الرئيسية / سلسلة من النقد العلمي المنهجي / المفهم في نقد كتاب حصن المسلم 1
المفهم في نقد كتاب حصن المسلم 1
المفهم
في
نقد كتاب حصن المسلم
حوار أثري
لبيان الأحاديث الضعيفة التي في كتاب:
حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة
للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
تأليف
فضيلة الشيخ أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة والتوفيق
توطئة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه ومن أهتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد،
فإن سبب تأليفي لهذا الكتاب أن طلبة العلم من داخل مملكتنا البحرين وخارجها أكثروا علي السؤالات عن الأحاديث الواردة في كتاب: (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة) لمؤلفه الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني وفقه الله، للتعرف عليها جملة من ناحية صحتها، أو ضعفها، وهي من الأحاديث المأثورة عن رسول الله r في الأذكار والدعية الموظفة على أعمال الليل والنهار.
والمؤلف قد ضرب بسهم وافر في هذا العلم في كتابه المذكور، فاختصره من كتابه الكبير: (الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة)، ولكن الله تعالى أبى أيتم إلا كتابه الكريم، فلم يسلم هذا الكتاب من الأحاديث الضعيفة مما يعتري عمل العبد من نقص، وأوهام في بعض الأحاديث.
فوجهت همتي لتخريج أحاديثه، والذي دفعني للقيام بهذا العمل الحديثي كثرة تداول هذا الكتاب بين المسلمين([1])، وهو من الكتب المفيدة لهم، ومن المختصرات للأحاديث النبوية في الأذكار والأدعية، ومن أكثر المختصرات تداولا لصغر حجمه، وسهولة قراءته، وحفظه، وحمله في الأسفار([2]).
لذا أجبت طلبة العلم على سؤالاتهم، وقمت بتخريج أحاديث الكتاب تخريجا علميا، وقد بالغت في شرحها في الإيضاح والتوجيه، ونبهت على خبايا، وزوايا في أثناء الشرح، لأن أصحاب الحديث هم أدرى بما فيها من خلل، وعلل على ترتيب ابتكرته، وسبيل انتهجته، مع ما ضممته إليه من الفرائد، والفوائد الحديثية واللغوية، ليتضح ما خفي على المبتدئين من المعاني العلمية.
وقد ظهر لي أن المؤلف وفقه الله في إيراده للأحاديث على هذه الصورة، وبهذه الطريقة تقليدا ليس من أصحاب علم الحديث، ومن أصحاب هذا الشأن، فهو يورد الأحاديث عزوا إلى مصادرها الأصلية تقليدا منه في تصحيح بعض أهل العلم لها بدون تثبت فيها، منهم: الحافظ المنذري، والحافظ الهيثمي، والحافظ ابن حجر، والشيخ اللباني رحمهم الله، وغيرهم([3]).
قال خالد بن خداش رحمه الله:لما ودعت مالك بن أنس قال لي: (اتق الله، وانظر ممن تأخذ هذا الشأن). يعني الحديث.
أثر صحيح
أخرجه الخطيب في ((الكفاية)) (ص124)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج5 ص181)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج6 ص319) من طرق عن خالد بن خداش به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره القاضي عياض في ((ترتيب المدارك)) (ج2 ص68).
قلت: وفي الواقع أن الأحاديث التي ذكرها في كتابه منها الصحيح، ومنها الضعيف، بل ومنها المنكر.
قلت: ولما كان معرفة صحيح الأحاديث من ضعيفها عند قراءة أي كتاب أمرا مهما، بل واجبا، وقد لا يملك بعضهم([4]) معرفة الصحيح من الضعيف منها([5])، فحرصت فيه أن أكشف عن مرتبة الحديث من حيث الصحة والضعف، لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه على شرط أهل الحديث في نقد الأحاديث جملة وتفصيلا، لأحل رموزها، وأوضح عللها، وأفتح كنوزها، ويوضح ما خفي على المبتدئ من ذلك.
قلت: لأن مما لا يخفى على أحد أن الأحاديث الضعيفة –بجميع أقسامها- قد عملت في الأمة الإسلامية عملا سيئا، إما بنشرها تعمدا، وإما تقليدا في التصحيح، فيورد العبد أي حديث في مؤلفاته بعذر أن عالما قد صححه، أو حسنه تقليدا له بغير علم، والله المستعان.
قال الشيخ ناصر الدين اللباني رحمه الله في ((مقدمة صحيح الترغيب)) (ص23): (والحقيقة أن تساهل العلماء برواية الأحاديث الضعيفة ساكتين عنها قد كان من أكبر الأسباب القوية التي حملت الناس على الابتداع في الدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم).اهـ
قلت: لذلك فهذا التقليد غير نافع هنا، لأن التقليد هو أن يقلد غيره في قول، أو فعل من غير دليل، ولا نظر، ولا تثبت، ولا تأمل في قوله، أو فعله.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج2 ص192): (والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله، وبين زلة العالم ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولا بد، إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله). اهـ
قلت: فالشريعة الإسلامية تبين أن الخطأ والنقص والجهالة تعتور البشر على مختلف أشكالهم، وألوانهم، وفئاتهم، وأزمانهم... والعلم ليس مانعا لصاحبه من الخطأ، ولا مانعا لغيرها من الاحتساب عليه، فالعالم هناك من هو أعلم منه، كما أن هناك من انتفع بعلمه واتقى، وهناك من اغتر بعلمه فجهل واستعلى، فلاحتساب على العلماء حقيقة، واحتياجهم إليه واضح.
والعصمة غير ثابتة لأحد من البشر سوى من عصمه الله تعالى عن الوقوع في الخطأ، من الأنبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
والعلماء درجات ومنازل، ولقد أخذ الله سبحانه العهد والميثاق على العلماء أن يبينوا ما يحتاجه غيرهم من بيان، وأن يحملوا دين الله للناس، وعلى هذا سار علماؤنا الأجلاء يفيد كل واحد منهم الآخر فيما يحتاجه إليه من جهة، ويسدده في جوانب النقص التي عنده من جهة أخرى، ويبين له وجه الحق إذا خفي عليه.([6])
وإنكار أخطاء العلماء لا يقلل من قيمتهم ومكانتهم، قال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج3 ص283): (ومن له علم بالشرع، والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة، والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته من قلوب المسلمين). اهـ
فقلت: فحينئذ فرد المقالات الضعيفة، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية، ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه، ويمدحون فاعله، ويثنون عليه، فلا يكون داخلا في باب الغيبة بالكلية.
فلو فرض أن أحدا يكره إظهار خطئه المخالف للحق، فلا عبرة بكراهته لذلك، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفا لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة.
بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق، ومعرفة المسلمين له، سواء كان في موافقته، أو مخالفته.
وهذا من النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ودينه، وأئمة المسلمين، وعامتهم، وذلك هو الدين، كما أخبر النبي r بأن الدين النصيحة([7]).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((الفرق بين النصيحة والتعيير)) (ص26): (ومن عرف منه أنه أراد برده على العلماء النصيحة لله ورسوله، فإنه يجب أن يعامل بالإكرام، والإحترام، والتعظيم([8])،كسائر علماء المسلمين).اهـ
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((الفرق بين النصيحةوالتعيير)) (ص26): (وقد بالغ الأئمة الورعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء، وردها أبلغ الرد).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج11 ص434): (ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة، وبالنسخ أخرى، وهذا الدين لا ينسخ أبدا، لكن يكون فيه من يدخل من التحريف والتبديل، والكذب والكتمان ما يلبس به الحق من الباطل، ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفا عن الرسل، فينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين فيحق الله الحق، ويبطل الباطل، ولو كره المشركون).اهـ ولو كره الحزبيون!.
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في ((الرد على المخالف)) (ص21): ( ومن استقرأ الوحيين الشريفين رأى في مواقف الأنبياء مع أممهم، والمصلحين مع أهليهم، مواقف الحجاج والمجادلة، والرد على كل ضلالة ومخالفة، وهكذا ورثتهم من بعدهم على تطاول القرون). اهـ
قلت: فالآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر في زماننا قائم بالركن الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله به جميع المرسلين؛ لأنه عليه مدار أمر الدين، فهذا أتم شرف، وأكمل فضل.
قلت: وعاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا، والمنكر الآمر طريدا، والساكت المتحلي حبيبا، ولم يبق إلا القليل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ﴿ وقليل ما هم﴾ [ص:24]، يلحقون بأول هذه الأمة في جهادهم، ونصرهم دين الله، قال تعالى: ﴿يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لآئم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾ [المائدة:54].
وقال تعالى: ﴿وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ﴾ [الحج:78].
قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: (لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها، ولا تغتر بكثرة الهالكين).
أثر حسن.
أخرجه ابن عساكر في ((تبيين كذب المفتري)) (ص331) من طريق محمد بن أبي حمزة المروزي عن أحمد بن أيوب المطوعي قال: قال الحسن بن زياد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (ج1 ص297).
هذا والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1]) بل تداولوه بلغات كثيرة، والله المستعان.
[2]) فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم قارئ له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر، اللهم غفرا.
[3]) قلت: ولا يكون له عذر في تقليده لهؤلاء العلماء بهذه الطريقة بدون التفتيش التفصيلي للأحاديث، بل رأيته يبالغ في تقليده في تصحيح الأحاديث من هؤلاء العلماء في كتبه الأخرى، ولا يكاد يرجع عنها حتى لو تبينت له أنها ضعيفة، وهذا بين منه، مع معاملته مع المحقق في تخريجه للأحاديث التي في كتابه: (الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة)، فإنه يضعف بعض الأحاديث في الكتاب المذكور، ثم يعلق هو على التخريج بقوله: (لكن صححه فلان، أو حسنه فلان) رغم أن فلانا رجع عن تصحيحه لهذا الحديث، وهو لم يرجع، بل لم يتثبت في هذه الأحاديث طول هذه المدة.
وهكذا يبالغ في التقليد في كتبه الأخرى، وقد فصلت ذلك في المقدمة من هذا الكتاب فليرجه إليها.
[4]) ولا سيما عند من لاتمييز عنده من العوام للأحاديث الواردة في الكتاب.
[5]) فلا يجوز العمل بهذه الأحاديث إلا بعد التثبت من ثبوتها، لأن هذه الأحاديث من الدين، وأمرنا التثبت في الدين.
[6]) وانظر: كتابي ((الدرة الغراء في نصيحة المقلدين لزلات وأخطاء العلماء)) (ص26 و27)، والله ولي التوفيق.
[7]) انظر: ((الفرق بين النصيحة والتعيير)) لابن رجب (ص26).
[8]) فأين احترام من ينقد الأخطاء في الشريعة في هذا الزمان، بل لم يجد الاحترام ممن ينتسبون إلى العلم!، بل تراه يتغير وجهه مجرد ما يرى كتابا فيه رد على فلان من العلماء، أو غيرهم، والله المستعان.
قلت: فعاد الإسلام غريبا كما بدأ غريبا، اللهم سلم سلم.