وأتاني بها أتيته بالثواب أسرع من إتيانه، فكنى عن ذلك بالمشي، والهرولة، دون إثبات المعنى الحقيقي على أنها صفة للـه تعالى، فليس المراد عندهم أن الله يهرول حقيقة على ما يليق بجلاله وكماله([171])؛ منهم:
1) ابن حبان / في «صحيحه» (ج3 ص94).
2) النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج17 ص4).
3) العراقي / في «طرح التثريب» (ج8 ص222).
4) ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ج1 ص224).
5) ابن جماعة / في «إيضاح الدليل» (ص192).
6) البيهقي / في «الأسماء والصفات» (ص577).
7) ابن حجر / في «فتح الباري» (ج13 ص427).
8) السيوطي / في «الديباج» (ج6 ص44).
9) ابن بطال / في «شرح صحيح البخاري» (ج10 ص429)، وغيرهم.
قلت: وبالاضطرار يعلم كل سلفي أن هؤلاء العلماء أبعدوا النجعة([172])؛ أي: ابتعدوا عن الصواب، وجانبوا الحق في تعطيلهم لصفة: «الهرولة»، وتقريرهم تأويل المعطلة، وتحكيم عقولهم في ذلك.
* واعلم أن من أعظم أسباب من ضل في أبواب الاعتقاد من أهل الأهواء، وغيرهم ممن ينتسب إلى السنة: هو إعراضهم عن طريقة السلف الأوائل من الاستدلال، ودخولهم في علم الكلام المحدث.
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج1 ص362): (وفسق الاعتقاد؛ كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله، واليوم الآخر، ويحرمون ما حرم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله، جهلا وتأويلا، وتقليدا للشيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1149): (ومن البلية العظمى أن كثيرا ممن لهم: علم وفقه، وعبادة وزهد، ولسان صدق في العامة، وقد ضرب في العلم والدين بسهم؛ قد التبس عليه كثير من كلامهم؛ فقبله معتقدا أنه حق وأن أصحابه محققون). اهـ
وقال الإمام ابن القيم /: (وأما تحريف المعنى فهذا الذي جالوا فيه وصالوا وتوسعوا وسموه تأويلا، وهو اصطلاح فاسد حادث لم يعهد به استعمال في اللغة).([173]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر: أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها؛ فالعيار عندهم على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها فما وافقها أقروه ولم يتأولوه وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه). اهـ
وقال الإمام الدارمي / في «الرد على الجهمية» (ص216): (إن الذي يريد الشذوذ عن الحق، يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص409): (بعض الخائضين بالتأويلات الفاسدة يتشبث بألفاظ تنقل عن بعض الأئمة، وتكون إما غلطا أو محرفة). اهـ
* والواجب سيرا على سنن أهل السنة والجماعة، ومشيا على طريقتهم في هذه الصفة وفي سائر الصفات إمرارها كما جاءت دون تأويل لها على ما يليق بالله جل وعلا، لأن فما الذي يمنع من إثبات «الهرولة» صفة حقيقة لله جل وعلا على الوجه اللائق به؛ كما أثبتها له رسوله r، فشأنها كشأن باقي الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى مثل: صفة: «النزول»، وصفة: «الإتيان»، وصفة: «المجيء»، وصفة: «القرب»، وصفة: «المشي»، وغيرها.([174])
قلت: وكل يؤخذ من أقواله، ويترك إلا النبي r.
فعن الإمام مالك بن أنس / قال: (حق على من طلب العلم أن يكون له وقار، وسكينة، وخشية، وأن يكون متبعا لآثار من مضى).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص324)، وعياض في «الإلماع» (ص52)، والدوري في «ما رواه الأكابر» (ص63).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام نعيم بن حماد / قال: (من ترك حديثا معروفا فلم يعمل به، وأراد له علة أن يطرحه فهو مبتدع).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام الزهري /: (الاعتصام بالسنة نجاة). وفي لفظ: (كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وابن المبارك في «الزهد» (ج1 ص281)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص44)، والأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص281)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص592)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج1 ص25)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص369)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص14)، والبيهقي في «المدخل» (860)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص386)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص143)، والهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص404)، والدينوري في «المجالسة» (ج2 ص235)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص320)، والآجري في «الشريعة» (ص313).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام الشافعي / قال: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله r، فقولوا بسنة رسول الله r، ودعوا ما قلت).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام ابن خزيمة / قال: (ليس لأحد مع رسول الله r قول إذا صح الخبر عنه).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن طاهر في «السماع» (ق/3/ط)، والبيهقي في «المدخل» (ج1 ص38)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص386).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام مجاهد / قال: (ليس أحد إلا يؤخذ من قوله، ويترك من قوله إلا النبي r).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل» (ص107)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص300)، وابن عبد البر في «الجامع» (ج2 ص91) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص176).
وإسناده صحيح.
وعن الإمام أحمد بن حنبل / قال: (من رد حديث رسول الله r فهو على شفا هلكة).
أثر صحيح
أخرجه الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص192)، وابن الجوزي في «مناقب الإمام أحمد» (ص249)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص289)، واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (733).
وإسناده صحيح.
قلت: إنا نتبع، ولا نبتدع، ونقتدي، ولا نبتدي، ولن نضل ما تمسكنا بالآثار.
قال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص237): (أخذ رسول الله r السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله r، وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله r بالاقتداء بهم، ثم أشار الصحابة إلى التابعين من بعدهم). اهـ
وقال قوام السنة الأصبهاني / في «الحجة» (ج1 ص364): (وشعار أهل السنة اتباعهم السلف الصالح، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث). اهـ
قلت: فهذه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة، وأئمة هذه الأمة التي تبين اتباع كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه r، وآثار السلف.
إذا: المفهوم الصحيح اللازم إثبات أن الله تعالى: «يهرول» على ما يليق بجلاله وكماله ... ونفي ما يلزمه من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها.
قلت: فأهل السنة لا يقبلون التأويل مطلقا، ولا يردونه مطلقا؛ بل يقبلون صحيحه، ويردون قبيحه.([175])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص177): (وتأويل ما أخبر الله تعالى به من صفاته العلى وأفعاله: نفس ما هو عليه سبحانه، وما هو موصوف به من الصفات العلى). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «شفاء العليل» (ج1 ص271): (وتأويل التحريف الذي سلكته هذه الطوائف: أصل فساد الدنيا والدين، وخراب العالم). اهـ
قلت: والتأويل الفاسد يترتب عليه من النتائج السيئة؛ من هدم التوحيد، وفساد الدين، والطعن في القرآن، والطعن في السنة، وتعطيل الأسماء الحسنى والصفات العلى، وتسليط المبتدعة في الطعن في الأحكام، وفساد البلدان بسبب تسلط الأعداء في الخارج، والأعداء في الداخل.([176])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص452): (إن إثبات الصفات: دل عليها الوحي الذي جاء من عند الله تعالى، على لسان رسوله r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص197): (شأن أكثر نصوص الصفات إذا تأملها من شرح الله صدره لقبولها، وفرح بما أنزل على الرسول r منها: يراها قد حفت من القرائن، والمؤكدات بما ينفي عنها تأويل المتأول). اهـ
قلت: وإن مما يبطل التأويل الفاسد ويرفضه: ما اعتضد بالنصوص الشرعية من القرائن، والمؤكدات المحتفة بها، والتي يستحيل معها صرف ألفاظ، ومعانيها عن مواردها التي اطرد استعمالها فيها.
قلت: وإن أمارة التأويل الصحيح هو: ما كان حقيقة لما أخبر الله تعالى به، وأخبر به رسوله r؛ من إثبات ما لله تعالى من أسماء الجلال، وصفات الكمال، ونعوت الجمال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص36): (المأثور عن السلف هو السكوت عن الخوض في تأويل ذلك والمصير إلى الإيمان بظاهره والوقوف عن تفسيره؛ لأنا قد نهينا أن نقول في كتاب الله برأينا). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن المقصود منه سكوت عما سكت عنه الصحابة y، والتابعون بإحسان من مقالات أهل البدع وتفسيراتهم.([177])
وقال الإمام ابن القيم /: (فالصحابة أخذوا عن رسول الله r ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني أعظم من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولا، ثم يأخذون الألفاظ).([178]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص290): (وأما التأويل؛ بمعنى: صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه؛ فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف ... وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله تعالى، ورسوله r؛ التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الرسالة الصفدية» (ص567): (وكل من خالف ما جاءت به الرسل عليهم السلام فهو ضال، من أي الطوائف كان، فإن الله بعثهم بالحق، والمعقول الصريح دائما يوافق ما جاءت به الرسل عليهم السلام لم يخالف العقل الصريح شيئا مما جاءت به الرسل عليهم السلام). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص113): (وجهة الغلط أن التأويل الذي استأثر الله تعالى بعلمه هو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو، وأما التأويل المذموم، والباطل فهو تأويل أهل التحريف والبدع، الذين يتأولونه على غير تأويله، ويدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك). اهـ
قلت: وهذا التأويل الباطل هو في الحقيقة من الإلحاد في أسماء الله تعالى، وصفاته، والله ذم الذين يلحدون في توحيد الأسماء والصفات.([179])
قال تعالى: ]ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون[ [الأعراف: 180].
وقال تعالى: ]إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير[ [فصلت: 40].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص112): (وذمهم على أنهم تأولوه على غير تأويله، ولم ينف مطلق التأويل، كما تقدم من أن لفظ التأويل يراد به التفسير المبين لمراد الله تعالى به، فذلك لا يعاب بل يحمد، ويراد بالتأويل الحقيقة التي استأثر الله تعالى بعلمها، فذاك لا يعلمه إلا هو). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التدمرية» (ص112): (وإنما ذمهم لكونهم تأولوه على غير تأويله، وذكر في ذلك ما يشتبه عليهم معناه، وإن كان لا يشتبه على غيرهم). اهـ
قلت: والجهمية هم الذين اشتهروا ببدعة تعطيل الصفات، وقد صار لقب: «الجهمية» بعد ذلك علما على كل من عطل الصفات، أو شيئا من الصفات، ولو واحدة، ولو لم يقل بكل مقالات الجهم بن صفوان المبتدع.([180])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج1 ص270): (والدرجة الثانية من التجهم: هو تجهم المعتزلة ونحوهم([181])الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة، لكن ينفون صفاته، وهم أيضا لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلها على الحقيقة، بل يجعلون كثيرا منها على المجاز، وهؤلاء هم الجهمية المشهورون([182])).اهـ
قلت: والذين عطلوا صفة: «الهرولة»، مع إثباتهم لذات الله تعالى.
فأقول: القول في الصفات؛ كالقول في الذات، فكما أن ذاته حقيقة لا تشبه الذوات، فهي متصفة بصفات حقيقة لا تشبه الصفات، وكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، كذلك إثبات الصفات.([183])
قلت: فالله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقية لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل الصفات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص330): (فالقول في صفاته؛ كالقول في ذاته: والله تعالى ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
* لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها، فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه؛ هو كما يناسب ذاته ويليق بها). اهـ
قلت: والذينعطلوا صفة: «الهرولة» مع إثباتهم بقية الصفات، أو بعضها.
فأقول: أيضا القول في بعض الصفات؛ كالقول في البعض الآخر، فمن أقر بصفات الله تعالى؛ كالسمع، والبصر، والإرادة... أو أقر بصفات الله تعالى، كالمجيء والقرب، والنزول... ؛ فيلزمه أن يقر بمحبة الله تعالى، ورضاه، وغضبه... وهرولته، ونزوله، ومجيئه.([184])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص212): (ومن فرق بين صفة وصفة مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز: كان متناقضا في قوله متهافتا في مذهبه مشابها لمن آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض). اهـ
قلت: فتحريفهم لنصوص الوحي التي تعارض أهواءهم، وآراءهم، وعقولهم الفاسدة، وتسميتهم ذلك التحريف تأويلا، وهم في ذلك التحريف على مذاهب شتى مضطربة، بل متناقضة فإن المتأولين على أصناف عديدة بحسب الباعث لهم على التأويل.
قلت: وكلما ساء قصده، وقصر فهمه كان تأويله أشد انحرافا، فمنهم: من يكون تأويله لنوع هوى من غير شبهة، بل يكون على بصيرة من الحق.
ومنهم: من يكون تأويله لنوع شبهة عرضت له، أخفت عليه الحق.
ومنهم: من يجتمع له الأمران؛ الهوى في القصد، والشبهة في العلم.([185])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص230): (وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول كل ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالعيار عندهم على ما يتأول، وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها.
* فما وافقها أقروه، ولم يتأولوه، وما خالفها: فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه ... فهذا في الحقيقة هو عيار التأويل عند الفرق كلها). اهـ
قلت: ومع قولهم بهذا التأويل، والذي حقيقته التحريف والتبديل، فإن كثيرا من متأخريهم قد سوغوا في النصوص مذهبا آخر، ألا وهو التفويض، وحقيقته التجهيل، وإخلاء نصوص الصفات من معانيها، والقول بأنها ألفاظ لا معاني لها، أو أن لها معاني لا يعلمها إلا الله، مع اعتقادهم أن ما يفهم من ظواهر النصوص غير المراد.
قلت: إن الله تعالى قد سد ببعثة النبي r حاجة العباد، وفاقتهم إلى معرفة ربهم، والتعبد له بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وجعل رسوله r واعظا تشفي مواعظه القلوب من السقم، وطبيبا يبرئ بإذنه من أنواع الألم.([186])
قلت: فالرسول r عرف الأمة توحيد الأسماء والصفات أتم تعريف... وأنه وقع منه r على أتم الوجوه، وأوضح r لأمته ذلك غاية الإيضاح، وبينه لها بيانا شافيا لا لبس فيه، ولا إشكال، ولا اشتباه؛ حتى لم يدع بعد تعريفه لتوحيد الأسماء والصفات لقائل مقالا، يلبس به على الناس.
قال تعالى: ]لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ [آل عمران:164].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
قال الإمام ابن القيم / في «جلاء الأفهام» (ص286): (ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده بل كفاهم، وشفاهم، وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51]). اهـ
قلت: والنبي r كان أعلم الناس بربه ومولاه؛ كما قال r: (فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية).([187])
قال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص330): (إن محمدا r أرشد الناس إلى جميع الحق حتى أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة.
* ولهذا كان خاتم الأنبياء فإنه لم يبق شيء يأتي به غيره، وأخبر محمد r بكل ما يأتي من أشراط الساعة، والقيامة، والحساب، والصراط، ووزن الأعمال، والجنة وأنواع نعيمها، والنار وأنواع عذابها). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «هداية الحيارى» (ص584): (الرسول صلوات الله وسلامه عليه، إنما جاء بتعريف الرب تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتعريف بحقوقه على عباده). اهـ
قلت: فالرسول r بين للأمة توحيد الأسماء والصفات بيانا شافيا؛ لا يقع فيه لبس، ولا إشكال، ولا اشتباه.
* وأساس دعوة الرسل عليهم السلام جميعهم؛ هو معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص150): (اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين، وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاح دعوتهم، وزبدة رسالتهم: معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تنبني مطالب الرسالة جميعها ... فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الروح» (ص579)؛ في بيان توحيد الرسل عليهم السلام، وتوحيد من خالفهم: (مدار الحق الذي اتفقت عليه الرسل عليهم السلام على أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل إثبات الصفات ونفي مشابهة المخلوقات ؛ فمن شبه الله بخلقه: فقد كفر، ومن جحد حقائق ما وصف الله به نفسه: فقد كفر، ومن أثبت له حقائق الأسماء والصفات، ونفى عنه مشابهة المخلوقات: ]فقد هدي إلى صراط مستقيم[ [آل عمران: 101]).اهـ
قلت: ولما كانت هذه النقول السالفة الذكر متضمنة للإجماع المنافي للاختلاف: زاد الإمام ابن القيم / في المسألة التي تليها هذا الأمر تأكيدا؛ مبينا انتفاء وقوع الخلاف بين أحد من المرسلين في باب: توحيد الأسماء والصفات.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج4 ص1279): (إن الرسل من أولهم إلى آخرهم ليس بينهم اختلاف في أسماء الرب وصفاته وأفعاله، وإن تنوعت شرائعهم العملية بحسب المصلحة؛ فلم يختلف منهم اثنان في باب الأسماء والصفات). اهـ
قلت: ويتضح من تقرير الإمام ابن القيم /: أن أتباع الرسل عليهم السلام حقا، والموافقين لهم صدقا: هم أهل الحديث([188]) والأثر المثبتون لله تعالى الأسماء والصفات على ما يليق به من الكمال والجلال، والنافون عنه ما يتنزه عنه سبحانه وأن المناوئين لهم من سائر الفرق هم المعطلة: الذين خالفوا الرسل عليهم السلام.([189])
قلت: لذلك فمدار الحق الذي اتفقت عليه الرسل عليهم السلام؛ أن يثبت لله تعالى حقائق الأسماء والصفات، وأن ينفي عنه مشابهة المخلوقات.
قال الإمام ابن القيم / في «مدارج السالكين» (ج2 ص180): (أما الرضا بنبيه رسولا: فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه؛ بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته، ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره ألبتة؛ لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه). اهـ
قلت: فقد توفي رسول الله r، وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للأمة منه علما، وعلمهم كل شيء؛ حتى آداب الأحكام.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1150)؛ عن إثبات النبي r للصفات للرب تعالى: (فمرة يشير بأصبعه، ومرة يضع يده على عينه، وأذنه حين يخبر عن سمع الرب وبصره، ومرة يصفه بالنزول، والمجيء، والإتيان والانطلاق، والمشي والهرولة!، ومرة يثبت له الوجه والعين، واليد والأصبع، والقدم والرجل، والضحك والفرح، والرضا والغضب، والكلام والتكليم، والنداء بالصوت والمناجاة...). اهـ
قلت: وهذه الصفات نقلتها الأمة نقلا عاما متواترا؛ خلفا عن سلف، وحصل العلم الضروري للخلق بذلك؛ كما حصل لهم العلم الضروري أن النبي r بلغهم ألفاظ هذه الصفات العلى، منها: صفة: «الهرولة»، وحصل اليقين من كلام الله تعالى، وكلام الرسول r، لأن ذلك يفيد اليقين.([190])
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص655): (فإن الأمة كلها تنقل عمن قبلها، ومن قبلها عمن قبلها حتى ينتهي الأمر إلى الرسول r). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج1 ص210)؛ عن دلالة آيات الأسماء والصفات: (أن دلالتها على معانيها أظهر من دلالة كثير من آيات الأحكام على معانيها.
* ولهذا آيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس، وأما آيات الأسماء والصفات فيشترك في فهمها الخاص والعام؛ أعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية.
* ولهذا أشكل على بعض الصحابة y؛ قوله تعالى: ]حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود[ [البقرة: 187]، ولم يشكل عليه ولا على غيره؛ قوله ]وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان[ [البقرة: 186] وأمثالها من آيات الصفات). اهـ
قلت: فتأمل هذا الفقه في توحيد الأسماء والصفات.
قال تعالى: ]قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض[ [العنكبوت: 52].
وقال تعالى: ]وما كان أكثرهم مؤمنين[ [الشعراء: 67].
قلت: وإن إجماع أهل الأثر المنعقد على إثبات توحيد الأسماء والصفات من الكتاب والسنة والآثار، يمثل حقيقة الأمر، وأنه لم يخرج عن إجماعهم في إثبات أسماء الله الحسنى، وصفاته العلى على حقيقتها([191]): ]إلا من سفه نفسه[ [البقرة: 130].
* فإذا ثبت إجماع الأمة على إثبات الأسماء والصفات، لم يكن لأحد أن يخرج عن إجماعهم؛ فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة.([192])
قال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
قال الإمام ابن القيم /: (انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه
الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى بها، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول.
* فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول، والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك، وكذلك تابع التابعين مع التابعين؛ هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث؛ كما يعلمون عدالة الصحابة y، وصدقهم، وأمانتهم، ونقلهم ذلك عن نبيهم r ... فإن الذين نقلوا هذا هم: الذين نقلوا أحاديث الصفات).([193]) اهـ
قلت: وهذا تقرير لإجماع الأمة على وجوب تلقي أحاديث الرسول r في باب أسماء الله تعالى، وصفاته بالقبول والتسليم، والعمل بما دلت عليه، والإيمان بها.
قلت: فالصحابة y، والتابعون الكرام: أجمعوا على تلقي أخبار الأسماء والصفات بالقبول؛ مع الإيمان بمعانيها، وعدم تكلف السؤال عن كيفيتها، وهذا هو الواجب في هذا الباب؛ أن تقر هذه النصوص الشرعية بإثبات حقائقها، وفهم معانيها.([194])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج7 ص145): (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز؛ إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة.
* وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله، وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمد لله). اهـ
قلت: فإجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول r، وأن كل ما أجمعوا عليه فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول r.([195])
قلت: فالإجماع منقعد على أن الله تعالى: «يهرول» حقيقة، لأن: «الهرولة» صفة له تعالى، فيجب الإيمان بها على حقيقتها.
* والصحابة y أجمعوا على تلقي أخبار الصفات بالقبول؛ منها: صفة: «الهرولة»، وهذا هو الواجب في هذا الباب.([196])
قال الإمام ابن سريج / في «أجوبته في أصول الدين» (ق/37/ط): (أن جميع الآي الواردة عن الله عز وجل في ذاته وصفاته، والأخبار الصادقة الصادرة عن رسول الله r في الله تعالى وصفاته التي صححها أهل النقل، وقبلها النقاد الأثبات؛ يجب على المسلم المؤمن الموقن الإيمان بها). اهـ
قلت: فإجماع سلف الأمة من الصحابة y، وتابعيهم على إقرار الآيات، والأخبار الواردة في أسماء الله تعالى، وصفاته وإمرارها على ظاهرها؛ مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج2 ص208): (ولم يتنازعوا في آيات الصفات، وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع -فهم معانيها وإثبات حقائقها-، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانا، وأن العناية ببيانها أهم: لأنها من تمام تحقيق الشهادتين، وإثباتها من لوازم التوحيد). اهـ
قلت: وهذا يدل أن توحيد الأسماء والصفات من الأصول العظيمة التي انعقد الإجماع عليها، وأن الأئمة اعتنوا بحكاية هذا الإجماع عناية بارعة.
قال الإمام ابن القيم / في «الصواعق المرسلة» (ج3 ص1165): (إن ما جاء به الرسول r من الإثبات معلوم بالضرورة من دينه؛ كما هو معلوم بالأدلة اليقينية فلا يمكن مع تصديق الرسول r مخالفة ذلك). اهـ
قلت: والعصمة النافعة في إثبات هذه الصفات: أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله r؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل تثبت له الأسماء والصفات، وتنفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثبات العبد متنزها عن التمثيل، ونفيه منزها عن التعطيل.([197])
قال الإمام ابن القيم / في «أحكام أهل الذمة» (ج1 ص195): (أسماؤه كلها حسنى، وأفعاله كلها خير، وصفاته كلها كمال). اهـ
قلت: وعليه يكون العلماء الراسخون في العلم يعلمون التأويل الذي بمعنى التفسير والبيان.([198])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص285): (أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال: هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله r، ولا أهل العلم والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس وهذا لا ريب فيه). اهـ
وقال الإمام الصابوني / في «عقيدة السلف» (ص321): (هكذا ينبغي للمرء أن يعظم أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقابلها بالقبول والتسليم والتصديق، وينكر أشد الإنكار على من يسلك فيها غير هذا). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص31): (وكل ما جاء في القرآن، أو صح عن المصطفى عليه السلام من صفات الرحمن، وجب الإيمان به وتلقيه بالتسليم والقبول، وترك التعرض له بالرد والتأويل، والتشبيه والتمثيل ... اتباعا لطريق الراسخين في العلم الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين؛ بقوله سبحانه وتعالى: ]والراسخون في العلم يقولون آمنا[ [آل عمران: 7] وقال في ذم مبتغي التأويل لمتشابه تنزيله: ]فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله [ [آل عمران: 7]، فجعل ابتغاء التأويل علامة على الزيغ، وقرنه بابتغاء الفتنة في الذم، ثم حجبهم عما أملوه، وقطع أطماعهم عما قصدوه، بقوله سبحانه: ]وما يعلم تأويله إلا الله[ [آل عمران: 7]). اهـ
قلت: فالاعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا على المجاز ... وأن لها معاني حقيقية تليق بجلال الله وعظمته ... وأدلة ذلك أكثر من أن تحصر ... ومعاني هذه الأسماء والصفات ظاهرة معروفة من القرآن والسنة؛ لا لبس فيها، ولا إشكال، ولا غموض ... فقد أخذ أصحاب رسول الله r عنه القرآن، ونقلوا عنه الأحاديث، ولم يستشكلوا شيئا من معاني هذه الآيات والأحاديث؛ لأنها واضحة صريحة ... وكذلك من بعدهم من القرون الفاضلة.
قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].
قال الإمام ابن قدامة / في «لمعة الاعتقاد» (ص37): (وعلى هذا درج السلف، وأئمة الخلف y، كلهم متفقون على الإقرار، والإمرار، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r من غير تعرض لتأويله.
* وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات!). اهـ
قلت: وهذا يدلك على أهمية معرفة قواعد السلف في إثبات الأسماء والصفات ... وأن معرفة القواعد والأصول يعد من أعظم العلوم، وأجلها نفعا، وأكثرها فائدة.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «طريق الوصول» (ص18): (الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار؛ لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى، وينمى نماء مطردا، وبها تعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيرا، كما أنها تجمع النظائر، والأشباه التي من جمال العلم جمعها). اهـ
قلت: فإن من محاسن الشريعة المطهرة أن أحكامها الأصولية والفروعية كلها لها أصول وقواعد تضبط أحكامها.([199])
* فإذا ضبطت القاعدة، وفهم الأصل أمكن الإلمام بكثير من المسائل التي هي بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأمن الخلط بين المسائل التي قد تشتبه.
* وكان فيها تسهيل لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنيا على علم متين، وعدل وإنصاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص203): (لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم). اهـ
قلت: ولهذا فإنه يترتب على العناية بالقواعد المأثورة، والأصول الكلية المنقولة عن السلف الصالح من الفوائد، والمنافع ما لا يعلمه إلا الله؛ لأن فيها تجلية للأحكام، وتوضيح للمسائل، وإزالة للبس، وأمن من الخلط والخبط في الدين.([200])
وختاما:
قال الإمام أحمد رحمه الله: (ولا نزيل عن الله تعالى صفة من صفاته، لأجل شناعة المشنعين فإن هذا شأن أهل البدع يلقبون أهل السنة، وأقوالهم بالألقاب التي ينفرون منها الجهال!).([201])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله-
سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده
يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله،
وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
درة نادرة قاعدة: لأهل السنة والجماعة في إثبات صفات الله تعالى في الكتاب والسنة والآثار منها: صفة: «الهرولة»............................... |
5 |
2) |
المقدمة..................................................................................................... |
84 |
3) |
التمهيد...................................................................................................... |
115 |
4) |
ذكر الدليل من السنة، والإجماع على «إثبات صفة الهرولة لله تعالى» على ما يليق بجلاله؛ لا يشابه فيها خلقه، كسائر صفاته تعالى......................................................................................................... |
119 |
([1]) أي: من غير تفسير، وأرادوا به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة y، والتابعون الكرام من الإثبات.
وانظر: «الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص333)، و«التدمرية» له (ص112 و113).
قال تعالى: ]فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النحل: 74].
وقال تعالى: ]فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون[ [البقرة: 22].
([2]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص35 و36 و37)، و(ج6 ص469)، و«الاعتقاد» للالكائي (ج3 ص454)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز الحنفي (ج1 ص222)، و«معالم السنن» للخطابي (ج3 ص555)، و«شرح العقيدة الواسطية» للهراس (ص112)، و«أصول السنة» لابن أبي زمنين (ص110)، و «ذم التأويل» لابن قدامة (ص11 و12)، و«أجوبة في أصول الدين» لابن سريج (ص86)، و«حقيقة التأويل» للمعلمي (ج6 ص52 و54)، و«القائد إلى تصحيح العقائد» له (ص114 و115 و123)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص98 و99 و100)، و«أجوبة في الصفات» للخطيب (ص74 و75)، و«التحف في مذاهب السلف» للشوكاني (ص31)، و«دراسات لآيات الأسماء والصفات» للشنقيطي (ص10 و11).
([3]) انظر: «الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص303 و307)، و«التدمرية» له (ص89 و116)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (ج1 ص201 و208)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص269)، و«الجواب المختار لهداية المحتار» له (ص26)، و«التحف في مذاهب السلف» للشوكاني (ص32)، و«الحاشية على العقيدة الواسطية» لابن مانع (ص31)، و«الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص235)، و«صفات رب العالمين» لابن المحب (ق/246/ط)، و(ص68 و69/م)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4).
([4]) وانظر: «الرد على المبتدعة» لابن البناء (ص151 و152)، و«الرد على من أنكر الحرف والصوت» للسجزي (ص173)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص1046)، و«جواب الاعتراضات المصرية» لابن تيمية (ص108)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج7 ص230)، و«السنن» للترمذي (ج3 ص51).
([6]) وهم: المشبهة الذين شبهوا ذات الله تعالى بذات خلقه، أو صفاته بصفات خلقه.
انظر: «الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص255)، و«الملل والنحل» للشهرستاني (ج1 ص103).
([7]) فقوله: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاءت)؛ هو من باب حمل المفرد على معنى الجمع، وهو يجوز في اللغة العربية، والجادة في العبادة؛ أن يقال: (أمروا أحاديث رسول الله r على ما جاءت)، ويقال: (أمروا حديث رسول الله r على ما جاء).
انظر: «الخصائص» لابن الجني (ج2 ص419).
([8]) وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص269)، و«التدمرية» لابن تيمية (ص7)، و«الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص234)، و«صفات رب العالمين» لابن المحب (ق/246/ط)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4).
([9]) قلت: أي؛ من باب الأفعال الاختيارية، والله تعالى يفعل ما يشاء، يتقرب ذراعا، أو شبرا، أو ما شاء الله، ويأتي كما يشاء: هرولة.
وقاعدة السلف: أن نثبت هذا الفعل على حقيقته، ونقول: إن الله يتقرب من الإنسان قدر ذراع، وقدر باع، ويأتي: «هرولة»؛ كما في قوله تعالى: ]وجاء ربك[ [الفجر: 22]؛ إنه يأتي سبحانه وتعالى بنفسه للقضاء بين العباد.
وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([11]) قلت: ولا يدع أحاديث صفة: «الهرولة»، إلا متعالم مبتدع.
قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص35): (وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار، أو يرد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع). اهـ
([12]) وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص269)، و«لمعة الاعتقاد» لابن قدامة (ص9)، و«تحريم النظر في كتب الكلام» له (ص38)، و«الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص147 و148).
([13]) أي: الصحابة والتابعون، وهنا يعود الضمير في «كانوا» إلى غير مذكور للعلم به، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية.
ومنه: قوله تعالى: ]ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة[ [النحل: 61]؛ أي: على الأرض، فدل على ذلك بالعلم.
وانظر: «الإنصاف في مسائل الخلاف» في اللغة؛ للأنباري (ج1 ص96)، و«غريب الحديث» لأبي عبيدة (ج3 ص79)، و«غريب الحديث» للخطابي (ج2 ص322).
([14]) فالسلف كانوا يحرصون كل الحرص على عدم التكلف بالتأويل والتحريف، بل يكتفون بفهم المعاني العامة للنصوص.
([18]) يعني: لا نطلب لها المعاني الباطلة المحرفة؛ مثل: تحريف المعطلة النفاة.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ج9 ص165).
أخرجه الخطابي في «أعلام الحديث» (ج1 ص638 و639)، وغيره.
وإسناده صحيح.
وقوله: (ولا نريغ لها)؛ أي: لا نطلب لها، ولا نريد لها، يقال: (أرغت)؛ الصيد إراغة؛ طلبته، وأردته، وماذا: (تريغ)؛ أي: ماذا تريد.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص129).
([20]) يعني: التفسير الفاسد الذي يكون من قبل أهل البدع والأهواء؛ من «الجهمية»، و«الأشعرية»، و«الإباضية»، و«الماتريدية»، و«المعتزلية»، و«المرجئة العصرية»، وغيرهم.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص87)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص270)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج7 ص230)، و«الرد على الجهمية» لابن بطة (ج3 ص111)، و«طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (ج1 ص64).
([21]) وانظر: «الرد على الجهمية» لابن بطة (ج3 ص58)، و«عقيدة المسلمين» للبليهي (ج1 ص322)، و«الفتاوى» للشيخ ابن باز (ج4 ص131)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4).
([28]) وانظر: «عقيدة السلف» للصابوني (ص161 و662)، و«تذكرة الحفاظ» للذهبي (ج3 ص1142)، و«السير» له (ح16 ص295)، و«شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص38)، و«حقيقة التأويل» للمعلمي (ج6 ص52)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج4 ص147 و148)، و(ج6 ص69 و105)، و«درء التعارض» له (ج6 ص256)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج7 ص145).
([29]) قلت: أي؛ من باب الأفعال الاختيارية، والله تعالى يفعل ما يشاء، يتقرب ذراعا، أو شبرا، أو ما شاء الله، ويأتي كما يشاء: هرولة.
وقاعدة السلف: أن نثبت هذا الفعل على حقيقته، ونقول: إن الله يتقرب من الإنسان قدر ذراع، وقدر باع، ويأتي: «هرولة»؛ كما في قوله تعالى: ]وجاء ربك[ [الفجر: 22]؛ إنه يأتي سبحانه وتعالى بنفسه للقضاء بين العباد.
وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([30]) قلت: ومن خالف هذا الإجماع، وهو من دون العالم المجتهد، وأصر وعاند على تعطيل صفة «الهرولة»، فهو يعتبر مبتدعا ضالا في الأصول، لأنه خالف السنة النبوية، وإجماع السلف، ووافق الجهمية المعطلة.
قال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (من لم يبلغ درجة الاجتهاد، وإنما يتعاطى النظر في الأدلة، ويحكم بما يظهر له بدون استناد إلى موافقة مجتهد من المجتهدين، فهذا ضال مضل، وهو من الرؤساء الجهال الذين ورد فيهم الحديث). اهـ
وقال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (وإن تبين له بطلان دليل مقلده، وأصر على تقليده؛ فهو هالك!). اهـ
قلت: وأما العالم السني المجتهد إذا خالف في هذه الصفة وغيرها، فهو يعتبر مخطئا، لأنه اجتهد وأخطأ، وهو لا يتعمد المخالفة في الأصل، وهو مغفور له لاجتهاده، ولا يتبع في خطئه هذا، ومن اتبعه في زلته هذه فهو آثم.
* لكن إذا تبين لهذا العالم المجتهد أنه أخطأ، فيجب عليه الرجوع عن خطئه هذا في العلم، والله المستعان.
([31]) قلت: وقد اتفقتا الجهمية والزنادقة على اتباع المتشابه من الآيات والأحاديث، وتأويلها على غير تأويلها الصحيح.
وانظر: «الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله» للإمام أحمد (ص169).
([32]) وانظر: «الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص188)، و«شرح لمعة الاعتقاد» له (ص38)، و«دلائل التوحيد» للهروي (ص79)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص190)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259).
([33]) يعني: المعنى الحقيقي وهو إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وانظر: «شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص86 و127 و141)، و«القواعد المثلى» له (ص127 و128 و129)، و«شرح صحيح مسلم» له أيضا (ج7 ص554 و555).
([34]) قال الإمام ابن البناء / في «الرد على المبتدعة» (ص151): (والمعتزلة تردها، والأشعرية تتأولها).اهـ
يعني: بلا تأويل، ولا تحريف، ولا تفويض، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني الثابتة لله تعالى، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.
قال الإمام الآجري /في «الشريعة» (ص397): (فيما ذكرته كفاية لمن أخذ بالسنن، وتلقاها بأحسن قبول، فلم يعارضها بكيف ولم؟ واتبع ولم يبتدع). اهـ
([37]) وانظر: «العقيدة الإسلامية» للشيخ محمد الجامي (ص66 و67)، و«نجاة الخلف في اعتقاد السلف» للنجدي (ص17)، و«نهج الرشاد في نظم الاعتقاد» للسرمري (ص31 و32)، و«نظم عقيدة أهل الأثر» للكلوذاني (ص77 و79)، و«الجواب المختار لهداية المحتار» لشيخنا ابن عثيمين (ص26)، و«التحف في مذهب السلف» للشوكاني (ص18)، و«أجوبة في الصفات» للخطيب (ص73).
([38]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24)، و«العقيدة الإسلامية» للشيخ محمد الجامي (ص96).
([39]) يعني: تحريف: «الجهمية»، و«الأشعرية»، و«الإباضية»، و«الصوفية»، و«الماتريدية»، و«المرجئة العصرية»، وغيرهم؛ لصفات الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة والآثار.
([40]) وانظر:«الرد على المبتدعة» لابن البناء (ص153)، و«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (ج1 ص64)، و«جواب الاعتراضات المصرية» لابن تيمية (ص108)، و«التوحيد» لابن خزيمة (ج1 ص159)، و«ذم التأويل» لابن قدامة (ص37)، و«الحاشية على العقيدة الواسطية» لابن مانع (ص25)، و«التعليق على العقيدة الواسطية» للشيخ ابن باز (ص23).
([43]) قلت: وأخذ البعض من أهل التعالم بهذه الثمرة من كلام أهل العلم أنهم لم يثبتوا صفة: «الهرولة»، بل ظن أن «الهرولة» في الحديث مؤولة على حسب ظنه الفاسد، فوقع في «التجهم»، وهو لا يشعر، ولا يعذر بجهله في ذلك، فهو برزخ بين السلف، والجهمية إلى أن يتوب، ويرجع عن مذهب الجهمية، اللهم سلم سلم.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص471): (والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية، أخذوا من هؤلاء كلاما صحيحا، ومن هؤلاء أصولا عقلية ظنوها صحيحة: وهي فاسدة).اهـ
وقال الإمام عثمان الدارمي / في «النقض على المريسي» (ص349): (والتجهم: عندنا باب كبير من الزندقة، يستتاب أهله، فإن تابوا، وإلا قتلوا). اهـ
([44]) قلت: والصحيح أن هذا المعنى من ثمرات صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، وليس هذا المعنى للصفة؛ كما سبق ذلك، فتنبه.
([46]) الفتوى (رقم 6932) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج3 ص142).
* وقد وقع على هذه الفتوى كل من المشايخ: عبد العزيز بن باز، عبد الرازق عفيفي، عبد الله بن غديان، عبد الله بن قعود.
([48]) وانظر: «شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259)، و«الفتاوى» له (ج5 ص39)، و«السنة» للخلال (ج1 ص259)، و«الشريعة» للآجري (ص720)، و«العلو» للذهبي (ج2 ص959)، و«التوحيد» لابن منده (ج3 ص115)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج7 ص158)، و«ذم التأويل» لابن قدامة (ص20).
([50]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج2 ص640 و653 و654)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للإسماعيلي (ص172).
([53]) وانظر: «شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص38 و39)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص49)، و«حقيقة التأويل» للمعلمي (ج6 ص62 و63)، و«إثبات صفة العلو» لابن قدامة (ص124)، و«ذم التأويل» له (ص23)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (ص59)، و«العلو» للذهبي (ص166)، و«معارج القبول» للحكمي (ج1 ص365)، و«التدمرية» لابن تيمية (ص7 و8)، و«الرسالة الصفدية» له (ص133)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» له أيضا (ص224)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للإسماعيلي (ص172)، و«المختار من أصول السنة» لابن البناء (ص203)، و«الفقه الأكبر» لأبي حنيفة (ص27)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص55)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للهكاري (ص287).
([57]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج9 ص37 و38)، و«الفتاوى» له (ج13 ص136)، و«الشريعة» للآجري (ص51 و64)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للهكاري (ص287)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص97 و98 و99)، و«الفقه الأكبر» لأبي حنيفة (ص27)، و«عقيدة المسلمين» للبليهي (ج1 ص240 و241)، و«دراسات لآيات الأسماء والصفات» للشنقيطي (ص10 و11)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص15).
([58]) وإنما سميت تضمنا؛ لأن الجزء المدلول بها عليه دخل في مضمون معناها الموضوع له لغة؛ أي: في اللغة العربية.
واللفظ: إما أن يدل على كل معناه، أو بعضه، أو على لازمه، والدلالة هي ما يدل عليه اللفظ لغة، أو شرعا، أو عقلا، والمراد به هنا الدلالة اللغوية؛ على ما وضعته العرب له من المعاني بحيث يفهم منه عند الإطلاق.
وانظر: «القواعد الكلية» للبريكان (ص236).
([59]) فالاسم يدل على الصفة التي تضمنها، وعلى صفة أخرى تضمنها اسم آخر بطريق اللزوم.
* مقالة اسم الخالق دل على الذات، وعلى صفة الخلق، ودل على العلم الذي تضمنه اسم العليم، وعلى القدرة التي تضمنها اسم القدير، ودل اسم الخالق على العليم القدير.
وانظر: «شرح مقدمة التفسير» لشيخنا ابن عثيمين (ص236).
([60]) وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص64 و65 و67)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (ج1 ص162).
([63]) وانظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص554)، و«التدمرية» له (ص191 و192)، و«مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص59 و83)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص98)، و«دراسات لآيات الأسماء والصفات» للشنقيطي (ص32 و35)، و«التحف في مذهب السلف» للشوكاني (ص14 و15).
([65]) انظر: «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج4 ص1411)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص28 و29)، و«الرسالة الصفدية» له (ص133 و258 و259)، و«مقدمة في أصول التفسير» له أيضا (ص21)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص246).
([67]) وانظر: «مختصر الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج4 ص1411)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج13 ص29 و29)، و«الرسالة الصفدية» له (ص133)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص246)، و«شرح مقدمة التفسير» له (ص25).
([68]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (ج1 ص171)، و«شرح لمعة الاعتقاد» لشيخنا ابن عثيمين (ص32 و33)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للهكاري (ص284)، و«شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (ص149)، و«عقيدة المسلمين» للبليهي (ج2 ص168)، و«الكواشف الجلية» للسلمان (ص92 و93)، و«الفقه الأكبر» لأبي حنيفة (ص57)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص250).
([69]) كما يجب الإنكار الشديد على من يعترض على أخباره الصحيحة، أو بعضها على سبيل الإنكار، أو الاستبعاد لها، لأن التساهل في ذلك، وعدم الحزم فيه يساعد على فشو البدع، وانتشارها بين الأمة.
وانظر: «عقيدة السلف» للصابوني (ص321).
([70]) قلت: فمن كادهم قصمه الله تعالى ... ومن عاندهم خذله الله تعالى ... لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم ... وإن الله على نصرهم لقدير.
([71]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص282)؛ تعليقا على كلمة الإمام أحمد هذه: (هذه حقيقة حال أهل البدع؛ كما قال الإمام أحمد في كتابه «الرد على الزنادقة والجهمية»: مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب). اهـ
([72]) قال تعالى: ]وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد[ [البقرة: 176].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص301): (قد جمعوا وصفي الاختلاف الذي ذمه الله في كتابه، فإنه ذم الذين خالفوا الأنبياء، والذين اختلفوا على الأنبياء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج5 ص284): (وأما قوله: بأنهم (متفقون على مخالفة الكتاب)؛ فهذا إشارة إلى تقديم غير الكتاب على الكتاب، كتقديم معقولهم، وأذواقهم، وآرائهم ونحو ذلك على الكتاب، فإن هذا اتفاق منهم على مخالفة الكتاب، ومتى تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة؛ فلا بد أن يختلفوا، فإن الناس لا يفصل بينهم؛ إلا كتاب منزل من السماء). اهـ
([73]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «درء تعارض العقل والنقل» (ج1 ص222)؛ (وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمن الألفاظ المتشابهة المجملة، التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسنة). اهـ
([75]) قلت: وقد أنكر صفة: «الهرولة» للـه تعالى أهل البدع والأهواء من: «الجهمية»، و«المعتزلة»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة العصرية»، و«الماتريدية»، و«الصوفية»، و«الإباضية»، وغيرهم؛ من أعداء السنة والتوحيد، نفاة صفات رب العالمين، لأنهم أعرضوا عن دراسة اعتقاد السلف والأثر، نعوذ بالله من الخذلان.
وانظر: «النقض على المريسي الجهمي» للدارمي (ج1 ص561)، و«الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج3 ص915)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص67).
([76]) قلت: واعتقاد السلف شجى في حلوق أهل البدع والأهواء من: «الجهمية»، و«المعتزلة»، و«الأشاعرة»، و«المرجئة العصرية»، و«الماتريدية»، و«الإباضية»، و«الصوفية»، وغيرهم من معطلة الصفات.
([77]) قلت: ومن هذه الصفات التي أثبتها، صفة: «الهرولة»، حيث أثبتها عن رسول الله r، وإجماع الصحابة y، وإجماع أئمة الحديث.
وانظر: «النقض على المريسي» للدارمي (ج1 ص561)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص79)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([78]) وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص466)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص79)، و«النقض على المريسي» للدارمي (ج1 ص561).
([79]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص414)، وفي «خلق أفعال العباد» (426)، وأحمد في «المسند» (12233)، والطيالسي في «المسند» (2079).
([80]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (7405)، ومسلم في «صحيحه» (2675)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص509)، والترمذي في «سننه» (3603).
([81]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2687)، وابن ماجة في «سننه» (2821)، والبغوي في «شرح السنة» (1253)، وأحمد في «المسند» (21360).
([82]) قلت: أي؛ من باب الأفعال الاختيارية، والله تعالى يفعل ما يشاء، يتقرب ذراعا، أو شبرا، أو ما شاء الله، ويأتي كما يشاء هرولة.
وقاعدة السلف: أن نثبت هذا الفعل على حقيقته، ونقول: إن الله يتقرب من الإنسان قدر ذراع، وقدر باع، ويأتي: «هرولة»؛ كما في قوله تعالى: ]وجاء ربك[ [الفجر: 22]؛ إنه يأتي سبحانه وتعالى بنفسه للقضاء بين العباد.
وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([83]) قلت: ومن خالف هذا الإجماع، وهو من دون العالم المجتهد، وأصر وعاند على تعطيل صفة «الهرولة»، فهو يعتبر مبتدعا ضالا في الأصول، لأنه خالف السنة النبوية، وإجماع السلف، ووافق الجهمية المعطلة.
قال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (من لم يبلغ درجة الاجتهاد، وإنما يتعاطى النظر في الأدلة، ويحكم بما يظهر له بدون استناد إلى موافقة مجتهد من المجتهدين، فهذا ضال مضل، وهو من الرؤساء الجهال الذين ورد فيهم الحديث). اهـ
وقال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (وإن تبين له بطلان دليل مقلده، وأصر على تقليده؛ فهو هالك!). اهـ
قلت: وأما العالم السني المجتهد إذا خالف في هذه الصفة وغيرها، فهو يعتبر مخطئا، لأنه اجتهد وأخطأ، وهو لا يتعمد المخالفة في الأصل، وهو مغفور له لاجتهاده، ولا يتبع في خطئه هذا، ومن اتبعه في زلته هذه فهو آثم.
* لكن إذا تبين لهذا العالم المجتهد أنه أخطأ، فيجب عليه الرجوع عن خطئه هذا في العلم، والله المستعان.
([84]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص414)، وفي «خلق أفعال العباد» (426)، وأحمد في «المسند» (12233)، والطيالسي في «المسند» (2079).
([85]) وهذا المعنى: يراد به ثمرة صفة: «الهرولة»، مع إجراء صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث؛ أي: مع إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى على ما يليق بجلاله، فافهم لهذا ترشد.
([86]) يعني: إثبات صفة: «الهرولة» على حقيقتها لله تعالى على ما يليق بجلاله، لا يشابه فيها خلقه؛ كسائر الصفات.
وانظر: «الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص188).
([87]) من هذه الصفات التي أجمع السلف عليها؛ صفة: «الهرولة» لله تعالى.
وانظر: «النقض على المريسي الجهمي» للدارمي (ج1 ص561).
([88]) وهذه ثمرة صفة: «الهرولة»، فلا بأس بذكر هذا المعنى اللغوي الآخر، مع إثبات المعنى الحقيقي، وهو إثبات صفة «الهرولة» على حقيقتها لله تعالى بما يليق بجلاله سبحانه.
وانظر: «فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص79).
([90]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24).
([91]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي /، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([92]) وانظر: «أحكام القرآن» للشافعي (ج1 ص53)، و«الرسالة» له (ص475)، و«العدة في أصول الفقه» للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص155)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و«الإحكام» للآمدي (ج1 ص200).
([93]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
([95]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد للـه تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (ج5 ص385).
([98]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذه المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر!.
([99]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.
وانظر: «نهاية السول شرح منهاج الوصول» للإسنوي (ج2 ص282)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص357).
([100]) انظر: «الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي (ج2 ص354)، و«معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للجزري (ج2 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج1 ص338)، و«نهاية السول شرح منهاج الوصول» للإسنوي (ج2 ص281)، و«الإجماع» الباحسين (ص220)، و«الأحكام» للآمدي (ج1 ص208).
([101]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسي (ج5 ص132)، و«فتح القدير» للشوكاني (ج1 ص463)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج3 ص496).
([102]) قلت: وقد اتفقتا الجهمية والزنادقة على اتباع المتشابه من الآيات والأحاديث، وتأويلها على غير تأويلها الصحيح.
وانظر: «الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله» للإمام أحمد (ص169).
([104]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (ج5 ص24 و26)، و«إبطال التأويلات لأخبار الصفات» لأبي يعلى الحنبلي (ج1 ص225)، و(ج2 ص449)، و«القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص169)، و«شرح رياض الصالحين» له (ج3 ص335)، و«تفسير القرآن الكريم» له أيضا (ج1 ص136)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج10 ص125)، و«مدارج السالكين» لابن القيم (ج4 ص151 و152)، و«تيسير الكريم الرحمن» للشيخ السعدي (ج1 ص116).
([105]) يعني: المعنى الحقيقي وهو إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وانظر: «شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص86 و127 و141)، و«القواعد المثلى» له (ص127 و128 و129)، و«شرح صحيح مسلم» له أيضا (ج7 ص554 و555).
([106]) كتأويل المعطلة للصفات؛ من: «الجهمية»، و«الأشعرية»، و«الإباضية»، و«الماتريدية»، و«الصوفية»، و«المعتزلة»، و«المرجئة العصرية»، وغيرهم.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص556)، و(ج6 ص471)، و«شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص73).
أخرجه البغوي «شرح السنة» (ج5 ص24)، ومعمر بن راشد الأزدي في «الجامع» (ج11 ص292)، وأحمد في «المسند» (ج3 ص138)، وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ج3 ص1167).
وإسناده صحيح.
([108]) قلت: وأخذ البعض من أهل التعالم بهذه الثمرة من كلام أهل العلم أنهم لم يثبتوا صفة: «الهرولة»، بل ظن أن «الهرولة» في الحديث مؤولة على حسب ظنه الفاسد، فوقع في التجهم وهو لا يشعر، ولا يعذر بجهله في ذلك، فهو برزخ بين السلف والجهمية إلى أن يتوب ويرجع عن مذهب الجهمية، اللهم سلم سلم.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص471): (والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية، أخذوا من هؤلاء كلاما صحيحا، ومن هؤلاء أصولا عقلية ظنوها صحيحة: وهي فاسدة).اهـ
وقال الإمام عثمان الدارمي / في «النقض على المريسي» (ص349): (والتجهم عندنا: باب كبير من الزندقة، يستتاب أهله، فإن تابوا، وإلا قتلوا). اهـ
([109]) قلت: والصحيح أن هذا المعنى من ثمرات صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، وليس هذا المعنى للصفة؛ كما سبق ذلك، فتنبه.
([111]) قلت: وهكذا يفضح الله تعالى من عاند الحق، واتبع الباطل بالهوى، اللهم غفرا.
* لذلك نطالب أهل البدع أن يأتوا ببرهان على عقيدة الأشعرية الجهمية:] قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين[ [البقرة: 111].
([114]) كذلك لما أعلن المعطلون لصفة: «الهرولة» في هذا الزمان، وخاضوا في ذلك بدون علم، فلم نجد بدا من أن نرد ما أتوا به من الباطل في صفة: «الهرولة»، ونبين كيدهم، ونكشف مكرهم ومقارعتهم بالحجج الدامغة، لأن كان هذا من المعطلة خوضا فيما نهوا عنه في الشرع.
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في «الحجة» (ج1 ص423)، والخلال في «السنة» (1794)، والآجري في «الشريعة» (187)، وأبو داود في «مسائل أحمد» (ص264).
وإسناده صحيح.
( ) وانظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج6 ص115)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج12 ص248)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج8 ص4849 و4850)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص326)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص1111)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص341)، و«العين» للخليل (ج3 ص1957).
([117]) وانظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج6 ص115)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج8 ص4849 و4850)، و«العين» للخليل (ج7 ص162)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص326)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص341)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج12 ص248).
([118]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج8 ص4840 و4850)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج6 ص115)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص341)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص326)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص1111)، و«تهذيب اللغة» للأزهري (ج12 ص248).
([119]) وانظر: «الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص84)، و«معتقد أهل السنة والجماعة» للتميمي (ص31)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج3 ص333)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (ج2 ص147)، و«مدارج السالكين» له (ج3 ص342)، و«العلو للعلي الغفار» للذهبي (ج2 ص1178 و1303).
([121]) وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج8 ص4685)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص328)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص289)، و«القاموس المحيط» للفيرزآبادي (ص1083)، و«معجم تهذيب اللغة» للأزهري (ج4 ص3753).
([122]) قلت: وقد ثبت عن بعض أهل السنة ذكر معنى: «الهرولة»، ويعنون به ثمرة: صفة «الهرولة»، مع إثبات صفة «الهرولة للـه تعالى».
قال تعالى: ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ [الشورى: 11].
وقال تعالى: ]ولا يحيطون به علما[ [طه:110].
([123]) وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص269)، و«التدمرية» لابن تيمية (ص7)، و«الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص234)، و«الدرر السنية في الأجوبة النجدية» (ج3 ص33)، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ج6 ص319)، و«معالم التنزيل» للبغوي (ج3 ص236)، و«فتح الباري» لابن رجب (ج5 ص101)، و«بيان فضل علم السلف على علم الخلف» له (ص48)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (ص119).
([124]) قلت: أي؛ من باب الأفعال الاختيارية، والله تعالى يفعل ما يشاء، يتقرب ذراعا، أو شبرا، أو ما شاء الله، ويأتي كما يشاء هرولة.
وقاعدة السلف: أن نثبت هذا الفعل على حقيقته، ونقول: إن الله يتقرب من الإنسان قدر ذراع، وقدر باع، ويأتي: «هرولة»؛ كما في قوله تعالى: ]وجاء ربك[ [الفجر: 22]؛ إنه يأتي سبحانه وتعالى بنفسه للقضاء بين العباد.
وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([126]) قلت: ولا يدع أحاديث صفة «الهرولة»، إلا متعالم مبتدع.
قال الإمام البربهاري / في «شرح السنة» (ص35): (وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار، أو يرد الآثار، فاتهمه على الإسلام، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع). اهـ
([127]) يعني: لا نطلب لها المعاني الباطلة المحرفة؛ مثل: تحريف المعطلة النفاة.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ج9 ص165).
([128]) قلت: وإنما قلنا بصفة: «الهرولة»؛ بأدلة السنة، وإجماع السلف، ليعرف الناس أن من عطل صفة: «الهرولة»، ولم يثبتها، أنه على خلاف السنة، وخلاف مذهب السلف، والله المستعان.
([130]) فتوى له في «التواصل المرئي» بعنوان: (الذي لا يثبت صفة الهرولة أنه على ضلال) في سنة: ((1437هـ)).
([131]) قلت: أي؛ من باب الأفعال الاختيارية، والله تعالى يفعل ما يشاء، يتقرب ذراعا، أو شبرا، أو ما شاء الله، ويأتي كما يشاء هرولة.
وقاعدة السلف: أن نثبت هذا الفعل على حقيقته، ونقول: إن الله يتقرب من الإنسان قدر ذراع، وقدر باع، ويأتي: «هرولة»؛ كما في قوله تعالى: ]وجاء ربك[ [الفجر: 22]؛ إنه يأتي سبحانه وتعالى بنفسه للقضاء بين العباد.
وانظر: «شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص426).
([132]) قلت: ومن خالف هذا الإجماع، وهو من دون العالم المجتهد، وأصر وعاند على تعطيل صفة «الهرولة»، فهو يعتبر مبتدعا ضالا في الأصول، لأنه خالف السنة النبوية، وإجماع السلف، ووافق الجهمية المعطلة.
قال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (من لم يبلغ درجة الاجتهاد، وإنما يتعاطى النظر في الأدلة، ويحكم بما يظهر له بدون استناد إلى موافقة مجتهد من المجتهدين، فهذا ضال مضل، وهو من الرؤساء الجهال الذين ورد فيهم الحديث). اهـ
وقال العلامة المعلمي / في «حقيقة البدعة» (ج6 ص112): (وإن تبين له بطلان دليل مقلده، وأصر على تقليده ؛ فهو هالك!). اهـ
قلت: وأما العالم السني المجتهد إذا خالف في هذه الصفة وغيرها، فهو يعتبر مخطا، لأنه اجتهد وأخطأ، وهو لا يتعمد المخالفة في الأصل، وهو مغفور له لاجتهاده، ولا يتبع في خطئه هذا، ومن اتبعه في زلته هذه فهو آثم.
* لكن إذا تبين لهذا العالم المجتهد أنه أخطأ، فيجب عليه الرجوع عن خطئه هذا في العلم، والله المستعان..
([133]) قلت: وقد اتفقتا الجهمية والزنادقة على اتباع المتشابه من الآيات والأحاديث، وتأويلها على غير تأويلها الصحيح.
وانظر: «الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله» للإمام أحمد (ص169).
([134]) وانظر: «الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص188)، و«شرح لمعة الاعتقاد» له (ص38)، و«دلائل التوحيد» للهروي (ص79)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص190)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259).
([135]) يعني: المعنى الحقيقي وهو إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل..
وانظر: «شرح العقيدة الواسطية» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص86 و127 و141)، و«القواعد المثلى» له (ص127 و128 و129)، و«شرح صحيح مسلم» له أيضا (ج7 ص554 و555).
([136]) قلت: وعليك بمجانبة كل مذهب، لا يذهب إليه السلف الصالح في أصول الدين وفروعه.
وانظر: «خلق أفعال العباد» للبخاري (ص134)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص24)، و«العقيدة الإسلامية» للشيخ محمد الجامي (ص96).
([139]) قلت: وأخذ البعض من أهل التعالم بهذه الثمرة من كلام أهل العلم أنهم لم يثبتوا صفة: «الهرولة»، بل ظن أن «الهرولة» في الحديث مؤولة على حسب ظنه الفاسد، فوقع في «التجهم»، وهو لا يشعر، ولا يعذر بجهله في ذلك، فهو برزخ بين السلف، والجهمية إلى أن يتوب، ويرجع عن مذهب الجهمية، اللهم سلم سلم.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج16 ص471): (والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية، أخذوا من هؤلاء كلاما صحيحا، ومن هؤلاء أصولا عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة).اهـ
وقال الإمام عثمان الدارمي / في «النقض على المريسي» (ص349): (والتجهم: عندنا باب كبير من الزندقة، يستتاب أهله، فإن تابوا، وإلا قتلوا). اهـ
([140]) قلت: والصحيح أن هذا المعنى من ثمرات صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، وليس هذا المعنى للصفة؛ كما سبق ذلك، فتنبه.
([142]) الفتوى: (رقم 6932) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج3 ص142).
* وقد وقع على هذه الفتوى كل من المشايخ: عبد العزيز بن باز، عبد الرازق عفيفي، عبد الله بن غديان، عبد الله بن قعود.
([143]) وانظر: «شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259)، و«الفتاوى» له (ج5 ص39)، و«السنة» للخلال (ج1 ص259)، و«الشريعة» للآجري (ص720)، و«العلو» للذهبي (ج2 ص959)، و«التوحيد» لابن منده (ج3 ص115)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج7 ص158)، و«ذم التأويل» لابن قدامة (ص20).
([145]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج2 ص640 و653 و654)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» لابن تيمية (ص259)، و«اعتقاد أهل السنة والجماعة» للإسماعيلي (ص172)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4 و6)، و«صفات رب العالمين» لابن المحب (ق/219/ط)، و(ج2 ص814).
([147]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج4 ص414)، وفي «خلق أفعال العباد» (426)، وأحمد في «المسند» (12233)، والطيالسي في «المسند» (2079).
([148]) وهذا المعنى: يراد به ثمرة صفة: «الهرولة»، مع إجراء صفة: «الهرولة» على ظاهر الأحاديث؛ أي: مع إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى على ما يليق بجلاله، فافهم لهذا ترشد.
([149]) يعني: إثبات صفة: «الهرولة» على حقيقتها لله تعالى على ما يليق بجلاله، لا يشابه فيها خلقه؛ كسائر الصفات.
وانظر: «الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص188).
([150]) من هذه الصفات التي أجمع السلف عليها؛ صفة: «الهرولة» لله تعالى.
وانظر: «النقض على المريسي الجهمي» للدارمي (ج1 ص561).
([151]) وهذه ثمرة صفة: «الهرولة»، فلا بأس بذكر هذا المعنى اللغوي الآخر، مع إثبات المعنى الحقيقي، وهو إثبات صفة: «الهرولة» على حقيقتها لله تعالى بما يليق بجلاله سبحانه.
وانظر: «فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص79).
([153]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6970)، ومسلم في «صحيحه» (2675)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7730)، وفي «النعوت» (72)، والترمذي في «سننه» (3603)، وابن ماجة في «سننه» (3822)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص251)، وابن حبان في «صحيحه» (811)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (80)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (267)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (625)، وفي «الأربعين» (43)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص117)، و(ج9 ص27).
([158]) وانظر: «الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4)، و«مثالب الأشعري» لأبي علي الأهوازي (ص14 و15)، و«صفات رب العالمين» لابن المحب (ق/264/ط)، و«السنة» لابن يزداد البغدادي (ص15)، و«السنة» للخلال (ج1 ص259)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص92)، و«الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص236)، و«فتاوى نور على الدرب» للشيخ ابن باز (ج1 ص68)، و«شرح القواعد المثلى» لشيخنا ابن عثيمين (ص427).
([160]) وانظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص105 و109)، و«الفتاوى» له (ج3 ص35 و40)، و(ج5 ص26)، و«درء تعارض العقل والنقل» له أيضا (ج5 ص7)، و«فتح رب البرية» لشيخنا ابن عثيمين (ص12 و15)، و«التوحيد» لابن منده (ج2 ص102)، و«رسائل في العقيدة» للحمد (ص210).
([161]) وانظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (ج2 ص561)، و«فتح رب البرية» لشيخنا ابن عثيمين (ص18 و19 و24)، و«بدائع الفوائد» لابن القيم (ج1 ص159 و166 و170)، و«شرح العقيدة الواسطية» للهراس (ص67)، و«رسائل في العقيدة» للحمد (ص234)، و«أعلام السنة المنشورة» للحكمي (ص56)، و«مثالب الأشعري» لأبي علي الأهوازي (ص14)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4 و5)، و«صفات رب العالمين» لابن المحب (ق/264/ط).
([162]) يعني: المعطلة الذين حرفوا وبدلوا في صفات الله تعالى، فالله أضلهم بسبب تحريفهم لنصوص الكتاب والسنة، فظلموا أنفسهم.
ومنه؛ قوله تعالى: ]فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به[ [المائدة: 13].
وقال تعالى: ]فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم[ [الأعراف: 162].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص287): (فقد علم أنه r قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه). اهـ
([163]) وانظر: «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية (ج5 ص365)، و«الفتاوى» له (ج17 ص357)، و«الفتوى الحموية الكبرى» له أيضا (ص241 و243).
([168]) لأن قول القائل: الله لا يركض ركض المخلوق هذا تمثيل وتشبيه، والسلف لم يقولوا بذلك عندما رووا أحاديث صفة: ((الهرولة))، وإذا الله بزعمهم لا يركض، فالله تعالى لا يهرول، فعطلوا الصفة وهم لا يشعرون، ثم حرفوها بمعنى آخر.
([170]) والتأويل الفاسد هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به؛ أي: على رأيهم وما ذهبوا إليه، والصحيح: أنه صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بغير دليل يوجب ذلك؛ كتأويل أهل البدع نصوص صفة: ((الهرولة))، وكقولهم: ((استوى)) أي: ((استولى)).
وانظر: «الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص290 و291).
([173]) وانظر: «مختصر الصواعق» (ج3 ص937).
قلت: والتأويلات الموجودة اليوم بأيدي الأشاعرة المبتدعة؛ هي بعينها: تأويلات الجهمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص254): (وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس... هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي). اهـ
([175]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص170 و181)، و(ج2 ص631).
قلت: وحد التأويل الفاسد القبيح: صرف اللفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه، وما يخالف ظاهره.
وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص178).
([176]) وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم (ج1 ص365 و367)، و(ج2 ص403)، و«شفاء العليل» له (ج1 ص271)، و«الكافية الشافية» له أيضا (ص16 و19).
([177]) وانظر: «الحجة في بيان المحجة» لأبي القاسم الأصبهاني (ج1 ص104)، و«الفتوى الحموية الكبرى» لابن تيمية (ص333)، و«الفتاوى» له (ج16 ص410)، و(ج17 ص363).
([179]) وانظر: «الرسالة الصفدية» لابن تيمية (ص287)، و«الفتوى الحموية الكبرى» له (ص70 و71)، و«التدمرية» له أيضا (ص90)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» له كذلك (ص343).
([180]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج8 ص490)، و(ج12 ص119)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» له (ص198)، و«منهاج السنة» له أيضا (ج1 ص311)، و«مقالات الإسلاميين» للأشعري (279)، و«الفرق بين الفرق» للبغدادي (ص199)، و«شرح القصيدة النونية» لابن عيسى (ج2 ص114)، و«تلبيس إبليس» لابن الجوزي (ص105).
([182]) قلت: يدخل تحت هذا الوصف طوائف كثيرة؛ من أشهرها:
1) ((الجهمية)): الذين عطلوا الله تعالى عن أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
2) و((المعتزلة)): الذين أثبتوا الأسماء مجردة عن الصفات.
3) و((الأشاعرة)): الذين أثبتوا الأسماء، وشيئا من الصفات.
قلت: وإثبات هذه الصفات عند هذه الطوائف ليس وفق النص، بل وفق العقل، وهذا العقل مريض غير سليم.
* ومن تلك الطوائف: ((المشبهة))؛ التي غلت في إثبات الصفات لله تعالى حتى جعلتها؛ كصفات المخلوقق.
([183]) انظر: «أجوبة في الصفات» للخطيب (ص20)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص330)، و(ج6 ص355) و«التدمرية» له (ص43)، و«الحجة في بيان المحجة» للأصبهاني (ج1 ص174)، و«الفاروق بين المثبتة والمعطلة» لأبي إسماعيل الأنصاري (ص4)، و«الصفات الإلهية» للشيخ الجامي (ص341)، و«رسائل في العقيدة» للحمد (ص228).
([184]) انظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص212)، و«التدمرية» له (ص31)، و«رسائل في العقيدة» للحمد (ص228).
قلت: ومن أثبت بعض الصفات، ونفى بعضها، فهو مضطرب متناقض، وتناقض القول دليل على فساده.
([185]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص250 و251)، و«اجتماع الجيوش الإسلامية» له (ص132)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج5 ص26)، و«درء تعارض العقل والنقل» له (ج2 ص31)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطة (ج3 ص326)، و«عقيدة السلف» للصابوني (ص160 و165).
([186]) وانظر: «التبيان في أقسام القرآن» لابن القيم (ص257)، و«زاد المعاد» له (ج1 ص182)، و«جلاء الأفهام» له أيضا (ص262).
([188]) هؤلاء هم أهل السنة والجماعة: الذين سموا الله تعالى، ووصفوه بما سمى ووصف به نفسه سبحانه في كتابه، وعلى لسان رسوله r على الحقيقة؛ من غير تشبيه، مع قطع الطمع عن إدراك كيفية ذلك.
* فسلموا بذلك من المزالق الثلاثة الخطيرة في هذا الباب، ألا وهي: مزلق: ((التعطيل))، ومزلق: ((التشبيه))، ومزلق: ((التكييف))؛ إذا أثبتوا فلم يعطلوا، وإذا نزهوا فلم يشبهوا، وإذا أوكلوا الكيفية إلى الله تعالى فلم يكيفوا.
([189]) وانظر: «اجتماع الجيوش الإسلامية» لابن القيم (ص3331)، و«مدارج السالكين» له (ج3 ص474)، و«إعلام الموقعين» له أيضا (ج4 ص249)، و«الصواعق المرسلة» له كذلك (ج3 ص872).
([192]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج2 ص90)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج4 ص1058)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص441)، و«المسودة في أصول الفقه» لآل تيمية (ص315).
([194]) وانظر: «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة» لابن القيم (ج2 ص208 و210)، و(ج4 ص1453)، و«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر (ج7 ص145).
([195]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص38 و39)، و«أحكام أهل الذمة» لابن القيم (ج2 ص814)، و«حادي الأرواح» له (ص422)، و«الصواعق المرسلة» له أيضا (ج2 ص655).