الرئيسية / سلسلة من شعار أهل الحديث / اجتماع أهل الائتلاف لإبطال قول من لا يعتد قوله في الخلاف
اجتماع أهل الائتلاف لإبطال قول من لا يعتد قوله في الخلاف
اجتماع أهل الائتلاف
لإبطال قول من لا يعتد قوله في الخلاف
دراسة أثرية علمية منهجية في أصول وقواعد وضوابط وآداب الخلاف في الفقه الإسلامي
للعلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
بسم الله الرحمن الرحيم
من درر السلف الصالح
وأود بهذه المناسبة؛ أن أذكر هؤلاء بأمر عساه يغير ما بهم من حال، وذلك عندما جاء بعض الناس لربيعة الرأي رحمه الله تعالى –وهو من شيوخ الإمام مالك –يطلبون منه أن يترفق بنفسه ويتلطف بحاله، حين رأوا شدة إقباله على طلب العلم، فقال: (سمعت بعض أشياخنا يقولون: إن العلم لا يعطيك بعضه، إلا إذا أعطيته نفسك كلها)([1]).
فهيا أيها الخطباء! خاطبوا أنفسكم بهذا الكلمات قبل كل شيء، وهيا معشر الوعاظ! عظوا أنفسكم بهذه العبارة الناجعة النافعة، وهيا أصحاب الفتاوى أفتوا أنفسكم بهذه المقولة الطيبة قبل أن تفتوا الناس، فهذا هو سبيل السداد والهدى والرشاد بإذن الله تعالى.
قال الشيخ صالح الفوزان في ((وجوب التثبت في الأخبار واحترام العلماء)) (ص50): (إن وجود المثقفين والخطباء المتحمسين لا يعوض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محله والعبرة بالحقائق لا بالألقاب، فكثير ممن يجيد الكلام ويستميل العوام وهو غير فقيه، والذي يكشف هؤلاء أنه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها فإن الخطباء والمتحمسين تتقاصر أفهامهم وعند ذلك يأتي دور العلماء.
فلننتبه لذلك ونعطي علماءنا حقهم ونعرف قدرهم وفضلهم وننزل كلا منزلته اللائقة به). اهــ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
}يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{ ]آل عمران: 102[.
}يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1){ ]النساء: 1[.
}يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما (71){ ]الأحزاب: 70، 71[.
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى. فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ([2]).
ثم أقول:
إن الدعوة إلى الله مهمة شريفة، موروثة عن أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وهي سبيل رسول هذه الأمة ﷺ قال تعالى: }قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين (108){ ]يوسف: 108[.
وقد فزع إلى حمل هذه الأمانة والمهمة العظيمة في القرن الأخير لفيف من الناس.
فيهم العالم البصير.
وطالب العلم الذكي.
والعاقل المجرب.
والشاب الغض.
والناشئ المتحمس.
والجاهل المتعالم العقلاني.
وهكذا انطلق جمع من الأمة الإسلامية في مسار الدعوة إلى الله، وبسبب عوارض متباينة، اعترى ذلك المسار وجوه من الخلل والغلط، والواجب إقامة الشرع على من عنده معرفة بها هو أن يبينها بيانا ينير الدرب للسالكين، ويقيهم من الغفلة عن الباعث على نشأة ذلك المسار في قلوبهم وهو هداية الخلق ودلالتهم على الخير ([3]).
قلت: ويكون ذلك ببذل النصح.. لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه.
ولقد مرت الأمة الإسلامية بأزهى أيامها في عهد النبوة، ومن بعدها الخلافة الراشدة وبالأحرى القرون الفاضلة المفضلة، ولكن الأمة ما لبثت أن دب فيها الضعف شيئا فشيئا إلى أن غرقت في المعاصي والمفاسد ([4]).
ولا يخفى على أولي الألباب ما أصاب هذه الأمة الإسلامية ما أصاب الأمم قبلها من اختلاف وتفرق وتحزب مصداقا لما أخبر به رسول الله ﷺ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع. فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم! فقال: ومن الناس إلا أولئك)([5]).
قال القاضي رحمه الله: (الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى الشرع عنه وذمه)([6]). اهــ
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: (أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)([7]).
فأخبر ﷺ أنه سيكون هناك اختلاف وتفرق، وأوصى عند ذلك بالتمسك بسنته ﷺ وترك ما خالفها من الدعوات الضالة، فإن هذا طريق النجاة.
لقد تشعبت الأفكار وتعددت الأدوار وانقلبت المفاهيم وكثر المحدثون وتزايد المفتون وكل له أتباع ومؤيدون... ([8]).
فتحقق في المتعالمين العقلانيين قول الله عز وجل:}فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون (53){ ]المؤمنون: 53{.
وهؤلاء في صنيعهم هذا يتبعون سنن أهل الكتاب الذين حذرنا الله عز وجل من سلوك سبيلهم، وقد نص على هذا بشكل خاص في قوله سبحانه وتعالى:} ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (32){ ]الروم: 31، 32[.
فإن قيل: هذه آيات صريحة في المشركين فكيف نزلتها على المسلمين؟
قلت: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والمنهي عنه هو التشابه في الأفعال، وهو لا يقتضي أن يكونوا منهم.
وهؤلاء في تفرقهم واختلافهم هذا يتبعون سنن أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذي حذرنا رسولنا ﷺ من سلوك سبيلهم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن)([9]).
أي: فمن أعني غيرهم.
فهؤلاء اتبعوا أهواءهم في دين الله بمؤازرة إبليس ومناصرة أهل الباطل حتى وقعوا في ما هددنا بوجوده النبي ﷺ.
قال طائفة من أهل السلف: (من انحرف من العلماء ففيه شبه من اليهود، ومن انحرف من العباد ففيه شبه من النصارى)([10]).
قال ابن القيم رحمه الله في ((مسألة السماع)) (ص350): (فأخبر أنه لابد من أن يكون في الأمة من يتشبه باليهود والنصارى وبفارس والروم، وظهور هذا الشبه في الطوائف إنما يعرفه من عرف الحق وضده، وعرف الواجب والواقع وطابق بين هذا وهذا، ووازن بين ما عليه الناس اليوم وبين ما كان عليه السلف الصالح). اهــ
وقد نجد هؤلاء يستحلون التفرق والاختلاف كما استحلت ذلك اليهود والنصارى، فمتى تعودت القلوب على المعاصي والبدع وألفتها لم يبق فيها مكان للطاعة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ونعيذ بالله كل مسلم من تسرب حجة يهود، فهم مختلفون على الكتاب، مخالفون للكتاب، ومع هذا يظهرون الوحدة والاجتماع. وقد كذبهم الله تعالى فقال سبحانه } تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى{ ]الحشر: 14)، وكان من أسباب لعنتهم ما ذكره الله بقوله:} كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه{ ]المائدة: 79[ الآية.
فلابد لشداة الاعتقاد الإسلامي الصافي من كل شائبة من كشف زيوف العداء والاستعداد وحراسة الصف من الداخل كحراسته من العدو الخارج سواء } واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا{ ]ال عمران: 103[ فنحن ولله الحمد على أمر جامع في الاعتقاد على ضوء الكتاب وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، فلابد من لازم ذلك بالذب عن الاعتقاد، ونفي أي دخيل عليه، سيرا على منهاج النبوة، وردعا لـــ (خفراء العدو)، واستصلاحا لهم.
وهذا أصل من أصول السنة والجماعة؛ ومنه نقضهم على أهل الأهواء أهواءهم في حملاتهم الشرسة وهزائهم العنيفة ليبقى الاعتقاد على ميراث النبوة نقيا صافيا ([11]).
وإن المؤمن للمؤمن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (ج 28 ص53): (المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلا بنوع من الخشونة، لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين). اهــ
فعلى أهل العلم والإيمان التيقظ لتلك الأقلام }واضربوا منهم كل بنان{ ]الأنفال: 12[، وكل يقوم بهذا الواجب حسب وسعه وطاقته على منهاج الشريعة } والذين لا يجدون إلا جهدهم{ ]التوبة: 79)، والنصح لكل مسلم ميثاق نبوي والسلام ([12]).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ((الصواعق المرسلة)) (ج 1 ص262): (فما ذنب أهل السنة والحديث، إذا نطقوا بما نطقت به النصوص، وأمسكوا عما أمسكت عنه، ووصفوا الله بما وصف به نفسه، ووصفه رسوله، وردوا تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين الذين عقدوا ألوية الفتنة، وأطلقوا أعنة المحنة، وقالوا على الله وفي الله بغير علم، فردوا باطلهم وبينوا زيغهم، وكشفوا إفكهم، ونافحوا عن الله ورسوله....). اهـ
فهذه كارثة حلت بالأمة الإسلامية... فكثرت على الساحة الإسلامية التجمعات والأحزاب والفرق التي كل منها يدعي لنفسه دون غيره أنه على الحق الذي لا ريب فيه وأن الخلاص سيحصل على يديه وهو في الحقيقة ليس من الحق بقريب ولا هو على نهج النبوة والسلف الصالح يسير.
فعكس ذلك الواقع سلبا على حياة الناس وتصوراتهم فاضطربت عندهم الموازين وتشتت ولاءاتهم وانتماءاتهم في أحزاب مختلفة متناحرة ما أنزل الله بها من سلطان فكانت أن عمقت بين الإخوة الفرقة والاختلاف والتنازع وأوغرت في نفوسهم الحقد والبغضاء والحسد حتى لا تكاد تجد اثنين إلا وللواحد منهما في نفسه شيء على الآخر.
فزاد البلاء الذي أرجف الأرض من تحت أقدام المسلمين تفرقهم إلى هذه الجماعات، وفئات كل جماعة ترفع شعارا تريد أن يحمله الناس كلهم معها، وكل فئة تختط لنفسها خطة تأبى على غيرها أن تنازعها إياها...
وزاد من البلاء الانتصار بالحمية الحزبية الحركية للحزب أو الجماعة أو الإنسان الذي ينتسب لأحدهما لأنه من حزبه أو جماعته حتى وإن كان على خطأ.
والويل أشد الويل لمن لم يكن من حزبه أو جماعته فإنه لا يجد منه النصرة في ساعة العسرة.
لقد نسي هؤلاء القوم مهمتهم الأساسية وهي الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم وبرهان.
قلت: فتعدد الآراء المختلفة المشارب والمصادر قد أوجدت عند الكثير من الناس الشك والريب تجاه جميع التجمعات مما أدى ذلك بهم أن يؤثروا الاعتزال والانزواء من دون أن يفرقوا بين الحق والباطل في المتعالمين العقلانيين القائمين على الساحة الإسلامية.
والواقع أن وجود مثل هؤلاء وبوضعهم الحالي يعد من أعراض المرض الذي تمر به الأمة الإسلامية بأسرها...
والمرض أيا كان نوعه يجب المبادرة إلى علاجه قبل أن يستفحل فقد ثبت واتضح بالتجربة والمشاهدة أن المرض إذا أهمل ولم يعالج استشرى في الجسم وعسر علاجه، فليس يجوز تركه على حاله والتهاون به أو التقليل من شأنه وكذا الانحراف يبدأ صغيرا ثم ما يلبث أن يكبر بمرور الأيام ما لم يتدارك ([13]).
قال الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج1 ص6839: (أن من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها). اهـــ
قال الله تعالى: } ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (36){ ]الإسراء: 36[.
قال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج4 ص307): (إن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال كما قال تعالى:} اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم{ ]الحجرات: 12[. وفي الحديث: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)([14]). اهـ
وقال الله تعالى: } قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (33){ ]الأعراف: 33[.
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج4 ص220): (... فإن لم يكن عالم بالحق فيها –يعني الفتوى –ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتى، ولا يقضى بما لا يعلم، ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله تعالى ودخل تحت قوله تعالى:} قل إنما حرم ربي الفواحش{ ]الأعراف: 33[ الآية، فجعل القول عليه بلا علم أعظم من المحرمات الأربع التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر... وإذا كان من أفتى أو حكم أو شهد بغير علم مرتكبا لأعظم الكبائر فكيف من أفتى أو حكم أو شهد بما يعلم خلافه؟.... فمن أخبر منهم عما يعلم خلافه، فهو كاذب على الله عمدا } ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة{ ]الزمر: 60)، وإن أخبروا بما لم يعلموا فقد كذبوا على الله جهلا... والكذب على الله يستلزم التكذيب بالحق والصدق، قال تعالى:} ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين (18){ ]هود: 18)، وهؤلاء الآيات وإن كان في حق المشركين والكفار فإنها متناولة لمن كذب على الله في توحيده ودينه وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا تتناول المخطئ المأجور إذا بذل اجتهاده واستفرغ وسعه في إصابة حكم الله وشرعه فإن هذا هو الذي فرضه الله عليه، فلا يتناول المطيع لله وإن أخطأ وبالله التوفيق). اهــ
وقال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج1 ص38): (إنه سبحانه وتعالى رتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريما منه وهو الإثم والظلم ثم ثلث بما هو أعظم تحريما منها وهو الشرك به سبحانه ثم ربع بما هو أشد تحريما من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى:} ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116) متاع قليل ولهم عذاب أليم (117){ ]النحل: 116، 117[، فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام، ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا لما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه... فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه أحله الله وحرمه الله بمجرد التقليد أو بالتأويل). اهــ.
وقال ابن القيم رحمه الله في ((مدارج السالكين)) (ج1 ص403): (وأما القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريما، وأعظمها إثما ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي اتفقت عليها الشرائع والأديان، ولا تباح بحال، بل لا تكون إلا محرمة، وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير، الذي يباح في حال دون حال... فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه، ولا أشد منه، ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم). اهــ.
عن مسروق قال: (بينما رجل يحدث في كنده فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود وكان متكئا، فغضب فجلس فقال: من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فغن الله قال لنبيه }قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86){ ]ص: 86[.
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج 8 ص511)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج4 ص2155)، والحميدي في ((المسند)) (ج1 ص63)، والآجري في ((أخلاق العلماء» (ص114)، والدارمي في ((المسند)) (ج1 ص62)، والبيهقي في ((المدخل)) (ص432)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج2 ص3639 من طريقين عنه به.
قال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)) (ج8 ص512): (القول فيما لا يعلم قسم من التكلف). اهـ.
وقال الصنعاني رحمه الله في ((إرشاد النقاد)) (ص 148): (والعلم لا يكون إلا عن دليل). اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في ((إبطال الحيل)) (ص66): (إن أكثر المفتين في زماننا هذا مجانين). اهـ.
قال الأثري: يرحم الله ابن بطة كيف لو أدرك زماننا!!
قلت: صحيح أن هؤلاء درسوا وخطبوا وأفتوا لكن أين العلاج!!
قال الدكتور ناصر العقل في ((الأهواء والفرق والبدع)) (ج2 ص122): (ومن ذلك –في نظري –ما يحدث في عصرنا في الآونة الأخيرة من توجه كل من هب ودب إلى الدراسات الشرعية، دون تمييز بين من لديه الأهلية ومن ليس لديه، والسبب طلب العلم للوظائف، وإن كان الإقبال على طلب العلم الشرعي بحد ذاته أمر طيب ومحمود ويبشر بخير، لكن دخله ما ذكرته من تعلم الرعاع والسفلة أحيانا). اهـ
وقال الدكتور ناصر العقل في ((الفقه في الدين)) (ص57): (إن بعض الناس بمجرد أن تتوفر لديه الأشرطة والكتب، ينقطع عن حلق الذكر، وعن دروس المشايخ ويقول: أنا بحمد الله أتلقى العلم بالشريط بالسيارة أو البيت، وأتلقى العلم عن الإذاعة وعن طريق الجرائد، والمجلات التي فيها شيء من العلم الشرعي... وليس هناك حاجة لأن أتكبد المشاق، وأجلس على ركب العلماء.
وهذا قول خطير، بل إذا استمر الناس على هذا فسيخرج جيل، لا عنده علم ولا عنده فقه، بل لا يفقه من الدين إلا ما تهواه نفسه، وقد استغنى كثير من المثقفين والشباب بهذه الوسائل عن المشايخ، فصارت نظرتهم للمشايخ قاصرة، يتهمون المشايخ بالقصور والتقصير ويتهمونهم بعدم إدراك الواقع، ويتهمون المشايخ بأنهم يجاملون... من الأمور التي هي من سمات أهل الأهواء). اهــ
وقال الدكتور ناصر العقل في ((الفقه في الدين)) (ص58): (ومن الأخطاء التي ينبغي التنبيه عليها في مسألة الفقه، فصل الدعوة عن العلم، وهذه توجد في الشباب أكثر من غيرهم، يقولون (مثلا): الدعوة شيء، والفقه في الدين شيء آخر، فلذلك نجد أن بعض الشباب يهتم بالدعوة عمليا، ويبذل فيها جهده ووقته، لكن تحصيله للفقه والعلم الشرعي قليل جدا، مع أن العكس هو الصحيح ينبغي أن يتعلم، وأن يتفقه، وأن يأخذ العلوم الشرعية ثم يدعو، ولا مانع من أن يؤجل الدعوة سنة، أو سنتين، أو خمسا حتى يشتد عوده، ويكون عنده من العلم الشرعي ما يدعو به، أما أن يبدأ بعض الشباب بالدعوة إلى الله –سبحانه وتعالى –بمجرد العاطفة وعلم قليل، ثم ينقطع عن العلم وعن المشايخ، فهذه على المدى البعيد سيكون لها أثرها الخطير في الأمة، سيخرج دعاة بلا علماء، كما حصل في البلاد الإسلامية الأخرى). اهـ
ولقد صدق ونصح حفظه الله؛ إذ أن تصدر هؤلاء للدعوة على جهل سيعرضهم حتما للكلام باسم الإسلام، والإفتاء باسم شريعته، والقول على الله تعالى بغير علم، والاحتجاج (بالمصلحة) في غير موضعها، وتقديم الأهواء على الوحيين الشريفين.
وقال الشافعي رحمه الله: (إذا تصدر الحدث؛ فاته علم كثير)([15]).
وهذا من توسيد الأمر لغير أهله، ومن منازعة الأمر أهله، قال تعالى:} فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ ]النحل: 43[.
وعن مالك قال: (أخبرني رجل دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه –فقال له: أدخلت عليك مصيبة؟ فقال: (لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السراق)([16]).
قال الشاطبي رحمه الله في ((الموافقات)) (ج4 ص192): (.... السائل لا يصح أن يسأل من لا يعتبر في الشريعة جوابه؛ لأنه إسناد أمر إلى غير أهله، والإجماع على عدم صحة مثل هذا، بل لا يمكن في الواقع....). اهـ
وقال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1137)؛ ما نصه: (واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب، فيصار إليه ويعرف أصل القول وعلته، فيجري عليه أمثلته ونظائره، وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا، كما شاء ربنا، وعند من سلك سبيلنا من أهل المغرب، فإنهم لا يقيمون علة، ولا يعرفون للقول وجها، وحسب أحدهم أن يقول فيها رواية لفلان ورواية لفلان، ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على معناها وأصلها، وصحة وجهها، فكأنه قد خالف نص الكتاب، وثابت السنة، ويجيزون حمل الروايات المتضادة في الحلال والحرام، وذلك خلاف أصل مالك، وكم لهم من خلاف أصول خلاف مذهبهم مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره، ولتقصيرهم عن علم أصول مذهبهم، صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة أو الشافعي أو داوود بن علي أو غيرهم من الفقهاء، وخالفه في أصل قوله، بقي متحيرا ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه فقال: هكذا قال فلان وهكذا روينا ([17])، ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته، فإن عارضه الآخر يذكر فضائل إمامه أيضا صار في المثل كما قال الأول:
شكونا إليه خراب العراق فعابوا علينا شحوم البقر
فكانوا كما قيل فيما مضى أريها السهى وتريني القمر
وفي مثل ذلك يقول منذر بن سعيد رحمه الله:
غديري من قوم يقولون كلما طلبت دليلا هكذا قال مالك
فإن عدت قالوا هكذا قال أشهب وقد كان لا تخفى عليه المسالك
فإن زدت قالوا قال سحنون مثله ومن لم يقال ما قاله فهو آفك
فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا وقالوا جميعا أنت قرن مماحك
وإن قلت قد قال الرسول فقولهم أئت مالكا في ترك ذاك المسالك
وأجازوا النظر في اختلاف أهل مصر وغيرهم من أهل المغرب، فيما خالفوا فيه مالكا من غير أن يعرفوا وجه قول مالك ولا وجه قول مخالفه منهم، ولم يبيحوا النظر في كتب من خالف مالكا إلى دليل يبينه، ووجه يقيمه، لقوله وقول مالك جهلا منهم، وقلة نصح، وخوفا من أن يطلع الطالب على ما هم فيه من النقص والتقصير، فيزهد فيهم، وهم مع ما وصفنا يعيبون من خالفهم، ويغتابونه، ويتجاوزون القصد في ذمه، ليوهموا السامع أنهم على حق، وأنهم أولى باسم العلم، وهم} كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا{ ]النور: 39)، وإن أشبه الأمور بما هم عليه ما قاله منصور الفقيه:
خالفوني وأنكروا ما أقول قلت لا تعجلوا فإني سؤول
ما تقولون في الكتاب فقالوا هو نور على الصواب دليل
وكذا سنة الرسول وقد أفلح من قال ما يقول الرسول
واتفاق الجميع أصل وما ينكر هذا وذا وذاك العقول
وكذا الحكم بالقياس فقلنا من جميل الرجال يأتي الجميل
فتعالوا نرد من كل قول ما نفى الأصل أو نفته الأصول
فأجابوا فناظروا فإذا العلم لديهم هو اليسير القليل
فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء فجعلها عونا له على اجتهاده، ومفتاحا لطرائق النظر، وتفسيرا لجمل السنن المحتملة للمعاني، ولم يقلد أحدا منهم، تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبرها واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوا ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الزلل كما لم يبرئوا أنفسهم منه، فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاين لرشده، والمتبع لسنة نبيه ﷺ، وهدي صحابته رضي الله عنه وعمن اتبع بإحسان آثارهم. ومن أعفى نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره، فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضا وتقحم في الفتوى، بلا علم فهو أشد عمى، وأضل سبيلا.
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وقد علمت أنني لا أسلم من جاهل معاند لا يعلم.
ولست بناج من مقالة طاعن ولو كنت في غار على جبل وعر
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر
واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي والعيار عليه وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا.
وقال ابن وهب: حدثني مالك أن إياس بن معاوية قال لربيعة: (إن الشيء إذا بني على عوج لم يكد يعتدل).
قال الإمام مالك: يريد بذلك المفتي الذي يتكلم على غير أصل يبني عليه كلامه). اهــ.
وقال ابن عبد البر رحمه الله في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1135): (واعلم رحمك الله أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا قد حاد أهله عن طريق سلفهم، وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم، وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم). اهـ
فأهل التعالم ألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت في فهمه غاية أحدهم معرفة رواية لمذهب فلان... ووجه لمذهب فلان... واختلف العلماء... وقول فلان... وهكذا... وتجده قد جهل ما لا يكاد يسع أحدا جهله من علم صلاته وحجه وصيامه وزكاته...
فأهل التعالم لم يعنوا بحفظ سنة ولا الوقوف على معانيها، ولا بأصل من القرآن... ولا اعتنوا بكتاب الله عز وجل... بل عولوا على حفظ ما دون لهم من الرأي الذي كان عند العلماء آخر العلم...
ولا ريب في أن الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله) لم يرضوا أن يتمذهب أحد بمذهبهم، وأن يقلدهم أحد في الدين المبين، بل كانوا غير مقلدين، ومتفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة دون التقليد، والاستقلال في فهمها والعمل بهما في جميع الأمور –كبيرة كانت أو صغيرة –من الأصول والفروع من غير التقليد ([18]).
وهذا هو مذهب (أهل الحديث) الذي مضى عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله عز وجل.
فاعتقادنا في الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى الذين اتفق أهل العلم على علمهم وفضلهم وتقواهم وخشيتهم لله وإخلاصهم في الدين، وتركهم البدع والمحدثات... أنهم أكرم هذه الأمة...
على أن يضعوا لهم مذاهبا غير مذهب الكتاب والسنة، كما هو مأثور عنهم في كتبهم وفي كتب تلاميذهم.
وإنما صنع ذلك من عمت بصيرته عن الحق، ومن حاد عن الحق، وقدم القياس والرأي على القرآن والحديث، قال تعالى:} فماذا بعد الحق إلا الضلال{ ]يونس: 32[.
فمن تخيل أن الأئمة الأربعة وضعوا لهم هذه المذاهب (المذهب الحنفي والمذهب المالكي والمذهب الشافعي والمذهب الحنبلي) والآراء والأقوال المخالفة للكتاب والسنة، فهو مخطئ في ذلك، وقوله هو القول الهالك لأنهالمستخف بالأئمة الأربعة حقا، والخارج عن أقوالهم صدقا.
لأن هذه المسائل المذهبية التي قد ملئت بها كتب المقلدين لم يكتبها أحد من الأئمة الأربعة أصلا، ولم يعلموا بها أبدا، وقد افتريت عليهم إلا في مسائل قليلة اللهم غفرا.
فغير أهل التقليد الأعمى سنن الأئمة الأربعة والطريق المستقيم إلى الطرق المعوجة حبا في الملك والدنيا والمال ومحافظة على مناهجهم المخالفة للكتاب والسنة، ومحافظة على مقصودهم.. وتغطية لبضاعتهم المزجاة في العلم الشرعي... ولجهلهم بالدليل... وعدم معرفتهم الراجح والمرجوح ولذلك يقلدون!!!
وتجد الواحد منهم بدون حياء يقول: أنا حنفي مذهبا والماتريدي عقيدة!!! والثاني يقول: أنا المالكي مذهبا والصوفي عقيدة!!!... والآخر يقول: أنا الشافعي مذهبا والأشعري عقيدة!!!... وهكذا.
وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها أمور خارجية مقصودة... ظاهرها ترك الكتاب والسنة والإقبال على العصبية المذهبية... والعقائد الباطلة...
وقد تصدى لكشفهم أهل العلم في كل زمان ومكان ولله الحمد والمنة.
وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه. ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبأون بما بلغهم منه أن يحتجوا به على خصومهم إذا وافق مذاهبهم التي ينتحلونها، ووافق آراءهم التي يعتقدونها...
وتراهم لا يقبلون قول الإمام أبي حنيفة أو الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد إلا ما وافق مذاهبهم وآراءهم المزعومة التي ينتحلونها والله المستعان.
وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان... فدس لهم الشيطان الحيل والكيد وأطاعه كثير منهم واتبعوه... وخدعهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الشوكاني رحمه الله في ((القول المفيد)) (ص: 108): (وإن التقليد لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإن حدوث التمذهب بمذاهب الأربعة، إنما كان بعد انقراض عصر الأئمة الأربعة ([19])، وإنهم كانوا على نمط من تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وعدم الاعتداد به، وإن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين). اهــ.
عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (هلاك أمتي في الكتاب واللبن فقيل: يا رسول الله! ما الكتاب واللبن؟ قال: يتعلمون القرآن ويتأولونه على غير ما أنزله الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون)([20]).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في ((المسند)) (ج4 ص146)، وأبو يعلى في ((المسند)) (ج3 ص285)، وابن عبد الحكم في ((فتوح مصر))(]ص197)، والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج2 ص507)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج2 ص41)، والروياني في ((المسند)) (ج1 ص182)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (ج2 ص142)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج17 ص815)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1199) من طرق عن أبي قبيل حيي بن هاني المعافري المصري قال: سمعت عقبة بن عامر به.
قلت: وهذا سنده حسن. وتابعه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني.
أخرجه أحمد في ((المسند)) (ج4 ص155)، وفي ((العلل)) (ج3 ص452) من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة قال: وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
والحديث صححه الألباني في ((الصحيحة)) (ج6 ص647).
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1199): (أهل البدع أجمع أضربوا عن السنة، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة فضلوا وأضلوا، ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة برحمته). اهــ
فالرأي المذموم هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ الاختلاف بين العلماء دون رده إلى أصول الكتاب والسنة.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: (يا معشر القراء ([21]) استقيموا ([22])، فقد سبقتم ([23]) سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا ([24])، لقد ضللتم ضلالا بعيدا).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج6 ص2656) من طريق سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة به.
فأصحاب الرأي والتأويلات هذه هم أهل البدع والأهواء الذين يتكلمون برأيهم الفاسد، ويقولون: إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
إنهم لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من الجهل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من الضلال، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من التفرق والاختلاف، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فساد، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من تشتت وضياع، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من ضعف في العلم الشرعي، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في الدعوة إلى الله، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في التدريس والخطابة، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في تأديتهم الأعمال الخيرية، لا يشعرون بحقيقة ما هم فيه من فشل في اجتماعاتهم، لا يشعرون بحقيقة ما تصير إليه الأمة الإسلامية من فرقة وضياع وتمزق وتشتت، لا يشعرون بأن الأمة الإسلامية لن تتوحد حتى يتوحد فكرها، وحتى يستيقظ وعيها في كتاب ربها وما صح من أحاديث رسول الله ﷺ.
لقد أفرز الوقع الأليم الذي أطلت فيه الفتن برأسها، وشهرت الحزبية سيفها، وغيب فيه كثير من العلماء الربانيين، وطلبة العلم المتمكنين... فبرز أهل التعالم بزعمهم للذب عن دينهم، ونشر سنة نبيهم ﷺ، فأثمرت جهودهم الحماسية بالفعل ثمارا خبيثة من تفريق وضياع وتشتيت بالأمة الإسلامية والله المستعان.
قال الخطيب رحمه الله: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقره، ومن لا يصلح منعه، ونهاه أن يعود، وتواعده بالعقوبة إن عاد)([25]). اهــ
وقال الماوردي رحمه الله في ((الأحكام السلطانية)) (ص248): (وإذا وجد –المحتسب –من يتصدى لعلم الشرع وليس من أهله من فقيه أو واعظ، ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف أنكر عليه التصدي لما هو ليس من أهله، وأظهر أمره لئلا يغتر به). اهــ
ويعرف العالم بالكتاب والسنة بالتلقي عن المشايخ وملازمتهم زمنا طويلا معتبرا، ويجده في طلب العلم حتى بعد ذلك يتصدر للتحديث والفتيا...
عن خلف بن عمر –صديق كان لمالك –قال: سمعت مالك بن أنس يقول: (ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني، هل تراني موضعا لذلك؟ وسألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمرني بذلك، فقلت: يا أبا عبد الله، فلو نهوك؟ قال: كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه)([26]).
قلت: فتأمل... فتأمل أيها المحب للتدريس هذا الكلام جيدا فهل شهد لك أهل العلم بالتدريس والفتوى، وإلا اترك المجال لغيرك من أهل الاختصاص الذين شهد لهم أهل العلم بالتدريس والفتوى، فلا يشفع للعبد حسن نيته إذا خالف السنن، فلابد من علم ونية وإخلاص وصحة ومتابعة، فلابد من تحصيل الزاد لتحقيق المراد.
وقال مالك رحمه الله: (ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للتحديث والفتيا جلس، حتى يشاور أهل الصلاح والفضل، وأهل الجهة من المسجد، فإن رأوه أهلا لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك)([27]).
فينبغي لمن تصدى للتعليم والإفتاء أن يكون أهلا لذلك وإلا فهو خائن للأمانة، ينطبق عليه قول رسول الله ﷺ: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: كيف إضاعتها؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)([28]).
فالجاهل يفسد أكثر مما يصلح... فظن هذا المتعالم أنه يحسن الصنع... وهذا عجب يدل على مدى معرفته بالعلم الشرعي... أفلا يعلم هذا المتعالم أن الله تعالى سائله عما يقول يوم القيامة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة)، قيل: وما الرويبضة؟ قال: (الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)([29]).
وقال أبو الحسن بن المفضل المقدسي:
تصدر للتدريس كل مهوس بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس([30])
فتبين بالأدلة الشرعية في الكلام السابق وضوح الحق، لكن أصحاب الرأي والخلاف يرفضونه لأنهم لم يكن لهم اعتناء بالنصوص الشرعية، بل اعتنوا هؤلاء بمداركهم أفهامهم وعقلياتهم التي تفقهوا بها فضلوا وأضلوا... والآيات والأحاديث الناهية عن الآراء والاختلاف في الدين المتضمنة لذمها كلها شهادة صريحة بأن الحق عند الله واحد وما عداه من الآراء فخطأ، ولو كانت تلك الآراء والأقوال كلها صوابا لم ينه الله تعالى ورسوله ﷺ عن الصواب ولا ذمه.
قال تعالى:} واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا{ ]آل عمران: 103[.
قال ابن القيم رحمه الله: (الآيات الناهية عن الاختلاف في الدين المتضمنة لذمه، كلها شهادة صريحة بأن الحق عند الله واحد، وما عداه فخطأ، ولو كانت تلك الأقوال –والآراء –كلها صوابا، لم ينه الله ورسوله عن الصواب ولا ذمة)([31]).اهــ
وقال تعالى: }ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا{ ]النساء: 82[.
قال ابن القيم رحمه الله: (فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده فليس بالصواب)([32]) اهــ
وقال تعالى:} وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36){ ]الأحزاب: 36[.
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج1 ص86): (فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا). اهــ.
وقال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج3 ص498)؛ في تفسير هذه الآية: (فهذه عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا كان حكم الله ورسوله لشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول كما قال تبارك وتعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65){ ]النساء: 65[. ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال:} ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا{ ]الأحزاب: 36[ اهــ.
وقال تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1){ ]الحجرات: 1[.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في ((أضواء البيان)) (ج7 ص614): (والمعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله، فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله، وهذه الآية الكريم فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه الله). اهــ
ولقد عظمت جنايات الآرائيين العقلانيين على آيات القرآن وأحاديث رسول الله ﷺ فإنها إذا وردت بخلاف آرائهم وأفهامهم، حرفوها عن مواضعها، وحملوها على غير ما أراده الله تعالى ورسوله ﷺ.
وينبغي على المخالف أن يتأدب مع الله تعالى ورسوله ﷺ فيقدم كلامهما على كلام الآخرين في أي من أمور الدين، ومن الخطأ أن يلجأ إلى العقل والرأي مع وجود النقل، فإذا وجد النص فلا رأي ولا اجتهاد. فالنقل هو الأصل وهو المقدم على كل شيء في حالة ما يشبه التعارض.
إذا ومن التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله ﷺ معارضة النص بالرأي، ويسمى القياس الفاسد، يقول الفقهاء: لا قياس في مقابلة النص ([33]).
والنبي ﷺ أخبر بأنه سوف يأتي أناس كـــ (أصحاب الرأي) –في آخر الزمان يعارضون النصوص بآرائهم.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: (إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بموت أهله، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم (أي برأيهم) فضلوا وأضلوا)([34]).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج1 ص33)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج3 ص208) من طريق عروة عن عبد الله به.
فيستفاد من هذا الحديث أنه لا مجال لمعارضة النص بالرأي.
قال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)) (ج1 ص165): (وفي هذا الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم). اهــ
فقبض العلم بموت العلماء من أعظم الأمور التي تبتلى بها الأمة الإسلامية قبل قيام الساعة... ويبقى الناس بعدهم بجهل وضلال كما هو مشاهد، وذلك لعدم اتباع الناس تعاليم الكتاب والسنة.
وهذا ظاهر من أهل الرأي والعقل، فما أصاب الأمة الإسلامية من الوهن والذل والنكبات فمن أكبر أسبابه ترك تعاليم العلماء الربانيين، والإقبال على تعاليم أهل الرأي والله المستعان.
وقال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)) (ج13 ص316): (أهل الجهل ليسوا عدول، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف... أهل السنة والجماعة وهم أهل العلم الشرعي، ومن سواهم ولو نسب إلى العلم فهي نسبة صورية لا حقيقية). اهــ
قلت: فأهل الرأي ليسوا عدول ولو نسبوا إلى العلم والدعوة فهي نسبة صورية شكلية لا حقيقية.
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج1 ص67): (الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل، ورأي صحيح، ورأي هو موضع اشتباه، والسلف استعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وذموا الباطل ومنعوا من العمل به، والثالث سوغوه عند الاضطرار.
فالرأي الباطل: الرأي المخالف للنص والكلام في الدين بالخرص، والرأي المتضمن تعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع، والرأي الذي أحدثت به البدع، والقول بالاستحسان والظنون والاشتغال بتحفظ المعضلات، ورد الفروع بعضها على بعض قياسا دون ردها إلى أصولها.
والرأي المحمود ([35]) أنواع:
1) رأي الصحابة رضي الله عنهم.
2) والرأي الذي يفسر النصوص ويبين وجه الدلالة منها إذا كان مستندا إلى استدلال واستنباط دون ما استند عليه مجرد التخرص.
3) والرأي الذي اتفقت عليه الأمة.
4) والرأي الذي يكون بعد طلب الواقعة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، يجتهد فيه إلى قربة من معاني النصوص). اهــ.
وقد تكلم أناس في مسائل علمية لو أمسكوا عنها لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، فالكتاب والسنة فيهما الكفاية والشفاء، ولا نحتاج إلى آراء الرجال عند وجودهما، فالرأي في مقابلتهما جهل محض وهوى متبع وإفك مفترى، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف، فكثير من المسائل يكون فيها الدليل بين واضح، ثم يأتي إنسان فيتكلم برأيه فيفتح باب الخلاف على مصراعيه.
لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص140): (فالواجب على العاملين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله). اهــ
وقال الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله في ((فتح المجيد)) (ص339): (وقد عمت البلوى بهذا المنكر –التقليد –خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن الأخذ بالكتاب والسنة، وصدوا عن متابعة الرسول ﷺ وتعظيم أمره ونهيه). اهــ.
وهناك أساليب لمعارضة النص بالرأي، من هذه الأساليب: الأسلوب البياني الخطابي فتجد عند بعض الناس أسلوبا بيانيا رائعا يعرض فيه رأيه المخالف للكتاب والسنة، بحيث يقلب الحق باطلا، ويجعل الباطل حقا. لذلك يقول الله سبحانه وتعالى:} يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا{ ]الأنعام: 112)، ويقول تعالى: } وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم{ ]المنافقون: 4[، فالباطل يحتاج دائما إلى بهرجة وإلى تلميع وإلى تنميق، فهل معنى ذلك أن نأخذ بقولهم؟ كلا إنهم كما قال الله فيهم }ولتعرفنهم في لحن القول{ ]محمد: 30)، ولذلك يقال: الحق أبلج والباطل لجلج.
ومن هنا أوضحت للمسلمين ما هم بحاجة إليه من بيان وكشف دعاة الجهل أهل الرأي بالأدلة والبراهين.
وقد حرصت على نشر هذا الكتاب إشاعة للعلم الشرعي المؤصل على الدليل من الكتاب والسنة لمساس الحاجة إلى ذلك.
والله تعالى أسأل أن يكون عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن يكون في الطاعات التي بها رجحان في ميزان الأعمال يوم العرض عليه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن من الخلاف ما لا يعتد في الخلاف
إذ ليس كل خلاف معتبرا ([36])، وإلا اختلط الحق والباطل في حملة الشريعة المطهرة، إذ يقل وجود المسائل التي لم يقع فيها الخلاف سواء من قبل أهل الفرق أم من قبل أهل المذاهب الفقهية.
لأن من المحال أن يأمر النبي ﷺ باتباعه ثم باتباع كل عالم، وفيهم من يحلل الشيء وغيره يحرمه، وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام، وما صح عن رسول الله ﷺ الذي أمره الله تعالى ببيان الدين وإليك الدليل:
(1) قال تعالى:} وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36){ ]الأحزاب: 36[.
فلم يفرق المولى عز وجل في وجوب طاعته، وطاعة رسوله ﷺ علينا بين أحكام الأفعال ومسائل الاعتقاد، بل ألزمنا الطاعة فيها كلها ونهانا أن نجتهد ونقول برأينا بعد قضائه جل جلاله وقضاء رسوله ﷺ ([37]).
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج1 ص 86): (فأخبر سبحانه أنه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه وقضاء رسوله، ومن تخير بعد ذلك فقد ضل ضلالا مبينا). اهــ
وقال ابن القيم رحمه الله في ((الرسالة التبوكية)) ( ص44): (فدل هذا على أنه إذا ثبت لله ورسوله في كل مسألة من المسائل حكم طلبي أو خبري، فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن ولا مؤمنة أصلا، فدل على أن ذلك مناف للإيمان... فإن الحجة الواجب اتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأما أقوال غيره فغايتها أن تكون سائغة الاتباع فضلا عن أن يعارض بها النصوص وتقدم عليها عياذا بالله من الخذلان). اهــ.
وقال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج2 ص498)؛ في تفسير هذه الآية: (فهذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ههنا ولا رأي ولا قول كما قال تبارك وتعالى: }فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65){ ]النساء: 65[. ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال: } ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا{ ]الأحزاب: 36[. كقوله تعالى:}فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم{ ]النور: 63[). اهــ
فعلى الناظر في مسائل الخلاف أن يختار القول الذي يرجحه الدليل بغض النظر عن طبيعة هذا القول من حيث اليسر والغلظة، وليس وجود الاختلاف بمسوغ لأحد أن يأخذ باي القولين شاء دون نظر وتثبت.
(2) وقال الله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1){ ]الحجرات: 1[.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في ((أضواء البيان)) (ج7 ص614): (والمعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله، فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا تشريع ما لم يأذن به الله، وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه). اهـ
(3) وقال الله تعالى:} إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51){ ]النور: 51[.
فالحق الذي لا ريب فيه أن كل مسألة ثبت فيها نص صريح لا يعتد بالخلاف فيها ولا يعتد به إلا في الجملة –أي في المناقشة والترجيح –أما في الحكم والفتاوى فلا يعتد به، بل يعتد بقول من عنده النص وهذا كله يعطينا قاعدة أساسية لا تنخرم ولا تغالط، وهي أن الشرع قائد الخلاف وأنه هو المعول، وهو الذي عليه الأمر الأول، فالنقل هو الأصل وهو المقدم على كل شيء.
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله). اهـ
وقال الشاطبي رحمه الله في ((الموافقات)) (ج4 ص120): (من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفا لمقطوع به في الشريعة...
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالا مختلفة في الظاهر فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه...). اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)) (ج 1ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه، ويعتمد عليه). اهـ.
وقال ابن حزم رحمه الله في ((الإحكام)) (ج5 ص64)؛ تحت باب ((ذم الخلاف)): (وإنما الفرض علينا اتباع ما جاء به القرآن عن الله تعالى الذي شرع لنا دين الإسلام، وما صح عن رسول الله ﷺ الذي أمره الله تعالى ببيان الدين... فصح أن الاختلاف لا يجب أن يراعى أصلا، وقد غلط قوم فقالوا: الاختلاف رحمة!!). اهـ
فينبغي على المخالف أن يتأدب مع الله ورسوله ﷺ فيقدم كلامهما...
قال تعالى:} وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون (132){ ]آل عمران: 132[.
فبين الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم ينقادون ويستسلمون لأمره وأمر رسوله ﷺ ([38]).
والذي أمرنا بالاستسلام والانقياد له هو ما حكم به الناطق بالوحي نبينا الكريم ﷺ.
قال تعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65){ ]النساء: 65[.
وقال تعالى:} فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم{ ]النور: 63[.
وقال تعالى:}وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا{ ]الحشر: 7[.
ومن المعلوم أن كل ما نص عليه الكتاب والسنة نصا صريحا لا يجوز العدول عنه إلى ما يؤدي إليه الاجتهاد، وكذلك ما أجمع عليه علماء المسلمين لا يصح أن يخالف فيه...
وانحصر الخلاف في (الاجتهاد والتقليد) في الأحكام الشرعية التي لم ينص عليها في كتاب ولا سنة... وقد صرح الأئمة الأربعة بالنهي عن التقليد وتقديم النص على آرائهم ([39]).
عن عثمان بن عمر قال: (جاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة، فقال له: قال رسول الله ﷺ كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت، فقال مالك:} فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم{ ]النور: 63[.
أثر صحيح
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (ج6 ص326)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) (ص201) من طرق عن عثمان به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه إسحاق بن الطباع به.
أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه (ج1 ص146) بإسناد حسن.
فالقرآن والخبر الصحيح شيء واحد، وحكمهما واحد في وجوب الطاعة لهما.
قال ابن حزم رحمه الله في ((الإحكام)) (ج1 ص98): (والقرآن والخبر الصحيح بعضها مضاف إلى بعض، وهما شيء واحد في باب وجوب الطاعة لهما...). اهــ.
وقال ابن عبد البر رحمه الله: (الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح)([40]).
قلت: وطلب الراجح من الأقوال والأدلة أمر محمود من طالب العلم، ودليل على ورعه وعدم حرصه على تعدد الأقوال لينتقي بحرصه أطيبها وأقربها إلى الكتاب والسنة.
وقال ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج 12 ص211): (إذا تنازع المسلمون في المسألة، وجب رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه). اهــ
وقال ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج5 ص204): (معارضة أقوال الأنبياء بآرائه الرجال، وتقديم ذلك عليها هو فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر). اهـ
ومن الخطأ أن يلجأ إلى العقل والرأي مع وجود النقل، إلا إذا كان الخصم كافرا لا يؤمن بالنقل. وإذا كان العقل هو مناط التكليف والفهم والاستنباط فذلك لا يعني تقديمه على النقل ([41]).
قال ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص 170): (لأن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا. وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال فضلا عن أن يقدم، فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله، وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه، والقدح فيه يمنع دلالته والقدح في دلالته يقدح في معارضته كان تقديمه عند المعارضة مبطلا للمعارضة فامتنع تقديمه على النقل، وهو المطلوب، وأما تقديم النقل عليه فلا يستلزم فساد النقل في نفسه، يوضح ذلك أن معارضة العقل لما دل العقل على أنه حق دليل على تناقض دلالته وذلك يوجب فسادها، وأما السمع فلم يعلم فساد دلالته ولا تعارضها في نفسها وإن لم يعلم صحتها). اهــ
وهذا كله يعطينا قاعدة أساسية لا تنخرم ولا تغالط، وهي أن الشرع قائد العقل وأنه هو المعول، وهو الذي عليه الأمر الأول.
فالنقل هو الأصل وهو المقدم على كل شيء. فالحق الذي لا ريب فيه أن كل مسألة ثبت فيها نص، يحرم الاجتهاد فيها، وذكر الخلاف فيها إلا لأسباب فافطن لهذا.
(4) وقال الله تعالى:} فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول{ ]النساء: 59[.
عن ميمون بن مهران قال: في قوله:} فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول{ ]النساء: 59[ إلى كتاب الله والرد إلى رسول الله ﷺ إذا قبض إلى سنته).
أخرجه الطحاوي في ((مشكل الآثار)) (ج1 ص474)، وابن شاهين في ((شرح المذاهب)) (ص 44)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص144)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج2 ص67)، وابن عبد البر في ((الجامع)) (ج2 ص190)، وإسناده صحيح.
ومما سبق من الأدلة، وكلام أهل العلم يتضح أن القول المحكوم ببطلانه، ورده هو ما خالف الكتاب والسنة.
قال ابن قدامة رحمه الله في ((روضة الناظر)) (ص194): (وزعم الجاحظ أن مخالفة ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم، وقال عبيد الله بن الحسن العنبري: كل مجتهد مصيب في الأصول والفروع جميعا وهذه كلها أقوال باطلة...). اهــ
(5) وعن عبد الله بن مسعود: (أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها بليال قمر بها أبو السنابل بن بعكك، فقال: قد تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشرا فذكرت ذلك سبيعة لرسول الله ﷺ فقال: (كذب أبو السنابل أو ليس كما قال أبو السنابل قد حللت فتزوجي)([42]).
حديث صحيح
أخرجه الشافعي في ((الرسالة)) (ص 575)، والبغوي في ((شرح السنة)) (ج9 ص304)، والبيهقي في ((المعرفة)) (ج11 ص205)، وفي ((السنن الكبرى)) (ج7 ص429) من طريق سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه أحمد في ((المسند)) (ج6 ص136) من طريق عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله به.
وذكره الهيثمي في ((الزوائد)) (ج5 ص2)؛ ثم قال: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).
والحديث صححه أحمد شاكر في ((شرح المسند)) (ج6 ص136).
قلت: فلا يعتد بالخلاف الذي حدث في هذه المسألة بعد ثبوت هذا النص الصريح في أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص200): (قال بعض أهل العلم: قد أوجب الله على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، وذكر أن أجل الحامل أن تضع). اهــ
وقال النووي رحمه الله في ((شرح صحيح مسلم)) (ج10 ص109): (وهذا تصريح بانقضاء العدة بنفس الوضع). اهــ
(6) وعن محمد بن علي: (أن عليا قيل له: أن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا، فقال: إن رسول الله ﷺ نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج6 ص2553)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج2 ص1028) من طريق الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما به.
وفي رواية لمسلم في ((صحيحه)) (ج2 ص1027) من طريق جويرية عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه نهانا رسول الله ﷺ فذكره.
وأخرجه الطيالسي في ((المسند)) (ص18) من طريق سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي سلمة كلاهما سمعا الزهري يقول: حدثني الحسن وعبد الله ابنا محمد ابن الحنفية عن أبيهما أن عليا قال لرجل –ابن عباس –يفتى في المتعة: انظر ما تفتي فأشهد أن رسول الله ﷺ نهى عن نكاح المتعة.
وإسناده صحيح.
إذا فلا يعتد بالخلاف بعد ثبوت النص فيه، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن النص أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي أي معظم.
قلت: فالخلاف يعتد به في الجملة فقط فافهم يا رعاك الله.
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي والعيار عليه وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا). اهــ
والمقصود أن على أمثال هؤلاء الجهال أن لا يركبوا رؤوسهم، فيدعوا بجهل ونشاط مجرد من العلم فيأثموا.
وقال الشاطبي رحمه الله في ((الموافقات)) (ج4 ص93): (الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان:
أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعا وهو الصادر عن أهله الذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر إليه الاجتهاد.
والثاني: غير المعتبر وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه لأن حقيقة اجتهاده أنه رأي مجرد التشهي والأغراض وضبط في عماية، واتباع الهوى، فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره لأنه ضد الحق الذي أنزل الله كما قال تعالى:} وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم{ ]المائدة: 49[). اهـ
قلت: فلا يعتد بخلاف وأقوال أهل التساهل والجهلة ([43]) ممن عدهم العامة من العلماء!! لأنهم ليسوا من أهل الاجتهاد.
قال ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ
قلت: ومما لا يخفى على العلماء أن من مستند هذا الإجماع قوله تعالى:} فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ ]النحل: 43[ فمن لم يكن عارفا بالكتاب والسنة لم يجز له أن يفتي إلا بعد سؤال العارفين بهما هذا نص الآية.
فإذا اجتمع الصحابة على فهم لعموم آية أو حديث فنحن ملزمون بفهمهم، وإن اختلفوا نظرنا: هل اتفق التابعون أو من بعدهم على أحد قولي أو أقوال الصحابة؟ أم أن المسألة لا تزال خلافية؟ فإن كانت خلافية رجحنا بين الأقوال حسب أدلتها وقواعد علمائنا، سواء أكان هذا الخلاف حديثيا أم فقهيا، فجزاهم الله عنا وعن الإسلام خيرا.
والمقصود أن على هؤلاء أن لا يركبوا رؤوسهم، فيفتوا بجهل وهوى نفس وتشهي.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص505): (أما الكتاب والسنة فيدلان على ذلك، لأنه إذا أمر النبي بالاجتهاد، فالاجتهاد أبدا لا يكون إلا على طلب الشيء وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل). اهــ
قلت: فلا يعتد باجتهاد هذا الصنف من الناس، لأنه اجتهاد على غير علم وبصيرة.
قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (ج1 ص25): (أما إذا كان الخلاف لاحظ له من النظر، فلا يمكن أن نعلل به المسائل ونأخذ منه حكما.
وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له حظ من النظر
لأن الأحكام لا تثبت إلا بدليل، ومراعاة الخلاف ليست دليلا شرعيا تثبت به الأحكام فيقال هذا مكروه أو غير مكروه). اهــ
وعن عبيد بن عمير قال: (بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (ج4 ص12)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (ج1 ص203)، وابن ماجه في ((سننه)) (ج1 ص198) من طريق أبي الزبير عن عبيد به.
(7) وعن الهذيل بن شرحبيل قال: (جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة، وابنة ابن، وأخت لأب، وأم؟ فقالا: لابنته النصف، والأخت من الأب، والأم النصف، ولم يورث ابنة الابن شيئا، وأت ابن مسعود فإنه سيتابعنا، فأتاه الرجل فسأله، وأخبره بقولهما، فقال: لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين، ولكني سأقضي فيها بقضاء النبي ﷺ، لابنته النصف ولابنة الابن سهم تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت من الأب والأم).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج12 ص17)؛ مختصرا، وأبو داود في ((سننه)) (ج3 ص312)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص70)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص415)، وابن ماجه في ((سننه)) (ج2 ص 909)، وأحمد في ((المسند)) (ج1 ص389) من عدة طرق عن أبي قيس عن الهذيل به.
وفي رواية عند أحمد: (وما أنا من المهتدين إن أخذت بقوله وتركت قول رسول الله ﷺ).
فهذه النصوص وغيرها تدل دلالة واضحة على أنه لا يعتد بالخلاف مع وجود النص ومن خالف ذلك برأيه وجب الإنكار عليه، وما زال العلماء ينكرون على من خالف ذلك.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (إذا جاء عن أصحاب النبي ﷺ أقاويل مختلفة، ينظر إلى ما هو أشبه بالكتاب والسنة فيؤخذ به)([44]).
قلت: وإنما كان الأمر كذلك لأن أقاويلهم المختلفة بمثابة الأدلة المتعارضة فيرجح أحدهما بمرجح.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص88): (وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العنود ([45]) عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجا، لما وصفت، وما قال رسول الله ﷺ). اهــ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (ج21 ص75): (الحجة عند الاختلاف السنة، وإنها حجة على من خالفها، وليس من خالفها بحجة عليها). اهــ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص109): (فيما وصفت من فرض الله على الناس اتباع أمر رسول الله دليل على أن سنة رسول الله إنما قبلت عن الله، فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها... فالخلق كلهم له تبع، ولا يكون للتابع أن يخالف ما فرض عليه اتباعه، ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها). اهـ
قلت: ومن خالف ما قلت فقد جمع الجهل بالسنة، والخطأ في الكلام فيما يجهل.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص504): (باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص). اهــ، ثم استدل بأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الآتي.
(8) وعن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال: (أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شيخ من بني زهرة كان يسكن دارنا فذهبت معه إلى عمر فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية، فقال: أما الفراش فلفلان، وأما النطفة فلفلان، فقال عمر بن الخطاب: صدقت، ولكن رسول الله ﷺ قضى بالفراش).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص505)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج7 ص402) من طريق الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(9) وعن عمر بن شبيب قال: سمعت خالد بن سلمة يقول لأبي حنيفة: (إنما نحتاج إلى قولك، إذا لم نجد أثرا، فإذا وجدنا أثرا ضربنا بقولك عرض الحائط).
أثر حسن
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص509) من طريق إسماعيل بن الفضل نا يحيى بن السري نا عمر به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به.
(10) وعن حماد قال: (كنت أسأل إبراهيم عن الشيء أهتم به قال: فيقيسه لي، ويجيء الشيء فلا أعرفه فيقول: ليس في كل شيء يجيء القياس)([46]).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص508) من طريق حبان بن هلال نا أبو عوانة عن رقبة بن مصقلة عن حماد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: إنما نأخذ بالرأي والقياس والاجتهاد ما لم يجيء الأثر والنص، فإذا جاء الأثر والنص تركنا جميع ذلك وأخذنا بالأثر والنص.
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج2 ص287): (فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك قال الله تعالى:} وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36){ ]الأحزاب: 36)، وقال تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم (1){ ]الحجرات: 1)، وقال تعالى:} إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51){ ]النور: 51[.اهــ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص1140): (واعلم يا أخي أن السنن والقرآن، هما أصل الرأي والعيار عليه وليس الرأي بالعيار على السنة، بل السنة عيار عليه، ومن جهل الأصل لم يصب الفرع أبدا).اهــ
(11) وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الناس: (انه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله ﷺ).
أثر صحيح.
أخرجه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص781) من طريق إسماعيل بن عياش عن سوادة بن زياد وعمرة بن مهاجر عن عمر به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه بقية بن الوليد حدثنا سوادة بن زياد وعمرو بن مهاجر به.
أخرجه الآجري في ((الشريعة)) (ج1 ص423)، وابن بطة في ((الإبانة)) (ص99).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص508) من طريق صالح بن عبد الله الترمذي نا سفيان بن عامر عن عتاب بن منصور قال: قال عمر به.
وإسناده ضعيف.
(12) وعن سليمان بن يسار أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا في المتوفى عنها الحامل، تضع عند وفاة زوجها، فقال ابن عباس: تعتد آخر الآجلين ([47])، فقال أبو سلمة: تحل حين تضع، فقال أبو هريرة: وأنا مع ابن أخي، فأرسلوا إلى أم سلمة فقالت: قد وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بيسير، فأمرها رسول الله ﷺ أن تتزوج)([48]).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (ج2 ص1122)، والبيهقي في ((المعرفة)) (ج11 ص204) من طريق يحيى بن سعيد أخبرني سليمان به.
وأخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج8 ص653)، ومالك في ((الموطأ)) (ص580)، والشافعي في ((الأم)) (ج5 ص224)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص119)، والنسائي في ((السنن الصغرى)) (ج6 ص192)، وفي ((التفسير)) (ج2 ص447)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (ج23 ص152) من طريق يحيى قال: أخبرني أبو سلمة به.
قال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)) (ج8 ص654): (قوله: قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة أي وافقه فيما قال). اهــ
قلت: يعني صار مع صاحب الحق.
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((الاستذكار)) (ج18 ص177): (وأما ابن عباس فقد روي عنه أنه رجع إلى القول بحديث سبيعة). اهــ
فالاختلاف هنا محرم أنه قائم بكتاب الله وسنة رسوله، فكل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصا مبينا فلا يعتد به.
والموقف هنا حاسم جازم لا مجاملة ولا مداهنة، ولذلك جعل الله من مهمة الأنبياء بيان ما اختلف الناس فيه سواء في مسائل الأصول أو الفروع يقول الله تعالى:} كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213){ ]البقرة: 213[. ويقول الله تعالى:} وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (64){ ]النحل: 64[.
قال ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص67)؛ في قوله تعالى:} وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه{ ]البقرة: 213[ قال: (فبين أنه بالكتاب يحكم بين أهل الأرض فيما اختلفوا فيه). اهــ
ويقول الله تعالى:} أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم{ ]العنكبوت: 51[.
قال ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية في ((الفتاوى)) (ج19 ص67): (فزجر من لم يكتف بالكتاب المنزل). اهــ
ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين برد التنازع والخلاف إلى الشريعة الإسلامية، ليصار الحكم وفق تعالميها، فقال سبحانه وتعالى:} فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا{ ]النساء: 59[.
وقد جعل الله سبحانه من الظواهر للإيمان الصحيح رد التنازع إلى الله والرسول بقوله في الآية السابقة } إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر{ ]النساء: 59[.
قال ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج1 ص518): (فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، } فماذا بعد الحق إلا الضلال{ ]يونس: 32)، وقال: (أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر لقوله تعالى:} إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر{ ]النساء: 59[. اهــ
وقد ذهب القرطبي في تفسيره عند هذه الآية إلى القول بوجوب رد الحكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويكون ذلك بالسؤال في حياته، أو بالنضر في سنته بعد وفاته، ومن لم ير هذا اختل إيمانه ([49]).
وقد نفى الله الإيمان عن الذين لا يتحاكمون إلى الله وإلى الرسول فقال سبحانه وتعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65){ ]النساء: 65[.
والمشاجرة هي المنازعة، وذلك لتداخل كلام الخصوم بعضهم في بعض عند المنازعة فالحكم في قضايا المنازعة والمخاصمة يجب أن يستقيم مع شريعة الله سبحانه وتعالى لا على قول فلان وفلان والآية صريحة في ذلك.
قال الرازي رحمه الله في ((تفسيره)) (ج5 ص170): (في الآية قسم من الله تعالى على أنهم لا يصيرون موصوفين بصفة الإيمان إلا عند حصول شرائط:
أولها: قوله تعالى: }حتى يحكموك فيما شجر بينهم{ ]النساء: 65]، وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول لا يكون مؤمنا.
ثانيها: قوله تعالى} ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت{ ]النساء: 65[. قال الزجاج: لا تضيق صدورهم من أقضيتك (أي حكم الرسول) وأنه لابد من حصول الرضا بالحكم في القلب، وأن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول ﷺ هو الحق والصدق.
ثالثها: قوله تعالى:} ويسلموا تسليما{ ]النساء: 65[ فبين تعالى أنه كما لابد في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب، فلابد أيضا من التسليم معه في الظاهر فقوله } ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت{ ]النساء: 65[ المراد به الانقياد في الباطن، وقوله تعالى :} ويسلموا تسليما{ ]النساء: 65[ المراد منه الانقياد في الظاهر). اهــ
والآية نزلت في الزبير بن العوام رضي الله عنه عندما اختلف مع صحابي من الأنصار حول سقي بستان فقال النبي ﷺ للزبير: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى أرض جارك) فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله: أن كان ابن عمك؟ (أي تحابيه لقرابته منك)، فتلون وجه ([50]) رسول الله ﷺ، ثم قال للزبير: (يا زبير اسق، ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر)([51]) فرد الرسول ﷺالرجل إلى مر الحكم بالحق، لأن من كانت أرضه أقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الماء، وحقه تمام السقي، فالآية إنما نزلت لوقوع المخاصمة بين الصحابة، فرد الله الحكم إلى رسوله، ورد المسلمين إلى التسليم لحكم الرسول ﷺ ظاهرا وباطنا.
فالآية نص صريح برد جميع الخصومات والمشاجرات بين المسلمين إلى الله تعالى وشرعه.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى الذين لا يرجعون في منازعتهم ومشاكلهم إلى الله وإلى رسوله وإلى شرعه بأنهم:
(1) غير صادقين في إيمانهم، بل الكذب واضح فاضح لهم } ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به{ ]النساء: 60[ فقال في وصف إيمانهم } الذين يزعمون{ ]النساء: 60)، والزعم كما قال علماء العربية يستعمل في القول الكذب والذي يشك في صحته، والذي لا يتحقق.
(2) وصفهم بأنهم يريدون } أن يتحاكموا إلى الطاغوت{ ]النساء: 60)، والطاغوت هو صيغة من الطغيان وتجاوز الحد.
(3) وصفهم الله بأنهم من الضالين الذين أضلتهم الشياطين، ومن الضالين في الضلال البعيد فقال سبحانه وتعالى } يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا{ ]النساء: 60[.
(4) وصفهم الله سبحانه وتعالى بالنفاق فقال: } وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61){ ]النساء: 61[ فالذين يرفضون التحاكم إلى الشريعة ويرفضون الانصياع لحكم الله فهم من المنافقين.
فالحكم إما أن يكون لله، وإما أن يكون للهوى والضلال ([52]).
ولذا أوجب الله الحكم به، وحرم العدول به، وصار واجبا على المسلمين العمل بأحكامه.
لأن الله كلف الإنسان أن يستقيم على شرعه، وأن يلتزم بدينه حتى ينال سعادة الدنيا والآخرة ([53]).
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (ج10 ص127): (وأما ما نهى الله عنه ورسوله، فلا خيار فيه لأحد، وكل قول خالف السنة فمردود... لأن الله عز وجل قد أمر في كتابه عند تنازع العلماء، وما اختلفوا فيه بالرد إلى الله ورسوله، وليس في جهل السنة في شيء قد علمها فيه غيره حجة). اهــ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (ج10 ص61): (فلا حجة في قول أحد مع السنة). اهــ
قلت: فهذا هو السبيل لمعرفة الحق والصواب، فمن سلك هذا السبيل فيرجى له الصواب والتوفيق.
قال ابن قدامة رحمه الله في ((ذم التأويل)) (ص 28): (ومن السنة قول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، فأمر بالتمسك بسنة خلفائه كما أمر بالتمسك بسنته، وأخبر أن المحدثات بدع وضلالة وهو ما لم يتبع فيه سنة رسول الله ﷺ ولا سنة أصحابه). اهــ
وقال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة: (عليك بلزوم السنة فإنها لك –بإذن الله –عصمة، فإن السنة إنما جعلت عصمة ليستن بها ويقتصر عليها، فإنما سنها من قد علم ما في خلافها من الزلل والخطأ).
أثر حسن
أخرجه ابن قدامة في ((ذم التأويل)) (ص 33) من طريق عمر بن محمد الجوهري أنبأنا الأثرم أنبأنا عبد الله بن صالح عن عبد العزيز به.
قلت: وهذا سنده جيد.
قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج3 ص300): (والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف وقد تيقن صحة أحد القولين فيها كثير مثل: كون الحامل تعتد بوضع الحمل، وأن إصابة الزوج الثاني شرط في حلها للأول، وأن الغسل يجب بمجرد الإيلاج وإن لم ينزل، وأن ربا الفضل حرام، وأن المتعة حرام، وأن النبيذ المسكر حرام، وأن المسلم لا يقتل بكافر، وأن المسح على الخفين جائز حضرا وسفرا، وأن السنة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق، وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة. إلى أضعاف أضعاف ذلك من المسائل، ولهذا صرح الأئمة بنقض حكم من حكم بخلاف كثير من هذه المسائل، من غير طعن منهم على من قال بها). اهــ
وقال الإمام المزني رحمه الله: (يقال لمن جوز الاختلاف، وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة، قال أحدهما: حلال، وقال الآخر: حرام، فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كلف، وهو في اجتهاده مصيب للحق، أبأصل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال: بأصل، قيل له: كيف يكون أصلا والكتاب أصل ينفي الخلاف، وإن قال: بقياس، قيل: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟ هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم، ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله ﷺ في معنى واحد فأحله أحدهما وحرمه الآخر، وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله ﷺ دليل على إثبات أحدهما ونفي الآخر؟ أليس يثبت الذي يثبته الدليل ويبطل الآخر، ويبطل الحكم به؟ فإن خفي الدليل على أحدهما وأشكل الأمر فيهما وجب الوقوف؟ فإذا قال: نعم –ولابد من نعم –وإلا خالف جماعة العلماء، قيل له: فلم لم تصنع هذا برأي العالمين المختلفين؟ فتثبت منهما ما أثبته الدليل وتبطل ما أبطله الدليل)([54]) اهــ.
قال ابن عبد البر رحمه الله: ما ألزمه المزني عندي لازم، فلذلك ذكرته وأضفته إلى قائله، لأنه يقال: (إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله).
وقال ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج5 ص204): (معارضة أقوال الأنبياء بآراء الرجال، وتقديم ذلك عليها هو فعل المكذبين للرسل، بل هو جماع كل كفر). اهــ
فلا تعرف الحق بالرجال، بل اعرف الحق تعرف أهله، وعادة الضعفاء يعرفون الحق بالرجال لا الرجال بالحق، والعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في القول نفسه، فإن كان حقا قبله، وإن كان باطلا رده، وهذا هو المنهج الذي سار عليه أئمتنا بصفائه ونقائه.
عن سفيان بن عيينة قال: (اضطجع ربيعة مقنعا رأسه وبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: رياء ظاهر وشهوة خفية، والناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتهم، ما نهوهم عنه انتهوا وما أمروهم به ائتمروا)([55]).
وقال ابن مسعود: (ألا لا يقلدون أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر)([56]).
وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده.
قال الشاطبي رحمه الله في ((الموافقات)) (ج4 ص63): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف كما أنها في أصولها كذلك ولا يصلح فيها غير ذلك، والدليل عليه أمور:
أحدهما: أدلة القرآن
من ذلك قوله تعالى: }أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82){ ]النساء: 82[ فنفى أن يقع فيه الاختلاف البتة، ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال، وفي القرآن } فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول{ ]النساء: 59[ الآية، وهذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد. إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلاف لم يكن في الرجوع إليه رفع تنازع وهذا باطل... فالشريعة لا اختلاف فيها، وقال تعالى:} وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله{ ]الأنعام: 153[ فبين أن طريق الحق واحد وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها... والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلى الشريعة كثير كله قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد...). اهــ
وقال مخلد بن الحسين: قال لي الأوزاعي: (يا أبا محمد إذا بلغك عن رسول الله حديث فلا تظنن غيره ولا تقولن غيره، فإن محمدا إنما كان مبلغا عن ربه).
أثر صحيح
أخرجه الخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص387) من طريق أحمد بن محمد بن عبد الله القطان نا عبد الكريم بن الهيثم نا أبو عثمان الصياد سعيد بن المغيرة نا مخلد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال العلامة الفلاني رحمه الله تعالى في ((إيقاظ الهمم))؛ في أواخره (ص169): (يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص، وإن وافق مذهبه، ومثاله أن يسأل عن رجل صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس، فهل يتم صلاته أم لا؟ فيقول: لا يتمها ورسول الله ﷺ يقول: (فليتم صلاته) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة وأحمد في مواضع من مسنده. ومثل أن يسأل عن رجل مات وعليه صيام، هل يصوم عنه وليه؟ فيقول: لا يصوم عنه وليه. وصاحب الشرع يقول: (من مات وعليه صوم، صام عنه وليه) أخرجه الشيخان وأصحاب السنة وأحمد في مسنده. ومثل أن يسأل عن رجل باع متاعه ثم أفلس المشتري فوجده بعينه هل هو أحق به؟ فيقول: ليس هو أحق به. وصاحب الشرع يقول: (هو أحق به) أخرجه الشيخان وأصحاب السنة وأحمد في مسنده. ومثل أن يسأل عن أكل ذي ناب. هل هو حرام؟ فيقول: ليس بحرام، ورسول الله ﷺ يقول: (أكل كل ذي ناب من السباع حرام) أخرجه الجماعة من حديث أبي ثعلبة. ومثل أن يسأل عن قتل المسلم بالكافر فيقول: نعم، يقتل المسلم بالكافر، وصاحب الشرع يقول: (لا يقتل المسلم بالكافر) أخرجه الجماعة إلا مسلما من حديث أبي جحيفة. ومثل أن يسأل عن الصلاة الوسطى فيقول: ليس العصر، وصاحب الشرع يقول: (هي صلاة العصر) أخرجه مسلم وأبو داود. ومثل أن يسأل عن رفع اليدين عن الركوع والرفع منه هل هو مشروع في الصلاة أو ليس بمشروع؟ فيقول: ليس بمشروع أو مكروه، وربما غلا بعضهم فقال: إن صلاته باطلة وقد روى بضعة وعشرون نفسا عن النبي ﷺ أنه كان يرفع يديه عند الافتتاح والركوع والرفع منه بأسانيد صحيحة، لا مطعن فيها، وأمثلته كثيرة وفيما ذكرنا كفاية، وقد أنهاها ابن القيم إلى مائة وخمسين مثالا). اهــ
وقال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج2 ص278): (لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق، وحرم استفتاؤه). اهــ
وقال ابن نجيم رحمه الله: (إن العمل بنص صريح أولى من العمل بالقياس، وإن ظاهر الحديث واجب العمل)([57]). اهــ.
فهيا أيها الخطباء! خاطبوا أنفسكم بهذه الكلمات قبل كل شيء، وهيا معشر الوعاظ! عظوا أنفسكم بهذه العبارات النافعة، وهيا أصحاب الفتوى! أفتوا أنفسكم بهذه المقولات الطيبة قبل أن تفتوا الناس، فهذا هو سبيل السداد والهدى والرشاد بإذن الله تعالى.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك –إن شاء الله –سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المؤلف
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
الحافظ النووي رحمه الله في قول المقلدين
اختلف العلماء، بأن ذلك ليس بجواب، ولا يعتبر حكما في الشريعة!
قال الحافظ النووي رحمه الله في ((المجموع)) (ج1 ص46): (ينبغي أن لا يقتصر في فتواه –يعني المفتي –على قوله في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي ونحو ذلك؛ فهذا ليس بجواب، ومقصود المفتي بيان ما يعمل به، فينبغي أن يجزم له بالراجح، فإن لم يعرفه توقع حتى يظهر له، أو يترك الإفتاء!). اهــ
قلت: وبناء عليه فإنه لا يصح للمفتي أن يفتي إلا بما يعلم أنه حق، وبما يترجح عنده بالدليل إما من الكتاب، أو السنة.
فلا يحل للمفتي أن يفتي في المسألة بقوله: اختلف العلماء، أو اختلف الفقهاء؛ لأن ذلك قاعدة المتعالمين، والله المستعان.
أخرجه أبو داود في ((سننه)))) (ج4 ص200)، والترمذي في ((سننه)) (ج5 ص45)، وابن ماجه في سننه)) (ج1 ص17)؛ بإسناد صحيح.
([14]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج 10 ص484)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج 4 ص356)، وأبو داود في ((سننه)) (ج 5 ص217)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص356)، وأحمد في ((المسند)) (ج2 ص245) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (الظن ظنان: فظن إثم، وظن ليس بإثم. فأما الظن الذي هو إثم فالذي يظن ظنا ويتكلم به. وأما الظن الذي ليس بإثم فالذي يظن ولا يتكلم به). انظر: ((سنن الترمذي)) (ج4 ص356).
([17]) قال ابن الجوزي رحمه الله في ((تلبيس إبليس)) (ص81): (واعلم أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم الشخص فيتبعون قوله من غير تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول، لا إلى القائل). اهـ
([18]) وقد أوضحت ذلك في كتابي ((الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد))، ولله الحمد والمنة.
([20]) معنى يبدون: أي يخرجون إلى البادية لطلب مواضع اللبن في المراعي.
انظر: ((الصحيحة)) للألباني (ج6 ص647).
([22]) قوله (استقيموا) أسلكوا طريق الاستقامة، وهي كتابة عن التمسك بأمر الله تعالى والاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، فعلا وتركا.
([23]) قوله (سبقتم) أي استقمتم سبقتم غيركم سبقا ظاهرا إلى كل خير. وروى (سبقتم) أي سبقكم السلف سبقا متمكنا، فلعلكم تلحقون بهم بعض اللحوق.
([24]) قوله (أخذتم يمينا وشمالا) خالفتم الأمر، وأخذتم غير طريق الاستقامة.
انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج3 ص257).
([26]) أخرجه البيهقي في ((المدخل)) (ص440)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج2 ص154)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج6 ص316) بإسناد حسن.
([34]) وفي هذا الحديث يصاب بها الناس أعظم نكبة... ألا وهي انقراض العلماء وقبض العلم، ويصل بهم الحال إلى حد أنه لا يبقى العلماء فيتخذون الجهال رؤساء لهم فيفسدون عليهم دينهم ودنياهم بسبب جهلهم.
قال النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (ج 16 ص224): (وهذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أنه يموت حملته ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون). اهــ.
([35]) قال ابن المبارك: (ليكن الذي تعتمد عليه هو الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث).
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (ج8 ص165)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم)) (ج2 ص1050)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج1 ص268)، والبيهقي في ((المدخل)) (ص202)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج2 ص164)؛ بإسناد صحيح.
([36]) كــــ (من يقول بجواز سفر المرأة بدون محرم بزعمه!!!) وغيره من المخالفات الشرعية. وهو قول بعض المتحايلين على النصوص والله المستعان.... هذا وأمثاله لا يعتد بخلافهم مطلقا ولا كرامة. وكـــ (من يقول بجواز الربا الاستثماري بزعمه!!!) وغيره من المخالفات الشرعية وهو قول بعض المتحايلين على النصوص والله المستعان.
فهذا أيضا لا يعتد بخلافه مطلقا ولا كرامة.
قال ابن عبد البر في ((الجامع)) (ج2 ص922): (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله). اهــ
وقال ابن القيم في ((إغاثة اللهفان)) (ج1 ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه ويعتمد عليه). اهــ
([45]) العنود: العتو والطغيان، أو الميل والانحراف.
عاند: فلان معاندة، وعنادا: خالف ورد الحق وهو يعرفه.
انظر: ((المعجم الوسيط)) (ج2 ص630).
([47]) آخر الأجلين: أي يتربصن أربعة أشهر وعشرا، ولو وضعت قبل ذلك، فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع.
انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج8 ص654).
([48]) قال ابن القيم؛ تحت هذا الحديث في ((إعلام الموقعين)) (ج2 ص291): (وقد تقدم من ذكر رجوع عمر رضي الله عنه وأبي موسى وابن عباس عن اجتهادهم إلى السنة). اهــ.
([52]) فالناس إما أن يتبعوا ما أنزل الله ويعترفوا لله بالحكم والتشريع وهذا هو الدين الحقيقي، وإما أن يتبعوا دونه أولياء، فهذا هو الضلال المبين.