القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / الحجة على تارك المحجة لعدم صوم الصحابة العشر الأول من شهر ذي الحجة

2024-07-28

صورة 1
الحجة على تارك المحجة لعدم صوم الصحابة العشر الأول من شهر ذي الحجة

                سلسلة

من شعار أهل الحديث

                                                                                                                 

....

 

 

 

                                                                                               

 

الحجة على تارك المحجة

لعدم صوم الصحابة y العشر الأول

من شهر ذي الحجة

 

 

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

إلمــاعـــة

تضيء القلوب الحية، وتظلم بالقلوب الميتة

 

ذكر الدليل على أن صوم العشر، لو كان من الخير؛ لفعله الصحابة y؛ لأنهم: لم يتركوا خصلة من خصال الخير؛ إلا وقد بادروا إليها، لحبهم في تطبيق السنة النبوية

 

قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج7 ص278): (وأما أهل السنة والجماعة: فيقولون في كل فعل، وقول: لم يثبت عن الصحابة y، هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم: لم يتركوا خصلة من خصال الخير؛ إلا وقد بادروا إليها). اهـ.

 

 

 

õõõ

 

 

 

 

    

فتوى

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية

في أنه لم يثبت أن الرسول r، صام العشر الأول من ذي الحجة!.

 

* سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء؛ كما في «الفتاوى» (ج10 ص400)؛ هل ثبت أن الرسول r صام عشر ذي الحجة؟.

فأجابت: (لم يثبت فيما نعلم أن الرسول r صام عشر ذي الحجة، أي: تسعة الأيام التي قبل العيد ([1])، لكنه r حث على العمل الصالح فيها، فقد ثبت عنه r أنه قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني: أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟، قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه، وماله فلم يرجع من ذلك بشيء». رواه البخاري.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

عضو...                    عضو...               نائب رئيس اللجنة...         الرئيس

عبد الله بن قعود... عبد الله بن غديان... عبد الرزاق عفيفي... عبد العزيز بن عبد الله بن باز). اهـ.

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    

                                         رب أنعمت فزد

                                             المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].

]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].

]ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].

أما بعد...

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ه، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

* فينبغي لطالب العلم الحريص على الفقه بالآثار، أن يحذر من الكتب التي لا تستدل بالآثار، وأن يتمرس بكتب أهل الأثر، ويدمن بالاطلاع عليها، ويطبق ما يتعلمه منها؛ بقصد واعتدال، وتوسط في الأمور، لا تفريط ولا إفراط، وليحذر التقليد والتعصب، وليلازم آثار السلف، وكتب الأئمة المتقدمين عند اختلاف المتأخرين، واختلاف المعاصرين، ويقتبس من منهج السلف، والأئمة معالجتهم للخلافيات المحيطة بنا في البلدان الإسلامية، وليتجنب من يعرض([2]) عن منهج السلف، وكتبهم في الفقه الإسلامي.([3])

* ونظرا: لتفاوت الناس في الإدراك، والمعرفة، والتمييز؛ فهناك فئة من المجتمع لا تستطيع أن تميز في الاختلاف بين الصواب والخطأ، فرأيت نصحا للأمة الإسلامية، وتعاونا على البر والتقوى، أن يخرج هذا الكتاب، والذي هو محصلة آثار الصحابة y، في عدم صومهم للعشر الأول من شهر ذي الحجة([4])، فكانت آثارهم نورا يستضاء بها في الظلمات، فهي شفاء للعليل، ووقاية للصحيح، وإرشاد للسائل.([5])

قلت: وهذا الصوم لم يعرفه الصحابة t، ولم ينقل عنهم: صومهم للعشر من ذي الحجة، وما لم يعرفه الصحابة الكرام فليس من الدين بلا شك، وإن عمل به الناس كلهم في هذا الزمان الحاضر!.

فعن سعيد بن جبير / قال: «ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين!».([6])

وعن الأوزاعي / قال: «العلم ما جاء عن أصحاب محمد r، وما لم يجئ عن واحد منهم فليس بعلم».([7])

قلت: وليست هذه الآثار في عدم صوم الصحابة الكرام صدرت عن اجتهاد، بل كانت صادرة عن علم ودين، وتقوى واتباع من صحابة رسول الله r، وهي موافقة لسنة رسول الله r.

* فهي آثار علمية نفيسة تضمنت عدم صوم العشر، فعلينا بالأخذ بها، وللعلم فإن الخطأ لصيق العبد يلازمه مثل ظله، كلما ابتعد عن آثار صحابة رسول الله r، وسعى بعيدا عن سعيهم كان نصيبه من الخطأ الكثير([8])، وكلما وافق العبد آثارهم، وسعى سعيهم كان نصيبه الصواب في الأصول والفروع، نسأل الله السلامة والعافية.

قال تعالى:  ]إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها[ [الإسراء:7].

وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا [ [النساء:83].

* هذا وأسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب، والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                                               كتبه

                                                                 أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

     

ذكر الدليل

على أن الرسول r، لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، خاصة يوم عرفة، وقد جزمت عائشة ڤ: بذلك، وهي أعلم الناس؛ بسنة الرسول r في صوم التطوع، وقد اقتدت عائشة ڤ: به r، فلم تصم العشر الأولى من ذي الحجة، لتطبيقها للسنة التركية([9])، التي جهلها كثير من الناس في هذا العصر الحاضر

 

عن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما في العشر قط). يعني: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.

أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283)، والترمذي في «سنـنـه» (756)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2872)، وابن راهويه في «المسند» (1505)، وأحمد في «المسند» (ج6ص42)، والسراج في «المسند» (ق/99/ط)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج2 ص739)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن حبان في «صحيحه» (3608)، والبغوي في «شرح السنة» (1793)، وفي «شمائل النبي r» (ج2 ص481)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عـن الأســود عن عائشة ڤ به.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283) من طريق سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ قالت: (إن النبي r لم، يصم العشر).([10])

وأخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص276) من طريق الفرات الرقي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما أيام العشر قط).

وإسناده صحيح.

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص42) من طريق يعلى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.

وإسناده صحيح.

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2874) من طريق حفص بن غياث، عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.

وإسناده صحيح.

وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2103) من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.

وإسناده صحيح.

وأخرجه أبو داود في «سـننـه» (ج2 ص816)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص124) من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.

وإسناده صحيح.

قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص120): (هكذا رواه غير واحد

عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة). اهـ

* ثم ذكر أن هذه الرواية أصح، وأوصل إسنادا.([11])

فقال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص121): (وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا). اهـ

قال الإمام وكيع بن الجراح /: (الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور).([12])

وحديث منصور: أخرجه ابن ماجة في «سـنـنـه» (1726) من طريق أبي الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ڤ به.

قال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج7 ص201): (رواية ابن ماجة عن منصور متصلة صحيحة الإسـنـاد، فهي تؤكد أصحية رواية الأعمش). اهـ

قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.([13])

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن راهويه في «المسند»

 (1506) من طريق جرير عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر قط)، هكذا مرسلا.

وأخرجه ابن الجعد في «حديثه» (ج2 ص735) من طريق سـفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال حدثت: (أن رسول الله r، لم يصم العشر قط).

ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص378).

قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص103): (وروى الثوري، وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر)، وروى أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، ولم يذكر فيه عن الأسـود، وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا).([14])اهـ

ثم قال الحافظ الترمذي /: وسمـعت محمد بن أبان يقول سمعت وكيعا يقول: (الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور). اهـ

* وقد ذكر مثل كلام الترمذي: أبو حاتم، وأبو زرعة، فيما نقله عنهما ابن أبي حاتم في «العلل» (ج2 ص71).

وذكر الحافظ الدارقطني /: اختلاف منصور، والأعمش على إبراهيم النخـعي، فالأعمـش كـمـا سـبـق روى الحـديث عـن إبـراهـيـم عـن الأســود عن عائشة، متصلا مرفوعا، وروى منصور الحديث عن إبراهيم مرسلا، ومتصلا.

* ولم يرجح الحافظ الدارقطني / أحد الجانبين على الآخر، والظاهر أنه يرجح الإرسال.([15])

حيث قال الحافظ الدارقطني / في «التتبع» (ص529): (وأخرج مسلم حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: ما صام رسول الله r العشر).

قال أبو الحسن الدارقطني: (وخالفه منصور: رواه عن إبراهيم مرسلا). اهـ

وقد صرح بترجيحه للإرسال في كتابه «العلل» (ج5 ص129)؛ مجيبا عن سؤال وجه إليه عن هذا الحديث: (يرويه: إبراهيم النخعي، واختلف عنه: فرواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ولم يختلف عن الأعمش فيما حدث به عنه أبو معاوية، وحفص بن غياث، وزائدة بن قدامة، وعبدة بن سليمان، والقاسم بن معين، وأبو عوانة.

* واختلف عن الثوري، فرواه ابن مهدي عن الثوري عن الأعمش كذلك.

* وتابعه يزيد بن زريع، واختلف عنه: فرواه حميد المروزي عن يزيد بن زريع، عن الثوري عن الأعمش مثل قول عبد الرحمن بن مهدي.

* وحدث به شيخ من أهل أصبهان: يعرف بعبد الله بن محمد النعمان عن محمد بن منهال الضرير عن يزيد عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.

* وتابعه معمر بن سهل الأهوازي عن أبي أحمد الزبيري عن الثوري.

والصحيح: عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: حدثت: أن رسول الله r، وكذلك رواه أصحاب منصور مرسلا: منهم: فضيل بن عياض، وجرير). اهـ

* فنرى الحافظ الدارقطني / هنا قد رجـح الإرســـال، واحتج لذلك بأن أصحاب منصور قد رووه مرسلا.

* ولكن الاختلاف بين الأعمش، ومنصور الحق فيه: أن الوصل الذي رواه الأعمش، هو الصواب والراجح، كما سبق ذكر ذلك.

ويؤيد ذلك: رواية منصور المتصلة السابقة عن ابن ماجه في «سننه» (1726).

قال العلامة الشيخ الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج7 ص201): (رواية ابن ماجة عن منصور متصلة صحيحة الإسـنـاد، فهي تؤكد أصحية رواية الأعمش). اهـ

قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.

* إذن فالراجح هو الوصل.

قلت: فالمتن صحيح من هذا الطريق الذي اعترضه الحافظ الدارقطني /.

قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «تعليقه على التتبع للدارقطني» (ص531): (فعلى هذا لا يلزم الاعتراض مسلما؛ لأنه أخرج الطريق المتصلة، وهي المعتمدة؛ كما أفاده الترمذي عن وكيع). اهـ

وأورد الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص392) حديث عائشة هذا، وأورد عليه إيرادات غير قادحة؛ كما سبق، فقال: (وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث؛ فأجاب مرة؛ بأنه قد روي خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار على أنه اختلف في إسناد حديث عائشة فأسـنـده الأعمش، ورواه منصور عن إبراهيم مرسلا). اهـ

قلت: وهذا الحديث نص صريح على أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، واليوم التاسع منها، وهو يوم عرفة، والله ولي التوفيق.

فقولها: (ما رأيته صائما في العشر قط)، يتعذر تأويل بعض العلماء فيه، لأنه صريح في أن النبي r لم يصم مطلقا في أيام العشر من ذي الحجة، وعلى هذا مما جاء أنه ما صام r في جميع العشر هو الأصل فليتأمل.([16])

قال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص392): (وهذا الجمع يصح في رواية من روى: (ما رأيته صائما العشر)، وأما من روى: (ما رأيته صائما في العشر)؛ فيبعد، أو يتعذر الجمع فيه). اهـ

قلت: ولذلك لم يرض الإمام ابن باز / في «الفتاوى» (ج15 ص417) بهذه التأويلات: لحديث عائشة ڤ؛ لأنها غير مقنعة، فقال /: (قد تأملت الحديثين، واتضح لي أن حديث حفصة ڤ فيه اضطراب([17])، وحديث عائشة ڤ أصح منه، والجمع الذي ذكره الشوكاني فيه نظر، ويبعد جدا أن يكون النبي r يصوم العشر، ويخفى ذلك على عائشة ڤ، مع كونه يدور عليها في ليلتين، ويومين من كل تسعة أيام؛ لأن ســـودة ڤ وهبت يومها لعائشة ڤ، وأقر النبي r ذلك، فكان لعائشة ڤ يومان، وليلتان من كل تسع([18])، ولكن عدم صومه r العشر لا يدل على عدم أفضلية صيامها؛ لأن النبي r قد تعرض له أمور تشغله عن الصوم([19])). اهـ

قلت: وقول الإمام ابن باز /: (ولكن عدم صومه r العشر...) هذا في مقابلة النص، فيغني عن الاجتهاد.

فعن أنس t قال: «كان للنبي r تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن، لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي r يده، فتقاولتا حتى استخبتا، وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث في أفواههن التراب، فخرج النبي r، فقالت عائشة: الآن يقضي النبي r صلاته، فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النبي r صلاته، أتاها أبو بكر، فقال لها قولا شديدا، وقال: أتصنعين هذا؟».([20])

وعن عائشة ڤ قالت: «ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في

 مسلاخها من سودة بنت زمعة، من امرأة فيها حدة، قالت: فلما كبرت، جعلت يومها من رسول الله r لعائشة، قالت: يا رسول الله، قد جعلت يومي منك لعائشة، فكان رسول الله r، يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة».([21])

قلت: وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة لم يكن معروفا عند النبي r، مما يؤكد بأن الحديث الوارد في الترغيب في صومه غير ثابت عنه r.

 

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 

 

 

 

    

ذكر الدليل

من الآثار على أن الصحابة الكـــــــــــــرام لم يصوموا يوم عرفة؛ وهذا يدل على أنهم: لم يصوموا العشر الأول من ذي الحجة، لأن اليوم التاسع من العشر، هو يوم عرفة، فإذا لم يصوموا يوم عرفة، فمن باب أولى أنهم لم يصوموا غيره في العشر الأول من ذي الحجة، اقتداء بالرسول r في السنة التركية

 

1) عن سليمان الأحول قال: ذكرنا لطاووس صوم يوم عرفة، وأنه كان يقال([22]): (كفارة سنتين)([23])، فقال طاووس: (فأين كان أبو بكر، وعمر عن ذلك؟! يعني أنهما كانا لا يصومانه).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364- مسند عمر)، والفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص33) من طريق محمد بن شريك أبي عثمان المكي عن سليمان الأحول به.

قلت: وهذا سنده صحيح إلى طاووس، رجاله كلهم ثقات، وطاووس من الأئمة يحتمل لمثل هذا النقل في العلم للتأكيد على عدم صوم أبي بكر، وعمر: ليوم عرفة، وهذا النقل حكاية عنهما، ليس براو عنهما، وحاكي الأحكام لا يلزم أن يكون مدركا للناقل عنه([24])، فافهم لهذا ترشد!.

وأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص33) بهذا الإسناد بنحوه.([25])

قلت: فهذا أبو بكر الصديق t، وعمر بن الخطاب t كانا لا يصومان يوم عرفة؛ لأنه ليس من السنة صيامه، وحسبك بهما شيخا، وهذا يوضح لك أن ذلك كان في غير الحج، اللهم غفرا.

2) وعن عبيد بن عمير: (أن عمر نهى عن صوم يوم عرفة).

أثر صحيح

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص227 و229)، والطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361 و362) من طرق عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وعبيد بن عمير بن قتادة الليثي ولد على عهد النبي r، قاله الإمام مسلم /، وعده غيره في كبار التابعين مجمع

على ثقته.

انظر: «التقريب» لابن حجر(ص651).

قلت: وهذا يدل على أن عمر بن الخطاب t يحرم صوم يوم عرفة لغير الحاج([26])، وذلك لنهيه عن صومه، وحسبك به شيخا.

3) وعن ابن عمر قال: (لم يصم رسول الله r، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي y يوم عرفة).

حديث صحيح؛ بهذا اللفظ

أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص72) من طريق أبي حذيفة قال ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وهو المحفوظ.

* وتابعه: المؤمل بن إسماعيل حدثنا سفيان به، ولم يذكر: علي بن أبي طالب t.

أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2825)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص47).

* وإسناده ضعيف فيه مؤمل بن إسماعيل، وهو سيئ الحفظ، كما في «التقريب» لابن حجر (ص987)، ولكنه توبع.

قلت: فإذا الرسول r، وأبو بكر الصديق t، وعمر بن الخطاب t، وعثمان بن عفان t، وعلي بن أبي طالب t، لم يصوموا يوم عرفة على عظم هذا اليوم، فمن باب أولى لم يصوموا العشر الأول من ذي الحجة، والله المستعان.

4) وعن يحيى بن أبي إسحاق قال: سألت سعيد بن المسيب عن صوم يوم عرفة فقال: (كان ابن عمر لا يصومه. فقلت: هل ترفع ذلك إلى غيره؟. فقال: حسبك به شيخا).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في «العلل» (ج2 ص183) من طريق عبد الأعلى.

وأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص31) من طريق يزيد بن زريع.

وأخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص360 مسند عمر) من طريق إسماعيل بن علية.

وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج21 ص160) من طريق حماد بن زيد.

وأخرجه ابن المظفر في «غرائب شعبة» (ص197) من طريق شعبة؛ كلهم: قالوا ثنا يحيى بن أبي إسحاق به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

فثبت بهذا الأثر أيضا بأن سعيد بن المسيب /: لا يرى صوم يوم عرفة، وهذا واضح، وينقل عن ابن عمر : أنه كان لا يصوم يوم عرفة في الحضر.

5) وعن ابن عمر، وعمر ﭭ: (أنهما كانا لا يصومان يوم عرفة).

أثر صحيح

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص362 مسند عمر) من طريق عبيد الله العمري قال: حدثنا نافع به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

6) وعن عمارة بن زاذان قال سألت سالم بن عبد الله: عن صوم يوم عرفة فقال: (لم يصمه عمر، ولا أحد من آل عمر([27]) يا بني).

أثر حسن

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (586) من طريقين عن وكيع عن عمارة بن زاذان به.

قلت: وهذا سنده حسن.

7) وعن عبيد بن عمير قال: (إن عمر بن الخطاب لم يصم يوم عرفة).

أثر صحيح

أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص31) من طريقين عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

قلت: وثبت عن ابن مسعود t، أنه لم يصم العشر الأول من ذي الحجة([28])، مما يدل عدم مشروعية صومها في الدين.

8) وعن عبد الرحمن بن يزيد: (أن عبد الله لا يكاد يصوم، فإذا صام، صام ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إلي من الصوم).

أثر صحيح

 أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج7 ص418) من طريقين عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

9) وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (كان معبد بن عمير يصوم يوم عرفة فنهاه أبي وقال: إنما هو يوم طعم وذكر).

أثر صحيح

أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (ج5 ص32) من طريق عبد الله بن رجاء عن عثمان بن الأسود عن عبد الله بن عبيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

* ويتبين من كراهتهم لصوم يوم عرفة لغير الحاج؛ بأنهم لا يرون سنية صوم يوم عرفة، ولا الأجر فيه، وذلك لعدم ثبوته عندهم، وهذا يدل على كراهتهم أيضا، لصوم العشر الأول من ذي الحجة، لأنها أيام أكل وشرب، وذكر، ودعاء، وتكبير، وعبادة، ونشاط، والصوم يضعف النفس عن ذلك.

قال أبو عبد الرحمن الأثري: قد بينت هذه الآثار التي ذكـرناهـا عـن الـسلف y

إفطارهم للعشر الأول من ذي الحجة.([29])

10) وعن علقمة بن قيس قال: (أتيت ابن مسعود فيما بين رمضان إلى رمضان، ما من يوم إلا أتيته فيه، فما رأيته في يوم صائما ولا يوم عاشوراء).

أثر حسن

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (ج1 ص391 مسند عمر)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص159) من طريق ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي عن علقمة بن قيس به.

قلت: وهذا سنده حسن.

* وهذا يدل على أن ابن مسعود t، لم يصم العشر الأول من ذي الحجة في كل سنة، إلى أن مات.

فعن عبد الرحمن بن يزيد: (أن عبد الله لا يكاد يصوم، فإذا صام، صام ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إلي من الصوم).

أثر صحيح

أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج7 ص418) من طريقين عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

* والذين أفتوا بالصوم في العشر الأول من ذي الحجة، قد استدلوا بحديث عام([30])، في فعل الأعمال الصالحة، ويستثنى من الأعمال الصالحة، ترك الصوم فقط، لأن النبي r تركه، واقتدى بعده صحابته y في ترك الصوم في العشر من ذي الحجة، فوجب تركه، لأن سنة الترك، دليل خاص، يقدم على كل عموم. ([31])

قلت: والسنة التركية تعتبر من الأمور التعبدية، وأن مخالفة هذه السنة، يدخل تحت معنى الابتداع في الدين.

قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص504): (باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص). اهـ

وقال الحافظ ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص287): (فصل في تحريم الإفتاء، والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسـقوط الاجتهاد، والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك). اهـ

وبوب الإمام أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله المصري الحنفي، وهو من أئمة الحنفية / في «الإحسان» (ج8 ص372)؛ ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة، وإن أمن الضعف لذلك.

* ثم ذكر حديث عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صام العشر قط).([32])

قلت: وهذا يدل على أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، فوجب ترك هذا الصيام؛ لأن هذا الترك، من السنة التركية.

وبوب الحافظ أبو داود في «السنن» (ج4 ص102)؛ باب: في فطر العشر.

* ثم ذكر حديث عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صام العشر قط).([33])

* وقد بين أهل العلم، الحكمة من ترك النبي r، وصحابته y: الصوم في العشر الأول من ذي الحجة، وذلك للتقوي على العبادات الأخرى، من صلاة، ودعاء، وأذكار، وغير ذلك، لأن فعل الصوم يضعف عن فعل بعض العبادات. ([34])

* ولم يكن هناك أي حديث عن رسول الله r في استحباب صومه بغير عرفة، وبينت الأحاديث عن النبي r، وعن الصحابة، وبعض التابعين عدم صومه؛ فالأولى اتباع ذلك، والتفرغ للعبادة من دعاء، وغيره في يوم عرفة لما فيه من الخير العظيم.

وذكر هذا الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص161) بقوله: (وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة، وغير عرفة للدعاء). اهـ.

وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ

وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص365): (لأن ترك العمل به من النبي r في جميع عمره، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم؛ قد تقدم أنه نص في الترك، وإجماع من كل من ترك؛ لأن عمل الإجماع كنصه). اهـ.

ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص615): (فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا، محضا، أو راجحا: لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r، وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص.

* وإنما كمال محبته، وتعظيمه في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته، باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث له، والجهاد على ذلك، بالقلب، واليد، واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان). اهـ.

قلت: فلا بد من النظر فيما تركه النبي r من العبادات، وتركه صحابته الكرام من بعده r، والتابعون الأفاضل.

* فهذا الصوم المزعوم، لم يفعله النبي r، ولا الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، فهو بدعة في الدين.

قلت: فكل عبادة لم يتعبد بها الرسول r، وأصحابه y، فلا تتعبدوا بها، لأنها بدعة، فاتقوا الله يا معشر المقلدة، وخذوا طريق السلف الصالح في الدين. ([35])

فعن عبد الله بن مسعود t قال: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين). ([36])

وعن حذيفة بن اليمان t قال: (يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا، لقد ضللتم ضلالا بعيدا). ([37])

* وكتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز / يسأله عن القدر، فكتب: (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه r، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك - بإذن الله عصمة.

ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر([38])، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا). ([39])

وقال الإمام الطرطوشي / في «الحوادث والبدع» (ص74)؛ في إبطاله لبعض البدع: (ولو كان هذا لشاع وانتشر، وكان يضبطه طلبة العلم، والخلف عن السلف، فيصل ذلك إلى عصرنا، فلما لم ينقل هذا عن أحد ممن يعتقد علمه، ولا ممن هو في عداد العلماء، علم أن هذه حكاية العوام([40])، والغوغاء). اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص798)؛ في إنكاره لبعض البدع: (ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله تعالى عليه، لكان النبي r أعلم الناس بذلك، ولكان يعلم أصحابه ذلك، ولكان أصحابه y أعلم بذلك، وأرغب فيه ممن بعدهم.

* فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك علم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها: عبادة، وقربة، وطاعة، فمن جعلها عبادة، وقربة وطاعة، فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى). اهـ.

* وسئل تقي الدين السبكي / في «الفتاوى» (ج2 ص549)؛ عن بعض المحدثات، فقال: (الحمد لله: هذه بدعة، لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تعرف في زمن النبي r، ولا في زمن أصحابه y، ولا عن أحد من علماء السلف). اهـ.

قلت: فهذا أصل في الدين، أن ترك النبي r، قد تقترن به قرائن تجعل من هذا الترك حجة قاطعة؛ فيتعين إذ ذاك متابعته r في هذا الترك.

* وأقرب هذه القرائن، أن يقترن بتركه r، ترك السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان. ([41])

والأصل في ذلك: أن كل عبادة اتفق على تركها الرسول r، وسلف الأمة من بعده، فهي بلا شك بدعة وضلالة ليست من الدين.

* فإذا تواطأ النبي r، وسلف الأمة من بعده على ترك عبادة، فهذا دليل قاطع على أنها بدعة.

قلت: فما هو المانع من صوم النبي r للعشر الأول من ذي الحجة، وكذا الصحابة y.

* فلم يمنعهم عن فعل هذه العبادة: مانع، ولم يشغلهم عن بيان هذه العبادة: شاغل، مما يتبين أن هذا الصوم ليس من الدين، فيجب تركه. ([42])

* ومن هنا يتبين أن كل عبادة من العبادات ترك فعلها السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم؛ فإنها تكون بدعة في الدين.

ومنه: قال الفقيه العز بن عبد السلام / في «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» (ص9): (ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة ([43])، أن العلماء الذين هم: أعلام الدين، وأئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم، ممن دون الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض، والسنن، لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة، ولا دونها في كتابه، ولا تعرض لها في مجالسه.

* والعادة تحيل أن تكون مثل هذه: سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم: أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، وهم: الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن، والحلال والحرام). اهـ.

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

إلمــاعـــة تضيء القلوب الحية، وتظلم بالقلوب الميتة

5

2)

فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في أنه لم يثبت أن الرسول r، صام العشر الأول من ذي الحجة!.

6

3)

المقدمة

8

 

ذكر الدليل على أن الرسول r، لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، خاصة يوم عرفة، وقد جزمت عائشة ڤ: بذلك، وهي أعلم الناس؛ بسنة الرسول r في صوم التطوع، وقد اقتدت عائشة ڤ: به r، فلم تصم العشر الأولى من ذي الحجة، لتطبيقها للسنة التركية، التي جهلها كثير من الناس في هذا العصر الحاضر

 

12

 

 

 

 

 

 



([1]) وهذا هو القول الصحيح، أن النبي r لم يصم هذه العشر؛ منها: يوم عرفة: فوجب ترك الصوم في هذه الأيام؛ لأن النبي r ترك هذا الصوم، فلا يلتفت إلى الفتاوى التي تقول بصوم العشر، وصوم يوم عرفة؛ لأن ذلك خلاف السنة.

([2]) كــ«المقلد» المتأثر من عادات قومه، وتقاليدهم، اللهم سلم سلم.

([3]) ومن هنا تعلم أنه لا يوجد أي خلاف بين الصحابة الكرام في عدم صوم العشر، والله المستعان.

([4]) فعلى الناس أن يقتدوا بهم، والله ولي التوفيق.

([5]) ولم يؤثر عن أحد من الصحابة الكرام: صوم العشر الأول من ذي الحجة: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90].

     قلت: ولم يأت المقلدة في طول هذه المدة بأي أثر عن أي صحابي أنه صام العشر، وهذا يدل على إفلاسهم في هذه المسألة، والله المستعان.

([6]) أثر حسن.

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص771)، و(ج2 ص945).

     وإسناده حسن.

     * فالعلماء هم: أصحاب محمد r: ]فبهداهم اقتده[ [الأنعام: 90].

([7]) أثر صحيح

     أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص769).

     وإسناده صحيح.

     * وصوم العشر الأول من ذي الحجة لم يجئ عن واحد من الصحابة، فهو ليس من السنة، فلا تغتر بمن يقول أنه من السنة!.

([8]) وللعلم فكثير من الأمور التي يتساهل فيها الناس، ويظنون أنها أمور يسيرة؛ قد توردهم المهالك، وهم غافلون مقلدون، والعياذ بالله.

([9]) وقد اشتهر هذا الحديث؛ بين الصحابة y، ولم يظهر من أحد إنكاره، فهذا إجماع منهم في عدم الصوم في العشر الأولى من ذي الحجة، وهو أيضا حجة شرعية؛ لأنه في حكم المرفوع، من فعله r في عدم الصوم في هذه العشر، ويقدم على القياس، ويخص به العموم في حديث: ابن عباس ﭭ: في «فضل الأعمال الصالحة» فيها، بترك الصوم فقط في هذه الأيام.

     * إذا؛ فهذا النقل من صحابية اشتهر بين الصحابة، ولم يعلم لها مخالف من الصحابة y، فيكون حجة شرعية، وهو إجماع: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام: 90].

       قال الإمام أحمد / في «أصول السنة» (ص5): (أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله r، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة). اهـ

       وقال المفسر الجصاص / في «أحكام القرآن» (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف فهو إجماع وحجة على من بعدهم). اهـ

([10]) فأيام العشر من ذي الحجة تشمل يوم عرفة؛ كما هو واضح في الحديث.

     انظر: «لطائف المعارف» لابن رجب (ص398).

([11]) يعني: من الرواية المرسلة الآتي ذكرها قريبا.

([12]) أثر صحيح.

        أخرجه الترمذي في «سننه» (ج3 ص121).

        وإسناده صحيح.

([13]) وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (ج2 ص71).

([14]) قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «تعليقه على التتبع» للدارقطني (ص531): (فالظاهر هو ما رجحه الترمذي /، لكون الأعمش أحفظ لحديث إبراهيم). اهـ

([15]) وانظر: «تعليق الشيخ مقبل الوادعي / على التتبع» (ص530).

([16]) وانظر: «لطائف المعارف» لابن رجب (ص392).

([17]) وهو حديث ضعيف مضطرب.

     أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص287) وغيره.

     وانظر: «إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج4 ص111).

([18]) قلت: وهذا يدل أن عائشة ڤ أعلم الناس بعبادات النبي r، فالأمر إليها في ذلك، كما أوضح الشيخ ابن باز /.

([19]) وهذا القول فيه نظر، لثبوت النص على خلافه، والله ولي التوفيق.

([20]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5212)، ومسلم في «صحيحه» (ص364).

([21]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص364).

([22]) وكما يقال الآن كذلك، قلت: فأين كان النبي r عن ذلك؟!.

([23]) وهذه الكفارة؛ كما هو معلوم لغير الحاج، وهذا يدل على أن أبا بكر الصديق t، وعمر بن الخطاب t لا يصومانه في الحضر، فتنبه.

([24]) قلت: ونقل كلام السابقين هذا؛ مثل: نقل أهل العلم كلام السابقين؛ كــ«الصحابة» الكرام، وغيرهم، والنقل هذا يصح في الشريعة، والنقل هذا لم يدفعه إلا المقلدة المتعصبة نعوذ بالله من الخذلان.

([25]) وذكر محقق الكتاب بأن هذا في الحج، وفيه نظر؛ لذكر الكفارة في الأثر؛ فافطن لهذا.

       * علما بأن هذه الآثار التي ذكرت عن الصحابة الكرام، ذكرها أهل العلم في صوم يوم عرفة لغير الحاج، مما يدل على عدم صومهم للعشر الأول من ذي الحجة أيضا.

      وانظر: «تهذيب الآثار» للطبري (ج1 ص364).

([26]) لأنه عيد للمسلمين، والعيد يحرم فيه الصيام، اللهم غفرا.

([27]) وآل عمر من فقهاء المدينة وهم: سالم بن عبد الله، وعبيد الله بن عبد الله، وبلال بن عبد الله، وزيد بن عبد الله، وعمر بن عبد الله، وعبد الله بن عبد الله رحمهم الله.

([28]) بل ولم يصمها النبي r، وصحابته y.

([29]) وأما الصحابة y فأجمعوا على عدم مشروعية صوم العشر، كما سبق ذكره.

([30]) وهو حديث ابن عباس ، عن النبي r قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر).

     أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص457).

     * فقالوا: بالصيام، لدخوله في الأعمال الصالحة، وسنة الترك، تقضي على هذا الاجتهاد، وتنقضه.

([31]) ومن هنا تعلم، أن السنة التركية، قاعدة بليغة الأثر، في إبطال البدع، والرد على المقلدة.

([32]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1176).

([33]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1176).

([34]) انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص161)، و«تهذيب الآثار» للطبري (ج1 ص364)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج7 ص418).

([35]) انظر: «الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص62)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص390 و718)، و«الشريعة» للآجري (ص63)، و«الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص174)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج1 ص365).

([36]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص249).

([37]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج13 ص250).

([38]) المراد: الإفراط، والتفريط، يكون صاحبه على غير هدى مستقيم.

([39]) أثر حسن.

     أخرجه أبو داود في «سننه» (ج7 ص23)، والآجري في «الشريعة» (ص234).

     وإسناده حسن.

([40]) وهذا مثل: حكاية صوم العشر الأولى من ذي الحجة، فإن ذلك حكاية ممن ينتسب إلى العلم، وهو من فصيلة العوام.

([41]) فترك النبي r، لأمر الصوم من أول ذي الحجة، يدل على مشروعية تركه، وعدم سنيته في الدين.

([42]) إذ لو أن هذا الصوم ثبت في الشرع، لفعلوه، وكانوا أحق بالسبق بالعمل به.

([43]) يعني: صلاة الرغائب المبتدعة.

     وهي: اثنتا عشرة ركعة، تصلى بين العشائين، ليلة أول جمعة في شهر رجب، بكيفية مخصوصة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وسورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة.

     انظر: «الإبداع في مضار الابتداع» لابن محفوظ (ص58).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan