الرئيسية / سلسلة الانتصار على المبتدعة / المرجئة السّادسة في ضوء الكتاب والسّنّة والآثار
المرجئة السّادسة في ضوء الكتاب والسّنّة والآثار
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب[ [آل عمران :179].
المقدّمة
إنّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله.
]ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون[ [آل عمران :102].
]ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام إنّ اللّه كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أمّا بعد،
فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد r، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار.
* فهذه لمحة عن الفرق الضّالة في هذا الزّمان الحاضر للحذر من شرّها، ومن محدثاتها، كما حذّر منها القرآن والسّنّة والسّلف.
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرّقوا[ [آل عمران: 103].
وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم [ [آل عمران: 105].
وقال تعالى: ]إنّ الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنّما أمرهم إلى اللّه ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام: 159].
وقال تعالى: ]فتقطّعوا أمرهم بينهم زبرا كلّ حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53].
قلت: فما جاء التّفرّق في القرآن؛ إلاّ مذموما، ومتوعّدا عليه، اللّهمّ سلّم.
قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرا[ [الأحزاب: 21].
وعن العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنّها موعظة مودّع فأوصنا، فقال: «أوصيكم بتقوى اللّه عزّ وجلّ والسّمع والطّاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، فإنّه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، عضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار»).([1])
قلت: وهذا الاعتصام بكتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه ه، والتّسليم لشرع الله تعالى هو العروة الوثقى المنجية من الهلاك.
قال تعالى: ]ومن يسلم وجهه إلى اللّه وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى اللّه عاقبة الأمور[ [الأحزاب: 21].
قال الإمام ابن القيّم / في «مدارج السّالكين» (ج1 ص460): (فالاعتصام بحبل اللّه يوجب له الهداية واتّباع الدّليل، والاعتصام باللّه، يوجب له القوّة والعدّة والسّلاح). اهـ
قلت: فأخبر النّبيّ ه أنّه سيكون هناك اختلاف وتفرّق، وأوصى عند ذلك بلزوم سنته ه ، ولوزم أمّة الإجابة.
قال أبو نعيم في «تثبيت الإمامة» (ص196): (فالجماعة الّتي أمر رسول اللّه ه وأصحابه بملازمتهم هم: الصّحابة والتّابعون من العلماء لا الجماعة الفسقة الجهلة الغاغة([2]) ...). اهـ
قلت: وما يخرج عن الصّراط المستقيم سبل لا حصر لها، ومن مال إليها خرج عن صراط الله بمقدار ذلك الميل، وقد صوّر ذلك لنا رسول الله ه أحسن تصوير.
فعن عبد اللّه بن مسعود t قال: (خطّ لنا رسول اللّه r خطّا ثمّ قال: هذا سبيل اللّه؛ ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه، وعن شماله ثمّ قال هذه سبل([3]) متفرّقة على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمّ قرأ ]إنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله[.([4])
قلت: فتعدّد السّبل الشّيطانيّة لا عصمة منه إلاّ التّمسّك بحبل الله تعالى الّذي هو كتابه ودينه، والّذي بعث به نبيّه المعصوم محمّد r فقام به بيانا، وتفصيلا بسنّته وهديه؛ فلم يقبضه ربّه إليه؛ إلاّ وقد أبان الحقّ من الباطل، وترك أمّته على البيضاء النّقيّة لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
قال العلّامة الشّاطبيّ / في «الاعتصام» (ج1 ص80): (فهذا التّفسير يدلّ على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختصّ ببدعة دون أخرى). اهـ
وعن عبد اللّه بن عمرو t، قال: قال رسول اللّه r: (إنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النّار إلّا ملّة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول اللّه؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).([5])
وعن عبد اللّه بن مسعود t، قال: قال رسول اللّه r: (لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها، لأنّه أوّل من سنّ القتل).([6])
قلت: وهذا نصّ يدلّ بمنطوقه على عظم وزر كلّ من سنّ ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه بأيّ وجه من الوجوه، ولذلك فإنّ ابن آدم الأوّل يحمل وزر كلّ جريمة قتل تقع بين بني آدم؛ لأنّه هو أوّل من سنّ جريمة القتل، والله المستعان.
وعن جرير بن عبدالله t قال: قال رسول الله r: (ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده).([7])
قلت: وهذه النّصوص تدلّ بمنطوقها على عظم وزر كلّ من سنّ ما لا يرضاه الله تعالى، أو أدخل في دين الله ما ليس منه بأيّ وجه من الوجوه... وكلّ مبتدع، أو جاهل، أو مميّع، أو حزبيّ قد سنّ ملا يرضاه الله تعالى، ورسوله r، واتّبعه النّاس في ذلك، فإنّه يتحمّل وزر ذلك كلّه في يوم يتبرأ المتبوع من التّابع، ويدعو عليه بالويل والثّبور.
قال تعالى: ]إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب «166» وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّؤوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم[ [البقرة:166-167].
وقال تعالى: ]وقيّضنا لهم قرناء فزيّنوا لهم مّا بين أيديهم وما خلفهم وحقّ عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم مّن الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين[ [فصلت:25].
وعن الإمام إبراهيم النّخعيّ / قال، في قوله تعالى: ]وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة[ [المائدة:64]، (هم أصحاب الأهواء)، وفي رواية: (الجدال والخصومات في الدّين).
أثر صحيح
أخرجه الهرويّ في «ذمّ الكلام» (820)، وأبو القاسم الأصبهانيّ في «الحجّة» تعليقا (ج2 ص845)، وابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» (1772)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص222)، وسعيد بن منصور في «السّنن» (722)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج6 ص102)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (558)، وفي «الإبانة الصّغرى» (ص141)، وأبو الفتح المقدسيّ في «الحجّة» (ج1 ص267) من طريقين عن العوّام بن حوشب عن إبراهيم النّخعيّ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام أبي العالية / قال: (إيّاكم وهذه الأهواء الّتي تلقي بين النّاس العداوة والبغضاء).
أثر صحيح.
أخرجه عبد الرّزّاق في «المصنّف» (ج11 ص367)، وابن الجوزيّ في «تلبيس إبليس» (ص17)، وابن وضّاح في «البدع» (ص75)، والمروزيّ في «السّنة» (ص8)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص13)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (136)، واللّالكائيّ في «الاعتقاد» (ج1 ص56)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص218)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج18 ص171)، والهرويّ في «ذمّ الكلام» (ج5 ص18) من طريقين عن عاصم الأحول، قال: قال أبو العالية فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام عمران القصير / قال: (إيّاكم والمنازعة والخصومة، وإيّاكم وهؤلاء الّذين يقولون: أرأيت أرأيت).
أثر صحيح.
أخرجه ابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (637)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (119)، من طريق محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة عن عمران القصير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فالدّين واحد، وهو ما جاء به رسول الله ه، لا يقبل الانقسام إلى جماعات حزبيّة، وإلى مذاهب مختلفة عصبيّة([8])، فديانات الجماعات الحزبيّة الموجودة الآن لا يقبل الله هذه الدّيانات منهم فانتبه.
قال تعالى: ]أفغير دين اللّه يبغون[ [آل عمران: 83].
وقال تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ [آل عمران: 85].
وقال تعالى: ]إنّ الدّين عند اللّه الإسلام[ [آل عمران: 19].
إذا: فإنّ مجرّد الانتساب إلى الإسلام دون العمل به، فهذا لا يكفي فيه، بل من أدخل فيه ما ليس منه من المخالفات الشّرعيّة الكثيرة، أو القليلة، فإنه ابتغى غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه ذلك، سواء كان من المسلمين، أو من المبتدعين، فانتبه.([9])
قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].
وقال تعالى: ]ومن يسلم وجهه إلى اللّه وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى[ [لقمان: 22].
وقال تعالى: ]ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسن[ [النساء: 125].
وقال تعالى: ]أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض[ [آل عمران: 83].
قلت: والإسلام؛ الانقياد والخضوع، والاستسلام بالتّوحيد والطّاعة لله تعالى، ولرسوله ه، فمن اتّبعه كان مرضيا عند الله تعالى، ومن خالفه كان باغيا لغير دين الله تعالى.([10])
قال المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج2 ص204): (قوله تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[؛ لأنّ الدّين إذا لم يصل بصاحبه إلى هذا الخضوع والانقياد لله تعالى كان رسوما، وتقاليد لا تجدي شيئا، بل تزيد النّفوس فسادا، والقلوب ظلاما، ويكون حينئذ مصدر الشّحناء، والعداوة بين النّاس في الدّنيا، ومصدر الخسران في الآخرة بالحرمان من النّعيم المقيم، والعذاب الأليم، وقوله تعالى: ]وهو في الآخرة من الخاسرين[؛ لأنه أضاع ما جبلت عليه الفطر السّليمة من توحيد الله تعالى، والانقياد له، كما جاء في الحديث: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه»([11])، وخسر نفسه إذ لم يزكها بالإسلام لله، وإخلاص السّريرة له؛ كما قال تعالى: ]قل إنّ الخاسرين الّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين[). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج1 ص373): (قوله تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[؛ أي: من سلك طريقا سوى ما شرعه اللّه تعالى، فلن يقبل منه([12]): ]وهو في الآخرة من الخاسرين[؛ كما قال النّبيّ ه في الحديث الصّحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ»([13]».
وعن أبي هريرة t، قال: قيل للنّبيّ ه: يا رسول الله، أيّ النّاس خير؟ قال: (أنا ومن معي) قال: فقيل له: ثمّ من يا رسول الله؟ قال: (الّذين على الأثر) قيل له: ثمّ من يا رسول الله؟ قال: (فرفضهم).([14])
حديث حسن
أخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص155) من طريق صفوان، أخبرنا محمّد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخرجه أحمد في «المسند» (ج3 ص243)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (1147) من طريق ليث –يعني: ابن سعد-، عن محمّد، عن أبيه العجلان، عن أبي هريرة t، أنّه قال: سئل رسول الله ه أيّ النّاس خير؟ فقال: (أنا، والّذين معي، ثمّ الّذين على الأثر، ثمّ الّذين على الأثر)، ثمّ كأنّه رفض من بقي.
وإسناده حسن.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج2 ص78)، وفي «الإمامة» (ص241)، والخلاّل في «السّنّة» (ص436) من طريق أبي عاصم عن محمّد بن عجلان به.
وإسناده حسن.
وأخرجه الكلاباذي في «معاني الأخبار» (ص372) من طريق أبي حمزة عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة t به.
وإسناده حسن.
قال الكلاباذيّ / في «معاني الأخبار» (ص372): (ورد الخبر بقوله: من خير النّاس؟ فقال: (أنا ومن معي) فوجب الحكم به ... فيستوي آخر هذه الأمّة بأوّلها في الخيريّة، وذلك أنّ القرن الّذي بعث فيهم رسول اللّه ه، إنّما كانوا أخيارا؛ لأنّهم آمنوا بالنّبيّ ه، حين كفر به النّاس، وصدّقوه حين كذّبه النّاس، ونصروه حين خذله النّاس، وهاجروا وآووا ونصروا، وكلّ هذه الأفعال وجدت في آخر هذه الأمّة([15])...). اهـ
وسئل فضيلة الشّيخ عبد العزيز بن باز /: هل الملل والنّحل والطّرق الموجودة الآن هي الّتي ينطبق عليها قول الرّسول ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)، والقول الآخر: (ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النّار إلاّ واحدة)؟ أفيدونا بالصّواب جزاكم الله خيرا؟.
فأجاب فضيلته: (كلّ طريقة، وكلّ نحلة يحدثها النّاس تخالف شرع الله، فهي داخلة في قول رسول الله ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) وداخلة في الحديث الصّحيح: (ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النّار إلاّ واحدة؛ قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة»).
* وفي رواية أخرى: (ما أنا عليه وأصحابي)؛ فكلّ طريقة، أو عمل، أو عبادة يحدثها النّاس يتقرّبون بها إلى الله، ويرونها عبادة، ويبتغون بها الثّواب، وهي تخالف شرع الله؛ فإنّها تكون بدعة، وتكون داخلة في هذا الذّمّ والعيب الّذي بيّنه رسول الله ه.
* فالواجب على جميع أهل الإسلام أن يزنوا أقوالهم وأعمالهم وعباداتهم بما قاله الله ورسوله، وما شرعه الله، وما ثبت عن الرّسول ه، بما وافق الشّرع وما جاء في كتابه، وما ثبت عن رسوله ه ويعرضوها عليها؛ فهذا هو الحقّ المقبول، وما خالف كتاب الله، أو خالف السّنّة من عباداتهم وطرقهم فهو المردود، وهو الدّاخل في قول الرّسول ه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)) ([16]). اهـ
وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين.
كتبه
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ]قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث[ [المائدة: 100].
ذكر الدّليل
على وصف النّبيّ ه الوصف الدّقيق للجماعات الحزبيّة في آخر الزّمان للحذر منها، واجتنابها وعدم الدّخول فيها
عن حذيفة بن اليمان ا قال: «كان النّاس يسألون رسول اللّه عن الخير وكنت أسأله عن الشّرّ مخافة أن يدركني؛ فقلت يا رسول اللّه: إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا اللّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟؛ قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: نعم، دعاة([17]) إلى أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول اللّه، صفهم لنا؟، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم؟؛ قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ بأصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك».
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج6 ص615)، ومسلم في «صحيحه» (ج12 ص235-النّوويّ)، وابن ماجه في «سننه» (ج2 ص1317)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص432)، والبغويّ في «شرح السّنّة» (ج5 ص14)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص444)، وأحمد في «المسند» (ج5 ص403)، وعبد الرّزّاق في «المصنّف» (ج11 ص342)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج15 ص9 و17)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج8 ص190)، وفي «دلائل النّبوّة» (ج6 ص490)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص272)، وابن وضّاح في «البدع» (ص77) من طرق عن حذيفة بن اليمان ا به.
وفي رواية لأبي داود في «سننه» (ج4 ص444): «تكون هدنة على دخن، ثمّ تكون دعاة الضّلالة».
وأخرجه ابن حبّان في «صحيحه» (ج13 ص299)؛ بإسناد صحيح؛ بلفظ: «قلت: يا رسول اللّه هل بعد هذا الخير شرّ؟ قال فتنة عمياء صمّاء عليها دعاة([18]) على أبواب النّار، فإن متّ يا حذيفة، وأنت عاضّ على جذر خشبة يابسة خير لك من أن تتبع أحدا منهم».
وفي رواية لابن حبّان في «صحيحه» (5963)؛ بإسناد صحيح: «هدنة على دخن لا ترجع قلوب أقوام على الّذي كانت عليه...يا حذيفة، تعلّم كتاب اللّه، واتّبع ما فيه ثلاث مرّات يكررها».
قال الحافظ البغويّ : في «شرح السّنّة» (ج15 ص15): (قوله ه: «وفيه دخن»؛ أي: لا يكون الخير محضا، بل فيه كدر، وظلمة، وأصل الدّخن أن يكون في
لون الدّابّة كدورة إلى السّواد). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر : في «فتح الباري» (ج13 ص36): («الدّخن»: هو الحقد، وقيل: الدّغل وقيل: فساد القلب، ومعنى الثّلاثة متقارب. يشير إلى أنّ الخير الّذي يجيء بعد الشّرّ لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر). اهـ
وقال الإمام أبو عبيد : في «غريب الحديث» (ج2 ص262)؛ في تفسيره للحديث: (لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، والهدنة: السّكون بعد الهيج، وأصل الدّخن أن يكون في لون الدّابّة، أو الثّوب، أو غير ذلك كدورة إلى سواد فوجهه أنّه يقول: تكون القلوب هكذا لا يصفو بعضها لبعض، ولا ينصع حبّها؛ كما كانت، وإن لم تكن فيهم فتنة). اهـ
قلت: وهذا بيان من النّبيّ ه بأنّ الدّعاة إلى الفتن عند وقوعها؛ إنّما هم الدّعاة إلى النّار، نعوذ بالله منها.([19])
قلت: فالشّرّ الفتنة، ووهن عرى الإسلام في النّـاس، واسـتـيـلاء الضّلال فيهم، وفشوّ البدعة بينهم.([20])
قال العلاّمة عليّ القاري : في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص257): (قوله ه:
«نعم وفيه دخن»؛ بفتحتين أي: كدورة إلى سواد، والمراد أن لا يكون خيرا صفوا بحتا، بل يكون مشوبا بكدورة، وظلمة). اهـ
وقال الفقيه الطّيبيّ : في «الكاشف» (ج10 ص52): (قوله ه: «نعم، وفيه دخن»؛ أي: يكون بعد ذلك الشّر خير، والحال أنّ في ذلك الخير شرّا، والمعنى: أنّ ذلك لا يصفو بل يشوبه كدورة، ومنه قولهم: هدنة على دخن؛ أي: سـكـون لعلّة لا للصّلح، وأصل: الدّخن أن يكون في لون الدّابة كدورة إلى السّواد). اهـ
قلت: فتعرف منهم، وتنكر؛ أي: ترى فيهم ما تعرفه أنّه من الدّين، ومن الخير، وهو ليس من الدّين، ولا من الخير، لأنّهم يستنّون بغير سنّة الرّسول ه، فتعرف فيهم الخير فتقبل، وترى فيهم الشّرّ فتنكر، فتعرف وتنكر، والله المستعان.
قال الفقيه الطّيبيّ : في «الكـاشـف» (ج10 ص53): (قوله ه: «دعاة على أبواب جهنّم» أي: جماعة يدعون النّاس إلى الضّلالة، ويصدّونهم عن الهدى؛ بأنواع من التّلبيس لإدخالهم إيّاهم في جهنّم، دخولهم فيها.
* وجعل كلّ نوع من أنواع التّلبيس بمنزلة باب من أبواب جهنّم. «من جلدتنا» أي: من أنفسنا وعشيرتنا. قيل: معناه من أهل ملّتنا. ويتكلّمون بما قال الله تعالى، وقال رسول الله ه، أي: بالمواعظ، والحكم، وما في قلوبهم شيء من الخير يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم!). اهـ
قال العلاّمة عليّ القاري : في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص259): (قوله ه:
«ولا يستنّون بسنّتي»؛ أي: من حيث العمل، والمعنى: أنّهم لا يأخذون بالكتاب والسّنّة. وقوله ه: «وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشّياطين»؛ أي: كقلوبهم في الظّلمة، والقساوة، والوسوسة، والتّلبيس، والآراء الكاسدة، والأهواء الفاسدة. «في جثمان إنس» بضمّ الجيم؛ أي: في جسده، والمراد به جنس الإنس؛ فيطابق الجمع السّابق). اهـ
وقال العلاّمة عليّ القاري : في «مرقاة المفاتيح» (ج9 ص273): (وأصل الدّخن هو الكدورة، واللّون الّذي يضرب إلى السّواد فيكون فيه إشعار إلى أنّه صلاح مشوب بالفساد). اهـ
تتمخّض هذه الشّروحات عن أمور:
1) أنّ هذه مرحلة ليست خيرا خالصا، وإنّما مشوبة بكدر يعكّر صفو الخير، ويجعل مذاقه ملحا أجاجا!.
2) أنّ هذا الكدر يفسد القلوب، ويجعلها ضعيفة؛ حيث يدبّ إليها داء الأمم؛ وتتخطّفها الشّبهات!.
3) أنّ الفتنة التّي تقع عمياء صمّاء([21])؛ والمراد بكونها عمياء صمّاء أن تكون بحيث لا يرى منها المخرج، ويقع النّاس على غرّة من غير بصيرة، فيعمون فيها، ويصمّون عن تأمّل الحقّ، واستماع النّصح!.
4) أنّ اجتماع النّاس من الحزبيّة على الفتنة يكون بسبب فساد ما في قلوبهم، وهي مشوبة بشيء من البدع، وارتكاب المناهي، بل يفعلون هدنة فيما بينهم مع خداع، وخيانة، ونفاق!: بـأسـهـم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى ذلك بأنّهم قوم لا يعقلونﱢ [الحشر:14]. فلو كانوا يعقلون لعملوا على اجتثاث الخلاف من أصوله، فتوحّدوا على الكتاب والسّنّة والآثار، ولم يصرّوا على الاختلاف، والتّفرّق فيما بينهم، والله المستعان.
5) أنّ الهدنة([22]) تكون على دخن فيها لما بين دعاة الضّلالة من الفساد الباطن تحت الصّلاح الظّاهر!، فهي فتنة عمياء صمّاء؛ عليها دعاة على أبواب جهنّم، والعياذ بالله.
6) أنّ أصل الدّخن هو: الكدورة، واللّون الّذي يضرب إلى السّواد، فيكون فيه إشعار إلى أنّه صلاح منسوب بالفساد ذلك فيما يكون بين الجماعات الحزبيّة، والفرق الضّالة([23])!، من «القديمة»، و«الجديدة».
7) أنّ ظهور دعاة الضّلال يقترن بذلك ظهور البدع، والمعاصي فيمن يتبعهم، والمراد ظهور جماعة يدعون النّاس إلى البدع، والمعاصي، والضّلال، نعوذ بالله من الخذلان!.
8) أنّ قلوب المبتدعة في حين الهدنة مع بعضهم بعضا؛ لا تكون صافية عن الحقد، والبغض فيما بينهم، كما كانت صافية قبل ظهورهم البدع فيهم، نعم يقع شرّ هو فتنة عظيمة، وبلية جسيمة، يعمى فيها النّاس عن أن يروا الحقّ، ويصمّ أهلها عن أن يسمعوا فيها كلمة الحقّ، والنّصيحة!.
9) أنّ يكون وصف الفتنة للنّاس لما فيها من الظّلام، وعدم ظهور الحقّ فيها، وشدّة أمرها، وصلابة أهلها في العصبيّة للباطل، وعدم التفات بعضهم إلى بعض في المشاهدة والمكانة!.
10) أنّ المبتدعة على ضلالة وهم: السبب فيها، بل هم كائنون على شفا جرف من النّار يدعون النّاس إليها حتّى يتّفقوا على الدّخول فيها!، والعياذ بالله.
11) أنّ النّبيّ ه جعل دعوة الدّعاة([24])، وإجابة المدعوين سببا لإدخالهم
إيّاهم في جهنّم، ودخولهم فيها!، والعياذ بالله.([25])
وكان أيّوب السّختيانيّ : يسمّي «أصحاب الأهواء» كلّهم خوارج ويقول: «اختلفوا في الاسم، واجتمعوا على السّيف».
أثر صحيح
أخرجه اللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (290)، وأبو القاسم البغويّ في «الجعديّات»
(1236)، والفريابيّ في «القدر» (ص215)، والهرويّ في «ذمّ الكلام» (977) بإسناد صحيح.
قال الإمام ابن حزم : في «الفصل» (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أنّ جميع فرق الضّلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قريّة، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرّقون كلمة المؤمنين، ويسلّون السّيف على أهل الدّين، ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ
قلت: ولا يـزال هـؤلاء سـبـب ريـبـة وشـكّ في الـدّين؛ لـكـثـيـر من النّاس، لأنّهم يظهرون شيئا، ويبطنون شيئا آخر، اللّهمّ سلّم سلّم.
قال الشّيخ العلاّمة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «إعانة المستفيد» (ج1 ص243): (التّنبيه على خداع المخادعين، وأن يكون المؤمنون على حذر دائما من المشبوهين ومن تضليلهم، وأنّهم قد يتظاهرون بالصّلاح، ويتظاهرون بالمشاريع الخيريّة ــ كبناء المساجد!ــ ولكن ما دامت سوابقهم، وما دامت تصرّفاتهم تشهد بكذبهم؛ فإنّه لا يقبل منهم، ولا ننخدع بالمظاهر دون النّظر إلى المقاصد، وإلى ما يترتب –ولو على المدى البعيد- على هذه المظاهر ... ففيه تنبيه المسلمين إلى الحذر في كلّ زمان ومكان من تضليل المشبوهين، وأنّ كلّ من تظاهر بالخير والصّلاح والمشاريع الخيريّة لا يكون صالحا ... فإنّنا نأخذ الحذر منه ولا ننخدع).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة : في «الفتاوى» (ج2 ص132)؛ عن المبتدعة: (ويجب عقوبة كلّ من انتسب إليهم، أو ذبّ عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظّم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم، بأنّ هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال: إنّه صنّف هذا الكتاب؟... وأمثال هذه المعاذير الّتي لا يقولها إلّا جاهل أو منافق؛ بل تجب عقوبة كلّ من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإنّ القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنّهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ، والعلماء، والملوك، والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدّون عن سبيل اللّه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ صالح الفوزان حفظه الله في «وجوب التّثبت في الأخبار واحترام العلماء» (ص50): (إنّ وجود المثقفين، والخطباء المتحمسين لا يعوّض الأمة عن علمائها... وهؤلاء قرّاء وليسوا فقهاء فإطلاق لفظ العلماء على هؤلاء إطلاق في غير محلّه، والعبرة بالحقائق لا بالألقاب فكثير ممّن يجيد الكلام، ويستميل العوامّ وهو غير فقيه، والّذي يكشف هؤلاء أنّه عندما تحصل نازلة يحتاج إلى معرفة الحكم الشّرعي فيها فإنّ الخطباء، والمتحمسين تتقاصر أفهامهم، وعند
ذلك يأتي دور العلماء.
فلننتبه لذلك، ونعطي علماءنا حقّهم، ونعرف قدرهم، وفضلهم، وننزل كلاّ منزلته اللّائقة به). اهـ
وعن العرباض بن سارية t قال: قال رسول الله ه: (قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك).
حديث حسن
أخـرجـه ابن ماجه في «سـنـنـه» (43)، وأحمد في «الـمـسـنـد» (ج4 ص126)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص96)، وفي «المدخل إلى الصّحيح» (ج1 ص55)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص47)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج18 ص247)، وفي «مسند الشّاميّين» (2017)، وابن أبي عاصم في «السّنّة» (ج1 ص27)، وابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» (ص482)، والمخلّص في «سبعة مجالس من أماليه» (ج4 ص164)، والزّنجانيّ في «المنتقى من فوائده» (ص50).
وإسناده حسن.
قلت: فالله بعث محمّدا ه بالهدى، ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره الظّالمون، بعثه بالحنيفيّة السّمحة، ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور؛ من ظلمة الشّرك، والبدعة، والمعصيّة إلى نور التّوحيد، والسّنّة، والطّاعة، دعا النّاس إلى المحجّة البيضاء، وإلى السّنّة الغراء حتّى تركهم وما من خير؛ إلاّ دلّهم عليه، وما من شرّ؛ إلاّ حذّرهم منه.
ولذا تلقاها أهل السّنة والجماعة بالقبول والتّسليم، فآمنوا بالله على ما يليق بهذا الدّين، فكان هذا ممّا أغاظ أعداء الله في الخارج والدّاخل، فصاروا يفكّرون في الطّريقة الّتي يطعنون بها في بلدان المسلمين، الّتي هي فيها سـبـب اجـتـمـاعـهـم وعزّتهم، فرأوا أنّ الكيد للإسلام على الحيلة أنجع، فأظهروا حبّهم للإسلام والمسلمين في بلدانهم، لا رغبة في حبّهم، بل للكيد للمسلمين والإسلام باسم الإسلام، وسلكوا لذلك طرقا شتّى، ومن ذلك طعنهم في نصوص الأصول والفروع، بل زعموا كذبا وزورا أنّ العمل بها في هذا العصر لا يصلح، فيعملون منها ما يشاءون، ويتركون ما يشاءون؛ لذلك لجئوا إلى تحريف النّصوص وتأويلها عن معناها الحقيقيّ بحجّة: «الرّؤية العصريّة»؛ فسرت هذه الآفّة في جميع الفرق الضّالة ]فأولئك هم الظّالمون [ [البقرة: 229].([26])
قلت: ولا يضلّ إلاّ من ارتكب سبب الضّلالة فالله يضلّه([27]): ]بل الظّالمون في
ضلال مبين[ [لقمان: 11].
قال تعالى: ]فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم [ [النحل:43].
وقال تعالى: ]يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم [ [الفتح: 11].
وقال الإمام البربهاريّ / في «السّنّة» (ص382): (وإذا سمعت الرّجل يطعن على الآثار، أو يردّ الآثار، أو يريد غير الآثار؛ فاتّهمه على الإسلام، ولا تشكّ أنّه صاحب هوى مبتدع!). اهـ
وقال تعالى؛ عن أمثال الحزبيّة: ]وإذا دعوا إلى اللّه ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون (48) وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين (49) [ [النور: 48 و49].
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتاوى
العلاّمة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في أنّ الصّوفيّة القبوريّة لا يعذرون بجهلهم، وهم كفّار من أهل الشّرك
قال العلاّمة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ عن الصّوفيّة عبّاد القبور: (أمّا الصّوفيّة فلا؛ لأنّ الغالب عليهم البدع والخرافات وأشياء أحدثوها لأنفسهم وجعلوها نظاما لهم ليس له أساس في الشّرع المطهّر، وبعض بدعهم تصل إلى الشّرك؛ كعبادة الأموات، والاستغاثة بالأموات من أصحاب القبور وغيرهم، وكدعاء البدويّ، والاستغاثة بالبدويّ، أو بالحسين، أو ما أشبه ذلك؛ كلّ هذا من الشّرك الأكبر، وهكذا الطّواف بالقبور، أو بخشبة تصنع يطاف حولها... أو غير ذلك يطوف تعبّدا لغير اللّه لصاحب القبر... ويعتقد فيها صار كفرا أكبر نسأل اللّه العافية).([28]) اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ عن مسألة العذر بالجهل: (مسألة عظيمة، والأصل فيها أنّه لا يعذر من كان بين المسلمين من بلغه القرآن والسّنة، ما يعذر.([29])، الله تعالى يقول: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]، فمن بلغه القرآن والسّنة غير معذور، وإنّما أوتي من تساهله، وعدم مبالاته ([30])).اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء
بالمملكة العربيّة السّعوديّة
في
عدم العذر بالجهل فيمن وقع في الشّرك الأكبر
فقد افتت اللّجنة الدّائمة، بعد أن سئلت: هناك من يقول: كلّ من يتقيّد برسالة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، واستقبل القبلة بالصّلاة، ولو سجد لشيخه لم يكفر، ولم يسمّه مشركا؟.
فأجابت اللّجنة على هذا السّائل بقولها: (كلّ من آمن برسالة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وسائر ما جاء به في الشّريعة إذا سجد بعد ذلك لغير اللّه من وليّ وصاحب قبر، أو شيخ طريق؛ يعتبر كافرا مرتدّا عن الإسلام مشركا مع اللّه غيره في العبادة([31])، ولو نطق بالشّهادتين وقت سجوده؛ لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير اللّه؛ لكنّه قد يعذر لجهله، فلا تنزّل عليه العقوبة حتّى يعلم، وتقام عليه الحجّة، ويمهل ثلاثة أيّام؛ إعذارا إليه ليراجع نفسه، عسى أن يتوب.
* فإن أصرّ على سجوده لغير اللّه بعد البيان قتل لردّته؛ لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (من بدّل دينه فاقتلوه).([32]) أخرجه الإمام البخاريّ في «صحيحه» عن ابن عبّاس رضيّ اللّه عنهما، فالبيان، وإقامة الحجّة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به.
* لا ليسمّى كافرا بعد البيان، فإنّه يسمى: كافرا بما حدث منه من سجود لغير اللّه تعالى، أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير اللّه تعالى، وقد دلّ الكتاب والسّنّة([33]) على أنّ من مات على الشّرك لا يغفر له ويخلّد في النّار؛ لقوله تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النساء: 48]، وقوله تعالى: ]ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النّار هم خالدون[ [التوبة: 17].
وباللّه التّوفيق. وصلّى اللّه على نبيّنا محمّد، وآله وصحبه وسلّم.
اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللّجنّة ... الرّئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرّزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز).([34]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلّامة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله
في
تكفيره من سجد لصنم، أو قبر، أو استهزأ بالدّين،
أو أشرك بالله، أو غير ذلك، ولا يعذره بجهله،
لأنّه قامت عليه الحجّة في الدّين([35])
سئل العلاّمة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه اللّه: فما رأي فضيلتكم في قول من يقول إنّ عقيدة أهل السّنّة والجماعة في قاعدة أنّ المسلم لا يكفّر بذنب ما لم يستحله أنّها على إطلاقها، وأنّه لا يوجد ذنب يكفّر صاحبه ويخرجه عن الملّة، ولو كان قد سجد لصنم، أو قبر، أو الطّواف به، أو الاستهزاء بدين الإسلام ونحو ذلك من الذّنوب؟.
فأجاب فضيلته: (نرى أنّ أسباب الكفر متعدّدة، منها: أن يعتقد جواز السّجود لغير اللّه تعالى، وإن لم يسجد فهو كافر، ومنها: أن يسخر بالإسلام، ولو هازلا؛ فإنّه يكفر، وهذا دلّ عليه القرآن: ]ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[ [التوبة: 65-66].
ونرى أنّ من الأفعال: ما هو كفر يحاسب عليه الإنسان محاسبة الكافر، ويعامل في الدّنيا معاملة الكافر، وفي الآخرة حسابه على اللّه تعالى؛ فلو رأينا رجلا سجد لصنم حكمنا بكفره، وقلنا أنّه كافر يستتاب؛ فإن تاب وإلّا قتل؛ حتّى لو قال أنا ما أردت سجود الذّلّ والخضوع، لكن أردت سجود التّحيّة مثلا نقول لا يهمّنا ذلك!.
ومن الأعمال ما تركه ليس فعله كفر مثل الصّلاة، الصّلاة من تركها حكمنا بكفره عينا ... فالمهمّ أنّ القاعدة الّتي ذكرتها ليست على إطلاقها، لأنّنا لو قلنا أنّه لا كفر إلّا باستحلال ما بقي الكفر العمليّ إطلاقا، ولأنّ الاستحلال في نفسه كفر إذا استحلّ الإنسان شيئا قد أجمعوا على تحريمه، فهو كافر، سواء فعله أو لم يفعله، فلو أنّ أحدا استحلّ الزّنا، أو استحلّ الرّبا في غير مواضع الخلاف؛ فنقول أنّ هذا كافرا).([36])اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتاوى
العلاّمة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه
في
أنّ الّذي لا يكفّر القبوريّين المشركين أنّه على مذهب المرجئة([37])،والّذي يعذرهم بجهلهم، ويقول لابدّ من إقامة الحجّة عليهم؛ فهذا مرجئ على مذهب المرجئة الخامسة العصريّة!
* سئل فضيلة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه: أحسن اللّه إليكم: ما قولكم في من يزعم من المعاصرين في أنّ تكفير المعيّن من عبّاد القبور مسألة خلافيّة، ويزعم أنّهم غير كفّار أصليّين؟.
فأجاب فضيلته: (هذا قول فاسد نتيجته الجهل بهذا... والّذي يفعل الشّرك يحكم عليه بالرّدّة، والّذي يفعل الكفر يحكم عليه بالكفر في ما يظهر لنا، ونطبّق عليه أحكّام الكفّار.
فإذا مات لم ندفنه في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه المسلمون، نطبّق عليه أحكام الكفّار بموجب فعله وقوله... ونحن ما لنا إلا الظّواهر، نحكم على الظّاهر).([38])اهـ
* وسئل فضيلة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه: أحسن اللّه إليكم: حديث: (الرّجل الّذي دخل النّار في ذبابة)؛ هل يأخذ منه عدم العذر بالجهل في مسائل الشّرك في العبادة، لأنّ هذا الرّجل كان جاهلا، ولم يعذر ودخل النّار؟.
فأجاب فضيلته: (فالظّاهر أنّ الإرجاء متمكّن من بعض الحاضرين، الحديث ليس فيه هذه الأمور، الحديث واضح أنّ الرّجل ذبح لغير اللّه تعالى آثر السّلامة على عقيدته، فكان من أهل النّار).([39]) اهـ
* وسئل فضيلة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه: أحسن اللّه إليكم: خرج علينا أقوام يتنزّهون عن تكفير من يسجد لغير اللّه تعالى، ومن يذبح لغير اللّه تعالى بحجّة أنّه لابدّ من سؤال الشّخص عن سبب فعله لهذا الشّيء؟.
فأجاب فضيلته: (نحن نحكم على الظّاهر، من سجد لغير اللّه تعالى حكمنا عليه بالكفر بناء على ظاهره، وأمّا ما في القلوب فلا يعلمها إلاّ اللّه تعالى، وما كلّفنا أن نفتّش ما في القلوب، فنحكم على الظّاهر فمن فعل الشّرك حكمنا عليه أنّه مشرك، ومن عمل الكفر حكمنا عليه أنّه كافر، والّتي تقول بذلك هم: «المرجئة» الّتي خرجت الآن هي الّتي تقول بهذه الأقوال!).([40]) اهـ
* وسئل فضيلة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه؛ أحسن اللّه إليكم: هل الإجماع على أنّ من أشرك باللّه الشّرك الأكبر يسمّى مشركا في الدّنيا، ولو كان جاهلا ويقول: لا إله إلاّ اللّه؟.
فأجاب فضيلته: (يا أخي التّوحيد من الأمور الظّاهرة ليس من الأمور الخفيّة حتّى يعذر بالجهل هذا من الأمور الظّاهرة، والقرآن ينادي بتحريم الشّرك، ولعن المشركين، والوعيد عليهم بالنّار، فليس التّوحيد بخفيّ، والشّرك ليس بخفيّ من الأمور الظّاهرة جاء التّحذير منها في الكتاب والسّنة وإجماع الأمّة).([41]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدّليل
على قمع ((المرجئة السّادسة))، وذلك لأنّها وقعت فيما وقعت فيه ((المرجئة القديمة))، وأنّها لا تكفّر من كان على مذهب القبوريّة الشّركيّة وغيرهم([42])، وقد ادّعت في ذلك أنّهم معذرون بجهلهم في الدّين، ولابدّ من إقامة الحجّة عليهم، وهذا مخالف لإجماع الصّحابة، والسّلف، وأهل السّنّة والجماعة قديما وحديثا
وإليك الأدلّة على بطلان مذهب: «المرجئة السّادسة» في الإرجاء:
قال تعالى: ]إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصار[ [المائدة: 72].
وقال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد افترى إثما عظيما[ [النساء: 48].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (أنّه لا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة).([43])
قال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص13)؛ بعدما ذكر بعض الآيات في الشّرك؛ منها: قوله تعالى: ]قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرّا ولا نفعا واللّه هو السّميع العليم[ [المائدة: 75 - 76]: (فقل له: أعرفت أنّ الله كفّر من قصد الأصنام، وكفّر أيضا من قصد الصّالحين، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم). اهـ
وسئل الشّيخ ابن باز /؛ عن الكفر العمليّ المخرج من الملّة؟.
فأجاب فضيلته: (الذّبح لغير الله، والسّجود لغير الله، كفر عملي مخرج من الملّة، وهكذا لو صلّى لغير الله، أو سجد لغيره سبحانه، فإنّه يكفر كفرا عمليّا أكبر، والعياذ بالله، وهكذا إذا سبّ الدّين، أو سبّ الرّسول، أو استهزأ بالله ورسوله، فإنّ ذلك كفر عمليّ أكبر عند جميع أهل السّنّة والجماعة).([44]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص91)؛ متحدّثا عن الشّرك في الألوهيّة، ومبيّنا ضابطه، وحده: (فأمّا الشّرك في الإلهيّة فهو: أن يجعل للّه ندّا - أي: مثلا في عبادته، أو محبّته، أو خوفه، أو رجائه، أو إنابته؛ فهذا هو الشّرك الّذي لا يغفره اللّه إلّا بالتّوبة منه. قال تعالى: ]قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف[ [الأنفال: 38]؛ وهذا هو الّذي قاتل عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مشركي العرب؛ لأنّهم أشركوا في الإلهيّة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص88)؛ مبيّنا كفر من جعل لله ندّا: (فمن جعل للّه ندّا من خلقه فيما يستحقّه عزّ وجلّ من الإلهيّة والرّبوبيّة؛ فقد كفر بإجماع الأمّة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص359)؛ مبيّنا شرك من استغاث بغير الله تعالى: (ولا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين، ولا الميّتين، مثل أن يقول: يا سيّدي فلانا أغثني، وانصرني، وادفع عنّي، أو أنا في حسبك، ونحو ذلك؛ بل كلّ هذا من الشّرك الّذي حرّم اللّه تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحريمه ممّا يعلم بالاضطرار من دين الإسلام). اهـ
قلت: كما أنّ من وقع في الشّرك، وقطع بذلك في حقّه؛ فيجوز تكفيره عينا، ولذلك لما سئل الشّيخ عبد الله أبا بطين عن جواز تعيّين إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئا من المكفّرات، فأجاب /: (الأمر الّذي دلّ الكتاب والسّنّة وإجماع العلماء عليه أنّه كفر، مثل: الشّرك بعبادة غير الله سبحانه، فمن ارتكب شيئا من هذا النّوع أو حسّنه، فهذا لا شكّ في كفره، ولا بأس بمن تحققت منه شيئا من ذلك أن تقول: كفر فلان بهذا العمل؛ يبيّن هذا أنّ الفقهاء يذكرون في باب (حكم المرتدّ) أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتدّا كافرا، ويستفتحون هذا الباب بقولهم: من أشرك بالله كفر، وحكمه أن يستتاب، فإن تاب، وإلاّ قتل، والاستتابة إنّما تكون مع معيّن ... وأعظم أنواع الكفر الشّرك بعبادة غير الله، وهو كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتّصف بذلك؛ كما أنّ من زنى قيل: فلان زان، ومن رابى قيل: فلان مراب).([45]) اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الصّلاة» (ص34): (فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختيارا، وهي شعب الكفر، كذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه، كالسّجود للصّنم والاستهانة بالمصحف). اهـ
وقال الإمام القرافيّ المالكيّ / في «شرح تنقيح الفصول» (ص439)؛ في شرحه لحديث: (دخل رجل النّار في ذباب): (ولذلك لم يعذره الله بالجهل في أصول الدّين إجماعا). اهـ
قلت: فلا يعذر الواحد بجهله في أصول الدّين بإجماع السّلف والخلف!، فافهم لهذا ترشد.
وقال الإمام ابن القيّم / في «طريق الهجرتين» (ص411)؛ في طبقة المكلّفين: الطّبقة السّابعة عشر: (طبقة المقلّدين، وجهّال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الّذين هم معهم تبعا لهم يقولون: إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، وإنّا على أسوة بهم، ومع هذا فهم تاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم، كنساء المحاربين، وخدمهم وأتباعهم الّذين لم ينصّبوا أنفسهم ما نصّب له أولئك أنفسهم من السّعي في إطفاء نور اللّه تعالى، وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدّواب!.
وقد اتّفقت الأمّة على أن هذه الطّبقة كفّار، وإن كانوا جهّالا مقلّدين لرؤسائهم وأئمّتهم). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ج1 ص263): (إنّ الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلبهم كطلب بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سمّوها ذات أنواط، فالمشرك مشرك وإن سمّى شركه ما سمّاه، كمن يسمّي دعاء الأموات، والذّبح، والنّذر لهم ونحو ذلك تعظيما ومحبّة، فإنّ ذلك هو الشّرك وإن سمّاه ما سمّاه). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ج1 ص258): (فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر، أو حجر، أو شجر، فقد ضاهى عبّاد هذه الأوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشّرك). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج27 ص86): (وأمّا الرّجل إذا أصابته نائبة، أو خاف شيئا، فاستغاث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع، فهذا من الشّرك، وهو من جنس دين النّصارى، فإنّ اللّه هو الّذي يصيب بالرّحمة، ويكشف الضّرّ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «قاعدة جليلة» (ص285)؛مبيّنا أنّ دعاء غير الله كفر: (وإن كان بينهما فرق، فإنّ دعاء غير الله كفر، ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين لا الأنبياء ولا غيرهم عن أحد من السّلف وأئمّة العلم، وإنّما ذكره بعض المتأخرين ممّن ليس من أئمّة العلم المجتهدين). اهـ
قلت: فليتأمّل هذا مناصرو: «الإرجاء»، ومريدوه حتى يعرفوا الحقّ من الباطل، وصدق القول من الخبر العاطل: ]فأمّا الزّبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض[ [الرعد: 17].
فوقع: «اليمنيّ المرجئ» في ضلالات خالف فيها: الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصّحابة رضي الله عنهم، والسّلف الكرام، وأهل الحديث والسّنّة، وعلماء نجد، فشذّ في الدّين فهلك، والعياذ بالله.([46])
وهي كالتّالي:
منها: العذر بالجهل في الشّركيّات الكبرى والكفريّات الكبرى!.
ومنها: العذر بالتّقاليد الشّركيّة!.
ومنها: العذر بالعادات الشّركيّة!.
ومنها: عذر المشركين القبوريّين!، وهذا فيه إقرار بالعبادة الوثنيّة لعبّاد القبور في العالم كلّه.
ومنها: العذر في البدع الكبرى!.
ومنها: العذر في الكفريّات الكبرى!.
ومنها: عدم تكفيره من وقع في الشّرك الأكبر!.
ومنها: أنّه لا يطلق على من وقع في الشّرك الأكبر أنّه مشرك حتّى لو خالف الشّرع!.
ومنها: ادّعاه أنّ القرآن ليس فيه حجّة في هذا الزّمان على القبوريّين المشركين، حتّى يقوم عليهم هو الحجّة، وهذا ظاهر من كلامه إذا تدبّره العبد، وهذا اللّازم ملزم عند أهل العلم.
ومنها: ادّعاه أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا تقوم به الحجّة في الزّمان على القبوريّين المشركين حتّى يقوم عليهم هو الحجّة، وهذا ظاهر من كلامه إذا تدبّره العبد، وإلا لماذا لم يكفّر المشركين، لو كان عنده أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ببعثته تقوم الحجّة به لكفّرهم، لكن يزعم أنّ الحجّة لم تقم عليهم بإرسال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يقوم هو بالحجّة عليهم!.
ومنها: ادّعاه أنّ أهل السّنّة والجماعة لم يقوموا بالحجّة على القبوريّين، وهذا أيضا ظاهر منه.
قلت: فهذا خلط الشّركيّات بالشّرعيّات!، ولبس الحقّ بالباطل، والّذي وقع فيه المبتدعة، وعابه عليهم سلف الأمّة، وأئمّتها هي: الشّركيّات القبوريّة الّتي نهى عنها القرآن الكريم، والسّنة النّبويّة، والآثار السّلفيّة.([47])
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص17) (أنّه لا خلاف بين العلماء كلّهم أنّ الرّجل إذا صدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في شيء، وكذّبه في شيء أنّه كافر لم يدخل في الإسلام). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص12): (وعرفت أنّ إقرارهم بتوحيد الرّبوبيّة لم يدخلهم في الإسلام). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص27): (والمراد من هذه الكلمة – يعني: لا إله إلاّ اللّه- معناها لا مجرّد لفظها، والكفّار الجهّال يعلمون أنّ مراد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذه الكلمة هو: إفراد اللّه تعالى بالتّعلّق، والكفر بما يعبد من دون اللّه تعالى، والبراءة منه). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص13): (إذا عرفت أنّ الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظنّ أنّها تقرّبه إلى اللّه تعالى!). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص33): (فيقال لهؤلاء المشركين الجهّال: معلوم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاتل اليهود وسباهم، وهم يقولون:« لا إله إلا اللّه»، وأنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون: «أن لا إله إلا اللّه» و«أنّ محمّدا رسول اللّه»، ويصلّون ويدّعون الإسلام!). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن آل الشّيخ في «حكم تكفير المعيّن» (ص9): (ومسألتنا هذه: وهي عبادة اللّه وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه، وأنّ من عبد مع اللّه غيره فقد أشرك الشّرك الأكبر الّذي ينقل عن الملّة، هي أصل الأصول، وبها أرسل اللّه الرّسل وأنزل الكتب، وقامت على النّاس الحجّة بالرّسول وبالقرآن، وهكذا نجد الجواب من أئمّة الدّين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك باللّه تعالى). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص55): (لا خلاف أنّ التّوحيد لابدّ أن يكون بالقلب واللّسان والعمل، فإنّ اختلّ شيء من هذا لم يكن الرّجل مسلما، فإن عرف التّوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما). اهـ
قلت: وهذا فيه تعرية: «اليمنيّ» هذا من دعاويه العريضة الباطلة، وكشف انحرافاته. ([48])
قلت: وكلامه هذا كلّه يتصبّب جهلا باطلا، وادّعاء كاذبا، وفهما أعوج سقيما، وقد قال بالإرجاء الخبيث، اللّهمّ غفرا.
فكيف يزعم: «اليمنيّ المرجئ» أنّه مع أهل التّوحيد، وهو مؤيّد لأهل الشّرك: ]إنّ هذا لشيء عجاب[ [ص:5].
قلت: و«القبوريّة» عند «الصّوفية»، هي: «القبوريّة» عند «اليهود»، و«القبوريّة» عند «النّصارى»، و«القبوريّة» عند «اليونان»، و«القبوريّة» عند الفلاسفة، و«القبوريّة» عند «الجاهليّة»([49])، و«القّبوريّة» عند «الرّافضيّة»، والقبوريّة هي أصل الوثنيّة حقيقة([50])، وهم الّذين يعبدون القبور، والعياذ بالله.
قلت: فانظر إلى هذا التّباين والتّضاد.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتاوى
العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /
في
بيان أنّ أصول الدّين لا يعذر فيها بالجهل،
فمن خالف في الأصول فقد كفر
* سئل العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ والسّائل من جمهوريّة مصر العربيّة، سيناء، يسأل ويقول: وقع خلاف بين شخصين حول تكفير من يطوف حول القبر، ويستغيث به، فمنهم من يقول: إنّ هذا الفعل، فعل شرك، ولا خلاف، ولكن يعذر صاحب هذا الفعل؛ لجهله بأمور التّوحيد، والآخر يقول بكفر ذلك الشّخص الّذي يستغيث بغير الله، ولا يعذر بسبب الجهل بأمور التّوحيد، ولكن يعذر في الفرعيّات، والأمور الفقهيّة. والسّؤال هو: أيّ الرّأيين صواب؟، وأيّهما خطأ؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (الصّواب قول من قال: إنّ هذا لا يعذر؛ لأنّ هذه أمور عظيمة وهي: من أصول الدّين، وهي أوّل شيء دعا إليه النّبيّ r، قبل الصّلاة، والصّوم، والزّكاة، وغير ذلك، فأصول الدّين لا يعذر فيها؛ بالجهل: لمن هو بين المسلمين، ويسمع القرآن، ويسمع الأحاديث، فالاستغاثة بأصحاب القبور، والنّذر لهم، ودعاؤهم، وطلبهم الشّفاء، والمدد، كلّ هذا من أعظم الشّرك بالله عزّ وجلّ، والله سبحانه يقول: في كتابه العظيم: ]ومن يدع مع اللّه إلها آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه إنّه لا يفلح الكافرون[ [المؤمنون:117]؛ فسمّاهم كفّارا بذلك، وقال عزّ وجلّ: ]ذلكم اللّه ربّكم له الملك والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير[ [فاطر: 13-14]، سبحانه وتعالى فسمّى دعاءهم إيّاهم: شركا، والله يقول جلّ وعلا: ]فلا تدعوا مع اللّه أحدا[ [الجنّ:18]؛ ويقول سبحانه: ]ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنّك إذا من الظّالمين[ [يونس:106]؛ والظّالمون: هم المشركون، إذا أطلق الظلم فهو الشّرك، كما قال عزّ وجلّ: ]إنّ الشّرك لظلم عظيم[ [لقمان:13].
* وهكذا: الطّواف بالقبور، إذا طاف يتقرّب بذلك إلى صاحب القبر، فهو مثل إذا دعاه، واستغاث به، يكون شركا أكبر، أمّا إذا طاف يحسب أنّ الطّواف بالقبور قربة إلى الله، قصده التّقرّب إلى الله، كما يطوف النّاس بالكعبة، يتقرّب إلى الله بذلك، وليس يقصد الميّت، هذا من البدع، ومن وسائل الشّرك المحرّمة الخطيرة، ولكنّ الغالب على من طاف بالقبور أنّه يتقرّب إلى أهلها بالطّواف، ويريد الثّواب منهم، والشّفاعة منهم، وهذا شرك أكبر، نسأل الله العافية، كالدّعاء) ([51]).اهـ
* وسئل: العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ والسّائل من مصر يقول: ما حكم الشّرع في نظركم في رجل مسلم ارتكب الشّرك الأكبر، فهل يعذر بجهله، أم لا؟، ومتى يعذر الإنسان بالجهل؟ وما الدّليل في كلا الحالتين؟ جزاكم الله خيرا.
فأجاب فضيلته: (من ارتكب الشّرك الأكبر، فقد أتى أعظم الذّنوب، والواجب عليه البدار بالتّوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ الله يقول: ]وتوبوا إلى اللّه جميعا أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون[ [النّور:31]، ويقول سبحانه: ]قل ياعبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم[ [الزّمر:53]؛ يعني: بالشّرك والمعاصي: ]لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم[ [الزّمر: 53]؛ هذه الآية أجمع العلماء على أنّها في التّائبين، فالواجب على من فعل شيئا من الشّرك، أو المعاصي أن يبادر بالتّوبة، وألّا يقنط، ولا ييأس؛ لأنّ الله سبحانه وعد من تاب إليه بالتّوبة عليه، وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى، والرّءوف الرّحيم سبحانه وتعالى، وكلّ من كان بين المسلمين، أو بلغه القرآن، أو السّنّة فقد قامت عليه الحجّة، فالواجب عليه التّفقّه، والسّؤال، والتّعلّم حتّى تبرأ ذمّته، وحتّى يكون على بصيرة) ([52]).اهـ
* وسئل: العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ ما حكم من مات على الشّرك - والعياذ بالله - ولكنّه لم يكن يعرف خطورة ذلك الأمر؟، وهو من جهل أهل القرى في ذلك الوقت، ولا يعرفون أنّ الشّرك من أكبر الكبائر، ومات على ذلك الحال، سؤالي: هل يجب علينا أن ندعو لهم بالرّحمة، والمغفرة، وأداء الحجّ والعمرة؟، وهل ينفعهم ذلك العمل؟
فأجاب فضيلته: (الشّرك هو أعظم الذّنوب، وهو أكبر الكبائر، كما قال النّبيّ r في الحديث الصّحيح: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله»([53])؛ ويدلّ على هذا، قوله سبحانه: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء:48].
* فالشّرك أعظم الذّنوب، وأقبح السّيئات، فمن مات عليه: لم يغفر له، وهو من أهل النّار المخلّدين فيها، ولا يحجّ عليه، ولا يصلّى عنه، ولا يتصدّق عنه، ولا يدعى له؛ لقول الله جلّ وعلا: ]ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين[ [الزّمر:65]، وقوله سبحانه: ]ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون[ [الأنعام:88]، وقال تعالى في المشركين: ]كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار[ [البقرة:167].
* والشّرك هو صرف العبادة، أو شيء منها لغير الله، كالّذي يدعو الأموات، أو النّجوم، أو الملائكة، أو الأنبياء، يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يذبح لهم، هذا هو الشّرك، وهكذا من جحد شيئا، ممّا أوجبه الله ممّا هو معلوم من الدّين بالضّرورة، ممّا أجمع عليه المسلمون؛ كالّذي يجحد وجوب الصّلاة، أو وجوب الزّكاة، أو يجحد وجوب صوم رمضان، أو يجحد وجوب الحجّ مع الاستطاعة، أو يستحلّ ما حرّم الله ممّا هو معلوم من الدّين بالضّرورة، وأجمع المسلمون على تحريمه: كالزّنى، والخمر، فيقول: الزّنى حلال، أو الخمر حلال، أو يقول: عقوق الوالدين حلال، هذا كافر كفرا أكبر، لا يصلّى عليه، ولا يستغفر له، ولا يحجّ عنه، ولا يتصدّق عنه؛ لأنّه مات على غير الإسلام ما دام بين المسلمين: قد سمع القرآن، ورأى المسلمين، ورأى أعمالهم، هذا غير معذور، قد قامت عليه الحجّة؛ لأنّ الله سبحانه يقول: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجّة، قال الله سبحانه: ]هذا بلاغ للنّاس[ [إبراهيم:52]؛ ولأنّه معرض، ما تعلّم، ولا سأل، وأمره إلى الله، لكن هذا حكمه في الدّنيا، مثل عامّة كفّار قريش، الّذين قتلوا يوم بدر، وفي غيره، أو ماتوا في مكّة، ومثل عامّة كفّار اليوم، عامّة كفّار النّصارى، كفّار اليهود كلّهم جهّال، لكن لمّا رضوا بما هم عليه، ولم ينقادوا لما بعث الله به محمّدا r، ولم يلتفتوا إليه صاروا كفّارا، نسأل الله العافية والسّلامة)([54]).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتوى
العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /
في
عدم العذر بجهل فيمن وقع في المخالفات الشّرعيّة في الأصول؛
بمثل: من وقع في الكفر الأكبر، أو الشّرك الأكبر، فإنّه يكفر
ولا يعذر بجهله في الدّين
* سئل العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في أمور التّوحيد؟، وهل ينطبق هذا على من يدعون، وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟.
فأجاب فضيلته: (لا يعذر بذلك من أقام في بلد التّوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزّمان، ولا في محل بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين، لا يعذر في التّوحيد، بل متى وقع الشّرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر، والشّام، ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدويّ وغيره.
* فالواجب على علماء الإسلام أن ينبّهوا النّاس، وأن يحذّروهم من هذا الشّرك، وأن يعظوهم، ويذكّروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم، ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمّعة لغيره، بل يسأل، والله يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43].
* فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشّرك!؛ لأنّه رأى النّاس على ذلك، ولا يسأل، ولا يتبصّر، وقد ثبت عن النّبيّ r، أنّه قال لمن سأله عن أبيه: «إنّ أباك في النّار، فلما رأى تغيّر وجهه قال r: إنّ أبي وأباك في النّار»([55])، وأبوه r مات في الجاهليّة، رواه مسلم في الصّحيح؛ لأنّهم كانوا على شريعة تلقّوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، وهي التّوحيد، وأمّه عليه الصّلاة والسّلام ماتت في الجاهليّة، واستأذن ربّه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدلّ ذلك على: أنّ من مات على كفر لا يستغفر له، ولا يدعى له، وإن كان في الجاهليّة، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التّوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرّسول r، هو أولى بأن يقال في حقّه: إنّه كافر، وله حكم الكفّار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشّرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
* فالواجب على كلّ إنسان مكلّف، أن يسأل، ويتحرّى الحقّ، ويتفقّه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامّة، والتّأسّي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عمّا أشكل عليه، من أمر التّوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43]) ([56]).اهـ
* فالواجب على الرّجال والنّساء من المسلمين التّفقّه في الدّين، والتّبصّر، والسّؤال عمّا أشكل عليهم، وعدم السّكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنّهم خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بدّ من طلب العلم، ولا بدّ من السّؤال لأهل العلم حتّى يتعلّم الجاهل. ([57])
* وسئل العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الرّبوبيّة، وتوحيد الألوهيّة؛ أم: لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسيّة تختلف حسب الزّمان والمكان؟.
فأجاب فضيلته: (ليس في العقيدة عذر في توحيد الرّبوبيّة، والألوهيّة، والأسماء والصّفات، ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصّحيحة، وأن يوحّد الله جلّ وعلا، ويؤمن بأنّه ربّ العالمين، وأنّه الخلّاق العليم، وأنّه المنفرد بالرّبوبيّة، ليس هناك خالق سواه، وأنّه مستحقّ العبادة وحده دون كلّ ما سواه، وأنّه ذو الأسماء الحسنى، والصّفات العلا، لا شبيه له، ولا كفء له، الّذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التّساهل في هذا الأمر، إلّا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي([58])، فإنّه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنّة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النّار، فالمقصود أنّ هذا يختلف، فإذا كان في محل بعيد لا يسمع القرآن والسّنّة؛ فهذا حكمه حكم أهل الفترة([59])، حكمهم عند أهل العلم أنّهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنّة، ومن عصى دخل النّار، وأمّا كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسّنّة، ثمّ يبقى على الشّرك، وعلى إنكار الصّفات فهو غير معذور، نسأل الله العافية، وليس العذر بالجهل مسألة قياسيّة تختلف من زمان إلى زمان، ومكان إلى آخر؛ لأنّ الجهل ليس بعذر بالنّسبة للعقيدة، إلّا إذا كان في محلّ لم تبلغه الدّعوة: للقرآن ولا للسّنّة، أمّا في الأحكام فهو عذر: يعني جهل بالحكم الشّرعيّ في بعض الأحكام الّتي تخفى، أو في دقائق الصّفات، وبعض الصّفات الّتي قد تخفى فهذا عذر، أمّا في الأمور الواضحة، في الأمور الّتي تعدّ بالضّرورة كالإيمان بتوحيد الله، وأنّه الخلّاق العليم، وأنّه مستحق للعبادة، وأنّه الكامل في أسمائه وصفاته، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم، والسّنّة المطهّرة من أسماء الله وصفاته، هذا ليس محلّ عذر إذا كان ممّن بلغه القرآن والسّنّة، نسأل الله السّلامة) ([60]). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فتاوى
العلّامة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين / في كفر من وقع في الشّرك الأكبر بعينه، ولا يعذر بجهله؛ لأنّه ترك التّوحيد، والكفر بالعموم
قال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «شرح ثلاثة الأصول» (ص56): (فمن دعا غير الله عزّ وجلّ؛ بشيء لا يقدر عليه؛ إلاّ الله: فهو مشرك كافر، سواء كان المدعو حيّا أو ميّتا). اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التّوحيد» (ص80): (ومع الأسف؛ ففي بعض البلاد الإسلاميّة، من يعتقد أنّ فلانا المقبور الّذي بقي جثّة، أو أكلته الأرض؛ ينفع أو يضرّ، أو يأتي بالنّسل لمن لا يولد لها، وهذا - والعياذ بالله - شرك أكبر مخرج من الملّة). اهـ
* وسئل الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين /؛ عن الشّرك الأكبر ما هو؟.
فأجاب فضيلته: (الشّرك الأكبر: هو الشّرك المخرج عن الملّة؛ مثل: أن يعتقد الإنسان، أنّ مع الله تعالى إلها يدبّر الكون، أو أنّ مع الله تعالى إلها آخر خلق شيئا من الكون، أو أنّ مع الله تعالى أحدا يعينه ويؤازره؛ فهذا كلّه شرك أكبر، وهذا الشّرك يتعلّق بالرّبوبيّة.
* أو يعبد مع الله تعالى إلها آخر، مثل: أن يصلّي لصاحب القبر، أو يتقرّب إليه بالذّبح له تعظيما له، أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشّرك في الألوهيّة، فالشّرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملّة).([61]) اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التّوحيد» (ص318): (فمن اعتقد أنّ مع الله خالقا أو معينا؛ فهو مشرك، أو أنّ أحدا سوى الله يستحق أن يعبد؛ فهو مشرك وإن لم يعبده، فإن عبده؛ فهو أعظم).اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التّوحيد» (ص152): (الاستعاذة بأصحاب القبور، فإنّهم لا ينفعون ولا يضرّون، فالاستعاذة بهم شرك أكبر، سواء كان عند قبورهم أم بعيدا عنهم). اهـ
* وسئل الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين؛ ما مصير المسلم الّذي يصوم، ويصلّي، ويزكّي، ولكنّه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الّذي يسمّونه في بعض الدّول الإسلاميّة اعتقادا جيّدا؛ أنهم يضرّون وينفعون، وكما أنّه يقوم بدعاء هذا الوليّ فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال، فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه؟.
فأجاب فضيلته: (تسمية هذا الرّجل الّذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته: مسلما جهل من المسمّي، ففي الحقيقة أنّ هذا ليس بمسلم؛ لأنّه مشرك، قال الله تعالى: ]وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين[ [غافر: 60]. فالدّعاء لا يجوز إلاّ لله وحده، فهو الّذي يكشف الضّرّ، وهو الّذي يجلب النّفع: ]أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع اللّه قليلا ما تذكّرون[ [النمل: 62]. فهذا وإن صلّى، وصام، وزكّى، وهو يدعو غير الله ويعبده، وينذر له؛ فإنّه مشرك: قد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النّار، وما للظّالمين من أنصار).([62]) اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص125): (إذا تمّت شروط التّكفير في حقّه، جاز إطلاق الكفر عليه بعينه.
* ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الرّدّة على أحد، فيعامل معاملة المرتدّ في الدّنيا هذا باعتبار أحكام الدّنيا). اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «ثمرات التّدوين» (ص22)؛ بعد أن قيل له: أنّكم تمنعون أن يقال في حقّ (إحدى الكافرات) أنّها كافرة، وأنّه لا يجوز تكفير المعيّن، فما حقيقة ذلك؟.
فأجاب فضيلته: (هذا غير صحيح؛ بل إنّي أشهد أنّها كافرة، ولكن بعض النّاس لجهلهم: يخلط بين الحكم الشّرعيّ الدّنيويّ، وبين ما يقضي الله في الآخرة، ودعوى أنّه لا يجوز تكفير المعيّن غير صحيحة؛ فهذا تارك الصّلاة، والسّاجد للصّنم، يقتل ردّة، ونحكم بكفره، وهو معيّن). اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «فتاوى لقاءات الباب المفتوح» (ج3 ص215): (ونرى أنّ من الأفعال ما هو كفر يحاسب عليه الإنسان محاسبة الكافر، ويعامل في الدّنيا معاملة الكافر، وفي الآخرة حسابه على الله، فلو رأينا رجلا سجد لصنم حكمنا بكفره، وقلنا: إنّه كافر يستتاب؛ فإن تاب وإلاّ قتل ... كذلك أيضا من الأعمال ما تركه كفر؛ كالصّلاة مثلا، الصّلاة من تركها حكمنا: بكفره عينا).اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «القول المفيد على كتاب التّوحيد» (ص97): (يوجد في بعض البلدان الإسلاميّة من يصلّي، ويزكّي، ويصوم، ويحجّ، ومع ذلك يذهبون إلى القبور يسجدون لها ويركعون؛ فهم كفّار غير موحّدين، ولا يقبل منهم أيّ عمل.
وهذا من أخطر ما يكون على الشّعوب الإسلاميّة؛ لأنّ الكفر بما سوى الله عندهم ليس بشيء، وهذا جهل منهم، وتفريط من علمائهم). اهـ
وقال شيخنا العلاّمة محمّد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص126): (وإذا كان الجهل بالشّرك لا يعذر به الإنسان، فلماذا أرسلت الرّسل: تدعو قومها إلى توحيد الله تعالى؟، فهم إن كانوا لا يعذرون بالجهل: فمعناه: أنّهم عالمون به). اهـ
* وسأله سائل: عن ماذا أفعل وأهلي ينذرون بالذّبائح في كلّ عام؛ لأصحاب القبور بهدف التّقرّب إليهم، ونصحناهم كثيرا، لكن دون فائدة، قائلين بأنّهم أولياء لله، وصالحون، فقلت لهم إذا كانوا صالحين فهم صالحون لأنفسهم وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم، وسؤالي هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنّهم يصلّون، وهل صلاتهم هذه مقبولة؟.
فأجاب فضيلته بقوله: (نعم نحن معك في نصيحة أهلك عن هذا العمل المشين، الّذي هو من الشّرك الأكبر الّذي لا يغفره الله، والّذي قال الله تعالى عنه: ]إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصار[ [المائدة: 72]، وإنّي أقول لأهلك: اتّقوا الله في أنفسكم؛ فإنّكم إن متّم على ذلك صرتم من أصحاب النّار، وأنتم خالدون فيها مخلّدون، وحرّم الله عليكم الجنّة والعياذ بالله، وهم مشركون مخلّدون في النّار، ولو كانوا يصلّون ويصومون، ويحجّون، ويعتمرون، وصلاتهم غير مقبولة، وحجّهم غير مقبول، وصدقاتهم غير مقبولة؛ لأنّهم كفّار، والعياذ بالله).([63]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
درّة نادرة
في
عدم العذر بالجهل في أصول الدّين
في هذا الزّمان لوجود الوسائل الحديثة
قال العلّامة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان: (الحمد لله وبعد: فإنّ مسألة العذر بالجهل مسألة فيها تفصيل؛ خلافا: «للمرجئة» الّذين يعتمدون عليها، ولا يفصّلون.
* وذلك أنّ الجاهل له حالتان:
* حالة من يكون بعيدا، منعزلا؛ لم تبلغه الدّعوة؛ فهذا: يعذر بجهله، حتّى تبلغه الدّعوة على وجه يفهمه إذا أراد.
* وحالة من بلغته الدّعوة؛ فهذا: لا يعذر بالجهل؛ لأنّه مقصّر في عدم تعلّمه وإزالة جهله، وذلك في مسائل الاعتقاد الواضحة.
* وأمّا في مسائل الاجتهاد الفرعيّة الخفيّة: فيعذر الجاهل حتّى توضّح له.
واليوم -والحمد لله- وجدت وسائل الاتّصال، ووسائل الإعلام؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله، وقد قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43]؛ فلم يبق لأحد عذر في البقاء على جهله؛ لأنّه هو المفرّط)([64]).اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدّليل على أنّ من قامت الحجّة على تفريطه في العلم، وإهماله فيما يجب عليه معرفته في القرآن والسّنّة، فتعدّى حدود الله تعالى، بسلوكه سبل الكفر، أو البدع في العبادات، فلا يعذر بجهله، لا في دار الإسلام، ولا في دار الكفر، لانتشار الرّسالة في الدّارين في هذا الزّمان
* لمّا كان الجهل: هو خلوّ النّفس من العلم، وهو اعتقاد الشّيء بخلاف ما هو عليه([65])، أو هو فعل الشّيء بخلاف ما هو حقّه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا، أو فاسدا، كان كلّ تصرّف مبنيّ على هذا الأساس مجانبا للصّواب؛ أي: تصرّفا خطأ. ([66])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج3 ص317): (فمن كان خطؤه؛ لتفريطه فيما يجب عليه من اتّباع القرآن، والإيمان مثلا، أو لتعدّيه حدود اللّه تعالى، بسلوك السّبل الّتي نهى عنها، أو لاتّباع هواه بغير هدى من اللّه تعالى، فهو الظّالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد.
* بخلاف المجتهد في طاعة اللّه تعالى، ورسوله r، باطنا، وظاهرا، الّذي يطلب الحقّ باجتهاد، كما أمره اللّه تعالى، ورسوله r، فهذا مغفور له خطؤه).اهـ
قلت: إنّ كلّ ما يحتاج النّاس إلى معرفته، واعتقاده، والتّصديق به؛ من مسائل التّوحيد، والنّبوّة، والمعاد، ومسائل الحلال، والحرام، قد بيّنه الله تعالى، ورسوله r، بيانا، شافيا، قاطعا للعذر.
* إذ هو من أعظم ما بلّغه الرّسول r: البلاغ المبين، وبيّنه للنّاس، وهو من أعظم الحجّة الّتي أقامها الله تعالى على عباده، بالرّسول r الّذي بلّغها وبيّنها.
قلت: فكتاب الله تعالى الّذي نقل الصّحابة، ثمّ التّابعون عن الرّسول r، لفظه، ومعانيه، والحكمة الّتي: هي سنّة رسول الله r، الّتينقلوها أيضا، عن الرّسول r: مشتملة على ذلك، في غاية المراد، وتمام الواجب، والمستحبّ.
قلت: وبهذا يتبيّن، أنّ الشّارع نصّ على كلّ ما يعصم من المهالك، نصّا، قاطعا للعذر.
قال تعالى: ]وما كان اللّه ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون[ [التّوبة: 115].
وقال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].
وقال تعالى: ]لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء: 165].
وقال تعالى: ]وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين[ [النّور: 54].
وعن أبي ذرّ t قال: (لقد توفّي رسول الله r، وما طائر يقلّب جناحيه في السّماء، إلّا ذكر لنا منه علما). ([67])
وعن سلمان الفارسيّ t؛ (أنّ بعض المشركين قالوا: لسلمان، لقد علّمكم نبيّكم كلّ شيء، حتّى الخراءة، قال: أجل). ([68])
قلت: لهذا كانت المسائل الّتي عليها مدار الإسلام:
1) كتوحيد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، والنّهي عن عبادة غير الله تعالى.
2) وكإثبات نبوّة محمّد r ورسالته.
3) والأمر بالصّلوات الخمس، وتعظيم أمرها، وباقي مباني الإسلام.
4) وتحريم الفواحش، والرّبا، والميسر، والقتل، وغير ذلك.
5) ومعاداة المشركين، وأهل الكتاب، وكفرهم، وغير ذلك من الأصول.
6) ومعاداة المبتدعين، من أهل التّحزّب.
7) ونهي عن البدع.([69])
قلت: كان ذلك من أبين ما بلّغه الرّسول r، وقد تواتر الأمر بها، وبيان أحكامها، وتفاصيلها في الكتاب العزيز، والسّنّة المطهّرة.
* فلهذا كانت من واضحات العلم، وضروريّات الهدى.
قلت: فمن كان يعيش في دار الإسلام([70])، وبيئة العلم، والإيمان، لا عذر له في جهل هذه المسائل، أو مخالفتها.
قال الإمام ابن القيّم / في «طريق الهجرتين» (ص411)؛ في معرض حديثه، عن طبقة المقلّدين، وجهّال الكفرة: (الإسلام: هو توحيد الله تعالى، وعبادته، وحده لا شريك له.
* والإيمان بالله تعالى، ورسوله r، واتّباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرا معاندا، فهو كافر جاهل).اهـ
وقال الإمام الشّافعيّ / في «الرّسالة» (ص335): فقال لي قائل: ما العلم؟ وما يجب على النّاس في العلم؟ فقلت: (العلم علمان: علم عامّة، لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله.
* قال: ومثل ماذا؟.
قلت: مثل الصّلوات الخمس، وأنّ لله على النّاس صوم شهر رمضان، وحجّ البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنّه حرّم عليهم الزّنا، والقتل، والسّرقة، والخمر، وما كان في معنى هذا، ممّا كلّف العباد؛ أن يعقلوه، ويعملوه، ويعطوه من أنفسهم وأموالهم، وأن يكفّوا عنه ما حرّم عليهم منه.
* وهذا الصّنف كلّه من العلم موجود نصّا في كتاب الله، وموجودا عامّا عند أهل الإسلام، ينقله عوامّهم عن من مضى من عوامّهم، يحكونه عن رسول الله، ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم.
* وهذا العلم العامّ الّذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر، ولا التّأويل، ولا يجوز فيه التّنازع).اهـ
وقال الحافظ ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص67): (وفي الجملة: فما ترك اللّه تعالى، ورسوله r حلالا؛ إلّا مبيّنا، ولا حراما؛ إلّا مبيّنا، لكنّ بعضه كان أظهر بيانا من بعض، فما ظهر بيانه، واشتهر، وعلم من الدّين بالضّرورة من ذلك، لم يبق فيه شكّ، ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيه الإسلام) ([71]).اهـ
قلت: لا عذر بالجهل في الإقرار بالإسلام، والعمل به، والبراءة من كلّ دين يخالفه.
* فكلّ من لم يدن بدين الإسلام، فهو كافر، سواء أكان ذلك؛ عنادا، أم جهلا.
قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء: 165].
وقال تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15].
قلت: ولهذا عندما تكلّم أهل العلم، عن أنواع الجهل، ما يصلح منها عذرا، وما لا يصلح، جعلوا الجهل بالخالق تعالى، ونبوّة محمّد r، من الجهل الباطل الّذي لا يصلح عذرا. ([72])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص275): (فالإنسان ظالم، جاهل). اهـ
وقال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «شرح القواعد المثلى» (ص271): (إذن: فيشترط لهذا التّتبّع أن يكون بعلم وإنصاف، فإن كان بجهل؛ فإنّه لا يمكن أن يعرف أنّه مطابق؛ لأنّه جاهل، والجاهل كيف يعرف أنّ هذا المذهب مطابق لما دلّ عليه الكتاب والسّنة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان / في «شرح السّنّة» (ص47): (قوله تعالى: ]ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا[ [الزّخرف: 36]؛ هذا عقوبة له: ]فهو له قرين * وإنّهم[؛ أي: الشّياطين: ]ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون [ [الزّخرف: 36-37]؛ يحسب الأتباع أنّهم مهتدون، فلم ينفعهم ذلك، ولا عذر لهم فيه، لأنّهم بلغتهم دعوة الرّسل فلم يقبلوها.
* وإنّما العذر يكون في المسائل الاجتهاديّة، الّتي يسوغ فيها الاجتهاد، فيجتهد الإنسان، ويبذل وسعه، وطاقته في البحث حتّى يظنّ أنّ هذا هو الحقّ، فهذا معذور؛ لقوله r: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».
* هذا في المسائل الاجتهاديّة، أمّا المسائل التّوقيفيّة؛ وهي أمور العقيدة فليس لأحد أن يجتهد فيها، بل الواجب اتّباع الدّليل، ولا مجال فيها للاجتهاد). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الرّسائل الشّخصيّة» (ص244): (أمّا أصول الدّين الّتي أوضحها الله تعالى، وأحكمها في كتابه؛ فإنّ حجّة الله تعالى: هي القرآن، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بابطين / في «الرّسائل والمسائل» (ج5 ص510): (فمن بلغته: رسالة محمّد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجّة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن معمّر / في «النّبذة الشّريفة» (ص116): (كلّ من بلغه القرآن: فليس بمعذور، فإنّ الأصول الكبار، الّتي: هي أصل دين الإسلام، قد بيّنها الله تعالى، في كتابه ووضّحها، وأقام الحجّة على عباده). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص146): (فمن أنكر التّكفير جملة: فهو محجوج بالكتاب والسّنّة). اهـ
قلت: لهذا كان طلب العلم، فريضة، وبخاصّة: العلم بالمسائل الّتي يتحقّق بها الإيمان، والنّجاة من الكفر، والنّجاة من الخلود في النّار، من تعلّم التّوحيد الخالص، واجتناب الشّرك، ولا عذر لمكلّف في الجهل بهذه الأصول. ([73])
قال العلّامة الشّيخ عبد الله بابطين / في «الانتصار لحزب الله الموحّدين» (ص10): (أنت مكلّف بمعرفة التّوحيد، الّذي خلق الله تعالى: الجنّ، والإنس لأجله، وأرسل جميع الرّسل عليهم السّلام، يدعون إليه.
* ومعرفة ضدّه، وهو الشّرك: الّذي لا يغفر، ولا عذر لمكلّف في الجهل بذلك، ولا يجوز فيه التّقليد؛ لأنّه أصل الأصول). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بابطين / في «الانتصار لحزب الله الموحّدين» (ص 20): (ففرض على المكلّف: معرفة حدّ العبادة، وحقيقتها، الّتي خلقنا الله تعالى من أجلها، ومعرفة حدّ الشّرك، وحقيقته، الّذي: هو أكبر الكبائر). اهـ
قلت: فالواجب على المسلم الحريص على نجاته في الآخرة، أن يبذل وسعه في تعلّم ما افترضه الله تعالى، حتّى تكون عبادته صحيحة، لا أن يركن إلى الجهل، ويتمنّى على الله تعالى الأمانيّ.
* وذلك: أن قبول العبادة، مشروط بشرطين: ذكرهما، أهل العلم.
وهما: الإخلاص، والمتابعة.
* فالإخلاص، يقتضي: المعرفة التّامّة بالله تعالى، بحيث يكون رضا الله هو الغاية من جميع أفعال العبد.
وهذه لا تتيسّر بغير علم بالله تعالى، قال تعالى: ]إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء[ [فاطر: 28].
* والمتابعة، تقتضي: العلم بما كان عليه رسول الله r، من الهديّ، والمنهج، حتّى يتسنّى: للعبد الاقتداء به r، قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرا[ [الأحزاب: 21].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج3 ص328 و329): (يجب على كلّ مكلّف أن يعلم ما أمر اللّه تعالى به، فيعلم ما أمر بالإيمان به، وما أمر بعلمه، بحيث لو كان له ما تجب فيه الزّكاة، لوجب عليه تعلّم علم الزّكاة، ولو كان له ما يحجّ به، لوجب عليه تعلّم علم الحجّ، وكذلك أمثال ذلك.
* ويجب على عموم الأمّة علم جميع ما جاء به الرّسول r، بحيث لا يضيع من العلم الّذي بلّغه النّبيّ r أمّته شيء، وهو ما دلّ عليه الكتاب والسّنّة، لكنّ القدر الزّائد على ما يحتاج إليه المعيّن: فرض على الكفاية؛ إذا قامت به طائفة، سقط عن الباقين).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج8 ص26): (فممّا فيه من الاعتبار: أنّ هذا الأعرابيّ الجاهليّ([74])، لمّا ذكر له أنّ رجلا، بمكّة يتكلّم في الدّين، بما يخالف النّاس، لم يصبر حتّى ركب راحلته، فقدم عليه، وعلم ما عنده؛ لما في قلبه من محبّة الدّين والخير.
* وهذا فسّر به؛ قوله تعالى: ]ولو علم اللّه فيهم خيرا[ [الأنفال: 23]؛ أي: حرصا على تعلّم الدّين: ]لأسمعهم[ [الأنفال: 23]؛ أي: لأفهمهم.
* فهذا يدلّ على أنّ عدم الفهم في أكثر النّاس اليوم عدل منه سبحانه؛ لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلّم الدّين.
* فتبيّن: أنّ من أعظم الأسباب الموجبة؛ لكون الإنسان من شرّ الدّواب، هو عدم الحرص على التّعلّم.
* فإذا كان هذا الجاهل: يطلب هذا الطّلب، فما عذر من ادّعى اتّباع الأنبياء، وبلغه عنهم ما بلغه، وعنده من يعرض عليه التّعليم، ولا يرفع بذلك رأسا، فإن حضر، أو سمع؛ فكما قال تعالى: ]ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث إلّا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم[ [الأنبياء: 2و3]).اهـ
* بخلاف الّذي اجتهد في الدّين باهتمام على قدر استطاعته؛ من الاجتهاد الجزئيّ، أو الاجتهاد الوسط، أو الاجتهاد الكلّيّ.
فاجتهد في معرفة العلم، وفيما يجب عليه معرفته من أحكام القرآن، وأحكام السّنّة، ولم يتعدّى حدود الله تعالى عمدا.
* فسلك سبيل السّنّة الصّحيحة في العبادات، فيما فرض الله تعالى عليه، ومعرفة الحقّ، والهديّ.
ثمّ وقع في شيء من الأخطاء في حياته باجتهاداته الطّبيعيّة، بغير قصد، وبغير عناد، بل من طبيعة الإنسان أنّه يخطئ.
* فهذا لا يؤاخذ بما أخطأ فيه في الدّين، لأنّ صوابه، أكثر من خطئه، لأنّ خطأه هذا: مغمور في كثير من صوابه، وإخلاصه لله تعالى، واتّباعه للرّسول r.
فالحاصل: أنّ طلب العلم، بالأصول الّتي ذكرها أهل العلم، فيما سبق واجب على كلّ مسلم، قادر على التّعلّم.
* إمّا بنفسه، وإمّا بسؤال أهل العلم.
قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل: 43].
قلت: والإعراض عن طلب هذا العلم، والبقاء على الجهل، لا يكون عذرا للعبد، لأنّ الجهل عارض مكتسب، يزول بزوال أسبابه، ولأنّ العلم نعمة من الله تعالى، امتنّ بها على عباده بعد أن خلقهم، وهم لا يعلمون شيئا.
قال تعالى: ]واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون[ [النّحل: 78].
قلت: فلما كان الجهل عارضا، ولم يكن صفة ملازمة، للإنسان، بحيث لا يمكنه دفعها، لم يكن اعتباره عذرا مطلقا؛ لإمكان دفعه باكتساب العلم. ([75])
قال الإمام القرافيّ المالكيّ / في «الفروق» (ج2 ص150): (وضابط: ما يعفى عنه من الجهالات، الجهل الّذي يعذر الاحتراز عنه عادة، وما لا يتعذّر الاحتراز عنه، ولا يشقّ، لم يعف عنه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص259): (فالإنسان: ظالم، جاهل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص357): (وممّا يجب أن يعلم: أنّ اللّه بعث محمّدا r، إلى جميع الإنس، والجنّ، فلم يبق إنسيّ، ولا جنّيّ؛ إلّا ويجب عليه الإيمان بمحمّد r واتّباعه، فعليه أن يصدّقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ومن قامت عليه الحجّة برسالته، فلم يؤمن به، فهو كافر سواء كان إنسيّا، أو جنّيّا، فمحمّد r: مبعوث إلى الثّقلين؛ باتّفاق المسلمين، وقد استمعت الجنّ: القرآن، وولّوا إلى قومهم منذرين).اهـ
قلت: وهذا بيان، أنّ أصل الإيمان: هو الإيمان برسل الله تعالى، وجماع ذلك، الإيمان بمحمّد r، لأنّ الإيمان به، يتضمّن الإيمان بجميع الرّسل عليهم السّلام.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص113): (وأصل الكفر، والنّفاق: هو الكفر بالرّسل، وبما جاءوا به، فإنّ هذا: هو الكفر الّذي يستحقّ صاحبه العذاب في الآخرة، فإنّ اللّه تعالى أخبر في كتابه: أنّه لا يعذّب أحدا؛ إلّا بعد بلوغ الرّسالة، قال تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]). اهـ
قلت: وهذا بيان أنّ أصل الكفر، هو الكفر بالرّسل عليهم السّلام، لأنّ الكفر بالرّسل عليهم السّلام: يستحقّ صاحبه العذاب، لأنّه لا عذاب؛ إلّا بعد بلوغ الرّسالة، كما قال تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15].
قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء: 48].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص111): (فخصّ الشّرك بأنّه لا يغفره، وعلّق ما سواه على مشيئته، ونبّه بالشّرك على ما هو أعظم منه، كالتّعطيل للخالق، وهذا يدلّ على فساد قول من يجزم بالمغفرة لكلّ مذنب، أو يجوز ألّا يعذّب بذنب، فإنّه لو كان كذلك لما ذكر أنّه يغفر للبعض، دون البعض، ولو كان كلّ ظالم لنفسه مغفورا له، بلا توبة، ولا حسنات ماحية، لم يعلّق ذلك بالمشيئة.
وقوله تعالى: ]ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء: 48]، دليل على أنّه يغفر للبعض، دون البعض، فبطل النّفي([76])، والعفو العامّ) ([77]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان» (ص78): (ولا بدّ في الإيمان من أن يؤمن أنّ محمّدا r خاتم النّبيّين لا نبي بعده، وأنّ الله تعالى أرسله إلى جميع الثّقلين الإنس والجنّ، فكلّ من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن، فضلا عن أن يكون من أولياء الله المتّقين، ومن آمن ببعض ما جاء به، وكفر ببعض فهو: كافر ليس بمؤمن، كما قال تعالى: ]إنّ الّذين يكفرون باللّه ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقّا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا * والّذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان اللّه غفورا رحيما[ [النّساء: 150 و151 و152]). اهـ
قلت: وهذا بيان أنّ حقيقة الحقّ، هي حقيقة دين ربّ العالمين، وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وهي: الغاية المقصودة، وهي دين جميع الرّسل عليهم السّلام، وأنّ لكلّ منهم شرعة، ومنهاجا، للوصول إلى هذه الغاية المقصودة.
* وأنّ هذه الحقيقة، هي حقيقة دين الإسلام، فإنّ دين الإسلام، هو أن يستسلم العبد لله تعالى ربّ العالمين، لا يستسلم لغيره، فمن استسلم لله تعالى، ولغيره كان مشركا.
* وإنّ دين الأوّلين، والآخرين، هو: الإسلام، كما قال تعالى: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه[ [آل عمران: 85].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفرقان بين الحقّ والباطل» (ص85): (فعلى كلّ مؤمن: ألّا يتكلّم في شيء من الدّين؛ إلّا تبعا لما جاء به الرّسول r، ولا يتقدّم بين يديه، بل ينظر ما قال.
* فيكون قوله تبعا لقوله، وعمله تبعا لأمره، فهكذا كان الصّحابة y، ومن سلك سبيلهم من التّابعين لهم بإحسان، وأئمّة المسلمين.
فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النّصوص بمعقوله، ولا يؤسّس دينا غير ما جاء به الرّسول r.
* وإذا أراد معرفة شيء من الدّين، والكلام فيه، نظر فيما قاله اللّه تعالى، والرّسول r، فمنه يتعلّم، وبه يتكلّم، وفيه ينظر ويتفكّر، وبه يستدلّ، فهذا أصل: أهل السّنّة).اهـ
قلت: فمن خلال العرض السّابق، يمكن أن نستخلص، أنّ الجهل ليس صفة ملازمة للإنسان في كلّ أحواله، بل من الجهل ما يكون الإنسان، هو السّبب في بقائه عليه.
* وذلك بتقصيره في محاولة إزالته بالتّعليم، ولذلك كان حكم هذا الجهل مغايرا، لحكم الجهل الّذي يعذر به صاحبه؛ لأسباب شرعيّة، أوّلها: مشقّة الإحتراز منه.
ثانيها: انتفاء تقصير المكلّف في تصرّفه النّاشيء عن جهل يعذر به، فالجهل لا يكون عذرا؛ إلّا مع العجز عن إزالته، وإلّا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحقّ، فقصّر فيها، لم يكن معذورا. ([78])
قلت: فهذا النّوع من الجهل؛ يسمّى: جهل الإعراض، والصّدود.
* وقد سبق من أقوال العلماء: بيان حكم هذا النّوع من الجهل، وأنّه من الجهل الّذي يمكن دفعه وإزالته، لأنّ بقاء المكلّف على هذا الجهل، هو من اختياره، واستمراره على عدم العلم من إرادته.
قلت: فالجاهل بسبب إعراضه عن العلم يستطيع الوصول إليه، أشبه بالمعاند الّذي يرى الحقّ، فلا يعمل به.
قال الإمام ابن القيّم / في «طريق الهجرتين» (ص412): (لا بدّ في هذا المقام من تفصيل: به يزول الإشكال، وهو الفرق، بين مقلّد تمكّن من العلم، ومعرفة الحقّ، فأعرض عنه، ومقلّد لم يتمكّن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود، فالمتمكّن المعرض مفرط، تارك للواجب عليه، لا عذر له عند الله تعالى). اهـ
وقال الفقيه ابن اللّحّام الحنبليّ / في «القواعد والفوائد الأصوليّة» (ص58): (إذا قلنا أنّ الجاهل يعذر، فإنّما محلّه إذا لم يقصّر، ويفرّط في تعلّم الحكم، أمّا إذا قصّر، أو فرّط، فلا يعذر جزما). اهـ
وقال الفقيه محمّد بن أحمد المقري المالكيّ / في «القواعد» (ج2 ص412): (أمر الله تعالى: العلماء أن يبيّنوا، ومن لا يعلم يسأل، فلا عذر في الجهل بالحكم، ما أمكن التّعلّم). اهـ
قلت: لقد راعى أهل العلم، في مسألة: بيان أنواع الجهل -ما يصلح منها عذرا، وما لا يصلح- قضية: الاشتهار، والذّيوع؛ بالنّسبة للأحكام الشّرعيّة، في الأصول والفروع، فخلصوا إلى أنّ ما اشتهر من الأحكام، وذاع بين النّاس، لا يعذر أحد بجهله، وخاصة: إذا كان في دار الإسلام، إلّا ما كان منها: ممّا لا يعلمه؛ إلّا أهل العلم من الأحكام الدّقيقة.
قلت: فالجهل بأصول الدّين، وكلّيّات الأمور الاعتقاديّة، فالجهل لا يعتبر عذرا في هذه الأمور، لأنّه بعد وضوح الدّلائل، وقيام الحجّة، يعتبر مكابرة. ([79])
* وما علم من الدّين بالضّرورة، ويندرج تحته جميع الأحكام الشّرعيّة، ممّا هو: معروف، وشائع في الدّيار الإسلاميّة، من: «الصّلاة»، و«الزّكاة»، و«الصّيام»، و«الحجّ»، وحرمة: «الزّنا»، و«القتل»، و«الخمر»، و«السّرقة»، وغير ذلك. ([80])
قلت: ولهذا لمّا راعى العلماء، مسألة: شيوع الأحكام وشهرتها، استثنوا، دار الحرب، والبوادي النّائية، عن العلم، والعلماء، والرّسالة.
قال الإمام السّيوطيّ / في «الأشباه والنّظائر» (ص220): (كلّ من جهل تحريم شيء ممّا يشترك فيه غالب النّاس([81])، لم يقبل؛ إلّا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى عليه مثل ذلك). اهـ
قلت: فلا يكون عذرا، لتارك الواجبات، أو فاعل المحرّم، الّذي هو من المعلوم من الدّين بالضّرورة؛ إلّا أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، فتخفى عليه مثل هذه الأحكام على قول عدد من العلماء، وإلاّ في زماننا الحاضر لا عذر لأهل البادية من عذر؛ لانتشار العلم فيهم في العالم من طريق الوسائل الحديثة.
قلت: والواقع بات واضحا، أنّ التّقصير؛ هو سبب هذا الجهل الّذي استفحل أمره في النّاس، والمخالفات الكبيرة، ثمّ يدّعي الإنسان الجهل. ([82])
* ويعتبر المكلّف عارفا، إمّا بعلمه حقيقة، وإمّا بتمكّنه من العلم، بالتّعلّم، أو بسؤال أهل العلم، ووجود المكلّف في دار الإسلام، قرينة كافية على اعتباره عارفا بالحكم.
* لذلك؛ لا يجوز للمكلّف أن يلجأ إلى الاعتذار، بجهله بالأحكام، مع إعراضه عن التّعلّم، وفي هذا تعطيل ظاهر لأحكام الشّريعة في نفسه، بسبب إعراضه عن التّعلّم. ([83])
قلت: فلا يمكن أن يعتذر بالجهل إطلاقا، فإنّ حجّة الله تعالى قد قامت عليه، بالعلم الّذي أوتيه، وليس هذا محلّ خلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج22 ص16): (من ترك الواجب، أو فعل المحرّم، لا باعتقاد، ولا بجهل يعذر فيه، ولكن جهلا، وإعراضا، عن طلب العلم الواجب عليه مع تمكّنه منه، أو أنّه سمع إيجاب هذا، وتحريم هذا، ولم يلتزمه، إعراضا، لا كفرا بالرّسالة.
* فهذان نوعان يقعان: كثيرا من ترك طلب العلم الواجب عليه حتّى ترك الواجب، وفعل المحرّم غير عالم بوجوبه وتحريمه، أو بلغه الخطاب في ذلك، ولم يلتزم اتّباعه تعصّبا لمذهبه، أو اتّباعا لهواه، فإنّ هذا ترك الاعتقاد الواجب بغير عذر شرعيّ.).اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «القواعد» (ص343): (إذا زنى من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين، وادّعى الجهل بتحريم الزّنا، لم يقبل قوله، لأنّ الظّاهر يكذّبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك). اهـ
قلت: والمقصود من كلام الإمام ابن رجب /، أنّ حكم الزّنا مشتهر، وذائع في دار الإسلام.
* فحتّى؛ وإن كان الزّاني الّذي ادّعى الجهل صادقا في دعواه، فإنّه لا يقبل منه ذلك؛ لتقصيره في تعلّم أحكام الإسلام، الّتي هي من قبيل المعلوم من الدّين بالضّرورة؛ لأنّ جهله هذا ليس ممّا يشقّ الاحتراز منه، فلا يكون عذرا لتارك الواجب، أو فاعل المحرّم، الّذي هو من المعلوم من الدّين بالضّرورة.([84])
قال الفقيه الأمير / في «مسائل لا يعذر فيها بالجهل» (ص62): (قد ظهر الإسلام، وفشا: فلا يعذر جاهل في شيء من الحدود). اهـ
وقال العلاّمة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «الدّرر السّنيّة» (ج2 ص352)؛ عن شهادة: «أنّ لا إله إلاّ الله»: (وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر من يقولها تقليدا وعادة، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور، أمثال هؤلاء.
* كما في الحديث: (سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته).([85])
* وغالب أعمال هؤلاء إنّما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم من أقرب النّاس من قوله تعالى: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون[ [الزخرف: 23]). اهـ
قلت: ولا يسع لأحد بالجهل بالله تعالى، وصفاته، والعمل بــ«لا إله إلاّ الله»، وأركان الإسلام، ونحو ذلك من الأصول الظّاهرة، ممّا يتوقّف عليه صحّة الإيمان.
* أمّا ما عدا ذلك من الفروع في الجملة فلا يلزم على كلّ أحد في وقت تعلّمه؛ بل بحسب الحاجة، وعند اللّزوم، وإن كانت معرفة ذلك كلّه من الإيمان، فلا يجوز للعبد أن يبقى في فترة طويلة، معرضا عن علم ما أنزل الله تعالى على رسوله r، وإلاّ: ]فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور[ [الحج: 46].([86])
قال العلاّمة الشّيخ عبد الله بن حسن آل الشّيخ /: (فكيف لا يعاتب بهذه الآية([87]): من كان طول عمره، معرضا عن فهم ما أنزل الله تعالى على رسوله: ]فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور[ [الحج: 46]).([88]) اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدّليل
من تفسير الصّحابة، والتّابعين، على أنّه من بلغه القرآن الكريم، فقد قامت عليه الحجّة، ويكفي في فهمها في الجملة([89])، ولا يلزم فهم الحجّة على التّفصيل، فلا يعذر بجهله بعد بلوغ رسالة محمّد r إليه، إذا وقع في الكفر، والشّرك، وتكفيره هذا: موقوف على بلوغ الحجّة، بوصول القرآن إليه، وليس بموقوف على فهم الحجّة مطلقا، بل على بلوغها، ففهمها شيء، وبلوغها شيء آخر، فأجمع السّلف الصّالح على أنّ هذا لا يعذر بجهله في أصول الدّين
اعلم رحمك الله: أنّ الصّحابة، والتّابعين؛ قد أجمعوا على أنّه من بلغه القرآن الكريم، وبلغته رسالة محمّد r، فقد قامت عليه الحجّة، فلا عذر، لأيّ: عبد بعد ذلك، إذا وقع في: «الكفر الأكبر»، أو «الشّرك الأكبر»، فهذا يكفر، وإن لم يفهم الحجّة([90])، لأنّ فهم الحجّة، هذا نوع، غير قيام الحجّة، فتنبّه.
* والسّلف الصّالح: أجملوا ببلوغ الحجّة، ولم يفصّلوا، فلم يشترطوا في قيام الحجّة الفهم، بل بمجرّد بلوغها بالقرآن والرّسالة، لأنّ هذا العبد، قد ناقض التّوحيد، والرّسالة، فكفر بذلك. ([91])
* والبلوغ، والبلاغ: الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، مكانا، أو زمانا، أو أمرا: من الأمور المقدّرة، والبلاغ: التّبليغ؛ والبلاغ: الكفاية. ([92])
قال تعالى: ]هذا بلاغ للنّاس[ [إبراهيم:52].
وقال تعالى: ]بلاغ فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون[ [الأحقاف:35].
وقال تعالى: ]وما علينا إلّا البلاغ المبين[ [يس:17].
وقال تعالى: ]فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ [الرّعد:40].
وقال تعالى: ]إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء:106].
وقال تعالى: ]وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته[ [المائدة:67].
وقال تعالى: ]أبلّغكم رسالات ربّي[ [الأعراف:62].
وقال تعالى: ]فإن تولّوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم[ [هود:57].
وقال تعالى: ]ياأيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك[ [المائدة:67].
قال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن، والفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة» (ص9): (قامت على النّاس الحجّة بالرّسول r، وبالقرآن... فكلّ من سمع الرّسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن، والفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة» (ص23): (الحجّة بالقرآن على من بلغه، وسمعه، ولو لم يفهمه). اهـ؛ يعني: على التّفصيل. ([93])
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن معمّر التّميميّ / في «النّبذة الشّريفة» (ص 115): (إنّ الله تعالى: أرسل الرّسل عليهم السّلام، مبشّرين، ومنذرين؛ لئلّا يكون للنّاس على الله تعالى حجّة، بعد الرّسل عليهم السّلام.
* فكلّ من بلغه القرآن، ودعوة الرّسول r، فقد قامت عليه الحجّة.
فقال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء:15].
* وقد أجمع العلماء: على أنّ من بلغته دعوة الرّسول r، أنّ حجّة الله تعالى قائمة عليه.
* فكلّ من بلغه القرآن، فليس بمعذور، فإنّ الأصول الكبار، الّتي هي: أصل دين الإسلام، قد بيّنها الله تعالى في كتابه، ووضّحها، وأقام بها الحجّة على عباده.
* وليس المراد: بقيام الحجّة، أن يفهمها الإنسان فهما جليّا؛ كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفّقه، وانقاد لأمره.
* فإنّ الكفّار: قد قامت عليهم حجّة الله تعالى مع إخباره، بأنّه جعل على قلوبهم أكنّة أن يفقهوا كلامه.
* فهذا: بيّنته لك أنّ بلوغ الحجّة: نوع، وفهمها: نوع آخر).اهـ
قلت: وهذا يدلّ أنّ الفهم التّفصيليّ لا يشترط مطلقا، لقيام الحجّة، بل يشترط فقط، الفهم الإجماليّ، وذلك لوضوح القرآن؛ لأنّه كلام الله تعالى، وبخاصّة: في أمر توحيد الله تعالى في المعرفة والإثبات، وأصول الاعتقاد، والطّاعة والاتّباع، والنّهي عن الشّرك بالله تعالى، والإيمان بالرّسول r، وطاعته، وكذا الإيمان بحياة البرزخ، والإيمان باليوم الآخر.
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن معمّر التّميميّ / في «النّبذة الشّريفة» (ص116): (وليس المراد بقيام الحجّة، أن يفهمها الإنسان، فهما، جليّا، كما يفهمها من هداه الله تعالى ووفّقه، وانقاد لأمره). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس» (ص251): (وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة، فإنّ من بلغته دعوة الرّسل عليهم السّلام، فقد قامت عليه الحجّة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم). اهـ
قلت: والعلم هنا؛ المراد منه، ليس علم التّفقّه، بل المراد منه العلم في الجملة، الّذي يعرفه كلّ عاقل مكلّف، لأنّ بعقله، وبفهمه على الإجمال، يعلم أنّه مكلّف بالدّين الإسلاميّ ابتداء. ([94])
فإذا تمكّن من هذا العلم في الجملة، بعد ذلك يأتي من هذا الإنسان العاقل علم التّفقّه، وفهم التّفقّه، حتّى يعرف الإسلام جملة وتفصيلا، على حسب اجتهاده في تعلّم علم الفقه.
والحاصل: أنّ مقصود أهل العلم، من عدم اشتراط الفهم، لقيام الحجّة على النّاس.
هو النّوع الأوّل: من الفهم، وهو الفهم المجمل، وليس مقصودهم، النّوع الثّاني: وهو فهم التّفقّه، الّذي يؤدّي على الامتثال، والانقياد على التّفصيل.
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس» (ص252): (ولا يشترط في قيام الحجّة، أن يفهم عن الله تعالى، ورسولهr ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد، لما جاء به الرّسول r). اهـ
قلت: فالبيان يتحقّق بما يفهمه الإنسان بحسب لغته، للجاهل العربيّ، والجاهل الأعجميّ، ويعدّ بيانا لهما. ([95])
* فبلوغ الحجّة: يكون بالعربيّة لمن يحسنها، أو بالتّرجمة، إن حصلت: لمن كان أعجميّا، لا يعرف العربيّة، وإلّا في الأصل إذا بلغ هذا الأعجميّ القرآن، فقد قامت عليه الحجّة، لأنّه مكلّف عاقل، ويعلم ماذا يريد منه القرآن، وإلّا كيف أسلم الأعاجم([96]) على مرّ العصور، وكرّ الدّهور، لأنّهم: يعلمون ماذا يريد الله تعالى بالقرآن، والإسلام، وبعثة النّبيّ r. ([97])
قال تعالى: ]أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده فلا تك في مرية منه إنّه الحقّ من ربّك ولكنّ أكثر النّاس لا يؤمنون[ [هود:17].
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص68): (واذكر إجماع الصّحابة y على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردّتهم، لمّا قالوا كلمة في تقرير نبوّة مسيلمة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /؛ في معرض حديثه عمّن فهم كلام شيخ الإسلام خاطئا في مسألة قيام الحجّة: (فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجّة، ولكنّ أصل الإشكال: أنّكم لم تفرّقوا بين قيام الحجّة، وبين فهم الحجّة، فإنّ أكثر الكفّار، والمنافقين لم يفهموا حجّة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44]) ([98]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن النّجديّ / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص124): (والمقصود: أنّ الحجّة قامت: بالرّسول r، والقرآن، فكلّ من سمع بالرّسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجّة). اهـ
وإليك آثار السّلف في عدم العذر بالجهل في الأصول:
* ممّا سبق من الحديث، عن التّكليف، وأنّه لا يثبت؛ إلّا بالشّرع، كما أنّ العقاب، لا يثبت؛ إلّا بعد قيام الحجّة بالنّذر، فكذلك الشّرائع: لا تلزم إلّا بعد بلوغها.
* ومسألة بلوغ الشّرائع، وكونها شرطا، في قيام الحجّة على العباد، ممّا دلّ عليه الكتاب، والسّنّة، واتّفق عليه السّلف، والعلماء.
قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19].
قلت: فبلّغوا عن الله تعالى، فمن بلغته الآيات من كتاب الله تعالى، فقد بلغه القرآن من الله تعالى، وسنّة من رسوله r، وقد وصلته الرّسالة، فلا عذر له بالجهل بعد بلاغ القرآن، والسّنّة، والآثار.
فعن ابن عبّاس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ يعني: أهل مكّة، ]ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ يعني: من بلغه هذا القرآن من النّاس، فهو له نذير) ([99]).([100])
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ قال: العرب، ]ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ قال: العجم)، وفي رواية: (من أسلم من العجم، وغيرهم)، وفي رواية: (من الأعاجم).([101])
وعن عبد الله بن داود الخريبيّ / قال: (ما في القرآن آية، أشدّ على أصحاب: «جهم بن صفوان»، من هذه الآية: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فمن بلغه القرآن، فكأنّما: سمعه من الله تعالى). ([102])
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص525): (قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، أي: هو نذير لكم من بلغه، كقوله تعالى: ]ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده[ [هود:17]).اهـ
وقال الإمام ابن أبي زمنين / في «تفسير القرآن» (ج2 ص61): (قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ أي: من بلغه القرآن).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ الشّنقيطيّ / في «أضواء البيان» (ج2 ص168): (قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ صرّح تعالى في هذه الآية الكريمة: بأنّه r منذر لكلّ من بلغه هذا القرآن العظيم، كائنا من كان.
* ويفهم من الآية: أنّ الإنذار به عامّ لكلّ من بلغه، وأنّ كلّ من بلغه، ولم يؤمن به، فهو في النّار، وهو كذلك.
* أمّا عموم إنذاره لكلّ من بلغه، فقد دلّت عليه آيات أخر أيضا؛ كقوله تعالى: ]قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا[ [الأعراف:158]، وقوله تعالى: ]وما أرسلناك إلّا كافّة للنّاس[ [سبأ: 28]، وقوله تعالى: ]تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1].
* وأمّا دخول من لم يؤمن به النّار، فقد صرّح به، تعالى: في قوله: ]ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده[ [هود:17]). اهـ
وقال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج6 ص480): (قوله تعالى: ]ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ عطف على ضمير المخاطبين، أي: لأنذركم به، بل يا أهل مكّة، وسائر من بلغه: من النّاس كافّة، فهو: نذير لكلّ من بلغه، كقوله تعالى: ]ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده[ [هود:17]). اهـ
وقال الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ / في «تفسير القرآن» (ج2 ص93): (قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ أي: ومن بلغه القرآن إلى قيام السّاعة). اهـ
وقال المفسّر الثّعلبيّ / في «الكشف والبيان» (ج4 ص140): (قوله تعالى: ]به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ يعني: ومن بلغه القرآن، من العجم، وغيرهم).اهـ
* يعني: من بلغه القرآن: من العرب، والعجم إلى يوم القيامة. ([103])
وقال اللّغويّ الفرّاء / في «معاني القرآن» (ج1 ص329): (المعنى: ومن بلغه القرآن من بعدكم). اهـ
وقال الإمام ابن الجوزيّ / في «تذكرة الأريب» (ج1 ص157): (قوله تعالى: ]ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ المعنى: ومن بلغ إليه القرآن، فأنا نذير له). اهـ
وقال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص363): (وقوله تعالى: ]ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ يعني: وأنذر من بلغه القرآن، ممّن يأتي بعدي، إلى يوم القيامة، من العرب، والعجم، وغيرهم، من سائر الأمم، فكلّ من بلغ إليه القرآن، وسمعه، فالنّبيّ r: نذير له). اهـ
وقال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص364): (فيه: الأمر بإبلاغ ما جاء به النّبيّ r، إلى من بعده، من قرآن وسنّة). اهـ
وقال العلّامة القصّاب / في «نكت القرآن» (ج1 ص333): (دليل أنّ القرآن يخاطب بأحكامه من أدرك رسول الله r، ومن لم يدركه:
قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ موجب: أنّ القرآن منذر به، ومخاطب بأحكامه من أدرك رسول الله r، ومن لم يدركه إلى يوم القيامة، وهو من المواضع الّتي يحسن فيه حذف هاء المفعول كأنّه -والله أعلم-: ومن بلغه القرآن([104])، والهاء محذوفة؛ إذ لا يجوز لأحد أن يحمله على: ومن بلغ من الأطفال، فيجعل الخطاب والنّذارة به خاصّين لمن كان في زمان رسول الله r، موجودا دون من ولد بعده، فيهدم الإسلام).اهـ
وقال الحافظ البغويّ / في «معالم التّنزيل» (ج3 ص133): (قوله تعالى: ]ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ يعني: ومن بلغه القرآن، من العجم، وغيرهم: من الأمم، إلى يوم القيامة). اهـ
وقال اللّغويّ غلام ثعلب / في «ياقوتة الصّراط» (ص218): (قوله تعالى: ]ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ أي: ومن بلغه القرآن إلى يوم القيامة). اهـ
قلت: وفي الآية دليل: على أنّ أحكام القرآن، في الأصول والفروع، تعمّ: الموجودين وقت نزول القرآن الكريم، ومن بعدهم، إلى قيام السّاعة، وأنّه يؤاخذ: بها من تبلغه.
قال المفسّر أبو السّعود / في «إرشاد العقل السّليم» (ج3 ص118): (وهو دليل: على أنّ أحكام القرآن، تعمّ الموجودين، يوم نزوله، ومن سيوجد بعد، إلى يوم القيامة). اهـ
وعن محمّد بن كعب القرظيّ / قال: في قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ قال: (من بلغه القرآن، فكأنّما رأى النّبيّ r). وفي رواية: (من بلغه القرآن، حتّى يفهمه، ويعقله، كان كمن رأى رسول الله r، وعلّمه). وفي رواية: (من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمّد r). ([105])
وقال المفسّر إسماعيل الحيريّ / في «الكفاية في التّفسير» (ج2 ص184): (قوله تعالى: ]ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ يعني: وأنذر من بلغه خبر القرآن، إلى يوم القيامة، وقيل: ]لأنذركم به[؛ العرب، و: ]ومن بلغ[؛ العجم).
قلت: فبلّغوا عن الله تعالى دينه، فمن بلغته الآيات من كتاب الله تعالى؛ فقد بلغه أمره تعالى. ([106])
قال تعالى: ]قل أيّ شيء أكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني وبينكم وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19].
وقال تعالى: ]ياأيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا[ [الأعراف: 158].
وعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ قال: (من بلغه القرآن، فأنا نذيره، وقرأ: ]ياأيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا[ [الأعراف: 158]؛ قال: فمن بلغه القرآن، فرسول الله r: نذيره). ([107])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج1 ص553): (قوله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن[ [الأنعام: 19]؛ من عند الله تعالى، ]لأنذركم به[ [الأنعام: 19]؛ يعني: لكي أنذركم بالقرآن، يا أهل مكّة، ]ومن بلغ [ [الأنعام: 19]؛ القرآن من الجنّ والأنس، فهو نذير لهم، يعني: القرآن إلى يوم القيامة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد الأمين الشّنقيطيّ / في «أضواء البيان» (ج2 ص168): (يفهم: من الآية، أنّ الإنذار به عامّ؛ لكلّ من بلغه، وأنّ من بلغه، ولم يؤمن به، فهو في النّار، وهو كذلك). اهـ
قلت: ولهذا كانت مهمّة الأنبياء والمرسلين عليهم السّلام، هي البلاغ وحسب.
* حتّى تقوم حجّة الله تعالى على عباده، قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل وكان اللّه عزيزا حكيما [ [النّساء: 165]، وقال تعالى: ]فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين[ [النّحل: 35]، وقال تعالى: ]وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين[ [النّور: 54].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج2 ص348): (قوله تعالى: ]ما على الرّسول إلّا البلاغ[ [المائدة: 99]، وقد بلّغ r كما أمره، وقام بوظيفته r). اهـ
وعن المغيرة بن شعبة t قال: قال رسول الله r: (ولا أحد أحبّ إليه العذر من اللّه، من أجل ذلك بعث الله: المرسلين، مبشّرين ومنذرين). ([108])
قال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «التّعليق على صحيح البخاريّ» (ج16 ص552): (وقوله r: «ولا أحد أحبّ إليه العذر من اللّه، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين»؛ يعني: الرّسل، وذلك لإقامة العذر والحجّة، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء: 165]). اهـ
قلت: وهذا؛ يعني: أنّ من بلغه القرآن، فليس بمعذور بجهله، في الأصول الكبار، الّتي هي أصل دين الإسلام، قد بيّنها الله تعالى في كتابه، وأوضحها، وأقام بها حجّته على عباده، وليس المراد بقيام الحجّة، أن يفهمها العبد، فهما جليّا، كما يفهمها، من هداه الله تعالى، ووفّقه، وانقاد لأمره، فافهم لهذا ترشد. ([109])
قلت: فاشتراط بلوغ الرّسالة، أو الحجّة، هو من باب الأصل العامّ، في هذه المسألة؛ إذ أنّ البلاغ، هو مناط الإلزام ابتداء، وفي الجملة.
* أمّا من حيث التّفصيل؛ وإصدار الحكم الشّرعيّ على المحكوم عليه، فإنّه يتوقّف على توفّر شروط أساسيّة، وأهمّ هذه الشّروط، فهم: الحجّة في الجملة، وهذا يفهمه كلّ أحد من المكلّفين، وكفى، والبلوغ: في ذلك وحده كاف، باعتبار قيام الحجّة على الخلق، خاصّة: بضرورة، بقيام الحجّة على المعيّن.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة /: (أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة؛ عالم لم ينفعه الله بعلمه؛ فذنبه من جنس ذنب اليهود) ([110]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج7 ص375): (الاحتجاج بالظّواهر مع الإعراض: عن تفسير النّبيّ r، وأصحابه؛ طرق أهل البدع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج7 ص375): (فكلّ ما بيّنه القرآن، وأظهره فهو حقّ، بخلاف ما يظهر للإنسان: لمعنى آخر، غير نفس القرآن يسمّى ظاهر القرآن، كاستدلالات أهل البدع من: «المرجئة»، و«الجهميّة»، و«الخوارج»، و«الشّيعة»). اهـ
وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25].
فعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ قال: (يسمعونه بآذانهم، ولا يعون منه شيئا، كمثل البهيمة الّتي تسمع النّداء، ولا تدري ما يقال لها). ([111])
وعن إسماعيل السّدّيّ / قال: في قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه[ [الأنعام: 25]؛ قال: (الغطاء: أكنّ قلوبهم، أن يفقهوه، فلا يفقهون الحقّ).([112])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج1 ص555): (قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه[ [الأنعام: 25]؛ يعني: الغطاء على القلب؛ لئلّا يفقهوا القرآن). اهـ
وقال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان: 44].
قلت: فهذا الصّنف إن أمرته بخير، أو نهيته عن شرّ، ووعظته: لم يعقل ما تقول، غير أنّه يسمع صوتك، لكنّه لا يخضع للحقّ مهما بيّنت له، فهذا لا يعذر بجهله، لأنّه يعلم أنّه الحقّ لكنّه لا يأخذ به.
فعن ابن عبّاس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون[ [الفرقان: 44]؛ قال: (لا يسمعون الهدى، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه). ([113])
وعن مقاتل بن حيّان / قال: في قوله تعالى: ]بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان: 44]؛ قال: (أخطأ السّبيل). ([114])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص236): (قوله تعالى: ]بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان: 44]؛ بل هم: أخطأ طريقا من البهائم؛ لأنّها تعرف ربّها وتذكره، وكفّار مكّة، لا يعرفون ربّهم: فيوحّدونه). اهـ
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص236): (قوله تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون[ [الفرقان: 44]؛ إلى الهدى، : ]أو يعقلون [؛ الهدى). اهـ
وقال تعالى: ]والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى[ [فصّلت: 44].
قلت: فعميت قلوبهم عن قبول القرآن، فرفضوا: أن يقبلوا الأمر من قريب، فيتوبون، ويؤمنون، فأبوا بسبب جهلهم.
فعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]وهو عليهم عمى[ [فصّلت: 44]؛ قال: (عموا عن القرآن، وصمّوا عنه، فلا ينتفعون به، ولا يرغبون فيه). ([115])
وعن إسماعيل السّدّيّ / قال: في قوله تعالى: ]وهو عليهم عمى[ [فصّلت: 44]؛ قال: (عميت قلوبهم عنه). ([116])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص746): (قوله تعالى: ]في آذانهم وقر[ [فصّلت: 44]؛ يعني: ثقل؛ فلا يسمعون الإيمان بالقرآن، ]وهو عليهم عمى[؛ يعني: عموا عنه، يعني: القرآن؛ فلم يبصروه، ولم يفقهوه). اهـ
قلت: ففي هذه الآيات أخبر تعالى عن الكفّار، أنّهم لم يفقهوا، ولم يفهموا، فلم يعذرهم، لكونهم لم يعلموا، بل صرّح القرآن بكفر هذا الصّنف من النّاس، لأنّه قد قامت الحجّة عليهم ببلوغ القرآن إليهم، وإن لم يفهموا حجّة الله تعالى.
قال العلّامة الشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص241): (والآيات في هذا المعنى كثيرة يخبر سبحانه، أنّهم لم يفهموا القرآن، ولم يفقهوه، وأنّه عاقبهم بالأكنّة، والوقر في آذانهم، وأنّه ختم على قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم، فلم يعذرهم مع هذا كلّه، بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله r، وحكم بكفرهم، فهذا يبيّن لك، أنّ بلوغ الحجّة: نوع، وفهمها: نوع آخر). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: (فمن بلغه القرآن: فقد بلغته الحجّة، ولكنّ أصل الإشكال: أنّكم لم تفرّقوا بين قيام الحجّة، وبين فهم الحجّة.
* فإنّ أكثر الكفّار والمنافقين، لم يفهموا حجّة: الله تعالى، مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44]) ([117]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص93): (وقيام الحجّة نوع، وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم -يعني: الكفّار-، وكفّرهم: ببلوغها إيّاهم، وإن لم يفهموها). اهـ
* وقد بيّن العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان النّجديّ / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص243)؛ الفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة، وأنّ قيام الحجّة يكون ببلوغها فقط، وإن لم يفهم.
قال تعالى: ]هذا بلاغ للنّاس ولينذروا به[ [إبراهيم:52].
فعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]هذا بلاغ للنّاس[ [إبراهيم:52]؛ قال: (بالقرآن). ([118])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص414): (قوله تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم:52]؛ يعني: لينذروا بما في القرآن). اهـ
قلت: وهذا؛ يعني: أنّه من بلغه القرآن، بأيّ: طريقة، فقد قامت عليه الحجّة، ولا يعذر بجهله، بعد وصول القرآن إليه.
قال تعالى: ]هذا بلاغ للنّاس ولينذروا به[ [إبراهيم:52].
فعن الإمام عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]هذا بلاغ للنّاس ولينذروا به[ [إبراهيم:52]؛ قال: (القرآن). ([119])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص414): (قوله تعالى : ]ولينذروا به[ [إبراهيم:52]، يعني: لينذروا بما في القرآن).اهـ
وقال تعالى:
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص576): (قوله تعالى: ]وما علينا إلّا البلاغ المبين[ [يس:17]؛ ما علينا إلّا أن نبلّغ، ونعلّمكم، ونبيّن لكم: أنّ الله تعالى واحد لا شريك له). اهـ
وقال تعالى: ]فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ [الرّعد:40].
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص383): (قوله تعالى: ]فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ [الرّعد:40]؛ يا محمّد: ]البلاغ[؛ من الله تعالى إلى عباده: ]وعلينا الحساب[؛ يقول: وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة، كقوله تعالى: ]إن حسابهم إلّا على ربّي[ [الشّعراء: 113]؛ يعني: ما جزاؤهم إلّا على ربيّ). اهـ
وقال تعالى: ]إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء:106].
فعن ابن عبّاس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء:106]؛ قال: (عالمين). ([120])
وعن الإمام عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم / قال: في قوله تعالى: ]إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء:106]؛ قال: (إنّ في هذا لمنفعة، وعلما لقوم عابدين؛ ذلك البلاغ). ([121])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص97): (قوله تعالى: ]إنّ في هذا[ [الأنبياء:106]؛ القرآن: ]لبلاغا[؛ إلى الجنّة: ]لقوم عابدين[؛ يعني: موحّدين). اهـ
وقال تعالى: ]بلاغ فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون[ [الأحقاف:35].
فعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]فهل يهلك إلّا القوم الفاسقون[ [الأحقاف:35]؛ قال: تعلّموا، والله، ما يهلك على الله، إلّا هالك؛ مشرك، ولّى الإسلام ظهره، أو منافق صدّق بلسانه، وخالف بعمله). ([122])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص31): (قوله تعالى: ]بلاغ[ [الأحقاف:35]؛ يعني: تبليغ فيها، يقول: هذا الأمر بلاغ لهم فيها: ]فهل يهلك[؛ بالعذاب: ]إلّا القوم الفاسقون[؛ يعني: العاصون الله تعالى، فيما أمرهم من أمره ونهيه، ويقال: هذا الأمر، هو بلاغ لهم). اهـ
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص206): (قوله تعالى: ]وإن تطيعوه[ [النّور:54]؛ يعني: النّبيّ r؛ ]تهتدوا[؛ من الضّلالة، وإن عصيتموه، فإنّما على رسولنا محمّد r: البلاغ المبين، يعني: ليس عليه إلّا أن يبلّغ ويبيّن: ]وما على الرّسول إلّا البلاغ المبين[ [النّور:54]). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدّليل
على أنّ أوّل حجج الله تعالى على عباده، الّتي يحجّهم بها في الدّنيا، والآخرة، هي: حجّة الميثاق على الإجمال([123])، الّذي أخذه الله تعالى عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم على وحدانيّته، وربوبيّته، وقد فطر الله تعالى العباد على هذا الميثاق، وعلى فطرة الإسلام([124])، والفطرة: حجّة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود، إلاّ يولد على فطرة الإسلام، والإيمان بالله تعالى، وأنّه ربّهم سبحانه، وقطع الله تعالى بهذا الميثاق أعذارهم في الدّنيا والآخرة، وحذّرهم من الغفلة في الدّنيا عن هذا الميثاق، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة؛ بتقليد الآباء وغيرهم على الشّرك، والضّلال، وأن يكونوا غافلين عن الإسلام في الحياة الدّنيا وقد أكّد الله تعالى، وذكّر العباد رحمة منه سبحانه بهم، بهذا الميثاق؛ والفطرة، بأنّه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم([125])، وهو حجّة عليهم، ببلوغه؛ تأكيدا، وتذكيرا: لهم عن غفلتهم عن الدّين الصّحيح، فهو داع، ونذير، أيضا للعباد على الإجمال، وعلى التّفصيل، وهو البرهان المؤكّد، الّذي يندفع به الجهل أيضا، وتحسم به الأعذار، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجّة الّتي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفتها، ومعاندها عذاب النّار، وكذا وصول السّنّة النّبويّة، والسّماع بالرّسالة، وبدعوته r، فمن بلغته، فقد بلغته نذارة الرّسول r([126])، الّتي تبطل الأعذار، وكأنّما رأى الرّسول r، وقد بلغه أمر الله تعالى، والإسلام، أخذه، أو تركه، وبالتّالي، فقد أقيمت على العباد حجج الله تعالى الّتي يستحقّون نار جهنّم إذا خالفوها، ووقعوا في الشّرك، أو الكفر، أو التّقليد
قال تعالى: ]وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلّكم تتّقون * ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على الّذي أحسن وتفصيلا لكلّ شيء وهدى ورحمة لعلّهم بلقاء ربّهم يؤمنون[ [الأنعام: 153 و154].
وقال تعالى: ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتّبعوه واتّقوا لعلّكم ترحمون * أن تقولوا إنّما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنّا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنّا أهدى منهم فقد جاءكم بيّنة من ربّكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام: 155 و156 و157].
وقال تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون[ [الأعراف: 52].
عن الإمام قتادة / قال: في قوله تعالى: ]ورحمة[ [الأعراف: 52]؛ (القرآن). ([127])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص40): (قوله تعالى: ]ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه[ [الأعراف: 52]؛ يعني: بيّناه، ]على علم[؛ وهو القرآن، ]هدى[؛ من الضّلالة، ]ورحمة[؛ من العذاب، ]لقوم يؤمنون[؛ يعني: يصدّقون بالقرآن بأنّه من الله). اهـ
وقال تعالى: ]الّذين اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدّنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون * ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلّا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون[ [الأعراف: 51 و52 و53].
وقال تعالى: ]وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلّا خسارا[ [الإسراء: 82].
وقال تعالى: ]بصائر للنّاس وهدى ورحمة لعلّهم يتذكّرون[ [القصص: 43].
وقال تعالى: ]إنّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 51].
وقال تعالى: ]هذا بصائر للنّاس وهدى ورحمة لقوم يوقنون[ [الجاثية: 20].
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين[ [الأنبياء: 107].
قلت: إنّ الله تعالى أرسل نبيّه محمّدا r: رحمة لجميع العالمين؛ يعني: للجنّ والإنس، فعليهم الإيمان به r، وبالعمل بما جاء به من عند الله تعالى.
* فمن آمن به r: تمّت له الرّحمة في الدّنيا والآخرة.
* ومن لم يؤمن، فليس له في الآخرة، إلّا النّار. ([128])
قال تعالى: ]قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون[ [الأنبياء: 108].
وقال تعالى: ]إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب[ [الزّمر: 21].
وقال تعالى: ]وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين[ [الذّاريات: 55].
* معناه: ذكّر بالقرآن، والسّنّة، فإنّ الذّكرى تنفع من سبق في علم الله تعالى، أن يؤمن منهم. ([129])
قال تعالى: ]وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون[ [الذّاريات: 56].
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج4 ص133): (قوله تعالى: ]وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون[ [الذّاريات: 56]؛ إلّا ليوحّدون). اهـ
* والحجّة: هي الدّليل، والبرهان: الّذي يندفع به الجهل، وتحسم به الأعذار، وهذا الحجّة تمنع العبد أن يتعذّر، وإن وجدت هذه الأعذار.
أوّلا: حجّة الميثاق:
فمن حجج الله تعالى: على عباده، الّتي يحجّهم بها يوم القيامة، حجّة: «الميثاق» الّذي أخذه عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: بعضا على بعض، على وحدانيّة الله تعالى، وربوبيّته، وقطع به أعذارهم، وحذّرهم من الغفلة في الدّنيا، عن هذا: «الميثاق»، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة، بتقليد الآباء، والأسلاف على الضّلال، والشّرك.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
* والمعنى: اذكر لهم: «الميثاق» المأخوذ منهم: فيما مضى لئلّا: يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه، أو بتقليد الآباء، أو ما شابه ذلك من الأعذار. ([130])
قلت: والمفعول المحذوف، هو: «الميثاق». ([131])
قال تعالى: ]وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [النّساء: 154].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه[ [البقرة: 83].
قلت: فأخذ الله تعالى: «الميثاق» بالتّوحيد له، وإفراده بالعبادة.
والّذي عليه أهل العلم قاطبة، أنّ الله تعالى أخذ من العباد، بأسرهم: «ميثاقا قاليا»، قبل أن يظهروا بهذا البنية المخصوصة. ([132])
* وهذه الآية: فيها الاحتجاج على الخلق؛ بتذكير: «الميثاق» العامّ المنتظم قاطبة.
* وفيها: الإجمال على التّنبيه على أنّ: «الميثاق» قد أخذ منهم: وهم في أصلاب آبائهم، ولم يستودعوا في أرحام أمّهاتهم بعد.
* وأشهد الله تعالى كلّ نفس من أولئك الذّرّيّات المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسها، لا على غيرها؛ تقريرا: لهم، بربوبيّته تعالى التّامّة، وما تستتبعه من العبوديّة على الاختصاص، وغير ذلك من أحكامها.
* قالوا: بلى شهدنا على أنفسنا بأنّك ربّنا، وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك.
* لئلّا تقولوا أيّها المقلّدة للآباء، يوم القيامة، عند ظهور الأمر: ]إنّا كنّا[؛ عن هذا، أي: عن وحدانيّة الرّبوبيّة وأحكامها: ]غافلين[.
* فإنّهم حيث جبلوا على الفطرة السّليمة، فصاروا: محجوجين، عاجزين عن الاعتذار بذلك، إذ لا سبيل لأحد إلى إنكار ما ذكر من خلقهم على فطرة الرّبوبيّة.
* فقالوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلّين، بعد ما ظهر أنّهم: مجرمون، لأنّهم ربّوهم على الباطل في الدّين، فكان الأمر الأخير، أنّ الآباء، والأولاد، يوم القيامة؛ هم: أعداء فيما بينهم، لأنّ الله تعالى نبّههم عن ذلك: «الميثاق» في عالم الغيب، وفي دار التّكليف مرّة ثانية، وهم: في قوى العقل، والإدراك، والعلم. ([133])
* فقولهم: «بلى»، إقرار منهم؛ بأنّ الله تعالى ربّهم، لأنّ تقديره: أنت ربّنا، فإنّ: «بلى» بعد التّقرير: تقتضي الإثبات.
* بخلاف: «نعم»، فإنّها إذا وردت بعد الاستفهام: تقتضي الإيجاب، وإذا وردت بعد التّقرير: تقتضي النّفي. ([134])
* وأمّا قولهم: شهدنا؛ فمعناه: شهدنا بربوبيّتك، فهو تحقيق لربوبيّة الله تعالى، وأداء لشهادتهم بذلك عند الله تعالى. ([135])
وعن أبيّ بن كعب t قال، في قول الله عزّ وجلّ: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم...[ [الأعراف: 172]؛ الآية، قال: جمعهم فجعلهم أرواحا، ثمّ صوّرهم فاستنطقهم، فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا بلى[؛ قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري، فلا تشركوا بي شيئا، إنّي سأرسل إليكم رسلي، يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، فأقرّوا بذلك).
أثر حسن؛ بهذا اللّفظ فقط
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (ج35 ص155)، وابن منده في «الرّدّ على الجهميّة» (30)، و(33)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج10 ص557 و558)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (785)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص466 و467)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص354)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص207)، وابن عبد البرّ في «التّقصّي» (ص307)، وفي «التّمهيد» (ج18 ص92)، واللّالكائيّ في «الاعتقاد» (ج3 ص618)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج7 ص396)، وضياء الدّين المقدسيّ في «الأحاديث المختارة» (ج3 ص365)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج6 ص655-الدّرّ المنثور)، ويعقوب بن سفيان في «مشيخته» (81)، والفريابيّ في «القدر» (52)، و(53)، والدّولابيّ في «الكنى والأسماء» (ج2 ص89)، وابن الجوزيّ في «الحدائق» (ج1 ص89) من طريق أبي جعفر الرّازيّ، وسليمان التّيميّ، كلاهما: عن الرّبيع بن أنس عن رفيع أبي العالية عن أبيّ بن كعب t به.
قلت: وهذا سنده حسن، وهو موقوف، ولكنّه في حكم الرّفع، لأنّه لا يقال: من قبل الرّأيّ.([136])
وقال ابن القيّم في «الرّوح» (ج2 ص457): «وهذا إسناد صحيح».
وأورده الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (ج7 ص25)؛ ثمّ قال: «رواه عبد الله بن أحمد، عن شيخه: محمّد بن يعقوب ([137])، وهو: «مستور»، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح».
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص655)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج2 ص263).
وقال الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (وأمّا أهل السّنّة: مقرّون، بيوم الميثاق). اهـ
* إنّ الله تعالى أخرج جميع ذرّيّة آدم من ظهور الآباء، وأشهدهم على أنفسهم؛ بلسان المقال: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172].
* ثمّ أرسل الله تعالى، بعد ذلك: الرّسل عليهم السّلام، مذكّرة بذلك: «الميثاق» الّذي نسيه الكلّ، ولم يولد أحد منهم، وهو ذاكر له، وإخبار الرّسل عليهم السّلام به، يحصل به اليقين بوجوده.
* فالله تعالى أخذ: «الميثاق» من ذرّيّة آدم، من ظهورهم، ثمّ أشهدهم على أنفسهم، ألست بربّكم، قالوا: بلى، فاستجابوا لله تعالى، واعترفوا، وأقرّوا، بأنّه هو الإله المعبود بحقّ.
* فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة في الحياة الدّنيا، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار في الحياة الدّنيا.
* فشهدوا على وجه الخبر عن الغيب، وهذا على وجه الخطاب من الشّهود، للمشهود عليهم. ([138])
قال تعالى : ]فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
قلت: فقرّرهم بأنّه الرّبّ سبحانه، وأنّهم: العبيد، وأخذ عهودهم، ومواثيقهم.
وقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم[ [الأعراف: 172]؛ مبتدأ: خبره من الله تعالى، عمّا كان منه في أخذ العهد عليهم، وإذ يقتضي جوابا، يجعل جوابه، قوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]، وانقطع هذا الخبر، بتمام قصّته.
* ثمّ ابتدأ عزّ وجلّ، خبرا آخر، بذكر ما يقوله: المشركون، يوم القيامة، فقال تعالى: ]شهدنا[؛ يعني: نشهد.
* بمعنى: يشهد، يقول تعالى: نشهد أنّكم ستقولون يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عمّا هم فيه من الحساب، والمناقشة، والمؤاخذة بالكفر.
ثمّ أضاف إليه خبرا آخر، فقال: ]أو تقولوا[ [الأعراف: 173]؛ بمعنى: وأن تقولوا؛ لأنّ: ]أو[؛ بمعنى: واو النّسق، مثل قوله: ]ولا تطع منهم آثما أو كفورا[ [الإنسان:24]، فتأويله: ونشهد أن تقولوا يوم القيامة: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ أي: أنّهم أشركوا، وحملونا على مذهبهم في الشّرك في صبانا، فجرينا على مذاهبهم، واقتدينا بهم؛ فلا ذنب لنا إذ كنّا مقتدين بهم، والذّنب في ذلك لهم، كما قالوا: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون[ [الزّخرف: 23]؛ يدلّ على ذلك قولهم: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: حملهم إيّانا على الشّرك.
فتكون القصّة الأولى: خبرا عن جميع المخلوقين بأخذ: «الميثاق» عليهم، والقصّة الثّانية: خبرا عمّا يقول المشركون يوم القيامة من الاعتذار. ([139])
قال الإمام إسحاق بن راهويه /: (فقد كانوا في ذلك الوقت مقرّين، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ أخبر أنّه قال: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ والله تعالى لا يخاطب؛ إلّا من يفهم عنه المخاطبة، ولا يجيب؛ إلّا من فهم السّؤال، فإجابتهم إيّاه بقولهم: دليل على أنّهم قد فهموا عن الله عزّ وجلّ، وعقلوا عنه، استشهاده إيّاهم: ]ألست بربّكم[؛ فأجابوه من بعد عقل منهم؛ للمخاطبة، وفهم لها بأن: ]قالوا بلى[؛ فأقرّوا له بالرّبوبيّة) ([140]). اهـ
قلت: فكلّ آدميّ قد أقرّ على نفسه؛ بأنّ الله تعالى، هو: ربّه، وأنّ هذا الآدميّ، هو عبد لله تعالى. ([141])
وقال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص90): (وقال آخرون: معنى الفطرة المذكورة في المولودين، ما أخذ اللّه تعالى من ذرّيّة آدم من: «الميثاق»، قبل أن يخرجوا إلى الدّنيا يوم استخرج ذرّيّة آدم من ظهره، فخاطبهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]؛ فأقرّوا جميعا له بالرّبوبيّة عن معرفة منهم به، ثمّ أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار.
* قالوا: وليست تلك المعرفة، ولا ذلك الإقرار بإيمان؛ ولكنّه إقرار من الطّبيعة للرّبّ، فطرة ألزمها قلوبهم، ثمّ أرسل إليهم الرّسل عليهم السّلام، فدعوهم إلى الاعتراف له بالرّبوبيّة، والخضوع؛ تصديقا بما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، فمنهم من أنكر، وجحد بعد المعرفة، وهو به عارف، لأنّه لم يكن اللّه تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرّفهم نفسه، إذ كان يكون حينئذ قد كلّفهم الإيمان بما لا يعرفون.
* قالوا: وتصديق ذلك؛ قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف:87]). اهـ
وقال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص293): (مثّل تعالى: خلقهم على فطرة التّوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين: بربوبيّته تعالى، شهادة لا يخالجها ريب.
* بحمله إيّاهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا.
* والقصد من الآية: الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيّته تعالى، معرفة فطريّة، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم، والشّهادة.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم: 30] ، والفطرة: هي معرفة ربوبيّته تعالى). اهـ
* فإنّهم ولدوا على الفطرة، وأخرجوا إلى الدّنيا، حتّى قالوا بلى: طائعين.
فهذا الآية: تدلّ على فساد التّقليد في الدّين، وتدلّ على أنّ الله تعالى أزال العذر، وأزاح العلّة، وبعدها لا يعذر أحد إذا وقع في الشّرك، والضّلال. ([142])
قال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص297): (استدلّ: بهذه الآية، والأحاديث المتقدّمة في معناه، أنّ معرفته تعالى: فطريّة، ضروريّة.
قال تعالى: ]قالت رسلهم أفي اللّه شكّ[ [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل من ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم * سيقولون للّه قل أفلا تتّقون[ [المؤمنون: 86 و87]). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص311): (كون النّاس: تكلّموا حينئذ، وأقرّوا بالإيمان، وأنّه بهذا تقوم الحجّة عليهم يوم القيامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص490): (أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، والحجّة إنّما قامت عليهم بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم). اهـ
قلت: وهذا الشّرك الّذي يؤاخذون به يكون من آبائهم، ومن ذرّيّتهم، لثبوت الحجّة عليهم «بالميثاق»، و«العهد». ([143])
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد؛ مقرّون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الّذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المنيّ من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمّهات، لكن لم يذكر هنا الأمّهات، كقوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متّبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمّهات، كما قالوا: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة[ [الزّخرف: 22]؛ ولهذا قال تعالى: ]أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم[ [الزّخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم: بأنّ اللّه تعالى ربّهم، فهذا الإقرار: حجّة للّه عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، فأخذهم يتضمّن: خلقهم، والإشهاد يتضمّن: هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنّه قال تعالى: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكلّ إنسان جعله اللّه تعالى مقرّا بربوبيّته، شاهدا على نفسه بأنّه مخلوق، واللّه تعالى خالقه، وهذا أمر ضروريّ لبني آدم، لا ينفكّ منه مخلوق، وهو ممّا جبلوا عليه، فهو علم ضروريّ لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثمّ قال بعد ذلك: ]أن تقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو؛ لئلّا تقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار للّه تعالى بالرّبوبيّة، وعلى نفوسنا بالعبوديّة، فإنّهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضّروريّة اللّازمة لهم الّتي لم يخل منها بشر قطّ، بخلاف كثير من العلوم الّتي قد تكون ضروريّة، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد، والحساب، وغير ذلك: فإنّها إذا تصوّرت كانت علوما ضروريّة، لكنّ كثيرا من النّاس غافل عنها.
وأمّا الاعتراف بالخالق: فإنّه علم ضروريّ لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بدّ أن يكون قد عرفه، وإن قدّر أنّه نسيه.
* ولهذا يسمّى التّعريف بذلك: تذكيرا، فإنّه تذكير بعلوم فطريّة ضروريّة، وقد ينساها العبد؛ كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]، وفي الحديث الصّحيح: «يقول اللّه؛ للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني» ([144])). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص488): (ولمّا كانت هذه الآية: ونظيرتها في سورة مدنيّة خاطب بالتّذكير، بهذا: «الميثاق» فيها أهل الكتاب، فإنّه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله، ولمّا كانت هذه آية الأعراف في سورة مكّيّة؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العامّ»: لجميع المكلّفين ممّن أقرّ بربوبيّته، ووحدانيّته، وبطلان الشّرك، وهو «ميثاق»: و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجّة، وينقطع به العذر، وتحلّ به العقوبة، ويستحقّ بمخالفته الإهلاك، فلا بدّ أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيّته، وأنّه ربّهم وفاطرهم، وأنّهم مخلوقون مربوبون، ثمّ أرسل إليهم رسله يذكّرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرّفونهم حقّه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده.
* ونظم الآية إنّما يدلّ على هذا من وجوه متعدّدة:
أحدها: أنّه قال: ]وإذ أخذ ربّك من بني ءادم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: آدم، وبنو آدم غير آدم.
الثّاني: أنّه قال: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض من كلّ، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.
الثّالث: أنّه قال: ]ذرّيّاتهم[؛ ولم يقل: ذرّيّته.
الرّابع: أنّه قال: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم؛ فلا بدّ أن يكون الشّاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنّما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدّار، لا يذكر شهادة قبلها.
الخامس: أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، والحجّة إنّما قامت عليهم: بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
السّادس: تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السّابع: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ فذكر حكمتين في هذا التّعريف والإشهاد: إحداهما: أن لا يدّعوا الغفلة، والثّانية: أن لا يدّعوا التّقليد؛ فالغافل لا شعور له، والمقلّد متّبع في تقليده لغيره.
الثّامن: قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: لو عذّبهم بجحودهم، وشركهم لقالوا ذلك؛ وهو سبحانه إنّما يهلكهم لمخالفة رسله، وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجّة عليهم بالرّسل؛ لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنّه لم يكن ليهلك القرى بظلم، وأهلها غافلون، وإنّما يهلكهم بعد الأعذار، والإنذار.
التّاسع: أنّه سبحانه أشهد كلّ واحد واحد على نفسه أنّه ربّه وخالقه، واحتجّ عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف:87]؛ أي: فكيف يصرفون عن التّوحيد بعد هذا الإقرار منهم أنّ الله ربّهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن؛ فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكّرتهم بها رسله؛ بقوله تعالى: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* فالله تعالى إنّما ذكّرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكّرهم قطّ بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجّة.
العاشر: أنّه جعل هذا آية، وهي الدّلالة الواضحة البيّنة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلّف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرّبّ تعالى فإنّها أدلّة معيّنة على مطلوب معيّن مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التّفصيل والتّبيّين نفصّل الآيات لعلّهم يرجعون من الشّرك إلى التّوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات الّتي فصّلها هي الّتي بيّنها في كتابه من أنواع مخلوقاته.
وهي آيات أفقيّة([145])، ونفسيّة، آيات في نفوسهم، وذواتهم، وخلقهم، وآيات في الأقطار والنّواحي ممّا يحدثه الرّبّ تبارك وتعالى، ممّا يدلّ على وجوده، ووحدانيّته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها: ما أشهد به كلّ واحد على نفسه، من أنّه ربّه، وخالقه، ومبدعه، وأنّه مربوب مصنوع مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ومحال أن يكون حدث بلا محدث، أو يكون هو المحدث لنفسه، فلا بدّ له من موجد أوجده ليس هو كمثله.
وهذا الإقرار والشّهادة: فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة.
وهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني ءادم من ظهورهم ذرّيّاتهم[([146]) [الأعراف: 172]، مطابقة لقول النّبيّ r: «كلّ مولود يولد على الفطرة»([147])، ولقوله تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون * منيبين إليه[ [الرّوم: 30-31]). اهـ
وقوله تعالى: ]من ظهورهم[؛ قيل: بدل من: «بني آدم»؛ بدل البعض من الكلّ، بتكرير الجارّ، أو بإعادة الجارّ، كما في قوله تعالى: ]للّذين استضعفوا لمن آمن[ [الأعراف:75]؛ والمعنى: أخذ ذرّيّاتهم من ظهورهم، إخراجهم من أصلابهم نسلا، وإشهادهم على أنفسهم، فيكون المعنى: وإذ أخذ ربّك من ظهور بني آدم، وأشهدهم على أنفسهم.
* وقيل: بدل اشتمال، وبدل الاشتمال ما يكون بينه، وبين المبدل منه ملابسة؛ بحيث توجب النّسبة إلى المتبوع، النّسبة إلى التّابع إجمالا.
نحو: «أعجبني زيد علمه».
فإنّه يعلم ابتداء، أنّ زيدا معجب باعتبار صفاته، لا باعتبار ذاته، وتتضمّن نسبة: الإعجاب إليه نسبته إلى صفة من صفاته إجمالا.
* ونسبة الأخذ الّذي هو بمعنى: الإخراج هنا، إلى بني آدم نسبة إلى ظهورهم إجمالا([148])، لأنّه يعلم أنّ بني آدم ليسوا مأخوذين باعتبار ذواتهم، بل باعتبار أجسادهم، وأعضائهم، وتتضمّن نسبة الأخذ إليهم نسبته إلى أعضائهم إجمالا. ([149])
وقوله تعالى: ]ذرّيّتهم[؛ المراد: أولادهم على العموم.
قلت: فنصب الأدلّة على التّوحيد، وما نبّهوا عليه، قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عن التّوحيد، والإقبال على الشّرك بالتّقليد، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشّرك بالله تعالى.
* والمعنى: أنّ المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول: الكفّار إنّما أشركنا، لأنّ آباءنا أشركوا، فقلّدناهم في ذلك الشّرك.
قلت: والحاصل؛ أنّه تعالى لمّا أخذ عليهم: «الميثاق»، امتنع عليهم التّمسّك بهذا القدر من الأعذار الباطلة.
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربّك من ظهور ذرّيّات بني آدم: ميثاق التّوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
* حتّى يجب كون ذلك الإشهاد، والشّهادة، محفوظا لهم في إلزامهم، بهذا: «الميثاق».
والمعنى: فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر: «الميثاق»، وبيانه كراهة، أن تقولوا، أو لئلّا تقولوا: أيّها الكفرة يوم القيامة: «إنّا كنّا غافلين»، عن ذلك: «الميثاق»، لم ننبّه عليه في دار التّكليف، وإلّا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور. ([150])
قال الإمام الزّركشيّ / في «البرهان في علوم القرآن» (ج2 ص76)؛ عن الآيات: (إقامة الحجّة بها عليهم([151])؛ وذلك إنّما نزل بلسانهم، ولغتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص488): (ولمّا كانت هذه الآية، ونظيرتها، في سورة مدنيّة: خاطب بالتّذكير، بهذا: «الميثاق»؛ فيها: أهل الكتاب، فإنّه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله.
* ولمّا كانت هذه آية الأعراف في سورة مكّيّة؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العامّ»: لجميع المكلّفين ممّن أقرّ بربوبيّته، ووحدانيّته، وبطلان الشّرك، وهو: «ميثاق»، و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجّة، وينقطع به العذر، وتحلّ به العقوبة، ويستحقّ بمخالفته الإهلاك.
* فلا بدّ أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيّته، وأنّه ربّهم وفاطرهم، وأنّهم مخلوقون مربوبون، ثمّ أرسل إليهم رسله يذكّرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرّفونهم حقّه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده). اهـ
قلت: فالله تعالى قد أوضح الدّلائل على وحدانيّته، وصدق رسله عليهم السّلام فيما أخبروا به، فمن أنكره كان معاندا، ناقضا للعهد، ولزمته الحجّة، ونسيانه، وعدم حفظه، لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصّادق.
قال المفسّر الآلوسيّ / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (وقد يقال: إنّ الآية، مسوقة: لبيان أخذ ميثاق سابق، من جميع الخلق: مؤمنهم، وكافرهم، قبل هذه النّشأة، بما هو أهمّ: الأمور). اهـ
وقال المفسّر الآلوسيّ / في «روح المعاني» (ج9 ص133): (القوم إذ ذاك كانوا مقرّين بالرّبوبيّة). اهـ
وقال المفسّر الآلوسيّ / في «روح المعاني» (ج9 ص137): (قوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ في ذلك يوم: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل[؛ أي: إنّ آباءنا هم: اخترعوا الإشراك، وهم: سنّوه من قبل زماننا: ]وكنّا[؛ نحن: ]ذرّيّة من بعدهم[؛ لا نهتدي إلى سبيل التّوحيد: ]أفتهلكنا[؛ أي: أتؤاخذنا، فتهلكنا اليوم بالعذاب: ]بما فعل المبطلون[؛ من آبائنا المضلّين). اهـ
قلت: والدّليل على ذلك من القرآن، إنكار الله تعالى، على من التزم اتّباع الغير على؛ أيّ: حال من غير تميّيز، فقال تعالى: ]أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [ [البقرة:170].
وقال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص610): (ومعنى؛ قوله تعالى: ]ألست بربّكم[؛ على هذا التّفسير، قال الله تعالى؛ للذّرّيّة: ألست بربّكم، فهو إيجاب للرّبوبيّة عليهم، قالوا: بلى، يعني: قالت الذّرّيّة: بلى أنت ربّنا، فهو جواب منهم: له، وإقرار منهم: له بالرّبوبيّة، واعتراف على أنفسهم بالعبوديّة: ]شهدنا[). اهـ
وقال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص612): (وقوله تعالى: ]أو تقولوا[؛ يعني: الذّرّية، ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل[؛ يعني: إنّما أخذ: «الميثاق» عليهم لئلّا يقول المشركون: إنّما أشرك آباؤنا من قبل، ]وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ يعني: وكنّا أتباعا لهم، فاقتدينا بهم في الشّرك، ]أفتهلكنا[؛ يعني: أفتعذّبنا، ]بما فعل المبطلون[؛ قال المفسّرون: هذا قطع لعذر الكفّار، فلا يستطيع أحد من الذّرّيّة أن يقول يوم القيامة: إنّما أشرك آباؤنا من قبلنا، ونقضوا: «العهد»، و«الميثاق»، وكنّا نحن الذّرّيّة من بعدهم، فقلّدناهم، واقتدينا بهم، وكنّا في غفلة عن هذا: «الميثاق»، فلا ذنب لنا، فلا يمكنهم أن يحتجّوا بمثل ذلك، وقد أخذ عليهم جميعا الميثاق، وجاءتهم الرّسل، وذكّروهم به، وثبتت الحجّة عليهم بذلك يوم القيامة). اهـ
وقال المفسّر المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (قوله تعالى: ]أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: إنّا فعلنا هذا منعا لاعتذاركم يوم القيامة، بأن تقولوا إذا أشركتم: إنّا كنّا عن هذا التّوحيد غافلين، إذ لم ينبّهنا إليه منبّه، ومآل هذا: أنّه لا يقبل منهم الاعتذار بالجهل، لأنّهم نبّهوا بنصب الأدلّة، وجعلوا مستعدّين لتحقيق الحقّ، وإبعاد الشّرك عن قلوبهم.
]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: أو تقولوا في ذلك اليوم: إنّ آباءنا اخترعوا الإشراك، وسنّوه من قبل زماننا، وكنّا جاهلين ببطلان شركهم، فلم يسعنا؛ إلّا الاقتداء بهم، ولم نهتد إلى التّوحيد، أفتؤاخذنا فتهلكنا اليوم بالعذاب بما فعله المبطلون من آبائنا المضلّين، فتجعل عذابنا كعذابهم، مع عذرنا بتحسين الظّنّ بهم؟.
والخلاصة: إنّ الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار بتقليد الآباء والأجداد، إذ التّقليد عند قيام الدّلائل، والقدرة على الاستدلال بها، ممّا لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه، كما أنّ الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البيّنات الفطريّة، والعقليّة؛ ممّا لا يقبل.
وقوله تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174]؛ أي: ومثل ذلك التّفصيل المستتبع للمنافع الجليلة، نفصّل لبني آدم الآيات، والدّلائل ليستعملوا عقولهم في التّبصّر فيها، والتّدبّر في أمرها، لعلّهم يرجعون بها عن جهلهم، وتقليد آبائهم وأجدادهم.
وفي الآية: إيماء إلى أنّ من لم تبلغه بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشّرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات الّتي تنفر منها الفطر السّليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص117): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالا وقالا، والشّهادة تارة تكون بالقول، كما قال تعالى: ]قالوا شهدنا على أنفسنا[ [الأنعام:130]؛ الآية، وتارة تكون حالا، كما قال تعالى: ]ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر[ [التّوبة:17]؛ أي: حالهم شاهد عليهم بذلك، لا أنّهم قائلون ذلك، وكذلك قوله تعالى: ]وإنّه على ذلك لشهيد[ [العاديات:7]؛ كما أنّ السّؤال تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، كما في قوله تعالى: ]وآتاكم من كلّ ما سألتموه[ [إبراهيم:34].
قالوا: وممّا يدلّ على أنّ المراد بهذا هذا، أن جعل هذا الإشهاد: حجّة عليهم في الإشراك...، وهذا جعل حجّة مستقلّة عليهم، فدلّ على أنّه الفطرة الّتي فطروا عليها، من الإقرار بالتّوحيد؛ ولهذا قال تعالى: ]أن يقولوا[؛ أي: لئلّا تقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا[؛ أي: التّوحيد، ]غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا[؛ الآية). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص111): (يخبر تعالى: أنّه استخرج ذرّيّة: بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم، أنّ اللّه ربّهم، ومليكهم، وأنّه لا إله إلّا هو.
* كما أنّه تعالى: فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم:30]؛ وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة t، قال: قال رسول اللّه r: «كلّ مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: الملّة، فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه»). اهـ
* فيتعيّن حينئذ، أن يراد: «بالميثاق» ما ركّب الله تعالى فيهم، من العقول، وآتاهم من البصائر، لأنّها: هي الحجّة البالغة، والمانعة، عن قولهم: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ لأنّ الله تعالى جعل الإقرار، والتّمكّن، من معرفة ربوبيّته، ووحدانيّته: حجّة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرّسول r: حجّة عليهم في الإيمان، بما أخبر عنه من الغيوب. ([152])
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وإذ أخذ ربّك: من ظهور ذرّيّات بني آدم، ميثاق التّوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
وقال الإمام ابن زنجلة / في «حجّة القراءات» (ص302): (أدلّ دليل على صحّة التّوحيد، إذ كانوا هم الّذين أخبر عنهم، وقد أجمعوا على التّوحيد). اهـ
وقال الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل[ [الأعراف: 173]؛ يعني: إنّما أخذت، ما أخذت من: «العهد»، و«الميثاق» عليكم جميعا؛ لئلّا تقولوا: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ يعني: أنّ الجناية من الآباء، وكنّا أتباعا لهم؛ فيجعلوا لأنفسهم حجّة، وعذرا، عند الله تعالى!). اهـ
قلت: وهذا النّصّ مسوق لإلزام الخلق بمقتضى: «الميثاق العامّ» عندما كانوا في أصلاب آبائهم، فإنّ منهم من أشرك، بعد إلزامهم: «بالميثاق المخصوص» بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السّمعيّة، والعقليّة في الحياة الدّنيا، ومنعهم عن التّقليد لآبائهم في الشّرك، والبدع.
* فتمادى هؤلاء المشركون في الغيّ بعد أخذ: «الميثاق» عليهم، من: «الميثاق العامّ» في عالم الغيب، ومن: «الميثاق الخاصّ» في عالم الحياة.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
قال المفسّر الآلوسيّ / في «روح المعاني» (ج9 ص134): (قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: أشهد كلّ واحد من أولئك الذّرّية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم، لا على غيرهم، تقريرا: لهم بربوبيّته سبحانه، قائلا لهم: ]ألست بربّكم[؛ أي: مالك أمركم، ومربّيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم: ]قالوا[؛ في جوابه سبحانه، ]بلى شهدنا[؛ أي: على أنفسنا بأنّك ربّنا، لا ربّ لنا غيرك، والمراد: أقررنا بذلك). اهـ
قلت: وبلى: حرف جواب.
قال الحافظ السّيوطيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص134-روح المعاني): (إنّ هذه الآية، أصل: في الإقرار). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص312): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[ [الأعراف: 172]؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم، ولا بدّ أن يكون الشّاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنّما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدّار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
* أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[، والحجّة إنّما قامت عليهم بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
* تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف:172]، ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
* قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: أن لا يدّعوا الغفلة، أو يدّعوا التّقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلّد متّبع في تقليده لغيره، ولا تترتّب هاتان الحكمتان؛ إلّا على ما قامت به الحجّة من الرّسل والفطرة.
قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: لو عذّبهم بجحودهم وشركهم، لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنّما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجّة عليهم بالرّسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنّه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنّما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرّسل.
* أنّه سبحانه أشهد كلّ واحد على نفسه أنّه ربّه وخالقه، واحتجّ عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25].
* فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكّرتهم بها رسله، بقولهم: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* أنّه جعل هذا آية، وهي الدّلالة الواضحة البيّنة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلّف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرّبّ تعالى، فإنّها أدلّة معيّنة على مطلوب معيّن مستلزمة للعلم به؛ فقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174]، وإنّما ذلك بالفطرة الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلّا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدّل ولا يتغيّر.
* ولا شكّ أنّ الإقرار بالرّبوبيّة أمر فطريّ، والشّرك حادث طارئ، والأبناء تقلّدوه عن الآباء، فإذا احتجّوا يوم القيامة بأنّ الآباء أشركوا، ونحن جرينا على عادتهم). اهـ
قلت: لئلّا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر، وإحاطة العذاب، بمن أشرك؛ ]إنّا كنّا عن هذا[؛ أي: وحدانيّة الرّبوبيّة: ]غافلين[، لم ننبّه عليه، وإنّما لم يسعهم هذا الاعتذار، حينئذ على ما قيل، لأنّهم: نبّهوا بنصب الأدلّة، وجعلوا متهيّئين: تهيّأ تامّا، لتحقيق الحقّ، وإنكار ذلك: مكابرة، فكيف يمكنهم، أن يقولوا ذلك. ([153])
قال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص610): (فكلّ من بلغ، وعقل، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، بما جعل فيه من السّبب الّذي يؤخذ به: «الميثاق»، وهو العقل، والتّكليف، فيكون معنى؛ الآية: وإذ يأخذ ربّك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم؛ بما ركّب فيهم من العقل الّذي يكون به: الفهم، والتّكليف الّذي به يترتّب على صاحبه الثّواب، والعقاب يوم القيامة). اهـ
وقال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص295): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا[ [الأعراف:172]؛ أي: سنّوا الإشراك، واخترعوه: ]من قبل[؛ أي: من قبل زماننا، ]وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ أي: فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتّقليد، وتعويلا عليه.
* فقد قطعنا العذر بما بيّنّا من الآيات: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشّرك، وأسّسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الّذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرّسل عليهم السّلام؟؛ والاستفهام للإنكار؛ أي: أنت حكيم لا تأخذ الأبناء، بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم، والحجّة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل.
والمعنى: أزلنا الشّبهتين بأنّ الإقرار بالرّبوبيّة، والتّوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه، عند دعوة العقول، والرّسل عليهم السّلام؟، والفطرة: أكبر دليل، فهي تسدّ باب الاعتذار بوجه ما، لا سيّما والتّقليد، عند قيام الدّلائل، والقدرة على الاستدلال بها، ممّا لا مساغ له أصلا). اهـ
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النّبيّ r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستّة في الأرض، وواحدا في السّماء!، قال: فأيّهم تعدّ لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الّذي في السّماء!). ([154])
قال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلّهم على معرفته فطرة توحيد، حتّى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلّا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدّس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إنّ الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطريّ، ضروريّ في قلوب الخلق، ومعرفة الرّبوبيّة تحصل بالفطرة، الضّروريّة، الّتي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([155])
قال المفسّر المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إنّ الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التّقليد عند قيام الدّلائل، والقدرة على الاستدلال بها، ممّا لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أنّ الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البيّنات الفطريّة، والعقليّة، ممّا لا يقبل). اهـ
وقال المفسّر المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أنّ من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشّرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، الّتي تنفر منها: الفطرة السّليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسّر الخازن البغداديّ / في «لباب التّأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجّة: عليهم؛ لإمدادهم بالرّسل عليهم السّلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجّة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرّسل عليهم السّلام: إيّاهم بذلك: «الميثاق» في الدّنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجّة، ولم تسقط الحجّة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصّادق صاحب الشّرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبّت الله تعالى الحجّة على كلّ نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأوّل الّذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([156])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأنّ الله ربّهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قلت: جعل الله تعالى لهم: عقولا، يفهمون بها، وألسنة، ينطقون بها، فهم: يعلمون: «بالميثاق»، وقد شهدوا على أنفسهم بهذا: «الميثاق»، والملائكة يشهدون عليهم: «بالميثاق» يوم القيامة. ([157])
قال تعالى: ]قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 149]؛ يعني: يوم أخذ على الخلق الميثاق. ([158])
وقال تعالى: ]سيقول الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيء كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلّا الظّنّ وإن أنتم إلّا تخرصون * قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 148 و149].
وعن ابن عبّاس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا[ [الأنعام: 148]، وقال تعالى: ]كذلك كذّب الّذين من قبلهم[، ثمّ قال تعالى: ]ولو شاء اللّه ما أشركوا[ [الأنعام:107]؛ فإنّهم قالوا: عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى اللّه زلفى، فأخبرهم اللّه تعالى أنّها لا تقرّبهم، وقوله تعالى: ]ولو شاء اللّه ما أشركوا[، يقول اللّه تعالى: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين). ([159])
وعن سمرة بن جندب t، في حديث: «الرّؤيا»، وهو حديث: طويل، عن النّبيّ r قال: (وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة، فإنّه إبراهيم عليه السّلام، وأمّا الولدان الّذين حوله: فكلّ مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول اللّه، وأولاد المشركين؟، فقال رسول اللّه r: وأولاد المشركين). وفي رواية: (والشّيخ في أصل الشّجرة إبراهيم عليه السّلام، والصّبيان حوله فأولاد النّاس). ([160])
وأورده الحافظ ابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص118)؛ ثم قال: (والشّيخ في أصل الشّجرة إبراهيم عليه السّلام، والصّبيان حوله، أولاد النّاس؛ وهذا يقتضي ظاهره، وعمومه جميع النّاس) ([161]). اهـ
وقال الإمام القرطبيّ / في «التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3 ص1044): (ومن كان من أولاد المشركين: فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النّار؛ لأنّهم: ماتوا على: «الميثاق الأوّل»، الّذي أخذ عليهم في صلب آدم عليه السّلام، ولم ينقضوا الميثاق). اهـ
وقال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص532): (أخذ من ظهر آدم ذرّيّته، وأخذ عليهم العهد، بأنّه ربّهم، وأن لا إله غيره، فأقرّوا بذلك، والتزموه). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ في / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص315): (وإن كان الآباء مخالفين الرّسل، كان عليه أن يتّبع الرّسل، كما قال تعالى: ]ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما[ [العنكبوت: 8]؛ الآية.
* فمن اتّبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحقّ المعلوم إليه، فهذا اتّبع هواه، كما قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170].
* وهذه حال كثير من النّاس من الّذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدّار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربّك؟ قال؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته.
* فليتأمّل اللّبيب هذا المحلّ، ولينصح نفسه، وليقم لله، ولينظر من أيّ الفريقين هو، واللّه الموفّق، فإنّ توحيد الرّبوبيّة لا يحتاج إلى دليل، فإنّه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لمّا كان نطفة، وقد خرج من بين الصّلب والتّرائب، والتّرائب: عظام الصّدر، ثمّ صارت تلك النّطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق). اهـ
وقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174].
قلت: فقد أقام الله تعالى على الخلق، الحجّة على الإجمال، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب، وأقام عليهم الحجّة على التّفصيل عندما خرجوا إلى الحياة الدّنيا، ممّن بلغ منهم.
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص534): (قوله تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات[؛ أي: مثل هذا التّفصيل الّذي فصّلنا فيه للآيات السّابقة، نفصّل للآيات اللّاحقة؛ فالكلّ على نمط واحد في التّفصيل، والتّوضيح؛ لأدلّة التّوحيد، وبراهينه.
وقوله تعالى: ]ولعلّهم يرجعون[؛ عن شركهم، وعبادة غير الله تعالى، إلى توحيده، وعباده، بذلك التّفصيل والتّوضيح). اهـ
قلت: فمن وقع في: «الشّرك الأكبر»، وهو جاهل، قد قامت عليه الحجّة: «بالميثاق»، و«الفطرة »معا، على الإجمال، وكفى.
* وأمّا ما وصل إليه من الكتب من الله تعالى، وإرسال: الرّسل إليه، فقد قامت عليه الحجّة على الإجمال والتّفصيل إذا خرج إلى الحياة الدّنيا([162])، بأن يتعلّم من الكتب، والرّسل على التّفصيل ما يحتاجه من العلم النّافع: من أحكام التّوحيد، وأحكام الصّلاة، وأحكام الزّكاة، وأحكام الصّيام، وأحكام الحجّ، وغير ذلك([163])، في الأصول والفروع، ممّا يحتاج إليه العبد في الحياة الدّنيا. ([164])
قلت: لو لم يؤخذ على الخلق، إلّا هذا: «العهد»، و«الميثاق»، ولا جاءهم رسول، لكفى بذلك حجّة من الله تعالى، لما تضمّنه: «الميثاق» من إقرار الخلق؛ بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فما بالك: بإرسال الرّسل، وإنزال الكتب، فقد أزال الله تعالى عنهم الاحتجاج، بتركيب العقول، والفهم فيهم، وتذكيرهم، ببعثة الرّسل عليهم السّلام، إليهم، فقطع بذلك أعذارهم.
قال تعالى: ]ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت[ [النّحل:36].
قال أبو عبد الله الحكيم التّرمذيّ / في «نوادر الأصول» (ج1 ص310): (وهذا بعد الإدراك: حين عقلوا أمر الدّنيا، وتأكّدت حجّة الله عليهم، بما نصب من الآيات الظّاهرة، من خلق السّماوات والأرض، والشّمس والقمر، والبرّ والبحر، واختلاف اللّيل والنّهار، فلمّا عملت أهواؤهم فيهم، أتتهم الشّياطين فدعتهم إلى اليهوديّة، والنّصرانيّة، فذهبت بأهوائهم، يمينا وشمالا). اهـ
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كلّ مولود يولد على الفطرة). ([165])
* فأخذ الميثاق من النّاس في الغيب، وإقرارهم جميعا، بالرّبوبيّة لله تعالى، مع فطرة التّوحيد والإسلام، الّتي فطر الله تعالى النّاس عليها في ولادتهم.
* كفى بذلك لإقامة الحجّة عليهم في الإجمال، وأنّه يجوز الاحتجاج بها عليهم، لأنّ قد أقرّوا جميعا بهذا: «الميثاق» لله تعالى، وكان ذلك عن معرفة منهم به سبحانه، وبتوحيده، وأضف أنّ الله تعالى ألزمهم الفطرة، فطرة الإسلام من صغرهم، قبل أن يرسل إليهم الرّسل عليهم السّلام، وينزّل عليهم الكتب، ليقوم عليهم بالحجّة البالغة، في الإجمال والتّفصيل. ([166])
* فلا يولد؛ لأيّ: مولد، إلّا على فطرة الإسلام حقيقة عند ولادته، لأنّه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرّفهم نفسه العظيمة ابتداء في الغيب، وفي صغرهم، إذ كان يكون حينئذ قد كلّفهم الإيمان بما لا يعرفون، وكلّفهم بشيء لا يدركونه في الحياة، وهذا لم يكن من الله تعالى، لأنّه عليم، وحكيم في كلّ شيء، وقدير على كلّ شيء.
* والله تعالى لم يذكر؛ لأيّ: آية في القرآن الكريم، إلّا فيها من الحجّة البالغة، والحكمة العالية، والعلميّة النّافعة للخلق، فلا يذكرها سبحانه بعبث في القرآن الكريم([167])، بل لا بدّ من حكمة، عرفها من عرف، وجهلها من جهل، والله وليّ التّوفيق.
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص88): (وأخرجهم من بطون أمّهاتهم، ليعرف منهم: العارف، ويعترف: فيؤمن، ولينكر منهم: المنكر ما يعرف، فيكفر، وذلك كلّه قد سبق به لهم: قضاء اللّه تعالى، وتقدّم فيه علمه؛ ثمّ يصيرون إليه في حين تصحّ منهم: المعرفة، والإيمان، والكفر، والجحود، وذلك عند التّمييز، والإدراك). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص89): (ومعنى الآية والحديث: أنّه أخرج ذرّيّة آدم من ظهره، كيف شاء، وألهمهم أنّه ربّهم، فقالوا: ]بلى[، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[، ثمّ تابعهم بحجّة العقل، عند التّمييز، وبالرّسل عليهم السّلام: بعد ذلك؛ استظهارا: بما في عقولهم، من المنازعة إلى خالق، مدبّر، حكيم، يدبّرهم بما لا يتهيّأ لهم، ولا يمكنهم: جحده، وهذا إجماع أهل السّنّة؛ والحمد للّه). اهـ
* وهذا الإقرار حجّة الله عليهم يوم القيامة، فهو سبحانه يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى. ([168])
قال الإمام ابن القيّم / في «شفاء العليل» (ص195): (قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172]، فذكر سبحانه من حكم أخذ الميثاق عليهم أن لا يحتجّوا يوم القيامة: بغفلتهم عن هذا الأمر، ولا بتقليد الأسلاف، ومنه قوله تعالى: ]وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت[؛ فالضّمير في: «به»: القرآن، و]أن تبسل[؛ في محلّ نصب على أنّه مفعول له، أي: حذار أن تسلم نفس إلى الهلكة، والعذاب، وترتهن بسوء عملها). اهـ
وقوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
والمراد: في هذه الآية، إنّما يراد بها شهادة العبد على نفسه؛ بمعنى: أداء الشّهادة على نفسه.
* وقولهم: ]بلى شهدنا[؛ هو إقرارهم: بأنّه ربّهم سبحانه، ومن أخبر بأمر عن نفسه، فقد شهد به على نفسه، فإنّ قولهم: ]بلى شهدنا[؛ معناه: أنت ربّنا، وهذا إقرار منهم: بربوبيّته لهم، وجعلهم شهداء على أنفسهم بما أقرّوا به، وقوله تعالى: ]أشهدهم[؛ يقتضي أنّه هو سبحانه الّذي جعلهم: شاهدين على أنفسهم، بأنّه ربّهم سبحانه. ([169])
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد مقرّون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الّذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المنيّ من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمّهات، لكن لم يذكر هنا الأمّهات، كقوله: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متّبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمّهات، كما قالوا: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة[ [الزّخرف: 22]؛ ولهذا قال: ]أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم[ [الزّخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأنّ اللّه ربّهم، فهذا الإقرار: حجّة للّه عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، فأخذهم يتضمّن خلقهم، والإشهاد يتضمّن هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنّه قال: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكلّ إنسان جعله اللّه مقرّا بربوبيّته، شاهدا على نفسه بأنّه مخلوق، واللّه خالقه، وهذا أمر ضروريّ لبني آدم، لا ينفكّ منه مخلوق، وهو ممّا جبلوا عليه، فهو علم ضروريّ لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثمّ قال بعد ذلك: ]أن يقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو لئلّا تقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار للّه بالرّبوبيّة، وعلى نفوسنا بالعبوديّة، فإنّهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضّروريّة اللّازمة لهم الّتي لم يخل منها بشر قطّ، بخلاف كثير من العلوم الّتي قد تكون ضروريّة، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد والحساب وغير ذلك: فإنّها إذا تصوّرت، كانت علوما ضروريّة، لكنّ كثيرا من النّاس غافل عنها.
* وأمّا الاعتراف بالخالق فإنّه: علم ضروريّ لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بدّ أن يكون قد عرفه، وإن قدّر أنّه نسيه.
ولهذا يسمّى التّعريف بذلك: تذكيرا، فإنّه تذكير بعلوم فطريّة ضروريّة، وقد ينساها العبد، كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]؛ وفي الحديث الصّحيح: «يقول اللّه للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني»([170])). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص563): (قال تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ فذكر سبحانه لهم حجّتين يدفعهما هذا الإشهاد:
إحداهما: أن يقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ فبيّن أنّ هذا: علم فطريّ ضروريّ لا بدّ لكلّ بشر من معرفته، وذلك يتضمّن حجّة اللّه في إبطال التّعطيل، وأنّ القول بإثبات الصّانع: علم فطريّ ضروريّ، وهو حجّة على نفي التّعطيل.
والثّانية: أن يقولوا: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[، وهم آباؤنا المشركون؛ أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟ فإنّه لو قدّر أنّهم لم يكونوا عارفين بأنّ اللّه ربّهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرّيّة من بعدهم، ومقتضى الطّبيعة العاديّة أن يحتذي الرّجل حذو أبيه حتّى في الصّناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم إذ كان هو الّذي ربّاه، ولهذا كان أبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطّبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الّذين أشركوا، ونحن كنّا ذرّيّة لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبيّن خطأهم: فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أنّ اللّه وحده هو ربّهم، كان معهم ما يبيّن بطلان هذا الشّرك، وهو التّوحيد الّذي شهدوا به على أنفسهم.
فإذا احتجّوا بالعادة الطّبيعيّة: من اتّباع الآباء، كانت الحجّة عليهم: هي الفطرة الطّبيعيّة الفعليّة السّابقة؛ لهذه العادة الطّارئة، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام: سابقة للتّربية الّتي يحتجّون بها؛ وهذا يقتضي أنّ نفس العقل الّذي به يعرفون التّوحيد: حجّة في بطلان الشّرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنّه جعل ما تقدّم حجّة عليهم بدون هذا، وهذا لا يناقض قوله تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]؛ فإنّ الرّسول يدعو إلى التّوحيد، ولكنّ الفطرة: دليل عقليّ يعلم به إثبات الصّانع، لم يكن في مجرّد الرّسالة حجّة عليهم: فهذه الشّهادة على أنفسهم الّتي تتضمّن إقرارهم بأنّ اللّه ربّهم، ومعرفتهم بذلك أمر لازم لكلّ بني آدم، به تقوم حجّة اللّه تعالى في تصديق رسله، فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة: إنّي كنت عن هذا غافلا، ولا أنّ الذّنب كان لأبي المشرك دوني، لأنّه عارف بأنّ اللّه ربّه لا شريك له، فلم يكن معذورا في التّعطيل، والإشراك، بل قام به ما يستحقّ به العذاب). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص564): (ثمّ إنّ اللّه سبحانه - لكمال رحمته وإحسانه - لا يعذّب أحدا إلّا بعد إرسال الرّسول إليه، وإن كان فاعلا لما يستحقّ به الذّمّ والعقاب: فللّه على عبده حجّتان قد أعدّهما عليه لا يعذّبه إلّا بعد قيامهما:
إحداهما: ما فطره عليه، وخلقه عليه من الإقرار بأنّه ربّه، ومليكه، وفاطره، وحقّه عليه لازم.
والثّانية: إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك، وتقريره وتكميله، فيقوم عليه شاهد الفطرة، والشّرعة، ويقرّ على نفسه بأنّه كان كافرا؛ كما قال تعالى: ]وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين[ [الأنعام: 130]؛ فلم ينفّذ عليهم الحكم، إلّا بعد إقرار، وشاهدين على أنفسهم، وهذا غاية العدل). اهـ
وقوله تعالى: ]ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174]؛ عمّا هم عليه من الإصرار على الباطل. ([171])
* فيرجعوا: إلى الحقّ والإيمان، ويعرضوا عن الباطل، والكفر، والشّرك. ([172])
* فلعلّهم: يرجعون عن جهلهم، وتقليدهم لآبائهم، وأجدادهم، إلى التّوحيد، والإيمان.
* ولعلّهم: يرجعون أيضا إلى: «الميثاق الأوّل»، فيذكرونه، ويعملون بمقتضاه. ([173])
قال تعالى: ]وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح[ [الأحزاب:7].
وقال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم:30].
وقال تعالى: ]هذا نذير من النّذر الأولى[ [النجم:56].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وهذه الآية: تدلّ أنّ الله تعالى إذا أخذهم من ظهر آدم عليه السّلام، فقد أخذهم من ظهور ذرّيّته؛ لأنّ ذرّيّة آدم عليه السّلام، ذرّيّة، لذرّيّته، بعضهم من بعض. ([174])
قال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص608): (وأمّا تفسير الآية: فقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك[؛ يعني: واذكر يا محمّد، إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم، يعني: من ظهور بني آدم، وإنّما لم يذكر ظهر آدم، وإن كان الله تعالى: أخرج جميع الذّرّيّة من ظهره، لأنّ الله تعالى: أخرج ذرّيّة آدم بعضهم: من ظهر بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء.
* فلذلك؛ قال تعالى: ]من بني آدم من ظهورهم[؛ فاستغنى عن ذكر ظهر آدم عليه السّلام، لما علم أنّهم كلّهم: بنو آدم، وأخرجوا من ظهره، فترك ذكر ظهر آدم عليه السّلام: استغناء). اهـ
قلت: فذكر الله تعالى الأخذ من ظهور بني آدم، في الغيب، لا من نفس ظهر آدم عليه السّلام.
* لكنّ الرّسول r؛ ذكر أيضا، أنّ الأخذ من نفس ظهر آدم عليه السّلام.
وهذا لا يناقض الآية، فإنّ أخذ: «الميثاق»، أخذه الله تعالى على الخلق من ظهور بني آدم، كما أخذه أيضا عليهم: من نفس ظهر آدم عليه السّلام.
* فشهدوا على أنفسهم، وهذه الشّهادة على أنفسهم، الّتي تتضمّن إقرارهم بأنّ الله ربّهم، ومعرفتهم بذلك، أمر لازم لكلّ بني آدم، به تقوم حجّة الله تعالى في تصديق رسله عليهم السّلام، فلا يمكن أحدا، أن يقول: يوم القيامة، إنّي كنت عن هذا غافلا.
قلت: وقد استدلّ الله تعالى أيضا عليهم بالدّلائل المنصوبة في الآفاق، والأنفس المؤدّية إلى التّوحيد في النّاس.
* فشهدوا على أنفسهم، بما ركّب فيهم من العقل الّذي يكون به الفهم، ويجب به الثّواب والعقاب.
فأخذ الله عليهم: «الميثاق»، و«العهد» في التّوحيد، بما ركّب فيه من العقل، وأراهم من الآيات، والدّلالات، على أنّه هو الرّبّ، وهو خالقهم.
* فكلّ من بلغ هذا المبلغ، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، و«العهد»، وقد أقرّ، وأذعن، وأسلم، كما قال تعالى: ]وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعا وكرها[ [الرّعد:15].
قلت: فأخذ من الخلق: «الميثاق»، فقال تعالى: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 173].
* فليس أحد من ولد آدم، إلّا وهو يعرف أنّ ربّه، هو الله تعالى. ([175])
* والخلق قد أقرّوا لله تعالى بالإيمان، والمعرفة.
قال تعالى: ]وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعا وكرها[ [آل عمران:83].
قلت: ويجوز في العربيّة أن يقع، ما هو منتظر، ممّا لم يقع بعد، أو وقع في الغيب، مثل: ما أشهدهم على أنفسهم أنّه ربّهم، في أصلاب آبائهم، قبل أن يأتوا في الحياة الدّنيا؛ لسبق علمه سبحانه بوقوع هذه الشّهادة من الخلق.
* كما قال تعالى في مواضع من القرآن مثل ذلك، كقوله تعالى: ]ونادى أصحاب النّار[ [الأعراف:50]، وكقوله تعالى: ]ونادى أصحاب الجنّة[ [الأعراف: 44]، وكقوله تعالى: ]ونادى أصحاب الأعراف[ [الأعراف: 48].
* وهذا مثل: قوله تعالى: ]إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا[ [الأحزاب: 72].
الأمانة؛ هاهنا: عهد، وميثاق، فامتناع السّموات، والأرض، والجبال، من حمل الأمانة لخلّوّها من العقل الّذي يكون به الفهم، والإفهام، وحمل الإنسان إيّاها لمكان العقل فيه. ([176])
* ومعنى: قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم[ [الأعراف: 172]؛ فقد دلّ الخلق، بخالقهم: على توحيده، لأنّ كلّ بالغ، يعلم ضرورة أنّ له ربّا واحدا.
وقوله تعالى: ]ألست بربّكم[ [الأعراف: 172]؛ فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم، والإقرار منهم. ([177])
وهذا مثل: قوله تعالى: في السّماوات والأرض: ]قالتا أتينا طائعين[ [فصّلت:11].
قلت: وقد يخاطب الجماد، لأنّه يعقل ما يقال له، مثل: الجبل، حتّى خوطب: جبل أحد. ([178])
قال تعالى: ]يا جبال أوّبي معه والطّير[ [سبأ:10].
وعن أنس بن مالك t؛ أنّ النّبيّ r: صعد أحدا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال r: (اثبت أحد، فإنّما عليك: نبيّ، وصدّيق، وشهيدان). ([179])
قلت: فالقول فيما تقدّم قبل هذا يغني عن الجدال في إقامت الحجّة: «بالميثاق»، و«الفطرة» على الجهّال الّذين وقعوا في: «الشّرك الأكبر»، لأنّهم أقرّوا في الغيب أنّ الله تعالى، هو ربّهم المعبود بحقّ في الحياة الدّنيا، وكذلك: إقرارهم للرّبّ سبحانه بالفطرة([180]) ألزمها قلوبهم منذ الصّغر، فكفونا التّعب لإقامة الحجّة، بهذه المقالة على أنفسهم في عالم الغيب، وذلك كلّه: تقدير الله تعالى، وفطرته لهم على التّوحيد.
قلت: وأمّا أهل البدع([181])، فمنكرون، لكلّ ما قاله العلماء من أهل السّنّة، في تأويل قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174]، قالوا: ما أخذ الله تعالى من آدم، ولا من ذرّيّته ميثاقا قطّ، قبل خلقه إيّاهم، وما خلقهم قطّ، إلّا في بطون أمّهاتهم، يعني: ينكرون([182]) إقامة الحجّة على الخلق بالميثاق، وهم في ظهور آبائهم في عالم الغيب. ([183])
* والمعتزلة: ينكرون أخذ الميثاق القاليّ، ويقولون: إنّها من جملة الآحاد، فلا يلزمنا أن نترك لها ظاهر الكتاب، وطعنوا في صحّتها؛ بمقدّمات عقليّة مبنيّة على قواعد فلسفيّة على ما هو دأبهم في أمثال هذه المطالب. ([184])
* وكذلك قال أهل البدع: كيف يخاطب الله تعالى، من لا يعقل، وكيف يجيب من لا عقل له، وكيف يحتجّ عليهم بميثاق لا يذكرونه، وهم لا يؤاخذون بما نسوا.
* وقالوا: إنّما أراد الله تعالى، بقوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174]؛ إخراجه إيّاهم في الدّنيا، وخلقه لهم، وإقامة الحجّة عليهم، بأن فطرهم، وبناهم: فطرة إذا بلغوا، وعقلوا، علموا أنّ الله تعالى: هو ربّهم، وخالقهم. ([185])
قلت: فمن قال بهذا القول، فقد وافق أهل البدع، يعني: في عدم حجّيّة الميثاق على الخلق؛ ابتداء في عالم الغيب.
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول اللّه r: (كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه). ([186])
وقوله r: «كلّ مولود يولد على الفطرة»، قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج3 ص248): (قد اختلف السّلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة...، وأشهر الأقوال أنّ المراد بالفطرة: الإسلام، قال ابن عبد البرّ في [«التّمهيد» (ج18 ص72 و73)]، وهو المعروف عند عامّة السّلف، وأجمع أهل العلم بالتّأويل على أنّ المراد بقوله تعالى: ]فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم:30]؛ الإسلام، واحتجّوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث: اقرؤوا إن شئتم: ]فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها[؛ وذكروا عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضّحّاك، وقتادة؛ في قول الله عزّ وجلّ: ]فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها[؛ قالوا فطرة الله: دين الإسلام، وبحديث عياض بن حمار؛ عند مسلم (2865)، عن النّبيّ r فيما يرويه عن ربّه: «إنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين، فاجتالتهم الشّياطين عن دينهم» الحديث، وقد رواه غيره؛ فزاد فيه: «حنفاء مسلمين»، وهذا صريح في أنّه خلقهم على الحنيفيّة، وأنّ الشّياطين اجتالتهم بعد ذلك، ورجّحه بعض المتأخّرين بقوله تعالى: ]فطرة اللّه[؛ لأنّها إضافة مدح، وقد أمر نبيّه بلزومها، فعلم أنّها الإسلام). اهـ كلام ابن حجر.
* وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميّة /: عن هذا الحديث؛ كما في «الفتاوى» (ج4 ص245)؛ فأجاب /: (الحمد لله أمّا قوله: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه»؛ فالصّواب: أنّها فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها، وهي فطرة: الإسلام، وهي الفطرة الّتي فطرهم عليها يوم قال: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ وهي: السّلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصّحيحة، فإنّ حقيقة الإسلام: أن يستسلم لله، لا لغيره، وهو معنى: لا إله إلّا الله). اهـ
* فالله خلق الطّفل سليما من الكفر، مؤمنا، مسلما، على: «الميثاق الأوّل»، الّذي أخذه الله تعالى على ذرّيّة آدم، حين أخرجهم من صلبه، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم، قالوا: بلى. ([187])
وعن شدّاد بن أوس t؛ أنّ رسول الله r قال: (سيّد الاستغفار أن يقول: اللّهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت).([188])
قال الإمام ابن بطّال / في «شرح صحيح البخاريّ» (ج10 ص75): (قوله r: «وأنا على عهدك، ووعدك ما استطعت»؛ يعني: العهد الّذي أخذه الله تعالى على عباده، في أصل: خلقهم، حين أخرجهم من أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ فأقرّوا له في أصل خلقهم بالرّبوبيّة، وأذعنوا له بالوحدانيّة). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النّبيّ r قال: (يقال للرّجل من أهل النّار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتديا به؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم، ألّا تشرك بي؛ فأبيت إلّا أن تشرك بي). ([189])
قلت: إنّ الله تعالى، أخذ: «الميثاق» من ذرّيّة آدم من ظهور آبائهم، كما أخذ سبحانه عليهم: «الميثاق» في ظهر أبيهم آدم، ثمّ أشهدهم على أنفسهم أنّه الرّبّ سبحانه، وألّا يشركوا به.
* إنّ الله تعالى أخذ: «الميثاق» من الذّرّيّة من ظهر آدم، ومن ظهور آبائهم، ألّا يشركوا به شيئا في هذه الحياة الدّنيا.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173].
وقال تعالى: ]فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين[ [الأنعام: 149].
وعن الإمام حمّاد بن سلمة /؛ أنّه كان يفسّر؛ حديث: «كلّ مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال تعالى: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([190])
وقال تعالى: ]ولو أنّ للّذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون[ [الزّمر: 47].
وقال تعالى: ]ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون[ [الأنعام: 28].
قال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلّم فيه النّاس كثيرا، وقالوا: إنّ قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم[ [الأعراف: 172]؛ إنّ هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانيّة، والإيمان بالله عزّ وجلّ، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدلّ على أنّ المراد: بنو آدم أنفسهم، أنّ الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمّهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطّحاويّة.
وعلى كلّ حال: الشّاهد من هذا أنّ أهل النّار يودّون أن يفتدوا بملء الأرض ذهبا، ولكنّه لا يحصل لهم ذلك.
* وهذا الحديث فيه مناقشة، وفيه تنديم لهذا الكافر، فإنّه يقال له: لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به من هذا العذاب؟ فيقول: نعم، وهذا واقع فالكلّ يفتدي من عذاب يوم القيامة بما يستطيع.
* وقوله r: «فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك»؛ أي: أن تؤمن بالله تعالى ورسله، وتقيم الصّلاة، وتأتي بشرائع الإسلام، وهي أمور سهلة، فحتّى الزّكاة الّتي هي حقّ المال لا تجب في كلّ مال، وإذا وجبت في مال فهو جزء يسير، والغالب أيضا: أنّها لا تجب إلّا في الأموال النّامية، وقد تجب في الأموال غير النّامية كالذّهب والفضّة). اهـ
وقال الحافظ القسطلانيّ / في «إرشاد السّاري» (ج7 ص275): (قال تعالى: «فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم»، حين أخذت الميثاق، «أن لا تشرك بي فأبيت»، إذ أخرجتك إلى الدّنيا، «إلّا الشّرك»). اهـ
وعن أنس بن مالك t، عن النّبيّ r قال: (يقول اللّه تبارك وتعالى: لأهون أهل النّار عذابا؛ لو كانت لك الدّنيا، وما فيها، أكنت مفتديا بها؟، فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك -أحسبه قال: ولا أدخلك النّار-، فأبيت إلّا الشّرك). وفي رواية: (فقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا أن تشرك). ([191])
وعن أنس بن مالك t، أنّ النّبيّ r قال: (يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا، أكنت تفتدي به؟، فيقول: نعم، فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك). وفي رواية: (فيقال له: كذبت، قد سئلت ما هو أيسر من ذلك). ([192])
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج11 ص403 و404): (قوله r: «قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك»، في رواية أبي عمران فيقول: «أردت منك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي شيئا، فأبيت إلّا أن تشرك بي»، وفي رواية ثابت: «قد سألتك أقلّ من ذلك، فلم تفعل، فيؤمر به إلى النّار»، قال عياض /: يشير بذلك إلى قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم[ [الأعراف:172]؛ الآية، فهذا: «الميثاق» الّذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفّى به بعد وجوده في الدّنيا: فهو مؤمن، ومن لم يوفّ به: فهو الكافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت: «الميثاق»، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدّنيا إلّا الشّرك، ويحتمل أن يكون المراد بالإرادة هنا: الطّلب؛ والمعنى: أمرتك، فلم تفعل، لأنّه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلّا ما يريد. واعترض بعض المعتزلة: بأنّه كيف يصحّ أن يأمر بما لا يريد؟ والجواب: أنّ ذلك ليس بممتنع، ولا مستحيل). اهـ
وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج8 ص337): (وقوله r: «يقول الله تعالى لأهون أهل النّار عذابا: لو كانت لك الدّنيا»، إلى قوله: «قد أردت منك أهون من ذلك وأنت في صلب آدم: ألّا تشرك، فأبىت إلّا الشّرك»؛ هذا تنبيه على ما جاء في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فهذا: «الميثاق» الّذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفّى به بعد وجوده في الدّنيا، فهو مؤمن، ومن لم يف به فهو الكافر، ومراد الحديث: قد أردت منك هذا وأنت في صلب آدم: ألّا تشرك بي حين أخذت عليك ذلك: «الميثاق»، فأبىت إذ أخرجتك إلى الدّنيا إلّا الشّريك). اهـ
وقال العلّامة الأبّيّ / في «إكمال إكمال المعلم» (ج9 ص252): (في الحديث: «أردت منك أن لا تشرك، فأبيت: إلّا الشّرك»؛ فإنّ ذلك بيّنه: قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم[ [الأعراف: 172]؛ فالمراد الإيمان: الّذي أراد منهم هو: إيمانهم ذلك اليوم، وقد حصل، لقوله تعالى: ]قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ أي: أنت ربّنا، ولكنّهم: لم يعبدوا لمّا خرجوا من الدّنيا).اهـ
قلت: إنّ الله تعالى أخرج ذرّيّة آدم من صلبه، وأصلاب أولاده، وأخذ عليهم: «الميثاق»، أنّه خالقهم، وأنّهم: مخلوقون، فاعترفوا بذلك، وقبلوا، وعرفوا ما عرض عليهم، وأنّهم: لهم: عقول، يفهمون بها ما سمعوه، ونطقوا به. ([193])
وبوّب عليه الحافظ البخاريّ في «صحيحه» (ص552)؛ باب: خلق آدم وذرّيّته.
قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ أي: عن «الميثاق» المأخوذ عليهم، فإذا قالوا: ذلك، كانت أنفسهم شاهدة عليهم، وكانت الملائكة شهودا عليهم أيضا، بأخذ الميثاق. ([194])
قال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص474): (وها هنا مقامات:
أحدها: أنّ الله سبحانه، استخرج صورهم وأمثالهم، فميّز: شقيّهم وسعيدهم، ومعافاهم، من مبتلاهم.
الثّاني: أنّه سبحانه أقام عليهم الحجّة حينئذ، وأشهدهم: بربوبيّته، واستشهد عليهم ملائكته.
والثّالث: أنّ هذا تفسير، قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم[ [الأعراف: 172]). اهـ
* والله تعالى قد أثبت الحجّة على كلّ منفوس، ممّن بلغ، وممّن لم يبلغ: «بالميثاق» الّذي أخذه عليهم، وزاد سبحانه على من بلغ منهم، الحجّة بالآيات، والدّلائل، والبراهين، الّتي نصبها الله تعالى في العالم، وبالرّسل المنفّذة إليهم: مبشّرين، ومنذرين، وبالمواعظ، وبالمثلات، المنقولة إليهم أخبارها؛ غير أنّه عزّ وجلّ لا يطالب أحدا منهم من الطّاعة؛ إلّا بقدر ما لزمه من الحجّة، وركّب فيهم من القدرة، وآتاهم من الآلة. ([195])
قال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص492): (فالله تعالى إنّما ذكّرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكّرهم قطّ بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجّة.
* أنّه جعل هذا آية، وهي الدّلالة الواضحة البيّنة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلّف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرّبّ تعالى، فإنّها أدلّة معيّنة على مطلوب معيّن مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التّفصيل، والتّبيّين نفصّل الآيات لعلّهم يرجعون من الشّرك إلى التّوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات الّتي فصّلها هي الّتي بيّنها في كتابه من أنواع مخلوقاته، وهي آيات أفقيّة ونفسيّة، آيات في نفوسهم، وذواتهم، وخلقهم، وآيات في الأقطار، والنّواحي؛ ممّا يحدثه الرّبّ تبارك وتعالى، ممّا يدلّ على وجوده، ووحدانيّته، وصدق رسله، وعلى المعاد والقيامة، ومن أبينها ما أشهد به كلّ واحد على نفسه من أنّه ربّه، وخالقه، ومبدعه). اهـ
* فالله تعالى أعلم أنّ هذا الأخذ للعهد عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين.
وقال الإمام الطّحاويّ / في «العقيدة الطّحاوية» (ص30): (والميثاق: الّذي أخذه الله تعالى، من آدم عليه السّلام، وذرّيّته: حقّ). اهـ
قوله: «والميثاق: الّذي أخذه الله تعالى، من آدم عليه السّلام، وذرّيّته: حقّ»
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم([196]) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا([197]) يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، يخبر سبحانه أنّه استخرج ذرّيّة آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أنّ الله ربّهم ومليكهم، وأنّه لا إله إلّا هو، وقد وردت أحاديث في أخذ الذّرّيّة من صلب آدم عليه السّلام، وتميّيزهم إلى أصحاب اليمين، وإلى أصحاب الشّمال، وفي بعضها الإشهاد عليهم بأنّ الله ربّهم. ([198])
قلت: فكيف يصرفون عن التّوحيد، بعد هذا الإقرار منهم، أنّ الله تعالى ربّهم، وخالقهم. ([199])
قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان:25].
قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزخرف:87].
قال الإمام ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاوية» (ج1 ص313): (سبحانه: أشهد كلّ واحد على نفسه أنّه ربّه، وخالقه، واحتجّ عليه، بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان:25]؛ فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم؛ بمضمونها، وذكّرتهم بها: رسله عليهم السّلام، بقولهم: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم: 10]) .اهـ
وعن الإمام الزّهريّ / قال: (يصلّى على كلّ مولود متوفّى، وإن كان لغيّة، من أجل أنّه: ولد على فطرة الإسلام، إذا استهلّ صارخا صلّي عليه، ولا يصلّى على من لا يستهلّ من أجل أنّه سقط). ([200])
وعن عياض بن حمار المجاشعيّ t؛ أنّ رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم، ممّا علّمني، يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا، حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([201])
قلت: وهذا الحديث يدلّ على صحّة ما فسّر به الأئمّة: «الفطرة»، أنّها دين الإسلام. ([202])
قال تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم[ [الرّوم:30].
قال تعالى: ]وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم[ [الأحزاب:7].
قال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
قال تعالى: ]واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به[ [المائدة: 7].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتّصديق به، ولئلّا يشركوا به شيئا([203])، فآمنوا، وصدّقوا، وعرفوا، وأقرّوا.
* فهذه الأحاديث تدلّ على أنّ الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأنّ كلّ مولود يولد على الفطرة السّليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكنّ الشّياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإنّ الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصحّ أنّ جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأوّل»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأوّل»، ثمّ بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضّلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأوّل: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([204])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أنّ قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأوّل».
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص531): (فصل: ويدلّ على صحّة ما فسّر به الأئمّة «الفطرة» أنّها: «الدّين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعيّ، عن النّبيّ r فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى ([205]): «إنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنّهم خلقوا على الحنيفيّة، وأنّ الشّياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
قال تعالى: ]والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشّياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشّرك، ومن النّور الّذي جاءت به الرّسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضّلال).اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص527)؛ عن تفسير الميثاق: بالفطرة، مستندا: إلى السّنّة، ودلالة العقل، وظاهر اللّفظ، والنّظائر: (وأحسن ما فسّرت به الآية: قوله r: «كلّ مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهوّدانه وينصّرانه»، فالميثاق الّذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الّذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الّذي أقرّوا به هو الفطرة الّتي فطروا عليها؛ لأنّه سبحانه احتجّ عليهم بذلك، وهو لا يحتجّ عليهم بما لا يعرفه أحد منهم، ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به، وأيضا، فإنّه قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: «من آدم»؛ ثمّ قال تعالى: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: «من ظهرهم»؛ ثمّ قال تعالى: ]ذرّيّتهم[؛ ولم يقل: «ذرّيّته»؛ ثمّ قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم[، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيّته إقرارا تقوم عليهم به الحجّة، وهذا إنّما هو الإقرار الّذي احتجّ به عليهم على ألسنة رسله؛ كقوله تعالى: ]قالت رسلهم أفي اللّه شكّ[ [إبراهيم: 10]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف: 87]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون للّه[ [المؤمنون: 84 - 85]، ونظائر ذلك كثيرة: يحتجّ عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربّهم، وفاطرهم، ويدعوهم: بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وألّا يشركوا به شيئا، هذه طريقة القرآن، ومن ذلك هذه الآية الّتي في «الأعراف» وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم[ [الأعراف: 172] الآية، ولهذا قال في آخرها: ]أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173]، فاحتجّ عليهم بما أقرّوا به من ربوبيّته على بطلان شركهم، وعبادة غيره، وألّا يعتذروا، إمّا بالغفلة عن الحقّ، وإمّا بالتّقليد في الباطل، فإنّ الضّلال له سببان: إمّا غفلة عن الحقّ، وإمّا تقليد أهل الضّلال، فيطابق الحديث مع الآية، ويبيّن معنى كلّ منهما بالآخر). اهـ
والميثاق لا يخلو من قسمين:
القسم الأوّل: الميثاق العامّ، الّذي أخذه الله تعالى على جميع العباد في الغيب، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
القسم الثّاني: الميثاق الخاصّ، الّذي أخذه الله تعالى على العباد في الحياة الدّنيا، كما قال تعالى: ]وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين[ [آل عمران: 81]؛ فجعل سبحانه ما أنزل على الأنبياء من الكتاب، والحكم؛ ميثاقا أخذه من أممهم بعدهم.
* يدلّ على ذلك؛ قوله تعالى: ]ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه[؛ ثمّ قال تعالى؛ للأمم: ]ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين[ [آل عمران:81]، فجعل سبحانه بلوغ الأمم كتابه المنزّل على أنبيائهم؛ حجّة عليهم، كأخذ: «الميثاق» عليهم في الغيب، وجعل معرفتهم به، إقرارا منهم.
* وشبيه به؛ قوله تعالى: ]واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا[ [المائدة:7]؛ فهذا ميثاقه: الّذي أخذه عليهم، بعد إرساله سبحانه: رسله عليهم السّلام، إليهم بالإيمان به، وتصديقه.
* ونظيره، قوله تعالى: ]الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق[ [الرّعد:20]، وكقوله تعالى: ]ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم[ [يس:60 و61]؛ فهذا عهده إليهم: على ألسنة رسله عليهم السّلام.
* ومثله: قوله تعالى: ]وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم[ [البقرة:40]، وكقوله تعالى: ]وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه[ [آل عمران: 187]، وقوله تعالى: ]وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [الأحزاب:7].
* فهذا ميثاق: أخذه الله تعالى منهم، بعد بعثهم، كما أخذ من أممهم بعد إنذارهم.
وهذا الميثاق: الّذي لعن سبحانه من نقضه، وعاقبه، بقوله تعالى: ]فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية[ [المائدة:13]، فإنّما عاقبهم بنقضهم: «الميثاق» الّذي أخذه عليهم على ألسنة رسله عليهم السّلام.
* وقد صرّح سبحانه به، في قوله تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطّور خذوا ما آتيناكم بقوّة واذكروا ما فيه لعلّكم تتّقون[ [البقرة:63].
قال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص261): (وأراد r بقوله: «كلّ مولود، يولد على الفطرة»، أخذ: «الميثاق» الّذي أخذه عليهم، في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فلست: واجدا، أحدا؛ إلّا وهو مقرّ بأنّ له صانعا، ومدبّرا.
* فكلّ مولود في العالم على ذلك: «العهد»، و«الإقرار»، وهي الحنيفيّة الّتي وقعت في أوّل الخلق، وجرت في فطر العقول.
قال رسول الله r: «يقول الله تبارك وتعالى: إنّي خلقت عبادي جميعا حنفاء؛ فاجتالتهم: الشّياطين عن دينهم»([206])؛ ثمّ يهوّد: اليهود أبناءهم، ويمجّس: المجوس أبناءهم؛ أي: يعلّمونهم ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن بطّة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص718)، في كتاب: «الرّدّ على القدريّة»: (فأمّا هذا الحديث؛ فإنّ بيان وجهه في كتاب اللّه تعالى، وفي سنّة رسول اللّه r، وعند العلماء والعقلاء: بيان لا يختلّ على من وهب اللّه تعالى له فهمه، وفتح أبصار قلبه، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172].
* ثمّ جاءت الأحاديث بتفسير ذلك: أنّ اللّه عزّ وجلّ أخذهم من صلب آدم كهيئة الذّرّ([207])، فأخذ عليهم «العهد»، و«الميثاق» بأنّه ربّهم، فأقرّوا له بذلك أجمعون، ثمّ ردّهم في صلب آدم([208])، ثمّ قال عزّ وجلّ: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم: 30].
* فكانت البداية الّتي ابتدأ اللّه عزّ وجلّ الخلق بها ودعاهم إليها، وذلك أنّ بداية خلقهم: الإقرار له بأنّه ربّهم، وهي: الفطرة). اهـ
وقال الإمام ابن بطّة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص718)؛ في كتاب: «الرّدّ على القدريّة»: (فقوله r: «كلّ مولود، يولد على الفطرة»؛ يعني: على تلك البداية الّتي ابتدأ اللّه عزّ وجلّ خلقه بها، وأخذ مواثيقهم عليها من الإقرار له بالرّبوبيّة). اهـ
وقال الحافظ السّنجاريّ / في «المغيث من مختلف الحديث» (ص314): (وأراد r بقوله: «كلّ مولود يولد على الفطرة»؛ أخذ الميثاق الّذي أخذه عليهم، في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فلست: واجدا، أحدا؛ إلّا وهو مقرّ بأنّ له صانعا، ومدبّرا.
قال الله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25].
* فكلّ مولود في العالم على ذلك: «العهد»، و«الإقرار»، وهي الحنيفيّة الّتي وقعت لأوّل الخلق، وجرت في فطر العقول.
قال رسول الله r: «يقول الله تعالى: إنّي خلقت عبادي جميعا حنفاء، فاجتالتهم الشّياطين عن دينهم».([209])
* ثمّ هوّدت: اليهود أبناءهم، ومجّست: المجوس أبناءهم؛ أي: يعلّمانهم ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن بطّة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)؛ في كتاب: «الرّدّ على القدريّة»: (وإنّما قوله r: «كلّ مولود، يولد على الفطرة»؛ إنّما أراد: أنّهم يولدون على تلك البداية، الّتي كانت في صلب آدم عليه السّلام، من الإقرار للّه بالمعرفة، ثمّ أعربت عنهم ألسنتهم، ونسبوا إلى آبائهم). اهـ
وقال الإمام ابن بطّة / في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)؛ في كتاب: «الرّدّ على القدريّة»: (وسائر الملل: فمقرّون بتلك الفطرة، الّتي كانت في البداية؛ فإنّك لست تلقى أحدا، من أهل الملل، وإن كان كافرا؛ إلّا وهو مقرّ بأنّ اللّه: ربّه، وخالقه، ورازقه، وهو في ذلك كافر، حين خالف شريعة الإسلام). اهـ
وقال الإمام ابن قتيبة / في «تأويل مختلف الحديث» (ص261): (والفطرة هنا: الابتداء والإنشاء؛ ومنه: قوله تعالى: ]الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض[ [فاطر: 1]؛ أي: مبتدئها.
* وكذلك: قوله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ يريد: جبلّته الّتي جبل النّاس عليها). اهـ
وقال الحافظ السّنجاريّ / في «المغيث من مختلف الحديث» (ص313): (ثمّ اعلم رحمك الله: أنّ معنى؛ الفطرة ها هنا: الابتداء، والإنشاء، ومنه قوله تعالى: ]فاطر السّماوات والأرض[ [الأنعام: 14]؛ أي: مبتدئها.
* وكذلك: قوله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ يريد: بجبلّته الّتي جبل النّاس عليها ). اهـ
قلت: فليس من مولود، إلّا على هذه الفطرة، حتّى يعبّر عنه لسانه، أي: على الملّة، حتّى يبيّن عنه لسانه. ([210])
قلت: فقد قامت على العباد الحجّة على وجه الإجمال، لمخالفتهم: لحجّة الفطرة، من دون أن تقوم عليهم حجّة الرّسل عليهم بالكتب، إلّا من باب التّذكير، والتّعليم، على وجه التّفصيل، لتأكيد قيام الحجّة عليهم، على وجه الإجمال، وعلى وجه التّفصيل. ([211])
قال الإمام محمّد بن نصر المروزيّ: (سمعت إسحاق بن راهويه؛ يذهب إلى هذا المعنى، واحتجّ بقول أبي هريرة t: «اقرءوا إن شئتم: ]فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم:30]؛ قال إسحاق: يقول: لا تبديل لخلقته الّتي جبل عليها ولد آدم كلّهم، يعني: من الكفر، والإيمان، والمعرفة، والإنكار. ([212])
* واحتجّ إسحاق أيضا؛ بقول اللّه عزّ وجلّ: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم[ [الأعراف:172] الآية؛ قال إسحاق: أجمع أهل العلم أنّها الأرواح قبل الأجساد؛ استنطقهم: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[؛ فقال: انظروا ألّا تقولوا : ]إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 172، 173]) ([213]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حافظ الحكميّ / في «معارج القبول بشرح سلّم الوصول» (ج1 ص92): (ليس بين التّفسيرين منافاة، ولا مضادّة، ولا معارضة؛ فإنّ هذه المواثيق كلّها ثابتة بالكتاب والسّنّة.
الأوّل الميثاق: الّذي أخذه اللّه تعالى عليهم حين أخرجهم من ظهر أبيهم آدم عليه السّلام، وأشهدهم على أنفسهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]؛ وهو الّذي قاله جمهور المفسّرين رحمهم اللّه، في هذه الآيات، وهو نصّ الأحاديث الثّابتة في «الصّحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثّاني: ميثاق الفطرة، وهو أنّه تبارك وتعالى فطرهم شاهدين بما أخذه عليهم؛ في الميثاق الأوّل: كما قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم: 30]؛ الآية: وهو الثّابت في حديث أبي هريرة، وعياض بن حمار، والأسود بن سريع t، وغيرها، من الأحاديث في «الصّحيحين»، وغيرهما.
الميثاق الثّالث: هو ما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، وأنزلت به الكتب تجديدا للميثاق الأوّل، وتذكيرا به: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل وكان اللّه عزيزا حكيما[ [النّساء: 165]؛ فمن أدرك هذا الميثاق، وهو باق على فطرته الّتي هي شاهدة بما ثبت في: «الميثاق الأوّل»، فإنّه يقبل ذلك من أوّل مرّة، ولا يتوقّف؛ لأنّه جاء موافقا؛ لما في فطرته، وما جبله اللّه عليه؛ فيزداد بذلك يقينه، ويقوى إيمانه، فلا يتلعثم، ولا يتردّد، ومن أدركه وقد تغيّرت فطرته عمّا جبله اللّه تعالى عليه من الإقرار بما ثبت في: «الميثاق الأوّل»؛ بأن كان قد اجتالته الشّياطين عن دينه، وهوّده أبواه، أو نصّراه، أو مجّساه؛ فهذا إن تداركه اللّه تعالى برحمته: فرجع إلى فطرته، وصدّق بما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، ونزلت به الكتب؛ نفعه: «الميثاق الأوّل»، و« الميثاق الثّاني»، وإن كذّب بهذا: «الميثاق»، كان مكذّبا: «بالأوّل»، فلم ينفعه إقراره به يوم أخذه اللّه عليه، حيث قال: ]بلى[؛ جوابا: لقوله تعالى: ]ألست بربّكم[؛ وقامت عليه حجّة اللّه، وغلبت عليه الشّقوة، وحقّ عليه العذاب، ومن يهن اللّه فما له من مكرم، إنّ اللّه يفعل ما يشاء). اهـ
وقال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «شرح العقيدة الواسطيّة» (ج1 ص58): (وأمّا دلالة الفطرة: فإنّ كثيرا من النّاس الّذين لم تنحرف فطرهم، يؤمنون بوجود الله تعالى، حتّى البهائم العجم: تؤمن بوجود الله تعالى.
فالفطر: مجبولة على معرفة الله عزّ وجلّ، وتوحيده.
* وقد أشار الله تعالى: إلى ذلك؛ في قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 172 - 173]؛ فهذه الآية: تدلّ على أنّ الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله تعالى، وربوبيّته، وسواء أقلنا: إنّ الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إنّ هذا هو ما ركّب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإنّ الآية تدلّ على أنّ الإنسان يعرف ربّه بفطرته). اهـ
قلت: بهذا فقد جعل الله تعالى هذا الإشهاد حجّة عليهم في الإشراك.
فهذا الميثاق: جعله الله تعالى حجّة مستقلّة على الخلق كلّهم، فدلّ على أنّه الفطرة الّتي فطروا عليها من الإقرار بالتّوحيد.
* ولهذا؛ قال تعالى: ]أن تقولوا[؛ أي: لئلّا تقولوا: يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن التّوحيد: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا[ [الأعراف: 173]. ([214])
قال تعالى: ]والّذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللّعنة ولهم سوء الدّار[ [الرّعد:25].
قلت: فمن لم يدرك: «الميثاق الثّالث»، وهو بلوغه القرآن بالتّكاليف الشّرعيّة، بعد بلوغه في السّنّ المعتبر شرعا في التّكليف، و«الميثاق الرّابع»، وهو بلوغه دعوة الرّسل عليهم السّلام.
* بأن مات صغيرا، قبل التّكليف، فهو: مات على: «الميثاق الأوّل»، و«الميثاق الثّاني»، على الفطرة.
* فإن كان من أولاد المسلمين، فهم مع آبائهم، وإن كان من أولاد المشركين، فقد أدركهم: «الميثاق الأوّل»، و«الميثاق الثّاني»، فهم: ماتوا على فطرة الإسلام، رحمة من الله تعالى عليهم.
قال العلّامة الشّيخ حافظ الحكميّ / في «معارج القبول، بشرح سلّم الوصول إلى علم الأصول» (ج1 ص96): (فذاك: أي؛ المكذّب بالكتاب، وبما أرسل اللّه تعالى به رسله الآبي منه المعرض عنه المصرّ، على ذلك حتّى مات عليه هو: «ناقض كلا العهدين»؛ الميثاق: الّذي أخذه اللّه تعالى عليه، وفطره على الإقرار به، وما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، من تجديد: «الميثاق الأوّل» ،وإقامة الحجّة: «مستوجب»؛ بفعله ذلك: «للخزي في الدّارين»؛ أي: في الدّنيا، والآخرة، كما قال تعالى: ]وأتبعناهم في هذه الدّنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين[ [القصص: 42]). اهـ
* فقوله تعالى: ]أن يقولوا[؛ يعني: وأشهدهم على أنفسهم، أن يقولوا؛ أي: لئلّا يقولوا، أو كراهية أن يقولوا.
* ومن قرأ بالتّاء، فتقدير الكلام: أخاطبكم، ألست بربّكم: لئّلا تقولوا يوم القيامة، ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا «الميثاق»، والإقرار.
* فإن قيل: كيف يلزم الحجّة واحدا، لا يذكر: «الميثاق»؟، قيل: قد أوضح الله تعالى، الدّلائل على وحدانيّته، وصدق رسله، فيما أخبروا.
* فمن أنكره: كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمته الحجّة، وبنسيانهم، وعدم حفظهم: لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر، صاحب المعجزة: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ يقول تعالى: إنّما أخذ: «الميثاق» عليكم لئلّا تقولوا: أيّها المشركون، إنّما أشرك آباؤنا من قبل، ونقضوا العهد، وكنّا ذرّيّة من بعدهم؛ أي: كنّا أتباعا لهم فاقتدينا بهم، فتجعلوا هذا عذرا لأنفسهم، وتقولوا: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:173]؛ افتعذّبنا بجناية: آبائنا المبطلين؛ فلا يمكّنهم: أن يمكنهم، أن يحتجّوا بمثل هذا الكلام، بعد تذكير الله تعالى: بأخذ «الميثاق» على التّوحيد: ]وكذلك نفصّل الآيات[؛ أي: نبيّن الآيات؛ ليتدبّرها العباد: ]ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف:173]، من الكفر إلى التّوحيد. ([215])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص275): (وذهب طائفة: من السّلف، والخلف؛ أنّ المراد: بهذا الإشهاد، إنّما هو: فطرهم على التّوحيد، كما في حديث أبي هريرة t قال: قال رسول اللّه r: «كلّ مولود يولد على الفطرة»، وفي رواية: «على هذه الملّة».). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حافظ الحكميّ / في «معارج القبول بشرح سلّم الوصول» (ج1 ص28):
وبعد هــذا رســــله قـــد أرســـــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــقّ الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهـــــد يذكّروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــم ويبشّـــــروهـــــــــــــم |
كي لا يكــــون حجّــــة للنّــاس بل |
|
|
للّه أعــــــــــلى حجّــــــة عــــزّ وجـــــــــــل |
فمن يصدّقهـــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نــــــــاج من عــــذاب النّــــار |
|
|
وذلك الــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدّار |
ومن بهــــــــم وبالكتــــاب كذّبـــــا |
|
|
ولازم الإعـــــــــــــراض عنـــــــه والإبـــــا |
فذاك ناقــــــــــض كلا العهـــــدين |
|
|
مستـــــــوجب للخـــــــزي في الـــــدّارين |
* (وبعد هذا)؛ أي: «الميثاق» الّذي أخذه عليهم في ظهر أبيهم؛ ثمّ فطرهم وجبلهم على الإقرار به، وخلقهم شاهدين به: (رسله)؛ بإسكان السّين: للوزن، مفعول: أرسل مقدّم، (قد أرسلا)؛ بألف الإطلاق: (لهم)؛ أي: إليهم: (وبالحقّ)؛ متعلّق بأنزل؛ أي: بدين الحقّ: (الكتاب)؛ جنس يشمل جميع الكتب المنزّلة على جميع الرّسل: (أنزلا)؛ بألف الإطلاق، والأمر الّذي أرسل اللّه تعالى به الرّسل إلى عباده، وأنزل عليهم به الكتب هو: (لكي بذا العهد): الميثاق الأوّل: (يذكّروهم)؛ تجديدا له، وإقامة لحجّة اللّه البالغة عليهم: (وينذروهم)؛ عقاب اللّه إن هم عصوه ونقضوا عهده: (ويبشّروهم)؛ بمغفرته، ورضوانه إن هم: وفّوا بعهده، ولم ينقضوا ميثاقه، وأطاعوه، وصدّقوا رسله، والحكمة: في ذلك لـ(كي لا يكون حجّة)؛ على اللّه عزّ وجلّ: (للنّاس بل للّه) على جميع عباده). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حافظ الحكميّ / في «معارج القبول بشرح سلّم الوصول» (ج1 ص28): (مقدّمة: تعرّف العبد بما خلق له وبأوّل ما فرض اللّه تعالى عليه، وبما أخذ الله عليه به: «الميثاق» في ظهر أبيه آدم، وبما هو صائر إليه:
اعلـــــم بأنّ اللّه جـــــلّ وعـــــــــــلا |
|
|
لم يترك الخــــــــــلق ســـــــدى وهمــــــلا |
بل خلـــــــــق الخـــــلق ليعبـــــدوه |
|
|
وبــــــالإلهيّـــــــــة يفـــــــــــــــــــــــــــــردوه |
أخـــرج فيما قد مضى من ظهــــــر |
|
|
آدم ذرّيّتــــــــــــــــــــــــه كــــــــالــــــــــــــذّرّ |
وأخـــــــــذ العهـــــــد عليهم أنّـــــه |
|
|
لا ربّ معبـــــــــــــــــــود بحــــــــــــقّ غيره |
وبعد هــذا رســـــله قـــد أرســــــلا |
|
|
لهم وبالحــــــــقّ الكتـــــــــــــاب أنــــــزلا |
لكي بذا العهــــــد يذكّروهـــــــــــم |
|
|
وينـــــــذروهـــــــــم ويبشّـــــروهــــــــــم([216]) |
كي لا يكــــون حجّــــة للنّــاس بل |
|
|
للّه أعــــــــــلى حجّــــــة عــــزّ وجـــــــــــل |
فمن يصدّقهـــــــم بلا شقـــــــــــاق |
|
|
فقـــــد وفى بـــــــــــذلك الميثــــــــــــــــاق |
وذاك نــــــــاج من عــــذاب النّــــار |
|
|
وذلك الــــــــــوارث عقبى الـــــــــــــــــدّار |
ومن بهـــــــــم وبالكتــــاب كذّبــــا |
|
|
ولازم الإعــــــــــــراض عنـــه والإبــــــــــا |
فــــــذاك ناقض كــــــلا العهــــدين |
|
|
مستوجـــــــب للخــــــــزي في الـــــدّارين |
قلت: فبيّن الشّيخ الحكميّ /؛ عن أصل: «الميثاق الأوّل» الّذي أخذه الله تعالى على الخلق، في ظهر أبيهم آدم عليه السّلام، ثمّ فطرهم، وجبلهم على الإقرار بربوبيّته سبحانه، وأنّ هذا: «الميثاق»، حجّة في نفسه، وأنّه يكفي في إقامة الحجّة على الخلق، وعذابهم يوم القيامة.
* ثمّ بيّن الشّيخ الحكميّ /: أنّ بلوغ الكتب وحجّتها على الخلق، وحجّة الرّسل عليهم السّلام؛ عليهم إلّا للتّذكير فقط([217])، بـ«الميثاق الأوّل»، وتجديدا له، وزيادة عذاب، منه سبحانه للمعرض بحسبه عن التّوحيد.
* والسّلف والخلف: قالوا: أنّ المراد بهذا الاشهاد، إنّما هو فطرهم الله تعالى على التّوحيد، لمّا استخرجوا من صلب آدم عليه السّلام.([218])
* فيرى أهل العلم: أنّ العهد هذا يكفي؛ لمؤاخذة الخلق عليه في الدّنيا والآخرة، وأنّ الله تعالى قد أعذر إليهم؛ بمقتضى هذا العهد، وأنّ الحجّة عليهم من الرّسل عليهم السّلام، إنّما هي: تذكّرهم بذلك العهد، وتجدّدّه، الّذي نسوه.
* وعلى هذا يكون هذا «الميثاق الأوّل»، حجّة يؤاخذ عليه العبد، ويكتفى به عن مجيء الرّسل عليهم السّلام، لعقاب من لم يأته: رسول، ولا نذير، إن وجد، ولا يوجد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج4 ص246)؛ في تفسير الآية: (اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء فخلقوا حين ولدوا على الفطرة مقرّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأنّ اللّه ربّهم). اهـ
قلت: فقد بيّن رحمك الله، أنّ هذا العهد، إنّما يقصد به: «الفطرة»، الّتي فطرهم الله تعالى عليها، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب.
ثانيا: حجّة الفطرة:
فمن حجج الله تعالى: على عباده، الّتي يحجّهم بها يوم القيامة، حجّة: «الفطرة» الّتي أخذها عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: بعضا على بعض، على وحدانيّة الله تعالى، وربوبيّته، وقطع بها أعذارهم، وحذّرهم من الغفلة في الدّنيا، عن هذا: «الميثاق»، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة، بتقليد الآباء، والأسلاف على الضّلال، والشّرك.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون
* تعريف الفطرة لغة:
* فطر الله تعالى الخلق؛ أي: خلقهم، وابتدأ صنعة الأشياء.
* وهو فاطر السّماوات، والأرض.
* والفطرة: الّتي طبعت عليها الخليقة من الدّين، فطرهم الله تعالى على معرفته: بربوبيّته.
* وانفطر الثّوب، وتفطّر؛ أي: انشقّ، وتفطّرت الجبال، والأرض: انصدعت.([219])
* وعلى هذا، فلفظ: «فطر»، يدور معناه: على الشّقّ، والابتداء، والخلق.
قال الجوهريّ اللّغويّ / في «الصّحاح» (ج2 ص781): (والفطرة بالكسر: الخلقة. وقد فطره يفطره بالضّمّ فطرا، أي: خلقه. والفطر أيضا: الشّقّ. يقال: فطرته فانفطر، وتفطّر الشّئ: تشقّق، والفطر: الابتداء والاختراع). اهـ
* تعريف الفطرة شرعا:
الفطرة: هي الإسلام.
* وليس معنى هذا أنّ العبد لمّا يولد يعرف الإسلام بتفاصيله؛ بل الفطرة: هي القوّة العلميّة، الّتي تقتضي بذاتها الإسلام، مالم يمنعها مانع.
* وهي السّلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصّحيحة.
والقول: بأنّ الفطرة؛ هي الإسلام، هو قول عامّة السّلف الصّالح.([220])
* والعلاقة: بين المعنى؛ اللّغويّ، وبين المعنى الشّرعيّ:
- معنى الفطرة في اللّغة: يدلّ على الخلق، وابتداء الشّيء.
- والمعنى الشرعيّ: يدلّ على خلق النّاس على وضع، معيّن: وهو الإسلام، والقبول للعقائد الصّحيحة.
* فالفطرة، هي حجّة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود؛ إلاّ وهو يولد على فطرة: الإسلام، والإيمان بالله تعالى.([221])
قال الحافظ ابن الأثير / في «النّهاية في غريب الحديث» (ج4 ص386): (فطر: فيه «كلّ مولود يولد على الفطرة»؛ الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة: الحالة منه، كالجلسة والرّكبة، والمعنى أنّه يولد على نوع من الجبلّة، والطّبع المتهيّئ لقبول الدّين، فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها، وإنّما يعدل عنه من يعدل لآفة من آفات البشر والتّقليد، ثمّ تمثّل بأولاد اليهود والنّصارى في اتّباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم عن مقتضى الفطرة السّليمة). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم في «الإحكام» (ج5 ص105): (فصحّ بهذا كلّه ضرورة أنّ النّاس كلّهم مولودون على الإسلام). اهـ
قلت: والفطرة دليل من أدلّة: «التّوحيد»، الّتي غرسها الله تعالى، في بني آدم، وخلقهم عليها، فهي توجّه العبد، إلى إفراد الربّ عزّ وجلّ: بالرّبوبيّة، والألوهيّة، إلاّ أنّ هذه الفطرة، قد تتغيّر بما يؤثّر عليها من التّنشئة على الشّرك، والضّلال، وما يحيط بها من: «الشّهبات»، و«الشّهوات».
و قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
* والمعنى: اذكر لهم: «الميثاق» المأخوذ منهم: فيما مضى لئلّا: يعتذروا يوم القيامة بالغفلة عنه، أو بتقليد الآباء، أو ما شابه ذلك من الأعذار. ([222])
قلت: والمفعول المحذوف، هو: «الميثاق». ([223])
قال تعالى: ]وأخذنا منهم ميثاقا غليظا[ [النّساء: 154].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلّا اللّه[ [البقرة: 83].
قلت: فأخذ الله تعالى: «الميثاق» بالتّوحيد له، وإفراده بالعبادة.
والّذي عليه أهل العلم قاطبة، أنّ الله تعالى أخذ من العباد، بأسرهم: «ميثاقا قاليا»، قبل أن يظهروا بهذا البنية المخصوصة. ([224])
قلت: فكلّ آدميّ قد أقرّ على نفسه؛ بأنّ الله تعالى، هو: ربّه، وأنّ هذا الآدميّ، هو عبد لله تعالى. ([225])
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص90): (وقال آخرون: معنى الفطرة المذكورة في المولودين، ما أخذ اللّه تعالى من ذرّيّة آدم من: «الميثاق»، قبل أن يخرجوا إلى الدّنيا يوم استخرج ذرّيّة آدم من ظهره، فخاطبهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]؛ فأقرّوا جميعا له بالرّبوبيّة عن معرفة منهم به، ثمّ أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار.
* قالوا: وليست تلك المعرفة، ولا ذلك الإقرار بإيمان؛ ولكنّه إقرار من الطّبيعة للرّبّ، فطرة ألزمها قلوبهم، ثمّ أرسل إليهم الرّسل عليهم السّلام، فدعوهم إلى الاعتراف له بالرّبوبيّة، والخضوع؛ تصديقا بما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، فمنهم من أنكر، وجحد بعد المعرفة، وهو به عارف، لأنّه لم يكن اللّه تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرّفهم نفسه، إذ كان يكون حينئذ قد كلّفهم الإيمان بما لا يعرفون.
* قالوا: وتصديق ذلك؛ قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف:87]). اهـ
وقال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص293): (مثّل تعالى: خلقهم على فطرة التّوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين: بربوبيّته تعالى، شهادة لا يخالجها ريب.
* بحمله إيّاهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا.
* والقصد من الآية: الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيّته تعالى، معرفة فطريّة، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم، والشّهادة.
قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم: 30] ، والفطرة: هي معرفة ربوبيّته تعالى). اهـ
* فإنّهم ولدوا على الفطرة، وأخرجوا إلى الدّنيا، حتّى قالوا بلى: طائعين.
فهذا الآية: تدلّ على فساد التّقليد في الدّين، وتدلّ على أنّ الله تعالى أزال العذر، وأزاح العلّة، وبعدها لا يعذر أحد إذا وقع في الشّرك، والضّلال. ([226])
قال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص297): (استدلّ: بهذه الآية، والأحاديث المتقدّمة في معناه، أنّ معرفته تعالى: فطريّة، ضروريّة.
قال تعالى: ]قالت رسلهم أفي اللّه شكّ[ [إبراهيم: 10]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل من ربّ السّماوات السّبع وربّ العرش العظيم * سيقولون للّه قل أفلا تتّقون[ [المؤمنون: 86 و87]). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص311): (كون النّاس: تكلّموا حينئذ، وأقرّوا بالإيمان، وأنّه بهذا تقوم الحجّة عليهم يوم القيامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص490): (أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، والحجّة إنّما قامت عليهم بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]، ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم). اهـ
قلت: وهذا الشّرك الّذي يؤاخذون به يكون من آبائهم، ومن ذرّيّتهم، لثبوت الحجّة عليهم «بالميثاق»، و«العهد». ([227])
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد؛ مقرّون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الّذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المنيّ من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمّهات، لكن لم يذكر هنا الأمّهات، كقوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متّبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمّهات، كما قالوا: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة[ [الزّخرف: 22]؛ ولهذا قال تعالى: ]أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم[ [الزّخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم: بأنّ اللّه تعالى ربّهم، فهذا الإقرار: حجّة للّه عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، فأخذهم يتضمّن: خلقهم، والإشهاد يتضمّن: هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنّه قال تعالى: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكلّ إنسان جعله اللّه تعالى مقرّا بربوبيّته، شاهدا على نفسه بأنّه مخلوق، واللّه تعالى خالقه، وهذا أمر ضروريّ لبني آدم، لا ينفكّ منه مخلوق، وهو ممّا جبلوا عليه، فهو علم ضروريّ لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثمّ قال بعد ذلك: ]أن تقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو؛ لئلّا تقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار للّه تعالى بالرّبوبيّة، وعلى نفوسنا بالعبوديّة، فإنّهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضّروريّة اللّازمة لهم الّتي لم يخل منها بشر قطّ، بخلاف كثير من العلوم الّتي قد تكون ضروريّة، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد، والحساب، وغير ذلك: فإنّها إذا تصوّرت كانت علوما ضروريّة، لكنّ كثيرا من النّاس غافل عنها.
وأمّا الاعتراف بالخالق: فإنّه علم ضروريّ لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بدّ أن يكون قد عرفه، وإن قدّر أنّه نسيه.
* ولهذا يسمّى التّعريف بذلك: تذكيرا، فإنّه تذكير بعلوم فطريّة ضروريّة، وقد ينساها العبد؛ كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]، وفي الحديث الصّحيح: «يقول اللّه؛ للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني» ([228])). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص488): (ولمّا كانت هذه الآية: ونظيرتها في سورة مدنيّة خاطب بالتّذكير، بهذا: «الميثاق» فيها أهل الكتاب، فإنّه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله، ولمّا كانت هذه آية الأعراف في سورة مكّيّة؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العامّ»: لجميع المكلّفين ممّن أقرّ بربوبيّته، ووحدانيّته، وبطلان الشّرك، وهو «ميثاق»: و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجّة، وينقطع به العذر، وتحلّ به العقوبة، ويستحقّ بمخالفته الإهلاك، فلا بدّ أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيّته، وأنّه ربّهم وفاطرهم، وأنّهم مخلوقون مربوبون، ثمّ أرسل إليهم رسله يذكّرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرّفونهم حقّه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده.
* ونظم الآية إنّما يدلّ على هذا من وجوه متعدّدة:
أحدها: أنّه قال: ]وإذ أخذ ربّك من بني ءادم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: آدم، وبنو آدم غير آدم.
الثّاني: أنّه قال: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: من ظهره، وهذا بدل بعض من كلّ، أو بدل اشتمال، وهو أحسن.
الثّالث: أنّه قال: ]ذرّيّاتهم[؛ ولم يقل: ذرّيّته.
الرّابع: أنّه قال: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: جعلهم شاهدين على أنفسهم؛ فلا بدّ أن يكون الشّاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنّما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدّار، لا يذكر شهادة قبلها.
الخامس: أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، والحجّة إنّما قامت عليهم: بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
السّادس: تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم، وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
السّابع: قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ فذكر حكمتين في هذا التّعريف والإشهاد: إحداهما: أن لا يدّعوا الغفلة، والثّانية: أن لا يدّعوا التّقليد؛ فالغافل لا شعور له، والمقلّد متّبع في تقليده لغيره.
الثّامن: قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: لو عذّبهم بجحودهم، وشركهم لقالوا ذلك؛ وهو سبحانه إنّما يهلكهم لمخالفة رسله، وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجّة عليهم بالرّسل؛ لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنّه لم يكن ليهلك القرى بظلم، وأهلها غافلون، وإنّما يهلكهم بعد الأعذار، والإنذار.
التّاسع: أنّه سبحانه أشهد كلّ واحد واحد على نفسه أنّه ربّه وخالقه، واحتجّ عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف:87]؛ أي: فكيف يصرفون عن التّوحيد بعد هذا الإقرار منهم أنّ الله ربّهم وخالقهم، وهذا كثير في القرآن؛ فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكّرتهم بها رسله؛ بقوله تعالى: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* فالله تعالى إنّما ذكّرهم على ألسنة رسله بهذا الإقرار والمعرفة، ولم يذكّرهم قطّ بإقرار سابق على إيجادهم، ولا أقام به عليهم حجّة.
العاشر: أنّه جعل هذا آية، وهي الدّلالة الواضحة البيّنة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلّف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرّبّ تعالى فإنّها أدلّة معيّنة على مطلوب معيّن مستلزمة للعلم به، فقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات[ [الأنعام:55]؛ أي: مثل هذا التّفصيل والتّبيّين نفصّل الآيات لعلّهم يرجعون من الشّرك إلى التّوحيد، ومن الكفر إلى الإيمان.
* وهذه الآيات الّتي فصّلها هي الّتي بيّنها في كتابه من أنواع مخلوقاته.
وهذا الإقرار والشّهادة: فطرة فطروا عليها ليست بمكتسبة.
وهذه الآية؛ وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني ءادم من ظهورهم ذرّيّاتهم[([229]) [الأعراف: 172]، مطابقة لقول النّبيّ r: «كلّ مولود يولد على الفطرة»([230])، ولقوله تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون * منيبين إليه[ [الرّوم: 30-31]). اهـ
وقوله تعالى: ]ذرّيّتهم[؛ المراد: أولادهم على العموم.
قلت: فنصب الأدلّة على التّوحيد، وما نبّهوا عليه، قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عن التّوحيد، والإقبال على الشّرك بالتّقليد، والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشّرك بالله تعالى.
* والمعنى: أنّ المقصود من هذا الإشهاد أن لا يقول: الكفّار إنّما أشركنا، لأنّ آباءنا أشركوا، فقلّدناهم في ذلك الشّرك.
قلت: والحاصل؛ أنّه تعالى لمّا أخذ عليهم: «الميثاق»، امتنع عليهم التّمسّك بهذا القدر من الأعذار الباطلة.
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وتقدير الكلام: وإذ أخذ ربّك من ظهور ذرّيّات بني آدم: ميثاق التّوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
* حتّى يجب كون ذلك الإشهاد، والشّهادة، محفوظا لهم في إلزامهم، بهذا: «الميثاق».
والمعنى: فعلنا ما فعلنا من الأمر بذكر: «الميثاق»، وبيانه كراهة، أن تقولوا، أو لئلّا تقولوا: أيّها الكفرة يوم القيامة: «إنّا كنّا غافلين»، عن ذلك: «الميثاق»، لم ننبّه عليه في دار التّكليف، وإلّا لعملنا بموجبه، هذا على قراءة الجمهور. ([231])
قال الإمام الزّركشيّ / في «البرهان في علوم القرآن» (ج2 ص76)؛ عن الآيات: (إقامة الحجّة بها عليهم([232])؛ وذلك إنّما نزل بلسانهم، ولغتهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص488): (ولمّا كانت هذه الآية، ونظيرتها، في سورة مدنيّة: خاطب بالتّذكير، بهذا: «الميثاق»؛ فيها: أهل الكتاب، فإنّه: «ميثاق» أخذه عليهم بالإيمان به، وبرسله.
* ولمّا كانت هذه آية الأعراف في سورة مكّيّة؛ ذكر فيها: «الميثاق»، و«الإشهاد العامّ»: لجميع المكلّفين ممّن أقرّ بربوبيّته، ووحدانيّته، وبطلان الشّرك، وهو: «ميثاق»، و«إشهاد» تقوم به عليهم الحجّة، وينقطع به العذر، وتحلّ به العقوبة، ويستحقّ بمخالفته الإهلاك.
* فلا بدّ أن يكونوا ذاكرين له، عارفين به؛ وذلك ما فطرهم عليه من الإقرار بربوبيّته، وأنّه ربّهم وفاطرهم، وأنّهم مخلوقون مربوبون، ثمّ أرسل إليهم رسله يذكّرونهم بما في فطرهم وعقولهم، ويعرّفونهم حقّه عليهم، وأمره، ونهيه، ووعده، ووعيده). اهـ
قلت: فالله تعالى قد أوضح الدّلائل على وحدانيّته، وصدق رسله عليهم السّلام فيما أخبروا به، فمن أنكره كان معاندا، ناقضا للعهد، ولزمته الحجّة، ونسيانه، وعدم حفظه، لا يسقط الاحتجاج بعد إخبار المخبر الصّادق.
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج4 ص111): (يخبر تعالى: أنّه استخرج ذرّيّة: بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم، أنّ اللّه ربّهم، ومليكهم، وأنّه لا إله إلّا هو.
* كما أنّه تعالى: فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم:30]؛ وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة t، قال: قال رسول اللّه r: «كلّ مولود يولد على الفطرة، وفي رواية: الملّة، فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه»). اهـ
* فيتعيّن حينئذ، أن يراد: «بالميثاق» ما ركّب الله تعالى فيهم، من العقول، وآتاهم من البصائر، لأنّها: هي الحجّة البالغة، والمانعة، عن قولهم: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف: 172]؛ لأنّ الله تعالى جعل الإقرار، والتّمكّن، من معرفة ربوبيّته، ووحدانيّته: حجّة عليهم في الإشراك، كما جعل بعث الرّسول r: حجّة عليهم في الإيمان، بما أخبر عنه من الغيوب. ([233])
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص533): (وإذ أخذ ربّك: من ظهور ذرّيّات بني آدم، ميثاق التّوحيد لله تعالى، وإفراده بالعبادة). اهـ
وقال الإمام ابن زنجلة / في «حجّة القراءات» (ص302): (أدلّ دليل على صحّة التّوحيد، إذ كانوا هم الّذين أخبر عنهم، وقد أجمعوا على التّوحيد). اهـ
وقال الإمام أبو المظفّر السّمعانيّ / في «تفسير القرآن» (ج2 ص231): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل[ [الأعراف: 173]؛ يعني: إنّما أخذت، ما أخذت من: «العهد»، و«الميثاق» عليكم جميعا؛ لئلّا تقولوا: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ يعني: أنّ الجناية من الآباء، وكنّا أتباعا لهم؛ فيجعلوا لأنفسهم حجّة، وعذرا، عند الله تعالى!). اهـ
قلت: وهذا النّصّ مسوق لإلزام الخلق بمقتضى: «الميثاق العامّ» عندما كانوا في أصلاب آبائهم، فإنّ منهم من أشرك، بعد إلزامهم: «بالميثاق المخصوص» بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السّمعيّة، والعقليّة في الحياة الدّنيا، ومنعهم عن التّقليد لآبائهم في الشّرك، والبدع.
* فتمادى هؤلاء المشركون في الغيّ بعد أخذ: «الميثاق» عليهم، من: «الميثاق العامّ» في عالم الغيب، ومن: «الميثاق الخاصّ» في عالم الحياة.
قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون * وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 172 و173 و174].
قال المفسّر الآلوسيّ / في «روح المعاني» (ج9 ص134): (قوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[؛ أي: أشهد كلّ واحد من أولئك الذّرّية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم، لا على غيرهم، تقريرا: لهم بربوبيّته سبحانه، قائلا لهم: ]ألست بربّكم[؛ أي: مالك أمركم، ومربّيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم: ]قالوا[؛ في جوابه سبحانه، ]بلى شهدنا[؛ أي: على أنفسنا بأنّك ربّنا، لا ربّ لنا غيرك، والمراد: أقررنا بذلك). اهـ
قلت: وبلى: حرف جواب.
قال الحافظ السّيوطيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص134-روح المعاني): (إنّ هذه الآية، أصل: في الإقرار). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص312): (قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم[ [الأعراف: 172]؛ أي: جعلهم شاهدينعلى أنفسهم، ولا بدّ أن يكون الشّاهد ذاكرا لما شهد به، وهو إنّما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدّار، كما تأتي الإشارة إلى ذلك، لا يذكر شهادة قبله.
* أنّه سبحانه أخبر أنّ حكمة هذا الإشهاد: إقامة الحجّة عليهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[، والحجّة إنّما قامت عليهم بالرّسل، والفطرة الّتي فطروا عليها، كما قال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
* تذكيرهم بذلك، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[ [الأعراف:172]، ومعلوم أنّهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلّهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت، فهذا لا يذكره أحد منهم.
* قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ فذكر حكمتين في هذا الأخذ والإشهاد: أن لا يدّعوا الغفلة، أو يدّعوا التّقليد، فالغافل لا شعور له، والمقلّد متّبع في تقليده لغيره، ولا تترتّب هاتان الحكمتان؛ إلّا على ما قامت به الحجّة من الرّسل والفطرة.
قوله تعالى: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ أي: لو عذّبهم بجحودهم وشركهم، لقالوا ذلك، وهو سبحانه إنّما يهلكهم لمخالفة رسله وتكذيبهم، فلو أهلكهم بتقليد آبائهم في شركهم من غير إقامة الحجّة عليهم بالرّسل، لأهلكهم بما فعل المبطلون، أو أهلكهم مع غفلتهم عن معرفة بطلان ما كانوا عليه، وقد أخبر سبحانه أنّه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون، وإنّما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرّسل.
* أنّه سبحانه أشهد كلّ واحد على نفسه أنّه ربّه وخالقه، واحتجّ عليهم بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه، كقوله: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25].
* فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها، وذكّرتهم بها رسله، بقولهم: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم:10].
* أنّه جعل هذا آية، وهي الدّلالة الواضحة البيّنة المستلزمة لمدلولها بحيث لا يتخلّف عنها المدلول، وهذا شأن آيات الرّبّ تعالى، فإنّها أدلّة معيّنة على مطلوب معيّن مستلزمة للعلم به؛ فقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174]، وإنّما ذلك بالفطرة الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من مولود إلّا يولد على الفطرة، لا يولد مولود على غير هذه الفطرة، هذا أمر مفروغ منه، لا يتبدّل ولا يتغيّر.
* ولا شكّ أنّ الإقرار بالرّبوبيّة أمر فطريّ، والشّرك حادث طارئ، والأبناء تقلّدوه عن الآباء، فإذا احتجّوا يوم القيامة بأنّ الآباء أشركوا، ونحن جرينا على عادتهم). اهـ
قلت: لئلّا تقولوا يوم القيامة عند ظهور الأمر، وإحاطة العذاب، بمن أشرك؛ ]إنّا كنّا عن هذا[؛ أي: وحدانيّة الرّبوبيّة: ]غافلين[، لم ننبّه عليه، وإنّما لم يسعهم هذا الاعتذار، حينئذ على ما قيل، لأنّهم: نبّهوا بنصب الأدلّة، وجعلوا متهيّئين: تهيّأ تامّا، لتحقيق الحقّ، وإنكار ذلك: مكابرة، فكيف يمكنهم، أن يقولوا ذلك. ([234])
قال المفسّر الخازن / في «لباب التّأويل» (ج2 ص610): (فكلّ من بلغ، وعقل، فقد أخذ عليه: «الميثاق»، بما جعل فيه من السّبب الّذي يؤخذ به: «الميثاق»، وهو العقل، والتّكليف، فيكون معنى؛ الآية: وإذ يأخذ ربّك من بني آدم ويشهدهم على أنفسهم؛ بما ركّب فيهم من العقل الّذي يكون به: الفهم، والتّكليف الّذي به يترتّب على صاحبه الثّواب، والعقاب يوم القيامة). اهـ
وقال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص295): (قوله تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا[ [الأعراف:172]؛ أي: سنّوا الإشراك، واخترعوه: ]من قبل[؛ أي: من قبل زماننا، ]وكنّا ذرّيّة من بعدهم[؛ أي: فنشأنا على طريقتهم، احتجاجا بالتّقليد، وتعويلا عليه.
* فقد قطعنا العذر بما بيّنّا من الآيات: ]أفتهلكنا بما فعل المبطلون[؛ أي: أتؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشّرك، وأسّسوا من الباطل، أو بفعل آبائنا الّذين أبطلوا تأثير العقول، وأقوال الرّسل عليهم السّلام؟؛ والاستفهام للإنكار؛ أي: أنت حكيم لا تأخذ الأبناء، بفعل الآباء، وقد سلكنا طريقهم، والحجّة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل.
والمعنى: أزلنا الشّبهتين بأنّ الإقرار بالرّبوبيّة، والتّوحيد، هو في أصل فطرتكم، فلم لم ترجعوا إليه، عند دعوة العقول، والرّسل عليهم السّلام؟، والفطرة: أكبر دليل، فهي تسدّ باب الاعتذار بوجه ما، لا سيّما والتّقليد، عند قيام الدّلائل، والقدرة على الاستدلال بها، ممّا لا مساغ له أصلا). اهـ
وعن عمران بن حصين t، قال: قال النّبيّ r؛ لأبي: حصين: (كم تعبد اليوم إلها؟، قال أبي: سبعة، ستّة في الأرض، وواحدا في السّماء!، قال: فأيّهم تعدّ لرغبتك، ورهبتك؟ قال: الّذي في السّماء!). ([235])
قلت: وهذا فيه تصريح بأنّ الله تعالى، فطرهم على الإسلام، وأنّ الله تعالى هو: ربّهم.
قال المفسّر القاسميّ / في «محاسن التّأويل» (ج7 ص298): (فالله تعالى: فطر الخلق كلّهم على معرفته فطرة توحيد، حتّى من خلق مجنونا، مطبقا، مصطلما، لا يفهم شيئا، ما يحلف إلّا به، ولا يهلج لسانه بأكثر من اسمه المقدّس، فطرة بالغة). اهـ
قلت: إنّ الإقرار، والاعتراف بالخالق سبحانه: فطريّ، ضروريّ في قلوب الخلق، ومعرفة الرّبوبيّة تحصل بالفطرة، الضّروريّة، الّتي خلقها الله تعالى في نفوس الخلق من صغرهم، فهم: يولدون على فطرة الإسلام. ([236])
قال المفسّر المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (والخلاصة: إنّ الله تعالى لا يقبل منهم الاعتذار، بتقليد الآباء، والأجداد، إذ التّقليد عند قيام الدّلائل، والقدرة على الاستدلال بها، ممّا لا يركن إليه، ولا ينبغي لعاقل أن يلجأ إليه.
* كما أنّ الاعتذار بالجهل بعد ما أقام عليهم من البيّنات الفطريّة، والعقليّة، ممّا لا يقبل). اهـ
وقال المفسّر المراغيّ / في «تفسير القرآن» (ج9 ص105): (وفي الآية: إيماء إلى أنّ من لم تبلغه، بعثة رسول، لا يعذر يوم القيامة في الشّرك بالله تعالى، ولا بفعل الفواحش، والموبقات، الّتي تنفر منها: الفطرة السّليمة، وتدرك ضررها العقول الحصيفة). اهـ
وقال المفسّر الخازن البغداديّ / في «لباب التّأويل» (ج2 ص612): (فقامت الحجّة: عليهم؛ لإمدادهم بالرّسل عليهم السّلام، وإعلامهم بجريان: أخذ: «الميثاق» عليهم.
* وبذلك قامت الحجّة عليهم أيضا يوم القيامة، لإخبار الرّسل عليهم السّلام: إيّاهم بذلك: «الميثاق» في الدّنيا؛ فمن أنكره كان معاندا، ناقضا: للعهد، ولزمتهم الحجّة، ولم تسقط الحجّة عنهم بنسيانهم، وعدم حفظهم بعد إخبار الصّادق صاحب الشّرع، والمعجزات الباهرات). اهـ
قلت: فقد ثبّت الله تعالى الحجّة على كلّ نفس في عالم الغيب بالميثاق والفطرة في الإجمال، وهذا الميثاق الأوّل الّذي أخذه الله تعالى على العباد، وهم في ظهور آبائهم. ([237])
* فأخذ الله تعالى: «العهد»، و«الميثاق» على بني آدم جميعا، وأشهدهم على أنفسهم، بأنّ الله ربّهم، فلا يكون لهم العذر يوم القيامة، في الإشراك بالله: جهلا، أو تقليدا.
قلت: جعل الله تعالى لهم: عقولا، يفهمون بها، وألسنة، ينطقون بها، فهم: يعلمون: «بالميثاق»، وقد شهدوا على أنفسهم بهذا: «الميثاق»، والملائكة يشهدون عليهم: «بالميثاق» يوم القيامة. ([238])
قال تعالى: ]قل فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [ [الأنعام: 149]؛ يعني: يوم أخذ على الخلق الميثاق. ([239])
وعن سمرة بن جندب t، في حديث: «الرّؤيا»، وهو حديث: طويل، عن النّبيّ r قال: (وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة، فإنّه إبراهيم عليه السّلام، وأمّا الولدان الّذين حوله: فكلّ مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول اللّه، وأولاد المشركين؟، فقال رسول اللّه r: وأولاد المشركين). وفي رواية: (والشّيخ في أصل الشّجرة إبراهيم عليه السّلام، والصّبيان حوله فأولاد النّاس). ([240])
وأورده الحافظ ابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص118)؛ ثم قال: (والشّيخ في أصل الشّجرة إبراهيم عليه السّلام، والصّبيان حوله، أولاد النّاس؛ وهذا يقتضي ظاهره، وعمومه جميع النّاس) ([241]). اهـ
وقال الإمام القرطبيّ / في «التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» (ج3 ص1044): (ومن كان من أولاد المشركين: فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونون مع آبائهم في النّار؛ لأنّهم: ماتوا على: «الميثاق الأوّل»، الّذي أخذ عليهم في صلب آدم عليه السّلام، ولم ينقضوا الميثاق). اهـ
وقال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص532): (أخذ من ظهر آدم ذرّيّته، وأخذ عليهم العهد، بأنّه ربّهم، وأن لا إله غيره، فأقرّوا بذلك، والتزموه). اهـ
وقال العلّامة ابن أبي العزّ الحنفيّ في / في «شرح العقيدة الطّحاويّة» (ج1 ص315): (وإن كان الآباء مخالفين الرّسل، كان عليه أن يتّبع الرّسل، كما قال تعالى: ]ووصّينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما[ [العنكبوت: 8]؛ الآية.
* فمن اتّبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم، بل يعدل عن الحقّ المعلوم إليه، فهذا اتّبع هواه، كما قال تعالى: ]وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة: 170].
* وهذه حال كثير من النّاس من الّذين ولدوا على الإسلام، يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب، وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة، بل هو من مسلمة الدّار، لا مسلمة الاختيار، وهذا إذا قيل له في قبره: من ربّك؟ قال؟ هاه هاه، لا أدري، سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته.
* فليتأمّل اللّبيب هذا المحلّ، ولينصح نفسه، وليقم لله، ولينظر من أيّ الفريقين هو، واللّه الموفّق، فإنّ توحيد الرّبوبيّة لا يحتاج إلى دليل، فإنّه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لمّا كان نطفة، وقد خرج من بين الصّلب والتّرائب، والتّرائب: عظام الصّدر، ثمّ صارت تلك النّطفة في قرار مكين، في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق). اهـ
وقال تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون[ [الأعراف: 174].
قلت: فقد أقام الله تعالى على الخلق، الحجّة على الإجمال، وهم في أصلاب آبائهم في الغيب، وأقام عليهم الحجّة على التّفصيل عندما خرجوا إلى الحياة الدّنيا، ممّن بلغ منهم.
قال أبو حيّان المفسّر / في «البحر المحيط» (ج4 ص534): (قوله تعالى: ]وكذلك نفصّل الآيات[؛ أي: مثل هذا التّفصيل الّذي فصّلنا فيه للآيات السّابقة، نفصّل للآيات اللّاحقة؛ فالكلّ على نمط واحد في التّفصيل، والتّوضيح؛ لأدلّة التّوحيد، وبراهينه.
وقوله تعالى: ]ولعلّهم يرجعون[؛ عن شركهم، وعبادة غير الله تعالى، إلى توحيده، وعباده، بذلك التّفصيل والتّوضيح). اهـ
قلت: فمن وقع في: «الشّرك الأكبر»، وهو جاهل، قد قامت عليه الحجّة: «بالميثاق»، و«الفطرة »معا، على الإجمال، وكفى.
* وأمّا ما وصل إليه من الكتب من الله تعالى، وإرسال: الرّسل إليه، فقد قامت عليه الحجّة على الإجمال والتّفصيل إذا خرج إلى الحياة الدّنيا([242])، بأن يتعلّم من الكتب، والرّسل على التّفصيل ما يحتاجه من العلم النّافع: من أحكام التّوحيد، وأحكام الصّلاة، وأحكام الزّكاة، وأحكام الصّيام، وأحكام الحجّ، وغير ذلك([243])، في الأصول والفروع، ممّا يحتاج إليه العبد في الحياة الدّنيا. ([244])
قلت: لو لم يؤخذ على الخلق، إلّا هذا: «العهد»، و«الميثاق»، ولا جاءهم رسول، لكفى بذلك حجّة من الله تعالى، لما تضمّنه: «الميثاق» من إقرار الخلق؛ بتوحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فما بالك: بإرسال الرّسل، وإنزال الكتب، فقد أزال الله تعالى عنهم الاحتجاج، بتركيب العقول، والفهم فيهم، وتذكيرهم، ببعثة الرّسل عليهم السّلام، إليهم، فقطع بذلك أعذارهم.
قال تعالى: ]ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت[ [النّحل:36].
قال أبو عبد الله الحكيم التّرمذيّ / في «نوادر الأصول» (ج1 ص310): (وهذا بعد الإدراك: حين عقلوا أمر الدّنيا، وتأكّدت حجّة الله عليهم، بما نصب من الآيات الظّاهرة، من خلق السّماوات والأرض، والشّمس والقمر، والبرّ والبحر، واختلاف اللّيل والنّهار، فلمّا عملت أهواؤهم فيهم، أتتهم الشّياطين فدعتهم إلى اليهوديّة، والنّصرانيّة، فذهبت بأهوائهم، يمينا وشمالا). اهـ
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (كلّ مولود يولد على الفطرة). ([245])
* فأخذ الميثاق من النّاس في الغيب، وإقرارهم جميعا، بالرّبوبيّة لله تعالى، مع فطرة التّوحيد والإسلام، الّتي فطر الله تعالى النّاس عليها في ولادتهم.
* كفى بذلك لإقامة الحجّة عليهم في الإجمال، وأنّه يجوز الاحتجاج بها عليهم، لأنّ قد أقرّوا جميعا بهذا: «الميثاق» لله تعالى، وكان ذلك عن معرفة منهم به سبحانه، وبتوحيده، وأضف أنّ الله تعالى ألزمهم الفطرة، فطرة الإسلام من صغرهم، قبل أن يرسل إليهم الرّسل عليهم السّلام، وينزّل عليهم الكتب، ليقوم عليهم بالحجّة البالغة، في الإجمال والتّفصيل. ([246])
* فلا يولد؛ لأيّ: مولد، إلّا على فطرة الإسلام حقيقة عند ولادته، لأنّه لم يكن الله تعالى ليدعو خلقه إلى الإيمان به، وهو لم يعرّفهم نفسه العظيمة ابتداء في الغيب، وفي صغرهم، إذ كان يكون حينئذ قد كلّفهم الإيمان بما لا يعرفون، وكلّفهم بشيء لا يدركونه في الحياة، وهذا لم يكن من الله تعالى، لأنّه عليم، وحكيم في كلّ شيء، وقدير على كلّ شيء.
* والله تعالى لم يذكر؛ لأيّ: آية في القرآن الكريم، إلّا فيها من الحجّة البالغة، والحكمة العالية، والعلميّة النّافعة للخلق، فلا يذكرها سبحانه بعبث في القرآن الكريم([247])، بل لا بدّ من حكمة، عرفها من عرف، وجهلها من جهل، والله وليّ التّوفيق.
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص88): (وأخرجهم من بطون أمّهاتهم، ليعرف منهم: العارف، ويعترف: فيؤمن، ولينكر منهم: المنكر ما يعرف، فيكفر، وذلك كلّه قد سبق به لهم: قضاء اللّه تعالى، وتقدّم فيه علمه؛ ثمّ يصيرون إليه في حين تصحّ منهم: المعرفة، والإيمان، والكفر، والجحود، وذلك عند التّمييز، والإدراك). اهـ
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص89): (ومعنى الآية والحديث: أنّه أخرج ذرّيّة آدم من ظهره، كيف شاء، وألهمهم أنّه ربّهم، فقالوا: ]بلى[، لئلّا يقولوا يوم القيامة: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[، ثمّ تابعهم بحجّة العقل، عند التّمييز، وبالرّسل عليهم السّلام: بعد ذلك؛ استظهارا: بما في عقولهم، من المنازعة إلى خالق، مدبّر، حكيم، يدبّرهم بما لا يتهيّأ لهم، ولا يمكنهم: جحده، وهذا إجماع أهل السّنّة؛ والحمد للّه). اهـ
* وهذا الإقرار حجّة الله عليهم يوم القيامة، فهو سبحانه يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى. ([248])
قال الإمام ابن القيّم / في «شفاء العليل» (ص195): (قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172]، فذكر سبحانه من حكم أخذ الميثاق عليهم أن لا يحتجّوا يوم القيامة: بغفلتهم عن هذا الأمر، ولا بتقليد الأسلاف، ومنه قوله تعالى: ]وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت[؛ فالضّمير في: «به»: القرآن، و]أن تبسل[؛ في محلّ نصب على أنّه مفعول له، أي: حذار أن تسلم نفس إلى الهلكة، والعذاب، وترتهن بسوء عملها). اهـ
وقوله تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
والمراد: في هذه الآية، إنّما يراد بها شهادة العبد على نفسه؛ بمعنى: أداء الشّهادة على نفسه.
* وقولهم: ]بلى شهدنا[؛ هو إقرارهم: بأنّه ربّهم سبحانه، ومن أخبر بأمر عن نفسه، فقد شهد به على نفسه، فإنّ قولهم: ]بلى شهدنا[؛ معناه: أنت ربّنا، وهذا إقرار منهم: بربوبيّته لهم، وجعلهم شهداء على أنفسهم بما أقرّوا به، وقوله تعالى: ]أشهدهم[؛ يقتضي أنّه هو سبحانه الّذي جعلهم: شاهدين على أنفسهم، بأنّه ربّهم سبحانه. ([249])
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص562): (وهذا الإشهاد مقرّون بأخذهم من ظهور آبائهم، وهذا الأخذ المعلوم المشهود الّذي لا ريب فيه؛ هو: أخذ المنيّ من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمّهات، لكن لم يذكر هنا الأمّهات، كقوله: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم[ [الأعراف: 173]؛ وهم كانوا متّبعين لدين آبائهم، لا لدين الأمّهات، كما قالوا: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة[ [الزّخرف: 22]؛ ولهذا قال: ]أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم[ [الزّخرف: 24]؛ فهو سبحانه يقول: اذكر حين أخذوا من أصلاب الآباء، فخلقوا حين ولدوا على الفطرة، مقرّين بالخالق، شاهدين على أنفسهم بأنّ اللّه ربّهم، فهذا الإقرار: حجّة للّه عليهم يوم القيامة، فهو يذكر أخذه لهم، وإشهاده إيّاهم على أنفسهم، فإنّه سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، فأخذهم يتضمّن خلقهم، والإشهاد يتضمّن هداه لهم إلى هذا الإقرار، فإنّه قال: ]أشهدهم[؛ أي: جعلهم شاهدين، فهذا الإشهاد من لوازم الإنسان، وكلّ إنسان جعله اللّه مقرّا بربوبيّته، شاهدا على نفسه بأنّه مخلوق، واللّه خالقه، وهذا أمر ضروريّ لبني آدم، لا ينفكّ منه مخلوق، وهو ممّا جبلوا عليه، فهو علم ضروريّ لهم، لا يمكن أحدا جحده، ثمّ قال بعد ذلك: ]أن يقولوا[؛ أي: كراهية أن تقولوا، أو لئلّا تقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ أي: عن هذا الإقرار للّه بالرّبوبيّة، وعلى نفوسنا بالعبوديّة، فإنّهم ما كانوا غافلين عن هذا، بل كان هذا من العلوم الضّروريّة اللّازمة لهم الّتي لم يخل منها بشر قطّ، بخلاف كثير من العلوم الّتي قد تكون ضروريّة، ولكن قد يغفل عنها كثير من بني آدم من علوم العدد والحساب وغير ذلك: فإنّها إذا تصوّرت، كانت علوما ضروريّة، لكنّ كثيرا من النّاس غافل عنها.
* وأمّا الاعتراف بالخالق فإنّه: علم ضروريّ لازم للإنسان، لا يغفل عنه أحد بحيث لا يعرفه، بل لا بدّ أن يكون قد عرفه، وإن قدّر أنّه نسيه.
ولهذا يسمّى التّعريف بذلك: تذكيرا، فإنّه تذكير بعلوم فطريّة ضروريّة، وقد ينساها العبد، كما قال تعالى: ]ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم[ [الحشر: 19]؛ وفي الحديث الصّحيح: «يقول اللّه للكافر: فاليوم أنساك كما نسيتني»([250])). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص563): (قال تعالى: ]أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 173]؛ فذكر سبحانه لهم حجّتين يدفعهما هذا الإشهاد:
إحداهما: أن يقولوا: ]إنّا كنّا عن هذا غافلين[؛ فبيّن أنّ هذا: علم فطريّ ضروريّ لا بدّ لكلّ بشر من معرفته، وذلك يتضمّن حجّة اللّه في إبطال التّعطيل، وأنّ القول بإثبات الصّانع: علم فطريّ ضروريّ، وهو حجّة على نفي التّعطيل.
والثّانية: أن يقولوا: ]إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[، وهم آباؤنا المشركون؛ أي: أفتعاقبنا بذنوب غيرنا؟ فإنّه لو قدّر أنّهم لم يكونوا عارفين بأنّ اللّه ربّهم، ووجدوا آباءهم مشركين، وهم ذرّيّة من بعدهم، ومقتضى الطّبيعة العاديّة أن يحتذي الرّجل حذو أبيه حتّى في الصّناعات، والمساكن، والملابس، والمطاعم إذ كان هو الّذي ربّاه، ولهذا كان أبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه، فإذا كان هذا مقتضى العادة والطّبيعة، ولم يكن في فطرهم وعقولهم ما يناقض ذلك، قالوا: نحن معذورون، وآباؤنا هم الّذين أشركوا، ونحن كنّا ذرّيّة لهم بعدهم، ولم يكن عندنا ما يبيّن خطأهم: فإذا كان في فطرهم ما شهدوا به من أنّ اللّه وحده هو ربّهم، كان معهم ما يبيّن بطلان هذا الشّرك، وهو التّوحيد الّذي شهدوا به على أنفسهم.
فإذا احتجّوا بالعادة الطّبيعيّة: من اتّباع الآباء، كانت الحجّة عليهم: هي الفطرة الطّبيعيّة الفعليّة السّابقة؛ لهذه العادة الطّارئة، وكانت الفطرة الموجبة للإسلام: سابقة للتّربية الّتي يحتجّون بها؛ وهذا يقتضي أنّ نفس العقل الّذي به يعرفون التّوحيد: حجّة في بطلان الشّرك، لا يحتاج ذلك إلى رسول، فإنّه جعل ما تقدّم حجّة عليهم بدون هذا، وهذا لا يناقض قوله تعالى: ]وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا[ [الإسراء: 15]؛ فإنّ الرّسول يدعو إلى التّوحيد، ولكنّ الفطرة: دليل عقليّ يعلم به إثبات الصّانع، لم يكن في مجرّد الرّسالة حجّة عليهم: فهذه الشّهادة على أنفسهم الّتي تتضمّن إقرارهم بأنّ اللّه ربّهم، ومعرفتهم بذلك أمر لازم لكلّ بني آدم، به تقوم حجّة اللّه تعالى في تصديق رسله، فلا يمكن أحدا أن يقول يوم القيامة: إنّي كنت عن هذا غافلا، ولا أنّ الذّنب كان لأبي المشرك دوني، لأنّه عارف بأنّ اللّه ربّه لا شريك له، فلم يكن معذورا في التّعطيل، والإشراك، بل قام به ما يستحقّ به العذاب). اهـ
قلت: فالقول فيما تقدّم قبل هذا يغني عن الجدال في إقامت الحجّة: «بالميثاق»، و«الفطرة» على الجهّال الّذين وقعوا في: «الشّرك الأكبر»، لأنّهم أقرّوا في الغيب أنّ الله تعالى، هو ربّهم المعبود بحقّ في الحياة الدّنيا، وكذلك: إقرارهم للرّبّ سبحانه بالفطرة([251]) ألزمها قلوبهم منذ الصّغر، فكفونا التّعب لإقامة الحجّة، بهذه المقالة على أنفسهم في عالم الغيب، وذلك كلّه: تقدير الله تعالى، وفطرته لهم على التّوحيد.
وعن أبي هريرة t، قال: قال رسول اللّه r: (كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه). ([252])
وعن أبي الهيثم /؛ أنّه قال: (الفطرة: الخلقة الّتي يخلق عليها المولود في بطن أمّه).([253])
وقال الإمام الأزهريّ / في «تهذيب اللّغة» (ج3 ص2805): (وقول النّبيّ r: (كلّ مولود يولد على الفطرة)؛ معناه: أنّ الله فطر الخلق على الإيمان به). اهـ
وقال الإمام الخطّابيّ / في «معالم السّنن» (ج5 ص88): (معناه: أنّ كلّ مولود من البشر إنّما يولد في مبدأ الخلقة، وأصل الجبلّة على الفطرة السّليمة، والطّبع المتهيّء؛ لقبول الدّين: فلو ترك عليها وخلّي وسومها؛ لاستمرّ على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها.
* لأنّ هذا الدّين موجود حسنه في العقل يسّره في النّفوس، وإنّما يعدل عنه من يعدل إلى غيره، ويؤثّر عليه، لآفة من آفات النّشوء والتّقليد، فلو سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ولم يختر عليه ما سواه). اهـ
* وقول النّبيّ r: (خمس من الفطرة) ([254])؛ يعني: فطرة الإسلام.
قلت: فالفطرة، هي: الإسلام.
وعن الإمام حمّاد بن سلمة /؛ أنّه كان يفسّر؛ حديث: «كلّ مولود يولد على الفطرة»، قال: (هذا عندنا حيث أخذ الله تعالى عليهم: العهد في أصلاب آبائهم، حيث قال تعالى: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف: 172]). ([255])
قال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «شرح صحيح مسلم» (ج8 ص113): (حديث أخذ: «العهد»، و«الميثاق» في صلب آدم؛ تكلّم فيه النّاس كثيرا، وقالوا: إنّ قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم[ [الأعراف: 172]؛ إنّ هذا ما ركز الله تعالى في الفطر والعقول من الوحدانيّة، والإيمان بالله عزّ وجلّ، ولهذا قال: ]من بني آدم من ظهورهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: من ظهرهم، فالجمع يدلّ على أنّ المراد: بنو آدم أنفسهم، أنّ الله تعالى أخذ عليهم وهم في بطون أمّهاتهم، وذلك بما ركز الله تعالى في قلوبهم من الفطرة، والمسألة مبسوطة في شرح الطّحاويّة). اهـ
وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان:25].
وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزخرف:87].
قال الإمام ابن أبي العزّ الحنفيّ / في «شرح العقيدة الطّحاوية» (ج1 ص313): (سبحانه: أشهد كلّ واحد على نفسه أنّه ربّه، وخالقه، واحتجّ عليه، بهذا الإشهاد في غير موضع من كتابه: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان:25]؛ فهذه هي الحجّة الّتي أشهدهم على أنفسهم؛ بمضمونها، وذكّرتهم بها: رسله عليهم السّلام، بقولهم: ]أفي اللّه شكّ فاطر السّماوات والأرض[ [إبراهيم: 10]) .اهـ
وعن الإمام الزّهريّ / قال: (يصلّى على كلّ مولود متوفّى، وإن كان لغيّة، من أجل أنّه: ولد على فطرة الإسلام، إذا استهلّ صارخا صلّي عليه، ولا يصلّى على من لا يستهلّ من أجل أنّه سقط). ([256])
وعن عياض بن حمار المجاشعيّ t؛ أنّ رسول الله r قال: ذات يوم في خطبته: (ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم، ممّا علّمني، يومي هذا، كلّ مال نحلته عبدا، حلال، وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). ([257])
قلت: وهذا الحديث يدلّ على صحّة ما فسّر به الأئمّة: «الفطرة»، أنّها دين الإسلام، هو صريح بأنّ الله تعالى فطر الخلق على الحنيفيّة، وهي: الإسلام. ([258])
* والحنفيّة: هي الإسلام.
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص75): (وهذا كلّه يدلّ على أنّ الحنفيّة: الإسلام.
* ويشهد لذلك، قول اللّه تعالى ]ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما[ [الأعراف: 67].
وقال تعالى: ]هو سمّاكم المسلمين[ [الحج: 78]). اهـ
وقال تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم[ [الرّوم:30].
وقال تعالى: ]وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم[ [الأحزاب:7].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وقال تعالى: ]واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به[ [المائدة: 7].
قلت: فأخذ عليهم العهد بالإيمان به، والإقرار، والمعرفة بالله، وأمره، والتّصديق به، ولئلّا يشركوا به شيئا([259])، فآمنوا، وصدّقوا، وعرفوا، وأقرّوا.
* فهذه الأحاديث تدلّ على أنّ الله تعالى: خلق عباده حنفاء، وأنّ كلّ مولود يولد على الفطرة السّليمة، المستقيمة، طاهرين من المعاصي، منيبين: لقبول الهداية.
* ولكنّ الشّياطين أتتهم، وحرفتهم، وأزالتهم عن هذه الهداية، وإنّ الله تعالى مقتهم بسبب ذلك.
* وصحّ أنّ جميع المواليد، يولدون على الفطرة، وهو: «الميثاق الأوّل»، وهو قول الله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]، فهم: يولدون على الفطرة، وعلى: «الميثاق الأوّل»، ثمّ بعد ذلك: آباؤهم، يحرفوهم عن هذا: «الميثاق» إلى الضّلالة.
وعن الإمام إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ / قال: في قوله: «خلقت عبادي حنفاء»؛ أراد به على الميثاق الأوّل: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172]. ([260])
قلت: فذهب الإمام إسحاق بن راهويه /، إلى أنّ قوله: «خلقت عبادي حنفاء»، أراد به على: «الميثاق الأوّل».
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172].
قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص531): (فصل: ويدلّ على صحّة ما فسّر به الأئمّة «الفطرة» أنّها: «الدّين»؛ ما رواه: مسلم في «صحيحه» من حديث عياض بن حمار المجاشعيّ، عن النّبيّ r فيما يروي عن ربّه تبارك وتعالى ([261]): «إنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزّل به سلطانا»؛ وهذا صريح في أنّهم خلقوا على الحنيفيّة، وأنّ الشّياطين اقتطعتهم بعد ذلك عنها، وأخرجوهم منها.
وقال تعالى: ]والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات[ [البقرة: 257].
* وهذا يتناول إخراج الشّياطين لهم من نور الفطرة إلى ظلمة الكفر والشّرك، ومن النّور الّذي جاءت به الرّسل من الهدى والعلم إلى ظلمات الجهل والضّلال).اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص527)؛ عن تفسير الميثاق: بالفطرة، مستندا: إلى السّنّة، ودلالة العقل، وظاهر اللّفظ، والنّظائر: (وأحسن ما فسّرت به الآية: قوله r: «كلّ مولود يولد على الفطرة: فأبواه يهوّدانه وينصّرانه»، فالميثاق الّذي أخذه سبحانه عليهم، والإشهاد الّذي أشهدهم على أنفسهم، والإقرار الّذي أقرّوا به هو الفطرة الّتي فطروا عليها؛ لأنّه سبحانه احتجّ عليهم بذلك، وهو لا يحتجّ عليهم بما لا يعرفه أحد منهم، ولا يذكره، بل بما يشركون في معرفته، والإقرار به، وأيضا، فإنّه قال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم[ [الأعراف: 172]؛ ولم يقل: «من آدم»؛ ثمّ قال تعالى: ]من ظهورهم[؛ ولم يقل: «من ظهرهم»؛ ثمّ قال تعالى: ]ذرّيّتهم[؛ ولم يقل: «ذرّيّته»؛ ثمّ قال تعالى: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم[، وهذا يقتضي إقرارهم بربوبيّته إقرارا تقوم عليهم به الحجّة، وهذا إنّما هو الإقرار الّذي احتجّ به عليهم على ألسنة رسله؛ كقوله تعالى: ]قالت رسلهم أفي اللّه شكّ[ [إبراهيم: 10]، وقوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف: 87]، وقال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [لقمان: 25]، وقال تعالى: ]قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون للّه[ [المؤمنون: 84 - 85]، ونظائر ذلك كثيرة: يحتجّ عليهم بما فطروا عليه من الإقرار بربّهم، وفاطرهم، ويدعوهم: بهذا الإقرار إلى عبادته وحده، وألّا يشركوا به شيئا، هذه طريقة القرآن، ومن ذلك هذه الآية الّتي في «الأعراف» وهي قوله تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم[ [الأعراف: 172] الآية، ولهذا قال في آخرها: ]أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف: 172 و173]، فاحتجّ عليهم بما أقرّوا به من ربوبيّته على بطلان شركهم، وعبادة غيره، وألّا يعتذروا، إمّا بالغفلة عن الحقّ، وإمّا بالتّقليد في الباطل، فإنّ الضّلال له سببان: إمّا غفلة عن الحقّ، وإمّا تقليد أهل الضّلال، فيطابق الحديث مع الآية، ويبيّن معنى كلّ منهما بالآخر). اهـ
وقال تعالى: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون[ [الرّوم: 30].
قال الإمام الطّحاويّ / في «مشكل الآثار» (ج4 ص18): (قال تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ أي: ملّة الله تعالى الّتي خلق النّاس عليها). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص442): (يقول تعالى: فسدّد وجهك، واستمرّ على الدّين، الّذي شرعه اللّه تعالى لك، من الحنيفيّة: ملّة إبراهيم عليه السّلام، الّتي هداك اللّه تعالى لها، وكمّلها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السّليمة، الّتي فطر اللّه تعالى الخلق عليها، فإنّه تعالى فطر خلقه على معرفته، وتوحيده، وأنّه لا إله غيره). اهـ
وقال الحافظ البخاريّ / في «صحيحه» (ص839): (باب: ]لا تبديل لخلق اللّه[ [الرّوم: 30]؛ لدين اللّه: ]خلق الأوّلين[ [الشّعراء:137]؛ دين الأوّلين، والفطرة: الإسلام).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول اللّه r: (ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه، كما تنتج ([262]) البهيمة، بهيمة جمعاء ([263])، هل تحسّون فيها من جدعاء ([264]))، ثمّ يقول أبو هريرة t: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم[ [الرّوم: 30]. وفي رواية: (كلّ بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلّا على هذه الفطرة، حتّى يعبّر عنه لسانه). وفي رواية: (ليس من مولود، يولد؛ إلا على هذه الملّة، حتّى يبيّن عنه لسانه). وفي رواية: (كلّ بني آدم يولد على الفطرة). وفي رواية: (قالوا: يا رسول اللّه، أفرأيت من يموت، وهو صغير؟، قال r: اللّه أعلم بما كانوا عاملين). وفي رواية: (فقالوا: يا رسول اللّه، فكيف بمن كان قبل ذلك؛ يعني: مات؟، قال r: اللّه أعلم بما كانوا عاملين).
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (1358)، و(1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، وأبو داود في «سننه» (4714)، ومالك في «الموطّأ» (ج1 ص241)، وهمّام بن منبّه في «صحيفته» (ص259)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج6 ص202)، وفي «الاعتقاد» (164)، وفي «القضاء والقدر» (ج3 ص857 و858 و860 و861)، وفي «معرفة السّنن والآثار» (3830)، وأبو مصعب الزّهريّ في «الموطّأ» (995)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص233 و275 و393 و410 و481)، وابن حبّان في «صحيحه» (128)، و(133)، والتّرمذيّ في «سننه» (2274)، و(2275)، والطّبرانيّ في «مسند الشّاميّين» (ج1 ص83 و86)، والطّحاويّ في «مشكل الآثار» (ج4 ص11 و12 و13)، وابن بكير في «الموطّأ» (ج1 ص672)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (1478)، واللّالكائيّ في «الاعتقاد» (995)، و(998)، والجوهريّ في «مسند الموطّأ» (538)، والفريابيّ في «القدر» (161)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (396)، وابن القاسم في «الموطّأ» (338)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص64 و65)، وفي «الاستذكار» (ج8 ص375)، وعبد الحقّ الإشبيليّ في «الأحكام الشّرعيّة الكبرى» (ج2 ص571)، والقسطلانيّ في «إرشاد السّاري» (ج3 ص494)، والمحامليّ في «الأمالي» (225)، وابن وهب في «الموطّأ» (ص462)، والبزّار في «المسند» (ج14 ص181 و371)، و(ج16 ص208 و267)، ومعمر بن راشد الأزديّ في «الجامع» (ج11 ص119)، والدّارقطنيّ في «العلل» (ج8 ص288)، وابن أبي صفرة في «المختصر النّصيح» (ج2 ص38)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتّاريخ» (ج2 ص283)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج59 ص389)، وأبو يعلى في «المسند» (ج11 ص282)، والطّيالسيّ في «المسند» (2823)، والبغويّ في «شرح السّنّة» (84)، و(85)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج3 ص9)، وفي «أخبار أصبهان» (ج2 ص226)، والطّوسيّ في «مختصر الأحكام» (1559)، وأبو عوانة في «المسند الصّحيح» (ج20 ص261 و268 و269 و273 و274 و275)، والمطرّز في «الفوائد» (186)، و(187)، و(188)، و(189)، والمزّيّ في «تهذيب الكمال» (ج18 ص131)، والحكيم التّرمذيّ في «نوادر الأصول» (ج2 ص208)، والحميديّ في «المسند» (ج2 ص473)، والدّيلميّ في «الفردوس بمأثور الخطاب» (4730)، وأبو الشّيخ في «طبقات المحدّثين بأصبهان» (ج3 ص470)، وأبو إسحاق الفزاريّ في «السّير» (ج2 ص598)، والشّافعيّ في «الموطّأ» (ص462)، والذّهليّ في «الزّهريّات» (ج2 ص776)، وابن أبي أسامة في «المسند» (ج2 ص321)، و(ج5 ص28)، وأبو بكر الأنصاريّ في «المشيخة الكبرى» (ج2 ص797) من طريق سعيد بن المسيّب، وأبي صالح، وهمّام بن منبّه، وأبي سلمة بن عبد الرّحمن، وطاووس، وعطاء بن يزيد، وأبي جامع، وبشير بن نهيك، وعمّار مولى بني هاشم، والحسن البصريّ، والأعرج، وحميد بن عبد الرّحمن، وعبد الرّحمن بن يعقوب الحرقيّ، جميعهم: عن أبي هريرة t به.
وقال الحافظ ابن عبد البرّ / في «الاستذكار» (ج8 ص371): (وروي هذا الحديث، عن النّبيّ r: من وجوه، صحاح، ثابتة، من حديث أبي هريرة t).
* فقوله r: (كلّ مولود، يولد على الفطرة)؛ إنّما أراد r به: الإخبار بالحقيقة الّتي خلقوا عليها، وهي: فطرة الإسلام، و«الميثاق الأوّل». ([265])
قال تعالى: ]ربّنا الّذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى[ [طه:50].
وقال تعالى: ]الّذي خلق فسوّى * والّذي قدّر فهدى [ [الأعلى:2 و3].
قال الحافظ ابن عبد البرّ / في «التّمهيد» (ج18 ص64): (والدّليل: على أنّ المعنى، كما وصفنا، رواية من روى: «كلّ بني آدم، يولد على الفطرة»، و«ما من مولود؛ إلّا وهو يولد على الفطرة»؛ وحقّ الكلام، أن يحمل على عمومه). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «شرح صحيح البخاريّ» (ج3 ص264): (قوله r: «بهيمة جمعاء»؛ أي: تامّة الأعضاء، غير ناقصة الأطراف، و«بهيمة»؛ نصب مفعول: «تنتج»، و«جمعاء»: نعت لها). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «التّحرير في شرح مسلم» (ص604): (وذهب بعض أهل العلم: أنّ الفطرة هاهنا؛ هي الفطرة الغريزيّة الّتي هي موجودة في كلّ إنسان، فإنّ كلّ أحد رجع إلى الفطرة الغريزيّة عرف خالقه، وذلك معنى: قوله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ وهذه المعرفة: هي المعرفة الّتي أخبر الله تعالى، بوجودها من الكفّار، وذلك: في قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [الزّمر:38]؛ وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدّين[ [العنكبوت:65]؛ فحين ظهرت لهم حال الضّرورة، وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلّق بأحد، ظهرت فيهم: المعرفة الغريزيّة). اهـ
قلت: وهذا المعتقد الصّحيح، في الفطرة، قد دلّت عليه الأدلّة من كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله r، وما كان عليه سلف هذه الأمّة، من الصّحابة، فمن بعدهم: من الأئمّة المرضيّين.
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «الحجّة» (ج1 ص41): (وقد ذكر بعض أهل العلم أنّ الفطرة ها هنا: هي الفطرة الغريزيّة الّتي هي موجودة في كلّ إنسان، فإنّ كلّ أحد يرجع إلى غريزته عرف خالقه، وذلك معنى: قوله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ وهذه المعرفة: هي المعرفة الّتي أخبر الله تعالى، بوجودها من الكفّار، وذلك في قوله تعالى: ]ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه[ [الزّمر:38]؛ وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدّين[ [العنكبوت:65]؛ فحين ظهرت لهم حال الضّرورة، وانقطعوا عن أسباب الخلق، ولم يبق لهم تعلّق بأحد، ظهرت فيهم: المعرفة الغريزيّة، إلّا أنّها: غير نافعة، إنّما النّافعة هي المعرفة الكسبيّة، إلّا أنّ الله تعالى فطر النّاس على المعرفة الغريزيّة، وطلب منهم: المعرفة الكسبيّة، وعلّق الثّواب بها، والعقاب على تركها). اهـ
* والقول بأنّ المراد بالفطرة: المعرفة الغريزيّة، لا يخالف ما دلّت عليه الأحاديث، من أنّ المولود يولد على الملّة، وأنّ المولود من بني آدم خلق حنيفا، مسلما، بل هو مؤيّد لذلك.ث
* لأنّ هذه المعرفة من مقتضيات دين الله، هو الإسلام، الّذي هو معنى: الفطرة الواردة في الآية الكريمة: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30].
والقول بأنّ المراد بالفطرة: الإسلام، مذهب كثير من علماء السّلف، منهم: عكرمة، والحسن، وإبراهيم، وأحمد، وغيرهم.
* وممّا ينبغي أن يعلم، أنّه إذا قيل: إنّه ولد على الفطرة، أو على الإسلام، أو على هذه الملّة، أو خلق حنيفا: فليس المراد به أنّه حين خرج من بطن أمّه أنّه يعلم هذا الدّين ويريده على التّفصيل.
فإنّ؛ الله تعالى يقول: ]واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئا[ [النّحل:78].
قلت: ولكنّ فطرته تستلزم الإقرار بخالقه، ومحبّته، وإخلاص الدّين له، ورسوخها في النّفس، واكتمالها؛ بحسب كمال الفطرة إذا سلمت من المعارض، ونظرت إلى الأدلّة الدّالّة على أنّ الإسلام حقّ.
* فحصول هذا التّهويد، والتّنصير، والتّمجيس: موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة، وحصول الحنيفيّة، والإخلاص، ومعرفة الرّبّ، والخضوع له، لا يتوقّف أصله على غير الفطرة، وإن توقّف كماله وتفصيله على غيرها.
فالمراد بالحديث: أنّ كلّ مولود يولد على محبّته لفاطره، وإقراره بربوبيّته، واستحقاقه له بالعبادة وحده، فلو خلّي، وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره.([266])
وقال المفسّر ابن الحيريّ / في «الكفاية في التّفسير» (ج6 ص72): (قوله عزّ وجلّ: ]فأقم وجهك للدّين حنيفا[ [الرّوم:30]؛ والحنيف: المائل عن الأديان كلّها إلى الإسلام، وقيل: ]حنيفا[؛ مسلما: ]فطرت الله[؛ أي: دين الله: ]الّتي فطر النّاس عليها[؛ خلق النّاس عليها، وأراد به: آدم وذرّيته في صلبه، قال أبو العالية ومقاتل: أراد به أخذ الميثاق عليهم حين أخرجهم من صلب أبيهم آدم، وقال لهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى[ [الأعراف:172] ([267])؛ فهذا معنى: ]الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ أي: خلقكم، ويؤيّد ما قالوا؛ قول النّبيّ r: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه»([268]).
وقوله r: «يقول الله تبارك وتعالى: إنّي خلقت عبادي حنفاء؛ فاجتالتهم: الشّياطين عن دينهم، فأضلّهم الشّيطان، فحلّل لهم حرامي، وحرّم لهم حلالي»([269])؛ قال مجاهد: يعني: دين الإسلام، وقال بعضهم: أراد بقوله: ]فطرت اللّه[ [الرّوم: 30]؛ خلقة الله الّتي خلق النّاس عليها، فدلّ على أنّ الله واحد لا شريك له) ([270]). اهـ
* فالمراد بالفطرة أيضا؛ في هذا الحديث: بالميثاق الأوّل، الّذي أخذه الله تعالى، من ذرّيّة آدم عليه السّلام، قبل أن يخرجوا إلى الدّنيا، يوم استخرجهم من ظهره، فخاطبهم: ألست بربّكم، قالوا: بلى، فأقرّوا جميعا له بالرّبوبيّة، عن معرفة منهم به، ثمّ أخرجهم من أصلاب آبائهم: مخلوقين، مطبوعين على تلك المعرفة، وذلك الإقرار، وأرسل إليهم الرّسل عليهم السّلام، فمنهم: من آمن بهم، ومنهم: من كفر بهم!. ([271])
* فالفطرة: هي «الميثاق» أيضا، وهذا قريب من أنّ «الميثاق»: كان على الإسلام، لأنّ الفطرة، هي الإسلام. ([272])
قلت: فالإقرار بمعرفة الله تعالى، وهو العهد الّذي أخذه الله تعالى عليهم في أصلاب آبائهم، وصلب آدم عليه السّلام: ]وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف:172]؛ فليس أحد؛ إلّا وهو مقرّ بأنّ له خالقا، ومدبّرا، قال تعالى: ]ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه[ [الزّخرف:87]؛ فكلّ مولود، يولد على ذلك الإقرار الأوّل. ([273])
قلت: فمن يولد، يولد على هذه الفطرة، ظاهر هذا اللّفظ: تعميم الوصف المذكور، في جميع المولودين، وأصرح منه، رواية: (ما من مولود؛ إلّا يولد على الفطرة). ورواية: (ما من مولود؛ إلّا وهو على الملّة). ورواية: (ليس من مولود؛ إلّا على هذه الفطرة، حتّى يعبّر عنه لسانه).
* والفطرة ها هنا: الإسلام، وهو المعروف عند عامّة السّلف، وأهل التّأويل، قد أجمعوا في تأويل: قول الله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها[ [الرّوم: 30]؛ قالوا: «فطرت اللّه»، دين الإسلام.
* والمراد: أنّ كلّ مولود، يولد على محبّته لفاطره، وإقراره له بربوبيّته، وادّعائه له بالعبوديّة. ([274])
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «التّحرير في شرح مسلم» (ص604): (وكذلك قوله: «خلقت عبادي حنفاء»([275])؛ فهو إشارة إلى المعرفة الغريزيّة، الّتي هي مركّبة فيهم). اهـ
وقال الإمام أبو عمرو الدّانيّ / في «الرّسالة الوافية» (ص227): (والفطرة: هي الإسلام، بدليل؛ قوله تعالى: ]فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم[ [الرّوم: 30]؛ وقيل: الفطرة: العهد، والميثاق الّذي أخذ عليهم حين: فطروا). اهـ
وقال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «التّحرير في شرح مسلم» (ص605): (قوله r: «من جدعاء»؛ أي: مقطوعة الأنف، يقول: إنّ البهيمة أوّل ما تولد تكون سليمة من الجدع، والخرم، ونحو ذلك من العيوب.
* حتّى يحدث فيها أربابها هذه النّقائص، كذلك: الطّفل يولد مجبولا على خلقة لو ترك عليها لسلم من الآفات، إلّا أنّ والديه يزيّنان له الكفر، ويحملانه عليه، وليس في هذا ما يوجب حكم الإيمان له([276])، إنّما هو ثناء على هذا الدّين، وإخبار عن حسن موقعه من النّفوس). اهـ
* وإنّما يولد المولود على السّلامة في خلقه، ليس معه إيمان؛ إلّا في الجملة، ولا كفر، ولا إنكار، ولا معرفة، ثمّ يعتقد: الإيمان، أو الكفر، بعد البلوغ، إذا ميّز.
* وقوله r: كما تنتج([277]) البهيمة، بهيمة: جمعاء([278])؛ يعني: سالمة، هل تحسّون فيها من جدعاء؛ يعني: مقطوعة الأذن.
* فمثّل r: قلوب بني آدم بالبهائم، لأنّها تولد كاملة الخلق، ليس فيها نقصان، ولا آفة، ثمّ تقطع آذانها: بعد، وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب.
* فكذلك قلوب الأطفال في حين: ولادتهم: سالمة ليس لهم: كفر حينئذ، ولا إيمان، ولا معرفة، ولا إنكار، كالبهائم السّالمة.
* فلمّا بلغوا استهوتهم الشّياطين، فكفر أكثرهم، وعصم الله تعالى أقلّهم.
* ويستحيل في المعقول، أن يكون الطّفل في حين ولادته، يعقل: كفرا، أو إيمانا، لأنّ الله تعالى: أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا. ([279])
قال تعالى: ]واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئا[ [الأنبياء: 78]، فمن لا يعلم شيئا، استحال منه: كفر، أو إيمان، أو معرفة، أو إنكار؛ على التّفصيل. ([280])
* فالنّبيّ r قد ذكر من أحوال: تبديل الفطرة، من ملل الكفر، من اليهوديّة، والنّصرانيّة، والمجوسيّة، وغيرهم.
* ولم يذكر r ملّة الإسلام، لأنّ المولود، قد فطر عليها، وهم: يحوّلونه عنها، بما شاء الله تعالى، وسبق ذلك في علمه.
ثالثا: وتقوم الحجّة: بالقرآن الكريم، والقرآن: طرفه بيد الله تعالى، وطرفه بأيدي العباد، فمن تمسّك به نجا، ومن أعرض عنه هلك، يعني: باستطاعة العباد أن يأخذوا بالقرآن، ويتعلّموه، ويعملوا به، لأنّ الله تعالى يسّر للعباد وجود القرآن بأيديهم في كلّ زمان، للمسلمين، وللكافرين، فلا عذر لهم بالإعراض عن تعاليم القرآن والسّنّة. ([281])
قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19].
وعن أبي شريح الخزاعيّ قال: (خرج علينا رسول اللّه r فقال: أبشروا، أبشروا؛ أليس تشهدون أن لا إله إلا اللّه، وأنّي رسول اللّه؟، قالوا: نعم، قال r: فإنّ هذا القرآن سبب طرفه بيد اللّه تعالى، وطرفه بأيديكم، فتمسّكوا به؛ فإنّكم لن تضلّوا، ولن تهلكوا بعده أبدا).
حديث صحيح
أخرجه عبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (483)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج10 ص222)، وابن نصر في «قيام اللّيل» (74)، وابن حبّان في «صحيحه» (122)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج22 ص188)، والبيهقيّ في «شعب الإيمان» (1942)، وأبو القاسم البغويّ في «معجم الصّحابة» (ج4 ص255)، والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (192) من طريق أبي خالد الأحمر، عن عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي شريح الخزاعيّ t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صحّحه السّيوطيّ في «الجامع الكبير» (ج1 ص71).
وقال الشّيخ الألبانيّ في «الصّحيحة» (ج2 ص330): «وهذا سند صحيح، على شرط مسلم».
وقال الحافظ الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (ج1 ص197): «رجاله رجال الصّحيح».
وقال الحافظ المنذريّ في «التّرغيب والتّرهيب» (ج1 ص40): «رواه الطّبرانيّ في «الكبير»؛ بإسناد جيّد».
والحديث صحّحه الشّيخ الألبانيّ في «صحيح الجامع» (34).
* وأصل الحديث: في «الصّحيح» لمسلم (2408).
قلت: فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجّة، الّتي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفها، ومعاندها: عذاب النّار([282])، والعياذ بالله.
قال العلّامة الشّيخ الشّنقيطيّ / في «أضواء البيان» (ج2 ص188): (صرّح سبحانه؛ في هذه الآية الكريمة، بأنّه r: منذر، لكلّ من بلغه هذا القرآن العظيم، كائنا من كان، ويفهم من الآية: أنّ الإنذار به عامّ، لكلّ من بلغه، وأنّ كلّ من بلغه، ولم يؤمن، فهو: في النّار، وهو كذلك). اهـ
قلت: فمن تلاه، وآمن، وعمل به، فهو: حجّة له يوم القيامة، يشفع له، ويذود عنه.
* ومن كفر به، وأعرض عنه، وجفاه، فهو: حجّة عليه، يقوده يوم القيامة، إلى جهنّم، وبئس المصير.
قال تعالى: ]إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفور شكور[ [فاطر: 29 و30].
وعن أبي أمامة الباهليّ t قال: سمعت رسول اللّه r يقول: (اقرءوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه). ([283])
وعن زيد بن أرقم t قال: قال رسول اللّه r: (وأنا تارك، فيكم: ثقلين؛ أوّلهما: كتاب اللّه، فيه الهدى، والنّور، فخذوا: بكتاب اللّه، واستمسكوا به، فحثّ على كتاب اللّه، ورغّب فيه). ([284])
وعن عمر بن الخطّاب t قال: قال النّبيّ r: (إنّ اللّه يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين). ([285])
قلت: فالقرآن حجّة لك، أو عليك، لأنّ القرآن: هو حبل الله المتين، وهو حجّة الله على خلقه. ([286])
* فهذا عدل الله تعالى في عباده، فإنّ الله تعالى: أنزل كتبه، وأرسل رسله: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
قلت: فالقرآن؛ صادق، مصدّق، وشافع، مشفّع، من جعله أمامه، فحافظ على فرائضه، واجتنب محارمه، فإنّه يقوده إلى الجنّة.
* ومن ترك طاعاته، وارتكب محرّماته، فإنّه يسوقه إلى النّار. ([287])
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل اللّه جميعا[ [آل عمران: 103].
عن عبد الله بن مسعود t قال: في قوله تعالى: ]واعتصموا بحبل اللّه جميعا[ [آل عمران: 103]؛ قال: (حبل الله: القرآن). وفي رواية: (فإنّ حبل الله: هو كتاب الله).
أثر صحيح
أخرجه سعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج3 ص1083)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج9 ص240)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج10 ص482 و483)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (772)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج7 ص72)، وابن الضّريس في «فضائل القرآن» (74)، والبيهقيّ في «شعب الإيمان» (2025) من طريق جامع بن أبي راشد، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، جميعهم: عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صحّحه السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج2 ص284).
وأورده الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (ج6 ص326)، وحكم عليه، بأنّ رجاله رجال الصّحيح.
وذكره الواحديّ في «الوسيط» (ج1 ص473).
وعن قتادة بن دعامة / قال: في قوله تعالى: ]واعتصموا بحبل اللّه جميعا[ [آل عمران: 103]؛ قال: (حبل الله المتين الّذي أمر أن يعتصم به: هذا القرآن).
وفي رواية: (حبل الله المتين: هذا القرآن، وسنّته، وعهده إلى عباده، الّذي أمر أن يعتصم به، فيه الخير والتّقيّة، أن يتمسّكوا به، ويعتصموا بحبله في الدّنيا، أمر الله عباده جميعا، ولا يتفرّقوا عنه، وإنّ الله كره لكم الفرقة، ونهاكم عنها، وقدّم إليكم فيها، وحذّركموها، لكي تكون هي الحجّة على خلقه).
أثر صحيح
أخرجه عبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص48)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (776)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج5 ص644) من طريق شيبان، وسعيد بن أبي عروبة؛ كلاهما: عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج1 ص293): (قوله تعالى: ]واعتصموا بحبل اللّه جميعا[ [آل عمران: 103]؛ يعني: بدين الله: جميعا). اهـ
رابعا: السّنّة النّبويّة: حجّة على النّاس، فمن بلغته السّنّة، فإنّه قامت عليه الحجّة.
* والسّنّة: هي كلّ ما أثر عن النّبيّ r، من قول، أو عمل، أو إقرار، فمن بلغته السّنّة، فقد بلغته نذارة الرّسول r، وبالتّالي فقد أقيمت عليه الحجّة، الّتي يستحقّ رافضها، أو جاحدها العذاب. ([288])
فعن أبي هريرة t عن رسول اللّه r؛ أنّه قال: (والّذي نفس محمّد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة: يهوديّ، ولا نصرانيّ، ثمّ يموت؛ ولم يؤمن بالّذي أرسلت به؛ إلّا كان من أصحاب النّار). ([289])
قلت: والمراد بالسّماع بالنّبيّ r، السّماع به، أو بدعوته، أو برسالته، ثمّ لا يؤمن به r، وبما جاء به، فهو: من أهل النّار، لأنّ طاعته r، من طاعة الله تعالى، ومعصيته، من معصية الله تعالى. ([290])
قال تعالى: ]من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه[ [النّساء: 80].
* ومصداق ذلك في السّنّة، قوله r: (من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه). ([291])
وعن أبي هريرة t، أنّ رسول اللّه r قال: (كلّ أمّتي يدخلون الجنّة؛ إلّا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول اللّه؟، قال: من أطاعني دخل الجنّة، ومن عصاني فقد أبى). ([292])
وقال تعالى: ]وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ [الحشر: 7].
وقال تعالى: ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلّا وحي يوحى[ [النّجم:3 و4].
وقال تعالى: ]فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما[ [النّساء:65].
قال الإمام ابن القيّم / في «التّبيان» (ج2 ص318): (قوله تعالى: ]فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما[ [النّساء:65]؛ أقسم سبحانه، بنفسه المقدّسة، قسما مؤكّدا بالنّفيّ قبله، على عدم إيمان الخلق، حتّى يحكّموا رسوله r، في كلّ ما شجر بينهم، من الأصول والفروع، وأحكام الشّرع، وأحكام المعاد، وسائر الصّفات، وغيرها.
* ولم يثبت لهم الإيمان، بمجرّد هذا التّحكيم، حتّى ينتفي عنهم الحرج، وهو: ضيق الصّدر، وتنشرح صدورهم لحكمه، كلّ الانشراح، وتنفسح له كلّ الانفساح، وتقبله كلّ القبول.
* ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضا، حتّى ينضاف إليه، مقابلة حكمه بالرّضى والتّسليم، وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض.
فهنا، قد يحكّم الرّجل غيره، وعنده حرج من حكمه.
* ولا يلزم من انتفاء الحرج، والرّضا والتّسليم، والانقياد، إذ قد يحكّمه وينتفي الحرج عنه في تحكيمه، ولكن لا ينقاد قلبه، ولا يرضى كلّ الرّضى بحكمه.
والتّسليم، أخصّ من انتفاء الحرج، فالحرج، مانع، والتّسليم، أمر وجوديّ.
* ولا يلزم من انتفاء الحرج، حصوله بمجرّد انتفائه، إذ قد ينتفي الحرج، ويبقى القلب فارغا منه، ومن الرّضى به، والتّسليم له، فتأمّله.
وعند هذا يعلم، أنّ الرّبّ تبارك وتعالى، أقسم على انتفاء إيمان أكثر الخلق.
وعند الامتحان تعلم: هل هذه الأمور الثّلاثة موجودة في قلب أكثر من يدّعي الإسلام، أم لا؟
والله المستعان، وعليه التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم). اهـ
قلت: وهذا عين الفقه، والعلم.
قال الإمام أبو القاسم الأصبهانيّ / في «الحجّة» (ج2 ص233): (الاتّباع عند العلماء، هو الأخذ بسنن رسول الله r، الّتي صحّت عنه عند أهلها، ونقلتها، وحفّاظها، والخضوع لها، والتّسليم لأمر النّبيّ r فيها). اهـ
وعن عمر بن الخطّاب t أنّه كتب إلى شريح القاضي: (إذا أتاك أمر؛ فاقض بما في كتاب اللّه، فإن أتاك ما ليس في كتاب اللّه؛ فاقض بما سنّ فيه رسول اللّه r).
أثر صحيح
أخرجه النّسائيّ في «المجتبى» (ج8 ص231)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج7 ص241)، والدّارميّ في «المسند» (ج1 ص60)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج10 ص110)، وضياء الدّين المقدسيّ في «الأحاديث المختارة» (133)، و(134)، والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (ج2 ص99)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج23 ص19)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج4 ص136)، ووكيع في «أخبار القضاة» (ج2 ص399)، وابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص846)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص29) من طرق عن الشّعبيّ عن شريح أنّه كتب إلى عمر t يسأله؛ فكتب إليه... وذكروه بألفاظ عندهم.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صحّحه ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (ج1 ص120).
قال الإمام ابن القيّم / في «إعلام الموقّعين» (ج6 ص21): (المدارك الّتي شاركتهم -يعني: الصّحابة- فيها من دلالات الألفاظ والأقيسة، فلا ريب أنّهم كانوا أبرّ قلوبا، وأعمق علما، وأقلّ تكلّفا، وأقرب إلى أن يوفّقوا فيها لما لم نوفّق له نحن؛ لما خصّهم اللّه تعالى به من توقّد الأذهان، وفصاحة اللّسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلّة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرّبّ تعالى، فالعربيّة طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصّحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم... فليس في حقّهم إلّا أمران:
أحدهما: قال اللّه تعالى كذا، وقال رسوله r كذا.
والثّاني: معناه كذا وكذا، وهم أسعد النّاس بهاتين المقدّمتين، وأحظى الأمّة بهما، فقواهم متوفّرة مجتمعة عليهما). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص498)؛ في تفسير هذه الآية: (فهذه الآية عامّة في جميع الأمور، وذلك أنّه إذا كان حكم اللّه تعالى، ورسوله r لشيء، فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد هاهنا، ولا رأي، ولا قول؛ كما قال تبارك وتعالى: ]فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما[ [النّساء:65]؛ ولهذا شدّد في خلاف ذلك، فقال: ]ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا[ [الأحزاب:36]، كقوله تعالى: ]فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النّور:63]). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «الصّواعق المرسلة» (ج3 ص828): (وقال سبحانه: ]فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما[ [النّساء:65]؛ فأقسم سبحانه بنفسه أنّا لا نؤمن حتّى نحكّم رسوله r في جميع ما شجر بيننا، وتتّسع صدورنا بحكمه، فلا يبقى منها حرج، ونسلّم لحكمه تسليما، فلا نعارضه بعقل، ولا رأيّ، ولا هوى، ولا غيره، فقد أقسم الرّبّ سبحانه بنفسه على نفيّ الإيمان عن هؤلاء الّذين يقدّمون العقل على ما جاء به الرّسول، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنّهم غير مؤمنين بمعناه، وإن آمنوا بلفظه، وقال تعالى: ]وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى اللّه[ [الشّورى:10]، وهذا نصّ صريح في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردود إلى الله وحده، وهو الحاكم فيه على لسان رسوله r، فلو قدّم حكم العقل على حكمه، لم يكن هو الحاكم بوحيه، وكتابه، وقال تعالى: ]اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء[ [الأعراف:3]، فأمر باتّباع الوحيّ المنزّل وحده، ونهى عن اتّباع ما خالفه، وأخبر سبحانه أنّ كتابه: بيّنة، وشفاء، وهدى، ورحمة، ونور، وفصل، وبرهان، وحجّة، وبيان؛ فلو كان في العقل ما يعارضه، ويجب تقديمه على القرآن لم يكن فيه شيء من ذلك، بل كانت هذه الصّفات للعقل دونه، وكان عنها بمعزل، فكيف يشفي، ويهدي، ويبيّن، ويفصل ما يعارضه صريح العقل). اهـ
قلت: فالعقل الصّريح السّليم لا يعارض النّقل الصّحيح ألبتّة، ولا يأتي بخلافه، ومن تأمّل ذلك في ما ينازع النّاس فيه من أحكام، وجد ما خالفت النّصوص الصّحيحة الصّريحة، شبهات فاسدة ضعيفة يعلم بالعقل بطلانها، بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للنّقل.([293])
قال تعالى: ]ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا أولئك الّذين لم يرد اللّه أن يطهّر قلوبهم لهم في الدّنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم[ [المائدة:28].
وقال تعالى: ]ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلا[ [النّساء:88].
وقال تعالى: ]إن يتّبعون إلّا الظّنّ وما تهوى الأنفس[ [النّجم:23].
وقال تعالى: ]وإنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئا[ [النّجم:28].
قال الإمام ابن القيّم / في «الصّواعق المرسلة» (ج3 ص844): (وإرادتهم هوى نفوسهم، وعلومهم تدعو إلى إرادتهم، وإرادتهم تدعو إلى علومهم، فإنّ اتّباع الهوى يصدّ عن الحقّ، ويضلّ عن سبيل الله، فتولّوا عن القرآن، وآثروا عاجل الدّنيا، وهؤلاء الّذين أمر الله، رسوله r بالإعراض عنهم بعد إقامة الحجّة عليهم، فقال تعالى: ]فأعرض عن من تولّى عن ذكرنا ولم يرد إلاّ الحياة الدّنيا ذلك مبلغهم من العلم[ [النّجم29]). اهـ
وعن ابن عبّاس ﭭ قال: (من قرأ القرآن، واتّبع ما فيه: هداه اللّه من الضّلالة، ووقاه الله يوم القيامة سوء الحساب، وذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ قال: ]فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى[ [طه:123]).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2439)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج10 ص467)، وعبد الرّزّاق في «المصنّف» (ج3 ص382)، ومحمّد بن نصر في «قيام اللّيل» (72)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج16 ص325)، والحاكم في «المستدرك» (ج2 ص381)، والبيهقيّ في «شعب الإيمان» (1871) من طرق عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: والقرآن مملوء بوصف من قدّم عقله، ورأيه؛ على ما جاء به الكتاب والسّنّة: بالضّلال.
قال الإمام ابن القيّم / في «الصّواعق المرسلة» (ج3 ص846): (إنّ طالب الهدى في غير القرآن والسّنّة، قد شهد الله ورسوله له بالضّلال، فكيف يكون عقل الّذي قد أضلّه الله مقدّما على كتاب الله، وسنّة رسوله r، قال تعالى -في أرباب العقول الّتي عارضوا بها وحيه-: ]أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد اللّه أفلا تذكّرون[ [الجاثية:23]، وقال تعالى: ]وأنّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله[ [الأنعام:153]، وقال تعالى فيمن قدّم عقله على ما جاء به: ]إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى[ [النّجم:23]، والقرآن مملوء بوصف من قدّم عقله على ما جاء به، بالضّلال). اهـ
قلت: فإذا تعارض العقل والنّقل، وجب تقديم النّقل.
قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى اللّه ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا[ [الأحزاب:36].
قلت: فلم يفرّق المولى عزّ وجلّ في وجوب طاعته، وطاعة رسوله r علينا بين أحكام الأفعال، ومسائل الاعتقاد، بل ألزمنا الطّاعة فيه كلّها، ونهانا أن نجتهد ونقول برأينا بعد قضائه جلّ جلاله، وقضاء رسوله r. ([294])
قال الإمام ابن القيّم / في «إعلام الموقّعين» (ج1 ص86)؛ في تفسير هذه الآية: (فأخبر سبحانه أنّه ليس لمؤمن أن يختار بعد قضائه، وقضاء رسوله r، ومن تخيّر بعد ذلك؛ فقد ضلّ ضلالا بعيدا). اهـ
وقال تعالى: ]فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النّور:63].
وقال تعالى: ]فماذا بعد الحقّ إلّا الضّلال[ [يونس:32].
وعن أبي هريرة t، عن النّبيّ r قال: (دعوني ما تركتكم: إنّما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم). ([295])
وعن عائشة ڤ قالت: قال رسول اللّه r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ). وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ). ([296])
عن عبد اللّه بن مسعود t، أنّ النّبيّ r قال: (هلك المتنطّعون، قالها ثلاثا). ([297])
* وكذلك؛ التّحاكم: فإنّ التّحاكم إلى السّنّة النّبويّة، كالتّحاكم إلى القرآن الكريم، ورفض واحد منهما: رفض للآخر، لأنّ؛ كلاهما: من مشكاة الوحي.
قال تعالى: ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلّا وحي يوحى[ [النّجم: 3و4].
وقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59].
وقال تعالى: ]وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ [الحشر: 7].
قال الإمام ابن القيّم / في «إعلام الموقّعين» (ج1 ص49): (نكرة في سياق الشّرط: تعمّ كلّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدّين، دقّه وجلّه، جليّه وخفيّه، ولو لم يكن في كتاب اللّه تعالى، ورسوله r: بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيا، لم يأمر بالرّدّ إليه، إذ من الممتنع، أن يأمر تعالى بالرّدّ عند النّزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النّزاع.
* ومنها: أنّ النّاس أجمعوا أنّ الرّدّ إلى اللّه تعالى، هو الرّدّ إلى كتابه، والرّدّ إلى الرّسول r، هو الرّدّ إليه نفسه في حياته، وإلى سنّته r بعد وفاته.
* ومنها: أنّه جعل هذا الرّدّ من موجبات الإيمان، ولوازمه؛ فإذا انتفى هذا الرّدّ، انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيّما التّلازم بين هذين الأمرين؛ فإنّه من الطّرفين، وكلّ منهما ينتفي؛ بانتفاء الآخر). اهـ
وقال الإمام محمّد بن نصر المروزيّ / في «السّنّة» (ص262): (وكان إجماع أصحاب النّبيّ r، والتّابعين، على أنّ أصول العلم، والأحكام: في كتاب اللّه، فمنه بيّن مفهوم في تلاوته، ومنه مستنبط بالبحث من أهل العلم، والفهم عن اللّه تعالى). اهـ
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (كلّ بدعة ضلالة، وإن رآها النّاس حسنة).([298])
وقال أبو القاسم الأصبهانيّ / في «الحجّة» (ج1 ص395): (سبق بالكتاب النّاطق من اللّه تعالى، ومن قول النّبيّ r، ومن أقوال الصّحابة y: أنّا أمرنا بالاتّباع وندبنا إليه، ونهينا عن الابتداع، وزجرنا عنه). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «هداية الحيارى» (ص14): (ومن بعض حقوق الله تعالى على عبده ردّ الطّاعنين على كتابه، ورسوله r، ودينه، ومجاهدتهم بالحجّة والبيان، والسّيف والسّنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبّة خردل من الإيمان). اهـ
* والله تعالى أمرنا عند التّنازع أن نردّ إلى القرآن الكريم، والسّنّة النّبويّة، فقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59].
فعن ميمون بن مهران / قال: في قول الله عزّ وجلّ: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول[ [النّساء: 59]؛ قال: (الرّدّ إلى الله عزّ وجلّ: إلى كتابه، والرّدّ إلى الرّسول r إذا قبض: إلى سنّته).
أثر صحيح
أخرجه الطّحاويّ في «مشكل الآثار» (ج1 ص474)، وابن شاهين في «شرح المذاهب» (ص44)، وأبو الفتح المقدسيّ في «الحجّة» (ج2 ص528)، والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (ج1 ص144)، وابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص151)، وابن حزم في «الإحكام» (ج8 ص1047)، واللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص768)، والهرويّ في «ذمّ الكلام» (ج2 ص68)، وابن عبد البرّ في «الجامع» (ج2 ص190) من طريق وكيع بن الجرّاح، ومحمّد بن كناسة عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن مجاهد / قال: (في قول الله عزّ وجلّ: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول[ [النّساء: 59]؛ قال: كتاب الله، وسنّة نبيّه). وفي رواية: (فإن تنازع العلماء ردّوه إلى الله والرّسول).
أثر حسن لغيره
أخرجه ابن جرير في «جامع البيان» (ج5 ص151)، والبيهقيّ في «المدخل إلى السّنن الكبرى» (ج1 ص242)، وسفيان الثّوريّ في «تفسير القرآن» (ص96)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج3 ص293)، وعبد الرّزّاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص167)، وسعيد بن منصور في «السّنن» (ج4 ص1290)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج2 ص579-الدّرّ المنثور)، والهرويّ في «ذمّ الكلام» (ج2 ص151)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص990)، واللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (ج1 ص73) من طرق عن اللّيث بن أبي سليم عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده حسن في الشّواهد.
وفي لفظ اللاّلكائيّ: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59]؛ قال: (كتاب اللّه وسنّة نبيّه، ولا تردّوا إلى أولي الأمر شيئا). يعني: إلى العلماء!.
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59]؛ قال: (إلى اللّه: إلى كتاب اللّه، وإلى الرّسول: إلى سنّة رسول اللّه r).
أثر حسن
أخرجه الآجرّيّ في «الشّريعة» (106)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص252)، وابن عبد البرّ في «جامع بيان العلم» (ج1 ص765) من طريق يحيى بن آدم قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن السّدّيّ / قال: في قوله تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59]؛ قال: (إن كان الرّسول حيّا، وإلى الله إلى: كتابه).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص990)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج5 ص151) من طريق أحمد بن مفضّل، ثنا أسباط بن نصر عن السّدّيّ به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فالرّجوع إلى كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله r عند الاختلاف شرط، لأنّ الكتاب والسّنّة حجة في الدّين، يجب المصير إليهما عند الاختلاف، ويحرم مخالفتهما.([299])
قال أبو الفتح المقدسيّ / في «الحجّة» (ج1 ص144): (قوله تعالى: ]يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النّساء: 59]؛ فدلّ على أنّ الرّدّ يجب في حال الاختلاف والنّزاع، ولا يجب في حال الاجتماع). اهـ
وقال أبو الفتح المقدسيّ / في «الحجّة» (ج1 ص144): (قال أهل العلم: قوله تعالى: ]فردّوه إلى اللّه[ [النّساء: 59]؛ إلى كتاب الله عزّ وجلّ، ]والرّسول[ [النّساء: 59]؛ أي: إلى سنّة رسول الله). اهـ
وعن عطاء بن أبي رباح / قال: (في قوله: ]أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم[ [النّساء: 59]؛ قال: (هم أهل العلم وأهل الفقه، وطاعة الرّسول:
اتّباع الكتاب والسّنّة).
أثر حسن
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج5 ص147)، وسعيد بن منصور في «السّنن» (655)، والخطيب في «الفقيه والمتفقّه» (ج1 ص130 و131)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج3 ص987) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فقوله تعالى: ]فإن تنازعتم [ [النّساء: 59]؛ أي: اختلفتم، ]في شيء[ [النّساء: 59]؛ من أمر دينكم.
والتّنازع: اختلاف الآراء، ]فردّوه إلى اللّه والرّسول[ [النّساء: 59]؛ أي: إلى الكتاب والسّنّة، والرّدّ عليهما واجب، ]إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النّساء: 59]؛ أي: أحسن مآلا، وعاقبة.([300])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج2 ص112): (إذا تنازع المسلمون في مسألة وجب ردّ ما تنازعوا فيه إلى اللّه والرّسول، فأيّ القولين دلّ عليه الكتاب والسّنّة: وجب اتّباعه). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «إعلام الموقّعين» (ج2 ص92): (قوله: ]فإن تنازعتم في شيء[ [النّساء: 59]؛ نكرة في سياق الشّرط، تعمّ كلّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدّين، دقّه وجلّه، جليّه وخفيّه، ولو لم يكن في كتاب اللّه تعالى، ورسوله r: بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافيا، لم يأمر بالرّدّ إليه، إذ من الممتنع، أن يأمر تعالى بالرّدّ عند النّزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النّزاع). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج5 ص192)؛ وهو يردّ على المذهبيّين الّذين يستحسنون في الدّين بآرائهم وعقولهم المخالفة للشّريعة: (واحتجّ القائلون بالاستحسان بقول الله عزّ وجلّ: ]الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الّذين هداهم اللّه وأولئك هم أولو الألباب[ [الزّمر: 18]؛ وهذا الاحتجاج عليهم، لا لهم؛ لأنّ الله تعالى لم يقل: (فيتّبعون ما استحسنوا)، وإنّما قال عزّ وجلّ: ]فيتّبعون أحسنه[، وأحسن الأقوال ما وافق القرآن، وكلام الرسّول r، هذا هو الإجماع المتيقّن من كلّ مسلم، ومن قال غير هذا فليس مسلما، وهو الّذي بيّنه عزّ وجلّ إذ يقول: ]فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر[ [النّساء: 59]؛ ولم يقل تعالى: فردّوه إلى ما تستحسنون). اهـ
وعن مجاهد / قال: في قوله تعالى: ]صراط عليّ مستقيم[ [الحجر: 41]، قال: (الحقّ يرجع إلى اللّه، وعليه طريقه).
أثر صحيح
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» تعليقا (ج4 ص1736)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج14 ص33)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2264)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير مجاهد» (ص416).
وعن الإمام الزّهريّ / قال: (من اللّه العلم، وعلى رسول اللّه البلاغ، وعلينا التّسليم، أمرّوا حديث رسول الله r كما جاءت)([301]). وفي رواية: (أمرّوا أحاديث رسول الله r على ما جاءت).
أثر صحيح
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» مجزوما به؛ في كتاب: «التّوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» (332) تعليقا، والخلاّل في «السّنّة» (1001)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميديّ في «النّوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الرّاوي» (1370)، وابن حبّان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزيّ في «تعظيم قدر الصّلاة» (520)، والسّمعانيّ في «أدب الإملاء والاستملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التّعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، والذّهبيّ في «السّير» (ج5 ص346)، وأبو زرعة الدّمشقيّ في «التّاريخ» (ج1 ص620) من طرق عن الزّهريّ به.
وإسناده صحيح.
وذكره ابن رجب في «فتح الباري» (ج5 ص101).
وعن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرّحمن / قال: (من الله الرّسالة، ومن الرّسول البلاغ، وعلينا التّصديق).
أثر صحيح
أخرجه اللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (655)، والعجليّ في «تاريخ الثّقات» (ص158)، والذّهبيّ في «العلوّ» (ص98)، والخلاّل في «السّنّة» (ص306-الفتوى الحمويّة)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (ص408)، وابن قدامة في «إثبات صفة العلوّ» (ص164) من طرق عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن به.
وإسناده صحيح، وقد صحّحه الشّيخ الألبانيّ في «العلوّ» (ص132).
وقال ابن تيميّة في «الفتوى الحمويّة» (ص27): إسناده؛ كلّهم أئمّة ثقات.
وقال ابن تيميّة في «الفتاوى» (ج5 ص365): وهذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك.
وذكره ابن قدامة في «ذمّ التّأويل» (ص25)، وابن تيميّة في «درء التّعارض» (ج6 ص264)، والسّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص421).
وقال تعالى: ]وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيدا[ [النّساء:79].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج3 ص167): (وقوله تعالى: ]وأرسلناك للنّاس رسولا[ [النّساء:79]؛ أي: تبلغهم شرائع اللّه تعالى، وما يحبّه الله تعالى ويرضاه، وما يكرهه، ويأباه: ]وكفى باللّه شهيدا[؛ أي: على أنّه أرسلك، وهو شهيد أيضا: بينك وبينهم، وعالم بما تبلغهم إيّاه، وبما يردّون عليك من الحقّ، كفرا، وعنادا). اهـ
قلت: وتبليغ الله تعالى، ورسوله r، هو: نافذ في الخلق، في البرّ والبحر، بلا شكّ، ولا ريب، ومن يقل خلاف ذلك، فهذا فيه قلّة فهم، وقلّة علم، وفيه كثرة جهل، وظلم.
وقال تعالى: ]ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا[ [الفرقان:51 و52].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص600): (قوله تعالى: ]ولو شئنا لبعثنا في كلّ قرية نذيرا[ [الفرقان:51]؛ يدعوهم إلى اللّه تعالى، ولكنّا خصصناك يا محمّد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلّغهم القرآن: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ ]ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده[ [هود: 17]؛ ]ولتنذر أمّ القرى ومن حولها[ [الأنعام: 92]؛ ]قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا[ [الأعراف: 158]، وفي الصّحيحين: «بعثت إلى الأحمر والأسود»([302])، وفيهما: «وكان النّبيّ r يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثت إلى النّاس عامّة»([303])؛ ولهذا قال تعالى: ]فلا تطع الكافرين وجاهدهم به[؛ يعني: بالقرآن). اهـ
وقال تعالى: ]ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم وكان الكافر على ربّه ظهيرا* وما أرسلناك إلّا مبشّرا ونذيرا[ [الفرقان: 55و56].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص601): (يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير اللّه من الأصنام، الّتي لا تملك له نفعا ولا ضرّا، بلا دليل قادهم إلى ذلك، ولا حجّة أدّتهم إليه، بل بمجرّد الآراء، والتّشهّي والأهواء، فهم يوالونهم، ويقاتلون في سبيلهم، ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم، ولهذا قال تعالى: ]وكان الكافر على ربّه ظهيرا[ [الفرقان:55]؛ أي: عونا في سبيل الشّيطان على حزب اللّه، وحزب اللّه هم الغالبون، كما قال تعالى: ]واتّخذوا من دون اللّه آلهة لعلّهم ينصرون * لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون[ [يس: 74 -75]؛ أي: آلهتهم الّتي اتّخذوها من دون اللّه لا تملك لهم نصرا، وهؤلاء الجهلة: للأصنام جند محضرون، يقاتلون عنهم، ويذبّون عن حوزتهم، ولكنّ العاقبة والنّصرة للّه ولرسوله في الدّنيا والآخرة.
* ثمّ قال تعالى: لرسوله صلوات اللّه وسلامه عليه: ]وما أرسلناك إلا مبشّرا ونذيرا[ [الفرقان:56]؛ أي: بشيرا للمؤمنين، ونذيرا للكافرين، مبشّرا بالجنّة لمن أطاع اللّه، ونذيرا بين يدي عذاب شديد لمن خالف أمر اللّه: ]قل ما أسألكم عليه من أجر[؛ أي: على هذا البلاغ، وهذا الإنذار من أجرة أطلبها من أموالكم، وإنّما أفعل ذلك ابتغاء وجه اللّه تعالى: ]لمن شاء منكم أن يستقيم[ [التّكوير: 28]؛ ]إلا من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا[؛ أي: طريقا، ومسلكا، ومنهجا يقتدى فيها بما جئت به). اهـ
وقال تعالى: ]قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون * فإن تولّوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون[ [الأنبياء: 108 و109].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص377): (يقول تعالى: آمرا رسوله r، أن يقول؛ للمشركين: ]إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون[ [الأنبياء:108]؛ أي: متّبعون على ذلك، مستسلمون، منقادون له: ]فإن تولّوا[؛ أي: تركوا ما دعوتهم إليه: ]فقل آذنتكم على سواء[؛ أي: أعلمتكم، أنّي حرب لكم، كما أنّكم حرب لي، بريء منكم، كما أنّكم برآء منّي). اهـ
وقال تعالى: ]ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون * إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين[ [الأنبياء: 105 و106 و107].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص374): (قوله تعالى: ]إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين[ [الأنبياء:105]؛ أي: إنّ في هذا القرآن الّذي أنزلناه على عبدنا محمّد r، لبلاغا: لمنفعة، وكفاية، لقوم عابدين، وهم: الّذين عبدوا اللّه تعالى بما شرعه، وأحبّه ورضيه، وآثروا طاعة اللّه تعالى، على طاعة الشّيطان، وشهوات أنفسهم). اهـ
وقال تعالى: ]وما أرسلناك إلّا كافّة للنّاس بشيرا ونذيرا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون[ [سبأ: 28].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص374): (يقول تعالى: لعبده، ورسوله r: ]وما أرسلناك إلا كافّة للنّاس بشيرا ونذيرا[ [سبأ:28]؛ أي: إلّا إلى جميع الخلائق([304]) من المكلّفين، كقوله تعالى: ]قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعا[ [الأعراف: 158]؛ ]تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان: 1]). اهـ
وقال تعالى: ]إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذيرا[ [الفتح: 8].
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص669): (يقول تعالى: لنبيّه محمّد r: ]إنّا أرسلناك شاهدا[ [الفتح:8]؛ أي: على الخلق: ]ومبشّرا[؛ أي: للمؤمنين: ]ونذيرا[؛ أي: للكافرين). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص217): (أي: وأرسلناك إليهم؛ لتقيم عليهم الحجّة، ولينقطع: عذرهم، إذا جاءهم عذاب من اللّه تعالى، بكفرهم: فيحتجّوا بأنّهم: لم يأتهم: رسول، ولا نذير). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج6 ص668): (لما له في ذلك: من الحكمة البالغة، والحجّة القاطعة، والبراهين الدّامغة). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدّليل على الحكم بالكفر على المعيّن، وبالكفر العامّ، لمن وقع في المخالفات للأصول الكبرى، والمسائل العظمى، بالضّوابط الّتي ضبطها أئمّة الحديث في مسائل التّكفير، والّتي لا يعذر فيها؛ أيّ: أحد في تماديه بجهله في حياته، دون أن يتعلّم أحكام دينه، ما دام استندوا في تكفيره إلى برهان من الله تعالى، وبيان من رسوله r، وقد وجدت فيه شروط التّكفير، وانتفت موانعه وقامت الحجّة عليه في الدّين؛ ببلوغه القرآن، والرّسالة فقط، وإن لم يفهم: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام: 19]
اعلم رحمك الله أنّ مسألة «التّكفير» من القضايا الشّائكة الّتي كثر فيها الخوض، والجدل ما بين: «إفراط»، و«تفريط» من قبل: «الخوارج»، و«المرجئة»، وغيرهم.
* فإطلاق الحكم «بالكفر» خاصّة على المعيّن له تبعات، وآثار خطيرة إذا كان هذا الحكم بغير ضوابط شرعيّة.
قلت: فيجب ضبط مسألة: «التّكفير» بما يتّفق مع منهج: «أهل الحديث»، بما سلكوه بكتاب الله تعالى، ولسنّة رسوله r، وبآثار السّلف.
* فإذا كان المكفّر يستند في تكفيره: «بالتّكفير المعيّن»، أو «بالتّكفير العامّ»؛ إلى برهان من كتاب الله، وسنّة رسوله r، فالمكفّر بهذا مصيب بحكم الله تعالى، وبحكم رسوله r، وبحكم الصّحابة y، وبحكم السّلف الكرام، ومن تابعهم بإحسان في ذلك، وهو مأجور، ومطيع، وموافق للشّريعة المطهّرة. ([305])
قلت: وأهل الحديث؛ قديما وحديثا: هم الفرسان في هذا الميدان، فقد تكلّموا في: «المسائل التّكفيريّة»، تأليفا، وتصنيفا، وبحثا، واستدلالا، ومناقشة للملبّسين على المسلمين أمر دينهم من: «الخوارج»، و«المرجئة»، وغيرهم من المبتدعة. ([306])
قلت: والإفراط، والتّفريط الّذي حدث في الطّوائف الحزبيّة في مسألة: «التّكفير» والّتي كتبت في هذه المسألة، خلاف الدّين.
قلت: فإنّ من يتابع من كتب: مؤّخرا في: «مسألة العذر بالجهل»؛ يجد أنّ النّاس قد ذهبوا إلى مذهبين:
* فمنهم الجاحد الغالي: إلى حدّ أنّهم ينفون العذر بالجهل مطلقا، ممّا أدّى هذا الفريق من النّاس أن يصدروا أحكاما بالتّكفير، والخروج من دائرة الإسلام على أناس من المسلمين، يشملهم: العذر بالجهل.
* وهؤلاء سواء علموا، أو لم يعلموا فقد وقفوا تحت مظلّة: «الخوارج» الغلاة الأوائل، الّذين كفّروا النّاس بالكبائر، والظّنّ.
* ومنهم المفرط المتهاون: الّذي يقول بالعذر بالجهل مطلقا، من دون أن ينظر إلى حال الجاهل، وسبب جهله، والمسألة الّتي جهل فيها، فعذروا من لا يصحّ عذره، وأدخلوا من لا يصحّ إدخاله في دائرة الإسلام.
* وهؤلاء سواء علموا، أو لم يعلموا فقد وقفوا تحت مظلّة: «الإرجاء»، وفيهم شبة من: «المرجئة» الأوائل، الّذين نقلوا أن يكون العمل من الإيمان.
* فالمسألة هي: بين الغالي والجافي، وبين الإفراط والتّفريط.
لذا رأيت ضرورة، تبيان الحقّ، والصّواب في المسألة متحرّيا: الدّليل من الكتاب، والسّنّة، وفهم السّلف، وأئمة الحديث في كلّ ما أثبته، وأقرّوه لكي تكون هذه المسألة حجّة في موضوعها على كلّ مخالف، يرى ما نقول، نعيد كلاّ: من الغالي، والجافي، إلى الوسطيّة، الّتي يتمثّل فيها الحقّ.
قلت: وثمّة أمر ينبغي التّنويه له في هذه المقدّمة، وهو أنّ المراد من كلامنا عن العذر بالجهل، هو الجهل الّذي يؤدّي بصاحبه إلى الخروج من دائرة الإسلام، أو الوقوع في ناقض من نواقض التّوحيد.
* وليس الجهل في الفروع العمليّة الّتي لا يترتّب على الجهل فيها كفر، أو خروج من دائرة الإسلام.
* فهذا النّوع الأخير من الجهل لا يسلم منه؛ خاصّة المسلمين، فضلا عن عامّتهم.
عن عمرو بن العاص t قال: قال رسول الله r: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد).([307])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «رفع الملام عن الأئمّة الأعلام» (ص57): (فتبيّن أنّ المجتهد مع خطئه له أجر؛ وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له؛ لأنّ درك الصّواب في جميع أعيان الأحكام، إمّا متعذّر، أو متعسّر). اهـ
* فطائفة: اشترطت شروطا في: «تكفير المعيّن»، أو «التّكفير العامّ»؛ لم يشترطها علماء الحديث.
وهؤلاء عندهم لا يكفر إلّا الجاحد للقطعيّات فقط، وزعموا أنّ الورع ترك: «التّكفير المعيّن»، أو «التّكفير العامّ»، ولو مع تحقّق الشّروط من الكتاب، والسّنّة، والآثار.
* وطائفة: قصرت التّكفير على الجحود، والاستحلال، وأهملت بقيّة أنواع التّكفير الّتي ذكرها علماء الحديث في أبواب الرّدّة، فدخل على هؤلاء شبهة: «الإرجاء»، من حيث لا يشعرون.
* وطائفة: قد وقعت في الغلوّ، فسارعت إلى «التّكفير المعيّن»، أو «التّكفير العامّ»، دون اعتبار للضّوابط الّتي ضبط بها علماء الحديث مسألة: «التّكفير».
* فكان في هؤلاء شبه من: «الخوارج» في تسرّعهم في: «التّكفير» بغير ضوابط شرعيّة.
قلت: والحقّ أنّ أهل الحديث: وسط بين هذه الطّوائف، فلا يتوقّفون في «التّكفير المعيّن»، أو «التّكفير العامّ» متى استوفي: «شرائط التّكفير»، ولا يكفّرون متى وجدوا مانعا من: «موانع التّكفير» يمنع من: «التّكفير المعيّن»، أو «التّكفير العامّ»، على حسب الضّوابط. ([308])
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص335): (وأمّا إن كان المكفّر لأحد من هذه الأمّة يستند في تكفيره إلى نصّ، وبرهان من كتاب الله، وسنّة نبيّه r، وقد رأى كفرا بواحا؛ كالشّرك بالله، وعبادة ما سواه... فالمكفّر بهذا مصيب، مأجور، مطيع لله تعالى، ورسوله r... والتّكفير: بترك هذه الأصول من أعظم دعائم الدّين، وأمّا من أطلق لسانه لمجرّد عداوة، أو هوى، أو لمخالفة المذهب؛ فهذا من الخطأ البيّن). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص336): (والتّجاسر على: «التّكفير»، أو «التّفسيق»، و«التّضليل»، لا يسوغ إلّا لمن رأى كفرا بواحا؛ عنده فيه من الله برهان، وأمّا الّذين يكفّرون بما دون الشّرك من الذّنوب، كالسّرقة، والزّنا، وشرب الخمر، هؤلاء هم: «الخوارج»، وهم عند أهل السّنّة: ضلّال مبتدعة). اهـ
* وفي هاتين الطّائفتين: يقول العلّامة مفتي الدّيار النّجديّة: الشّيخ أبو بطين النّجديّ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص336): (وقد استزلّ الشّيطان أكثر النّاس في هذه المسألة؛ فقصر بطائفة: فحكموا بإسلام من دلّت نصوص الكتاب، والسّنّة، والإجماع على كفره، وتعدّى بآخرين، فكفّروا من حكّم الكتاب، والسّنة، والإجماع؛ بأنّه مسلم، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطّائفتين، ومحنته من تينك البليّتين). اهـ
قلت: وموانع التّكفير هي:
1) موانع الفاعل: وهي ما يعرض له بما يجعله غير مؤاخذ بأفعال، وأقوال شرعا.
* وهي ما تسمّى: «بعوارض الأهليّة»؛ مثل: الجهل، والخطأ، والتّأويل، والإكراه.
قلت: والعقل، والبلوغ، والاختيار من شروط صحّة الأهليّة؛ أي: أهلية الأداء، وتعني: صلاحية الفرد، لأنّ تعتبر أقواله، وأفعاله شرعا.
قلت: وعوارض الأهليّة؛ متعلّقة بأهليّة الأداء، وهي أمور تعرض للمكلّف؛ فتجعل أقواله، وأفعاله، غير معتبرة شرعا.
2) موانع في الفعل المكفّر: لكون الفعل غير صريح في الكفر، أو الدّليل الشّرعيّ غير ثابت عليه.
3) موانع في الثّبوت: تمنع من ثبوت الفعل: «المكفّر على المعيّن»؛ لكون أحد الشّهود ليس عدلا، غير مقبول الشّهادة، أو صغيرا لا يعتدّ بشهادة. ([309])
قال القاضي برهان الدّين ابن فرحون المالكيّ / في «تبصرة الحكّام» (ج2 ص277): (لا تقبل الشّهادة بالرّدّة المجملة، كقول الشّهود: «كفر فلان»، أو «ارتدّ»، بل لا بدّ من تفصيل ما سمعوه، ورأوه منه؛ لاختلاف النّاس في: «التّكفير»، فقد يعتقدون: «كفرا» ماليس: «بكفر»). اهـ
* وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيميّة /، في مواضع عديدة إلى أنّ: «تكفير المعيّن»؛ يتوقّف على: «ثبوت شروط»، و«انتفاء موانع»، ونحاول أن نجمع مواضع هذه القاعدة.
قلت: وليس بقولنا بهذه القاعدة أنّ ذلك على إطلاقه، كما فعلت: «المرجئة العصريّة»، فقعّدت هذه القاعدة في «مسألة العذر بالجهل» مطلقا، بدون ضوابط شرعيّة، فلم يكفّروا أحدا، إلاّ بالجحود، والاستحلال.
* فالمسلم يأخذ بهذه القاعدة: على حسب الشّرع، بأصول الوسطيّة، فلا نتركها أيضا مطلقا؛ كما فعلت: «الخوارج» في تكفير جميع النّاس، بدون ضوابط شرعيّة، فافهم لهذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج10 ص372): (فإنّ نصوص الوعيد الّتي في الكتاب، والسّنّة، ونصوص الأئمّة بالتّكفير والتّفسيق، ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حقّ المعيّن، إلّا إذا وجدت: «الشّروط»، و«انتفت الموانع»). اهـ
* وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / مقرّرا هذه القاعدة: (إنّ التّكفير العامّ؛ كالوعيد العامّ، يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأمّا المعيّن أنّه كافر، أو مشهود له بالنّار؛ فهذا يقف على الدّليل المعيّن، فإنّ الحكم يقف على: «ثبوت شروطه»، و«انتفاء موانعه»).([310])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج12 ص488)؛ في معرض حديثه، عن تنازع أهل العلم في تكفير أهل البدع مقرّرا هذه القاعدة: (ولم يتدبّروا أنّ التّكفير له: «شروط»، و«موانع»: قد تنتفي في: «حقّ المعيّن»، وأنّ: «التّكفير المطلق»، لا يستلزم: «تكفير المعيّن»؛ إلّا إذا وجدت: «الشّروط»، و«انتفت الموانع»، بيّن هذا الإمام أحمد /، وعامّة الأئمّة الّذين أطلقوا العمومات، ولم يكفّروا أكثر من تكلّم بهذا الكلام بعينه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج12 ص489)؛ مفسّرا تكفير الإمام أحمد /؛ لمعيّن من أهل البدع، ومقرّرا هذه القاعدة: (وقد نقل عن أحمد / ما يدلّ على أنّه كفّر به: «بخلق القرآن» قوما معيّنين، فأمّا أن يذكر عنه في المسألة روايتان؛ ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التّفصيل؛ فيقال: من كفّر بعينه، فليقام الدّليل على أنّه وجدت فيه: «شروط التّكفير»، و«انتفت موانعه»، ومن لم يكفّره بعينه فلانتفاء ذلك في حقّه، هذا مع إطلاق قوله بالتّكفير على سبيل العموم).اهـ
قلت: وشروط التّكفير هي:
1) شروط في الفاعل: أن يكون عاقلا بالغا، متعمّدا لفعل الكفر، مختارا له.
2) شروط في الفعل، أو القول المكفّر: أن يكون فعله، أو قوله ثبت بالأدلّة الشّرعيّة؛ أنّه: «كفر أكبر»، أو: «شرك أكبر»، وأن يكون هذا الفعل المكفّر ممّا ذكر علماء الحديث: أنّه فعل، أو قول مكفّر مخرج من الملّة.
قلت: وكذلك يكون الفعل، أو القول صريح الدّلالة على: «الكفر»؛ أي: مشتمل بلفظ واضح: «مكفّر»؛ بخلاف المحتملات من الألفاظ.
* ومثال: الألفاظ المكفّرة بصريح العبارة؛ ألفاظ: «الشّرك الأكبر»؛ كقول: «الصّوفيّة»: «يا سيّدي فلان عافني، وارزقني، ونحو ذلك.
* وكذلك: من الأفعال المكفّرة صراحة: إلقاء المصحف تعمّدا في القاذورات مع علمه بأنّه كتاب الله تعالى، لأنّه لا يحتمل إلّا الاستخفاف بكلام الله تعالى. ([311])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج10 ص372): (فإنّ نصوص الوعيد الّتي في الكتاب، والسّنّة، ونصوص الأئمّة بالتّكفير والتّفسيق، ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حقّ المعيّن، إلّا إذا وجدت: «الشّروط»، و«انتفت الموانع»). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة /: (إنّ التّكفير العامّ؛ كالوعيد العامّ يجب القول بإطلاقه وعمومه.
وأمّا المعيّن أنّه كافر؛ أو مشهود له بالنّار؛ فهذا يقف على الدّليل المعيّن، فإنّ الحكم يقف على ثبوت: «شروطه»، و«انتفاء موانعه») ([312]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج12 ص488): (ولم يتدبّروا أنّ التّكفير له: «شروط»، و«موانع»، قد تنتفي في: «حقّ المعيّن»، وأنّ: التّكفير المطلق لا يستلزم: «تكفير المعيّن»؛ إلّا إذا وجدت: «الشّروط»، و«انتفت الموانع»، بيّن هذا الإمام أحمد /، وعامّة الأئمّة الّذين أطلقوا العمومات، ولم يكفّروا أكثر من تكلّم بهذا الكلام بعينه). اهـ
قلت: وقد كفّر الإمام أحمد /، وعامّة الأئمّة: «أهل البدع»؛ بمثل: قولهم: «بخلق القرآن»، وغير ذلك بعينهم.
* وقد فصّلوا القول في آخرين، فقد كفّر الإمام أحمد، وعامّة الأئمّة: «بعينهم»؛ لأنّه قام الدّليل على أنّهم وجدت فيهم شروط التّكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفّرهم: «بعينهم»؛ فلانتفاء ذلك منهم، وهذا مع إطلاق قولهم بالتّكفير على سبيل العموم. ([313])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج12 ص489)؛ مفسّرا: تكفير الإمام أحمد /، لمعيّن من أهل البدع، ومقرّرا هذه القاعدة: (وقد نقل عن أحمد /: ما يدلّ على أنّه كفّر به: «بخلق القرآن» قوما معيّنين.
* فأمّا أن يذكر عنه في المسألة: روايتان؛ ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التّفصيل؛ فيقال: من كفّر بعينه، فليقام الدّليل على أنّه وجدت فيه: «شروط التّكفير»، و«انتفت موانعه»، ومن لم يكفّره بعينه فلانتفاء ذلك في حقّه، هذا مع إطلاق قوله بالتّكفير على سبيل العموم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن محمّد / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص244): (وأمّا الجهميّة: فالمشهور من مذهب: أحمد /، وعامّة أئمّة: أهل السّنّة، من الكتاب، والسّنّة، وحقيقة قولهم: جحود الصّانع، وجحود ما أخبر به عن نفسه، وعلى لسان رسوله r، بل وجميع الرّسل عليهم السّلام). اهـ
* وكذلك: من شروط تكفير المعيّن، ثبوت الكفر، أو الرّدّة: عليه ثبوتا شرعيّا؛ بطريق صحيح، لأنّ المكلّف لا يؤاخذ بشيء من أقواله، أو أفعاله في أحكام الدّنيا؛ إلّا بطرق تثبتها الشّريعة؛ مثل: «الإقرار»، أو «شهادة الشّهود».
* وأمّا الرّدّة: وهي الإتيان بقول مكفّر، أو فعل مكفّر؛ فتثبت بأحد أمرين:
* «بالإقرار»، أو «بشهادة، رجلين، مسلمين، عدلين»، وهذا مذهب جماهير العلماء. ([314])
قلت: ولا بدّ في أداء الشّهادة: «بالرّدّة» من التّفصيل، ولا يقبل الإجمال لاحتمال أن يكون ما وقع ليس كفرا، ولا ردّة. ([315])
قال الإمام ابن فرحون المالكيّ / في «تبصرة الحكّام» (ج2 ص277): (لا تقبل الشّهادة: «بالرّدّة» المجملة، كقول الشّهود: «كفر فلان»، أو «ارتدّ»، بل لا بدّ من تفصيل ما سمعوه، ورأوه منه؛ لاختلاف النّاس في التّكفير، فقد يعتقدون كفرا ماليس بكفر). اهـ
* وقد عرّف الفقهاء المرتدّ: فقالوا: (المرتدّ: من أشرك بالله تعالى، أو كان مبغضا للرّسول r، ولما جاء به، أو تعبّد الله تعالى بالبدع، أو ترك إنكار المنكرات بقلبه، حتّى ألفها، ودافع عنها، خاصّة الشّرك، أو استهزء بالدّين، أو بالسّنّة، أو توهّم أنّ أحدا من الصّحابة، أو التّابعين، لهم: قاتل مع الكفّار، أو أجاز ذلك، أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيّا، أو جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط يتوكّل عليها، ويدعوهم، ويسألهم، أو ألحد في صفات الله تعالى، ومن شكّ في صفة من صفات الله تعالى، ومثله لا يجهلها: فمرتدّ. ([316])
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل الملائكة، والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكّل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضارّ؛ مثل: أن يسألهم غفران الذّنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسدّ الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن محمّد / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص248): (فإنّ نفي الصّفات كفر، والتّكذيب بأنّ الله لا يرى في الآخرة كفر، وإنكار أن يكون الله على العرش كفر، وإنكار القدر كفر، وبعض هذه البدع أشدّ من بعض).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن محمّد / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص247): (والإجماع منعقد: على أنّ من بلغته دعوة الرّسول r، فلم يؤمن بها، فهو كافر، ولا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلّة الرّسالة، وأعلام النّبوة).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبا بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص392): (ومن المعلوم: أنّ أهل البدع الّذين كفّرهم السّلف، والعلماء بعدهم: أهل علم، وعبادة، وفهم، وزهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه؛ إلّا الجهل).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص20): (واعلم: أنّ المشركين في زماننا، قد زادوا على الكفّار في زمن النّبيّ r، بأنّهم يدعون الأولياء والصّالحين، في الرّخاء والشّدّة، ويطلبون منهم: تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، مع كونهم يدعون الملائكة والصّالحين، ويريدون شفاعتهم، والتّقرب بهم، وإلّا فهم مقرّون بأنّ الأمر لله تعالى، فهم لا يدعونهم؛ إلّا في الرّخاء، فإذا جاءتهم الشّدائد أخلصوا لله تعالى، قال الله تعالى: ]وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم[ [الإسراء:67]).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبا بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص401): (نقول في تكفير المعيّن: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء: تدلّ على كفر من أشرك بالله تعالى؛ فعبد معه غيره.
* ولم تفرّق الأدلّة بين المعيّن، وغيره، قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به[ [النّساء: 48]؛ وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التّوبة:5]؛ وهذا عامّ في كلّ واحد من المشركين).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد اللّطيف آل الشّيخ / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص441): (الدّعاء عبادة، فمن صرف شيئا من هذه العبادة لغير الله تعالى، سواء كان ملكا، أو نبيّا، أو وليّا، أو جنّيّا، أو إنسيّا، أو حجرا، أو شجرا: فهو مشرك كافر).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص63)؛ وهو يردّ على أحمد بن عبد الكريم الصّوفيّ: (من أنّ من عبد الأوثان عبادة، أكبر من عبادة: «اللّات»، و«العزّى»، وبسبّ دين الرّسول r بعدما شهد به، مثل: سبّ: «أبي جهل»، أنّه لا يكفر بعينه. ([317])
* بل العبارة صريحة واضحة: في تكفيره؛ مثل: «ابن فيروز»، و«صالح بن عبد الله»، وأمثالهما، كفرا ظاهرا ينقل عن الملّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص63)؛ وهو يردّ على أحمد بن عبد الكريم الصّوفيّ: (ولم يبق عليك إلّا رتبة واحدة، وهي: أنّك تصرّح مثل: «ابن رفيع»، تصريحا بمسبّة دين الأنبياء، وترجع إلى عبادة: «العيدروس»، و«أبي حديدة»، وأمثالهما؛ ولكنّ الأمر بيد مقلّب القلوب). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص68): (واذكر إجماع الصّحابة y: على قتل أهل مسجد الكوفة، وكفرهم وردّتهم، لمّا قالوا كلمة في تقرير نبوّة مسيلمة). اهـ
* سئل العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في أمور التّوحيد؟، وهل ينطبق هذا على من يدعون، وينذرون للأولياء، ويعتبرون معذورين بجهلهم؟.
فأجاب فضيلته: (لا يعذر بذلك من أقام في بلد التّوحيد، لا يعذر فيه بالجهل، وما دام بين المسلمين، ليس في فترة من الزّمان، ولا في محلّ بعيد عن أهل الإسلام، بل بين المسلمين، لا يعذر في التّوحيد، بل متى وقع الشّرك منه أخذ به، كما يقع الآن في مصر، والشّام، ونحو ذلك، في بعض البلدان عند قبر البدويّ وغيره.
* فالواجب على علماء الإسلام أن ينبّهوا النّاس، وأن يحذّروهم من هذا الشّرك، وأن يعظوهم، ويذكّروهم في المساجد وغيرها، وعلى الإنسان أن يطلب العلم، ويسأل، ولا يرضى بأن يكون إمّعة لغيره، بل يسأل، والله يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43].
فلا يجوز للإنسان أن يبقى على الكفر والشّرك!؛ لأنّه رأى النّاس على ذلك، ولا يسأل، ولا يتبصّر، وقد ثبت عن النّبيّ r، أنّه قال لمن سأله عن أبيه: «إنّ أباك في النّار، فلما رأى تغيّر وجهه قال r: إنّ أبي وأباك في النّار»([318])، وأبوه r مات في الجاهليّة، رواه مسلم في الصّحيح؛ لأنّهم كانوا على شريعة تلقّوها عن خليل الله إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، وهي التّوحيد، وأمّه عليه الصّلاة والسّلام ماتت في الجاهليّة، واستأذن ربّه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له، واستأذن أن يزورها فأذن له، فدلّ ذلك على: أنّ من مات على كفر لا يستغفر له، ولا يدعى له، وإن كان في الجاهليّة، فكيف إذا كان بين المسلمين، وبين أهل التّوحيد، وبين من يقرأ القرآن، ويسمع أحاديث الرّسول r، هو أولى بأن يقال في حقّه: إنّه كافر، وله حكم الكفّار، وكثير منهم لو سمع من يدعوه إلى توحيد الله، وينذره من الشّرك؛ لأنف واستكبر وخاصم، أو ضارب على دينه الباطل، وعلى تقليده: لأسلافه وآبائه، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
* فالواجب على كلّ إنسان مكلّف، أن يسأل، ويتحرّى الحقّ، ويتفقّه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامّة، والتّأسّي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة، وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عمّا أشكل عليه، من أمر التّوحيد وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43]) ([319]).اهـ
* فالواجب على الرّجال والنّساء من المسلمين التّفقّه في الدّين، والتّبصّر، والسّؤال عمّا أشكل عليهم، وعدم السّكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنّهم خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه وتعالى، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بدّ من طلب العلم، ولا بدّ من السّؤال لأهل العلم حتّى يتعلّم الجاهل. ([320])
* وسئل العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز /؛ هل يوجد عذر بالجهل في توحيد الرّبوبيّة، وتوحيد الألوهيّة؛ أم: لا؟ وهل العذر بالجهل مسألة قياسيّة تختلف حسب الزّمان والمكان؟.
فأجاب فضيلته: (ليس في العقيدة عذر في توحيد الرّبوبيّة، والألوهيّة، والأسماء والصّفات، ليس فيها عذر، بل يجب على المؤمن أن يعتقد العقيدة الصّحيحة، وأن يوحّد الله جلّ وعلا، ويؤمن بأنّه ربّ العالمين، وأنّه الخلّاق العليم، وأنّه المنفرد بالرّبوبيّة، ليس هناك خالق سواه، وأنّه مستحقّ للعبادة وحده دون كلّ ما سواه، وأنّه ذو الأسماء الحسنى، والصّفات العلا، لا شبيه له، ولا كفء له، الّذي يؤمن بهذا ليس له عذر في التّساهل في هذا الأمر، إلّا إذا كان بعيدا عن المسلمين في أرض لا يبلغه فيها الوحي، فإنّه معذور في هذه الحالة، وأمره إلى الله، يكون حكمه حكم أهل الفترات، أمره إلى الله يوم القيامة يمتحن، فإن أجاب جوابا صحيحا دخل الجنّة، وإن أجاب جوابا فاسدا دخل النّار، فالمقصود أنّ هذا يختلف فإذا كان في محلّ بعيد لا يسمع القرآن والسّنّة؛ فهذا حكمه حكم أهل الفترة([321])، حكمهم عند أهل العلم أنّهم يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب دخل الجنّة، ومن عصى دخل النّار، وأمّا كونه بين المسلمين يسمع القرآن والسّنّة، ثمّ يبقى على الشّرك، وعلى إنكار الصّفات فهو غير معذور، نسأل الله العافية، وليس العذر بالجهل مسألة قياسيّة تختلف من زمان إلى زمان، ومكان إلى آخر؛ لأنّ الجهل ليس بعذر بالنّسبة للعقيدة، إلّا إذا كان في محلّ لم تبلغه الدّعوة: للقرآن ولا للسّنّة، أمّا في الأحكام فهو عذر: يعني جهل بالحكم الشّرعيّ في بعض الأحكام الّتي تخفى، أو في دقائق الصّفات، وبعض الصّفات الّتي قد تخفى فهذا عذر، أمّا في الأمور الواضحة، الأمور الّتي تعدّ بالضّرورة كالإيمان بتوحيد الله، وأنّه الخلّاق العليم، وأنّه مستحق للعبادة، وأنّه الكامل في أسمائه وصفاته، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم، والسّنّة المطهّرة من أسماء الله وصفاته، هذا ليس محلّ عذر إذا كان ممّن بلغه القرآن والسّنّة، نسأل الله السّلامة) ([322]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص219): (وأنّ الإيمان بالله تعالى، ورسوله r لا بدّ فيه من الانقياد، والاعتقاد، والعمل باطنا وظاهرا). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص232) في التّكفير المعيّن: (وهو من عرف: ثمّ تبيّن في السّبّ، والعداوة، وتفضيل أهل الشّرك). اهـ
وقال تعالى: ]وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا [ [الفرقان:21].
قلت: فوصفهم بالكبر، والعتوّ الكبير. ([323])
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص235): (فوصفهم بالكبر والعتوّ الكبير؛ لمّا اقترحوا هذه الاقتراحات، ولم يسلّموا لما جاء به من الوحي والآيات، وهكذا كلّ مستكبر وعات([324])، عمّا جاءت به الرّسل، وما قرّره أهل العلم، يردّه ولا يقبله قدحا فيهم وزعما منه أنّهم يدعون إلى أنفسهم، وأنّه لا يصلح أن يكون تابعا، فما أقرب المشابهة بين هؤلاء الضّلاّل، وإخوانهم الأوّلين، أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: (والصّحابة y كفّروا من منع الزّكاة، وقاتلوهم مع إقرارهم بالشّهادتين، والإتيان: بالصّلاة، والصّوم، والحجّ) ([325]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص233): (وما المانع من تكفير من فعل([326]): ما فعلت اليهود من تكفيرهم بالصّدّ عن سبيل الله، والكفر به، مع معرفته؟). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /؛ في معرض حديثه عمّن فهم كلام شيخ الإسلام؛ خاطئا في مسألة قيام الحجّة: (فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجّة، ولكنّ أصل الإشكال، أنّكم لم تفرّقوا بين قيام الحجّة، وبين فهم الحجّة، فإنّ أكثر الكفّار، والمنافقين لم يفهموا حجّة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44]) ([327]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبا بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص404): (كلّ من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شكّ، بدلالة الكتاب والسّنّة والإجماع، ونحن نعلم: أنّ من فعل ذلك ممّن ينتسب إلى الإسلام، أنّه لم يوقعهم في ذلك إلّا الجهل، فلو علموا: أنّ ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنّه من الشّرك الّذي حرّمه الله، لم يقدموا عليه، فكفّرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضّالّين: إنّ هؤلاء معذورون لأنّهم جهّال.
* وهذا قول على الله بغير علم، معارض؛ بمثل قوله تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه[ [الأعراف:30]، ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا * الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
* وكذلك الخوارج، ورد فيهم الذّمّ العظيم، مع أنّهم ما ارتكبوا ما ارتكبوا إلّا عن جهل، ولم يعذروا بذلك؛ وهذا جواب لمن يعترف بأنّ ما يفعلون شرك.
* وأمّا كثير من النّاس، فيقولون: ما يقوله هؤلاء الضّالّون عند المشاهد، ليس بشرك، بل يقول إنّه جائز، أو إنّه مستحبّ، كما يزعمه بعض أئمّة الضّالّين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبا بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص491): (فمن جعل شيئا من العبادة لغير الله، فهذا هو الشّرك الأكبر، الّذي لا يغفره الله، قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء: 48]؛ فمن زعم: أنّ الله يغفره، فقد ردّ خبر الله سبحانه.
* وحدّ العبادة وحقيقتها: طاعة الله؛ فكلّ قول، وعمل ظاهر وباطن، يحبّه الله: فهو عبادة، فكلّ ما أمر به شرعا، أمر إيجاب، أو استحباب، فهو عبادة، فهذا حقيقة العبادة عند جميع العلماء، الّتي من جعل منها شيئا لغير الله، فهو كافر مشرك.
وممّا يبيّن: أنّ الجهل ليس بعذر في الجملة، قوله r في الخوارج ما قال، مع عبادتهم العظيمة؛ ومن المعلوم: أنّه لم يوقعهم ما وقعوا فيه إلّا الجهل، وهل صار الجهل عذرا لهم؟، يوضّح ما ذكرنا: أنّ العلماء من كلّ مذهب يذكرون في كتب الفقه: باب حكم «المرتدّ»، وهو المسلم الّذي يكفر بعد إسلامه.
* وأوّل شيء يبدؤون به، من أنواع الكفر: الشّرك، يقولون: من أشرك بالله كفر، لأنّ الشّرك عندهم أعظم أنواع الكفر، ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله، كما قالوا فيما دونه، وقد قال النّبيّ r لمّا سئل: أيّ الذّنب أعظم إثما عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك»، فلو كان الجاهل أو المقلّد، غير محكوم بردّته إذا فعل الشّرك، لم يغفلوه، وهذا ظاهر.
وقد وصف الله سبحانه، أهل النّار بالجهل، كقوله تعالى: ]وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير[ [الملك:10]، وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ والأنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون[ [الأعراف:179]، وقال تعالى: ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا[ [الكهف:103-104].
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون[ [الأعراف:30]؛ قال ابن جرير عند تفسير هذه الآية: «وهذا يدلّ على أنّ الجاهل غير معذور».اهـ، ومن المعلوم: أنّ أهل البدع الّذين كفّرهم السّلف والعلماء بعدهم، أهل علم، وعبادة، وفهم، وزهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلّا الجهل.
* والّذين حرّقهم عليّ بن أبي طالب بالنّار، هل آفتهم إلّا الجهل؟ ولو قال إنسان: أنا أشكّ في البعث بعد الموت، لم يتوقّف من له أدنى معرفة في كفره، والشّاكّ جاهل، قال تعالى: ]وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقّ والسّاعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما السّاعة إن نظنّ إلّا ظنّا وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية:30]؛ وقد قال الله تعالى عن النّصارى: ]اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه والمسيح ابن مريم[ [التّوبة:31]؛ قال عديّ بن حاتم للنّبيّ r: «ما عبدناهم، قال: أليس يحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟ ويحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه؟ قال: بلى; قال: فتلك عبادتهم»، فذمّهم الله سبحانه، وسمّاهم مشركين، مع كونهم لم يعلموا أنّ فعلهم معهم هذا عبادة لهم، فلم يعذروا بالجهل.
* ولو قال إنسان عن الرّافضة في هذا الزّمان: إنّهم معذورون في سبّهم الشّيخين، وعائشة، لأنّهم جهّال مقلّدون، لأنكر عليهم الخاصّ والعامّ، وما تقدّم من حكاية شيخ الإسلام /، إجماع المسلمين على: أنّ من جعل بينه، وبين الله وسائط، يتوكّل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضارّ، أنّه كافر مشرك، يتناول الجاهل وغيره.
لأنّه من المعلوم: أنّه إذا كان إنسان يقرّ برسالة محمّد r، ويؤمن بالقرآن، ويسمع ما ذكر الله سبحانه في كتابه، من تعظيم أمر الشّرك، بأنّه لا يغفره، وأنّ صاحبه مخلّد في النّار، ثمّ يقدم عليه وهو يعرف أنّه شرك، هذا ممّا لا يفعله عاقل، وإنّما يقع فيه من جهل أنّه شرك؛ وقد قدّمنا كلام ابن عقيل، في جزمه بكفر الّذين وصفهم بالجهل فيما ارتكبوه من الغلوّ في القبور، نقله عنه ابن القيّم مستحسنا له.
* والقرآن يردّ على من قال: إنّ المقلّد في الشّرك معذور؛ فقد افترى، وكذّب على الله، وقد قال الله تعالى عن المقلّدين من أهل النّار: ]إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال سبحانه حاكيا عن الكفّار، قولهم: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون[ [الزّخرف:22].
وفي الآية الأخرى: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون[ [الزّخرف:23]، واستدلّ العلماء بهذه الآية ونحوها، على أنّه لا يجوز التّقليد في التّوحيد، والرّسالة، وأصول الدّين، وأنّ فرضا على كلّ مكلّف: أن يعرف التّوحيد بدليله، وكذلك الرّسالة، وسائر أصول الدّين، لأنّ أدلّة هذه الأصول ظاهرة، ولله الحمد، لا يختصّ بمعرفتها العلماء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص88) عن الشّرك: (فمن جعل لله تعالى ندّا من خلقه فيما يستحقّه عزّ وجلّ من الإلهيّة، والرّبوبيّة فقد كفر إجماعا). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ السّعديّ / في «القول السّديد» (ص24): (فأمّا الشّرك الأكبر: فهو أن يجعل لله تعالى ندّا يدعوه كما يدعو الله تعالى، أو يخافه، أو يرجوه، أو يحبّه كحبّ الله تعالى، أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة). اهـ
قلت: فهذا حقيقة الشّرك.
وقال العلّامة الشّيخ السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ص289): (حقيقة الشّرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله تعالى، أو يعظّم؛ كما يعظّم الله تعالى، أو يصرف له نوع من خصائص الرّبوبيّة، والإلهيّة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الاستغاثة» (ج1 ص290): (أعظم ما نهي عنه: الشّرك). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «اجتماع الجيوش الإسلاميّة» (ص152): (فصل: فيما أجمعت عليه الأمّة من أمور الدّيانة: ... ولا يحبط الإيمان غير الشّرك بالله تعالى، كما قال تعالى: ]لئن أشركت ليحبطنّ عملك[ [الزّمر:65]). اهـ
وقال العلّامة عليّ بن سلطان في «أدلّة معتقد أبي حنيفة» (ص93): (فالمشرك مستحقّ للعذاب في النّار؛ لمخالفته دعوى الرّسل عليهم السّلام، وهو مخلّد فيها دائما). اهـ
وقال تعالى: ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ [الفرقان:23].
وقال تعالى: ]ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين[ [الزّمر:65].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الاستغاثة» (ج2 ص463): (والأنبياء معصومون من الشّرك، ولكنّ المقصود: بيان أنّ الشّرك، لو صدر من أفضل الخلق لأحبط عمله؛ فكيف بغيره). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «هداية الحيارى» (ص463): (وأمّا المشركون، والكفّار؛ فإنّ شركهم، وكفرهم محبط لحسناتهم، ولا يلقون ربّهم بحسنة يرجون بها النّجاة). اهـ
وقال الحافظ النّوويّ / في «شرح صحيح مسلم» (ج9 ص165): (أجمع العلماء: على أنّ الكافر الّذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة، ولا يجازى فيها بشيء من عمله في الدّنيا متقرّبا إلى الله تعالى). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص93): (وقيام الحجّة نوع، وبلوغها نوع، وقد قامت عليهم -يعني: على الكفّار-، وكفّرهم ببلوغها إيّاهم، وإن لم يفهموها، وإن أشكل عليكم ذلك؛ فانظروا: قوله r في الخوارج: «أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([328])، وقوله r: «شرّ قتلى تحت أديم السّماء»([329])، مع كونهم في عصر الصّحابة y.
* ويحقر الإنسان عمل الصّحابة y معهم، وقد بلغتهم الحجّة، ولم يفهموها.
* وكذلك إجماع السّلف على تكفير غلاة القدريّة، وغيرهم، مع علمهم، وشدّة عبادتهم، وكونهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، ولم يتوقّف أحد من السّلف في تكفيرهم؛ لأجل كونهم لم يفهموا، فإذا علمتم ذلك؛ فإنّ هذا الّذي أنتم فيه كفر).اهـ
قلت: وهذا يدلّ على عدم اشتراط فهم الحجّة للتّكفير، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، وخلا عمّا يعذر به، فهو كافر، كما كان الكفّار تقوم عليهم الحجّة بالقرآن. ([330])
قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25].
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص240): (كلّ من بلغه القرآن، ودعوة الرّسول r، فقد قامت عليه الحجّة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقد أجمع العلماء: أنّ من بلغته دعوة الرّسول r أنّ حجّة الله تعالى قائمة عليه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص241): (وكلّ من بلغه القرآن فليس بمعذور، فإنّ الأصول الكبار الّتي هي أصل دين الإسلام قد بيّنها الله تعالى في كتابه، وأوضحها، وأقام بها حجّته على عباده.
* وليس المراد بقيام الحجّة أن يفهمها الإنسان فهما جليّا، كما يفهمها من هداه الله تعالى، ووفّقه، وانقاد لأمره.
* فإنّ الكفّار قد قامت عليهم الحجّة من الله تعالى مع إخباره، بأنّه جعل على قلوبهم أكنّة أن يفقهوا كلامه، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛... يخبر سبحانه أنّهم لم يفهموا القرآن، ولم يفقهوه، وأنّه عاقبهم بالأكنّة، والوقر في آذانهم، وأنّه ختم على قلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم.
* فلم يعذرهم مع هذا كلّه، بل حكم بكفرهم، وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله r، وحكم بكفرهم، فهذا يبيّن لك أنّ بلوغ الحجّة نوع، وفهمها نوع آخر) ([331]). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أنّ الحجّة تقوم في: «المسائل الظّاهرة» ببلوغ القرآن، وأنّه لا يشترط فهمها.
قال تعالى: ]ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7].
قلت: فينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة.
* فإنّ من بلغته دعوة الرّسل، فقد قامت عليه الحجّة، إذا كان على وجه يمكن معه العلم في الجملة ([332])، ولا يشترط في قيام الحجّة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد لما جاء به الرّسول r، فافهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجّة. ([333])
قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44].
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص245): (ولا عذر لمن كان حاله هكذا؛ لكونه لم يفهم حجج الله تعالى وبيّناته؛ لأنّه لا عذر له بعد بلوغها، وإن لم يفهمها
* قد أخبر الله تعالى عن الكفّار، أنّهم لم يفهموا، قال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فبيّن سبحانه أنّهم لم يفقهوا، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا.
* بل صرّح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفّار). اهـ
قلت: فبيّن /: بتكفير المعيّن، وإن لم يفهم الحجّة.
* فلا يشترط في قيام الحجّة الفهم؛ بل تقوم الحجّة بمجرّد بلوغها.
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبو بطين / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص311): (ممّن بلغته رسالة محمّد r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجّة، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل). اهـ
قلت: ففهم الحجّة شيء، وبلوغها شيء آخر.
* فلو كان هذا الحكم: موقوفا؛ على فهم الحجّة لم نكفّر؛ إلّا من علمنا أنّه معاند خاصّة، وهذا بيّن البطلان. ([334])
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن النّجديّ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص124): (والمقصود: أنّ الحجّة قامت بالرّسول r، والقرآن، فكلّ من سمع بالرّسول r، وبلغه القرآن، فقد قامت عليه الحجّة). اهـ
قلت: وفي صفة قيام الحجّة، وأنّها تكون بالبلوغ فقط.
* قالت اللّجنة الدّائمة للإفتاء: (ومن عاش في بلاد يسمع فيها الدّعوة بالإسلام، وغيره ثمّ لا يؤمن، ولا يطلب الحقّ من أهله: فهو في حكم من بلغته الدّعوة الإسلاميّة وأصرّ على الكفر.
* أمّا من عاش في بلاد غير إسلاميّة، ولم يسمع عن النّبيّ r، ولا عن القرآن ([335])، فهذا على تقدير وجوده: حكمه حكم أهل الفترة([336])) ([337]). اهـ
وقالت اللّجنة الدّائمة للإفتاء: (من بلغته الدّعوة في هذا الزّمان، فقد قامت عليه الحجّة، ومن لم تبلغه الدّعوة، فإنّ الحجّة لم تقم عليه كسائر الأزمان، وواجب العلماء البلاغ، والبيان، على حسب الطّاقة) ([338]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج2 ص282 و284): (أمّا من بلغه القرآن، أو بعثة الرّسول r، فلم يستجب فقد قامت عليه الحجّة، كما قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19]؛ وقال تعالى: ]ولينذروا به[ [إبراهيم: 52].
* فمن بلغه القرآن، وبلغه الإسلام ثمّ لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صحّ عن النّبيّ r أنّه قال: «والّذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة يهوديّ، ولا نصرانيّ، ثمّ يموت ولم يؤمن بالّذي أرسلت به، إلّا كان من أهل النّار»([339]). أخرجه مسلم في «صحيحه»، فجعل سماعه ببعثة الرّسول r حجّة عليه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ / في «شرح كشف الشّبهات» (ص101): (ولا فرق بين من يكون كفره عنادا، أو جهلا.
الكفر: منه عناد، ومنه جهل، وليس من شرط قيام الحجّة على الكافر أن يفهمها، بل من أقيمت عليه الحجّة مثل ما يفهمها مثله، فهو كافر، سواء فهمها، أم لم يفهمها، ولو كان فهمها شرطا لما كان الكفر؛ إلّا قسما واحدا، وهو الجحود، بل الكفر أنواع منه الجهل، وغيره). اهـ
قلت: فبيّن / عدم اشتراط فهم الحجّة، وأنّه يكفي بلوغ الحجّة، فهمها، أم لم يفهمها.
قلت: واشتراط قيام الحجّة للتّكفير المعيّن، أو للتّكفير العامّ؛ ببلوغ حجّة القرآن عليه، ووصوله إليه.
* فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجّة، وقامت الحجّة عليه، ووصلت إليه حجّيّة الرّسالة.
فلا يعذر؛ أيّ: جاهل بجهله على وجه الأرض([340])، لأنّ جميع الخلق، وصل لهم الإسلام عن طريق طباعة القرآن الكريم، وطباعة السّنّة النّبويّة، والأجهزة الحديثة بواسطة الإعلام، والإذاعات، والتّلفاز، والهاتف، والأخبار، والأنباء، وغير ذلك.
قلت: وقيام الحجّة لا يشترط فيه فهم الحجّة، بل تقوم بمجرّد بلوغ الدّليل من الكتاب والسّنّة.
* وقد ذكر أهل العلم في معرض حديثهم عن قيام الحجّة؛ أنّه ليس من شروط قيام الحجّة فهمها.
فقد تقوم الحجّة على قوم دون فهمهم لوجه الصّواب منها.
* وإلّا لو اشترطنا فهم الحجّة للزم من ذلك أن لا يكفّر إلّا المعاند، وهو باطل قطعا.
فمن سمع الحجّة وهو عاقل، فقد قامت عليه الحجّة.
قال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن» (ص13): (هذه ثلاثة مواضع يذكر فيها أنّ الحجّة قامت بالقرآن على كلّ من بلغه، وسمعه ولو لم يفهمه.
وهذا لله الحمد يؤمن به كلّ مسلم سمع القرآن). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص434): (فإنّ الّذي لم تقم عليه الحجّة، هو الّذي حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في: «مسائل خفيّة»، مثل: مسألة: الصّرف، والعطف، فلا يكفر حتّى يعرّف.
* وأمّا أصول الدّين: الّتي وضّحها الله تعالى، وأحكمها في كتابه، فإنّ حجّة الله تعالى هي القرآن، فمن بلغه: فقد بلغته الحجّة.
ولكنّ أصل الإشكال: أنّكم لم تفرّقوا بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة.
* فإنّ الكفّار، والمنافقين: لم يفهموا حجّة الله تعالى مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44]، وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام:25]؛ فقيام الحجّة، وبلوغها نوع، وفهمها نوع آخر؛ وكفّرهم الله تعالى ببلوغها إيّاهم، مع كونهم لم يفهموها). اهـ
قلت: والصّرف: صرف الرّجل عمّا يهواه؛ كصرفه: مثلا؛ عن محبّة زوجته، إلى بغضها.
والعطف: عمل، سحريّ؛ كالصّرف: ولكنّه يعطف الرّجل عمّا لا يهواه، إلى محبّته، بطرق شيطانيّة. ([341])
قال تعالى: ]فيتعلّمون منهما ما يفرّقون به بين المرء وزوجه[ [البقرة:102].
قلت: فالشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: يفرّق بين: «المسائل الظّاهرة»، وبين: «المسائل الخفيّة»، في مسائل تكفير المعيّن.
* فمن وقع في: «الشّرك الأكبر»، أو «الكفر الأكبر»، في: «المسائل الظّاهرة» أمكن تكفيره، إذا بلغته الحجّة بالقرآن. ([342])
* ومن وقع في: «مسألة»، من «المسائل الخفيّة»، لا يمكن تكفيره على التّعيّين؛ إلّا بعد التّعريف، وإقامة الأدلّة على ذلك. ([343])
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن» (ص13): (والمقصود: أنّ الحجّة قامت بالرّسول r، والقرآن الكريم؛ فكلّ من سمع بالرّسول r، وبلغه القرآن: فقد قامت عليه الحجّة.
* وهذا ظاهر في كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة /؛ عند قوله: فمن المعلوم أنّ قيامها ليس أن يفهم كلام الله تعالى، ورسوله r؛ مثل: أبي بكر الصّدّيق t، بل إذا بلغه كلام الله تعالى، ورسوله r، وخلى عن شيء يعذر به([344]): فهو كافر، كما كان الكفّار كلّهم تقوم عليهم الحجّة بالقرآن مع قوله تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا [ [الأنعام: 25]؛ فتأمّل كلامه، واحضر فكرك، واسأل الله الهداية). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم /: (إنّ الله سبحانه قد أقام الحجّة على خلقه بكتابه، ورسوله r، قال تعالى: ]تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ [الفرقان:1]، وقال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فكلّ من بلغه القرآن، فقد أنذر به، وقامت عليه الحجّة) ([345]). اهـ
قلت: وعلى هذا يكفي فيه مجرّد بلوغ الحجّة، والجزم بتكفير المعيّن، أو غيره.
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «الضّياء الشّارق» (ص290)؛ رادّا على داود بن جرجيس: (وأمّا قول هذا الجاهل: «أولم يتمكّن من معرفتها وفهمها»؛ فإنّما هو من عدم معرفته بالفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة.
* فإنّ من بلغته دعوة الرّسل عليهم السّلام، فقد قامت عليه الحجّة: إذا كان على وجه يمكن معه العلم([346])، ولا يشترط في قيام الحجّة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والانقياد لما جاء به الرّسول r، فإنّ فهم الحجّة نوع غير قيامها). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج9 ص405)، شارحا موقف شيخ الإسلام ابن تيميّة / في: «مسألة قيام الحجّة، وأنّ المراد من قيام الحجّة: بلوغها»: (وهذه صفة كلامه -يعني: ابن تيميّة- في كلّ موضع وقفنا عليه لا يذكر عدم تكفير المعيّن، إلّا يصله بما يزيل الإشكال، أنّ المراد بالتّوقّف عن تكفيره، قبل أن تبلغه الحجّة، وأمّا إذا بلغته الحجّة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة من تكفير، أو تفسيق، أو معصية). اهـ
قلت: وهذا يدلّ أنّ ضابط قيام الحجّة، هو أن يكون ببلوغ الدّليل من القرآن، والسّنّة. ([347])
* فمن بلغه الكتاب والسّنّة، فقد قامت عليه الحجّة، ولا يشترط في قيام الحجّة أن تكون من عالم، أو غيره، بل يقيمها من يحسن إقامتها، أو بأيّ طريقة يصل عليه الإسلام، ويبلّغه القرآن، أو السّنّة، كما سبق ذكر ذلك. ([348])
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص485): (وينبغي أن يعلم الفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة؛ فإنّ من بلغته دعوة الرّسل عليهم السّلام، فقد قامت عليه الحجّة.
* إذا كان على وجه يمكن معه العلم([349])، ولا يشترط في قيام الحجّة أن يفهم عن الله تعالى، ورسوله r ما يفهمه أهل الإيمان، والقبول، والانقياد لما جاء به الرّسول r.
* فهم هذا يكشف عنك شبهات كثيرة في مسألة قيام الحجّة، قال تعالى: ]أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا[ [الفرقان:44]، وقال تعالى: ]ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة[ [البقرة: 7]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص88)؛ في باب: حكم المرتدّ، الّذي يكفر بعد إسلامه، نطقا، أو شكّا، أو اعتقادا، أو فعلا: (أو كان مبغضا لرسوله r، أو لما جاء به الرّسول r اتّفاقا كفر، أو جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط، يتوكّل عليهم، ويدعوهم، ويسألهم، كفر إجماعا، لأنّ ذلك: كفعل عابدي الأصنام، قائلين: ]ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى[ [الزّمر:3].
* أو سجد لصنم، أو شمس، أو قمر، أو أتى بقول، أو فعل صريح، في الاستهزاء بالدّين الّذي شرعه الله تعالى([350])، أو وجد منه امتهان القرآن، أو أنكر الإسلام: كفر، لأنّ الدّين عند الله تعالى: الإسلام، أو سحر، أو أتى عرّافا فصدّقه، أو جحد البعث: كفر.
* أو أتى بقول يخرجه عن الإسلام، مثل أن يقول: هو يهوديّ، أو نصرانيّ، أو مجوسيّ، أو برئ من الإسلام، أو القرآن، أو النّبيّ r، أو يعبد الصّليب، وقد عمّت البلوى بهذه الفرق، وأفسدوا كثيرا من عقائد أهل التّوحيد). اهـ
قلت: وقد ذكر العلماء، وحكوا إجماع المذاهب كلّها، في أناس يشهدون أن لا إله إلّا الله، ويصلّون، ويصومون، لكنّهم يعتقدون في عدد من الأولياء، بمثل: عبد القادر الجيلانيّ، وسيّد بدوي، ومعروف الكرخيّ وغيرهم، ويفعلون الشّرك عند قبورهم، فإنّ هؤلاء من أهل الكفر. ([351])
قلت: إذا فلا يشترط في قيام الحجّة فهمها، وإنّما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الّذي تبلغه عاقلا، مميّزا يعي ما يسمع، وهذا العلم في جميع الخلق في هذا الزّمان.
* وعدم اعتبار العذر بالشّبهة، أو التّأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشّرك الأكبر» لظهور أدلّتها، ووضوح برهانها، لأنّها من: «مسائل الاعتقاد» الّتي تعلم من الدّين بالضّرورة. ([352])
قلت: لذلك عدم اعتبار الشّبهة، أو التّأويل، أو الجهل، أو الخطأ في: «مسائل الكفر الأكبر»، أو في: «مسائل الشّرك الأكبر».
قال العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ / في «الانتصار لحزب الله تعالى» (ص46): (قد ذكر أهل العلم من أهل كلّ مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، أنّه يكفر صاحبها، ولم يقيّدوا ذلك بالمعاند، فالدّعيّ أنّ مرتكب الكفر: «متأوّلا»، أو «مجتهدا»، أو «مخطئا»، أو «مقلّدا»، أو «جاهلا» معذور؛ مخالف: للكتاب، والسّنّة، والإجماع بلا شكّ). اهـ
قلت: فبيّن / بالإجماع، بأنّه لا يعذر العبد بالخطأ، أو الشّبهة، أو التّأويل، أو الجهل، أو التّقليد، أو الاجتهاد الفاسد بدون ضوابط شرعيّة.
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص40)؛ موضّحا أنّ شيخ الإسلام لا يعذر بالجهل، أو التّأويل في مسائل الشّرك: (فقد جزم / في مواضع كثيرة بكفر من فعل ما ذكره من: «أنواع الشّرك».
* وحكى إجماع المسلمين على ذلك، ولم يستثن الجاهل، ونحوه، قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء:116]، وقال تعالى عن المسيح: ]إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار[ [المائدة:72].
* فمن خصّ ذلك الوعيد بالمعاند فقط، فأخرج: «الجاهل»، و«المتأوّل»، و«المقلّد»، فقد شاقّ الله تعالى، ورسوله r، وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدّرون باب: «حكم المرتدّ» بمن أشرك، ولم يقيّدوا ذلك بالمعاند).اهـ
قلت: فالشّرك خطره عظيم، بل هو أخطر الذّنوب على الإطلاق، ومن تدبّر القرآن، والسّنّة، وجدهما مصرّحين ببطلان دين المشركين، وكفر أهله، وبيان أنّهم أعداء الرّسل عليهم السّلام، وأنّهم أصحاب النّار؛ لأنّ ذنبهم لا يساويه ذنب.
* وقد قرّر العلماء أنّ الواقع الّذي نحن فيه من عبادة لكثير من النّاس للقبور: هو بعينه فعل الجاهليّة الوثنيّين، وهو الّذي جاءت الرّسل عليهم السّلام بمحوه، وإبطاله، وتكفير فاعله.
* وقد قرّر العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: أنّ مجرّد الإتيان بلفظ الشّهادة مع مخالفة ما دلّت عليه من الأصول المقرّرة، ومع: «الشّرك الأكبر» في العبادة لا يدخل المكلّف في الإسلام. ([353])
* إذ المقصود من الشّهادتين حقيقة الأعمال الّتي لا يقوم الإيمان بدونها، كمحبّة الله تعالى لوحده، والخضوع له، والإنابة إليه، والتّوكّل عليه، وإفراده بالاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه سواه، وعدم الإشراك به فيما يستحقّه من العبادات، كالذّبح، والنّذر، والتّقوى، والخشية، ونحو ذلك من الطّاعات. ([354])
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص170): (فتشبيه عبّاد القبور؛ بأنّهم يصلّون، ويصومون، ويؤمنون بالبعث، مجرّد تعمية على العوامّ، وتلبيس لينفق شركهم، ويقال بإسلامهم، وإيمانهم، ويأبى الله تعالى ذلك، ورسوله r، والمؤمنون). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص190): (وعبّاد القبور: ما رأيت أحدا من أهل العلم الّذين يرجع إليهم، توقّف في كفرهم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص199): (أجمعت الأمّة على تحريم هذا -يعني: الشّرك- وعلى كفر فاعله إجماعا ضروريّا، يعرف بالضّرورة من دين الإسلام، وبتصوّر ما جاءت به الرّسل عليهم السّلام، واتّفاق دعوتهم، فإنّ كلّ رسول أوّل ما يقرع أسماع قومه بقوله: ]اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره[([355]) [الأعراف:59]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (من جعل بينه، وبين الله تعالى وسائط يدعوهم، ويتوكّل عليهم، ويسألهم: كفر إجماعا). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد الهادي / في «الصّارم المنكي» (ص464): (فدعوى المبالغة([356]) في التّعظيم، مبالغة في الشّرك، وانسلاخ من جملة الدّين). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «مدارج السّالكين» (ج1 ص346): (ومن أنواعه([357]): طلب حوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتّوجّه إليهم، وهذا أصل شرك العالم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ /: (فإنّه لا يكفر: إلّا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من: «الشّرك الأكبر»، والكفر بآيات الله تعالى، ورسوله r، أو شيئا منها: بعد قيام الحجّة، وبلوغها المعتبر، كتكفير من عبد الصّالحين، ودعاهم مع الله تعالى) ([358]). اهـ
قلت: والمشرك في عبادته للقبور: يساوي ذلك بربّ العالمين، وقد اعترف بذلك فقال تعالى: ]تاللّه إن كنّا لفي ضلال مبين، إذ نسوّيكم بربّ العالمين[ [الشّعراء: 97 و98].
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص73): (ومعلوم أنّهم ما سوّوهم بالله تعالى في الخلق، والرّزق، والتّدبير.
وإنّما هو في: المحبّة، والخضوع، والتّعظيم، والخوف، والرّجاء، ونحو ذلك من العبادات.
قال تعالى: ]ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه[ [البقرة:165]، وهذا حبّ عبادة، وتألّه، وتعظيم.
* فمن عبد غير الله تعالى، وعدل بربّه، وسوّى بينه تعالى، وبين غيره في خالص حقّه: صدق عليه أنّه مشرك ضالّ غير مسلم، وإن عمّر المدارس، ونصّب القضاة، وشيّد المنار، ودعا بداعي الفلاح، لأنّه لا يلتزمه. ([359])
قال تعالى: ]قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل[ [المائدة:68]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص219): (المعرض: عمّا جاء الرّسول r من الهديّ، ودين الحقّ يكفر إن عرف ولم ينكر). اهـ
وقال الإمام ابن عبد الهادي / في «الصّارم المنكي» (ص210): (وليس أحد من البشر، بل ولا من الخلق: يسمع أصوات العباد كلّهم، ومن قال هذا في بشر: فقوله؛ من جنس قول النّصارى الّذين يقولون: إنّ المسيح هو الله، وأنّه يعلم ما يفعله العباد، ويسمع أصواتهم، ويجيب دعائهم، قال تعالى: ]لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم[ [المائدة:72]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الرّدّ على البكريّ» (ج2 ص731): (ونحن نعلم بالضّرورة: أنّ رسول الله r لم يشرع لأمّته؛ أن يدعو أحدا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصّالحين، ولا غيرهم.
* لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، لأنّه r لم يشرع للأمّة السّجود لميت، ولا إلى ميّت، ونحو ذلك، بل نعلم أنّه r: نهى عن كلّ هذه الأمور). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص168): (وكلّ كافر: قد أخطأ، والمشركون لا بدّ لهم من تأويلات، ويعتقدون أنّ شركهم بالصّالحين تعظيم لهم ينفعهم، ويدفع عنهم، فلم يعذروا بذلك الخطأ، ولا بتلك التّأويل). اهـ
قلت: فبيّن / في عدم العذر بالخطأ، والشّبهة، والتّأويل، والجهل في: «مسائل الشّرك»، و«مسائل الكفر».
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص192)؛ في ردّه على: «داود بن جرجيس» في العذر بالشّبهة في مسائل الشّرك، ونسبة ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة /: (وليس في كلام الشّيخ العذر بكلّ شبهة، ولا العذر بجنس الشّبهة، فإنّ هذا لا يفيده كلام الشّيخ، ولا يفهمه منه، إلّا من لم يمارس من العلوم شيئا، بل عبارته صريحة في إبطال هذا المفهوم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص194): (وأمّا مسألة عبادة القبور، ودعائهم مع الله تعالى؛ فهي مسألة وفاقيّة التّحريم، وإجماعيّة التّأثيم، فلم تدخل في كلام الشّيخ لظهور برهانها، ووضوح أدلّتها، وعدم اعتبار الشّبهة فيها). اهـ
قلت: وبهذا يتّضح أن لا عذر بالشّبهة، أو التّأويل، أو الخطأ، أو الجهل في: «مسائل الشّرك الأكبر»، و«الكفر الأكبر»، فتنبّه.
قلت: ويفرّق شيخ الإسلام ابن تيميّة / بين: «المسائل الظّاهرة»، و«المسائل الخفيّة» في تكفير المعيّن.
* فمن تلبّس بالشّرك، أو الكفر في: «المسائل الظّاهرة»، وبلغته الحجّة، فإنّه يحكم عليه، بالكفر، أو بالشّرك؛ إلّا أن يكون: «حديث عهد بالإسلام»([360])، أو «نشأ ببادية([361]) بعيدة» من الأرض عن البلدان الإسلاميّة.
قلت: وحديث: العهد بالإسلام: هو الّذي دخل في الإسلام حديثا، فيحتاج إلى تعليم وتوضيح لأصول الإسلام، وفروعه.
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: (كيف تشكّون في هذا، وقد وضّحت لكم مرارا، أنّ الّذي لم تقم عليه الحجّة، هو الّذي: «حديث عهد بالإسلام»، أو الّذي «نشأ ببادية بعيدة»)([362]).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ / في «الفتاوى» (ج1 ص73): (أمّا من علم بالضّرورة، أنّ الرّسول r جاء به وخالفه، فهذا يكفر بمجرّد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف، سواء في الأصول، أو الفروع، ما لم يكن: «حديث عهد بالإسلام»). اهـ
* بخلاف من وقع في الكفر في: «المسائل الخفيّة»؛ فإنّه لا يكفر حتّى: تتبيّن له الحجّة، لأنّ وقوع المعيّن في الكفر في: «المسائل الظّاهرة»، يختلف عنه في: «المسائل الخفيّة». ([363])
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص108): (فهذه([364]) ليست من: «المسائل الفرعيّة الاجتهاديّة»، الّتي قد يخفى دليلها؛ فيحتاج المسلم فيها إلى التّقليد). اهـ
قلت: وضوابط المسائل الظّاهرة؛ وهي:
1) أنّها مسائل معلومة من الدّين بالضّرورة، يعلم الخاصّة، والعامّة؛ أنّها من دين الإسلام.
2) أنّها مسائل إجماعيّة، الدّليل فيها محكم، لا تدخل عليه الشّبهة، أو التّأويل، أو الخلط.
3) أنّها مسائل جليّة ظاهرة يتناقلها المسلمون عوامّهم عن خواصّهم.
ما يندرج تحت المسائل الظّاهرة: الّتي هي في غالب أحكام الدّين في الأصول والفروع، ولا تخفى على غالب الخلق على وجه الأرض. ([365])
1) توحيد الألوهيّة، وتحقيقه، وترك الشّرك الّذي يضادّه؛ كعبادة القبور، والنّذر لها، والاستغاثة بها، ودعاء أصحابها، وتقديم القرابين، والذّبائح لهم، وغير ذلك.
2) توحيد الأسماء والصّفات الّتي وقع فيها النّزاع بين أهل السّنّة، وغيرهم من الفرق الضّالّة قديما وحديثا، كالاستواء، والرّؤية، وكلام الله تعالى، وغير ذلك من الصّفات.
والصّفات الّتي هي من لوازم الرّبوبيّة، كالقدرة، والعلم، وغير ذلك.
* فهذه الصّفات الّتي تندرج تحت: «المسائل الظّاهرة» لتعلّقها بتوحيد الرّبوبيّة.
3) معتقدات الفرق المخالفة؛ لأهل السّنّة الّتي تخالف النّصوص الشّرعيّة قديما وحديثا، مثل: مخالفات: «المرجئة» بجميع أنواعها؛ لأهل السّنّة في باب الإيمان كلّه.
4) المسائل المعلومة من الدّين بالضّرورة؛ كالصّلوات الخمس، والزّكاة، والصّوم، والحجّ، إذا تركها العبد، وتحريم الفواحش، والسّرقة، والزّنا، والرّبا إذا استحلّها، وغير ذلك من الأمور المعلومة في الدّين بالضّرورة.
5) ما اشتهر، واستفاض علمه من الأحكام في الأصول والفروع؛ مثل: مسائل دار البرزخ، وعذاب القبر ونعيمه، وإيقاع ذلك على الرّوح والجسد معا، ومسائل دار الآخرة، والجنّة والنّار، والحوض، والميزان، والصّراط، وحكم الأكل في نهار رمضان أحلّه، والكلام في ترك: «الصّلاة»، و«الزّكاة»، و«الصّيام»، و«الحجّ»، وغير ذلك ممّا هو معروف في الدّين.
6) المسائل المعلومة من الدّين بالضّرورة؛ مثل: القضاء والقدر، وما يتعلّق بهما من أحكام في الدّين.
7) مسائل الميراث من أنكرها كفر بالله تعالى؛ لأنّه مكذّب للقرآن، والسّنّة، ولا يعذر بجهله، لأنّها معلومة من الدّين بالضّرورة.
8) مسائل الغيبيّات؛ مثل: الملائكة، والجنّ، والشّياطين، وإبليس، فمن أنكر ذلك فقد كفر بالله تعالى، لأنّه مكذّب للقرآن، والسّنّة، ولا يعذر بجهله، لأنّها معلومة من الدّين بالضّرورة.
9) مسائل حجاب المرأة، من أنكر الحجاب للمرأة، فقد كفر، لأنّه مكذّب لله تعالى، ولرسوله r في هذه المسائل.
10) مسائل إنكار الآيات، فمن أنكر آية واحدة، فقد كفر بالله تعالى، لأنّه مكذّب بالله تعالى.
11) مسائل إنكار الأحاديث، فمن أنكر حديثا واحدا متعمّدا ثبت عن النّبيّ r من غير اجتهاد صحيح ([366])، فقد كفر بالله تعالى، لأنّه مكذّب للرّسول r، ومكذّب للوحيّ من الله تعالى، لأنّ الرّسول r يوحى إليه من الله تعالى في جميع الأحاديث، فهو أيضا مكذّب لله تعالى. ([367])
قال تعالى: ]والنّجم إذا هوى * ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلّا وحي يوحى [ [النّجم: 1و2و3و4].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الصّارم المسلول» (ص146): (الأخذ بظاهره، في قتل من تعمّد الكذب، على رسول الله r، ومن هؤلاء من قال: يكفر، بذلك، قاله جماعة، منهم: أبو محمّد الجوينيّ، حتّى قال ابن عقيل، عن شيخه: أبي الفضل الهمدانيّ). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الصّارم المسلول» (ص146): (ومن انتقص الرّسول r ([368])، فقد كفر). اهـ
قلت: وضوابط المسائل الخفيّة، وهي:
1) مسائل وقع فيها النّزاع بين أهل السّنّة، وهي من الفروع، والجهل بها ناشئ عن شبهة منسوبة إلى الكتاب، أو السّنّة، أو الآثار.
* لذا يقع فيها الغلط، بسبب الخلاف فيها، وهي من الجزئيّات؛ من أحكام: «الصّلاة»، بمثل: رفع اليدين في الصّلاة، وتقديم اليدين على الرّكبتين في الصّلاة، وحكم البسملة في الوضوء، ونحو ذلك، وهكذا في أحكام: «الزّكاة»، وفي أحكام: «الصّيام»، وأحكام: «الحجّ»، ونحو ذلك من الأحكام في الفروع؛ فإنّ من جهلها على أنّ الدّليل في خلافها، لا يكفر، لأنّ سبب جهله اشتبه عليه الحكم الصّحيح في الخلاف بين العلماء، فهذا يعذر بجهله.
قلت: فنفيّ التّكفير مخصوص بمثل هذه المسائل الّتي تنازع فيها العلماء، في الفروع.
2) مسائل خفيّة أحيانا لا تدرك بمجرّد النّظر إلى الدّليل، بل لا بدّ من إعمال العقل لفهمها بالرّجوع إلى علماء السّنّة في ذلك، وهم يبيّنون له التّأويل الصّحيح في هذا الدّليل؛ بمثل: اختلاف التّنوّع: وهو عبارة عن المعاني المتعدّدة الّتي تصبّ في معنى واحد، مثال ذلك: تفسير ]الصّراط المستقيم[ [الفاتحة:6]؛ بأنّه القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام، ومنهم من قال: هو السّنّة والجماعة، وكلّ هذا صحيح.
* فاختلاف التّنوّع: هو ما لا يكون فيه أحد الأقوال: مناقضا؛ للأقوال الأخرى، بل كلّ الأقوال صحيحة.
قلت: فيجهل هذا الجاهل شيئا من المعاني لخفاء هذا العلم عليه. ([369])
* وهذه المسائل الخفيّة: قد يخفى دليلها على بعض النّاس دون أناس، ولا يحكم على قائلها بالكفر، وإن ردّ فيها بعض النّصوص، لاحتمال وجود مانع؛ كالجهل، أو غيره. ([370])
قلت: وحقيقة ما جاء به الرّسل عليهم السّلام، ودعوا إليه، وجوب عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وإخلاص العمل له، وأن لا يشرك في واجب حقّه أحد من خلقه، وأن يوصف بما وصف به نفسه من صفات الكمال.
* فمن خالف ما جاؤوا به، ونفاه وأبطله، فهو كافر ضالّ، وإن قال: «لا إله إلّا الله»، وزعم أنّه مسلم، لأنّ ما قام به من الشّرك، يناقض ما تكلّم به من كلمة التّوحيد، فلا ينفعه التّلفّظ بقول: «لا إله إلّا الله»؛ لأنّه يتكلّم بما لم يعمل به، ولم يعتقد ما دلّ عليه. ([371])
قال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن» (ص19): (وإنّما يكفّر الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب من نطق الكتاب، والسّنّة، بتكفيره، وأجمعت الأمّة عليه، كمن بدّل دينه، وفعل: فعل الجاهليّة الّذين يعبدون الملائكة، والأنبياء، والصّالحين، ويدعونهم، فإنّ الله تعالى كفّرهم، وأباح دمائهم، وأموالهم، وذراريهم بعبادة غيره: «نبيّا»، أو «وليّا»، أو «صنما»، لا فرق في الكفر بينهم، كما دلّ عليه الكتاب العزيز). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن» (ص19): (وهذا من أعظم ما يبيّن الجواب عن قوله([372]) في الجاهل العابد لقبّة الكوّاز؛ لأنّه لم يستثن في ذلك لا جاهلا، ولا غيره، وهذه طريقة القرآن، تكفير من أشرك مطلقا). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أنّ كفر من اتّبعهم؛ إنّما هو مجرّد اتّباعهم، وتقليدهم في أمور مكفّرة([373])، فالمقلّد يكفر إذا تمكّن من العلم، وتمكّن من معرفة الحقّ([374])؛ فأعرض عنه، وعاند وأصرّ على باطله، كمن يكون في دار الإسلام. ([375])
قال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص15): (فالواجب على الرّجال والنّساء: من المسلمين، هو: التّفقّه في الدّين، والتّبصّر، والسّؤال عمّا أشكل عليهم، وعدم السّكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنّهم: خلقوا ليعبدوا الله تعالى، ويطيعوه سبحانه، ولا سبيل إلى ذلك، إلّا بالعلم، لا يحصل هكذا من دون طلب، ولا سؤال، لا بدّ من طلب العلم، ولا بدّ من السّؤال: لأهل العلم، حتّى يتعلّم الجاهل). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى في العذر بالجهل» (ص26): (بل يجب عليهم أن يطلبوا العلم، وأن يتبصّروا، وأن يتفقّهوا في الدّين، ويسألوا عمّا أشكل عليهم.
* هذا الواجب عليهم، إذا سكتوا، واستمرّوا على عبادة الأموات، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو الجنّ؛ صاروا كفّارا بذلك، في دعائهم إيّاهم، وطلبهم منهم: الشّفاعة، أو شفاء المريض، أو ردّ الغائب، أو ما أشبه ذلك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «حكم تكفير المعيّن» (ص18): (مع أنّ العلّامة ابن القيّم / جزم بكفر المقلّدين لمشايخهم في: «المسائل المكفّرة»: إذا تمكّنوا من طلب الحقّ ومعرفته، وتأهّلوا لذلك، وأعرضوا ولم يلتفتوا). اهـ
وقال الإمام ابن رجب / في «القواعد» (ص343): (إذا زنى من نشأ في دار الإسلام بين المسلمين، وادّعى الجهل بتحريم الزّنا، لم يقبل قوله، لأنّ الظّاهر يكذّبه، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك). اهـ
قلت: والمقصود من كلام الإمام ابن رجب /، أنّ حكم الزّنا مشتهر، وذائع في دار الإسلام.
* فحتّى؛ وإن كان الزاني الّذي ادّعى الجهل صادقا في دعواه، فإنّه لا يقبل منه ذلك؛ لتقصيره في تعلّم أحكام الإسلام، الّتي هي من قبيل المعلوم من الدّين بالضّرورة؛ لأنّ جهله هذا ليس ممّا يشقّ الاحتراز منه، فلا يكون عذرا لتارك الواجب، أو فاعل المحرّم، الّذي هو من المعلوم من الدّين بالضّرورة. ([376])
قال الفقيه الأمير / في «مسائل لا يعذر فيها بالجهل» (ص62): (قد ظهر الإسلام، وفشا: فلا يعذر جاهل في شيء من الحدود). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «الدّرر السّنيّة» (ج2 ص352)؛ عن شهادة: «أن لا إله إلّا الله»: (وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر من يقولها تقليدا وعادة، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور، أمثال هؤلاء.
* كما في الحديث: «سمعت النّاس يقولون شيئا فقلته».([377])
* وغالب أعمال هؤلاء إنّما هو: تقليد واقتداء؛ بأمثالهم، وهم: من أقرب النّاس من قوله تعالى: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون[ [سورة الزّخرف : 23]). اهـ
قلت: وهؤلاء عارضوا الرّسل عليهم السّلام بجهلهم: ]كذلك قال الّذين لا يعلمون مثل قولهم[ [البقرة: 118].
قال تعالى: ]قل أرأيتم إن كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [الأحقاف:10].
وقال تعالى: ]وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلّا أنفسهم وما يشعرون[ [الأنعام:26].
وقال تعالى: ]سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام:157].
وقال تعالى: ]إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضب من ربّهم وذلّة في الحياة الدّنيا وكذلك نجزي المفترين[ [الأعراف:152].
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «مصباح الظّلام» (ص219): (فلكلّ مفتر نصيب منها بحسب جرمه، وعلى قدر ذنبه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «منهاج التّأسيس والتّقديس» (ص199): (وكم هلك بسبب قصور العلم، وعدم معرفة الحدود، والحقائق من أمّة، وكم وقع بذلك من غلط، وريب، وغمّة.
مثال ذلك: أنّ الإسلام، والشّرك نقيضان لا يجتمعان، ولا يتّفقان، والجهل بالحقيقتين، أو أحدهما: أوقع كثيرا من النّاس في الشّرك، وعبادة الصّالحين.
لعدم معرفة الحقائق وتصوّرها). اهـ
قلت: فالأمور الّتي لا يعذر، فيها العبد بسبب جهله، ما يتعلّق بأصل الدّين، وأساسه من توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة.
* فمن وقع في الشّرك الأكبر من عبادة غير الله تعالى، وتعلّق بالمخلوقين، ولجأ إليهم، واستغاث بهم، وذبح لهم، وغير ذلك من العبادات، فهو كافر، مخلّد في النّار، إلّا أن يتوب.
* وجهله بهذه المسألة الكبيرة، ليس عذرا عند الله تعالى، والأدلّة على هذا كثيرة منها:
قال تعالى: ]وإن من أمّة إلّا خلا فيها نذير[ ([378]) [فاطر:24].
وقال تعالى: ]كلّما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير (8) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذّبنا وقلنا ما نزّل اللّه من شيء إن أنتم إلّا في ضلال كبير[ ([379]) [الملك:8 و9].
وقال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء:48].
وقال تعالى: ]إنّ الّذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنّم خالدين فيها أولئك هم شرّ البريّة[ [البيّنة:6].
وقال تعالى: ]إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين[ [آل عمران:91].
وقال تعالى: ]إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم([380]) حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار[ [البقرة:166 و167].
وقال تعالى: ]وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون[ [الأعراف:172 و173].
وقال تعالى: ]قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار كلّما دخلت أمّة لعنت أختها حتّى إذا ادّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضعفا من النّار قال لكلّ ضعف ولكن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون * إنّ الّذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتّح لهم أبواب السّماء ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط وكذلك نجزي المجرمين * لهم من جهنّم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظّالمين[ [الأعراف:38 و39 و40 و41].
وقال تعالى: ]وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون * وقالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يخرصون * أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذّبين[ [الزّخرف:19-25].
وقال تعالى: ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا * الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا * أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا * ذلك جزاؤهم جهنّم بما كفروا واتّخذوا آياتي ورسلي هزوا[ [الكهف:103-106].
وقال تعالى: ]أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات[ [فاطر:8].
وقال تعالى: ]وقيّضنا لهم قرناء فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحقّ عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجنّ والإنس إنّهم كانوا خاسرين[ [فصّلت:25].
وقال تعالى: ]وقال الّذين كفروا ربّنا أرنا اللّذين أضلّانا من الجنّ والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين[ [فصّلت:29].
وقال تعالى: ]وإذ يتحاجّون في النّار فيقول الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا نصيبا من النّار * قال الّذين استكبروا إنّا كلّ فيها إنّ اللّه قد حكم بين العباد[ [غافر:47و48].
وقال تعالى: ]هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنّهم صالو النّار * قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدّمتموه لنا فبئس القرار * قالوا ربّنا من قدّم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النّار * وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنّا نعدّهم من الأشرار * أتّخذناهم سخريّا أم زاغت عنهم الأبصار * إنّ ذلك لحقّ تخاصم أهل النّار[ [ص:59-64].
* فالله تعالى: أخبر عن الأتباع، أنّهم: في النّار، وأنّ تقليدهم، لكبارهم، وآبائهم، ليس بحجّة، لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم: أنّ الأتباع إنّما قلّدوا من قلّدوه، بسبب جهلهم، وغفلتهم.
وقال تعالى: ]ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم[ [التّوبة:113].
قلت: وهذه الآيات، تدلّ على أنّ هؤلاء: ما دخلوا النّار -من الأحزاب، والجماعات، والعوائل، والأفراد: في الدّاخل والخارج-؛ إلّا أنّهم: بلغتهم الحجّة من الله تعالى، ولم يعذروا بسبب جهلهم: بما يتعلّق بأصول الدّين، وأساسه؛ من توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة، والإخلاص له، في الفروع والأصول في الدّين.
* وقد أخبر الله تعالى في هذه الآيات؛ عن الأتباع، أنّهم في النّار، وأنّ تقليدهم، لكبارهم، ورؤوسهم، وآبائهم، وغيرهم، ليس بحجّة لهم عند الله تعالى، ومن المعلوم أنّ الأتباع إنّما قلّدوا من قلّدوه في أحكام الأصول، وأحكام الفروع، بسبب جهلهم، وغفلتهم في الحياة الدّنيا.
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج18 ص125): (قوله تعالى: ]هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا[ [الكهف: 103]؛ كلّ عامل، عملا: يحسبه فيه مصيبا... كالرّهابنة، والشّمامسة، وأمثالهم: من أهل الاجتهاد في ضلالتهم، وهم مع ذلك من فعلهم، واجتهادهم: باللّه تعالى: كفرة، من أهل أيّ دين كانوا، وقوله تعالى: ]الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا[ [الكهف: 104]؛ يقول: هم الّذين لم يكن عملهم الّذي عملوه في حياتهم الدّنيا، على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنّهم عملوا؛ بغير ما أمرهم اللّه تعالى به، بل على كفر منهم به، وهم: يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.
* يقول: وهم يظنّون أنّهم بفعلهم ذلك للّه تعالى: مطيعون، وفيما ندب عباده إليه: مجتهدون.
* وهذا من أدلّ الدّلائل على خطأ قول: من زعم أنّه لا يكفر باللّه تعالى أحد؛ إلّا من حيث يقصد إلى الكفر، بعد العلم بوحدانيّته.
* وذلك أنّ اللّه تعالى: أخبر عن هؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية، أنّ سعيهم الّذي سعوا في الدّنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنّهم: محسنون في صنعهم ذلك.
* وأخبر سبحانه؛ أنّهم: هم الّذين كفروا بآيات ربّهم). اهـ
وقال المفسّر القرطبيّ / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج11 ص95): (قوله تعالى: ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا[ [الكهف: 103]؛ فيه دلالة على أنّ: من النّاس من يعمل العمل، وهو يظنّ أنّه محسن، وقد حبط سعيه، والّذي يوجب إحباط السّعي: إمّا فساد الاعتقاد، أو المراءاة، والمراد هنا: الكفر). اهـ
وقال المفسّر القرطبيّ / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج11 ص95): (والآية: معناها؛ التّوبيخ، أي: قل لهؤلاء الكفرة الّذين عبدوا غيري، يخيب سعيهم، وآمالهم غدا، فهم: الأخسرون أعمالا، وهم: ]الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 104]؛ في عبادة من سواي). اهـ
قلت: فهم لا وزن لهم، وكذا أعمالهم، لا وزن لها يوم القيامة، فليس لهم حسنات في موازين يوم القيامة، لأنّ أعمالهم حبطت، وسعيهم بطل.
* ومن كان هذا حاله، فهو في النّار، وعمله الباطل يقابل بالعذاب، والعياذ بالله.([381])
وعن أبي هريرة t عن رسول الله r أنّه قال: (والّذي نفس محمّد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمّة: يهوديّ، ولا نصرانيّ، ثمّ يموت، ولم يؤمن بالّذي أرسلت به؛ إلّا كان من أصحاب النّار). ([382])
قلت: وهذا الحديث يدلّ على أنّ من سمع برسول الله r، من يهوديّ، أو نصرانيّ، أو غيرهما، ثمّ لا يدخل في الإسلام، ومات، إلّا دخل النّار، لأنّه كفر بالله تعالى، وبرسوله r.
عن أبي هريرة t قال: (زار النّبيّ r قبر: أمّه، فبكى وأبكى من حوله، فقال r: استأذنت ربّي في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي). ([383])
قلت: ومن المعلوم أنّ أمّه r، ماتت في الجاهليّة، وهو صغير، قبل البعثة، ولم تعذر بذلك.
وعن أنس بن مالك t: (أنّ رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال r: في النّار، فلمّا: قفّى دعاه، فقال r: إنّ أبي، وأباك في النّار). ([384])
قال الحافظ البيهقيّ / في «دلائل النّبوّة» (ج1 ص192): (وكيف لا يكون: أبواه، وجدّه، بهذه الصّفة في الآخرة؛ يعني: في النّار -وقد كانوا يعبدون الوثن، حتّى ماتوا، ولم يدينوا دين: «عيسى بن مريم» عليه السّلام). اهـ
وقال الحافظ النّوويّ / في «المنهاج» (ج1 ص349): (فيه: أنّ من مات على الكفر، فهو في النّار، ولا تنفعه: قرابة المقرّبين.
* وفيه: أنّ من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب، من عبادة الأوثان، فهو من أهل النّار.
* وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدّعوة، فإنّ هؤلاء كانت قد بلغتهم: دعوة إبراهيم عليه السّلام، وغيره: من الأنبياء عليهم السّلام). اهـ
وعن عائشة ﭭ: (قلت: يا رسول الله، ابن جدعان، كان في الجاهليّة، يصل الرّحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك: نافعه؟ قال r: لا ينفعه، إنّه لم يقل يوما، ربّ: اغفر لي خطيئتي يوم الدّين). ([385])
قلت: وهذا يدلّ على أنّ: «ابن جدعان» كان على الشّرك، ومات عليه في الجاهليّة، فلم يعذر بجهله، ولم ينفعه عمله الّذي يقوم به من: صلة الرّحم، وإطعام المسكين.
وبوّب عليه الحافظ النّوويّ / في «المنهاج» (ص115)؛ باب الدّليل على أنّ من مات على الكفر، لا ينفعه عمل.
وعن أبي هريرة t قال: قال النّبيّ r: (رأيت عمرو بن عامر بن لحيّ الخزاعيّ، يجرّ قصبه في النّار، وكان أوّل من سيّب السّوائب). ([386])
وعن عائشة ﭭ قالت: قال رسول اللّه r: (رأيت جهنّم: يحطم بعضها بعضا، ورأيت عمرا، يجرّ قصبه، وهو أوّل من سيّب السّوائب).([387])
فإنّ العرب: بقوا، قرونا على دين إبراهيم عليه السّلام، حتّى غيّر دينهم: «عمرو بن لحيّ الخزاعيّ».
قلت: وعمرو بن لحيّ، هو أوّل من غيّر دين إبراهيم عليه السّلام، وقد استحسن هذا بجهله، فدخل النّار، ولم يعذر بجهله، بل وكلّ من قلّدوه في الجاهليّة في ذلك، فهو مثله في نار جهنّم، ولم يعذر بجهله.
قلت: وهذه الأحاديث تدلّ أنّ النّبيّ r أخبر عنهم، أنّهم في النّار، وهم: من كبارهم، وأفاضلهم، فلم ينفعهم ذلك، بل منهم: من كان يتصدّق، ويفعل الأعمال الطّيّبة، ومع ذلك لم ينفعه ذلك، لأنّه مات على الكفر.
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص1): (وآخر الرّسل: محمّد r، وهو الّذي كسّر صور هؤلاء الصّالحين، أرسله الله تعالى، إلى أناس يتعبّدون، ويحجّون، ويتصدّقون، ويذكرون الله تعالى كثيرا، ولكنّهم: يجعلون بعض المخلوقات وسائط: بينهم، وبين الله تعالى). اهـ
قلت: فكانت الحجّة ثابتة لله تعالى، عليهم؛ بإنذار من تقدّم من الرّسل عليهم السّلام، وإن لم يروا رسولا. ([388])
* وهذا إذا كان في زمن: «الجاهليّة الكبرى»، في وقت، قلّة العلم، وانطماس آثار الرّسالة، فكيف بعد بعثة الرّسول r، في وقت انتشار النّور، وظهور العلم، فمن باب أولى، أنّ الجهل لا يكون عذرا، للعبد في يوم القيامة.
قلت: ولا يشترط في قيام الحجّة، إقناع الجاهل، فهذا لا سلطان، للعبد عليه، إلّا ما شاء الله تعالى.
* فالله تعالى بيده الهدى، والضّلال، يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء، والله يحكم لا معقّب لحكمه.
قال تعالى: ]ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
قلت: ولم يثبت في الكتاب، والسّنّة، ولا عن الصّحابة y، ولا السّلف، أنّ المشركين في الجاهليّة، من مات؛ منهم: أنّه يختبر يوم القيامة.
* وهذا الجهل بسبب الغفلة، والإعراض عن الدّين الصّحيح. ([389])
قال تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]، يعني: لتنذرهم؛ مثل: ما أنذر آباؤهم. ([390])
فعن عكرمة / قال: في قوله تعالى: ]لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون[ [يس:6]؛ قال: (قد أنذروا). ([391])
وقال تعالى: ]لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7].
فعن الضّحّاك بن مزاحم / قال: في قوله تعالى: ]لقد حقّ القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون[ [يس:7]؛ قال: (سبق في علمه). ([392])
قلت: فسبق القول على من لا يؤمن في الحياة الدّنيا. ([393])
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ / في «شرح كشف الشّبهات» (ص101): (ولو كان فهمها -يعني: الحجّة- شرطا، لما كان الكفر؛ إلّا قسما، واحدا، وهو كفر الجحود، بل الكفر: أنواع، منه: الجهل، وغيره). اهـ
وقال تعالى: ]وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها[ [آل عمران:103].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج7 ص85): (على حرف، حفرة من النّار، وإنّما ذلك، مثل: لكفرهم الّذي كانوا عليه، قبل أن يهديهم الله تعالى، للإسلام). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أنّ أهل الجاهليّة، كفرة، وهم في النّار، ولم يعذرهم الله تعالى بجهلهم.
وقال الإمام الشّافعيّ / في «الرّسالة» (ص11): (فكانوا قبل إنقاذه إيّاهم: بمحمّد r، أهل كفر، في تفرّقهم، واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور: الكفر بالله، وابتداع ما لم يأذن به الله تعالى، تعالى عمّا يقولون: علوّا كبيرا، لا إله غيره). اهـ
وقال تعالى: ]ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرّسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير واللّه على كلّ شيء قدير[ [المائدة:19].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج8 ص277): (أنّه قد قطع عذرهم، برسوله r، وأبلغ عليهم في الحجّة). اهـ
وقال العلّامة الشّوكانيّ / في «فتح القدير» (ج2 ص30): (قوله تعالى: ]أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير[ [المائدة:19]؛ تعليل: لمجيء الرّسول r بالبيان على حين فترة؛ أي: كراهة أن تقولوا، هذا القول معتذرين عن تفريطكم؛ أي: لا تعتذروا، فقد جاءكم: بشير، ونذير، وهو: محمّد r). اهـ
وقال تعالى: ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون[ [التّوبة:6].
وقوله تعالى: ]لا يعلمون[؛ يعني: العلم، والإيمان بالله تعالى، في دينه على التّفصيل، وهو العلم النّافع.
* لكن في الجملة؛ هم: يؤمنون بالله تعالى، مع الشّرك به، بسبب جهلهم، فهم: يعلمون، ويعقلون دين الله تعالى في الجملة.
* إذا؛ هم: لا يعلمون دين الله تعالى، وتوحيده على التّفصيل. ([394])
قال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص157): (قوله تعالى: ]ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون[ [التّوبة:6]؛ قال: بتوحيد الله تعالى).
وقال العلّامة الشّوكانيّ / في «فتح القدير» (ج2 ص220): (قوله تعالى: ]ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون[ [التّوبة:6]؛ أي بسبب: فقدانهم؛ للعلم النّافع، المميّز: بين الخير، والشّرّ، في الحال والمآل). اهـ
قلت: فهذه الآية القرآنيّة، هي محكمة في دلالتها، وقد ثبت حكم الشّرك، مع الجهل الشّديد، في وقت اندرست فيه الشّرائع، وطمست فيه السّبل، واشتدّت الفتن، لذلك سمّيت بالجاهليّة، لكثر الجهالات: ]ظلمات بعضها فوق بعض[ [النّور:40].
فعن الإمام الحسن البصريّ / قال: في قوله تعالى: ]وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون[ [التّوبة:6]؛ (هي محكمة إلى يوم القيامة). ([395])
وقال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج11 ص247): (قوم جهلة لا يفقهون عن اللّه تعالى حجّة، ولا يعلمون ما لهم، بالإيمان باللّه تعالى لو آمنوا، وما عليهم من الوزر، والإثم؛ بتركهم الإيمان باللّه). اهـ
وقال الحافظ النّوويّ / في «المنهاج» (ج3 ص87): (وأمّا الجاهليّة: فما كان قبل النّبوّة، سمّوا بذلك: لكثرة جهالتهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «اقتضاء الصّراط المستقيم» (ص2): (والنّاس في جاهليّة جهلاء من مقالات يظنّونها: علما، وهي: جهل، وأعمال يحسبونها: صلاحا، وهي: فساد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج16 ص483): (قوله تعالى: ]حتّى تأتيهم البيّنة[ [البيّنة:1]؛ ومعناه: الماضي، والبيّنة: الرّسول، وهو محمّد r، بيّن لهم ضلالهم، وجهلهم). اهـ
قلت: ولم يذكر المرجئ، دليلا واحدا، أو قولا معتبرا، لأهل العلم، في اشتراط فهم الحجّة، حتّى تقوم على الجاهل.
* وقد فرّق أهل العلم، بين: «المسائل الظّاهرة»، وبين: «المسائل الخفيّة»، في الإعذار.
* وكذلك فرّقوا بين صفة قيام الحجّة في: «المسائل الظّاهرة»، وبين صفة قيام الحجّة في: «المسائل الخفيّة».
فتقام الحجّة في: «المسائل الظّاهرة»، ببلوغ القرآن.
بخلاف: «المسائل الخفيّة»، فتقام الحجّة فيها، بالإيضاح والبيان، وذلك على حسب الخفاء.
قال العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ مفتي الدّيار النّجديّة / في «الانتصار» (ص46): (قد ذكر أهل العلم من أهل كلّ مذهب: أشياء كثيرة، لا يمكن حصرها من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، أنّه يكفر صاحبها، ولم يقيّدوا ذلك بالمعاند، فالمدّعي أنّ مرتكب الكفر: «متأوّلا»، أو «مجتهدا»، أو «مخطئا»، أو «مقلّدا»، أو «جاهلا»، معذور، مخالف: للكتاب، والسّنّة، والإجماع؛ بلا شكّ). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص40)؛ موضّحا: أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة /، لا يعذر بالجهل، أو التّأويل في مسائل الشّرك: (فقد جزم / في مواضع كثيرة، بكفر من فعل ما ذكره من أنواع الشّرك، وحكى إجماع المسلمين على ذلك، ولم يستثن الجاهل ونحوه، قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء[ [النّساء: 116]، وقال عن المسيح: ]إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار[ [المائدة:72]، فمن خصّ ذلك الوعيد بالمعاند فقط، فأخرج: «الجاهل»، و«المتأوّل»، و«المقلّد»، فقد شاقّ الله تعالى، ورسوله r، وخرج عن سبيل المؤمنين، والفقهاء يصدّرون باب: حكم المرتدّ بمن أشرك، ولم يقيّدوا ذلك بالمعاند). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص168)؛ مبيّنا عدم العذر بالخطأ، والشبهة، والتّأويل في مسائل الشّرك: (وكلّ كافر قد أخطأ، والمشركون لا بدّ لهم من تأويلات، ويعتقدون أنّ شركهم بالصّالحين تعظيم لهم ينفعهم، ويدفع عنهم، فلم يعذروا بذلك الخطأ، ولا بذلك التّأويل). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص192)؛ في ردّه على: «داود بن جرجيس» في العذر بالشّبهة في مسائل الشّرك، ونسبة ذلك إلى شيخ الإسلام ابن تيميّة /: (وليس في كلام الشّيخ العذر بكلّ شبهة، ولا العذر بجنس الشّبهة؛ فإنّ هذا لا يفيده كلام الشّيخ، ولا يفهمه منه إلّا من لم يمارس من العلوم شيئا، بل عبارته صريحة في إبطال هذا المفهوم). اهـ
قلت: وهذه الفتاوى، تدلّ على عدم اعتبار: «الشّبهة»، و«التّأويل»، و«الخطأ» في «مسائل الكفر الأكبر»، وفي «مسائل الشّرك الأكبر»، لظهور أدلّتها، ووضوح برهانها. ([396])
* فالفرق بين قيام الحجّة، وفهم الحجّة، وأنّه لا يشترط في قيام الحجّة فهمها، إذا كان من بلغته، لو أراد، وإنّما يشترط بلوغها على وجه يمكن معه العلم؛ أي: إذا كان الّذي تبلغه، عاقلا، مميّزا، يعي ما يسمع.
قلت: وكلّ إنسان مكلّف، له عقل يدرك به الحقائق، فمن سمع كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، بقلب واع، فقد فهمه ابتداء في الجملة، ثمّ بعد تعلّمه، سوف يفهمه على التّفصيل، وهذا هو المراد من البلاغ.
قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
قلت: فالإنذار يحصل، لمن بلغه القرآن: بلفظه، أو معناه، فهذا قامت عليه الحجّة، وانقطع عذره في هذه الحياة. ([397])
قال العلّامة الشّيخ حمد بن معمّر / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص240): (كلّ من بلغه القرآن، ودعوة الرّسول r، فقد قامت عليه الحجّة، كما قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]، وقد أجمع العلماء: أنّ من بلغته دعوة الرّسول r، أنّ حجّة الله تعالى، قائمة عليه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «شرح العمدة» (ج2 ص35): (قال تعالى: ]لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالإنذار يحصل: لمن بلغه القرآن؛ بلفظه، أو معناه، فإذا بلغته الرّسالة: بواسطة، أو بغير واسطة، قامت عليه الحجّة، وانقطع عذره). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «شرح العمدة» (ج2 ص105)؛ لمّا تكلّم في كفر تارك الصّلاة: (وفي الحقيقة، فكلّ ردّ لخبر الله تعالى، أو أمره، فهو كفر: «دقّ»، أو «جلّ» ([398])، لكن قد يعفى عمّا خفيت فيه طرق العلم، وكان أمرا يسيرا، في الفروع؛ بخلاف ما ظهر أمره، وكان من دعائم الدّين، من الأخبار، والأوامر). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدّرب» (ج1 ص246 و248): (أمّا من بين المسلمين، يسمع السّنّة، ويسمع القرآن، هذا غير معذور، لا في العقيدة، ولا في غيرها.
* قال الله تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19]؛ فالله تعالى جعل القرآن نذيرا، ومحمّدا جعله، نذيرا.
* فالقرآن نذير، ومحمّد نذير، فالّذي يبلغه القرآن، والسّنّة، ويعيش بين المسلمين، فهذا غير معذور، عليه أن يسأل، وعليه أن يتفقّه في الدّين، وعليه أن يتعلّم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى العذر بالجهل» (ص13): (فالواجب على كلّ إنسان مكلّف، أن يسأل، ويتحرّى الحقّ، ويتفقّه في دينه، ولا يرضى بمشاركة العامّة، والتّأسّي بكفرهم وضلالهم، وأعمالهم القبيحة.
* وعليه أن يسأل العلماء، ويعتني بأهل العلم، عمّا أشكل عليه، من أمر التّوحيد، وغيره، يقول سبحانه: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43]؛ ... فالجهل بهذا -يعني: بالتّوحيد- لا يكون عذرا، بل يجب على المؤمن أن يعلم هذا، وأن يتبصّر فيه، ولا يعذر؛ بقوله: «إنّي جاهل» في هذه الأمور، وهو بين المسلمين، وهو قد بلغه كتاب: الله تعالى، وسنّة: رسوله r.
* هذا يسمّى: معرضا، ويسمّى: غافلا، ومتجاهلا، لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر... الواجب على المؤمن أن يتعلّم، ويتفقّه في الدّين، ويسأل أهل العلم، كما قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [النّحل:43].
* فالواجب على الرّجال والنّساء، من المسلمين: التّفقّه في الدّين، والتّبصّر، والسّؤال: عمّا أشكل عليهم، وعدم السّكوت على الجهل، وعدم الإعراض، وعدم الغفلة؛ لأنّهم: خلقوا، ليعبدوا الله تعالى: ويطيعوه سبحانه، ولا سبيل إلى ذلك؛ إلّا بالعلم، لا يحصل هكذا، من دون طلب، ولا سؤال، لا بدّ من طلب العلم، ولا بدّ من السّؤال، لأهل العلم، حتّى: يتعلّم الجاهل). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدّرب» (ج1 ص248)؛ عن أمور الشّرك: (هذه أمور معلومة من الدّين بالضّرورة، ومشهورة بين المسلمين، فلا يعذر من قال: «أنّي أجهل» وهو بين المسلمين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص72)؛ رادّا على من استدلّ، بنصوص: شيخ الإسلام ابن تيميّة /، في عدم تكفير المعيّن؛ مثبتا تفريق شيخ الإسلام ابن تيميّة /، بين: «المسائل الظّاهرة»، وبين: «المسائل الخفيّة»، في: «مسائل تكفير المعيّن».
فقال /؛ بعد أن نقل قول شيخ الإسلام ابن تيميّة / في التّفريق بين المسائل الظّاهرة، والمسائل الخفيّة، في معرض ردّه على المتكلّمين: (فانظر كلامه في التّفرقة بين المقالات الخفيّة، وبين ما نحن فيه، في كفر المعيّن). اهـ
قلت: فمسألة تكفير المعيّن، مسألة معروفة، إذا قال: قولا، يكون القول به كفرا، فيقال: من قال بهذا القول، فهو كافر.
* لكنّ الشّخص المعيّن، إذا قال ذلك: لا يحكم بكفره، حتّى تقوم عليه الحجّة، الّتي يكفر تاركها.
* وهذا في: «المسائل الخفيّة» الّتي يخفى دليلها على بعض النّاس، وهي في «المسائل الدّقيقة»، الّتي قد تشكل على الجاهل، فيعذر بجهله فيها، ومرجع ذلك إلى أهل العلم.
* وأمّا ما يقع منه في: «المسائل الظّاهرة الجليّة»، أو ما يعلم من الدّين بالضّرورة، فهذا لا يتوقّف في كفر قائله، أو فاعله. ([399])
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج8 ص244): (إنّ الشّخص المعيّن، إذا قال: ما يوجب الكفر، فإنّه لا يحكم بكفره، حتّى تقوم عليه الحجّة، الّتي يكفر تاركها، وهذا في: «المسائل الخفيّة»، الّتي قد يخفى دليلها على بعض النّاس.
* وأمّا ما يقع منهم: في «المسائل الظّاهرة الجليّة»، أو ما يعلم من الدّين بالضّرورة، فهذا لا يتوقّف في كفر قائله). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ / في «الفتاوى» (ج1 ص73 و74): (ثمّ إنّ الّذين توقّفوا، في تكفير المعيّن، في الأشياء الّتي يخفى دليلها، فلا يكفر حتّى تقوم عليه الحجّة الرّساليّة، من حيث الثّبوت، والدّلالة.
* فإذا أوضحت له بالبيان الكافي: كفر، سواء فهم، أو أنكر، ليس كفر الكفّار كلّه عن عناد، أمّا ما علم بالضّرورة، أنّ الرّسول r جاء به، فهذا يكفر بمجرّد ذلك، ولا يحتاج إلى تعريف سواء: في الأصول، أو الفروع([400])، ما لم يكن حديث عهد بالإسلام). اهـ
قلت: فلا بدّ أن نفرّق بين: «المسائل الظّاهرة»، وبين: «المسائل الخفيّة»، في مسألة: تكفير المعيّن. ([401])
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدّرب» (ج1 ص245): (أمّا في الأمور الواضحة، الأمور: الّتي تعدّ بالضّرورة، كالإيمان بتوحيد الله تعالى، وأنّه الخلّاق العليم، وأنّه مستحقّ للعبادة، وأنّه الكامل في «أسمائه وصفاته»، والإيمان بما جاء في القرآن العظيم، والسّنّة المطهّرة، من: «أسماء الله وصفاته»، هذا ليس: محلّ عذر، إذا كان ممّن بلغه القرآن والسّنّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج28 ص217): (أمّا الّذي يمكن جهله، مثل: بعض «الصّفات»، صفات الله تعالى الّتي خفيت عليه، أو ما درى أنّها، من: «صفات الله»، فأنكرها، ثمّ علم، وبيّن له: ما يكفر بذلك؛ لأنّ مثل: هذا قد يجهل بعض الصّفات([402])، أو مثل: بعض: حقوق النّبيّ r جهلها ما درى عن بعض الحقوق، الّتي تخفى على العامّيّ، أو ما أشبه ذلك).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدّرب» (ج1 ص245): (أمّا في الأحكام: فهو عذر؛ يعني: جهل بالحكم الشّرعيّ، في بعض الأحكام الّتي تخفى، أو في دقائق: «الصّفات»، وبعض: «الصّفات»، الّتي قد تخفى، فهذا عذر) ([403]). اهـ
وقال تعالى: ]يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ اللّه مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين [ [التّوبة:64 و65 و66].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الصّارم المسلول» (ص178): (وبالجملة؛ فمن قال، أو فعل ما هو كفر: كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد؛ إلّا ما شاء الله). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله النّجديّ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص454): (والإنسان قد يكفر بالمقالة الكافرة، وإن كان عند نفسه لم يأت بمكفّر، كما حصل من المنافقين في غزوة تبوك، قال تعالى: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[ [التّوبة:66]، فهؤلاء ظنّوا أنّ ذلك ليس بكفر، ولكنّ الآية دليل على أنّ الرّجل إذا فعل الكفر، ولم يعلم، أو يعتقد: أنّه كفر، لا يعذر بذلك، بل يكفر بفعله القوليّ، والعمليّ). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، ولو هازلا، لم يقصد حقيقة الاستهزاء: كفّر إجماعا). اهـ
قلت: فمن نطق بلفظ صريح دالّ على الكفر؛ فهذا لا يسأل عن قصده، من هذا اللّفظ لوضوح الدّلالة على كفره.
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج12 ص315)؛ عن حديث: الخوارج: (وفيه أنّ من المسلمين، من يخرج من الدّين من غير، أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينا، على دين الإسلام). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (باب: من هزل بشيء فيه، ذكر الله تعالى، أو القرآن، أو الرّسول r؛ أي: أنّه يكفر بذلك، لاستخفافه بجناب الرّبوبيّة، والرّسالة، وذلك مناف للتّوحيد، ولهذا: أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (قال المصنّف /: «وقول الله تعالى: ]ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب[ [التّوبة:65]».
الشّرح: يقول تعالى مخاطبا؛ لرسوله r: ]ولئن سألتهم[؛ أي: سألت المنافقين الّذين تكلّموا بكلمة الكفر استهزاء؛ ]ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب[؛ أي: يعتذرون بأنّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتّكذيب، إنّما قصدوا الخوض في الحديث واللّعب؛ ]قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون[؛ لم يعبأ باعتذارهم؛ إمّا لأنّهم كانوا كاذبين فيه، وإمّا لأنّ الاستهزاء على وجه الخوض واللّعب لا يكون صاحبه معذورا، وعلى التّقديرين: فهذا عذر باطل، فإنّهم أخطئوا موقع الاستهزاء.
* وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاء بذلك في قلب؟!، بل ذلك عين الكفر، فلهذا كان الجواب مع ما قبله: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم[ [التّوبة:66]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج7 ص272): (فقد أمره أن يقول لهم: قد كفرتم بعد إيمانكم، وقول من يقول: إنّهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أوّلا بقلوبهم لا يصحّ؛ لأنّ الإيمان باللّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم، فإنّهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: أنّكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا ذلك إلّا لخواصّهم، وهم مع خواصّهم ما زالوا هكذا، بل لمّا نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبيّن ما في قلوبهم من النّفاق، وتكلّموا بالاستهزاء: صاروا كافرين بعد إيمانهم. ولا يدلّ اللّفظ على أنّهم ما زالوا منافقين). إلى أن قال: (قال تعالى: ]ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب[؛ فاعترفوا واعتذروا، ولهذا قيل: ]لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين[؛ فدلّ على أنّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنّوا أنّ ذلك ليس بكفر.
* فبيّن أنّ الاستهزاء بآيات اللّه ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدلّ على أنّه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرّم الّذي عرفوا أنّه محرّم. ولكن لم يظنّوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنّهم لم يعتقدوا جوازه).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص617): (وفي الآية: دليل على أنّ الرّجل إذا فعل الكفر، ولم يعلم أنّه كفر لا يعذر بذلك، بل يكفر، وعلى أنّ السّابّ كافر بطريق الأولى نبّه عليه شيخ الإسلام) ([404]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص618): (قوله: «فقال: يا رسول الله إنّما كنّا نخوض ونلعب، ونتحدّث حديث الرّكب نقطع به عنّا الطّريق»؛ أي: لم نقصد حقيقة الاستهزاء، وإنّما قصدنا الخوض واللّعب، والمراد الهزل لا الجدّ، ونتحدّث كما يتحدّث الرّكبان إذا ركبوا رواحلهم، وقصدوا ترويح أنفسهم، وتوسيع صدورهم، ليسهل عليهم السّفر، وقطع الطّريق.
وقوله: «فقال رسول الله r: ]أباللّه وآياته ورسوله...[، إلخ»؛ أراد r: أنّه ليس لهم عذر، لأنّ هذا لا يدخله الخوض واللّعب، لأنّ هذه الأشياء ممّا تحترم، وتعظّم، ويخشع عندها إيمانا بالله، وتصديقا لرسوله، وتعظيما لآياته، وتوقيرا للرّسول r، فالمقابل لها بالخوض واللّعب واضع له في غير محلّه، متنقّص لله ولآياته ولرسوله، ولا يكون معذورا.
وقوله: «ما يلتفت إليه»؛ فيه الغلظة على أعداء الله، وعدم المبالاة بهم.
وقوله: «وما يزيده عليه»؛ فيه الاقتصار على النّصّ، والإعراض عن مجادلة المبطلين، وفيه أنّ من الأعذار ما لا ينبغي أن يقبل). اهـ
قلت: برغم وضوح الأقوال الّتي سبق نقلها عن شيخ الإسلام ابن تيميّة /، وغيره في: «مسألة العذر بالجهل»، وأنّه يكفّر أحيانا: «بالكفر العامّ»، وأحيانا: «بالكفر المعيّن»، على حسب الأدلّة.
* فإنّ: «المرجئة» في هذه المسألة احتجّوا بها، وبغيرها، على أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة /، لا يكفّر المعيّن مطلقا، أو أنّه يطلق؛ اسم: الكفر على القول، دون قائله.
* وجعلوا ذلك قاعدة مطّردة في «المسائل الظّاهرة»، و«المسائل الخفيّة»!.
وقد بيّن أهل العلم، الفهم الصّحيح، لأقوال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في: «مسألة العذر بالجهل».
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «جامع المسائل» (ج3 ص151)؛ لمّا احتجّ عليه البعض، بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة، في عدم تكفير المعيّن: (وأنا أذكر لفظه، الّذي احتجّوا على زيغهم... ([405]) وهذه صفة كلامه لا يذكر عدم تكفيره، قبل أن تبلغه الحجّة.
* وأمّا إذا بلغته الحجّة حكم عليه بما تقتضيه تلك المسألة: من تكفير، أو تفسيق، أو معصية، وصرّح -يعني: ابن تيميّة- أنّ كلامه في غير: «المسائل الظّاهرة»).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص120)؛ في رسالة، إلى أحمد بن عبد الكريم: (وصل مكتوبك، تقرّر المسألة، الّتي ذكرت، تذكر أنّ عليك: إشكال تطلب إزالته.
* ثمّ ورد منك: رسالة تذكر أنّك عثرت، على كلام شيخ الإسلام، أزال عنك الإشكال.
قال الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب؛ ردّا عليه، في فهمه من أقوال شيخ الإسلام ابن تيميّة /: أنّه لا يكفّر المعيّن مطلقا: (يوضّح ذلك: أنّ المنافقين إذا أظهروا نفاقهم، صاروا مرتدّين، فأين نسبتك أنّه لا يكفّر أحدا بعينه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن / من علماء الدّعوة؛ مخصّصا: كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة، في عدم تكفير المعيّن: «بالمسائل الخفيّة»: (وهذان الشّيخان: ابن تيميّة، وابن القيّم؛ يحكمان أنّ من ارتكب ما يوجب الكفر، أو الرّدّة: يحكم عليه بمقتضى ذلك، وبموجب ما اقترف: «كفرا»، أو «شركا»، أو «فسقا»، إلّا أن يقوم مانع شرعيّ يمنع من هذا الاطلاق، وهذا له صور مخصوصة، لا يدخل فيها: من عبد: «صنما»، أو «قبرا»، أو «بشرا»، أو «مدرا»، لظهور البرهان، لقيام الحجّة بالرّسل عليهم السّلام) ([406]). اهـ
وقال الشّيخ العلّامة أبو بطين / في «الدّرر السّنيّة» (ج6 ص246)؛ معلّقا، وموضّحا، موقف: شيخ الإسلام ابن تيميّة /، في تكفير المعيّن في: «المسائل الظّاهرة»: (أمّا الأمور الّتي هي مناقضة للتّوحيد، والإيمان بالرّسالة، فقد صرّح / -يعني: ابن تيميّة- في مواضع كثيرة بكفر أصحابها، وقتلهم بعد الاستتابة، ولم يعذرهم بالجهل، مع أنّا نتحقّق أنّ السّبب في تلك الأمور إنّما هو: الجهل بحقيقتها، فلو علموا أنّها كفر تخرج عن الإسلام: لم يفعلوها، وهذا في كلام الشّيخ / كثير). اهـ
قلت: إذا مراد شيخ الإسلام ابن تيميّة /، في عدم تكفير المعيّن، وإطلاق اسم الكفر على القول، دون قائله، إنّما هو في «المسائل الخفيّة»، وليس في «المسائل الظّاهرة».
* وأنّ كلامه ليس في الرّدّة، بل في «المسائل الجزئيّة»، وقد التبست عبارات شيخ الإسلام ابن تيميّة / على: «المرجئة العصريّة»، فافطن لهذا. ([407])
قال العلّامة الشّيخ إسحاق بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ /؛ وقد نقل نصوص الشّيخين: ابن تيميّة، ومحمّد بن عبد الوهّاب، في تكفير المعيّن: (وأمّا أن يطلق: اسم الكفر على الفعل، ودون فاعله، فقد خصّص كلام ابن تيميّة، وابن عبد الوهّاب، أنّه في: «المسائل الخفيّة»، الّتي يقع فيها: أهل الأهواء، بخلاف: «المسائل الظّاهرة الجليّة»، فإنّهما: يطلقان اسم الكفر على المعيّن، وعلى الفعل وفاعله). ([408])
قلت: فقد بيّن أهل العلم، أنّ من احتجّ، بنصّ شيخ الإسلام ابن تيميّة، على عدم تكفير المعيّن، حيث حملوا نصّه على أنّه في «المسائل الخفيّة» فقط، وأنّه ليس كلاما مطلقا.
* فالقول: بأنّ القول: كفر، ولا نحكم بكفر القائل، فإنّ إطلاق هذا: جهل صرف، لأنّ العبارة لا تنطبق؛ إلّا على المعيّن، ومسألة تكفير المعيّن، مسألة معروفة، إذا قال، قولا يكون: القول به كفرا، في «المسائل الظّاهرة».
* لكن فمن قال بهذا القول: فهو كافر، ولكنّ العبد المعيّن إذا قال ذلك لا يحكم بكفره، حتّى تقوم عليه الحجّة الّتي يكفر تاركها، وهذا في «المسائل الخفيّة»، الّتي قد يخفى دليلها على أناس دون أناس في الدّين. ([409])
قلت: وهذا الّذي هو عامّي في الجملة، وليس بمعرض عن العلم، ويسأل عن دينه، وليس بمعاند في الدّين، وهذا لا بدّ أن يجتهد على نفسه في السّؤال عن العلم.
* فهذا إذا وقع في شيء من: «المسائل الخفيّة»؛ يعني: خفي عليه دليلها؛ مثل؛ نفي: «صفة من الصّفات»، أو خفي عليه شيء من: «الإرجاء»، أو في شيء من: «الخروج»، وما شابه ذلك. ([410])
فهذا لا يحكم بكفره بعينه([411])، حتّى تقوم عليه الحجّة، فإذا أصرّ حكم بكفره، لأنّه جاءه العلم، بهذه: «المسائل الخفيّة» الّتي جهلها.
وهذا الصّنف في الغالب، يرجع عن خطئه، بخلاف المعرض عن العلم، والمعادي في السّنّة.
قلت: وأمّا المعرض عن العلم، والسّؤال عنه، فلا يسأل عن دينه في حياته، ولا يبالي في الأخذ ممّن هبّ ودبّ، فهذا مفرّط في دينه، وهو مؤاخذ في «المسائل الخفيّة»، و«المسائل الظّاهرة»، جميعا، لإعراضه عن العلم، والسّؤال عنه، وهو مهمل في الدّين، وقد قامت عليه الحجّة في دار الإسلام إذا مات على ذلك، لأنّ هذا الصّنف المعاند([412])، كما هو مشاهد منه، لا يرجع عن خطئه مهما بيّنت له من الأدلّة، لأنّه معرض عن الحجّة([413])، جملة وتفصيلا. ([414])
قال تعالى: ]أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون[ [البقرة: 75].
وقال تعالى: ]وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم اللّه بكفرهم فقليلا ما يؤمنون[ [البقرة: 88].
وقال تعالى: ]وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم[ [البقرة: 93].
وقال تعالى: ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزي في الحياة الدّنيا ويوم القيامة يردّون إلى أشدّ العذاب وما اللّه بغافل عمّا تعملون[ [البقرة: 85].
وقال تعالى: ]فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين[ [البقرة: 89].
وقال تعالى: ]وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقا لما معهم[ [البقرة: 91].
وقال تعالى: ]ولمّا جاءهم رسول من عند اللّه مصدّق لما معهم نبذ فريق من الّذين أوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون[ [البقرة: 101].
قلت: فالقول على التّفصيل في المبتدعة، الّذين ثبت النّصّ فيهم، من الكتاب والسّنّة والأثر، والإجماع عند السّلف، فما كان الأئمّة من السّلف: يتوقّفون في تكفيرهم، وذلك مثل: المعلنين بالبدع الكبرى، في نفي الأسماء والصّفات، وغير ذلك.
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص247)؛ ردّا على من فهم من كلام: شيخ الإسلام ابن تيميّة /، أنّه لا يكفّر: «المعيّن»، في «مسائل الشّرك»: (وكلام شيخ الإسلام ابن تيميّة /، إنّما يعرفه، ويدريه؛ من مارس كلامه، وعرف أصوله.
* فإنّه قد صرّح في غير موضع، أنّ الخطأ، قد يغفر لمن لم يبلغه الشّرع، ولم تقم عليه الحجّة، في «مسائل مخصوصة»([415])، إذا اتّقى الله تعالى ما استطاع، واجتهد بحسب طاقته. ([416])
* وأين التّقوى، والاجتهاد الّذي يدّعيه: عبّاد القبور، والدّاعون للموتى، والغائبين). اهـ
قلت: فهذا فهم أهل العلم في أقوال شيخ الإسلام ابن تيميّة /، في إطلاق اسم: الكفر على القول، دون قائله، أو الفعل، دون فاعله، وذلك في «المسائل الخفيّة»، وليست في: «الشّرك الأكبر»، أو «المسائل الظّاهرة».
* فشيخ الإسلام ابن تيميّة /، يكفّر المعيّن، إذا وقع منه في: «المسائل الجليّة» المعلومة من الدّين بالضّرورة؛ مثل: عبادة القبور، والاستغاثة بها، وترك الصّلاة، وترك الأركان، وما شابه ذلك من أصول الإسلام، لوضوح البرهان فيها، وقيام الحجّة بالرّسالة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج35 ص105): (من لم يعتقد وجوب الصّلوات الخمس، والزّكاة المفروضة، وصيام شهر رمضان، وحجّ البيت العتيق، ولا يحرّم ما حرّم اللّه تعالى، ورسوله r، من الفواحش، والظّلم، والشّرك، والإفك، فهو كافر، مرتدّ: يستتاب، فإن تاب، وإلّا قتل؛ باتّفاق أئمّة المسلمين، ولا يغني عنه التّكلّم: بالشّهادتين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج35 ص105): (إنّ كلّ من تكلّم بـ«الشّهادتين»، ولم يؤدّ الفرائض، ولم يجتنب المحارم، يدخل الجنّة، ولا يعذّب أحد منهم بالنّار، فهو كافر، مرتدّ، يجب أن يستتاب، فإن تاب، وإلّا قتل). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أنّ شيخ الإسلام ابن تيميّة /، يكفّر المعيّن في «المسائل الظّاهرة».
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل: الملائكة، والأنبياء، وسائط يدعوهم، ويتوكّل عليهم، ويسألهم: جلب المنافع، ودفع المضارّ، مثل: أن يسألهم؛ غفران الذّنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسدّ الفاقات، فهو: كافر؛ بإجماع المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص124)؛ في معرض حديثه، عن الأدعية الشّركيّة: (أن يدعو غير اللّه تعالى، وهو: ميّت، أو غائب، سواء كان من الأنبياء، والصّالحين، أو غيرهم، فيقول: يا سيّدي: فلان «أغثني»، أو «أنا أستجير بك»، أو «أستغيث بك»، أو «انصرني على عدوّي»، ونحو ذلك، فهذا هو: «الشّرك باللّه»، وأعظم من ذلك، أن يقول: «اغفر لي»، و«تب عليّ»، كما يفعله: طائفة من الجهّال المشركين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج30 ص108)؛ في تكفير الحلّاج: (الحلّاج: قتل على الزّندقة، الّتي ثبتت عليه بإقراره، وبغير إقراره، والأمر الّذي ثبت عليه، بما يوجب القتل؛ باتّفاق المسلمين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة /: (من استغاث بميّت، أو غائب من البشر، بحيث يدعوه في الشّدائد، والكربات، ويطلب منه قضاء الحوائج، فيقول: «يا سيّدي فلان» أنا في حسبك وجوارك، أو يقول: عند هجوم العدوّ عليه: «ياسيّدي فلان» يستوحيه، ويستغيث به، أو يقول ذلك، عند مرضه، وفقره، وغير ذلك من حاجاته، فإنّ هذا ضالّ، جاهل، مشرك، عاص لله تعالى، باتّفاق المسلمين) ([417]). اهـ
وعن ابن عمر ﭭ، أنّ رسول اللّه r قال: (أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا رسول اللّه، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على اللّه تعالى).
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج1 ص75)، ومسلم في «صحيحه» (ج1 ص53)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج3 ص92 و367)، وفي «السّنن الصّغرى» (ج1 ص219)، وابن حبّان في «صحيحه» (ج1 ص200)، وأبو يعلى الخليليّ في «المنتخب من الإرشاد» (ج2 ص515)، والبغويّ في «شرح السّنّة» (ج1 ص67)، وابن الجوزيّ في «الحدائق» (ج2 ص410)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص165)، واللّالكائيّ في «شرح أصول اعتقاد أهل السّنّة والجماعة» (ج4 ص819)، والدّارقطنيّ في «السّنن» (ج1 ص232)، ومحمّد بن نصر المروزيّ في «تعظيم قدر الصّلاة» (ج1 ص89) من طريق شعبة عن واقد بن محمّد عن أبيه عن ابن عمر ﭭ به.
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص22): (وكان المشركون الأوّلون يؤمنون بأنّ الله تعالى: ربّهم، وخالقهم، ورازقهم، وإنّما تعلّقوا على الأنبياء، والأولياء، والملائكة، والأشجار، والأحجار، وأشباه ذلك، يرجون شفاعتهم عند الله تعالى، وتقريبهم لديه، كما سبق في الآيات، فلم يعذرهم الله تعالى بذلك، ولم يعذرهم رسول الله r، بل أنكر الله تعالى عليهم في كتابه العظيم، وسمّاهم: كفّارا ومشركين، وأكذبهم في زعمهم أنّ هذه الألهة تشفع لهم، وتقرّبهم إلى الله تعالى زلفى، وقاتلهم الرّسول r على هذا الشّرك حتّى يخلصوا العبادة لله تعالى وحده، عملا بقوله سبحانه: ]وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين كلّه للّه[ [الأنفال: 39]؛ وقال الرّسول r: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا رسول اللّه، ويقيموا الصّلاة، ويؤتوا الزّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّ الإسلام، وحسابهم على اللّه تعالى»([418])؛ ومعنى: قوله r «حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه»؛ أي: حتّى يخصّوا الله بالعبادة، دون كلّ ما سواه). اهـ
وهناك فتوى: للشّيخ عبد الله بن عبد الرّحمن أبو بطين النّجديّ /؛ بعنوان: «حكم تكفير المعيّن» قال /: وما سألت عنه من أنّه هل يجوز تعيّين إنسان بعينه؛ بالكفر إذا ارتكب شيئا من المكفّرات؟.
فأجاب /: (فالأمر الّذي دلّ عليه الكتاب، والسّنّة، وإجماع العلماء على أنّه كفر، مثل: «الشّرك بعبادة غير الله» سبحانه وتعالى، فمن ارتكب شيئا من هذا النّوع أو جنسه، فهذا لا شكّ في كفره.
* ولا بأس بمن تحقّق منه شيء من ذلك أن نقول: كفر فلان بهذا الفعل، يبيّن هذا، أنّ الفقهاء: يذكرون في باب: «حكم المرتدّ» أشياء كثيرة، يصير بها المسلم كافرا، ويفتتحون هذا الباب بقولهم: من «أشرك بالله كفر»، وحكمه: «أنّه يستتاب»، فإن تاب وإلّا قتل، والاستتابة تكون مع معيّن، ولمّا قال بعض أهل البدع عند الشّافعيّ: «إنّ القرآن مخلوق»، قال: «كفرت بالله العظيم»، وكلام العلماء في: تكفير المعيّن كثير، وأعظم أنواع الكفر، «الشّرك بعبادة الله»، وهو: كفر بإجماع المسلمين، ولا مانع من تكفير من اتّصف بذلك، كما أنّه من زنى؛ قيل: فلان زان، ومن رابى؛ قيل: فلان مراب) ([419]). اهـ
* وسئل العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ /، عن تكفير المعيّن؛ فأجاب: (نقول في تكفير المعيّن: ظاهر الآيات، والأحاديث، وكلام جمهور العلماء، تدلّ على كفر من أشرك بالله، فعبد معه غيره، ولم تفرّق الأدلّة بين المعيّن وغيره، قال تعالى: ]إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به[ [النّساء:48]، وقال تعالى: ]فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم[ [التّوبة:5]، وجميع العلماء: في كتب الفقه يذكرون «حكم المرتدّ»، وأوّل ما يذكرون من أنواع الكفر والرّدّة: «الشّرك»، فقالوا: من «أشرك بالله كفر»، ومن زعم لله صاحبة، أو ولدا: كفر، ولم يستثنوا الجاهل، ويذكرون: أنواعا، مجمعا على كفر صاحبها، ولم يفرّقوا بين المعيّن وغيره) ([420]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «إقامة البراهين» (ص38): (فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخّرين: إنّا لا نقصد أنّ أولئك يفيدون بأنفسهم، ويشفون مرضانا بأنفسهم، أو ينفعونا بأنفسهم، أو يضرّونا بأنفسهم، وإنّما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك؟.
* فالجواب أن يقال له:
إنّ هذا هو مقصد الكفّار الأوّلين ومرادهم، وليس مرادهم أنّ آلهتهم تخلق، أو ترزق، أو تنفع، أو تضرّ بنفسها، فإنّ ذلك يبطله ما ذكره الله تعالى عنهم في القرآن، وأنّهم أرادوا شفاعتهم، وجاههم، وتقريبهم إلى الله تعالى زلفى، كما قال سبحانه وتعالى؛ في سورة يونس عليه الصّلاة والسّلام: ]ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه[ [يونس:18]، فردّ الله تعالى عليهم ذلك بقوله سبحانه: ]قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون[ [يونس:18]؛ فأبان سبحانه: أنّه لا يعلم في السّماوات، ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الّذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله تعالى وجوده: لا وجود له، لأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء، وقال تعالى، في سورة الزّمر: ]تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم * إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ فاعبد اللّه مخلصا له الدّين * ألا للّه الدّين الخالص[ [الزّمر: 1 - 3]؛ فأبان سبحانه: أنّ العبادة له وحده، وأنّه يجب على العباد إخلاصها له جلّ وعلا؛ لأنّ أمره للنّبيّ r بإخلاص العبادة له؛ أمر: للجميع، ومعنى الدّين هنا: هو العبادة، والعبادة: هي طاعته، وطاعة رسوله r كما سلف، ويدخل فيها الدّعاء، والاستغاثة، والخوف، والرّجاء، والذّبح، والنّذر، كما يدخل فيها: الصّلاة، والصّوم، وغير ذلك؛ ممّا أمر الله تعالى به ورسوله r، ثمّ قال عزّ وجلّ بعد ذلك: ]والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى[ [الزّمر: 3]؛ أي: يقولون ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى الله زلفى، فردّ الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: ]إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار[ [الزّمر: 3]؛ فأوضح سبحانه في هذه الآية الكريمة: أنّ الكفّار ما عبدوا الأولياء من دونه إلّا ليقرّبوهم إلى الله زلفى، وهذا هو مقصد الكفّار قديما وحديثا، وقد أبطل الله تعالى ذلك بقوله: ]إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذب كفّار[ [الزّمر: 3]؛ فأوضح سبحانه: كذبهم في زعمهم أنّ آلهتهم تقرّبهم إلى الله زلفى، وكفّرهم بما صرفوا لها من العبادة، وبذلك يعلم كلّ من له أدنى تميّيز أنّ الكفّار الأوّلين، إنّما كان كفرهم باتّخاذهم الأنبياء، والأولياء، والأشجار، والأحجار، وغير ذلك من المخلوقات: شفعاء بينهم، وبين الله تعالى، واعتقدوا أنّهم يقضون حوائجهم من دون إذنه سبحانه، ولا رضاه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله آل الشّيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص79)؛ مشبّها عبّاد القبور الّذين يقولون: «لا إله إلّا الله»، مع جهلهم معناها، باليهود: (وعبّاد القبور: نطقوا بها، وجهلوا معناها، وأبوا عن الإتيان به، فصاروا، كاليهود الّذين يقولونها، ولا يعرفون معناها، ولا يعملون بها). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله آل الشّيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص619)؛ تعليقا على آية المستهزئين([421]): (وفي الآية: دليل على أنّ الرّجل؛ إذا فعل الكفر، ولم يعلم: أنّه كفر، لا يعذر بذلك، وعلى أنّ السّابّ: كافر، بطريق الأولى، نبّه عليه: شيخ الإسلام ابن تيميّة /). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين /؛ وهو يردّ على من قال إنّ المقلّد في الشّرك معذور: (قد افترى، وكذب على الله تعالى، وقد قال الله تعالى؛ عن المقلّدين من أهل النّار: ]إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا[ [الأحزاب:67]، وقال تعالى؛ حاكيا، عن الكفّار: قولهم: ]إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون[ [الزّخرف:22]، واستدلّ العلماء: بهذه الآية ونحوها، على أنّه لا يجوز التّقليد في التّوحيد، والرّسالة، وأصول الدّين، وأنّ فرضا على كلّ مكلّف، أن يعرف التّوحيد بدليله، وكذلك الرّسالة، وسائر أصول الدّين، لأنّ أدلّة هذه النّصوص ظاهرة) ([422]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص226): (ولا ريب: أنّ الله تعالى، لم يعذر أهل الجاهليّة، الّذين لا كتاب لهم، بهذا: «الشّرك الأكبر»، فكيف يعذر أمّة، كتاب الله تعالى: بين أيديهم، يقرؤونه، وهو حجّة الله تعالى على عباده). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص231): (إنّ الشّرك الأكبر: من عبادة غير الله تعالى، صرفها، لمن أشركوا به، مع الله تعالى، من الأنبياء، والأولياء، والصّالحين، فإنّ هذا: لا يعذر أحد في الجهل به، بل معرفته، والإيمان به من ضروريّات الإسلام). اهـ
وقال تعالى: ]ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيّ وإن هم إلّا يظنّون * فويل للّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم ممّا يكسبون[ [البقرة:78 و79].
وقال تعالى: ]بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون[ [البقرة:81].
وعن تميم بن أوس الدّاريّ t، قال: سمعت رسول اللّه r يقول: (ليبلغنّ هذا الدّين ما بلغ اللّيل والنّهار، ولا يترك اللّه عزّ وجلّ بيت مدر([423])، ولا وبر([424])؛ إلّا أدخله اللّه هذا الدّين، بعزّ عزيز، أو بذلّ ذليل، عزّا يعزّ اللّه به الإسلام، وذلّا يذلّ اللّه عزّ وجلّ به الكفر).
حديث صحيح
أخرجه الطّحاويّ في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج5 ص459)، وابن بشران في «البشرانيّات» (ج1 ص158)، والطّبرانيّ في «مسند الشّاميّين» (ج2 ص79 و80)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتّاريخ» (ج2 ص331)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص430 و431)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق عثمان بن سعيد الدّارميّ، ويعقوب بن سفيان، وعبد الكريم بن الهيثم، جميعهم: عن أبي اليمان الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو حدّثني سليم بن عامر الكلاعيّ عن تميم الدّاريّ t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صحّحه الشّيخ الألبانيّ في «تحذير السّاجد» (ص118).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين، وإنّما هو على شرط مسلم فقط.
* وتابع أبا اليمان الحكم بن نافع: أبو المغيرة، عبد القدّوس بن الحجّاج الخولانيّ عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن تميم الدّاريّ t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص103)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص982)، وعبد الغنيّ المقدسيّ في «ذكر الإسلام» (ص36)، وأبو عروبة الحرّانيّ في «المنتقى من كتاب الطّبقات» (ص58).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ عبد الغني المقدسيّ: هذا حديث حسن صحيح.
وتابع: صفوان بن عمرو: معاوية بن صالح عن سليم بن عمرو الكلاعيّ عن تميم الدّاريّ t به.
أخرجه الطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (1280).
قلت: وهذا سنده حسن.
والحديث ذكره الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (ج6 ص14)؛ ثمّ قال: «رواه أحمد، والطّبرانيّ، ورجال أحمد، رجال الصّحيح».
والحديث صحّحه الشّيخ الألبانيّ في «الصّحيحة» (ج1 ص32).
وأخرجه ابن منده في «الأمالي» (ص206) من طريق يعقوب بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن محمّد عن أبيه محمّد بن عبّاد بن تميم عن أبيه عبّاد بن تميم عن أبيه تميم بن أوس الدّاريّ t به.
قلت: وهذا سنده منكر، فيه مجاهيل، وهو غير محفوظ من هذا الوجه.
وبوّب عليه الحافظ عبد الغنيّ المقدسيّ في «ذكر الإسلام» (ص36)؛ باب؛ بلوغ الإسلام: الزّمان، والمكان، والإنسان.
قلت: فهذا الحديث العظيم، يقرّر فيه رسول الله r، أمرا، عظيما، وهو انتشار هذا الدّين في جميع الأرض. ([425])
وهذا الحديث: يوضّح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره في الأرض، بحيث لا يدع مجالا للشّكّ، في أنّ الإسلام وصل للجميع إلى قيام السّاعة.
* وممّا لا شكّ فيه: أنّ تحقيق هذا الانتشار، يستلزم قيام الحجّة على الخلق كلّهم على وجه الأرض: ]فلا تكوننّ من الممترين[ [البقرة: 147].
قال الإمام الطّحاويّ / في «مشكل الآثار» (ج15 ص459): (فكان جوابنا له في ذلك: أنّه قد يحتمل أن يكون المراد في حديث: تميم t، عموم الأرض كلّها، حتّى لا يبقى بيت؛ إلّا دخله، إمّا بالعزّ الّذي ذكره، أو بالذّلّ الّذي ذكره في هذا الحديث). اهـ
وعن المقداد بن الأسود t قال: سمعت رسول اللّه r يقول: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر، ولا وبر، إلّا أدخله اللّه كلمة الإسلام، بعزّ عزيز، أو بذلّ ذليل، إمّا يعزّهم اللّه تعالى، فيجعلهم من أهل الإسلام، أو يذلّهم، فيدينون لها).
حديث صحيح
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص4)، وابن منده في «الإيمان» (ج2 ص981)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج20 ص254)، وفي «مسند الشّاميّين» (572)، وابن حبّان في «صحيحه» (ج15 ص91)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص476)، وابن عساكر في «معجم الشّيوخ» (ج1 ص417)، و(ج2 ص806)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج9 ص181) من طريق دحيم، والوليد بن مسلم، وغيرهما: عن عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر أنّه سمع سليم بن عامر يقول: سمعت المقدام بن الأسود t به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صحّحه الشّيخ الألبانيّ في «تحذير السّاجد» (ص119).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين، وإنّما هو على شرط مسلم فقط.
وقال ابن عساكر في «معجم الشّيوخ» (ج1 ص417): «هذا حديث محفوظ من حديث عبد الرّحمن بن يزيد بن جابر عن سليم».
وقال الشّيخ الوادعيّ في «الصّحيح المسند» (ج2 ص227): «هذا حديث صحيح».
وقال ابن عساكر في «معجم الشّيوخ» (ج2 ص806): «هذا حديث، حسن».
وأورده الهيثميّ في «مجمع الزّوائد» (ج6 ص14)، ثمّ قال: «رجال الطّبرانيّ، رجال الصّحيح».
قلت: ففي هذا الحديث، يبشّر رسول الله r، بعزّ هذا الدّين، وتمكينه في الأرض، وأنّ هذا العزّ، والتّمكين سيكون في الأرض، ووصوله إلى النّاس كافّة.
* فالإسلام سيصل إلى كلّ موضع، وتظهر به الحجّة على الخلق.
* ولذلك قرّر الله تعالى هذا الأمر، في قوله تعالى: ]يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون * هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون[ [التّوبة: 32 و33].
* وكذلك: ما أرسل الله تعالى به نبيّه محمّدا r، لا بدّ أن يتمّ ويظهر.
وقد تمّ، وظهر في بواكير هذه الرّسالة العظيمة، وسيبقى إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
ولذلك الله يقول: ]ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون[ [التّوبة: 32].
وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرّسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ وما أنا إلّا نذير مبين * قل أرأيتم إن كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [الأحقاف: 9و10].
قلت: فالرّسول r بيّن لهم، أنّه ليس بأوّل رسول أرسل إليهم، وهذا يعني أنّهم يعلمون بالرّسل عليهم السّلام، حتّى في الجاهليّة.
* وهم: تركوا دين الرّسل عليهم السّلام، ووضعوا لهم ديانات من الشّرك، وعبدوا الأصنام وغيرها.
* فما لهم من عذر، وعندهم علم الرّسل عليهم السّلام، وعلم بقايا من أهل العلم. ([426])
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج7 ص42): (قوله تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرّسل[؛ أي: لست بأوّل رسول جاءكم، حتّى تستغربوا رسالتي، وتستنكروا دعوتي، فقد تقدّم من الرّسل والأنبياء، من وافقت دعوتي دعوتهم، فلأيّ شيء تنكرون رسالتي؟.
وقوله تعالى: ]وما أدري ما يفعل بي ولا بكم[؛ أي: لست إلّا بشرا، ليس بيدي من الأمر شيء، والله تعالى المتصرّف بي وبكم، الحاكم عليّ وعليكم.
وقوله تعالى: ]إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ[؛ ولست الآتي بالشّيء من عندي.
وقوله تعالى: ]وما أنا إلّا نذير مبين[؛ فإن قبلتم رسالتي، وأجبتم دعوتي، فهو حظّكم، ونصيبكم في الدّنيا والآخرة.
* وإن رددتم ذلك عليّ، فحسابكم على الله، وقد أنذرتكم، ومن أنذر فقد أعذر.
وقوله تعالى: ]قل أرأيتم إن كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم[؛ أي: أخبروني، لو كان هذا القرآن من عند الله، وشهد على صحّته، الموفّقون من أهل الكتاب، الّذين عندهم من الحقّ، ما يعرفون أنّه الحقّ، فآمنوا به واهتدوا، فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النّبلاء، واستكبرتم، أيّها الجهلاء الأغبياء، فهل هذا إلّا أعظم الظّلم، وأشدّ الكفر؟.
وقوله تعالى: ]إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[؛ ومن الظّلم، الاستكبار عن الحقّ بعد التّمكّن منه). اهـ
وقال تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين * قالوا ياقومنا إنّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدّقا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم * ياقومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين[ [الأحقاف: 29 و30 و31 و32].
قلت: فالجنّ لمّا سمعوا القرآن، فآمنوا؛ وقد قامت عليهم الحجّة، وذهبوا إلى قومهم يبلّغون القرآن لهم، وصاروا حجّة على قومهم من الجنّ.
* والله تعالى يسّر لهم الهدى، وهم من الجنّ، وقامت حجّة الله تعالى على بقيّة الجنّ إلى يوم القيامة.
* بل اعترفوا أنّهم: يعرفون الأنبياء، واعترفوا أنّ هذا القرآن، هو الحقّ من ربّهم، ووصلت لهم كتب الله تعالى، ورسله عليهم السّلام، فالحجّة قائمة عليهم. ([427])
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج7 ص57): (كان الله تعالى قد أرسل رسوله محمّدا r، إلى الخلق، إنسهم وجنّهم، وكان لا بدّ من إبلاغ الجميع، لدعوة النّبوّة والرّسالة.
* فالإنس يمكنه، عليه الصّلاة والسّلام، دعوتهم وإنذارهم.
* وأمّا الجنّ، فصرفهم الله إليه بقدرته، وأرسل إليه: ]نفرا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا[؛ أي: وصّى بعضهم بعضا بذلك.
قوله تعالى: ]فلمّا قضي[([428])؛ وقد وعوه، وأثّر ذلك فيهم: ]ولّوا إلى قومهم منذرين[؛ نصحا منهم لهم، وإقامة للحجّة عليهم، وقيّضهم الله تعالى، معونة لرسوله r، في نشر دعوته في الجنّ.
وقوله تعالى: ]قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى[؛ لأنّ كتاب موسى أصل للإنجيل، وعمدة لبني إسرائيل، في أحكام الشّرع.
* وإنّما الإنجيل، متمّم، ومكمّل ومغيّر لبعض الأحكام.
وقوله تعالى: ]مصدّقا لما بين يديه يهدي[، هذا الكتاب الّذي سمعناه: ]إلى الحقّ[، وهو: الصّواب في كلّ مطلوب وخبر: ]وإلى طريق مستقيم[، موصل إلى الله تعالى، وإلى جنّته، من العلم بالله تعالى، وبأحكامه الدّينيّة، وأحكام الجزاء.
* فلمّا مدحوا القرآن، وبيّنوا محلّه ومرتبته، دعوهم إلى الإيمان به.
وقوله تعالى: ]يا قومنا أجيبوا داعي اللّه[؛ أي: الّذي لا يدعو إلّا إلى ربّه، لا يدعوكم إلى غرض من أغراضه، ولا هوى، وإنّما يدعوكم إلى ربّكم، ليثيبكم، ويزيل عنكم كلّ شرّ ومكروه.
ولهذا قالوا: ]يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم[، وإذا أجارهم من العذاب الأليم، فما ثمّ بعد ذلك، إلّا النّعيم، فهذا جزاء من أجاب داعي الله.
وقوله تعالى: ]ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجز في الأرض[، فإنّ الله على كلّ شيء قدير، فلا يفوته هارب، ولا يغالبه مغالب.
وقوله تعالى: ]وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين[؛ وأيّ: ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرّسل عليهم السّلام، ووصلت إليه النّذر، بالآيات البيّنات، والحجج المتواترات، فأعرض واستكبر؟!). اهـ
وقال الإمام القرطبيّ / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج16 ص210): (قوله تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين[ [الأحقاف: 29].
قوله تعالى: ]وإذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ[؛ هذا توبيخ لمشركي قريش؛ أي: إنّ الجنّ سمعوا القرآن؛ فآمنوا به، وعلموا أنّه من عند اللّه، وأنتم معرضون مصرّون على الكفر.
ومعنى: «صرفنا» وجّهنا إليك وبعثنا.
وقوله تعالى: ]فلمّا حضروه[؛ أي: حضروا النّبيّ r، وهو من باب تلوين الخطاب، وقيل: لمّا حضروا القرآن واستماعه.
وقوله تعالى: ]قالوا أنصتوا[؛ أي: قال بعضهم لبعض اسكتوا، لاستماع القرآن.
وقيل: ]أنصتوا[، لسماع قول رسول اللّه r؛ والمعنى متقارب.
]فلمّا قضي[، وقرأ لاحق بن حميد، وخبيب بن عبد اللّه بن الزّبير: «فلمّا قضى»، بفتح «القاف»، و«الضّاد»؛ يعني: النّبي r قبل الصّلاة.
فسمعوه وانصرفوا إلى قومهم منذرين، ولم يعلم بهم النّبيّ r.
وقيل: بل أمر النّبيّ r أن ينذر الجنّ، ويقرأ عليهم القرآن، فصرف اللّه إليه نفرا من الجنّ ليستمعوا منه، وينذروا قومهم؛ فلمّا تلا عليهم القرآن، وفرغ، انصرفوا بأمره قاصدين من وراءهم من قومهم من الجنّ، منذرين لهم مخالفة القرآن، ومحذّرين إيّاهم بأس اللّه إن لم يؤمنوا.
* وهذا يدلّ على أنّهم آمنوا بالنّبيّ r، وأنّه أرسلهم، ويدلّ على هذا قولهم: ]يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به[، ولولا ذلك لما أنذروا قومهم.
وقوله تعالى: ]قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدّقا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم[ [الأحقاف: 31].
قوله تعالى : ]قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى[؛ أي: القرآن، وكانوا مؤمنين بموسى عليه السّلام.
وقوله تعالى: ]مصدّقا لما بين يديه[؛ يعني: ما قبله من التّوراة: ]يهدي إلى الحقّ[، دين الحقّ.
وقوله تعالى: ]وإلى طريق مستقيم؛[ دين اللّه القويم: ]يا قومنا أجيبوا داعي اللّه[؛ يعني: محمّدا r؛ وهذا يدلّ على أنّه كان مبعوثا إلى الجنّ والإنس) ([429]). اهـ
وقال تعالى: ]ويوم يعرض الّذين كفروا على النّار أليس هذا بالحقّ قالوا بلى وربّنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [الأحقاف: 34].
قلت: وهذه الآية تبيّن أنّ الحقّ وصل إليهم في الحياة الدّنيا، وقد اعترفوا بذلك، وبسبب ذلك ذاقوا العذاب.
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج7 ص59): (يخبر تعالى عن حال الكفّار الفظيعة، عند عرضهم على النّار، الّتي كانوا يكذّبون بها، وأنّهم يوبّخون، ويقال لهم: ]أليس هذا بالحقّ[؛ فقد حضرتموه وشاهدتموه عيانا؟.
وقوله تعالى: ]قالوا بلى وربّنا[
* فاعترفوا بذنبهم، وتبيّن كذبهم.
وقوله تعالى: ]قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[؛ أي: عذابا لازما دائما، كما كان كفركم صفة لازمة). اهـ
وقال تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النّذر من بين يديه ومن خلفه ألّا تعبدوا إلّا اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين * قال إنّما العلم عند اللّه وأبلّغكم ما أرسلت به ولكنّي أراكم قوما تجهلون[ [الأحقاف: 21 و22 و23].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج7 ص52): (قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النّذر من بين يديه ومن خلفه ألّا تعبدوا إلّا اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصّادقين * قال إنّما العلم عند اللّه وأبلّغكم ما أرسلت به ولكنّي أراكم قوما تجهلون[ [الأحقاف: 21 و22 و23].
* أي: ]واذكر[؛ بالثّناء الجميل: ]أخا عاد[، وهو: هود عليه السّلام، حيث كان من الرّسل الكرام، الّذين فضّلهم الله تعالى بالدّعوة إلى دينه، وإرشاد الخلق إليه.
وقوله تعالى: ]إذ أنذر قومه[، وهم عاد: ]بالأحقاف[؛ أي: في منازلهم المعروفة بالأحقاف، وهي: الرّمال الكثيرة في أرض.
وقوله تعالى: ]وقد خلت النّذر من بين يديه ومن خلفه[؛ فلم يكن بدعا منهم، ولا مخالفا لهم.
قائلا لهم: ]ألا تعبدوا إلّا اللّه إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم[.
* فأمرهم بعبادة الله، الجامعة لكلّ قول سديد، وعمل حميد.
* ونهاهم عن الشّرك والتّنديد، وخوّفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشّديد، فلم تفد فيهم تلك الدّعوة.
وقوله تعالى: ]قالوا أجئتنا لتأفكنا([430]) عن آلهتنا[؛ أي: ليس لك من القصد، ولا معك من الحقّ، إلّا أنّك حسدتنا على آلهتنا، فأردت أن تصرفنا عنها.
وقوله تعالى: ]فأتنا بما تعدنا([431]) إن كنت من الصّادقين([432])[، وهذا غاية الجهل والعناد: ]قال إنّما العلم([433]) عند اللّه[؛ فهو الّذي بيده أزمّة الأمور ومقاليدها، وهو الّذي يأتيكم بالعذاب إن شاء.
وقوله تعالى: ]وأبلّغكم ما أرسلت به[؛ أي: ليس عليّ إلّا البلاغ المبين.
وقوله تعالى: ]ولكنّي أراكم قوما تجهلون[([434])؛ فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشّديدة.
فأرسل الله عليهم العذاب العظيم، وهو الرّيح الّتي دمرتهم وأهلكتهم). اهـ
وقال الإمام القرطبيّ / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج16 ص203): (قوله تعالى: ]واذكر أخا عاد[ [الأحقاف: 21]؛ هو هود عليه السّلام، كان أخاهم في النّسب، لا في الدّين.
وقوله تعالى: ]إذ أنذر قومه بالأحقاف[؛ أي: اذكر: لهؤلاء المشركين، قصّة عاد، ليعتبروا بها.
وقوله تعالى: ]وقد خلت النّذر[؛ أي: مضت الرّسل عليهم السّلام: ]من بين يديه[؛ أي: من قبل هود عليه السّلام: ]ومن خلفه[؛ أي: ومن بعده: ]ألّا تعبدوا إلّا اللّه[؛ هذا من قول المرسل). اهـ
وقال تعالى: ]فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرّسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألّا تعبدوا إلّا اللّه قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة فإنّا بما أرسلتم به كافرون[ [فصّلت: 13 و14].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج6 ص564): (قوله تعالى: ]فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرّسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا اللّه قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة فإنّا بما أرسلتم به كافرون[ [فصّلت: 13 و14].
* أي: فإن أعرض هؤلاء المكذّبون، بعدما بيّن لهم من أوصاف القرآن الحميدة، ومن صفات الإله العظيم: ]فقل أنذرتكم صاعقة[.
* أي: عذابا يستأصلكم ويجتاحكم.
وقوله تعالى: ]مثل صاعقة عاد وثمود[، القبيلتين المعروفتين، حيث اجتاحهم العذاب، وحلّ عليهم، وبيل العقاب، وذلك بظلمهم وكفرهم.
وقوله تعالى: ]جاءتهم الرّسل من بين أيديهم ومن خلفهم[؛ أي: يتبع بعضهم بعضا متوالين، ودعوتهم جميعا واحدة.
وقوله تعالى: ]أن لا تعبدوا إلّا اللّه[؛ أي: يأمرونهم بالإخلاص لله، وينهونهم عن الشّرك.
* فردّوا رسالتهم وكذّبوهم: ]قالوا لو شاء ربّنا لأنزل ملائكة[؛ أي: وأمّا أنتم فبشر مثلنا: ]فإنّا بما أرسلتم به كافرون[؛ وهذه الشّبهة لم تزل متوارثة بين المكذّبين، من الأمم، وهي من أوهى الشّبه.
* فإنّه ليس من شرط الإرسال، أن يكون المرسل ملكا.
* وإنّما شرط الرّسالة، أن يأتي الرّسول بما يدلّ على صدقه.
* فليقدحوا، إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقليّ أو شرعيّ، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا). اهـ
وقال تعالى: ]حم * تنزيل من الرّحمن الرّحيم * كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيّا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنّنا عاملون[ [فصّلت: 1 و2 و3 و4 و5].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج6 ص557): (قوله تعالى: ]حم * تنزيل من الرّحمن الرّحيم * كتاب فصّلت آياته قرآنا عربيّا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنّة ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إنّنا عاملون[ [فصّلت: 1 و2 و3 و4 و5] .
* يخبر تعالى عباده أنّ هذا الكتاب الجليل، والقرآن الجميل: ]تنزيل[، صادر: ]من الرّحمن الرّحيم[، الّذي وسعت رحمته كلّ شيء، الّذي من أعظم رحمته وأجلّها، إنزال هذا الكتاب، الّذي حصل به، من العلم والهدى، والنّور، والشّفاء، والرّحمة، والخير الكثير، ما هو من أجلّ نعمه على العباد، وهو الطّريق للسّعادة في الدّارين.
* ثمّ أثنى على الكتاب بتمام البيان فقال: ]فصّلت آياته[؛ أي: فصّل كلّ شيء من أنواعه على حدّته، وهذا يستلزم البيان التّامّ، والتّفريق بين كلّ شيء، وتمييز الحقائق.
وقوله تعالى: ]قرآنا عربيّا[؛ أي: باللّغة الفصحى أكمل اللّغات، فصّلت آياته وجعل عربيّا.
وقوله تعالى: ]لقوم يعلمون[؛ أي: لأجل أن يتبيّن لهم معناه، كما تبيّن لفظه، ويتّضح لهم الهدى من الضّلال، والغيّ من الرّشاد.
* وأمّا الجاهلون، الّذين لا يزيدهم الهدى إلّا ضلالا، ولا البيان إلّا عمى فهؤلاء لم يسق الكلام لأجلهم: ]سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[.
وقوله تعالى: ]بشيرا ونذيرا[؛ أي: بشيرا بالثّواب العاجل والآجل، ونذيرا بالعقاب العاجل والآجل، وذكر تفصيلهما، وذكر الأسباب والأوصاف الّتي تحصل بها البشارة والنّذارة.
* وهذه الأوصاف للكتاب، ممّا يوجب أن يتلقّى بالقبول، والإذعان، والإيمان به، والعمل به.
* ولكن أعرض أكثر الخلق عنه إعراض المستكبرين: ]فهم لا يسمعون[، له سماع قبول وإجابة، وإن كانوا قد سمعوه سماعا، تقوم عليهم به الحجّة الشّرعيّة.
]وقالوا[؛ أي: هؤلاء المعرضون عنه، مبيّنين عدم انتفاعهم به، بسدّ الأبواب للوصلة إليه:
وقوله تعالى: ]قلوبنا في أكنّة[؛ أي: أغطية مغشاة: ]ممّا تدعونا إليه وفي آذاننا وقر[؛ أي: صمما، فلا نسمع لك: ]ومن بيننا وبينك حجاب[، فلا نراك.
* القصد من ذلك، أنّهم أظهروا الإعراض عنه، ومن كلّ وجه، وأظهروا بغضه، والرّضا بما هم عليه). اهـ
وقال تعالى: ]ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شكّ ممّا جاءكم به حتّى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا كذلك يضلّ اللّه من هو مسرف مرتاب[ [غافر: 34].
قلت: وهذه الآية تدلّ على أنّ الرّسل عليهم السّلام، قد أقاموا الحجّة على الخلق.
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج6 ص527): (قوله تعالى: ]ولقد جاءكم يوسف[، ابن يعقوب عليهما السّلام: ]من قبل[، إتيان موسى عليه السّلام، بالبيّنات الدّالّة على صدقه، وأمركم بعبادة ربّكم وحده لا شريك له.
وقوله تعالى: ]فما زلتم في شكّ ممّا جاءكم به[، في حياته: ]حتّى إذا هلك[، ازداد شكّكم وشرككم.
و]قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا[؛ أي: ظنّكم الباطل، وحسبانكم الّذي لا يليق بالله تعالى، فإنّه تعالى لا يترك خلقه سدى، لا يأمرهم وينهاهم، بل يرسل إليهم رسله.
* وظنّ: أنّ الله تعالى لا يرسل رسولا، ظنّ ضلال، ولهذا قال: ]كذلك يضلّ اللّه من هو مسرف مرتاب[، وهذا هو وصفهم الحقيقيّ، الّذي وصفوا به موسى عليه السّلام، ظلما وعلوا.
* فهم المسرفون، بتجاوزهم الحقّ، وعدولهم عنه إلى الضّلال.
* وهم الكذبة، حيث نسبوا ذلك إلى الله تعالى، وكذّبوا رسوله.
* فالّذي وصفه السّرف والكذب، لا ينفكّ عنهما، لا يهديه الله، ولا يوفّقه للخير، لأنّه ردّ الحقّ بعد أن وصل إليه وعرفه.
* فجزاؤه أن يعاقبه، بأن يمنعه الهدى، كما قال تعالى: ]فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم[ [الصّفّ: 5]، ]ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّة ونذرهم في طغيانهم يعمهون[ [الأنعام: 110]، ]واللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [البقرة: 258].
* ثمّ ذكر وصف المسرف المرتاب فقال: ]الّذين يجادلون في آيات اللّه[، الّتي بيّنت الحقّ من الباطل، وصارت -من ظهورها- بمنزلة الشّمس للبصر). اهـ
وقال تعالى: ]وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير * وكذّب الّذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذّبوا رسلي فكيف كان نكير[ [سبأ: 44 و45].
قلت: وهذه الآية تدلّ على أنّ الحجّة قد قامت على الجهّال، ولا يعذروا في الدّين، وإن أراد أحد من: «المرجئة العصريّة»، أن يحتجّ لهم، ويعذرهم، فإنّه لا مستند له، ولا يعتمد على عذره للجهّال، والله المستعان.
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج6 ص291): (قوله تعالى: ]وقال الّذين كفروا للحقّ لمّا جاءهم إن هذا إلا سحر مبين[؛ أي: سحر ظاهر لكلّ أحد، تكذيبا بالحقّ، وترويجا على السّفهاء.
* ولمّا بيّن ما ردّوا به الحقّ، وأنّها أقوال، دون مرتبة الشّبهة، فضلا عن أن تكون حجّة، ذكر أنّهم، وإن أراد أحد أن يحتجّ لهم، فإنّهم لا مستند لهم، ولا لهم شيء يعتمدون عليه أصلا، فقال: ]وما آتيناهم من كتب يدرسونها[، حتّى تكون عمدة لهم: ]وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير[، حتّى يكون عندهم من أقواله وأحواله، ما يدفعون به، ما جئتهم به.
فليس عندهم علم، ولا أثارة من علم.
* ثمّ خوّفهم ما فعل بالأمم المكذّبين قبلهم فقال: ]وكذّب الّذين من قبلهم وما بلغوا[
* أي: ما بلغ هؤلاء المخاطبون: ]معشار ما آتيناهم[؛ أي: الأمم الّذين من قبلهم.
وقوله تعالى: ]فكذّبوا رسلي فكيف كان نكير[ أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إيّاهم.
* قد أعلمنا ما فعل بهم من النّكال، وأنّ منهم، من أغرقه، ومنهم من أهلكه بالرّيح العقيم، وبالصّيحة، وبالرّجفة، وبالخسف بالأرض، وبإرسال الحاصب من السّماء.
* فاحذروا يا هؤلاء المكذّبون، أن تدوموا على التّكذيب، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم، ويصيبكم ما أصابهم). اهـ
وقال تعالى: ]يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون[ [آل عمران: 106].
قلت: وهذه الآية تدلّ على أنّ الكفّار قد آمنوا بالميثاق والفطرة، ولذلك عندما يدخلون النّار، يقال لهم: ]أكفرتم بعد إيمانكم[([435])؛ يعني: الميثاق، والفطرة الّتي كانوا عليها. ([436])
وقال تعالى: ]فإذا ركبوا في الفلك دعوا اللّه مخلصين له الدّين فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون[ [العنكبوت: 65].
فقوله تعالى: ]فلمّا نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون[؛ فالخلق كلّهم يقرّون لله تعالى أنّه ربّهم، ثمّ يشركون بعد ذلك. ([437])
وقال تعالى: ]فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا[ [النّساء: 41]؛ يعني: لكلّ أمّة من الأمم السّابقة، واللّاحقة إلى قيام السّاعة، لها: شهيد، يشهد عليها، بقيام الحجّة عليها في الحياة الدّنيا، فلا عذر لأيّ أمّة من الأمم بعد ذلك. ([438])
وقال تعالى: ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء ممّا تعبدون * إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون * بل متّعت هؤلاء وآباءهم حتّى جاءهم الحقّ ورسول مبين * ولمّا جاءهم الحقّ قالوا هذا سحر وإنّا به كافرون[ [الزّخرف: 26 و27 و28 و29 و30].
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «مختصر سيرة الرّسول r» (ص 16): (ومنذ ظهر إبراهيم عليه السّلام لم يعدم التّوحيد في ذرّيّته، كما قال تعالى: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون[ [الزخرف: 28]). اهـ
قلت: فيه تصريح بأنّ قريشا، وأهل الجاهليّة كانوا من ذرّيّة النّبيّ إبراهيم عليه السّلام، ومن ورثة رسالته، فالحجّة قائمة عليهم برسالته، وما ترك لهم من الكتاب والعلم.
* وهذا يدلّ على أنّ الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /، كان يرى بقيام الحجّة على أهل الجاهليّة، وأنّهم غير معذورين بجهلهم.
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «مجموعة رسائل في التّوحيد والإيمان» (ص 363): (سئل الشّيخ محمّد /: عن معنى «لا إله إلّا الله»، فأجاب بقوله: اعلم رحمك الله تعالى أنّ هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التّقوى، وهي العروة الوثقى، وهي الّتي جعلها إبراهيم عليه السّلام كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «تفسير آيات من القرآن الكريم» (ص 375): (أنّ قريشا صريح آل إبراهيم عليه السّلام، وأيضا: ولاة البيت الحرام، وأيضا: خصّوا بنعم، مثل: الرّحلتين، ودفع الفيل، وأمّا أهل الكتاب: فأهل العلم، وذرّيّة الأنبياء، وجرى من الكلّ على رسالة الله ما جرى). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان في «إعانة المستفيد بشرح كتاب التّوحيد» (ج1 ص129): (قوله تعالى: ]وجعلها كلمة باقية[ [الزّخرف: 28]؛ جعل «لا إله إلاّ الله» كلمة باقية، في عقبه: في ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام، فلا يزال فيها من يقول هذه الكلمة، ويعمل بها إلى أن بعث محمّد r بها، ودعا إليها، بقيت في عقبه، وإن خالفها الأكثر، إلاّ أنّه يوجد في ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام من التزم بها، ولو كانوا قليلين، إلى أن بعث محمّد r، فلم تخل الأرض من التّوحيد، ولله الحمد، ولا تخلو إلاّ عند قيام السّاعة، وإذا خلت الأرض من التّوحيد قامت القيامة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب / في «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التّوحيد» (ص 112): (قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرا عن عبده، ورسوله، وخليله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء، الّذي تنتسب إليه قريش في نسبها، ومذهبها: إنّه تبرّأ من أبيه، وقومه في عبادتهم الأوثان فقال: ]إنّني براء ممّا تعبدون إلاّ الّذي فطرني فإنّه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزّخرف: 28]؛ أي: هذه الكلمة؛ وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي «لا إله إلّا الله»؛ أي: جعلها دائمة في ذرّيّته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام، ]لعلّهم يرجعون[؛ أي: إليها، قال عكرمة، ومجاهد، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، وغيرهم في قوله: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزّخرف: 28]؛ يعني: «لا إله إلّا الله»، لا يزال في ذرّيّته من يقولها.... وروى ابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزّخرف: 28]؛ قال: الإخلاص والتّوحيد، لا يزال في ذرّيّته من يوحّد الله ويعبده).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «الصّواعق المرسلة الشّهابيّة على الشّبه الدّاحضة الشّاميّة» (ص 320): (وقد دلّ صريح القرآن على معنى الإله، وأنّه هو المعبود، كما في قوله تعالى: ]وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء ممّا تعبدون إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهديني وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزّخرف: 26ـ28]؛ قال المفسّرون: هي كلمة التّوحيد «لا إله إلّا الله»، ]باقية في عقبه[؛ أي:في ذرّيّته، قال قتادة: «لا يزال في ذرّيّته من يعبد الله ويوحّده».
والمعنى: جعل هذه الموالاة والبراءة من كلّ معبود سواه، كلمة باقية في ذرّيّة إبراهيم، يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض، وهي كلمة: «لا إله إلّا الله»، فتبيّن أنّ موالاة الله بعبادته، والبراءة من كلّ معبود سواه؛ هو معنى: «لا إله إلّا الله»).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن قاسم النّجديّ / في «حاشية ثلاثة الأصول» (ص 87): (أي: وجعل كلمة التّوحيد وهي: «لا إله إلّا الله»، باقية في نسله، وذرّيّته، يقتدي به فيها من هداه الله من ذرّيّته: ]لعلّهم[؛ أي: لعلّ أهل مكّة وغيرهم، ]يرجعون[، إلى دين إبراهيم الخليل، والكلمة هي: «لا إله إلّا الله»؛ بإجماع المفسّرين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن قاسم النّجديّ / في «حاشية كتاب التّوحيد» (ص: 68): (قوله تعالى: ]وجعلها كلمة باقية في عقبه[ [الزّخرف: 28]؛ في ذرّيّته من بعده، يدينون بها: ]لعلّهم يرجعون[؛ إليها، والكلمة هي: «لا إله إلّا الله» بإجماع أهل العلم، وقد عبّر عنها الخليل بمعناها الّذي أريدت به، فعبّر عمّا نفته بقوله: ]إنّني براء ممّا تعبدون[، وعمّا أثبتته بقوله: ]إلاّ الّذي فطرني[؛ أي: خلقني، فقصر العبادة على الله وحده، ونفاها عن كلّ ما سواه ببراءته من ذلك، قال ابن كثير: «هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي «لا إله إلّا الله»، جعلها في ذرّيّته، يقتدي به فيها من هداه الله منهم»..). اهـ
* لذلك من كان يريد الحقّ، ويبحث عن دين الله، فالله يهديه للصّواب، ويخرجه من ظلمات الشّرك والضّلال، إلى نور التّوحيد والحقّ، وأمّا من بقي على الشّرك، أو الكفر: مقلّدا كان أو جاهلا، أو غير ذلك؛ فهو: غير معذور، وكلّ ذلك لإعراضه، وعدم إرادته للحقّ:
* قال تعالى: ] اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات [ [البقرة: 257].
فعن قتادة /: (في قوله تعالى: ]اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور[ [البقرة: 257]؛ يقول: من الضّلالة إلى الهدى، ]والّذين كفروا أولياؤهم الطّاغوت[؛ يقول: الشّيطان، ]يخرجونهم من النّور إلى الظّلمات[؛ يقول: من الهدى إلى الضّلالة).
أثر صحيح
أخرجه الطّبريّ «جامع البيان» (ج4 ص563) من طريق بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج3 ص202).
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج4 ص563): (يعني تعالى ذكره بقوله: ]اللّه وليّ الّذين آمنوا[؛ نصيرهم وظهيرهم، يتولّاهم بعونه وتوفيقه ]يخرجهم من الظّلمات[؛ يعني بذلك: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وإنّما عنى بالظّلمات في هذا الموضع: الكفر، وإنّما جعل الظّلمات للكفر مثلا؛ لأنّ الظّلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان، والعلم بصحّته وصحّة أسبابه؛ فأخبر تعالى ذكره: عباده أنّه وليّ المؤمنين، ومبصّرهم حقيقة الإيمان، وسبله، وشرائعه، وحججه، وهاديهم، فموفّقهم لأدلّته المزيلة عنهم الشّكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر أبصار القلوب). اهـ
وقال الإمام يحيى بن سلّام في «تفسير القرآن» (ج1 ص348): (قوله تعالى: ]وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراط مستقيم[ [الحجّ: 54]؛ إلى طريق مستقيم، إلى الجنّة، قال اللّه تبارك وتعالى: ]اللّه وليّ الّذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور[ [البقرة: 257]، وقال تعالى: ]ومن يؤمن باللّه يهد قلبه[ [التّغابن: 11]، وقال تعالى: ]وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراط مستقيم[ [الحجّ: 54]). اهـ
* وقال تعالى: ]ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون[ [الأنفال: 23].
فعن عبد الرّحمن بن زيد / قال: في قوله تعالى: ]لو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم[؛ بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنّهم لا ينتفعون به).
أثر صحيح
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج11 ص101)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1679) من طريق ابن وهب، وأصبغ، كلاهما: عن عبد الرّحمن بن زيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج7 ص81).
وقال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج11 ص103): (فتأويل الآية إذن: ولو علم اللّه في هؤلاء القائلين؛ خيرا: لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره؛ حتّى يعقلوا عن اللّه حججه منه، ولكنّه قد علم أنّه: لا خير فيهم، وأنّهم ممّن كتب لهم الشّقاء، فهم لا يؤمنون، ولو أفهمهم ذلك حتّى يعلموا ويفهموا لتولّوا عن اللّه تعالى، وعن رسوله r، وهم معرضون عن الإيمان بما دلّهم على حقيقته مواعظ اللّه، وعبره، وحججه، معاندون للحقّ بعد العلم به). اهـ
وقال تعالى: ]إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج5 ص159)؛ عند تفسير هذه الآية: (يقول تعالى ذكره: إنّ الفريق الّذي حقّ عليهم الضّلالة، إنّما ضلّوا عن سبيل اللّه، وجاروا عن قصد المحجّة، باتّخاذهم الشّياطين نصراء من دون اللّه، وظهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنّون أنّهم على هدى وحقّ، وأنّ الصّواب ما أتوه وركبوا، وهذا من أبين الدّلالة على خطأ قول من زعم أنّ اللّه لا يعذّب أحدا على معصية ركبها، أو ضلالة اعتقدها، إلّا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربّه فيها، لأنّ ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضّلالة الّذي ضلّ، وهو يحسب أنّه هاد، وفريق الهدى: فرق، وقد فرّق اللّه بين أسمائهما، وأحكامهما في هذه الآية). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أنّ الجاهل غير معذور إذا وقع في الشّرك الأكبر، أو الكفر الأكبر.
قلت: وقد وصف الله تعالى؛ أهل النّار: بالجهل ([439])، كقوله تعالى: ]وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير[ [الملك: 10]، وقال تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179]، وقال تعالى: ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا * الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 103 و104]؛ وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
والعذاب يستحقّ بأمرين:
الأمر الأوّل: عند الإعراض عن الحجّة، وعدم إرادته بها، وبموجبها.
الأمر الثّاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها.
فالأوّل: كفر إعراض.
والثّاني: كفر عناد([440]).
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص29): (إذا تقرّر هذا: فخمس المسائل الّتي قدّمت جوابها في كلام العلماء، وأضيف إليها مسألة سادسة، وهي: إفتائي بكفر شمسان وأولاده، ومن شابههم، وسمّيتهم: طواغيت.
* وذلك أنّهم يدعون النّاس: إلى عبادتهم من دون الله تعالى، عبادة أعظم من عبادة: «اللّات»، و«العزّى» بأضعاف.
* وليس في كلامي مجازفة، بل هو الحقّ، لأنّ عبادة: «اللّات»، و«العزّى» يعبدونها في الرّخاء، ويخلصون لله تعالى في الشّدّة، وعبادة هؤلاء أعظم من عبادتهم إيّاهم، في شدائد البرّ والبحر). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص39): (وإنّا كفّرنا هؤلاء الطّواغيت: أهل الخرج وغيرهم، بالأمور الّتي يفعلونها هم:
منها: أنّهم يجعلون آباءهم، وأجدادهم وسائط.
ومنها: أنّهم يدعون النّاس إلى الكفر.
ومنها: أنّهم يبغضون عند النّاس دين محمّد r، ويزعمون: أنّ أهل العارض كفروا، لمّا قالوا: لا يعبد؛ إلّا الله تعالى.
* وغير ذلك من أنواع الكفر، وهذا أمر أوضح من الشّمس، لا يحتاج إلى تقرير). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان /: (تكفير الكافر من مسائل الأصول الّتي لا يسع الجهل بها، وليس لأحد عذر في ترك العمل بها، بل هي من واجبات الدّين وأصوله) ([441]). اهـ
قلت: ففاعل الشّرك عن جهل، ليس بمعذور في الدّين.
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص39)؛ وهو يردّ على سليمان بن سحيم الصّوفيّ: (وأمّا أهل السّنّة؛ فمذهبهم: أنّ المسلم لا يكفر إلّا بالشّرك:
* ونحن ما كفّرنا الطّواغيت وأتباعهم؛ إلّا بالشّرك، وأنت رجل من أجهل النّاس، تظنّ: أنّ من صلّى، وادّعى أنّه مسلم لا يكفر.
* فإذا كنت تعتقد ذلك، فما تقول في المنافقين، الّذين يصلّون، ويصومون، ويجاهدون، قال الله تعالى فيهم: ]إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار[ [النّساء: 154].
* وما تقول في الخوارج، الّذين قال فيهم رسول الله r: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل عاد، أينما لقيتموهم فاقتلوهم»([442])، أتظنّهم ليسوا من أهل القبلة؟.
* ما تقول في الّذين اعتقدوا في عليّ بن أبي طالب t، مثل اعتقاد كثير من النّاس في عبد القادر، وغيره.
* فأضرم لهم عليّ بن أبي طالب t نارا، فأحرقهم بها.
* وأجمعت الصّحابة على قتلهم... أتظنّ هؤلاء ليسوا من أهل القبلة؟، أم أنت تفهم الشّرع، وأصحاب رسول الله r لا يفهمونه؟.
* أرأيت أصحاب رسول الله r: «لمّا قاتلوا من منع الزّكاة»، فلمّا أرادوا التّوبة؛ قال أبو بكر t: «لا نقبل توبتكم، حتّى تشهدوا أن قتلانا في الجنّة، وقتلاكم في النّار».([443])
* أتظنّ أنّ أبا بكر وأصحابه y لا يفهمون، وأنت وأبوك الّذين تفهمون؟، يا ويلك أيّها الجاهل المركّب. ([444])
* إذا كنت تعتقد هذا، أنّ من أهل القبلة: لا يكفر، فما معنى هذه المسائل العظيمة الكثيرة، الّتي ذكرها العلماء في باب حكم المرتدّ، الّتي كثير منها في أناس، أهل زهد، وعبادة عظيمة، ومنهم: طوائف، ذكر العلماء: أنّ من شكّ في كفرهم، فهو كافر.
* ولو كان الأمر على زعمك، بطل كلام العلماء في حكم المرتدّ: إلّا مسألة واحدة، وهي: الّذي يصرّح بتكذيب الرّسول r، وينتقل يهوديّا، أو نصرانيّا، أو مجوسيّا، ونحوهم، هذا هو الكفر عندك، يا ويلك.
* ما تصنع بقوله r: «لا تقوم السّاعة، حتّى تعبد فئام من أمّتي الأوثان».([445])
* وكيف تقول هذا؛ وأنت تقرّ: أنّ من جعل الوسائط: كفر.
* فإذا كان أهل العلم في زمانهم، حكموا على كثير من أهل زمانهم، بالكفر، والشّرك، أتظنّ أنّكم صلحتم بعدهم؟ يا ويلك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص31)؛ وهو يردّ على سليمان بن سحيم الصّوفيّ: (نذكر لك أنّك أنت وأباك: مصرّحون بالكفر، والشّرك، والنّفاق... وأنت إلى الآن أنت وأبوك، لا تفهمون شهادة: «أن لا إله إلّا الله»، أنا أشهد بهذا شهادة،... أنّك لا تعرفها إلى الآن، ولا أبوك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص54): (فإنّا لم نكفّر المسلمين، بل ما كفّرنا؛ إلّا المشركين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص54): (من أعظم النّاس ضلالا، متصوّفة في: «معكال»، وغيره؛ مثل: ولد: «موسى بن جوعان»، و«سلامة بن مانع»، وغيرهما، يتّبعون مذهب: «ابن عربيّ»، و«ابن الفارض»؛ وقد ذكر أهل العلم: أنّ «ابن عربيّ» من أئمّة أهل مذهب: «الاتّحاديّة»، وهم أغلظ كفرا من: «اليهود»، و«النّصارى».
* فكلّ من لم يدخل في دين محمّد r، ويتبرّأ من دين: «الاتّحاديّة»، فهو كافر بريء من الإسلام، ولا تصحّ الصّلاة خلفه، ولا تقبل شهادته).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج2 ص367)؛ عن «حلوليّة الصّوفيّة»: (وأقوال هؤلاء: شرّ من أقوال: «النّصارى»، وفيها من التّناقض من جنس ما في أقوال: «النّصارى».
* ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتّحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنّه مذهب متناقض في نفسه.
* فهذا كلّه كفر: باطنا، وظاهرا؛ بإجماع كلّ مسلم، ومن شكّ في كفر هؤلاء، بعد معرفة قولهم، ومعرفة دين الإسلام، فهو كافر، كمن يشكّ في كفر: «اليهود»، و«النّصارى»، و«المشركين»). اهـ
وقال القاضي عياض / في «الشّفا» (ج2 ص1071): (ولهذا نكفّر من دان بغير ملّة المسلمين، من الملل، أو وقف فيهم، أو شكّ، أو صحّح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقد إبطال كلّ مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص56): (ذكر لي أحمد، أنّه مشكل عليكم الفتيا: بكفر هؤلاء الطّواغيت، مثل: «أولاد شمسان»، و«أولاد إدريس»، والّذين يعبدونهم، مثل: «طالب» وأمثاله). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص57): (فإذا تبيّن حكم الله تعالى، ورسوله r، بيانّا كالشّمس، فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله، واليوم الآخر، أن يردّه لكونه مخالفا لهواه، أو لما عليه أهل وقته ومشايخه). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ / في «الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص336): (وقد استزلّ الشّيطان أكثر النّاس في هذه المسألة: فقصر بطائفة فحكموا بإسلام من دلّت نصوص الكتاب، والسّنّة، والإجماع على كفره -وهم: المرجئة-.
* وتعدّى بآخرين، فكفّروا من حكم بالكتاب، والسّنّة، مع الإجماع: -وهم: الخوارج-، فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطّائفتين، ومحنته من تينك البليّتين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص293): (فكلّ من اتّخذ من دون الله تعالى ندّا، يدعوه من دون الله تعالى، ويرغب إليه، ويرجوه: لما يؤمّله من قضاء حاجاته، وتفريج كرباته؛ كحال: عبّاد القبور، والطّواغيت، والأصنام، فلا بدّ أن يعظّموهم، ويحبّوهم لذلك، فإنّهم: أحبّوهم مع الله تعالى، وإن كانوا يحبّون الله تعالى، ويقولون: «لا إلـٰه إلّا الله»، ويصلّون، ويصومون، فقد أشركوا بالله تعالى في المحبّة). اهـ
وقال العلّامةالشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج2 ص329): (من صرف الدّعاء؛ لغير الله تعالى، فقد أشرك في الدّين، الّذي أمر الله بإخلاصه، وفي العبادة الّتي أمر الله تعالى بها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الاستقامة» (ج1 ص344): (وأصل الشّرك: أن تعدل باللّه تعالى: مخلوقاته في بعض ما يستحقّه وحده، فإنّه لم يعدل أحد باللّه شيئا، من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره، أو توكّل عليه؛ فهو: مشرك به). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «القول السّديد» (ص43): (إنّ حدّ: «الشّرك الأكبر»، وتفسيره الّذي يجمع أنواعه، وأفراده.
* أن يصرف العبد نوعا، أو فردا، من أفراد العبادة لغير الله تعالى.
* فكلّ اعتقاد، أو قول، أو عمل: ثبت أنّه مأمور به من الشّارع، فصرفه لله تعالى وحده: توحيد، وإيمان، وإخلاص.
* وصرفه لغيره: شرك، وكفر؛ فعليك بهذا الضّابط: «للشّرك الأكبر»، الّذي لا يشذّ عنه شيء). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «مدارج السّالكين» (ج1 ص375)؛ معدّدا أنواع: «الشّرك الأكبر»: (ومن أنواعه: طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتّوجّه إليهم.
* وهذا أصل شرك العالم؛ فإنّ الميّت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرّا، ولا نفعا، فضلا عمّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته). اهـ
* وهذا هو الّذي وقع فيه مشركو قريش، حيث جعلوا: مع الله تعالى وسائط تقرّبهم إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ]ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى[ [الزّمر: 3]، وقال تعالى: ]ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه[ [يونس: 18]؛ فمن وقع في الشّرك، فهو كافر بإجماع العلماء. ([446])
قال تعالى: ]ولا تدع من دون اللّه ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنّك إذا من الظّالمين[ [يونس: 106].
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج1 ص124): (فمن جعل الملائكة، والأنبياء، وسائط: يدعوهم، ويتوكّل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضارّ، مثل: أن يسألهم غفران الذّنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسدّ الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص229): (وهو إجماع صحيح: معلوم بالضّرورة من الدّين.
* وقد نصّ العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم: المرتدّ، على أنّ من أشرك بالله، فهو: كافر، أي: عبد مع الله غيره: بنوع من أنواع العبادة). اهـ
قلت: إذا ينبغي لمن أراد أن يتعرّف على منهج العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /، أن يستقصي أقواله، في «مسألة تكفير المعيّن»، استقصاء وافيا.
* ولا يعتمد قولا من أقوال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب، دون جمع أقواله في «مسألة العذر بالجهل»، أو يعتمد، قولا، مشتبها من أقواله، على خلاف أقواله الأخرى، فهذا خلاف أصول البحث المنهجيّالعلميّ.
قلت: فلا بدّ من جمع أقوال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «مسألة العذر بالجهل»، في موطن واحد، ثمّ الرّبط بينها، بحمل المجمل على المفصّل، حتّى يتبيّن منهج الشّيخ / في «مسألة العذر بالجهل». ([447])
قلت: وقد صرّح أهل العلم، بتكفير المعيّن: إذا وقع في: «المسائل المكفّرة»، بسبب الجهل، ولم يعذروه في الدّين. ([448])
* وكذلك: صرّحوا بتكفير المبتدعة، بالبدع المكفّرة: بأعيانهم، وأسمائهم، ومن المعلوم أنّه لم يوقعهم، فيما ارتكبوه، من الكفر، والضّلال؛ إلّا الجهل. ([449])
* وذلك حتّى نبيّن لك: فساد ما يشغب به: «المرجئة العصريّة»، ممّن تحدّثوا في: «مسألة العذر بالجهل».
قال العلّامة الشّيخ أبو بطين / في «الرّسائل النّجديّة» (ص477 و478): (ومن المعلوم: أنّ أهل البدع الّذين كفّرهم السّلف، والعلماء بعدهم: «أهل علم وعبادة»، وفيهم: زهد، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه؛ إلّا الجهل، والّذين حرّقهم: عليّ بن أبي طالب t، هل آفتهم؛ إلّا الجهل). اهـ
وعن المروزيّ قال:قلت؛ لأبي عبد الله، إنّ الكرابيسيّ يقول: «لفظي بالقرآن مخلوق»، وقال أيضا: «أقول إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق من كلّ الجهات، إلّا لفظي بالقرآن مخلوق، ومن لم يقل، إنّ لفظي بالقرآن مخلوق، فهو: كافر».
فقال: أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (بل هو الكافر، قاتله الله، وأيّ شيء قالت الجهميّة: إلّا هذا؟ قالوا: كلام الله، ثمّ قالوا: مخلوق). ([450])
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج2 ص175)؛ عن رؤوس الاتّحاد: (فهذه المادّة؛ أغلب على: «ابن سبعين»، و«القونويّ»، والثّانية: أغلب على: «ابن عربيّ»، ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام، والكلّ مشتركون في: «التّجهّم»، و«التّلمسانيّ»: أعظمهم: تحقيقا، لهذه: «الزّندقة»، و«الاتّحاد»، الّتي انفردوا بها، وهو: أكفرهم باللّه، وكتبه، ورسله، وشرائعه). اهـ
قلت: وقد صرّح العلّامة الشّيخ ابن سحمان /، في غير موضع من كتابة: «الضّياء الشّارق»؛ بكفر: «داود بن جرجيس العراقيّ»، وخروجه من ملّة الإسلام.
فقال العلّامة الشّيخ ابن سحمان / في «الضّياء الشّارق» (ص77): (فالجواب: أن يقال، لهذا: «الجهميّ المشرك بالله» في عبادته، النافي لصفاته، ونعوت جلاله). اهـ
وعن الرّبيع بن سليمان قال: (حضرت في المجلس، فقال حفص الفرد: القرآن مخلوق، فقال الشّافعيّ: كفرت باللّه العظيم). وفي رواية: (وكفّر حفصا الفرد). وفي رواية: (فقال له الشّافعيّ: والله: كفرت بالله العظيم). ([451])
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين /: (هذا يدلّ على أنّ السّلف: كانوا يكفّرون في مسائل، أقلّ بكثير من المسائل الّتي يقع فيها المتأخّرون من: الإشراك بالله، والتّوجّه بالعبادة إلى غيره) ([452]). اهـ
وقالت اللّجنة الدّائمة: (أحمد التّيجانيّ، وأتباعه: الملتزمون بطريقته من أشدّ خلق الله غلوّا، وكفرا، وضلالا، وابتداعا في الدّين) ([453]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج9 ص193)؛ عن: «جاروديّ» الفرنسيّ: (وأخيرا: فإنّ «روجيه جاروديّ»، لا يحكم عليه: مرتدّ عن دين الإسلام، إنّما هو: «كافر» أصليّ، لم يدخل الإسلام). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج9 ص18): (عبد الله بن أبيّ: كافر، وهو يصلّي مع النّبيّ r، ويقول: «لا إلـٰه إلّا الله»، وهو من أكفر النّاس، ما نفعه ذلك؛ لكفره). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص155): (والمقصود بيان ما كان عليه شيخ الإسلام، وإخوانه: أهل السّنّة والجماعة، من إنكار: «الشّرك الأكبر»، الواقع في زمانهم، وذكر الأدلّة: من الكتاب والسّنّة، على كفر من فعل هذا الشّرك). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ /، في: «مسألة تكفير المعيّن»: (الأمر الّذي دلّ عليه الكتاب، والسّنّة، وإجماع العلماء، أنّه: كفر؛ مثل: الشّرك بعبادة غيره سبحانه.
* فمن ارتكب شيئا من هذا النّوع، أو حسّنه، فهذا لا شكّ في كفره، ولا بأس لمن تحقّقت منه أشياء، من ذلك؛ أن تقول: كفر فلان، بهذا الفعل) ([454]). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «شفاء العليل» (ج2 ص780): (معناه: أنّ خياركم؛ هم: السّابقون، الأوّلون، وهؤلاء: من أولاد المشركين.
* فإنّ آباءهم كانوا كفّارا، ثمّ إنّ البنين أسلموا بعد ذلك، ولا يضرّ الطّفل أن يكون من أولاد المشركين، إذا كان مؤمنا، فإنّ الله تعالى إنّما يجزيه بعمله، لا بعمل أبويه، وهو سبحانه يخرج المؤمن من الكفّار، والكافر من المؤمن، كما يخرج الحيّ من الميّت، ويخرج الميّت من الحيّ). اهـ
* ومن أنواع الشّرك الّذي يكفر به المعيّن، هو دعاء غير الله تعالى:
والدّعاء هو العبادة، فمن صرف الدّعاء لغير الله تعالى؛ فقد أشرك بالله تعالى، فمن دعا: «نبيّا»، أو «وليّا»، أو «صالحا»، أو «ملكا»؛ فقد أشرك بالله: «الشّرك الأكبر» المخرج من الملّة.
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /؛ مبيّنا أهمّيّة توحيد الألوهيّة: (توحيد الألوهيّة هو الّذي وقع فيه النّزاع في قديم الدّهر وحديثه، وهو توحيد الله بأفعال العباد؛ كالدّعاء، والرّجاء، والخوف، والخشية، والاستغاثة، والاستعاذة، والمحبّة، والإنابة، والنّذر، والذّبح، والرّغبة، والرّهبة، والخشوع، والتّذلّل، والتّعظيم) ([455]). اهـ
* ويدخل في معنى الدّعاء: الاستغاثة، والاستعانة، وطلب النّفع، أو دفع الضّرّ من غير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلّا الله تعالى.
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: (ومن أنواع العبادة: الدّعاء، كما كان المؤمنون يدعون الله ليلا ونهارا، في الشّدّة والرّخاء، ولا يشكّ أحدا أنّ هذا من أنواع العبادة.
* فتفكّر رحمك الله فيما حدث من النّاس اليوم من دعاء غير الله في الشّدّة والرّخاء، فهذا تلحقه الشّدّة في البرّ والبحر، ويستغيث: «بعبد القادر»، أو «شمسان»، أو «نبيّ» من الأنبياء، أو «وليّ» من الأولياء، أن ينجيه من الشّدّة) ([456]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ أبو بطين النّجديّ /: (فمن صرف لغير الله شيئا من أنواع العبادة: فقد عبد ذلك الغير، واتّخذه إلهٰا، وأشركه مع الله في خالص حقّه، وإن فرّ من تسمية فعله ذلك تأليها، وعبادة، وشركا، ومعلوم عند كلّ عاقل أنّ حقائق الأشياء لا تتغيّر بتغيّر أسمائها) ([457]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب /، معلّقا على قول لشيخ الإسلام ابن تيميّة / قال فيه: (فمن جعل الملائكة، والأنبياء: وسائط يدعوهم، ويتوكّل عليهم، ويسألهم جلب النّفع، ودفع المضارّ، مثل: أن يسألهم: غفران الذّنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسدّ الفاقات؛ فهو: كافر بإجماع المسلمين) ([458]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص229)؛ معلّقا: (وهو إجماع صحيح معلوم بالضّرورة من الدّين، وقد نصّ العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب: «حكم المرتدّ» على أنّ من أشرك بالله، فهو: كافر، أي: عبد مع الله غيره، بنوع من أنواع العبادة) ([459]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر /، من علماء الدّعوة: (لا نعلم نوعا من أنواع الكفر والرّدّة، ورد فيه من النّصوص، مثل ما ورد في دعاء غير الله تعالى بالنّهيّ عنه، والتّحذير من فعله، والوعيد عليه) ([460]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: «اعلم أنّ المشركين الّذين قاتلهم رسول الله r؛ صفة شركهم: أنّهم يدعون الله، ويدعون معه الأصنام، والصّالحين، مثل عيسى، وأمّه، والملائكة، يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وهم: يقرّون أنّ الله هو النّافع الضّارّ المدبّر) ([461]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن /: (كلّ من دعا نبيّا من دون الله، فقد اتّخذه إلهٰا، وضاهى النّصارى في شركهم، وضاهى اليهود في تفريطهم)([462]).اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن /: (فمن دعا غير الله، من ميّت، أو غائب، أو استغاث به، فهو: مشرك كافر، وإن لم يقصد إلّا مجرّد التّقرّب إلى الله، وطلب الشّفاعة عنده) ([463]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن /: (فكلّ من اتّخذ من دون الله ندّا يدعوه من دون الله، ويرغب إليه، ويرجوه لما يؤمّله من قضاء حاجاته، وتفريج كرباته، كحال: عبّاد القبور والطّواغيت والأصنام، فلا بدّ أن يعظّموهم ويحبّوهم لذلك، فإنّهم أحبّوهم مع الله، وإن كانوا يحبّون الله تعالى، ويقولون: لا إلـٰه إلّا الله، ويصلّون، ويصومون، فقد اشركوا بالله في المحبّة) ([464]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن ناصر بن معمّر /: (من صرف الدّعاء لغير الله، فقد أشرك في الدّين الّذي أمر الله بإخلاصه، وفي العبادة الّتي أمر الله بها) ([465]). اهـ
* وهذا هو الضّابط في: «الشّرك الأكبر»، وعرفنا أنّ: «الشّرك الأكبر»؛ تقديم نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وأنّ من صرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك بالله في الألوهيّة.
* وعلى هذا فمن قدّم عبادة عمليّة لغير الله تعالى، كالذّبح لغير الله تعالى، والنّذر لغير الله تعالى، والسّجود والرّكوع لغير الله تعالى، فقد أشرك بالله: «الشّرك الأكبر»، وقد أفاض علماء الدّعوة في الحديث عن أنواع الشّرك العمليّ النّاقض للتّوحيد في كتبهم، واستشهدوا له بالنّصوص من القرآن، والسّنّة على أنّه شرك أكبر مخرج من الملّة. ([466])
* وقد اعترض أناس في تسمية هذه الأمور: شركا، حتّى اعتبروها من باب: «الشّرك الأصغر».
* ومنشأ غلط هؤلاء، بسبب عدم فهمهم للضّابط، الّذي يفرّق بين: «الشّرك الأكبر»، وبين: «الشّرك الأصغر»، فما كان من باب تقديم العبادة؛ لغير الله تعالى، فهو من: «الشّرك الأكبر».
* مثل أيضا: الذّبح لغير الله تعالى، كالذّبح للأصنام، والأولياء، والصّالحين: «شرك أكبر» يخرج صاحبه من الملّة.
* وقد استدلّ علماء الدّعوة على أنّ الذّبح لغير الله تعالى؛ شرك: بقوله تعالى: ]قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين[ [الأنعام: 162 و163]، وقوله تعالى: ]فصلّ لربّك وانحر[ [الكوثر: 2].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص155)؛ قوله باب: «ما جاء في الذّبح لغير الله»: (من الوعيد، وأنّه شرك بالله). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص156)؛ شارحا: الآية الأولى: (فإنّ الله أمرهم أن يخلصوا جميع أنواع العبادة له دون سواه، فإذا تقرّبوا إلى غير الله بالذّبح، أو غيره من أنواع العبادة، فقد جعلوا لله شريكا في عبادته، وهو ظاهر في قوله: ]لا شريك له[). اهـ
وقال شيخنا العلّامة محمّد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج2 ص148): (وكلّ قربة: فهي عبادة، فإذا ذبح الإنسان شيئا لغير الله تعظيما له، وتقرّبا إليه؛ كما يتقرّب بذلك، ويعظّم ربّه سبحانه، كان مشركا بالله عزّ وجلّ، وإذا كان مشركا؛ فإنّ الله تعالى قد بيّن أنّه: حرام على المشرك الجنّة، ومأواه النّار). اهـ
* وكذلك: من «الشّرك الأكبر» النّذر لغير الله تعالى، لأنّه شرك في العبادة.
وقد بوّب الإمام المجدّد محمّد بن عبد الوهّاب: «باب من الشّرك النّذر لغير الله تعالى».
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «فتح المجيد» (ص171): (أي: لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله، فيكون النّذر لغير الله تعالى: شركا في العبادة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد الله آل الشّيخ / في «تيسير العزيز الحميد» (ص169): (أي: أنّه؛ «النّذر»، من العبادة، فيكون صرفه لغير الله: شركا...، فإذا نذر لمخلوق تقرّبا إليه، ليشفع له عند الله، ويكشف ضرّه، ونحو ذلك، فقد أشرك في عبادة الله تعالى غيره ضرورة، كما أنّ من صلّى لله، وصلّى لغيره: فقد أشرك كذلك). اهـ
وقال الإمام المجدّد محمّد بن عبد الوهّاب / في «مسائل كتاب التّوحيد»: (المسألة الثّانية: من مسائل الباب، إذا ثبت كونه: «النّذر»، عبادة، فصرفه لغير الله: شرك) ([467]). اهـ
* وقد أفاض علماء الدّعوة في بيان أنّ النّذر لغير الله تعالى من: «الشّرك الأكبر» المخرج من الملّة، إذا كان على جهة التّقرّب، والتّعظيم، كنذر عبّاد القبور، لقبورهم، وأوليائهم الصّالحين، بزعم سؤالهم الشّفاعة، والقربى إلى الله تعالى. ([468])
* وقد لبّس الصّوفيّة المبتدعة، وزعموا أنّ النّذر لغير الله تعالى من: «الشّرك الأصغر».([469])
* ومن: «الشّرك الأكبر» الّذي يكفر صاحبه: السّجود، لغير الله تعالى، وكذلك الرّكوع لغير الله تعالى، وأدلّة القرآن صريحة في ذلك:
قال تعالى: ]لا تسجدوا للشّمس ولا للقمر واسجدوا للّه الّذي خلقهنّ إن كنتم إيّاه تعبدون[ [فصّلت: 37]، وقال تعالى: ]اركعوا مع الرّاكعين[ [البقرة: 43]، وقال تعالى: ]كلّا لا تطعه واسجد واقترب[ [العلق: 19].
* وكذلك: الطّواف بالقبور، والقباب، والمشاهد على جهة التّعظيم لها؛ فهذه أيضا من: «الشّرك الأكبر»، لقوله تعالى: ]وليطّوّفوا بالبيت العتيق[ [الحجّ: 29].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج27 ص10): (ليس مكان يطاف به كما يطاف بالكعبة، فمن اتّخذ الصّخرة اليوم قبلة يصلّي إليها، فهو كافر مرتد يستتاب، فإنّ تاب وإلّا قتل، مع أنّها كانت قبلة، لكن نسخ ذلك، فكيف بمن يتّخذها مكانا يطاف به كما يطاف بالكعبة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: (والعبادة أنواع كثيرة، لكنّي أمثّلها بأنواع ظاهرة لا تنكر، من ذلك السّجود، فلا يجوز لعبد أن يضع وجهه على الأرض ساجدا إلّا لله وحده، لا لملك مقرّب، ولا لنبيّ مرسل) ([470]). اهـ
* وعلى هذا فمن قدّم نوعا من أنواع العبادة لغير الله، فهو مشرك: «الشّرك الأكبر» سمّاها تعظيما، أو قربانا، أو شفاعة، فتغيّر الاسم؛ لا يغيّر حقيقة المسمّى.
قال العلّامة الشّيخ أبو بطين / في «الانتصار» (ص33): (من جعل شيئا من العبادة لغير الله، فقد: عبده، واتّخذه إلهٰا، وإن فرّ من تسميته إلهٰا معبودا، فتغيّر الاسم: لا يغيّر حقيقة المسمّى([471])، ولا يزيل حكمه). اهـ
قلت: والّذي يقدّم الحياة الدّنيا، على الحياة الآخرة، لخوف على مال، أو جاه، أو غير ذلك، أو مداهنة لأحد، كائنا من كان.
* فيعمل للدّنيا، ويترك الآخرة، فهذا كافر لا يعذر بجهله، وما فعل ذلك؛ إلّا بسبب الجهل، لأنّه يعرف الحقّ، ويترك العمل به، من أجل دنياه، والله المستعان.
قال تعالى: ]من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة[ [النّحل: 106 و107].
قلت: فصرّح سبحانه أنّ هذا الكفر، سببه، حظوظ الدّنيا، فآثرها على الدّين.
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «كشف الشّبهات» (ص46): (وهذه المسألة :مسألة كبيرة طويلة، تتبيّن لك إذا تأمّلتها في ألسنة النّاس، ترى من يعرف الحقّ، ويترك العمل به، لخوف نقص دنيا، أو جاه، أو مداراة لأحد.. تبيّن لك أنّ الّذي يتكلّم بالكفر، أو يعمل به، خوفا من نقص مال، أو جاه، أو مداراة لأحد، أعظم ممّن يتكلّم: بكلمة يمزح بها.
والآية الثّانية؛ قوله تعالى: ]من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا[ [النّحل: 106]؛ فلم يعذر الله من هؤلاء؛ إلّا من أكره، مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأمّا غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، وسواء فعله خوفا، أو طمعا، أو مدراة، أو مشحّة بوطنه، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض، إلّا المكره.
* والآية تدلّ على هذا من جهتين:
الأولى: قوله: ]إلّا من أكره[؛ فلم يستثن الله إلّا المكره، ومعلوم أنّ الإنسان لا يكره إلّا على العمل أو الكلام، وأمّا عقيدة القلب فلا يكره أحد عليها.
والثّانية: قوله تعالى: ]ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة[ [النّحل:107].
* فصرّح أنّ هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغض للدّين، أو محبّة الكفر، وإنّما سببه أنّ له في ذلك حظّا من حظوظ الدّنيا، فآثره على الدّين). اهـ
وعن ابن عبّاس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]من كفر باللّه[ [النّحل: 106]؛ قال: (أخبر الله تعالى، أنّه من كفر بعد إيمانه؛ فعليه غضب من الله، وله عذاب عظيم، فأمّا من أكره، فتكلّم بلسانه، وخالفه: قلبه بالإيمان، ينجو بذلك من عدوّه، فلا حرج عليه؛ لأنّ الله سبحانه: إنّما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم).([472])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج2 ص489)؛ في قوله تعالى: ]ذلك[؛ الغضب، والعذاب: ]بأنّهم استحبّوا[؛ يعني: اختاروا: ]الحياة الدّنيا[؛ الفانية: ]على الآخرة[؛ الباقية: ]وأنّ اللّه لا يهدي[؛ إلى دينه: ]القوم الكافرين[ [النّحل: 107].
وقال الإمام يحيى بن سلّام / في «تفسير القرآن» (ج1 ص93)؛ في قوله تعالى: ]ذلك بأنّهم استحبّوا[؛ اختاروا: ]الحياة الدّنيا على الآخرة وأنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين[ [النّحل: 107]؛ يعني: الّذين يلقون الله تعالى، بكفرهم). اهـ
قلت: وهذا بسبب الغفلة الشّديدة.
قال تعالى: ]أولئك الّذين طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون[ [النّحل: 108].
وقال تعالى: ]أولئك الّذين اشتروا الحياة الدّنيا بالآخرة فلا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينصرون[ [البقرة: 86].
قلت: فالحالات الّتي لا ينفع معها العذر بالجهل:
1) الإعراض عن طلب العلم، فجهله هذا لا ينفعه، وهو محاسب عليه، ومسؤول عن تقصيره، وتفريطه.
قال تعالى: ]فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه وصدف عنها سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون[ [الأنعام: 157]؛ يقال: صدف عنها؛ أي: أعرض عنها. ([473])
وقال تعالى: ]ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه فأعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه إنّا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا[ [الكهف: 57]؛ يعني: أعرض عن أحكام الكتاب، والسّنّة. ([474])
وقال تعالى: ]وقد آتيناك من لدنّا ذكرا * من أعرض عنه فإنّه يحمل يوم القيامة وزرا[ [طه: 99و100].
وقال تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى[ [طه: 124 و125 و126].
وقال تعالى: ]ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون[ [السّجدة: 22].
وعن أبي واقد اللّيثيّ t، أنّ رسول اللّه r: بينما هو جالس في المسجد، والنّاس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول اللّه r، وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول اللّه r، فأمّا أحدهما، فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأمّا الآخر فجلس خلفهم، وأمّا الثّالث: فأدبر ذاهبا، فلمّا فرغ رسول اللّه r قال: (ألا أخبركم عن النّفر الثّلاثة: أمّا أحدهم فأوى إلى اللّه، فآواه اللّه إليه، وأمّا الآخر: فاستحيا، فاستحيا اللّه منه، وأمّا الآخر: فأعرض، فأعرض اللّه عنه). ([475])
قلت: فهذا الرّجل أعرض، عن مجالسة الرّسول r، وطلب العلم منه، فاستحقّ من الله تعالى: أن يعرض عنه، ومن أعرض عنه، أنّى له أن يعذر بالجهل.
* ومن تأمّل حال: أكثر المسلمين اليوم، أدرك أنّ سبب ما يعانون من جهل بالشّريعة وعلومها، هو إعراضهم عن مجالس العلم، وتعلّم أحكام الدّين، ومؤاثرتهم: للكسل، والاكتفاء بما عندهم من قلّة العلم، وهو علم غير نافع.
* وممّا اعتبره العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /: من نواقض الإسلام، الإعراض عن الدّين، وعن تعلّمه، والعمل به. ([476])
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «نواقض الإسلام» (ص60): (النّاقض العاشر: من نواقض الإسلام؛ الإعراض عن دين الله تعالى؛ لا يتعلّمه، ولا يعمل به، والدّليل: قوله تعالى: ]ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون[ [السّجدة: 22]). اهـ
قلت: المراد بالإعراض، الّذي هو ناقض من نواقض الإسلام: هو الإعراض، عن تعلّم أصل الدّين، الّذي به يكون المرء مسلما.
قال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان /: (فتبيّن من كلام الشّيخ، أنّ الإنسان: لا يكفر؛ إلّا بالإعراض عن تعلّم الأصل الّذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا بترك الواجبات والمستحبّات) ([477]). اهـ
* وقد سئل العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ /، عن الإعراض الّذي هو ناقض، من نواقض الإسلام؟.
فأجاب: (إنّ أحوال النّاس تتفاوت تفاوتا عظيما، وتفاوتهم، بحسب درجاتهم في الإيمان إذا كان أصل الإيمان موجودا.
* والتّفريط، والشّرك: إنّما هو فيما دون ذلك، من الواجبات والمستحبّات.
* وأمّا إذا عدم الأصل الّذي يدخل به في الإسلام، وأعرض عن هذا بالكلّيّة، فهذا كفر إعراض؛ فيه قوله تعالى: ]ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون[ [الأعراف: 179]، وقوله تعالى: ]ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا[ [طه: 124]) ([478]). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «طريق الهجرتين» (ص414): (إنّ العذاب يستحقّ بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجّة، وعدم إرادتها، والعمل بها، وبموجبها.
الثّاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها.
* فالأوّل: كفر إعراض، والثّاني: كفر عناد). اهـ
2) من كان جهله بسبب تقليده للآباء، والمشايخ؛ فمثل: هذا لا يعذر بالجهل، وحجج المقلّدة مردودة عليهم، جملة وتفصيلا، فلا يعذرون. ([479])
3) وكذلك: من كان جهله، بسبب ظنّه أنّه على الحقّ، فهذا لا يعذر بالجهل، وظنّه أنّه على الحقّ لا ينفعه شيئا، ولا يردّ عنه عذابا، ولا يبرّر له جهلا. ([480])
قال تعالى: ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون * ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون[ [البقرة: 11و12].
وقال تعالى: ]قل هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا * الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا * أولئك الّذين كفروا بآيات ربّهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا[ [الكهف: 103 و104 و105].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج16 ص35): (يقول: هم الّذين لم يكن عملهم الّذي عملوه في حياتهم الدّنيا على هدى واستقامة.
* بل كان على جور وضلالة، وذلك أنّهم عملوا بغير ما أمرهم اللّه تعالى به، بل على كفر منهم به، ]وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 104].
* يقول: وهم يظنّون أنّهم بفعلهم، ذلك للّه تعالى مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون.
* وهذا من أدلّ الدّلائل على خطأ قول من زعم أنّه لا يكفر باللّه تعالى أحد؛ إلّا من حيث يقصد إلى الكفر، بعد العلم بوحدانيّته، وذلك أنّ اللّه تعالى: أخبر عن هؤلاء الّذين وصف صفتهم في هذه الآية، أنّ سعيهم الّذي سعوا في الدّنيا، ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنّهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنّهم؛ هم: الّذين كفروا بآيات ربّهم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ الشّنقيطيّ / في «أضواء البيان» (ج2 ص298): (هذه النّصوص القرآنيّة، تدلّ على أنّ الكافر لا ينفعه ظنّه أنّه على هدى؛ لأنّ الأدلّة الّتي جاءت بها الرّسل عليهم السّلام، لم تترك في الحقّ لبسا، ولا شبهة، ولكنّ الكافر لشدّة تعصّبه: «للكفر»، لا يكاد يفكّر في الأدلّة، الّتي هي كالشّمس، فلذلك كان غير معذور). اهـ
4) وكذلك؛ من كان جهله بنذارة الرّسل عليهم السّلام، بسبب عناده، ونكيره، فهو لا يؤمن وإن أظهر الله تعالى له الآيات البيّنات، ومن كان كذلك، لا يعذر بالجهل.
قال تعالى: ]ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون[ [الأنعام: 111].
قلت: فهم؛ يجهلون: لكن لعنادهم في ردّ الأدلّة البيّنة، لا يعذرون.
وقال تعالى: ]وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبرا كأن لم يسمعها كأنّ في أذنيه وقرا فبشّره بعذاب أليم[ [لقمان: 7].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج21 ص64): (قوله تعالى: ]ولّى مستكبرا[ [لقمان: 7]؛ يقول: أدبر عنها، واستكبر؛ استكبارا، وأعرض عن سماع الحقّ، والإجابة عنه: ]كأن لم يسمعها[؛ يقول: ثقلا، فلا يطيق من أجله سماعه). اهـ
5) كذلك؛ من كان غافلا عن الدّين، منشغلا باللّهو، والغفلة، عن طلب العلم، مؤثرا للدّنيا، ومتاعها، على الآخرة ونعيمها، فهذا لا يعذر بالجهل، وهو في الآخرة من الخاسرين.
قال تعالى: ]إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون[ [يونس: 7 و8].
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج11 ص87): (قوله تعالى: ]والّذين هم عن آياتنا غافلون[ [يونس: 7]؛ عن آيات اللّه تعالى، وهي: أدلّته على وحدانيّته، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له: ]غافلون[؛ معرضون عنها، لاهون، لا يتأمّلونها، تأمّل ناصح لنفسه، فيعلموا بها حقيقة، ما دلّتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون: ]أولئك مأواهم النّار[؛ هؤلاء الّذين هذه صفتهم: ]مأواهم[؛ مصيرهم، إلى نار جهنّم في الآخرة). اهـ
وقال تعالى: ]الّذين يستحبّون الحياة الدّنيا على الآخرة ويصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد[ [إبراهيم: 3].
وقال تعالى: ]ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة وأنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين * أولئك الّذين طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون[ [النّحل: 107 و108].
6) من كان جهله بنذارة الرّسل عليهم السّلام، بسبب قساوة قلبه، وبسبب ما ران عليه من آثام، وذنوب، فتراه لا يستطيع: أن يتدبّر آيات الله تعالى، ولا أن يطلب علما، حتّى ولا أن يذكر الله تعالى، أو يسمع ذكر الله تعالى، فهذا جاهل لا يعذر بالجهل.
قال تعالى: ]فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلال مبين[ [الزّمر: 22].
وقال تعالى: ]فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون[ [الأنعام: 43].
وقال تعالى: ]إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأوّلين * كلّا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون[ [المطفّفين: 13 و14].
قلت: وموالاة الكافرين، ومظاهرتهم، على المسلمين، وتعاونهم معهم، للسّيطرة على بلدان المسلمين؛ بأيّ: نوع من أنواع السّيطرة، من نواقض الإسلام، ونصرة الكفّار على المسلمين، وقد أجمع العلماء على ذلك.
* والموالاة: مشتقّة؛ من الولاء، وهو الدّنوّ، والقرب، والولاية: ضدّ العداوة.
* فالموالاة: هي الموافقة، والمناصرة، والمعاونة، والرّضا؛ بأفعال: الكفّار، في المسلمين، وتضرّرهم في بلدانهم.
* وقسّم العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ /؛ الموالاة إلى قسمين:
1) موالاة مطلقة: وهي كفر صريح، وهي بهذه الصّفة: مرادفة؛ لمعنى: التّولّي.
* وعلى ذلك: تحمل الأدلّة الواردة في النّهيّ الشّديد، عن موالاة الكفّار، وأنّ من والاهم: كفر.
2) موالاة خاصّة: موالاة الكفّار، لغرض، دنيويّ: مع سلامة الاعتقاد. ([481])
قال تعالى: ]ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون[ [الممتحنة: 9].
يعني: تنصروهم، فجعل الله تعالى التّولّي: هنا؛ بمعنى: النّصرة ، والمولى: هو النّاصر، والمعين. ([482])
قال العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب / في «نواقض الإسلام» (ص52): (الثّامن من نواقض الإسلام: مظاهرة المشركين، ومعاونتهم: على المسلمين، والدّليل: قوله تعالى: ]ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [المائدة: 51]). اهـ
قلت: ومظاهرة المشركين، والكافرين، ومعاونتهم على المسلمين، فتنة عظيمة، قد عمّت؛ فأعمت، ورزيّة: رمّت؛ فأصمّت، وفتنة: دعت القلوب، فأجابها كلّ قلب مفتون يحبّ الكفّار، ولا سيّما في هذا الزّمن، الّذي كثر فيه الجهل، وقلّ فيه العلم، وتوفّرت فيه أسباب الفتن، وغلب الهوى واستحكم على السّياسيّين، وهذا كلّه بسبب الإعراض عن تعلّم العلوم الشّرعيّة النّافعة، والإقبال على الخوض في الدّعوات السّياسيّة([483])، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.
قال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ / في «الدّرر السّنيّة» (ج3 ص157): (أصل الموالاة: الحبّ، وأصل المعاداة: البغض، وينشأ عنهما: أعمال القلوب، والجوارح، ما يدخل في حقيقة: الموالاة، والمعاداة، كالنّصر، والأنس، والمعاونة، والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقريّ / في «الدّرر السّنيّة» (ج7 ص309): (الموالاة: هي الموافقة، والمناصرة، والمعاونة، والرّضا؛ بأفعال: من يواليهم، وهذه هي: الموالاة العامّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن عتيق /: (فأمّا معاداة الكفّار والمشركين، فاعلم أنّ الله تعالى، قد أوجب ذلك، وأكّد إيجابه، وحرّم موالاتهم، وشدّد فيها حتّى إنّه ليس في كتابه تعالى: حكم: فيه من الأدلّة أكثر، ولا أبين من هذا الحكم، بعد وجوب التّوحيد، وتحريم الشّرك) ([484]). اهـ
قلت: وهذا يدلّ على أهمّيّة موالاة المسلمين، ومعاداة الكافرين.
* وبيان أنّه لا يستقيم الإسلام؛ إلّا بالولاء والبراء. ([485])
قال تعالى: ]والّذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[ [الأنفال: 73].
قلت: والفتنة في الأرض: الشّرك.
* والفساد الكبير: اختلاط المسلم؛ بالكافر.
* والصّالح؛ بالطّالح.
* والمطيع؛ بالعاصي.
* والعامّيّ؛ بالمبتدع.
* والطّيّب؛ بالمجرم.
* والمهديّ؛ بالضّالّ.
قلت: فعند ذلك يختلط: نظام الإسلام، وتضمحلّ حقيقة: التّوحيد، ويحصل من الشّرّ ما الله تعالى به عليم، وهذا ظاهر في هذا الزّمان، والله المستعان. ([486])
قال تعالى: ]فلا تكوننّ ظهيرا للكافرين[ [القصص: 17].
وقال تعالى: ]ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون[ [الممتحنة: 9].
وقال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله[ [المجادلة: 22].
وقال تعالى: ]ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم[ [النّحل: 106 و107].
وقال تعالى: ]وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم[ [النّساء: 140].
قال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج1 ص274): (أجمع علماء الإسلام: على أنّ من ظاهر الكفّار على المسلمين، وساعدهم عليهم؛ بأيّ: نوع من المساعدة، فهو: كافر مثلهم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ /: (الأمر الثّالث: أي: من النّواقض الّتي تنقض التّوحيد، موالاة المشرك، والرّكون إليه، ونصرته، وإعانته باليد، أو اللّسان، أو المال.
* كما قال تعالى: ]فلا تكوننّ ظهيرا للكافرين[ [القصص: 86].
وقال تعالى: ]قال ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين[ [القصص: 17].
وقال تعالى: ]إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظّالمون[ [الممتحنة: 6]) ([487]). اهـ
قلت: فالأمور الّتي تنقض التّوحيد: موالاة الكفّار، والمشركين في هذه الحياة.
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ /: (أجمع العلماء؛ سلفا، وخلفا: من الصّحابة، والتّابعين، والأئمّة، وجميع أهل السّنّة، أنّ المرء لا يكون مسلما؛ إلّا بالتّجرّد من: «الشّرك الأكبر»، والبراءة منه، وممّن فعله، وبغضهم، ومعاداتهم) ([488]). اهـ
قلت: فقد أجمع أهل السّنّة والجماعة، على وجوب: البراءة من المشركين، وأنّه لا يستقيم الإسلام؛ إلّا بذلك، اللّهمّ سلّم سلّم.
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ /: (الأمر الثّاني: انشراح الصّدر لمن أشرك بالله، وموادّة أعداء الله تعالى.
* كما قال تعالى: ]ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم * ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة وأنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين[ [النّحل: 106 و107].
* فمن فعل ذلك، فقد أبطل توحيده، ولو لم يقع في الشّرك بنفسه.
قال تعالى: ]لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله[ [المجادلة: 22]) ([489]). اهـ
* فتوى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة، في صور الولاء: المكفّر، وغير المكفّر، فتوى: (ج2 ص71): (الحمد لله والصّلاة والسّلام: على رسول الله، وآله، وصحبه، وبعد:
موالاة الكفّار: الّتي يكفر بها من والاهم، هي: محبّتهم، ونصرتهم على المسلمين.
* لا مجرّد التّعامل معهم بالعدل، ولا مخالطتهم لدعوتهم بالإسلام، ولا غشيان مجالسهم، والسّفر إليهم: للبلاغ، ونشر الإسلام). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن عتيق /: (قد دلّ القرآن، والسّنّة على أنّ المسلم، إذا حصلت منه موالاة أهل الشّرك، والانقياد لهم: ارتدّ بذلك.
قال تعالى: ]ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم[ [المائدة: 51].
* وأمعن النّظر: في قوله تعالى: ]فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم[ [النّساء: 140]، وأدلّة هذا كثير) ([490]). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ حمد بن عتيق /، في بيان صورة من صور الولاء «المكفّر»: (الأمر الرّابع: يعني؛ من النّواقض: الجلوس عند المشركين، في مجالس شركهم، من غير إنكار.
والدّليل: قوله تعالى: ]وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذا مثلهم إنّ اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنّم جميعا[ [النّساء: 140]) ([491]). اهـ
قلت: ومن الصّور المكفّرة في مسألة: الموالاة، التّشبّه المطلق؛ بأهل الكفر، خاصّة إذا كانت المشابهة، فيما هو من خصائص دينهم.
قال تعالى: ]ياأيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين[ [المائدة: 51].
وقال تعالى: ]بشّر المنافقين بأنّ لهم عذابا أليما * الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة للّه جميعا[ [النّساء: 138 و139].
وقال تعالى: ]ياأيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبّوا الكفر على الإيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظّالمون[ [التّوبة: 23].
وقال تعالى :]إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم[ [محمّد: 25].
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج7 ص17): (قوله تعالى: ]لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم[ [المائدة: 51]؛ فإنّه أخبر في تلك الآيات: أنّ متولّيهم، لا يكون مؤمنا، وأخبر هنا: أنّ متولّيهم: هو منهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج28 ص193): (وتبيّن: أنّ موالاة الكفّار، كانت سبب ارتدادهم، على أدبارهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «الفتاوى» (ج28 ص201)؛ عن موالاة الكفّار: (ومن تولّى: أمواتهم، أو أحياءهم: بالمحبّة، والتّعظيم، والموافقة، فهو: منهم). اهـ
قلت: موالاة الكفّار، سبب من أسباب الرّدّة، خاصّة في نصرتهم، ومظاهرتهم، ومعاونتهم، على المسلمين، والتّحزّب لهم: ضدّ المسلمين.
قال تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
قلت: وهذه الآية فيها أمر الله تعالى، لكفّار قريش: الّذين أنكروا رسالة النّبيّ r، أن يسألوا أهل الذّكر، وهم: بقايا من أهل العلم الموجودين، قبل بعثة النّبيّ r، وبعد بعثته r. ([492])
* وأنّ أهل الذّكر كان لهم وجود في زمن الجاهليّة، وحتّى مبعث النّبيّ r.
وهم أهل العلم، من النّصارى، واليهود، وطوائف أخرى، ممّن كان على دين إبراهيم عليه السّلام، وهم: بقايا من أهل العلم.
* فالله تعالى أمر كفّار قريش أن يرجعوا: إلى بقايا من أهل العلم، فسيجدون الجواب: عن إرسال الرّسل عليهم السّلام في الأمم السّابقة، وعن رسالة النّبيّ r، وأنّها رسالة حقّ من الله تعالى.
* وأنّ الحجّة قائمة على كفّار قريش في زمن أهل الجاهليّة، وفي زمن أهل الإسلام.
* فهم: غير معذورين في كفرهم، وشركهم، لا قبل الإسلام، ولا بعد الإسلام، لأنّهم: معاندون، ومكذّبون للرّسل عليهم السّلام، فافهم لهذا ترشد. ([493])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج5 ص324): (قوله تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
يقول تعالى: رادّا على من أنكر بعثة الرّسل من البشر: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم[؛ أي: جميع الرّسل الّذين تقدّموا كانوا رجالا من البشر، لم يكن فيهم أحد من الملائكة، كما قال في الآية الأخرى: ]وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى[ [يوسف: 109]، وقال تعالى: ]قل ما كنت بدعا من الرّسل[ [الأحقاف:9] ، وقال تعالى حكاية عمّن تقدّم من الأمم: أنّهم أنكروا ذلك فقالوا: ]أبشر يهدوننا[ [التّغابن:6]؛ ولهذا قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[؛ أي: اسألوا أهل العلم من الأمم: كاليهود، والنّصارى، وسائر الطّوائف: هل كان الرّسل الّذين أتوهم بشرا أو ملائكة؟، إنّما كانوا بشرا، وذلك من تمام نعم اللّه على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكّنون من تناول البلاغ منهم، والأخذ عنهم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ / في «تيسير الكريم الرّحمن» (ج5 ص212): (قوله تعالى: ]وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]؛ هذا جواب لشبه المكذّبين للرّسول r القائلين: هلّا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرّف في الأسواق، وهلّا كان خالدا؟.
* فإذا لم يكن كذلك، دلّ على أنّه ليس برسول.
* وهذه الشّبه ما زالت في قلوب المكذّبين للرّسل عليهم السّلام، تشابهوا في الكفر، فتشابهت أقوالهم.
فأجاب تعالى: عن هذه الشّبه لهؤلاء المكذّبين للرّسول، المقرّين بإثبات الرّسل عليهم السّلام قبله.
* ولو لم يكن إلّا إبراهيم عليه السّلام، الّذي قد أقرّ بنبوّته جميع الطّوائف.
* والمشركون، يزعمون أنّهم على دينه وملّته - بأنّ الرّسل عليهم السّلام قبل محمّد r، كلّهم من البشر، الّذين يأكلون الطّعام، ويمشون في الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشريّة، من الموت وغيره.
* وأنّ الله تعالى أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدّقهم من صدّقهم، وكذّبهم من كذّبهم.
* وأنّ الله تعالى صدقهم ما وعدهم به من النّجاة، والسّعادة لهم، ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذّبين لهم.
* فما بال محمّد r، تقام الشّبه الباطلة على إنكار رسالته، وهي موجودة في إخوانه المرسلين، الّذين يقرّ بهم المكذّبون لمحمّد؟.
* فهذا إلزام لهم في غاية الوضوح.
* وأنّهم إن أقرّوا برسول من البشر، ولن يقرّوا برسول من غير البشر، إنّ شبههم باطلة، قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها، وتناقضهم بها.
فلو قدّر انتقالهم من هذا إلى إنكار نبوّة البشر رأسا، وأنّه لا يكون نبيّ إن لم يكن ملكا مخلّدا، لا يأكل الطّعام، فقد أجاب الله تعالى عن هذه الشّبهة بقوله: ]وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون * ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون[.
* وأنّ البشر لا طاقة لهم بتلقّي الوحيّ من الملائكة: ]قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنّين لنزلنا عليهم من السّماء ملكا رسولا[.
* فإن حصل معكم شكّ وعدم علم بحالة الرّسل المتقدّمين: ]فاسألوا أهل الذّكر[؛ من الكتب السّالفة: كأهل التّوراة، والإنجيل؛ يخبرونكم بما عندهم من العلم، وأنّهم كلّهم بشر من جنس المرسل إليهم.
وهذه الآية: وإن كان سببها خاصّا بالسّؤال عن حالة الرّسل المتقدّمين لأهل الذّكر، وهم: أهل العلم، فإنّها عامّة في كلّ مسألة من مسائل الدّين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها). اهـ
وقال تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66].
فهذه الآية: تبيّن كفر المشركين بالتّوحيد، فيما أرسل إليهم من دعوة الرّسل عليهم السّلام، إلى توحيد الله تعالى، وأن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وأن يتبرّؤوا من عبادة الأوثان، والأصنام، وهذا حقّ الله تعالى على العباد.
* لكن عميت أنفسهم من حجج الله تعالى في التّوحيد، في الدّنيا والآخرة.
* فلم يدروا ما يحتجّون به، كي يتخلّصوا بما هم فيه من الخزي، لأنّ الله تعالى قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وأقام عليهم الحجج الواضحة، فلا عذر لهم في: «الشّرك»، و«الكفر»، فماذا أجبتم المرسلين.
قال الإمام الطّبريّ / في «جامع البيان» (ج18 ص297): (قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين. فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66]؛ ويوم ينادي اللّه: هؤلاء المشركين، فيقول لهم: ]ماذا أجبتم المرسلين[؛ فيما أرسلناهم به إليكم، من دعائكم إلى توحيدنا، والبراءة من الأوثان، والأصنام،: ]فعميت عليهم الأنباء يومئذ[؛ يقول: فخفيت عليهم الأخبار، من قولهم: قد عمي عنّي خبر القوم: إذا خفي، وإنّما عني بذلك: أنّهم عميت عليهم الحجّة، فلم يدروا ما يحتجّون، لأنّ اللّه تعالى: قد كان أبلغ إليهم في المعذرة، وتابع عليهم الحجّة، فلم تكن لهم حجّة يحتجّون بها، ولا خبر يخبرون به، ممّا تكون لهم به نجاة ومخلص). اهـ
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]ويوم[ [القصص: 65]؛ قال: (يوم القيامة). ([494])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم[ [القصص: 65]؛ يقول: ويوم يسألهم، يعني: كفّار مكّة، يسألهم الله تعالى: ]فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ في التّوحيد). اهـ
وعن ابن جريج / قال: في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ قال: (بلا إله إلّا الله؛ التّوحيد). ([495])
وقال الإمام يحيى بن سلّام / في «تفسير القرآن» (ج2 ص605): (في قوله تعالى: ]ويوم يناديهم[ [القصص: 65]؛ يعني: المشركين: ]فيقول ماذا أجبتم المرسلين[ [القصص: 65]؛ يستفهمهم، يحتجّ عليهم، وهو أعلم بذلك، ولا يسأل العباد عن أعمالهم؛ إلّا الله وحده). اهـ
وعن مجاهد بن جبر / قال: في قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء[ [القصص: 66]، قال: (الحجج). ([496])
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء[ [القصص: 66]؛ يعني: الحجج يومئذ).
وقال الإمام مقاتل بن سليمان / في «تفسير القرآن» (ج3 ص353): (في قوله تعالى: ]فهم لا يتساءلون[ [القصص: 66]؛ يعني: لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأنّ الله تعالى: أدحض حجّتهم، وأكلّ ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: ]فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 66]). اهـ
وقال المفسّر ابن عطيّة / في «المحرّر الوجيز» (ج6 ص604): (أنّهم: لا يتساءلون عن الأنباء، لتيقّن جميعهم: أنّه لا حجّة لهم). اهـ
وقال المفسّر القرطبيّ / في «الجامع لأحكام القرآن» (ج13 ص304): (قوله تعالى: ]ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون[ [القصص: 65 و66]؛ «فعميت عليهم الأنباء يومئذ»؛ أي: خفيت عليهم الحجج؛ لأنّ اللّه قد أعذر إليهم في الدّنيا، فلا يكون لهم عذر، ولا حجّة يوم القيامة: و «الأنباء»؛ الأخبار، سمّى: حججهم أنباء؛ لأنّها أخبار يخبرونها: «فهم لا يتساءلون»؛ أي: لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج؛ لأنّ اللّه تعالى أدحض حججهم: «لا يتساءلون»؛ أي: لا ينطقون بحجّة). اهـ
قلت: فلا يكون لهم عذر، ولا حجّة، فهم لا يتساءلون، ولا يجيبون، ولا يحتجّون. ([497])
وقال الإمام القرافيّ / في «تنقيح الفصول» (ج2 ص472): (لم يعذر الله: بالجهل، في أصول الدّين، إجماعا). اهـ
وقال تعالى: ]فريقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون[ [الأعراف: 30].
* فهذه الآية: فيها دليل على أنّ الكافر الّذي يظنّ أنّه في دينه على الحقّ، والجاحد، والمعاند سواء، ولا نفع له بظنّه الّذي ظنّه أنّه على الهدى!.
قال الحافظ البغويّ / في «معالم التّنزيل» (ج2 ص188): (قوله تعالى: ]فريقا هدى[؛ أي: هداهم الله تعالى: ]وفريقا حقّ[؛ وجب عليهم الضّلالة، أي: الإرادة السّابقة: ]إنّهم اتّخذوا الشّياطين أولياء من دون اللّه ويحسبون أنّهم مهتدون[؛ فيه: دليل على أنّ الكافر، الّذي يظنّ أنّه في دينه، على الحقّ، والجاحد، والمعاند سواء، ولا نفع له بظنّه). اهـ
وعن عبّاد بن منصور قال: سألت الحسن البصريّ، عن قوله تعالى: ]فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم[ [آل عمران: 66]؛ قال: (لا يعذر من حاجّ بالجهل).([498])
وقال تعالى: ]ومن النّاس من يتّخذ من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه والّذين آمنوا أشدّ حبّا للّه[ [البقرة: 165].
وقال تعالى: ]ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون[ [الأحقاف: 5].
وقال تعالى: ]له دعوة الحقّ والّذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلّا كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلّا في ضلال[ [الرّعد: 14].
وقال تعالى: ]والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير[ [فاطر: 13 و14].
قال العلّامة الشّيخ عبد الرّحمن بن حسن / في «الدّرر السّنيّة» (ج2 ص268): (ومعلوم أن مشركي العرب، لا يقولون: إنّ آلهتهم: تخلق وترزق، وتدبّر أمر من دعاها.
* وشركهم: إنّما هو في: «التّألّه»، و«العبادة»، ثمّ ذكر الآيات السّابقة، ثمّ قال: والآيات في بيان الشّرك في العبادة، وأنّه دين المشركين، وما تضمّنه القرآن من الرّدّ عليهم، وبيان ضلالهم، وضياع أعمالهم: أكثر من أن تحصر.
* ويكفي اللّبيب الموفّق لدينه بعض ما ذكرناه من الآيات المحكمات.
* وأمّا من لم يعرف حقيقة الشّرك، لإعراضه، عن فهم الأدلّة الواضحة، والبراهين القاطعة، فكيف يعرف التّوحيد، ومن كان كذلك، لم يكن من الإسلام في شيء، وإن صام وصلّى، وزعم: أنّه مسلم). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن / في «مصباح الظّلام» (ج3 ص543): (وأمّا من ترك: التّوحيد، الّذي دلّت عليه: شهادة: «أن لا إلـٰه إلّا الله»، فقد اتّفق العلماء على: كفره). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن / في «منهاج التّأسيس» (ص101): (ما يقع منهم: في «المسائل الظّاهرة» الجليّة، أو ما يعلم من الدّين بالضّرورة، فهذا لا يتوقّف في كفر قائله). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن بن حسن / في «منهاج التّأسيس» (ص102): (من نشأ من هذه الأمّة، وهو يسمع للآيات القرآنيّة، والأحاديث النّبويّة، والأحكام الفقهيّة، من إيجاب التّوحيد، والأمر به.
* وتحريم: الشّرك، والنّهي عنه، فإن كان ممّن يقرأ القرآن؛ فالأمر أعظم وأطمّ، لا سيّما: إن عاند في إباحة الشّرك، ودعا إلى عبادة الصّالحين والأولياء، زعم أنّها مستحبّة، وأنّ القرآن دلّ عليها، فهذا كفره: أوضح من الشّمس في الظّهيرة، ولا يتوقّف في تكفيره، من عرف الإسلام، وأحكامه، وقواعده، وتحريره). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الأوهام والالتباس» (ص116): (فحجّة الله تعالى: هي القرآن، فمن بلغه القرآن، فلا عذر، وليس كلّ جهل يكون عذرا لصاحبه، فهؤلاء: جهّال المقلّدين، لأهل الكفر، كفّار بإجماع الأمّة). اهـ
وقال العلّامة الشّيخ سليمان بن سحمان / في «كشف الأوهام والالتباس» (ص117): (ما يقع منهم: في «المسائل الظّاهرة» الجليّة، أو ما يعلم من الدّين بالضّرورة، فهذا لا يتوقّف في كفر قائله) ([499]). اهـ
وجاء في فتاوى اللّجنة الدّائمة (ج13 ص85)؛ برئاسة: الشّيخ عبد العزيز بن باز /: (لا يعذر بالجهل: من عنده القدرة على تعلّم: ماهو واجب عليه، من ضروريّات الدّين، ولم يتعلّم). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرّقم |
الموضوع |
الصّفحة |
1) |
المقدّمة..................................................................................................... |
5 |
2) |
ذكر الدّليل على وصف النّبيّ الوصف الدّقيق للجماعات الحزبيّة في آخر الزّمان للحذر منها، واجتنابها وعدم الدّخول فيها.................... |
18 |
3) |
فتاوى العلاّمة الشّيخ عبد العزيز بن باز في أنّ الـصّـوفـيّة القبوريّة لا يعذرون بجهلهم، وهم كفّار من أهل الشّرك......................................... |
30 |
4) |
فتوى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء بالمملكة العربيّة السّعوديّة في عدم العذر بالجهل فيمن وقع في الشّرك الأكبر............. |
31 |
5) |
فتوى العلّامة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله في تكفيره من سجد لـصـنـم، أو قبر، أو استهزأ بالدّين، أو أشرك بالله، أو غير ذلك، ولا يعذره بجهله، لأنّه قامت عليه الحجّة في الدّين..................... |
33 |
6) |
فتاوى العلاّمة الشّيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه اللّه في أنّ الّذي لا يكفّر القبوريّين المشركين أنّه على مذهب المرجئة،والّذي يعذرهم بجهلهم، ويقول لابدّ من إقامة الحجّة عليهم؛ فهذا مرجئ على مذهب المرجئة الخامسة العصريّة! .............................................. |
35 |
7) |
ذكر الدّليل على قمع ((المرجئة السّادسة))، وذلك لأنّها وقعت فيما وقعت فيه ((المرجئة القديمة))، وأنّها لا تكفّر من كان على مذهب القبوريّة الشّركيّة وغيرهم، وقد ادّعت في ذلك أنّهم معذرون بجهلهم في الدّين، ولابدّ من إقامة الحجّة عليهم، وهذا مخالف لإجماع الصّحابة، والسّلف، وأهل السّنّة والجماعة قديما وحديثا |
38 |
8) |
فتاوى العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز في بيان أنّ أصول الدّين لا يعذر فيها بالجهل، فمن خالف في الأصول فقد كفر............................. |
48 |
9) |
فتوى العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز في عدم العذر بجهل فيمن وقع في المخالفات الشّرعيّة في الأصول؛ بمثل: من وقع في الكفر الأكبر، أو الشّرك الأكبر، فإنّه يكفر ولا يعذر بجهله في الدّين............. |
53 |
10) |
فتاوى العلّامة الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين في كفر من وقع في الشّرك الأكبر بعينه، ولا يعذر بجهله؛ لأنّه ترك التّوحيد، والكفر بالعموم..................................................................................................... |
57 |
11) |
درّة نادرة في عدم العذر بالجهل في أصول الدّين في هذا الزّمان لوجود الوسائل الحديثة.......................................................................... |
62 |
12) |
ذكر الدّليل على أنّ من قامت الحجّة على تفريطه في العلم، وإهماله فيما يجب عليه معرفته في القرآن والسّنّة، فتعدّى حدود الله تعالى، بسلوكه سبل الكفر، أو البدع في العبادات، فلا يعذر بجهله، لا في دار الإسلام، ولا في دار الكفر، لانتشار الرّسالة في الدّارين في هذا الزّمان........................................................................................................ |
63 |
13) |
ذكر الدّليل من تفسير الصّحابة، والتّابعين، على أنّه من بلغه القرآن الكريم، فقد قامت عليه الحجّة، ويكفي في فهمها في الجملة، ولا يلزم فهم الحجّة على التّـفـصـيـل، فلا يعذر بجهله بعد بلوغ رسالة محمّد إليه، إذا وقع في الكفر، والشّرك، وتكفيره هذا: موقوف على بلوغ الحجّة، بوصول القرآن إليه، وليس بموقوف على فهم الحجّة مطلقا، بل على بلوغها، ففهمها شيء، وبلوغها شيء آخر، فأجمع السّلف الصّالح على أنّ هذا لا يعذر بجهله في أصول الدّين................ |
84 |
14) |
ذكر الدّليل على أنّ أوّل حجج الله تعالى على عباده، الّتي يحجّهم بها في الدّنيا، والآخرة، هي: حجّة الميثاق على الإجمال، الّذي أخذه الله تعالى عليهم، وهم: في أصلاب آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم على وحدانيّته، وربوبيّته، وقد فطر الله تعالى العباد على هذا الميثاق، وعلى فطرة الإسلام، والفطرة: حجّة من حجج الله تعالى على عباده، حيث ما من مولود، إلاّ يولد على فطرة الإسلام، والإيمان بالله تعالى، وأنّه ربّهم سبحانه، وقطع الله تعالى بهذا الميثاق أعذارهم في الدّنيا والآخرة، وحذّرهم من الغفلة في الدّنيا عن هذا الميثاق، ومن أن لا يفون به، أو أن يعتذروا يوم القيامة؛ بتقليد الآباء وغيرهم على الشّرك، والضّلال، وأن يكونوا غافلين عن الإسلام في الحياة الدّنيا وقد أكّد الله تعالى، وذكّر العباد رحمة منه سبحانه بهم، بهذا الميثاق؛ والفطرة، بأنّه سبحانه أنزل عليهم القرآن الكريم، وهو حجّة عليهم، ببلوغه؛ تأكيدا، وتذكيرا: لهم عن غفلتهم عن الدّين الصّـحـيـح، فهو داع، ونذير، أيضا للعباد على الإجمال، وعلى التّفصيل، وهو البرهان المؤكّد، الّذي يندفع به الجهل أيضا، وتحسم به الأعذار، فمن بلغه القرآن، فقد بلغته الحجّة الّتي تبطل الأعذار، وتوجب على مخالفتها، ومعاندها عذاب النّار، وكذا وصول السّنّة النّبويّة، والسّماع بالرّسالة، وبدعوته، فمن بلغته، فقد بلغته نذارة الرّسول، الّتي تبطل الأعذار، وكأنّما رأى الرّسول، وقد بلغه أمر الله تعالى، والإسلام، أخذه، أو تركه، وبالتّالي، فقد أقيمت على العباد حجج الله تعالى الّتي يستحقّون نار جهنّم إذا خالفوها، ووقعوا في الشّرك، أو الكفر، أو التّقليد....................................................................................................... |
109 |
15) |
ذكر الدّليل على الحكم بالكفر على المعيّن، وبالكفر العامّ، لمن وقع في المخالفات للأصول الكبرى، والمسائل العظمى، بالضّوابط الّتي ضبطها أئمّة الحديث في مسائل التّكفير، والّتي لا يعذر فيها؛ أيّ: أحد في تماديه بجهله في حياته، دون أن يتعلّم أحكام دينه، ما دام استندوا في تكفيره إلى برهان من الله تعالى، وبيان من رسوله، وقد وجدت فيه شروط التّكفير، وانتفت موانعه وقامت الحجّة عليه في الدّين؛ ببلوغه القرآن، والرّسالة فقط، وإن لم يفهم: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) [الأنعام: 19] .................................. |
267 |
أخرجه أبو داود في «سننه» (4607)، والتّرمذيّ في «سننه» (2678)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص67)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126) بإسناد صحيح.
قلت: والتّأسي والاقتداء بالرّسول ه طريقة الاعتصام بالكتاب والسّنّة.
([3]) يعني: الأهواء والآراء المختلفة في الضّلالات، مثل: الجماعات الحزبيّة الموجودة في السّاحة الإسلاميّة في هذا الزّمان.
أخرجه أحمد في «المسند» (ج1 ص435)، والدّارميّ في «المسند» (ج1 ص67)، والطّيالسيّ في «المسند» (ص33)، والنّسائيّ في «السّنن الكبرى» (ج6 ص343)، وابن أبي زمنين في «السّنة» (ص36)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج5 ص112)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1422).
وسنده حسن.
أخرجه التّرمذيّ في «سننه» (ج5 ص26)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص128)، وابن وضّاح في «البدع» (ص92)، واللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (ج1 ص100)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص15 و16)، والعقيليّ في «الضّعفاء» (ج2 ص262)، ومحمّد بن نصر المروزيّ في «السّنّة» (ص23)، وابن الجوزيّ في «تلبيس إبليس» (ص15)، وفي «الحدائق» (ج1 ص541 و452)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص369)، والدّيلميّ في «الفردوس» (ج3 ص439)، والأصبهانيّ في «الحجّة» (ج1 ص107)، والفسويّ في «المعرفة والتّاريخ» (ج3 ص489)، والبغويّ في «مصابيح السّنّة» (ج1 ص161).
بأسانيد حسنة.
([8]) والنّبيّ ه ترك أمّته على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك نعوذ بالله من الخذلان.
([9]) قلت: كذلك الّذين يعملون ببعض الإسلام، ويتركون بعضه، أو يعملون ببعض الأحكام، ويتركون بعضها، أو يعملون ببعض السّنة، ويتركون بعضها فهذا أيضا لا يكفي في الإسلام، ولن يقبل منهم ذلك، والله المستعان.
قال تعالى: ]ياأيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السّلم كافّة[ [البقرة: 208]؛ أي: خذوا جميع أحكام الإسلام، واعملوا بها، فهذا هو الإسلام الصّحيح الّذي يجب الانتساب إليه.
([10]) وانظر: «تفسير القرآن» للمراغيّ (ج3 ص204)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج1 ص372)، و«زاد المسير» لابن الجوزيّ (ج1 ص416)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج2 ص820)، و«ثلاثة الأصول» للشّيخ محمد بن عبد الوهاب (ص66)، و«شرح ثلاثة الأصول» للشّيخ الجاميّ (ص23).
([12]) لقد أدخلت «المرجئة السّادسّة» الباطل الخبيث في دين الله تعالى، وادّعت أنه من الإسلام، وهو ليس من الإسلام، بل هو دين «الفرق الضّالة»، لأنها ابتغت غير الإسلام دينا فلن يقبل منها هذا الدّين، إذا فهي في الآخرة خاسرة.
قال تعالى: ]وإنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون[ [آل عمران: 78].
وقال تعالى: ]قل هو من عند أنفسكم[ [آل عمران: 165].
وقال تعالى: ]لقد ابتغوا الفتنة[ [التوبة: 48].
([17]) هم في هذا الزمان: «الإخوانيّة»، و«التّراثيّة»، و«السّروريّة»، و«القطبيّة»، و«الصّوفيّة»، و«الأشعريّة»، و«اللاّدنيّة»، و«الدّاعشيّة»، و«التبليغيّة»، و«الرّبيعيّة»، و«الإباضيّة»، و«والطّالحيّة»، و«المرجئة» وغيرهم من دعاة الباطل في هذا العصر، نعوذ بالله من الخذلان.
قال تعالى: ]ليميز اللّه الخبيث من الطّيّب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنّم أولئك هم الخاسرون[ [الأنفال: 37].
([19]) وانظر: «الإحسان إلى تقريب صحيح ابن حبّان» لابن بلبان (ج13 ص292)، و«معالم السّنن» للخطّابيّ (ج4 ص377)، و«المنهاج» للنّوويّ (ج12 ص237).
([20]) وانظر: «الكاشف عن حقائق السّنن» للطّيبي (ج10 ص51)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص257).
([23]) قلت: فعلى المسلم أن يعتزل دعاة الضّلالة، ويصبر على غصص الزّمان، والتّحمل لمشاقّه، وشدائده إلى أن يموت على السّنّة، والحمد لله تعالى.
([24]) قلت: ويدخل في الدّعاة من قام بالفتنة في طلب الحكم، والملك من: «الخوارج»، و«الرّوافض»، و«الإباضيّة»، و«الإخوانية»، و«الصّوفيّة»، و«الدّاعشيّة»، و«الرّبيعيّة»، و«التّراثيّة»، و«السّروريّة»، و«القطبية»، و«المرجئة» وغيرهم ممّن لم يوجد فيهم شروط الإمارة، والإمامة، والولاية، وهذا ظاهر في الثّورات التّي قامت في «تونس»، و«اليمن»، و«ليبيا»، و«سوريا»، و«مصر»، وغير ذلك.
وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص258).
([25]) وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج9 ص258 و272)، و«الكاشف عن حقائق السّنن» للطّيبيّ (ج10 ص51 و60)، و«المنهاج» للنّوويّ (ج12 ص237)، و«عون المعبود شرح سنن أبي داود» للعظيم آبادي (ج11 ص316).
([29]) وبيّن الشّيخ ابن باز أنّ مسألة العذر بالجهل ليست خلافيّة ؛ إلا في الدّقائق الّتي قد تخفى على النّاس.
([31]) وهذا يدلّ على أنّ هذا: «اليمنيّ المرجئ» قد خالف السّنّة، لإثباته للمشركين عبّاد القبور الإسلام!، وهذه الفتوى من شذوذه.
([33]) وهذا يدلّ على أنّ هذا: «اليمنيّ» في فتواه الشّاذّة على عدم تكفير القبوربيّين المشركين وعذرهم بجهلهم، قد خالف الكتاب والسّنّة، والسّلف، وإجماع العلماء، خاصّة علماء نجد.
([35]) قلت: وهذه الفتوى لشيخنا ابن عثيمين رحمه اللّه فيها قمع للمقلّدة المرجئة الّذين يحتجّون ببعض الفتاوى الاجتهاديّة له، والّتي تخالف هذه الفتوى في العذر بالجهل لمن وقع في الكفر الأكبر، أو الشّرك الأكبر.
([36]) انظر: ((التّواصل المرئيّ)) بصوت الشّيخ ابن عثيمين سنة: ((1438هـ)) بعنوان: ((فلو رأينا رجلا سجد لصنم حكمنا بكفره، وقلنا إنّه كافر)).
قلت: وهذه الفتوة من شيخنا ابن عثيمين رحمه الله هي الصّحيحة الموافقة للكتاب والسّنّة والآثار، ولا يؤخذ ما خالف هذه الفتوى من أقواله، فانتبه.
([37]) قلت: وهذا مذهب: «المرجئة السّادسة» تماما، فإنّها لا تكفّر القبوريّ المشرك، ويعذره بجهله كما زعمت، وأنّه لابدّ من إقامة الحجّة عليه، فهذه الأصول الفاسدة، هي أصول: «المرجئة الخامسة» أيضا.
([42]) وهذا «مذهب المرجئة»، كما بيّن الشّيخ ابن باز، والشّيخ عبد الله الغديّان، والشّيخ صالح اللّحيدان، والشّيخ ابن عثيمين، والشّيخ صالح الفوزان، والشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ، وغيرهم من العلماء الكبار في التّوحيد والعقيدة.
([47]) وانظر: «مصباح الظّلام» للشّيخ عبد اللّطيف بن عبد الرّحمن آل الشّيخ (ص60 و61 و62 و63)، و«كشف الشّبهات» للشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب (ص10 و12 و13).
([48]) فنكص على عقبيه؛ كحال أهل البدع في كلّ عصر ومصر، يتكلّمون فلا يصدقون، ويقولون ويحرّفون، ويضلّلون ولا يتّقون.
قلت: فلماذا هو متلبّس بما ينكره على غيره؟!.
وهذا يدلّ دلالة وثيقة على جهل: «اليمنيّ المرجئ» لحقيقة الدّعوة السّلفية في الأصول والفروع، وأنّها قائمة على الكتاب والسّنّة والآثار.
([49]) فاليهود والنّصارى واليونان كانوا قبورية متعلّقين بالقبور معظّمين لها معتقدين فيها عقائد باطلة، وقد أخبر الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم أن هذه الأمّة ستتبّعهم في ذلك، وهذا الّذي وقع كما هو ظاهر من: «حركة طالبان» وغيرهم من الصّوفيّة القبوريّة!.
([50]) قلت: والقبوريّة هي أصل الوثنيّة عند العرب في العهد الجاهليّ!.
وكان سبب وقوعهم في القبوريّة الوثنيّة هو الغلوّ في الصّالحين منهم، وتعظيم قبورهم حتّى اتّخذوها أصناما.
فعن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال، في قوله تعالى: ]اللّات والعزّى[ [النجم: 19] (كان اللّات رجلا يلتّ سويق الحاجّ).
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج8 ص611).
فهذا منكر من القول في الإرجاء، تبطله دلالة النّصوص.
([58]) إن وجد، وإلّا لا يوجد أيّ أحد على وجه الأرض، إلّا الله تعالى بلّغه رسالة النّبيّ r، كما هو ظاهر في الأرض.
لذلك فليأتي: «المرجئة» بواحد على وجه الأرض، لم تبلغه الدّعوة!.
([59]) قلت: الحفّاظ، لا يحتجّون بأحاديث: «امتحان أهل الفترة يوم القيامة»، لضعفها، فأهل الفترة قامت عليهم الحجّة كلّهم بالرّسالة على وجه الأرض، فلا حجّة عندهم، ولا عذر لهم بجهلهم بأحكام الإسلام، وانظر: التّفصيل الّذي بعده.
([64]) انظر: «أقوال الشّيخ عبد العزيز بن باز في العذر بالجهل» (ص7)؛ تقديم: «الشّيخ الفوزان» بتاريخ: 29/12/1437هـ.
([65]) فالجاهل لمّا يقول: قولا، أو يعتقد اعتقادا، بخلاف الحقّ غير عالم؛ يكون مخطئافي ذلك القول، أو الاعتقاد.
([66]) قلت: والخطأ: هو ضدّ الصّواب.
* والجاهل المخطئ: معذور في حالات معيّنة، ومعنى: هذا أنّ الإثم، والمؤاخذة: مرفوعة عنه.
وانظر: «الاستقامة» لابن تيميّة (ج1 ص164 و165)، و«الفتاوى» له (ج12 ص180).
أخرجه أحمد في «المسند» (ج5 ص153 و162)، والبزّار في «المسند» (ج9 ص341)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج2 ص166).
وإسناده حسن.
([69]) وانظر: «رفع الحرج في الشّريعة الإسلاميّة» لابن حميد (ص230)، و«طريق الهجرتين» لابن القيّم (ص411)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص67)، و«الجهل بمسائل الاعتقاد» لمعّاش (ص242)، و«إرشاد الفحول» للشّوكانيّ (ص84 و50 و52)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النّجّار (ج1 ص60 و66)، و«التّمهيد» لأبي الخطّاب (ج1 ص36 و37 و42)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج1 ص27 و73).
([71]) قلت: فعدم العذر بالجهل، في هذه المسائل: مشروط بقيام الحجّة وبلوغها، كأن تتحقّق صورة شرعيّة، لقيام الحجّة، كدار الإسلام، وبيئة العلم والإيمان، حيث يوجد دعاة من أهل العلم، بالكتاب والسّنّة، فتصبح هذه المسائل مشتهرة، ذائعة بين المسلمين في بلدانهم.
([74]) قصّة: عمرو بن عنبسة السّلميّ t. أخرجها الإمام أحمد في «المسند» (ج4 ص112)، وفيها قال: (إنّي كنت في الجاهليّة: أرى النّاس على ضلالة، ولا أرى الأوثان شيئا ... يا رسول الله، علّمني ممّا علمك الله، وأجهل).
وإسنادها صحيح.
قلت: فهو في الجاهليّة لا يرى عبّاد الأوثان على شيء، فلم يعذروا بجهلهم، فما بالك بالّذين في دار الإسلام فمن باب أولى لا يعذرون بجهلهم.
وأخرجها مسلم في «صحيحه» (832)، وأبو عوانة في «المسند المستخرج» (ج1 ص386 و487)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج1 ص81)، و(ج2 ص454)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج4 ص53 و54) بلفظ: (كنت وأنا في الجاهليّة أظنّ أنّ النّاس على ضلالة، وأنّهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، فقلت: يا نبيّ الله أخبرني عمّا علّمك الله وأجهله).
([80]) وانظر: «رفع الحرج في الشّريعة الإسلاميّة» لابن حميد (ص230)، و«الجهل بمسائل الاعتقاد» لمعاش (ص237)، و«شرح مسائل لا يعذر فيها بالجهل على مذهب الإمام مالك بن أنس» للأمير المالكيّ (ص48 و60 و61 و62).
([81]) فالخطاب بعد الانتشار، فإن جهله ليس بعذر، لتقصيره في التّعرّف على الحكم.
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص67): (فما ظهر بيانه، واشتهر، وعلم من الدّين بالضّرورة من ذلك، لم يبق فيه شكّ، ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر في الإسلام). اهـ
([82]) إذ إنّها تقع في أمور لا يسع أحدا جهلها؛ لقيام أسباب تعلّمها.
قلت: وإذا نظر النّاظر إلى واقع النّاس، فرأى التّقليد الأعمى، والتّعصّب المقيت، يدرك مدى الجهل فيهم بأحكام الدّين في الأصول والفروع.
([83]) فمن تمكّن من التّعلّم، بتوفير جميع أسبابه لديه، وبقي على الجهل، فإنّه لا يقبل منه الاعتذار، لأنّه اختار الجهل، بإعراضه عن العلم، وجهله هذا من قبيل ما لا يشقّ الاحتراز منه، بل يمكنه دفعه، وإزالته.
([84]) وانظر: «الجهل بمسائل الاعتقاد» لمعاش (ص241)، و«شرح مسائل لا يعذر فيها بالجهل على مذهب الإمام مالك بن أنس» للأمير المالكيّ (ص48 و60 و61)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص13 و17 و18)، و«مسألة في العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص54 و55).
([85]) حديث صحيح، وهو حديث طويل.
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص281)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص287 و288 و295 و296)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص367)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص37 و40)، والطّيالسيّ في «المسند» (753) من حديث البراء بن عازب t.
وإسناده صحيح.
([87]) وهي قوله تعالى: ]ألم يأن للّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه وما نزل من الحقّ[ [الحديد: 16].
قال عبد الله ابن مسعود t، قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: ]ألم يأن للّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله[ [الحديد: 16] إلّا أربع سنين).
أخرجه مسلم في «صحيحه» (3027).
([89]) لأنّه: يعقل، ويعلم، إذا لا يشترط في قيام الحجّة الفهم؛ الّذي تعنيه: «المرجئة الخامسة»، في هذا الزّمان، الّذي هو: الفهم على التّفصيل، والعلم على التّفصيل.
* بل تقوم الحجّة، بمجرّد بلوغ القرآن والرّسالة، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل.
قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام: 19].
وقال تعالى: ]وجعلنا على قلوبهم أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا[ [الأنعام: 25].
قلت: فأخبر تعالى عن الكفّار، أنّهم لم يفقهوا، ولم يفهموا، فلم يعذرهم؛ لكونهم: لم يفقهوا، ولم يفهموا، وقد صرّح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفّار، والعبرة بعموم اللّفظ، لا بخصوص السّبب.
وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص124 و240 و245 و311)، و«الدّرر السّنيّة» (ج1 ص360 و375)، و«الضّياء الشّارق في الرّدّ على المازق المارق» لابن سحمان (ص290 و291)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص12 و16)، و«فتاوى نور على الدّرب» له (ج1 ص246 و248 و252 و256).
([90]) قلت: وليس المراد بقيام الحجّة، أن يفهمها العبد، فهما جليّا، كما يفهمها من هداه الله تعالى، للانقياد لما جاء به الرّسول ﷺ، فافهم هذا، فيكشف عنك شبهات كثيرة، من مسألة قيام الحجّة على العباد.
وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص241 و242 و243 و244).
([91]) وانظر: «الدّرر السّنيّة» (ج10 ص430 و432 و434 و436 و437 و439 و440)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص10 و11 و13 و14 و15)، و«الضّياء الشّارق في الرّدّ على المازق المارق» لابن سحمان (ص290 و291)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص124 و240 و245 و311)، و«الفتاوى» للشّيخ ابن باز (ج2 ص282 و284)، و«فتاوى وتنبيهات» له (ص211 و263)، و«شرح كشف الشّبهات» للشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ (ص101)، و«مختصر الصّواعق المرسلة» لابن القيّم (ج2 ص725).
([93]) قلت: وأمّا على الإجمال، فإنّه يفهم حجّة القرآن، ويفهم: السّنّة، ويعلم: أنّه رسول الله r إذا سمع به، ويدري بالرّسالة إذا وصلت إليه، وسمع بها.
([94]) لذلك ترى الكفّار من اليهود والنّصارى، والمجوس وغيرهم، يعادون الدّين الإسلاميّ، بعلمهم، بأنّه دين الحقّ، الّذي أنزله الله تعالى للخلق كافّة.
* فعلموا هذا الدّين على الإجمال، وفهموه في الجملة، فقامت عليهم الحجّة، فكفروا بالله تعالى، وبرسولهr.
([95]) والفهم المنفيّ: عن الخلق، هو فهم التّفقّه فقط ابتداء، ولم ينف الله تعالى عنهم: ابتداء، الفهم المجمل، الّذي تقوم عليهم الحجّة، ببلوغ القرآن إليهم.
قال تعالى: ]وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ[ [الأنعام:19].
وقال تعالى: ]رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل[ [النّساء:165].
وعن عبد الله بن عمرو t قال: قال رسول الله r: (بلّغوا عنّي ولو آية).
أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (3461) من حديث ابن عمرو t.
([96]) وانظر: «تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج2 ص93)، و«تفسير القرآن العزيز» لابن أبي زمنين (ج2 ص62)، و«الكشف والبيان» للثّعلبيّ (ج4 ص140)، و«التّعليق على تفسير ابن كثير» للشّيخ ابن باز (ص11).
([97]) قلت: فمن كانت هذه حاله، وبلغه القرآن، وعرف الرّسول r؛ فلماذا يبحث عن مبلغ فهمه، أو علمه؟!.
*والعجم: هم خلاف العرب، الواحد: عجميّ: نطق بالعربيّة، أو لم ينطق، ويقال: لهم أيضا؛ العجم: والواحد: أعجم.
وانظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج12 ص385).
([98]) وانظر: «مجموع مؤلّفات الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب» (ج3 ص159 -160)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص238).
([99]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج9 ص183)، و«تفسير القرآن» لمجاهد (ص320)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج4 ص1271)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص536)، و«تغليق التّعليق» له (ج5 ص379).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1271)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص183)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (594)، والبخاريّ في «صحيحه» تعليقا (ج13 ص536)، وابن حجر في «تغليق التّعليق» (ج5 ص379).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص28)، والشّوكانيّ في «فتح القدير» (ج2 ص106)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص536).
أخرجه ابن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص320)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1271)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص183)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (595)، وسفيان الثّوريّ في «تفسير القرآن» (ص106).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص30)، والشّوكانيّ في «فتح القدير» (ج2 ص106).
أخرجه ابن أبي حاتم في «الرّدّ على الجهميّة» (ج13 ص536-فتح الباري).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج13 ص536).
([103]) وانظر: «البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص121)، و«تفسير القرآن» لابن جزيّ (ص175)، و«أنوار التّنزيل وأسرار التّأويل» للبيضاويّ (ج1 ص296)، و«بحر العلوم» للسّمرقنديّ (ج1 ص460 و461)، و«روح المعاني» للآلوسيّ (ج7 ص152)، و«تيسير الكريم الرّحمن» للشّيخ السّعديّ (ج2 ص382)، و«تذكرة الأريب في تفسير الغريب» لابن الجوزيّ (ج1 ص157)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج7 ص85)، و«نكت القرآن» للقصّاب (ج1 ص333)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج6 ص399).
([104]) وانظر: «إعراب القرآن» للنّحّاس (ج2 ص59)، و«التّبيان في إعراب القرآن» للعكبريّ (ج1 ص486)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص91).
أخرجه ابن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص320)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج3 ص218)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1271)، والثّعلبيّ في «الكشف والبيان» تعليقا (ج4 ص140)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص172)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج10 ص468) من طريق موسى بن عبيدة الرّبذيّ، وأبي معشر، كلاهما عن محمّد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص240)، والسّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص29)، والشّوكانيّ في «فتح القدير» (ج2 ص106)، والحيريّ في «الكفاية في التّفسير» (ج2 ص184).
([106]) وانظر: «المحرّر الوجيز» لابن عطيّة (ج3 ص330)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج1 ص553)، و«زاد المسير في علم التّفسير» لابن الجوزيّ (ج3 ص13 و14)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص121)، و«الوسيط في تفسير القرآن المجيد» للواحديّ (ج2 ص259)، و«معالم التّنزيل» للبغويّ (ج3 ص133)، و«إرشاد العقل السّليم» لأبي السّعود (ج3 ص118).
أخرجه عبد الرّزّاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص209)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1276)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص198).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص33)، وابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص288)، والشّوكانيّ في «فتح القدير» (ج2 ص109).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص1275)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص198).
وإسناده حسن.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج6 ص34)، والشّوكانيّ في «فتح القدير» (ج2 ص109).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2701).
وإسناده حسن.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج11 ص183).
أخرجه عبد الرّزّاق في «تفسير القرآن» (ج2 ص189)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج20 ص450).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج13 ص125).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2254)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج13 ص747).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج8 ص583).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج13 ص747)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2254).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج8 ص583).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج8 ص2471)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج16 ص439)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج10 ص401-الدّرّ المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج10 ص401).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج16 ص439).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج10 ص403).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج21 ص178)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ج13 ص348-الدّرّ المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج13 ص348).
([124]) فحجّيّة الفطرة: في الجملة، وأنّ الله تعالى فطر الخلق من صغرهم على الإسلام، وحجّة الفطرة، هي: الحجّة الثّانية في خروجهم في الدّنيا.
([125]) وحجّيّة القرآن: على الإجمال والتّفصيل معا في الحياة الدّنيا، وحجّيّة القرآن، هي: الحجّة الثّالثة في الدّنيا.
([126]) وحجّية الرّسالة: على الإجمال والتّفصيل معا في الحياة الدّنيا، وحجّة السّنّة، هي: الحجّة الرّابعة على الخلق.
([128]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج16 ص440 و441)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص97)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلّام (ج1 ص350)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص382)، و«معالم التّنزيل» للبغويّ (ج5 ص359)، و«الكشف والبيان» للثّعلبيّ (ج6 ص314).
([129]) وانظر: «تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج4 ص133)، و«معالم التّنزيل» للبغويّ (ج7 ص380)، و«المحرّر الوجيز» لابن عطيّة (ج8 ص81)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج13 ص687).
([130]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص140)، و«فتح القدير الجامع بين، فنّيّ الرّواية والدّراية، من علم التّفسير» للشّوكانيّ (ج2 ص152 و153)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص533)، و«إرشاد العقل السّليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السّعود (ج3 ص289 و290)، و«تفسير القرآن» لابن جزيّ (ص230 و231)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص557 و558)، و«تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج2 ص231)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص465)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([132]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص137)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([133]) وانظر: «إرشاد العقل السّليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السّعود (ج3 ص289 و290 و291)، و«تفسير القرآن» لابن جزيّ (ص230 و231)، و«محاسن التّأويل» للقاسميّ (ج7 ص293)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص311)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص488 و490)، و«أحكام أهل الذّمّة» له (ج2 ص562)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص111)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص44).
([135]) انظر: «تفسير القرآن» لابن جزيّ (ص 231)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص312).
([136]) قال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص559): (الآثار في إخراج الذّرّيّة من ظهر آدم ... لا سبيل إلى ردّها، وإنكارها، ويكفي وصولها إلى التّابعين، فكيف بالصّحابة؟ ومثلها: لا يقال بالرّأي والتّخمين). اهـ
([138]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص562 و564 و565)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج5 ص1614)، و«المحرّر الوجيز» لابن عطيّة (ج4 ص86)، و«الكشف والبيان» للثّعلبيّ (ج8 ص239)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص133)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص465 و490)، و«أحكام أهل الذّمّة» له (ج2 ص562)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطّة (ج3 ص312)، و«مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح» للقاريّ (ج1 ص160 و161)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص506)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج6 ص655)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص85 و86)، و«التّذكرة بأحوال الموتى، وأمور الآخرة» للقرطبيّ (ج3 ص1044).
([142]) وانظر: «الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص311)، و«البرهان في علوم القرآن» للزّركشيّ (ج2 ص76)، و«لباب التّأويل» للخازن البغداديّ (ج2 ص612)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص44).
([143]) وانظر: «أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص562)، و«شفاء العليل» له (ص195)، و«الرّوح» له أيضا (ج2 ص488)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص133)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج2 ص231)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص312)، و«لباب التّأويل» للخازن البغداديّ (ج2 ص610 و612)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص532)، و«التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبيّ (ج3 ص1044)، و«نوادر الأصول» للحكيم التّرمذيّ (ج1 ص310)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص89)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص44).
([145]) بفتح أوّله، وثانيه؛ قال اللّغويّ ابن السّكّيت في «إصلاح المنطق» (ص132): (رجل أفقيّ، إذا أضفته إلى الآفاق. وبعضهم يقول: أفقيّ). اهـ
([146]) الآية وردت كذا في النّسخ على قراءة: أبي عمرو، وبها قرأ: نافع، وابن عامر أيضا.
وانظر: «حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزيّ (ج3 ص284).
([147]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (1385) من حديث أبي هريرة t، وبلفظ آخر عنه؛ عند البخاريّ في «صحيحه» (1358)، ومسلم في «صحيحه» (2658).
([148]) وهذا فيه التّنبيه على أنّ: «الميثاق» قد أخذ منهم، وهم في أصلاب الآباء، ولم يستودعوا في أرحام الأمّهات.
([149]) وانظر: «روح المعاني» للآلوسيّ (ج9 ص134)، و«التّبيان في إعراب القرآن» للعكبريّ (ج1 ص602)، و«مشكل إعراب القرآن» لمكّيّ (ج1 ص306)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص489)، و«إرشاد العقل السّليم» لأبي السّعود (ج3 ص289)، و«فتح القدير» للشّوكانيّ (ج2 ص152)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص39)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج7 ص317).
([154]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الرّبوبيّة.
أخرجه التّرمذيّ في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاريّ في «التّاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السّنّة» (2355)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (3551)، والمزّيّ في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزّار في «المسند» (3579).
وقال التّرمذيّ: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزّيّ (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([155]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحسّ.
* فإنّ العقل السّليم من الآفة، البريء من العاهة، يحثّ على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدلّ عليه عند الحسّ.
وانظر: «محاسن التّأويل» للقاسميّ (ج7 ص299).
([156]) وانظر: «لباب التّأويل في معاني التّنزيل» للخازن البغداديّ (ج2ص611)، و«التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبيّ (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص141).
([157]) وانظر: «لباب التّأويل في معاني التّنزيل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسّيوطيّ (ج4 ص225)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص474)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([158]) وانظر: «التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص86)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج13 ص242 و243)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج6 ص653).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج5 ص1412)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج9 ص650).
وإسناده صحيح.
([161]) يعني: أولاد المسلمين، وأولاد المشركين، فهم: في الجنّة، جميعا، لأنّهم ماتوا على فطرة الإسلام.
([166]) وانظر: «فتح القدير» للشّوكانيّ (ج2 ص152 و153)، و«روح المعاني» للآلوسيّ (ج9 ص140)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص231)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117).
([167]) لذلك؛ يكفي لإقامة الحجّة على النّاس، بالميثاق، والفطرة، على الإجمال، فلا يأتي أيّ جاهل في الدّنيا والآخرة، ثمّ يقول: أنا لا أدري، أنا كنت من أهل الغفلة عن ذلك.
([168]) فأمّا نطقهم: فليس في شيء من الأحاديث، الّتي فيها أنّهم أخرجوا من صلب آدم عليه السّلام، أو مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّته، واستنطقهم، وأنّهم كهيئة الذّرّ، ثمّ ردّوا في صلبه، وغير ذلك من الألفاظ، فلا تقوم بها الحجّة، ولا تصحّ أسانيدها كلّها.
وانظر: «أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص559).
* قال ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص473): (وهذا الإسناد، يروى به أشياء منكرة جدّا، مرفوعة، وموقوفة). اهـ
([173]) وانظر: «تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» للخازن البغداديّ (ج2 ص612)، و«روح المعاني» للآلوسيّ (ج9 ص145).
([177]) وانظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج7 ص314)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص310 و311)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص264).
([180]) والفطرة: ما يقلب الله تعالى، قلوب الخلق إليه، ممّا يريد، ويشاء، من التّوحيد وغيره.
* فإذا أراد العبد: الإيمان بالتّوحيد، فيكون مؤمنا، حتّى يموت على الإيمان والتّوحيد.
* وقد يشرك، ويريد الكفر، ثمّ لا يزال على كفره حتّى يموت على الشّرك والكفر، بسبب جهله بالتّوحيد.
([181]) وهم: «المعتزلة»، فقد أنكروا: «حجّة الميثاق»، فمن أنكر: «حجّة الميثاق» على الخلق، فقد وافق المعتزلة.
([182]) فمن أنكر قيام الحجّة بالميثاق، فقد وافق أهل البدع، ونطق بمقالتهم في مخالفة: الكتاب، والسّنّة، والإجماع، فأنّى يفلح في حياته، وهو يوافق المبتدعة.
([186]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، و(6600)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، والتّرمذيّ في «سننه» (2274)، و(2275)، وأحمد في «المسند» (7181)، و(7445)، ومالك في «الموطّأ» (ج1 ص241)، وأبو داود في «سننه» (4714)، وابن حبّان في «صحيحه» (128)، و(133).
([189]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (3334)، و(6557)، ومسلم في «صحيحه» (2805)، وأحمد في «المسند» (ج19 ص302)، والثّعلبيّ في «الكشف والبيان» (ج8 ص239).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720)، والآلكائيّ في «الاعتقاد» (880)، وأبو داود في «سننه» (4716)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج6 ص334)، وفي «القضاء والقدر» (606).
وإسناده صحيح.
وذكره أبو القاسم الأصبهانيّ في «شرح صحيح البخاريّ» (ج3 ص283).
([193]) وانظر: «الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص476)، و«التّفسير البسيط» للواحديّ (ج9 ص448)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([194]) وانظر: «لباب التّأويل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسّيوطيّ (ج4 ص225)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص474)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([195]) وانظر: «التّفسير البسيط» للواحديّ (ج9 ص449)، و«تفسير القرآن» للخازن (ج2 ص268)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص479).
([196]) في الأصول: (ذرّيّاتهم)؛ على الجمع، وهي قراءة: أبي عمرو، ونافع، وابن عامر، وقرأ: ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ: ] ذرّيّتهم [؛ على التّوحيد.
انظر: «حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزيّ (ج3 ص284).
([201]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطّيالسيّ في «المسند» (1079).
([202]) وانظر: «التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص531).
([203]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيميّة (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السّماع» له (ص383 و385).
([205]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطّيالسيّ في «المسند» (1079)، والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (ص104).
([206]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2165)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162)، وعبد الرّزّاق في «المصنّف» (2088)، والحربيّ في «غريب الحديث» (ج1 ص111)، والبيهقيّ في «القضاء والقدر» (549)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (ج7 ص987)، وابن حبّان في «صحيحه» (653)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص73) من حديث عياض المجاشعيّ t.
([210]) وانظر: «مشكل الآثار» للطّحاويّ (ج4 ص15 و17)، و«القضاء والقدر» للبيهقيّ (ج3 ص866)، و«الاستذكار» لابن عبد البرّ (ج8 ص372)، و«التّحرير في شرح مسلم» للأصبهانيّ (ص604 و605)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص359).
([211]) والفطرة: في الحقيقة أيضا، أتت تصديقا لما جاء في: «الميثاق الأوّل»، من إقرار العباد: بوحدانيّة الله تعالى، في ألوهيّته، وربوبيّته.
([215]) انظر: «معالم التّنزيل» للبغويّ (ج2 ص568)؛ و«معارج القبول بشرح سلّم الوصول إلى علم الأصول» للحكميّ (ج1 ص90 و91).
([218]) وانظر: «تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص264)، و«زاد المسير» لابن الجوزيّ (ج3 ص286)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص482 و483).
([219]) وانظر: «العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المصباح المنير» للفيّوميّ (ج2 ص476 و477)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج11 ص283)، و«تهذيب اللّغة» للأزهريّ (ج3 ص2802)، و«القاموس المحيط» للفيروز آباديّ (ص481).
([220]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيميّة (ج4 ص245 و247)، و«درء تعارض العقل والنّقل» له (ج8 ص367 و371 و373)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص72)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص535)، و«شفاء العليل» له (ص285)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج14 ص26)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص193)، و«تهذيب اللّغة» للأزهريّ (ج3 ص2805)، و«النّهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج4 ص386).
([221]) قلت: رغم أنّ الحجّة تقوم على العباد، بحجّة: «الميثاق»، و«الفطرة» الّتي فطروا عليها، والآيات العظام، الّتي أودعها الله في هذا الكون والآفاق، من آيات بيّنات باهرات، الدّالّة على وحدانيّته سبحانه وتعالى، إلاّ أنّ رحمة الله تعالى على العباد أن أرسل إليهم: الرّسل عليهم السّلام، لتذكيرهم، ونذارتهم، وتعليمهم، وذلك لتأكيد قيام الحجّة عليهم في الجملة، وفي التّفصيل.
([222]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص140)، و«فتح القدير الجامع بين، فنّيّ الرّواية والدّراية، من علم التّفسير» للشّوكانيّ (ج2 ص152 و153)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص533)، و«إرشاد العقل السّليم إلى مزايا القرآن الكريم» لأبي السّعود (ج3 ص289 و290)، و«تفسير القرآن» لابن جزيّ (ص230 و231)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص557 و558)، و«تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج2 ص231)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص465)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([224]) وانظر: «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص137)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302).
([225]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج6 ص565)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص314)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«مشكل الآثار» للطّحاويّ (ج4 ص11)، و«الحجّة في بيان المحجّة» للأصبهانيّ (ج2 ص34 و42)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج14 ص24 و30)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص56 و58)، و«فتح القدير» للشّوكانيّ (ج4 ص224).
([226]) وانظر: «الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص311)، و«البرهان في علوم القرآن» للزّركشيّ (ج2 ص76)، و«لباب التّأويل» للخازن البغداديّ (ج2 ص612)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص44).
([227]) وانظر: «أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص562)، و«شفاء العليل» له (ص195)، و«الرّوح» له أيضا (ج2 ص488)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص133)، و«تفسير القرآن» للمراغيّ (ج9 ص105)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117)، و«تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج2 ص231)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص312)، و«لباب التّأويل» للخازن البغداديّ (ج2 ص610 و612)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص532)، و«التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبيّ (ج3 ص1044)، و«نوادر الأصول» للحكيم التّرمذيّ (ج1 ص310)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص89)، و«التّفسير الكبير» للرّازيّ (ج15 ص44).
([229]) الآية وردت كذا في النّسخ على قراءة: أبي عمرو، وبها قرأ: نافع، وابن عامر أيضا.
وانظر: «حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص301 و302)، و«زاد المسير» لابن الجوزيّ (ج3 ص284).
([230]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (1385) من حديث أبي هريرة t، وبلفظ آخر عنه؛ عند البخاريّ في «صحيحه» (1358)، ومسلم في «صحيحه» (2658).
([235]) حديث حسن، وهو موافق للأصول في الفطرة على الرّبوبيّة.
أخرجه التّرمذيّ في «سننه» (ج6 ص94)، وفي «العلل الكبير» (ج2 ص917)، والبخاريّ في «التّاريخ الكبير» (ج3 ص1)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (ص423 و424)، وابن أبي عاصم في «السّنّة» (2355)، والطّبرانيّ في «المعجم الكبير» (3551)، والمزّيّ في «تهذيب الكمال» (ج12 ص367 و368)، والبزّار في «المسند» (3579).
وقال التّرمذيّ: «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه».
وانظر: «تحفة الأشراف» للمزّيّ (ج8 ص175)، و«تهذيب الكمال» له (ج12 ص367).
([236]) والفطرة: هي ضرورة من ناحية العقل، واستدلال من ناحية الحسّ.
* فإنّ العقل السّليم من الآفة، البريء من العاهة، يحثّ على الاعتراف بالله تعالى وحده لا شريك له.
* فالله تعالى: معروف عند العقل بالاضطرار، لا ريب عنده في وجوده، ومستدلّ عليه عند الحسّ.
وانظر: «محاسن التّأويل» للقاسميّ (ج7 ص299).
([237]) وانظر: «لباب التّأويل في معاني التّنزيل» للخازن البغداديّ (ج2ص611)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج18 ص90 و91)، و«التّذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبيّ (ج3 ص1044)، و«روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسّبع المثاني» للآلوسيّ (ج9 ص141)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص359 و360)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص314)، و«تهذيب السّنن» لابن القيّم (ج12 ص316 و319)، و«فتح الباري» لابن حجر (ص292 و293)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95).
([238]) وانظر: «لباب التّأويل في معاني التّنزيل» للخازن (ج2 ص610)، و«البحر المحيط» لأبي حيّان (ج4 ص534)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسّيوطيّ (ج4 ص225)، و«الرّوح» لابن القيّم (ج2 ص474)، و«حجّة القراءات» لابن زنجلة (ص302 و303).
([239]) وانظر: «التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص86)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج13 ص242 و243)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج6 ص653).
([241]) يعني: أولاد المسلمين، وأولاد المشركين، فهم: في الجنّة، جميعا، لأنّهم ماتوا على فطرة الإسلام.
([246]) وانظر: «فتح القدير» للشّوكانيّ (ج2 ص152 و153)، و«روح المعاني» للآلوسيّ (ج9 ص140)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص231)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص90)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج4 ص117).
([247]) لذلك؛ يكفي لإقامة الحجّة على النّاس، بالميثاق، والفطرة، على الإجمال، فلا يأتي أيّ جاهل في الدّنيا والآخرة، ثمّ يقول: أنا لا أدري، أنا كنت من أهل الغفلة عن ذلك.
([248]) فأمّا نطقهم: فليس في شيء من الأحاديث، الّتي فيها أنّهم أخرجوا من صلب آدم عليه السّلام، أو مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّته، واستنطقهم، وأنّهم كهيئة الذّرّ، ثمّ ردّوا في صلبه، وغير ذلك من الألفاظ، فلا تقوم بها الحجّة، ولا تصحّ أسانيدها كلّها.
وانظر: «أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص559).
* قال الإمام ابن القيّم / في «الرّوح» (ج2 ص473): (وهذا الإسناد، يروى به أشياء منكرة جدّا، مرفوعة، وموقوفة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة / في «درء التّعارض» (ج8 ص482): (من النّاس من يقول: هذا الإشهاد كان لمّا استخرجوا من صلب آدم، كما نقل ذلك عن طائفة من السّلف، ورواه بعضهم: مرفوعا إلى النّبيّ r، وقد ذكره الحاكم، لكن رفعه: ضعيف). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن» (ج2 ص264)؛ في حديث: ابن عبّاس، وحديث ابن عمر: (وقد بيّنّا أنّهما موقوفان لا مرفوعان). اهـ
وقال الإمام ابن القيّم / في «أحكام أهل الذّمّة» (ج2 ص559): (وأمّا الآثار الّتي فيها أنّه استنطقهم، وأشهدهم، وخاطبهم فهي بين موقوفة، ومرفوعة لا يصحّ إسنادها). اهـ
([249]) وانظر: «أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص561)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص90 و91)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص359 و360)، و«الفتاوى» له (ج4 ص245 و247)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص248)، و«معالم السّنن» للخطّابيّ (ج5 ص88)، و«العين» للخليل (ج7 ص228)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص314).
([251]) والفطرة: ما يقلب الله تعالى، قلوب الخلق إليه، ممّا يريد، ويشاء، من التّوحيد وغيره.
* فإذا أراد العبد: الإيمان بالتّوحيد، فيكون مؤمنا، حتّى يموت على الإيمان والتّوحيد.
* وقد يشرك، ويريد الكفر، ثمّ لا يزال على كفره حتّى يموت على الشّرك والكفر، بسبب جهله بالتّوحيد.
([252]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (1359)، و(1385)، و(4775)، و(6599)، و(6600)، ومسلم في «صحيحه» (2658)، والتّرمذيّ في «سننه» (2274)، و(2275)، وأحمد في «المسند» (7181)، و(7445)، ومالك في «الموطّأ» (ج1 ص241)، وأبو داود في «سننه» (4714)، وابن حبّان في «صحيحه» (128)، و(133).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج10 ص559)، وابن عبد البرّ في «التّمهيد» (ج18 ص93)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص720).
وإسناده صحيح.
وذكره أبو القاسم الأصبهانيّ في «شرح صحيح البخاريّ» (ج3 ص283).
([257]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2865)، والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (ص104)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، والطّيالسيّ في «المسند» (1079).
([258]) وانظر: «التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص73)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج3 ص71)، و(ج7 ص400)، و«أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص531).
([259]) فأخذ سبحانه منهم: الميثاق، أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا.
وانظر: «تفسير القرآن» لابن تيميّة (ج3 ص222)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج10 ص564 و565)، و«أحكام أهل الذّمّة» لابن القيّم (ج2 ص527 و528)، و«الكلام في مسألة السّماع» له (ص383 و385)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص73 و95)، و«غريب الحديث» له (ج1 ص350)، و«شرح صحيح مسلم» للنّوويّ (ج16 ص208)، و«العين» للخليل (ج7 ص418)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص55 و58)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص314)، و«مشكل الآثار» للطّحاويّ (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج14 ص24 و30)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص370)، و«الحجّة في بيان المحجّة» للأصبهانيّ (ج2 ص34)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص33 و35).
([261]) أخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص162 و266)، ومسلم في «صحيحه» (ج5 ص716)، وأبو داود الطّيالسيّ في «المسند» (1079)، والنّسائيّ في «فضائل القرآن» (ص104).
([265]) وانظر: «تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص313)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص373)، و«غريب الحديث» للحربيّ (ج1 ص11)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص73)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«مشكل الآثار» للطّحاويّ (ج4 ص11)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج14 ص319)، و«الحجّة» للأصبهانيّ (ج2 ص41)، و«التّحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح صحيح البخاريّ» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطّابيّ (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250).
([266]) انظر: «درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص422)، و«شرح السّنّة» للبغويّ (ج1 ص157)، و«شرح صحيح مسلم» للنّوويّ (ج16 ص208)، و«شفاء العليل» لابن القيّم (ص597 و603 و632)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص249)، و«الرّسالة الوافية» للدّاني (ص227)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص59)، و«الاستذكار» له (ج8 ص378).
([270]) وكلّ هذه الأقوال بمعنى واحد، وتفسير الفطرة بالإسلام: أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج21 ص40 و41)؛ عن جماعة من السّلف، وجزم به البخاريّ في «صحيحه» (ج8 ص512)، وعليه جمع العلماء، كما ذكر ذلك ابن حجر في «فتح الباري» (ج3 ص248).
([271]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيّم (ج2 ص777 و786 و780 و811)، و«الإبانة الكبرى» لابن بطّة (ج1 ص716 و717 و718)، و«التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص68)، و«الاستذكار» له (ج3 ص101)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص361)، و«السّنّة» للخلّال (ج1 ص448 و449)، و«التّحرير في شرح مسلم» للأصبهانيّ (ص604)، و«أعلام الحديث» للخطّابيّ (ج1 ص716)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص350).
([272]) وانظر: «توفيق ربّ البريّة في حلّ المسائل القدريّة» للغامديّ (ص277)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج4 ص245 و248)، و«درء تعارض العقل والنّقل» له (ج8 ص371 و377)، و«رسالته: في الكلام على الفطرة» (ج1 ص317)، و«تهذيب السّنن» لابن القيّم (ج12 ص316 و319)، و«شفاء العليل» له (ص283 و302)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص292 و293)، و«فتح القدير» للشّوكانيّ (ج4 ص224)، و«الحجّة في بيان المحجّة» للأصبهانيّ (ج2 ص34 و42)، و«شرح صحيح البخاريّ» له (ج3 ص283)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج3 ص370)، و«المنهاج» للنّوويّ (ج16 ص208)، و«أعلام الحديث» للخطّابيّ (ج1 ص716).
([273]) وانظر: «شفاء العليل في مسائل: القضاء والقدر، والحكمة والتّعليل» لابن القيّم (ج2 ص775 و776)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص56)، و«المنهاج» للنّوويّ (ج16 ص208)، و«الجامع لأحكام القرآن» للقرطبيّ (ج14 ص24 و30)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج2 ص21 و22)، و«معالم السّنن» للخطّابيّ (ج7 ص83 و88)، و«الحجّة في بيان المحجّة» للأصبهانيّ (ج2 ص34 و42)، و«التّحرير في شرح مسلم» له (ص604)، و«شرح العقيدة الطّحاويّة» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج1 ص33 و35).
([274]) وانظر: «شفاء العليل» لابن القيّم (ص597 و598 و603 و604)، و«المغيث من مختلف الحديث» للسّنجاريّ (ص314)، و«تأويل مختلف الحديث» لابن قتيبة (ص261)، و«غريب الحديث» له (ج1 ص350 و351)، و«غريب الحديث» للحربيّ (ج1 ص111)، و«التّحرير في شرح مسلم» للأصبهانيّ (ص604)، و«الحجّة» له (ج2 ص41)، و«شرح صحيح البخاريّ» له أيضا (ج3 ص283)، و«أعلام الحديث» للخطّابيّ (ج1 ص716)، و«درء تعارض العقل والنّقل» لابن تيميّة (ج8 ص359)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250)، و«الاستذكار» لابن عبد البرّ (ج3 ص101).
([278]) الجدعاء: البهيمة الّتي قطعت أذنها؛ من جدع: إذا قطع الأذن والأنف.
يعني: حتّى تكونوا أنتم تجدعونها؛ أي: تقطعون، آذانها، أو أنفها، أو شيئا منها.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص350)، و«عمدة القاري» للعينيّ (ج7 ص95).
([280]) وانظر: «التّمهيد» لابن عبد البرّ (ج18 ص69 و70)، و«الاستذكار» له (ج8 ص378 و379)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج3 ص250)، و«عمدة القاري» للعينيّ (ج7 ص95)، و«شفاء العليل» لابن القيّم (ص620)، و«شرح صحيح مسلم» للنّوويّ (ج5 ص513).
([282]) قلت: فمن بلغه آية من كتاب الله تعالى، فقد بلغه أمر الله تعالى، أخذ أمره، أو تركه، فقد قامت عليه الحجّة.
([286]) وانظر: «شرح رياض الصّالحين» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص94)، و«تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج1 ص307)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج5 ص644)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج1 ص293).
([287]) القرآن حجّة: عليك إن أعرضت عنه.
قال تعالى: ]وقد آتيناك من لدنّا ذكرا * من أعرض عنه فإنّه يحمل يوم القيامة وزرا[ [طه: 99 و100].
([288]) وانظر: «اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص127)، و«نزهة النّظر» لابن حجر (ص140)، و«إرشاد طلّاب الحقائق» للنّوويّ (ج1 ص157)، و«تدريب الرّاوي» للسّيوطيّ (ج1 ص183 و238 و240)، و«فتح المغيث» للسّنجاريّ (ج1 ص98)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص226)، و«الدّرر السّنيّة» (ج11 ص71 و75)، و«مجموع مؤلّفات الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب» (ج3 ص159 و190).
([290]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص124 و241 و226)، و«مختصر الصّواعق المرسلة» لابن القيّم (ج2 ص725)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج1 ص113)، و«الفتاوى» للشّيخ محمّد بن إبراهيم (ج1 ص74)، و«شرح كشف الشّبهات» له (ص101)، و«الضّياء الشّارق» للشّيخ ابن سحمان (ص290 و291)، و«فتاوى وتنبيهات» للشّيخ ابن باز (ص211 و213)، و«الفتاوى» له (ج2 ص282 و284).
أخرجه اللاّلكائيّ في «الاعتقاد» (126)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (205)، والمروزيّ في «السّنّة» (836)، والبيهقيّ في «المدخل إلى السّنن الكبرى» (191).
وإسناده صحيح.
([300]) انظر: «معالم التّنزيل» للبغويّ (ج2 ص242)، و«الصّواعق المرسلة» لابن القيّم (ج3 ص826).
قال ابن القيّم / في «إعلام الموقّعين» (ج2 ص91): (أمر تعالى بردّ ما تنازع فيه المؤمنون إلى اللّه ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأخبرهم أنّ ذلك خير لهم في العاجل، وأحسن تأويلا في العاقبة). اهـ
([301]) فقوله: (أمرّوا حديث رسول الله r على ما جاءت)؛ هو من باب حمل المفرد على معنى الجمع، وهو يجوز في اللّغة العربيّة، والجادّة في العبادة؛ أن يقال: (أمرّوا أحاديث رسول الله r على ما جاءت)، ويقال: (أمرّوا حديث رسول الله r على ما جاء).
انظر: «الخصائص» لابن الجنّيّ (ج2 ص419).
([306]) وكذلك: لا عبرة بمن يهوّن على المسلمين الحديث في: «مسائل التّكفير»، من الجهلة، أو يرى لا حاجة في ذكرها في هذا الزّمان، فإنّ؛ بمثل: هذا لا يلتفت إليه، لأنّه لا يفهم الحجج الشّرعيّة في مثل هذه المسائل الّتي في الكتاب، والسّنّة، والآثار.
وانظر: «الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة» (ج10 ص18 و19 و20 و21 و22)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص24).
([307]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج13ص318)، ومسلم في «صحيحه» (ج 3ص1342)، وأبو داود في «سننه» (ج4ص6)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص198).
([308]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيميّة (ج10 ص372)، و(ج12 ص468)، و«شرح حديث جبريل» له (ص582)، و«الدّرر السّنيّة» (ج8 ص97)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص335 و336)، و«السّيل الجرّار» للشّوكانيّ (ج4 ص578)، و«منهاج التّأسيس والتّقديس في الرّدّ على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص482 و483)، و«ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص9)؛ تقديم: الشّيخ الفوزان، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص17 و19 و35)، و«مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص54 و55).
([309]) وانظر: «تبصرة الحكّام» لابن فرحون المالكيّ (ج2 ص277)، و«الشّفا» للقاضي عياض (ج2 ص978 و999)، و«الفصل» لابن حزم (ج2 ص1006)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج34 ص136)، و(ج35 ص197)، و«إعلام الموقّعين» لابن القيّم (ج2 ص5)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص527)، و«ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص48)؛ تقديم: الشّيخ الفوزان، و«الفتاوى النّجديّة» (ج3 ص336)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص437 و438)، و«حكم تكفير المعيّن» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص9 و10 و13).
([311]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيميّة (ج12 ص488 و489)، و(ج35 ص197 و198)، و«الشّفا» للقاضي عياض (ج2 ص984 و996)، و«الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة» (ج10 ص258 و259)، و«ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص44 و45)؛ تقديم: الشّيخ الفوزان، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص37).
([313]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيميّة (ج12 ص488 و489)، و(ج35 ص197 و198)، و«الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة» (ج10 ص237 و238 و243 و244).
([316]) وانظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيميّة (ج4 ص606)، و«الفروع» لابن مفلح (ج6 ص158)، و«الإنصاف» للمرداويّ (ج10 ص327)، و«منار السّبيل» لابن ضويّان (ج2 ص357)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص15).
([317]) وهذا مثل: قول «المرجئة الخامسة» في هذا الزّمان، الّذين لا يكفّرون من عبد الأوثان، ودان بعبادة الأوثان بعينه؛ لأنّهم يزعمون أنّه لابدّ من إقامة الحجّة، ولابدّ أن يفهم الحجّة!.
([321]) الرّسالة: قد بلغت الخلق على وجه الأرض إلى قيام السّاعة، من: «أهل الفترة»، ومن غيرهم، فلا عذر لأحد جهل الأحكام، ووقع في الشّرك.
([323]) انظر: «مصباح الظّلام» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص235)، و«الرّدّ على البكريّ» لابن تيميّة (ج2 ص731).
([324]) قلت: وأيّ مانع يمنع من تكفير هذا النّوع.
وانظر: «مصباح الظّلام» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص236).
([326]) قلت: والمرجئ لا يبدي قوله في اعتراضه، وتلبيسه؛ إلاّ هي أكبر من اختها في الجهالة، والضّلالة.
وانظر: «مصباح الظّلام» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص234).
([327]) وانظر: «مجموع مؤلّفات الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب» (ج3 ص159 -160)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص238).
([328]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج12 ص283)، ومسلم في «صحيحه» (ج2 ص746) من حديث عليّ بن أبي طالب t.
أخرجه ابن أبي أسامة في «المسند» (ص221-الزّوائد)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ج1 ص156)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج15 ص307)، وابن أبي عاصم في «السّنّة» (ج1 ص34)، واللّالكائيّ في «الاعتقاد» (ج1 ص102) من حديث أبي أمامة t.
وإسناده حسن.
([330]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص122)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص11 و12)، و«ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص53)، «تقديم الشّيخ الفوزان»، و«مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص55)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص43 و47 و48)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126).
([332]) ألّا يكون عديم العقل، والتّميّيز؛ كالصّغير، والمجنون، وغيرهما.
وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص243 و244)، و«كشف الشّبهتين» لابن سحمان (ص91 و92).
([333]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص243 244)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص360 و375)، و«فتاوى نور على الدّرب» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص659)، و«الفتاوى» له (ج2 ص126)، و«القول المفيد على كتاب التّوحيد» له أيضا (ص297)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص 12 و13)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص 17).
([334]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص311)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص360 و375)، و«الضّياء الشّارق في الرّدّ على المازق المارق» للشّيخ ابن سحمان (ص290 و291)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص 19 و20)، )، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص 12 و13).
([335]) قلت: حتّى الّذين في بلاد غير إسلاميّة الآن سمعوا بالرّسول ﷺ، وبلغهم القرآن، ووصلت لهم الدّعوة الإسلاميّة، فقد قامت عليهم الحجّة.
وانظر: «تقديم الشّيخ الفوزان، لفتاوى الشّيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص7 و55 و57).
([336]) قلت: الرّسالة، قد بلغت: «أهل الفترة»، وغيرهم فلا عذر لهم بجهلهم بأحكام الشّرع، إلى قيام السّاعة.
([340]) ولم يعذر أهل العلم الجاهل؛ إلّا من كان لقرب عهده بالإسلام، في مدّة قصيرة، أمّا إذا أخذ فترة طويلة في الإسلام، ولم يتعلّم وأهمل العلم، ووقع في الشّرك الأكبر، وترك الفرائض، فهذا لا يعذر بجهله بعد ذلك، أو لنشأته ببادية بعيدة مثلا، لم يصل إليه الإسلام مطلقا، أو بأرض بعيدة لم يصل إليه القرآن والسّنّة مطلقا، فهذا لا نكفّره إلا بعد قيام الحجّة عليه، وبلوغ الرّسالة إليه، فهذا إن وجد في هذا الزّمان.
* أمّا الجاهل الّذي في دار الإسلام، فهذا قامت عليه الحجّة أصلا عند أهل العلم، وبلغته الرّسالة، ووصل إليه القرآن، فهذا يكفر إذا وقع في الكفر.
* وذلك بمثل: الّذي في البلدان الإسلاميّة، وغيرها من البلدان على وجه الأرض الآن، لأنّه بلغته الحجّة، والرّسالة.
* وكذلك: الّذي نشأ الآن في البادية بلغته الحجّة، ووصل إليه القرآن والسّنّة، فلا يعذر هذا.
وانظر: «تقديم الشّيخ الفوزان، لفتاوى الشّيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص7 و55 و57).
([341]) فالصّرف، والعطف، هذا نوع من السّحر، فمن فعله، أو رضي به: كفر.
والدّليل: قوله تعالى: ]وما يعلّمان من أحد حتّى يقولا إنّما نحن فتنة فلا تكفر[ [البقرة: 102].
وقوله تعالى: ]وما كفر سليمان ولكنّ الشّياطين كفروا يعلّمون النّاس السّحر[ [البقرة: 102].
قلت: والسّحر، محرّم في جميع شرائع الرّسل عليهم السّلام.
([343]) وليس من شرط قيام الحجّة: فهم الحجّة، ففهمها: نوع، وبلوغها: نوع آخر.
قلت: والمعيّن إذا قامت عليه الحجّة، ببلوغها، وكان عاقلا، مميّزا، يسمع الحجّة، فإنّه يكفر.
([348]) فمجرّد بلوغ الحجّة كاف في قيامها على المعيّن مطلقا، وعدم إعذاره حتّى لو كانت له شبهة، وهذا منهج أهل السّنّة والجماعة.
([351]) وانظر: «الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة» (ج10 ص89)، و«شرح كشف الشّبهات» للشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ (ص101)، و«الفتاوى» للشّيخ ابن باز (ج2 ص282 و284)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص17 و18)، و«مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص55 و57)، و«فتاوى لقاءات الباب المفتوح» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص215)، و«الفتاوى» له (ج2 ص126)، و«فتاوى نور على الدّرب» له أيضا (ج1 ص659).
([352]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص194)، و«الدّرر السّنيّة» (ج11 ص446)، و«مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص57)، و«الفتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص29 و43)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص10 و11)، و«الانتصار لحزب الله تعالى» للشّيخ أبو بطين (ص46)، و«القول المفيد على التّوحيد» لشيخنا ابن عثيمين (ص97 و264)، و«فتاوى نور على الدّرب» له (ج1 ص431).
([353]) وانظر: «منهاج التّأسيس والتّقديس في الرّدّ على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص83).
([354]) وانظر: «منهاج التّأسيس والتّقديس في الرّدّ على المبطل داود بن سليمان بن جرجيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص83 و84).
([355]) قلت: وهذا ممّا اتّفقت عليه جميع الكتب، والرّسل، وهو من المحكم الّذي لا يجوز أن تأتي شريعة بخلافه، ولا يخبر نبيّ بخلافه.
([359]) وهذا مثل: الّذي يحتجّون بالأعمال الخيريّة، وهم: متحزّبون في الدّين، ولا يلتزمون بالدّين.
قال تعالى: ]إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر[ [التّوبة:18].
وقال تعالى: ]وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين[ [الأعراف:102].
وانظر: «مصباح الظّلام» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص75).
([360]) وأن يكون في مدّة قصيرة، أمّا إذا أخذ فترة طويلة في الإسلام، ولم يتعلّم، وأهمل العلم، وغلب على ظنّنا أنّه لا يريد أن يتعلّم، ووقع في: «الشّرك الأكبر»، أو «الكفر الأكبر»، و«ترك الفرائض»، فهذا لا يعذر بجهله بعد ذلك.
([361]) ولم يصل إليه الإسلام مثلا، وإلّا في هذا الزّمان قد وصل الإسلام لأهل البادية، وبلغتهم الرّسالة على وجه الأرض من طريق الوسائل الحديثة.
وانظر: «مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص55 و57).
([363]) وانظر: «الفتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص 19 و20 و35 و45)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص11 و12).
([366]) مثل: إنكار رؤوس الفرقة العقلانيّة للأحاديث الصّحيحة بالهوى؛ الثّابتة في «الصّحيحين» وغيرهما، مثل: إنكارهم، لحديث: «سحر النّبيّ ﷺ»، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (5765) من حديث عائشة ڤ.
([367]) وانظر: «فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص12 و14 و15 و16 و17 و21 و29 و35 و36)، و«فتاوى نور على الدّرب» له (ج1 ص241 و245 و246 و248)، و«الفتاوى» له أيضا (ج28 ص217)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» له أيضا (ص17 و18 و19 و20 و21)، و«الدّرر السّنيّة» (ج6 ص246)، (ج8 ص244)، و(ج10 ص433 و438 و515 و516)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص116 و144 و146)، و«الفتاوى» للشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ (ج1 ص73 و74)، و«جامع المسائل» (ج3 ص151)، و«الضّياء الشّارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج3 ص274 و275)، و(ج30 ص308 و423)، و(ج35 ص105)، و«تيسير العزيز الحميد» للشّيخ سليمان بن عبد الله (ص79 و619).
([369]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيميّة (ج6 ص58)، و(ج13 ص178)، و«اقتضاء الصّراط المستقيم» له (ج1 ص149)، و«شرح العقيدة الطّحاوية» لابن أبي العزّ الحنفيّ (ج2 ص778)، و«فقه التّعامل مع المخالف» للطّريقيّ (ص21)، و«الفتاوى» للشّيخ محمّد آل الشّيخ (ج2 ص190)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص437 و438)، و«حكم تكفير المعيّن والفرق بين قيام الحجّة وفهم الحجّة» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص9 و10 و13).
([370]) وانظر: «فتاوى العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص19 و34 و35)، و«مسألة العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص7 و55)، و«الدّرر السّنيّة» (ج8 ص244)، و(ج10 ص72 و432)، و(ج11 ص446)، و«الفتاوى» للشّيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ (ج1 ص73 و74)، و«الضّياء الشّارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص143 و158 و247).
([371]) وانظر: «الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة» (ج10 ص432)، و«فتاوى العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص13 و14)، و«الفتاوى» لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص126)، و«فتاوى نور على الدّرب» له أيضا (ج1 ص659)، و«تيسير العزيز الحميد» للشّيخ سليمان بن عبد الله (ص79 و619).
([373]) فالمتمكّن من معرفة الحقّ، والمعرض مفرّط في ذلك، وهو تارك للواجب عليه، لا عذر له عند الله تعالى.
([374]) أمّا المقلّد الّذي لم يتمكّن من معرفة العلم، ووقع في شيء من الخطأ في الفروع، فهذا لا يكفر، للعذر بجهله.
([375]) وانظر: «حكم تكفير المعيّن» للشّيخ إسحاق آل الشّيخ (ص21)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص14 و15 و20 و24 و27).
([376]) وانظر: «الجهل بمسائل الاعتقاد» لمعاش (ص241)، و«شرح مسائل لا يعذر فيها بالجهل على مذهب الإمام مالك بن أنس» للأمير المالكيّ (ص48 و60 و61)، و«فتاوى في العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص13 و17 و18)، و«مسائل في العذر بالجهل» للشّيخ الفوزان (ص54 و55).
([377]) حديث صحيح، وهو حديث طويل.
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص281)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص287 و288 و295 و296)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (ص367)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص37 و40)، والطّيالسيّ في «المسند» (753) من حديث البراء بن عازب t.
وإسناده صحيح.
([380]) وهذه الآية تدلّ على إقامة الحجّة على التّابع، والمتبوع في الحياة الدّنيا، فلا أحد له عذر بسبب جهله في الدّين.
([390]) وانظر: «المحرّر الوجيز» لابن عطيّة (ج7 ص234)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج12 ص321)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج3 ص773)، و«تفسير القرآن» ليحيى بن سلّام (ج2 ص799).
أخرجه الطّبريّ في «جامع البيان» (ج22 ص150).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج12 ص321).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج13 ص177).
وإسناده حسن.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج12 ص322).
([394]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج11 ص347)، و«معالم التّنزيل» للبغويّ (ج4 ص14)، و«فتح القدير» للشّوكانيّ (ج2 ص220)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج16 ص483 و486)، و«تفسير القرآن» لابن أبي زمنين (ج2 ص194)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج2 ص157 و158).
أخرجه يحيى بن سلّام في «تفسير القرآن» (ج2 ص194)، والبغويّ في «معالم التّنزيل» (ج4 ص14).
وإسناده صحيح.
([396]) وانظر: «الدّرر السّنيّة» (ج9 ص246)، و(ج11 ص446)، و«الانتصار» للشّيخ أبا بطين (ص46)، و«منهاج التّأسيس والتّقديس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص102 و105)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج1 ص153)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» للشّيخ ابن باز (ص8 و9 و17 و22 و25).
([398]) جلّ: الشّيء، يجلّ، بالكسر: عظم، فهو: جليل.
انظر: «المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير» للفيّوميّ (ص95).
([399]) وانظر: «الدّرر السّنيّة» (ج8 ص244)، و(ج10 ص433 و438 و515 و516)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص144 و146)، و«إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله» للشّيخ ابن باز (ص22 و23 و34 و38).
([400]) فقد تكون المسألة أصوليّة، وتكون خفيّة، لا يكفر فيها المعيّن.
وقد تكون المسألة من مسائل الفروع، وتكون ظاهرة، يكفر فيها المعيّن.
وانظر: «ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص76)؛ بتقديم: الشّيخ الفوزان.
([402]) يعني: بجهله المؤقّت، ويجب عليه في هذه الفترة أن لا يسكت على جهله في هذه الصّفات، أو غيرها في الدّين، فلا بدّ عليه أن يسعى في رفع الجهل عن نفسه في ذلك، وإلّا لا يعذر بجهله إذا أعرض عن سؤال أهل العلم عن هذه الأحكام، إذا مات.
([403]) فيعذر الّذي يريد أن يتعلّم في حياته؛ مثل: العامّيّ الّذي يسأل عن دينه في الأصول، والفروع.
* فإذا وقع في شيء من ذلك، وسأل، ثمّ ترك، فليس عليه شيء في الدّين، فهذا الّذي يعذر في الإسلام، فهذا في الجملة.
* وأمّا القول على التّفصيل في المبتدعة، الّذين ثبت النّصّ فيهم، من الكتاب، والسّنّة، والأثر، والإجماع.
* فما كان الأئمّة من السّلف: يتوقّفون في تكفيرهم، وذلك؛ مثل: المعلنين بالبدع الكبرى، في نفي: «الأسماء والصّفات»، وغيرها.
([405]) ونصّ كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة / الّذي نقله: الشّيخ محمّد بن عبد الوّهاب /، هو: (أنّا من أعظم النّاس نهيا، من أن ينسب معيّن إلى تكفير، أو تبديع، أو تفسيق).
([407]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص120 و124)، و«الضّياء الشّارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص432 و433).
([409]) وانظر: «الضّياء الشّارق» لابن سحمان (ص168 و169)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص432 و433)، و(ج11 ص446)، و«فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص143 و158)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج3 ص274 و275)، و(ج30 ص308 و423)، و(ج35 ص105).
([411]) ولا يدخل في هذا: «عابد القبور»، المشرك، فإنّه خارج عن هذا الصّنف، لأنّ الّذي وقع فيه من الشّرك، من: «المسائل الظّاهرة» في الدّين، ليست من: «المسائل الخفيّة»، وقد قامت عليه الحجّة في دار الإسلام، ببلوغ القرآن إليه.
* ولا يدخل في هذا: «الأشعريّ»، و«المرجئ»، و«الخارجيّ»، و«الصّوفيّ»، و«الإباضيّ»، وما شابه ذلك، من المبتدعة الأصليّين، لأنّهم: وقعوا في «الإرجاء»، و«الخروج»، و«نفي الصّفات»، وغير ذلك من البدع، على الإجمال، والتّفصيل، فلا يعذرون، لأنّ الحجّة قامت عليهم في دار الإسلام، ببلوغ القرآن إليهم، والسّنّة.
([412]) مثل: «الجهميّ»، و«الأشعريّ»، و«المرجئ»، و«الصّوفيّ»، وما شابه ذلك من المعاندين، فهؤلاء: خارجون عن الصّنف الأوّل، لأنّه غير معاند، ولا معرض.
* فهؤلاء: مؤاخذون على: «المسائل الخفيّة»، و«المسائل الظّاهرة» في الدّين، لأنّ الحجّة قامت عليهم، فافهم لهذا ترشد.
قال العلّامة الشّيخ عبد العزيز بن باز / في «فتاوى نور على الدّرب» (ج1 ص245): (وأمّا كونه بين المسلمين، يسمع القرآن، والسّنّة، ثمّ يبقى على: «الشّرك»، وعلى إنكار: «الصّفات»، فهو غير معذور.
* وليس العذر: بالجهل، «مسألة قياسيّة»، تختلف من زمان، إلى زمان، ومكان إلى آخر؛ لأنّ الجهل: ليس بعذر بالنّسبة للعقيدة). اهـ
([414]) وانظر: «فتاوى الأئمّة النّجديّة» (ج3 ص247)، و«كشف الشّبهتين» لابن سحمان (ص91 و96)، و«الضّياء الشّارق» له (ص168 و169)، و«الدّرر السّنيّة» (ج10 ص432 و433)، و«أقوال الشّيخ ابن باز في العذر بالجهل» (ص12 و14 و15 و17 و19 و27 و28 و35)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج18 ص54)، و(ج30 ص108 و423).
([415]) وللعلم: أنّ «المسائل الخفيّة»، هي قليلة في الدّين، وأكثر المسائل، هي من: «المسائل الظّاهرة»، في الأصول، والفروع، فمن طلبها عرفها، بسهولة، ويسر في هذه الحياة، فافطن لهذا.
([416]) وهذا الصّنف: هو قليل في هذه الحياة، في دار الإسلام، وهذا لا بدّ من إقامة الحجّة عليه في «المسائل الخفيّة» لأنّه يجهلها.
* وهذا لا يترتّب عليه في عدم تكفير الصّنف الآخر، فيمن وقع في: «المسائل الظّاهرة»، لأنّها معلومة في الدّين بالضّرورة، فتنبّه.
وانظر: «فتاوى في مسألة العذر بالجهل» للشّيخ ابن باز (ص12 و13 و17 و23 و27).
([421]) الآية: ]ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذّب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين[ [التّوبة:65-66].
([424]) الوبر: هم أهل البوادي.
وانظر: «مختار الصّحاح» للرّازيّ (ص258)، و«المصباح المنير» للفيّوميّ (ص292)، و«النّهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج5 ص126 و127 و426).
([425]) وأنّ هذا الدّين سوف يدخل: المدن، والقرى، والأمصار، والبوادي، والبلدان، والغابات، وأطراف الأرض، وغير ذلك.
([434]) أي: ولكنّكم تجهلون ما نبعث به الرّسل، لأنّ الرّسل بعثوا منذرين لا مقترحين، ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه، وليس من وظيفتهم الإتيان بالعذاب، ولا تعيين وقت نزوله.
([435]) لذلك قامت عليهم الحجّة، بالإيمان الّذي أقرّوا به يوم قيل لهم: ]ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا[ [الأعراف: 172].
([438]) وانظر: «جامع البيان» للطّبريّ (ج7 ص38 و39)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج2 ص307)، و«الدّرّ المنثور» للسّيوطيّ (ج4 ص443 و444)، و«تفسير القرآن» لابن أبي حاتم (ج3 ص956)، و«تفسير القرآن» لمقاتل بن سليمان (ج1 ص373)، و«تفسير القرآن» لابن المنذر (ج2 ص713).
([440]) انظر: «منهاج التّأسيس والتّقديس في الرّدّ على المبطل: داود بن سليمان بن جرجيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص439 و440).
([443]) أخرجه البخاريّ في «صحيحه» (ج13 ص210) مختصرا، وأبو بكر البرقانيّ في «المخرّج على الصّحيحين» (ج1 ص131 - الجمع بين الصّحيحين)، وابن أبي شيبة في «المصنّف» (ج11 ص285) من طريق سفيان عن قيس بن أسلم عن طارق بن شهاب عن أبي بكر t به.
أخرجه أحمد في «المسند» (22395)، وأبو داود في «سننه» (4252)، والتّرمذيّ في «سننه» (2366)، وابن ماجه في «سننه» (3952) من حديث ثوبان t به مرفوعا، بلفظ: (وستعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وستلحق قبائل من أمّتي بالمشركين)، وفي لفظ: (لا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين، وحتّى يعبدوا الأوثان)، وفي لفظ: (وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان).
وإسناده صحيح.
([447]) ثمّ لا بدّ من الرّجوع إلى كتب تلاميذ العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب /، لأنّهم قد اعتنوا، ببيان منهج الشّيخ في: «مسألة العذر بالجهل».
([448]) قلت: وليس من غرضنا، أن يتسرّع النّاس في تكفير المعيّن، ولكن غرضنا: الرّدّ على من يتوقّف عن تكفير المعيّن، حتّى لو استوفى شروط التّكفير، وكان كفره، فيما هو من المعلوم من الدّين بالضّرورة، وكانت ردّته واضحة.
وانظر: «ضوابط تكفير المعيّن» للرّاشد (ص149).
([449]) وانظر: «مجموع الرّسائل والمسائل» لابن تيميّة (ج4 ص85)، و«تاريخ الإسلام» للذّهبيّ (ص38)، و«عقيدة الفرقة النّاجية» للشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب (ص87 و88)، و«مفيد المستفيد في كفر تارك التّوحيد» له (ص24)، و«تنبيه الغبيّ إلى تكفير ابن عربيّ» للبقاعيّ (ص176)، و«الضّياء الشّارق في ردّ المازق المارق» لابن سحمان (ص77)، و«كشف الشّبهتين» له أيضا (ص96)، و«كشف الأوهام والإلتباس» له أيضا (ص31 و32 و33 و34)، و«تمييز الصّدق من المين» له أيضا (ص12 و131)، و«المنظومة في تكفير الجهميّة» له أيضا (ص170)، و«الدّرر السّنيّة» (ج8 ص119).
أخرجه المروزيّ في كتاب: «القصص» (ص14- تاريخ الإسلام).
وإسناده صحيح.
وهذه الرّواية: ذكرها الذّهبيّ في «تاريخ الإسلام» (ص24).
أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الإمام الشّافعيّ» (210)، و(211)، والبيهقيّ في «الأسماء والصّفات» (553)، و(554)، وفي «معرفة السّنن» (176)، وفي «السّنن الكبرى» (ج10 ص206)، وأبو الفضل المقرئ في «أحاديث ذمّ الكلام» (ص79)، واللّالكائيّ في «الاعتقاد» (ج2 ص278 و279)، والآجرّيّ في «الشّريعة» (176)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج51 ص312)، وفي «تبيين كذب المفتري» (ص258)، وابن بطّة في «الإبانة الكبرى» (248)، و(249)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج9 ص112).
وإسناده صحيح.
([466]) وانظر: «مجموع مؤلّفات الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب» (ج5 ص229)، و«منهاج التّأسيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص239 و249).
([469]) وانظر: «مجموع مؤلّفات الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب» (ج5 ص229)، و«منهاج التّأسيس» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص239 و245).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج7 ص2305)، والبيهقيّ في «السّنن الكبرى» (ج8 ص209)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج14 ص376)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج9 ص123-الدّرّ المنثور).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج9 ص123).
([483]) عاد المعروف، منكرا، والمنكر: معروفا، نشأ على هذا الصّغير، وهرم عليه الكبير، نعوذ بالله من الخذلان.
([486]) وانظر: «الدّرر السّنيّة» (ج8 ص447).
قلت: فلا يستقيم الإسلام، إلّا بهجر أهل الباطل، بجميع أنواعهم في العالم كلّه، اللّهمّ سلّم سلّم.
([492]) فأمرهم الله تعالى، أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرّسل عليهم السّلام المتقدّمة، والمتأخّرة، لتزول عنهم الشّبهة الّتي في رؤوسهم.
* وهذه الشّبهة موجودة في رؤوس: «المرجئة العصريّة» في مسألة: «العذر بالجّهل» فعليهم أن يسألوا أهل الحديث لتزول عنهم شبهة: «العذر بالجهل» من رؤوسهم، اللّهمّ غفرا.
([493]) وانظر: «فتح القدير» للشّوكانيّ (ج3 ص76 و77)، و«تفسير القرآن» للسّمعانيّ (ج3 ص369 و370)، و«تفسير القرآن» لابن كثير (ج5 ص324)، و«تيسير الكريم الرّحمن» للشّيخ السّعديّ (ج5 ص212)، و«أنوار التّنزيل» للبيضاويّ (ج2 ص15)، و«جامع البيان» للطّبريّ (ج16 ص229)، و«المحرّر الوجيز» لابن عطيّة (ج6 ص154).
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج9 ص3000)، والبستيّ في «تفسير القرآن» (ص55)، والطّبريّ في «جامع البيان» (ج18 ص298)، ويحيى بن سلّام في «تفسير القرآن» (ج2 ص605)، وابن حجر في «تغليق التّعليق» (ج4 ص277).
وإسناده صحيح.
وذكره السّيوطيّ في «الدّرّ المنثور» (ج11 ص500).
([497]) وانظر: «روضة النّاظر» لابن قدامة (ج2 ص351)، و«الزّواجر عن اقتراف الكبائر» للهيتميّ (ج1 ص46)، و«الإتحاف في الرّدّ على الصّحّاف» للشّيخ عبد اللّطيف آل الشّيخ (ص44)، و«مفتاح دار السّعادة» لابن القيّم (ج1 ص102)، و«الفتاوى» لابن تيميّة (ج1 ص124)، و«الإقناع» للحجّاويّ (ج4 ص285)، و«بدائع الصّنائع» للكاسانيّ (ج7 ص132).