الرئيسية / سلسلة من النقد العلمي المنهجي / المفهم في نقد كتاب حصن المسلم 3
المفهم في نقد كتاب حصن المسلم 3
المفهم
في
نقد كتاب حصن المسلم
حوار أثري
لبيان الأحاديث الضعيفة التي في كتاب:
حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة
للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
تأليف
فضيلة الشيخ أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
الجزء الثالث
قلت: فكم من مؤلف حاطب ليل، وجارف سيل، وناقد لا يفرق بين الصحيح، والضعيف، ويظن أن كل ذهب لامع، ويأتي ببعض الحجج الواهية في تصحيحه للحديث، التي تؤديه للهاوية!([1]).
وعلى كل حال: فلا بد للمتأهل من الاجتهاد والنظر، ولا يقلد المسلم هؤلاء، ومن نحا نحوهم في التصحيح، فكم حكم فلان بالصحة لمالا يرتقي عن رتبة الحسن!([2]).
قلت: فليست هذه الأحاديث صالحة للاعتماد عليها حتى يتمسك بها في إثبات أحكام الدين، وقد أخطأ أناس في هذه الأحاديث عن نهج الصواب فيها، حيث اغتروا بكثرة طرقها الموجودة في ((كتب المسندة، وحكموا بها، وتمسكوا بها في مقام المناقشة، وأحدثوا أحكاما بها تخالف الكتاب والسنة.
فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من الضعيف على التفصيل، ولا لهم خبرة حقيقة بالمروي المنقول، ولا لهم خبرة بالنقلة، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف، ولا يميزون بينها([3]).
لذلك أردت في هذا الجزء اللطيف أن نتعبد الله تعالى بما شرعه في كتابه، وفيما ثبت وصح عن رسول الله r، فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله تعالى إلا بما شرع.
ولقد رأيت للمقلدة كتبا منتشرة في الأذكار والأدعية، أكثروا فيها من ذكر الأحاديث التي لم تصح في هذه الأيام، وهي إما أنها ضعيفة، أو منكرة، ويذكرونها مخرجة عزوا إلى الكتب المسندة أو غيرها، فلا يشرحون عللها، ولا يجمعون أسانيدها، ولا ألفاظها، ولا يفصلون في تخريجها لتعلم حقيقتها، ولا يحكمون عليها بما يبين حالها من صحة، أو ضعف، وإنما يكتفون بعزوها تقليدا فيها لبعض أهل العلم في التصحيح، أو التحسين، وبسبب هذا التقليد([4]) حصل به لبس للحق بالباطل، فتقام البدعة على أنها سنة، ويظنون أنهم بريئون بذلك من الإثم، وقد أدوا الذي عليهم في الدين بدون الاجتهاد الكافي في التفتيش والتنقيب عن الأحاديث جملة وتفصيلا.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((شرح كتاب الكلم الطيب)) لشيخ الإسلام ابن تيمية في المقدمة (ص14): (ولسنا نرى التساهل في رواية شيء من الأحاديث الضعيفة دون بيان ضعفها، ولا فرق عندنا في ذلك بين أحاديث الأحكام، وأحاديث الفضائل؛ إذ الكل شرع، فإنه لايخفى على أهل العلم أن الأحاديث الضعيفة الواردة في هذا الكتاب مثلا، تفيد من حيث دلالتها استحباب ما تضمنته من الأدعية والأذكار، وما أوردها من أوردها إلا لذلك، ومن المعلوم أن الاستحباب حكم شرعي لا يثبت إلا بنص ثابت اتفاقا، فكيف يراد إثباته فيما نحن فيه بالحديث الضعيف).اهـ
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((شرح كتاب الكلم الطيب)) (ص16): (أنصح لكل من وقف على هذا الكتاب وغيره، ألا يبادر إلى العمل بما فيه من الأحاديث، إلا بعد التأكد من ثبوته).اهـ
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (والذي أراه: أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال؛ لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح، خصوصا إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يرجع إلى قوله في ذلك)([5]).اهـ
قلت: فهذه عبارات العلماء قد أفادت بوجود المنكرات، والمضعفات في الكتب المدونة ارتكزت في أذهان البعض أن كل حديث في هذه الكتب يروى، وهو محتج به في الشريعة!.
فالمؤلف المتساهل في كتبه، ورسائله في إيراد الأحاديث الضعيفة لا يسوغ الاعتماد على ما يورده من الأحاديث التي مصادرها تشعر بضعفها دون الرجوع إلى ما قاله أهل الحديث في ذلك جملة وتفصيلا.
قلت: ولا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الثابت من الكتاب والسنة، لذلك لا بد من التفتيش عليها على طريقة أهل الحديث في كتب العلل، والتخريج، والأسانيد لبراءة الذمة([6]).
قلت: فليس لأحد أن يسن للمسلمين نوعا من الأذكار والأدعية تقليدا منه لبعض أهل العلم في التصحيح والتحسين لأحاديث الأذكار، ثم يجعلها عبادة في الصباح والمساء، وسائر عمل اليوم والليلة، فيواظب المسلمون عليها، على أنها من السنة النبوية، وهي ليست من السنة النبوية، وإن صححها بعض أهل العلم.
قلت: بل يقولون هو من عند الله تعالى، وما هو من عند الله تعالى.
لذلك أنكر الله تعالى على هذا الصنف من الناس، فقال تعالى: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) [آل عمران: 78].
قلت: وهذه الطبقة من الناس، وهم قوم بلغت بهم رقة الدين، وقلة البضاعة في علم الحديث، إلى طلب ما وافق مذاهبهم في قول كل تصحيح أو تحسين من عالم للأحاديث من غير نظر في الراجح، والمرجوح فيها.
قلت: لذلك لا يجوز للمؤلف أو المحقق أن يعمل بما يشاء في التصحيح والتحسين في الأحاديث عن طريق التقليد من قبل العلماء من غير نظر فيها، فيكتفي في العمل فيها بمجرد كون هذا العالم صححها، أو هذا العالم حسنها، أو ذهب إلى ثبوتها بعض أهل العلم، فيعمل بما يشاء من الأحاديث عن طريق التقليد حيث رأى ذلك وفق إرادته، أو هواه، أو تصحيحه تقليدا لتصحيح هذا العالم بدون علم بما يقتضي علم الحديث، وهذا حرام باتفاق العلماء.
قلت: ومن هنا يقع المقلد في التساهل في تصحيح الأحاديث أو تحسينها، فيتساهل في طلب الاجتهاد الصحيح في نقد الأحاديث، وطلب الأدلة على تصحيحها، أو تحسينها بدون الرجوع إلى الطرق الصحيحة في الحكم عليها، ومن ثم يحصل الخلل، بل لعله يتساهل في طلب الرخص في التصحيح و التحسين، فيورد أي حديث في مؤلفاته بعذر أن عالما قد صححه، أو حسنه تقليدا له بغير علم، فهذا هو التمسك بالشبه طلبا للترخص المذموم، فمن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، وهو متجوز في دينه، وهو آثم([7]).
قلت: ومن جمع في مؤلفاته هذا الترخص، فقد جمع زلل العلماء في التصحيح والتحسين، ثم أخذ بها، فقد ذهب دينه.
لذلك فلا يعتد بهؤلاء وبمؤلفاتهم في تصحيح، أو تحسين الأحاديث واستنباط الأحكام منها، لأنهم من أهل التساهل المفرط([8]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم)([9]).اهـ
وقال اللكنوي الهندي رحمه الله في ((الإجوبة الفاضلة)) (ص140): (لا يجوز الاحتجاج في الأحكام بكل ما في الكتب المذكورة وأمثالها من غير تعمق يرشد إلى التمييز لما مر أنها مشتملة على الصحاح، والحسان، والضعاف، فلا بد من التمييز بين الصحيح لذاته، أو لغيره، أو الحسن لذاته، أو لغيره، فيحتج به، وبين الضعيف بأقسامه، فلا يحتج به، فيأخذ الحسن من مظانه، والصحيح من مظانه، ويرجع إلى تصريحات النقاد الذين عليهم الاعتماد، وينتقد بنفسه إن كان أهلا لذلك، فإن لم يوجد شيء من ذلك توقف فيما هنالك) ([10]).اهـ
قلت: فلا يجوز الاحتجاج في الدين بجميع ما في الكتب من أحاديث من غير وقفة ونظر، اللهم غفرا.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في ((فتح الباقي)) (ج1 ص107): (من أراد الاحتجاج بحديث من السنن، أو من المسانيد إن كان متأهلا لمعرفة ما يحتج به من غيره، فلا يحتج به حتى ينظر في اتصال إسناده، وأحوال رواته، وإلا فإن وجد أحدا من الأئمة صححه، أو حسنه، فله تقليده، وإلا فلا يحتج به).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله: (السبيل لمن أراد الاحتجاج بحديث من ((السنن الأربعة)) لا سيما ((سنن ابن ماجه))، و((مصنف ابن أبي شيبة))، و((مصنف عبدالرزاق))، مما الأمر في أشد، أو بحديث من ((المسانيد)) لأن هذه لم يشترط جامعوها الصحة والحسن: أنه إن كان أهلا للنقل، والتصحيح، فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به.
وإن لم يكن أهلا لذلك: فإن وجد أهلا لتصحيح، أو تحسين قلده، وإلا: فلا يقدم على الاحتجاج كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل، وهو لا يشعر!!!)([11]).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج4 ص81): (لو تناظر فقيهان في مسألة من مسائل الفروع لم تقم الحجة على المناظر إلا بحديث يعلم أنه مسند إسنادا تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك، فإذا لم يعلم إسناده، ولا أثبته أئمة النقل فمن أن يعلم).اهـ
وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن الأحاديث التي يوردها أهل العلم في كتبهم غير معزوة إلى مصدر، ولا منسوبة إلى مخرج معتمد، ينبغي الكشف عنها من مظانها لمعرفة حالها من الصحة، أو الضعف، ولا يسوغ الركون إليها لمجرد روايته لها لما علمت أن فيها الضعيف والمنكر!، فلا ينبغي للمسلم أن ينقل منها حديثا إلا بعد المراجعة، والتنقيب، بل بعضها يغلب فيه ذكر الأحاديث الموضوعة.
قلت: فالحديث الذي لا يصح، لا يصح الالتفات إليه، ولا الاستشهاد به في الفضائل وغير ذلك، والمؤمن لا يتصور منه هذا الأمر، فيكذب على رسول الله r المبلغ عن الله تعالى، ثم يزعم ذلك: نصرة منه للشريعة المطهرة، وتأييدا لصاحبها.
قلت: لذلك لا يسوغ الاعتماد على الأحاديث التي تورد في الكتب على هذه الطريقة في التصحيح دون الرجوع إلى معرفة حالها من كتب التخاريج والعلل والرجال، وذلك لأن فيها الحديث الصحيح، والضعيف.
قلت: فصنع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يدعوا إلى البحث والفحص عن الأحاديث التي يذكرها الناس في كتبهم([12]).
ولعل المتدبر يعلم مما نقلنا أن ما ارتكز في أذهان الناس أن كل حديث في كتب الشيخ الألباني رحمه الله وغيره محتج به، وهو صحيح.
قلت: وكان الأولى بهم البحث في تخريج الأحاديث([13])، وعدم التقليد، لأن التقليد آفة العلم، وكان السلف يبحثون عن الأحاديث، فإن لم يعرفوها سئلوا عنها الأعلم بها على التفصيل.
قلت: وبعض أهل العلم مع جلالة قدره، ويقظته البالغة في الدين، فإن المرء ليعجب منه كيف يروي الأحاديث الضعيفة في كتبه، أو أشرطته من غير أن ينبه عليها، بل لا يسأل عنها من هو أعلم منه بعلم الحديث، والله المستعان.
قال ابن الجوزي رحمه الله في ((الموضوعات)) (ج1 ص31): (وقد كان قدماء العلماء يعرفون صحيح المنقول من سقيمه، ومعلوله من سليمه، ثم يستخرجون حكمه ويستنبطون علمه، ثم طالت طريق البحث من بعدهم فقلدوهم فيما نقلوا، وأخذوا عنهم ما هذبوا، فكان الأمر متحاملا إلى أن آلت الحال إلى خلف لا يفرقون بين صحيح وسقيم، ولا يعرفون نسرا من ظليم، ولا يأخذون الشيء من معدنه، فالفقيه منهم يقلل التعليق في خبر حدثنا خبر خبره، والمتعبد ينصب لأجل حديث لا يدري من سطره، والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة، ويذكر لهم مالوشم ربح العلم ما ذكره، فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل).اهـ
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الكفاية)) (ص141): (أكثر طالبى الحديث في هذا الزمان يغلب على ارادتهم كتب الغريب دون المشهور وسماع المنكر دون المعروف والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصروفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة، ومحلهم ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من اسلافنا الماضين).
قلت: وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتثبت والتبين في نقل الأخبار، وعدم التسرع في الجزم بصحتها، ثم بناء الأحكام عليها بمجرد سماعها، ذلك لأن تلك الأخبار قد تكون باطلة من أصلها، أو قد يكون فيها ما هو حق وما هو باطل، وقد تكون حقا.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات:6].
ويزداد التثبت، والتبين في أمر الناقل إذا كان المنقول عنه يتعلق خبره بمصلحة عامة، أو مضرة عامة لطائفة من الناس.
ويزداد التثبت والتبين غايته في أمر ناقل الأخبار: إذا كان المنقول عنه هو رسول الله r، فخبره يتعلق بالمسلمين جميعا.
فهو r المبلغ عن ربه، وهو الذي تعبدنا الله باتباعه r، ولذ كان الكذب عليه r يختلف عن الكذب عن غيره([14]).
قال الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص2) عن أبي بكر الصديق t: (كان أول من احتاط في قبول الأخبار).اهـ
وعن أبي موسى الأشعري t في قصته عندما: (طلب منه عمر بن الخطاب t شاهدا، كشرط لقبول حديثه في الاستئذان ثلاثا) ([15]).
قال الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص6) عن عمر بن الخطاب t: (هو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل).اهـ
وقال الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص10) عن علي بن أبي طالب t: (كان إماما عالما متحريا في الأخذ بحيث أنه يستحلف من يحدثه بالحديث).اهـ
فعن أسماء بن الحكم الفزاري أنه سمع عليا t يقول: (إني كنت رجلا إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني به، فإذا حدثني عنه غيره حلفته، فإن حلف صدقته)([16]).
وفي رواية: (وإذا حدثني رجل من أصحابه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته).
وعن سليمان بن موسى قال: (لقيت طاوسا، فقلت: حدثني فلان كيت وكيت، قال: إن كان صاحبك مليا –ثقة ضابطا- فخذ عنه)([17]).
وقال الحاكم رحمه الله في ((معرفة علوم الحديث)) (ص130): (فأصحاب رسول الله r كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله r، فيسمعونه من اقرانهم، وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه).اهـ
وقال الحاكم رحمه الله في ((معرفة علوم الحديث)) (ص132): (وكذلك جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ثم عن أئمة المسلمين كانوا يبحثون، وينقرون عن الحديث إلى أن يصح لهم).اهـ
قلت: فالسلف الصالح لهم السبق في التنقير عن الأحاديث، التي تروى، والتنقيب عن معادنها.
قلت: فمما يحتاج إليه الناس في زماننا هذا، أن يبحثوا عن أحوال الأحاديث التي في المؤلفات التي تطبع، وتنشر عن طريق المكتبات العامة والخاصة، فيسئلوا عنها أهل الحديث فقط، لكي يتبين من حال المؤلف الذي ينقلها، هل هو صاحب صدق في نشر السنة، أو صاحب هوى يدعوا الناس إلى هواه، فإن الداعي إلى هواه هذا حاطب ليل لا يؤخذ عنه العلم، ولا كرامة، لإجماع الأئمة على تركه([18]).
فعن الأعمش قال: (كان إبراهيم النخعي صيرفي الحديث، فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه)([19]).
قلت: فتأمل ذلك، فإنه يلزم المسلم السؤال عما لا يعرفه من الأحاديث، وعلى ذلك كان السلف، ولا يعذر الجاهل بالصنعة إذا أخذ بالأحاديث الضعيفة وتعبد الله تعالى بها، لأنه يلزمه سؤال أهل الصنعة في ذلك، لتبرئة ذمته أمام الله تعالى في الدنيا والآخرة([20]).
لذلك نرى أكثر المؤلفين في زماننا هذا لا يرجعون إلى أهل الصنعة في معرفة الأحاديث، بل كل مؤلف يتهاون في نقل الأحاديث في مؤلفاته، بل يرجع في ذلك إلى غير أهل الصنعة([21])، فيقع في المحضور، ولا بد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج4 ص10): (المنقولات فيها كثير من الصدق، وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا، وبين هذا إلى أهل الحديث([22])، كما يرجع إلى النحاة في النحو، ويرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة، وكذلك علماء الشعر، والطب، وغير ذلك، فلكل علم رجال يعرفون به،و العلماء بالحديث اجل قدرا من هؤلاء، وأعظمهم صدقا، وأعلاهم منزلة، واكثر دينا).اهـ
قلت: فلا ينبغي الاعتماد على الأحاديث التي في كتب الفقه، وأصول الفقه، والتفسير، والنحو، والفرائض، وغير ذلك لكثرة الأحاديث الضعيفة فيها، إلا بعد سؤال أهل الحديث عنها، وقد حذر العلماء من ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ص15): (جمهور مصنفي([23]) السير، والأخبار، وقصص الأنبياء: لا يميز بين الصحيح، والضعيف، والغث، والسمين...).اهـ
قال معن بن عيسى: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، كيف لم تكتب عن الناس، وقد أدركتهم متوافرين؟ فقال: أدركتهم متوافرين، ولكن لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه)([24]).
قلت: فمن نقل حديثا صحيحا كما سمعه فحدث به كما سمع فقد سلم من الإثم، ومن نقل حديثا ضعيفا كما سمعه فحدث به كما سمع فقد أثم.
لذلك يجب التثبت في نقل الأحاديث حال التأليف، أو الوعظ، أو الخطابة، ويروي ما لا يرتاب في حفظه الأحاديث الصحيحة، ويتوقف عما عارضها من الأحاديث الضعيفة.
قلت: فلا يؤخذ عن مؤلف لا يميز في الأحاديث من ناحية الصحة أو الضعف، بل هو حاطب ليل ليس على دراية بعلم الحديث.
فعن الإمام أبي نعيم رحمه الله قال: (لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا عن ثلاثة: حافظ له، أمين عليه، عارف بالرجال)([25]).
قلت: لأن التثبت في الحاديث نصف العلم.
وقال الإمام أحمد رحمه الله والإمام علي بن عبدالله المديني رحمه الله: (من لم يهب الحديث وقع فيه) ([26])([27]).
وعن عبدالرحمن بن مهدي قال: (محرم على الرجل أن يروي حديثا في أمر الدين، حتى يتقنه ويحفظه، كالآية من القرآن، وكاسم الرجل، والمستحب له أن يورد الأحاديث بألفاظها ؛ لأن ذلك أسلم له)([28]).
عن عمرو بن علي رحمه الله قال: ( أن محمد بن سالم ضعيف الحديث متروك، قيل له: فكتاب الفرائض عن محمد بن سالم؟ قال: ليس يسوى شيئا).
أثر صحيح.
أخرجه ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج7 ص272) من طريق محمد بن إبراهيم نا عمرو بن علي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
فهكذا كان السلف يحذرون من الكتب المخالفة، وإن كان فيها الشيء الصحيح([29]).
وعن ابن وهب حدثني مالك بن أنس قال: (أدركت بهذا البلد رجالا من بني المائة ونحوها، يحدثون الأحاديث، لا يؤخذ منهم([30])، ليسوا بأئمة، فقلت لمالك: وغيرهم دونهم في السن يؤخذ ذلك منهم([31])؟ قال مالك: نعم، ويجب أن يكون حفظه مأخوذا عن العلماء ، لا عن الصحف)([32]).
وعن الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله قال: (خذوا العلم من المشتهرين). أي المعروفين بعلم الحديث. وفي رواية: (خذوا عن أهل الشرف فإنهم لا يكذبون) ([33]).
وعن الإمام عبد الله بن عون قال: (لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفا بالطلب) ([34]). يعني بعلم الحديث.
قلت: فمما يلزم المسلم معرفته تمييز صحيح الحديث من سقيمه عن طريق سؤال أهل الصنعة، ولا أعلم خلافا بين أهل الحديث في ذلك.
ومما يحتاج إليه أيضا معرفة العالم بقوته في علم الحديث، أو ضعفه، وشهرته فيه أن ينظر في مؤلفاته فما وافق أهل الحديث في اتقانه في ذلك الأحاديث الصحيحة، أو قرب منهم، فيؤخذ منه الأحاديث ما دامت صحيحة.
فعن الإمام عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رحمه الله قال: (لا يؤخذ العلم إلا عمن شهد له بطلب الحديث) ([35]).
وعن علي بن عبد الله المديني قال: سألت يحيى بن سعيد القطان -عن عمران العمي- قال: (لم يكن به بأس، ولكنه لم يكن من أهل الحديث، وقد كتبت عنه أشياء فرميت بها) ([36]).
وعن معن بن عيسى قال: سمعت مالك بن أنس يقول: (لا يؤخذ العلم من أربعة ، ويؤخذ ممن سوى ذلك: لا يؤخذ من رجل صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من سفيه معلن بالسفه، وإن كان من أروى الناس، ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس، وإن كنت لا تتهمه أن يكذب في حديث رسول الله r، ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة، لا يعرف ما يحدث به) ([37]).
وعن ابن وهب قال: حدثني مالك بن أنس قال: (وقد أدركت رجالا كثيرا منهم من أدرك الصحابة فلم أسألهم عن شيء، كأنه يضعف أمرهم). وفي رواية: (لم يكونوا يعرفون ما يحدثون).
أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (303 و365) من طريق ابن بكير حدثني وهب به.
قلت: وهذا سند صحيح.
وتابعه معن بن عيسى، ومحمد بن صدقة، ومطرف بن عبدالله عن مالك بن أنس قال: (لقد أدركت بهذا البلد مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة يحدثون، ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل: ولم يا أبا عبدالله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يحدثون).
أخرجه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (ج1 ص13)، و حسينك في ((العلل ومعرفة الرجال)) (328)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص103)، والفسوي في ((التاريخ والمعرفة)) (ج1 ص684)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (418)، وابن ناصر الدين في ((إتحاق السالك)) (ص129) من طريق إبراهيم بن المنذر به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في ((شرح العلل)) (ج1 ص348).
قلت: فلا تأخذوا علم الحلال والحرام إلا من المشهورين بالعلم خاصة علم الحديث([38]).
وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: (إنما هذا الحديث دين، فانظروا عمن تأخذونه)([39]).
وعن أنس بن سيرين رحمه الله قال: (اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث، فإنها من دينكم) ([40]).
قلت: فلا بد من التثبت من الأحاديث التي تروى في الكتب، هل هي صحيحة أو ضعيفة؟!، لأن هذه الأحاديث من الدين، فمن تعبد الله تعالى بالأحاديث الصحيحة نجا، ومن تعبد الله تعالى بالأحاديث الضعيفة هلك.
وقال الإمام أبو الزناد رحمه الله: (أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله).
أثر حسن.
أخرجه مسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ص24) من طريق نصر بن علي الجهضمي حدثنا الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن سفيان الثوري رحمه الله قال: (لو هم رجل أن يكذب في الحديث، وهو في بيت في جوف بيت، لأظهر الله عليه) ([41]).
قلت: لذلك أحذر الأحاديث الضعيفة الغريبة في أسانيدها، ومتونها، وألفاظها التي تذكر في الكتب، والمطويات، والجرائد، والأشرطة، فإنها مهلكة في الدين.
فعن الإمام إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (كانوا يكرهون غريب الكلام، وغريب الحديث) ([42]).
قلت: ومراد النخعي رحمه الله بالأحاديث الغريبة المنكرة، وشاذة([43]) في أسانيدها، وألفاظها، فيحرم روايتها للمسلمين.
وقال أحمد بن عقبة: سمعت يحيى بن معين يقول: (من لم يكن سمحا في الحديث كان كذابا، قيل له: وكيف يكون سمحا؟ قال: إذا شك في الحديث تركه) ([44]).
وقال الشافعي رحمه الله: (كان مالك إذا شك في شيء من الحديث تركه كله) ([45]).
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الكفاية)) (ج1 ص421): (وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كتب الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ منروايات المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا، والثابت مصدوفا عنه مطرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من أسلافنا الماضين).اهـ
وعن الإمام أبي يوسف القاضي رحمه الله قال: (من اتبع غريب الحديث كذب) ([46]).
وقال أبوبكر محمد بن الطيب قال: (ومن عرف بوضع حديث واحد على رسول الله r رد خبره، وبطلت شهادته، ومن عرف بكثرة السهو والغفلة، وقلة الضبط رد حديثه، ويرد خبر من عرف بالتساهل في حديث رسول الله r)([47]).
وقال ابن عبدالهادي رحمه الله في ((سير الحاث)) (ص91): (وفي هذا الباب شيء كثير لعدم جواز العمل بالغريب، وغير المشهور).اهـ
وعن الإمام سعد بن إبراهيم القرشي رحمه الله قال: (لا يحدث عن رسول الله r إلا الثقات) ([48]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج7 ص37): (الإسناد من خصائص هذه الأمة، وهو من خصائص الإسلام، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة).اهـ
قال ابن حبان رحمه الله في ((المجروحين)) (ج1 ص29): (ما كلف الله عباده أخذ الدين عمن ليس بثقة، ولا أمرهم بالانقياد للحجاج بمن ليس بعدل مرضي).اهـ
وقال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: (الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء) ([49]).
وقال اللكنوي الهندي رحمه الله في ((الأجوبة الفاضلة)) (ص21): (الإسناد مطلوب في الدين، قد رغبت إليه أئمة الشرع المتين، وجعلوه من خصائص أمة سيد المرسلين، وحكموا عليه بكونه سنة من سنن الدين).اهـ
وقال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الكفاية)) (ج1 ص141): (فوجب بذلك النظر في أحوال المحدثين، والتفتيش عن أمور الناقلين، احتياطا للدين، وحفظا للشريعة من تلبيس الملحدين).أهـ
وقال الإمام عمرو الناقد رحمه الله: (دين محمد r لا يحتمل الدنس: يعني الكذب) ([50]).
وقال عبدة بن سليمان: قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟، قال: (يعيش لها الجهابذة) ([51]).
قلت: والعبد ليعمل العمل الحسن فما يزال يعجبه من نفسه حتى يهلك به.
قال ابن حبان رحمه الله في ((المجروحين)) (ج1 ص31): (فرسان هذا العلم الذين حفظوا على المسلمين الدين، وهدوهم إلى الصراط المستقيم، الذين آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الديار والأوطان في طلب السنن في الأمصار، وجمعها بالوجل والأسفار والدوران في جميع الأقطار، حتى إن أحدهم ليرحل في الحديث الواحد الفراسخ البعيدة، وفي الكلمة الواحدة الأيام الكثيرة لئلا يدخل مضل في السنن شيئا يضل به، وإن فعل فهم الذابون عن رسول الله r ذلك الكذب، والقائمون بنصرة الدين).اهـ
وقال ابن حبان رحمه الله في ((المجروحين)) (ج1 ص35): (فهذه عناية هذه الطائفة –يعني أهل الحديث- بحفظ السنن على المسلمين، وذب الكذب عن رسول الله r، ولولاهم لتغيرت الأحكام عن سننها حتى لم يكن يعرف أحد صحيحها من سقيمها).اهـ
قلت: وقد قيض الله تعالى في كل عصر رجالا اختارهم للقيام بهذه المهمة الشريفة. فتنبه.
وعن الإمام زهير بن معاوية رحمه الله قال: (ينبغي للرجل أن يدع رواية غريب الحديث). وفي رواية: (ينبغي للرجل أن يتوقى رواية غريب الحديث)([52]).
عن الإمام يحيى بن سعيد القطان رحمه الله قال: (لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد، وإلا فلا تغتر بالحديث، إذا لم يصح الإسناد) ([53]).
قلت: فشر الأحاديث، الأحاديث المنكرة في أسانيدها، ومتونها، وألفاظها، فهذه لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها في الدين، وإن صححها بعض أهل العلم، أو صدرت منهم، لأنهم بشر، ومن طبيعة البشر أنهم يخطئون ويصيبون، فافهم لهذا ترشد.
قلت: وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان، ليس لهم إلا أراء الرجال أصابوا، أم أخطئوا، ألا أن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبين، أو بين له الحق، فهذا لا يعذر، فانتبه.
قلت: وقد وردت أقوال أهل العلم تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم بهذه الطريقة المذمومة، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم، وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها([54]).
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) (ج1 ص15): (ما وقع التصريح –يعني عن الحديث- بصحته أو حسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه لم يجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم لم يجز العمل به، إلا بعد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك).اهـ
قلت: فإذا سمعت أهل الحديث يقولون هذا حديث غريب([55])، فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من الراوي، فاحذره اللهم غفرا([56]).
لذلك يجب على المؤلف أن يستعين بأهل الحديث في معرفة ما صح من الأحاديث وما ضعف منها، وإن لم يفعل فادخل في مؤلفاته شر العلم، فيجب التحذير منها.
فعن الإمام وكيع بن الجراح: (رأيت زائدة بن قدامة يعرض كتبه على سفيان الثوري). أي ليصححها.
أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1449) من طريق هشيم بن خلف الدوري نا محمود بن غيلان نا وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه قبيصة قال: (رأيت زائدة يعرض كتبه على سفيان الثوري).
أخرجه ابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص48) من طريق محمد بن المنذر قال: حدثنا السري بن يحيى قال: سمعت قبيصة به.
وإسناده حسن.
قال الإمام يحيى بن أبي كثير رحمه الله: (من كتب ولم يعارض، كمن دخل الخلاء ولم يستنج) ([57]).
وقال هشام بن حسان: (رأيت أيوب السختياني يقوم لهم كتبهم بيده)([58]).
وعن جرير بن حازم عن أيوب السختياني قال: قلت له: (كنت تكره أن تكتب الأحاديث عنك، ثم أراهم اليوم يعرضون الكتب عليك فتقومها لهم، فقال : إني على رأيي الأول، ولكن لما كتبوا عني كان أن يعرضوها علي فأقومها لهم أحب إلي من أن أدعها في أيديهم، يعني يقول: لا يكتبوا عني الخطأ)([59]).
قال يعقوب بن أحمد الأديب لنفسه :
كم من كتاب قد تصفحته وقلت في نفسي صححته
ثم إذا طالعته ثانيا رأيت تصحيفا فأصلحته([60])
قال أبو زرعة عبدالرحمن بن عمرو: سمعت عفان بن مسلم يقول: سمعت حماد بن سلمة يقول لأصحاب الحديث: (ويحكم غيروا -يعني قيدوا واضبطوا-) قال أبو زرعة: ورأيت عفان يحض أصحاب الحديث على الضبط والتغيير، ليصححوا ما أخذوا عنه من الحديث) ([61]).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة)([62]).
وقال الإمام أبونعيم الفضل بن دكين رحمه الله: (إذا رأيت كتاب صاحب الحديث مشججا -يعني كثير التغيير- فأقرب به من الصحة)([63]).
وقال سليمان بن إسحاق الجلاب: سمعت إبراهيم الحربي يقول: (لزمت أحمد بن حنبل سنتين، فكان إذا خرج يحدثنا يخرج معه محبرة مجلدة بجلد أحمر، وقلما، فإذا مر به السقط في كتابه أصلحه، تورعا أن يأخذ من محبرة أحد شيئا) ([64]).
وقال الإمام أبوزرعة الرازي: (أنا أصلح كتابي من أصحاب الحديث إلى اليوم)([65]).
وعن الإمام الشافعي رحمه الله قال: (لقد ألفت هذه الكتب، ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول ((ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)) [النساء:82]، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة، فقد رجعت عنه).
أثر حسن
أخرجه ابن حجر في ((توالي التأنيس)) (ص107) من طريق عثمان بن محمد بن شاذان حدثنا أحمد بن عثمان ثنا محمد بن الحسن ثنا يحيى بن عبدالباقي ثنا محمد بن عامر عن البويطي قال: سمعت الشافعي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن الربيع بن سليمان قال: (قرأت ((كتاب الرسالة المصرية)) على الشافعي نيفا وثلاثين مرة؛ فما من مرة إلا كان يصححه، ثم قال الشافعي في آخره: أبى الله أن يكون كتاب صحيح غير كتابه، قال الشافعي: يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء:82]).
أثر حسن.
أخرجه البيهقي في ((مناقب الشافعي)) (ج2 ص36) من طريق أبي عبدالرحمن السلمي قال: سمعت أبا الحسن القصار الفقيه يقول: سمعت ابن أبي حاتم يقول: سمعت الربيع بن سليمان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فعرض الكتاب للتصحيح من منهج السلف، لإتقانه، وإصلاح ما فيه من الخطأ.
وقد بوب الحافظ الخطيب البغدادي في ((الجامع)) (ج2 ص190): (المعارضة بالمجلس المكتوب، وإتقانه وإصلاح ما أفسد منه زيغ القلم وطغيانه).
قلت: فيجب على المؤلفين كلهم عرض كتبهم على أهل الحديث لتصحيحها، وتمييز ما فيها من الأحاديث من ناحية الصحة أو الضعف، فإذا أصروا إلا المضي بها على ما هي عليه بدون عرضها على أهل الحديث على ما فيها من أحاديث ضعيفة، فيجب نقدها علانية أمام الملأ ليتجنب الناس ما فيها من أخطاء في الأحاديث وغيرها، اللهم سدد سدد.
قال الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله: (لا يكون الرجل عالما حتى يكتب عمن هو فوقه ، وعمن هو دونه، وعمن هو مثله)([66]) وفي رواية: (لا يكون الرجل عالما حتى يسمع...).
قلت: وهكذا نرى أنه بالرغم من ضبط واتقان الأئمة للأحاديث، إلا أنهم وقع في رواياتهم الكثير مما ينبغي التنبيه عليه، من اختلاف اللفظ، والرواية، أو وهم واضح، ولم تشفع لهم شهرتهم ومكانتهم من أن تعد أخطاؤهم، وتودع في مصنفات، ليجتنبها الناس([67]).
قلت: فلا يذهبن الوهل بأحد من المسلمين، فيظن أن العالم لا يخطئ، ولذا يقول –بسبب جهله- فلا داعي للبحث في كتبه، وأحاديثه، ومحاكمتها، فالحق أن النجاة من الوهم والخطأ عسيرة، والله المستعان.
قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: (ليس يكاد يفلت من الغلط أحد)([68]).
وقال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص117): (إن لم يكن الراوي من أهل المعرفة بالحديث وعلله، واختلاف وجوهه وطرقه، وغير ذلك من أنواع علومه، فينبغي له أن يستعين ببعض حفاظ وقته في تخريج الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه، فقد كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك).اهـ
وقال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص118): (وإن أحب الراوي خرج أحاديث المجلس لنفسه ونقلها من أصوله إلى فرعه بخطه، ثم عرضها على من يثق بمعرفته وفهمه، ليصلح خللا إن وجده فيها ويتلافى من الأخطئة ما أمكن تلافيها).اهـ
قلت: فعلى المؤلف أن يتذاكر الأحاديث التي يكتبها في كتبه مع من هو أعلم منه في علم الحديث سواء كان الأعلم كبيرا أو صغيرا، وهذا هو طريق العلم الذي به يبرأ المؤلف من الإثم في الدنيا والآخرة.
قلت: ولما كان الخطأ، والغفلة من طبيعة بني آدم، أفرد بعض أهل الحديث مصنفات خاصة بأوهام العلماء، صونا للعلم، والدين عن الغلط، لا ذما للعلماء، ومن ذلك كتاب: ((الموضح لأوهام الجمع والتفريق)) للحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ص18): (وعامة الكتب تحتاج إلى نقد وتمييز، كالمصنفات في سائر العلوم من الأصول والفروع وغير ذلك، فإن الفقهاء قد وضعوا في الفقه أشياء كثيرة من الموضوعات والضعاف).اهـ
قلت: ومع ذلك كله، فإن تلك الأخطاء من العلماء لا توجب الطعن عليهم، ولا الحط من منزلتهم.
قال العسكري رحمه الله في ((تصحيفات المحدثين)) (ج1 ص5): (وبدأت بذكر جملة من أخبار المصحفين، وبعض ما وهم فيه العلماء غير قاصد للطعن على أحد منهم، ولا الوضع منه، وما يسلم أحد من زلة([69])، ولا خطأ إلا من عصم الله).اهـ
وبكل حال، فالخطأ من أهل العلم الراسخين وارد مشهور، فضلا عن طلبته، وهذا من طبيعة البشر، ورب البشر أعلم بضعف عباده، كما قال تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) [النساء:28]، وقد تجاوز عن عباده في الخطأ والنسيان: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا). [البقرة:286]، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: (قد فعلت) ([70]).
قال ابن طاهر رحمه الله في ((المؤتلف والمختلف)) (ص2): (فرحم الله امرءا أنصف من نفسه، وانتصف من خصمه، فليس يسلم أحد من سهو وخطأ، والله بمنه، وفضله يوفقنا للصواب فيما قصدنا له، إنه ولي الإجابة).اهـ
سئل ابن حجر الهيتمي: عن خطيب يرقى المنبر في كل جمعة ويروي أحاديث كثيرة ولم يبين مخرجيها ولا رواتها،... ومن أحوال هذا الخطيب أن له مكسا على ما يدخل بلده من البطيخ والخضر ونحو ذلك،... وله أحوال أخرى تشابه ما ذكر ، وهو مع ذلك يدعي رفعة في العلم وسموا في الدين ، فما الذي يجب عليه وما الذي يلزمه إن استحل ذلك أو لم يستحله ؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب بقوله: (ما ذكره من الأحاديث في خطبة من غير أن يبين رواتها أو من ذكرها فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث أو ينقلها من كتاب مؤلفة كذلك ، وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث أو في خطب ليس مؤلفها كذلك فلا يحل ذلك ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد ، وهذا حال أكثر الخطباء فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا ، فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطبائها عن ذلك ، وجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه ،،،،، وجاز لولي الأمر - أيد الله به الدين- أن يعزله من وظيفة الخطابة زجرا له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق ، ولو كان عند هذا الخطيب علم لعدل عن هذه الرواية) ([71]).
[1]) قلت: ولو أبيح مثل هذا المبدأ في إيراد الأحاديث على هذه الطريقة بدعوى الغاية الحسنة في تصحيح الأحاديث، لارتفع الأمان عن السنة المطهرة لاحتمال أن يكون كل حديث منها من ذلك السبيل!.
[2])قلت: وهكذا نجد أي مؤلف يورد في كتبه بعض الأحاديث على هذه الطريقة، وهي غريبة، أو ضعيفة، أو منكرة دون أن ينبه عليها، فلا يجوز للمسلم أن يعتمد عليها، لأنها ضعيفة لا يحتج بها، والله المستعان.
[3]) قلت: ومنهم من يذكر هذه الأحاديث الضعيفة، ويجعل العهدة على العالم المصحح!.
وربما جمع بابا من الأحاديث الصحيحة، والضعيفة، ويجعل العهدة على العالم المصحح!.
قلت: وهو لايسلم فيها المسئولية أمام الله تعالى في الدنيا والآخرة.
[4])بل والتعصب لمؤلف، أو بلد، أو مذهب، أو عالم، يترتب من جرائه التساهل في ذكر الأحاديث الضعيفة، لنصرة ما تعصب له. اللهم غفرا.
[5]) انظر: ((مقدمة صحيح الجامع)) (ج1 ص50).
[6]) قلت: ولا تبرأ الذمة إلا بعد السؤال عنها من قبل أهل الصنعة، وهم أهل الحديث، لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل:43].
وما دام هم لا يعلمون بعلم علوم الحديث، فيجب عليهم سؤال أهل العلم، للبراءة أمام الله تعالى يوم القيامة.
لذلك لايجوز طباعة كتاب ونشره إلا بعد العلم بصحة الأحاديث التي فيه جملة وتفصيلا.
ومن هنا يجب على المؤلفين أن لا ينشروا الأحاديث إلا بعد العلم بصحتها براءة للذمة في الدنيا والآخرة.
[7]) قلت: وهذه بلية، وآفة بائقة منيت بها الأمة الإسلامية –لاسيما في الآونة الأخيرة- لبعد أفرادها عن الدين، ومصادره الحديثية.
ومما لا يخفى على أحد أن الأحاديث الضعيفة –بجميع أقسامها- قد عملت في الأمة الإسلامية عملا سيئا، فقد انحرفت عبادة كثير من المسلمين بسبب تلكم الأحاديث الضعيفة، والله المستعان.
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((مقدمة صحيح الترغيب)) (ص23): (والحقيقة أن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الإبتداع في الدين، فإن كثيرا من العبادات، التي عليها كثير منهم اليوم إنما أصلها اعتمادهم على الأحاديث الواهية، بل الموضوعة).اهـ
[8]) قلت: فلا يحكم على الحاديث بالصحة، أو الضعف إلا من جمع الأدلة ونظر في عللها، وألفاظها، وأسانيدها، وله دراية ورواية فيها.
فأما من لم يتم له ذلك، ولم يكن عالما بما وصفنا فلا يحل له أن يحكم على الأحاديث، بالصحة أو الضعف.
فمن لا خبرة له فيها، فلا يجوز له الإقدام عليها، فمن أقدم فهو آثم، وله وعيد شديد في الدنيا والأخرة.
[9]) وهؤلاء لا يعتد بمؤلفاتهم عند أولي النهى، فما يقع في مؤلفاتهم من ثناء القصاص والوعاظ عليها، بل وثناء الرعاع من العامة لا يعتد به، وهؤلاء ليسوا بحجة في الدين، ولا يقبل ثناءهم على هذه المؤلفات لأن ثناءهم من غير علم بما فيها من خلل في الأحاديث وغيرها.
قلت: والمقصود أن على أمثال هؤلاء أن لا يركبوا رؤوسهم، فيقلدوا العلم في كل ما صححه، أو حسنه، وهذا هوى النفس والتشهي.
[10]) أي ذلك العالم المميز بين الصحيح، والضعيف.
[11]) نقله العلامة علي القاري في ((المرقاة شرح المشكاة)) (ج1 ص21).
[12])قلت: لأن مؤلفيها انصرفوا عن الاشتغال بعلم الحديث، فيوردون فيها أثناء كلامهم أحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها منكر، أو موضوع.
[13]) والبعض! لا يتحاشى عن النقل من كل كتاب، وعن كل من هب ودب!.
وهذا القصور في البحث عن تخريج الأحاديث، ففيها ما فيها مما لا يليق بمثلهم، ولا يصح أن يقولوا صححه فلان تقليدا له بدون تثبت، والله المستعان.
[14])انظر: ((من الزيادات الضعيفة في المتون الصحيحة)) للسدحان (ص5).
قلت: وقد حذر النبي r أمته من التساهل في هذا الباب، وبين لها عواقب من فرط في أمره، وعدل عن الحق والصواب في نقله.
.
[15])أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج11 ص26)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج3 ص1694).
[16])أثر صحيح.
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (406) و(3006)، وابن ماجه في ((سننه)) (1395)، وأحمد في ((المسند)) (47) و(56)، والحميدي في ((المسند)) (1)، والبغوي في ((شرح السنة)) (1015).
وإسناده صحيح.
[17])أثر صحيح.
أخرجه مسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ج1 ص15). وإسناده صحيح.
[18]) وانظر: ((معرفة علوم الحديث)) للحاكم (ص133)، و((تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار)) لابن الوزير (ص138).
[19]) أثر صحيح.
أخرجه الحاكم في ((معرفة علوم الحديث)) (ص135). وإسناده صحيح.
[20]) وانظر: ((معرفة علوم الحديث)) للحاكم (ص134).
[21])قلت: لأن من ليس الحديث صناعته عند الرجوع إليه –حتى لو كان عالما- يتوهم أنه صحيح، وهو ليس كذلك، وربما اشتبه عليه صحة الحديث، فيقلد غيره في صحته، فيقع في حديث ضعيف، اللهم غفرا.
قلت: حتى يخيل له أن ذلك الحديث من قسم الصحيح، والله المستعان.
[22]) وقد نبه أهل العلم على هذا الأمر.
[23])قلت: حتى منهم تراه إذا روى حديثا جاء على مشربه بالغ في تقويته كل المبالغة، وهب لتقويته، وتفخيم شأنه بكل ما أوتيه من براعة بيان، حتى يخيل للقارئ أن ذلك الحديث من قسم الصحيح!، والله المستعان.
[24])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (514)، وابن ناصر الدين في ((إتحاف السالك)) (ص128 و129)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص103) من طرق عن إبراهيم بن المنذر حدثني معن بن عيسى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[25])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (496)، وأبو نعيم في ((المستخرج)) (43) من طريق أحمد بن ملاعب بن حبان قال سمعت أبا نعيم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[26]) أي من لم يخف يقع في الحديث الضعيف ولا بد.
[27])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (504) من طريق أبي عبدالله بن الحسين بن إسماعيل المحاملي ثنا فضل الله سهيل قال: سمعت أحمد بن حنبل وعلي بن عبدالله بن المديني يقولان فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[28])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (505)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج9 ص4) من طريق عبدالرحمن بن محمد بن سلم حدثنا عبدالرحمن بن عمر رسته قال: سمعت عبدالرحمن بن مهدي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[29]) فقد كان كتاب الفرائض لمحمد سالم فيه الشيء الصحيح، ومع ذلك حذر منه عمرو بن علي.
وانظر: ((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (ج7 ص272).
[30]) قلت: وإن كانوا علماء لكنهم ليسوا أهلا في تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فافهم لهذا ترشد.
[31]) قلت: فيجب أن يؤخذ الحديث من صاحب حديث، وإن كان صغيرا، كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله.
لذلك نقول للعلماء من كبار السن الذين لم يوفقوا في معرفة الحديث الصحيح من السقيم أن يسئلوا علماء الحديث، وإن كانوا صغار السن عن الأحاديث التي يوردونها في مؤلفاتهم، وخطبهم، ودروسهم، وهذا أنفع لهم وللمسلمين، والله ولي التوفيق.
قلت: وأما الاستمرار في ذكر الأحاديث الضعيفة في الكتب، والخطب، والدروس بدون السؤال عنها، أو معرفة هل هي صحيحة أو ضعيفة؟!، فليس طريق السلف الصالح والله المستعان.
[32]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (484)، والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج1 ص675) من طريق محمد بن أبي زكير قال: قال ابن وهب فذكره.
قلت: وهذا سنده حسن.
[33])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (480)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (129 و133)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص28)، وأبو القاسم البغوي في ((الجعديات)) (28)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص166)، والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (158) من طريقين عن بقية بن الوليد قال: سمعت شعبة بن الحجاج به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[34])أثر حسن.
أخرجه الرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (420)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص28)، والخطيب في ((الكفاية)) (481)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص160) من طرق عن إبراهيم بن المنذر ثنا أيوب بن واصل قال: سمعت ابن عون به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[35])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (479)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص28)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص153)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج36 ص58) من طريقين عن الوليد بن مسلم قال: سمعت عبدالرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[36])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (477)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (ج3 ص307)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج6 ص303)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج5 ص1745) من طرق عن صالح بن أحمد ثنا علي بن المديني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[37])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) ( 475 و303)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (171)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (418)، وابن شاهين في ((الضعفاء)) (ص41)، وابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص77)، وابن ناصر الدين في ((إتحاف السالك)) (ص128 و129)، والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج1 ص684)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (ج1 ص13)، والحاكم في ((المدخل إلى الإكليل)) (28)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص103)، وعياض في ((الإلمام)) (ص60)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج1 ص66)، وفي ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص48) من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أخبرنا معن بن عيسى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه سعيد بن داود عن مالك بن أنس به.
أخرجه الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (1891 و3053).
[38]) قلت: ومن حذر منه أهل الحديث، فلا تأخذوا عنه أحكام الدين، والله المستعان.
قال الإمام وكيع بن الجراح رحمه الله: (ويل للمحدث إذا استضعفه أصحاب الحديث).
أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (367)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (172 و173) من طرق عن وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[39])أثر صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص112)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (ج7 ص194)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (846)، وفي ((الكفاية)) (319) و(320) و(322)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص15)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (437) و(438) و(445)، والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (150)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج2 ص278)، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (ج1 ص145)، وابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص21)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص156)، والهروي في ((ذم الكلام)) (1381)، ومسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ج1 ص84)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج1 ص46)، وابن شاهين في ((الضعفاء)) (ص40) من طرق عن محمد بن سيرين به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[40]) أثر حسن.
أخرجه ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج1 ص15)، والخطيب في ((الكفاية)) (321)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (142)، وابن حبان في ((المجروحين)) (ج2 ص22)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (440) من طرق عن محمد بن إسماعيل السكري قال حدثنا حماد بن زيد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[41]) أثر صحيح.
أخرجه الهروي في ((ذم الكلام)) (913 و915)، وابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص21)، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (ج1 ص38)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (218) و(219)، والحاكم في ((المدخل إلى الإكليل)) (38) من طرق عن سفيان الثوري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[42]) أثر صحيح.
أخرجه الرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (774)، والخطيب في ((شرف أصحاب الحديث)) (260)، وفي ((الكفاية)) (396)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1331)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج5 ص300)، وأبو داود في ((الرسالة)) (ص29)، والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (164) من طريق الأعمش وابن عون عن إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن عبدالهادي الحنبلي في ((سير الحاث)) (19).
[43]) قلت: والذي يتساهل في مؤلفاته وينقل للمسلمين فيها أي حديث بدون معرفة لصحته، أو ضعفه، ويكثر من ذلك بدون أن يسمع نصيحة أهل الحديث في ترك الأحاديث الضعيفة، فهذا يعتبر شاذا في الدين، فلا يجوز للعامة أن ينظروا في كتبه، إلا على سبيل نقدها من قبل أهل العلم.
فعن الإمام شعبة بن الحجاج رحمه الله قال: (لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ).
أثر صحيح.
أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص81)، والخطيب في ((الكفاية)) (395) من طريق أبي الفتح نصر قال: سمعت ابن علية قال: قال شعبة بن الحجاج به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[44]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (732)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص132)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج65 ص29) من طريق محمد بن ثابت ثنا موسى بن حمدون قال: سمعت أحمد بن عقبة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[45]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (733)، والبيهقي في ((مناقب الشافعي)) (ج1 ص503)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج1 ص114)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج1 ص63) من طرق عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[47]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (443) من طريق محمد بن عبيد الله المالكي أنه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[48]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (52) و(53)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1667)، ومسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ج1 ص87)، والدارمي في ((السنن)) (ج1 ص112)، وابن شاهين في ((الثقات)) (ص364 و366)، وأبو القاسم البغوي في ((الجعديات)) (1531)، وأبو زرعة في ((التاريخ)) (1483)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (ج1 ص22)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص31)،والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (ج1 ص148)، والبيهقي في ((مناقب الشافعي)) (ج2 ص33) من طرق عن سعد بن إبراهيم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[49]) أثر صحيح.
أخرجه ابن حبان في ((المجروحين)) (ج1 ص30)، والعلائي في ((بغية الملتمس)) (ص37)، ومسلم في ((مقدمة صحيحه)) (ج1 ص15)، وابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص16)، والترمذي في ((العلل الصغير)) (ج5 ص740)، والخطيب في ((الكفاية)) (1229)، وفي ((تاريخ بغداد)) (ج6 ص166)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1702)، وفي ((شرف أصحاب الحديث)) (ص86)، وابن الصلاح في ((علوم الحديث)) (ص128)،والحاكم في ((المعرفة)) (ص6)، وفي ((المدخل إلى الإكليل)) (32)، والقاضي عياض في ((الإلمام)) (ص194)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج4 ص214)، والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (66)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (99)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج1 ص56)، والذهبي في ((السير)) (ج17 ص224)، وفي ((تذكرة الحفاظ)) (ج3 ص1054) من طرق عن ابن المبارك به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[50]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (63) من طريق علي بن عمر الحافظ ثنا محمد بن مخلد نا محمد بن غالب تمتام قال: سمعت عمرا الناقد يقول فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[51]) أثر صحيح.
أخرجه ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص18)، والناجي في ((الرسالة)) (ص21)، والخطيب في ((الكفاية)) (66) من طريق ابي حاتم اخبرني عبدة بن سليمان قال...فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[52]) أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (403)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1327)، والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (768)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص161)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (ج4 ص214) من طرق عن عمرو بن خالد قال: سمعت زهير بن معاوية به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[53]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1336) من طريق محمد بن عبدالله بن خميرويه أنا الحسين بن إدريس نا ابن عمار قال: قال يحيى بن سعيد القطان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[54])وانظر: ((هداية السلطان)) للمعصومي (ص19)، وكتابي: ((الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد))، والله ولي التوفيق.
[55])وهو غير مألوف عند أهل الحديث، وهو مرغوب عند العامة الذين يعجبون بما يجهلون، ويرون فيها الندرة.
[56])وانظر: ((تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين)) لابن شاهين (ص39).
[57])أثر صحيح.
أخرجه الرامهرمزي في ((المحدث الفاصل)) (270)، والسمعاني في ((أدب الإملاء)) (ج1 ص368)، والخطيب في ((الكفاية)) (749)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (578)، والدنيوري في ((المجالسة)) (2275)، وابن عبدالبر في ((الجامع)) (450) من طريقين عن أبان بن يزيد العطار ثنا يحيى بن أبي كثير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[58])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (759) من طريق أبي بشر بكر بن خلف ثنا معاذ حدثني هشام بن حسان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[59]) أثر صحيح.
أخرجه عبدالله بن أحمد في ((العلل وعرفة الرجال)) (120)، والخطيب في ((الكفاية)) (760) من طريق حسين بن محمد بن الحسن ثنا جرير بن حازم به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[60]) ((الكفاية في معرفة أصول علم الرواية)) للخطيب (ج2 ص146).
[61])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (765)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (587)، والقاضي عياض في ((الإلماع)) (ص154) من طريقين عن أبي زرعة الدمشقي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[62])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (ص242)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (592)، وابن أبي حاتم في ((آداب الشافعي)) (ص134)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج9 ص144)، والبيهقي في ((مناقب الشافعي)) (ج2 ص36) من طريقين عن أحمد بن عبدالرحمن بن وهب قال: قال الشافعي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن جماعة في ((تذكرة السامع)) (ص173).
[63])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (767)، وفي ((الجامع لأخلاق الراوي)) (593)، من طريق محمد بن خلف التيمي قال حدثني محمد بن كرامه العجلي قال: سمعت أبا نعيم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[64])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (797) من طريق أحمد بن محمد الرويان ثنا محمد بن العباس الخزاز أنا سليمان بن إسحاق الجلاب به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[65])أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (800) من طريق أبي الحسن علي بن حمزة المؤذن قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الدقاق يقول: سمعت الحسن بن عثمان يقول: سمعت أبا زرعة الرازي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
[66])أثر صحيح.
أخرجه الخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (1713) و(1714) من طريقين عن وكيع بن الجراح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
[67]) لذلك لا نسلم لأحد من أهل العلم في كل ما يقوله في كتبه، فلا بد من النظر فيها ثم الحكم عليها، لأن الأمر دين، والله المستعان.
[68]) أثر حسن.
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (408) من طريق عمر بن محمد بن الحكم النسائي ثنا أبو الهمام الوليد بن شجاع قال: سمعت الأشجعي يذكر عن سفيان الثوري به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره المزي في ((تهذيب الكمال)) (ج1 ص161).
[69]) قلت: فمن ذا الذي يسلم من الخطأ.
[70]) أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (184) من حديث ابن عباس t.
[71]) انظر: ((الفتاوى الحديثية)) له (ص79).