الرئيسية / سلسلة الانتصار على المبتدعة / البركان الوهاج لحرق علوي بن عبد القادر السقاف لإفتائه بصوم يوم عرفة لغير الحاج
البركان الوهاج لحرق علوي بن عبد القادر السقاف لإفتائه بصوم يوم عرفة لغير الحاج
|
البركان الوهاج
لحرق
علوي بن عبد القادر السقاف
لإفتائه بصوم يوم عرفة لغير الحاج
دراسة أثرية منهجية علمية لكشف كذبات، وتحريفات، وخيانات، وتدليسات، وتلبيسات المدعو: علوي بن عبد القادر السقاف!
تأليف
العلامة المحدث
أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره
ﮋ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮊ
«الجزء الأول»
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
فرقة المقلدة
من الفرق الضالة في الدين
وتتمثل في الخطباء والوعاظ والأئمة والمفتين
من المتعالمين في الدين في هذا الزمان
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص28): (وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا كبيرا، فنسأل حينئذ فرقة التقليد: هل يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسول الله r؛ كما خفي ذلك على سادات الأمة أولا؟ فإن قالوا: «لا يخفى عليه» وقد خفي على الصحابة رضي الله عنهم مع قرب عهدهم؛ بلغوا في الغلو مبلغ مدعي العصمة في الأئمة([1])، وإن قالوا: «بل يجوز أن يخفى عليهم» وهو الواقع وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة، قلنا: فنحن نناشدكم الله تعالى الذي هو عند لسان كل قائل وقلبه، وإذا قضى الله تعالى، ورسوله r أمرا خفي على من قلدتموه هل تبقى لكم الخيرة بين قبول قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه الله تعالى، ورسوله r عينا لا يجوز سواه؟ فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وللجواب صوابا؛ فإن السؤال واقع؛ والجواب لازم. والمقصود أن هذا هو الذي منعنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر، وتسوغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
التدمير الشامل
لا يلتفت
إلى علوي بن عبد القادر السقاف فيما نقله من الإجماع على سنية: «صوم يوم عرفة»؛ لأنه مقلد للمذاهب ومتساهل في ذلك
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين /: (جاء أناس([2]) يتساهلون في نقل الإجماع إذا لم يروا بين علماء بلدهم خلافا؛ قالوا: بالإجماع، بل إذا لم يروا بينهم وبين زملائهم خلافا؛ قالوا: بالإجماع.
فصار الإجماع يسير، بل ممكن لو لم يكن بينه وبين أهله خلافا؛ قال: المسألة بالإجماع؛ تساهلوا جدا.
فالإجماع لابد أن يكون بطريق صحيح: إما أن يكون مشهورا بين العلماء، أو ناقله ثقة واسع الاطلاع.
أن يكون مشهورا بين العلماء، أن يكون ناقل الإجماع ثقة واسع الاطلاع، ثقة أمين لا ينقل الإجماع إلا وهو فيه إجماع.
إذا لم يكن واسع الاطلاع([3])، فهو وإن كان ثقة لا يقبل، مثل أن نعلم أن هذا الرجل مقلد لا يعدو كتب أصحاب المذهب([4]) ثم ينقل الإجماع، فإن هذا لا يصح منه دعوى الإجماع، لأنه ليس واسع الاطلاع.
لكم إذا علمنا من تآليفه أنه واسع الاطلاع، وينقل أقوال أهل العلم من كل مذهب، ومن كل طبقة، فإنه إذا نقل الإجماع، وهو ثقة فقد ثبت الإجماع([5]». اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج10ص109): (وكذلك الإجماع([6]) الصحيح لا يعارض كتابا، ولا سنة). اهـ
قلت: فإذا رأيت من يدعي الإجماع، وهذا الإجماع يخالف السنة، فاعلم أن إجماعه أبطل الباطل!.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
انقضاض الصقر
الخساف
يترك الأحاديث والآثار بالأسانيد الصحيحة في: «صوم يوم عرفة» ثم يأخذ بالأحاديث الضعيفة، ويقلد الفقهاء في هذا الحكم، فأصابته الفتنة في الدين ولابد
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان؛ وهو يعلق على أثر الإمام أحمد: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان): (لمن يطيع العلماء فمن أخطؤوا فيه؛ يعني: عرفوا الحديث الصحيح، ويتركون ويذهبون إلى رأي الفقيه؛ إلى رأي سفيان، وسفيان هو الثوري: الورع التقي المفسر المحدث الفقيه الذي شهد بفضله الأمة، ومع هذا لا نأخذ بقوله إذا أخطأ وخالف الدليل، وهو معذور ومجتهد، وليس معصوما يخطئ، أما نحن لا نأخذ بقوله بمجرد رأي سفيان، وإلا برأي أبي بكر، وعمر، أو رأي أحمد، أو رأي مالك، أو رأي الشافعي، أو رأي أبي حنيفة، لا نحن نتبع الدليل من الكتاب والسنة هذا هو الواجب على المسلم.
يذهبون إلى رأي سفيان؛ يعني: ويتركون الحديث الذي عرفوا صحته، عرفوا الإسناد وصحته ثم يخالفونه، يأخذون برأي فقيه، فهذا من تعمد يصاب بالفتنة: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة[ [النور: 63]، ما هي الفتنة: الفتنة الشرك، لأنه أطاعهم في التشريع الذي أخطؤوا فيه.
كذلك من أطاع رأي سفيان الثوري، وغيره من الأئمة يقولون: (لا تأخذوا أقوالنا، حتى تعرفوا أدلتنا)، ثم ذكر الشيخ: أقوال الأئمة الأربعة في التمسك بالكتاب والسنة، ثم قال: (هذه مقالاتهم رحمهم الله تدل على أن الواجب هو الأخذ بما صح عن رسول الله r، وأن اجتهادات العلماء يستفاد منها وتدرس، ولكن إذا خالف الدليل شيء منها فيجب الأخذ بالدليل، ولا يجوز التعصب لقائله، فإن تعصب أحد لقول يخالف الدليل وقع في هذا المحظور، وصار من الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
ونحن لا نرفض الفقه كما يظن بعض الجهال، أو بعض المبتدئين، بل نعتبره ثروة عظيمة، فيها علم غزير، فندرس الفقه، ولكن لا نأخذ منه إلا ما قام دليله، وما علمنا أنه خلاف الدليل حرم علينا الأخذ به، مع اعتذارنا لقائله، واحترامه، لأنه لم يتعمد المخالفة، والمجتهد يخطئ ويصيب، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد. والخطأ مغفور، كما صح بذلك الحديث([7]».([8]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «الملخص» (ص297): (قال أحمد: أي: لما قيل له: إن قوما يتركون الحديث، ويذهبون إلى رأي سفيان، أو غيره من الفقهاء.
عرفوا الإسناد وصحته: أي: عرفوا صحة إسناد الحديث؛ لأن صحة الإسناد تدل على صحة الحديث.
يخالفون عن أمره: أي: أمر الله تعالى، أو الرسول r، وعدي الفعل بـ (عن) لتضمنه معنى الإعراض.
أن تصيبهم فتنة: محنة في الدنيا.
أو يصيبهم عذاب أليم: في الآخرة.
لعله: أي: الإنسان الذي تصح عنده سنة الرسول r.
إذا رد بعض قوله: أي: قول النبي r.
من الزيغ: أي العدول عن الحق وفساد القلب.
المعنى الإجمالي: ينكر الإمام أحمد على من يعرف الحديث الصحيح عن رسول الله r ثم بعد ذلك يقلد سفيان أو غيره فيما يخالف الحديث، ويعتذر بالأعذار الباطلة؛ ليبرر فعله. مع أن الفرض والحتم على المؤمن إذا بلغه كتاب الله تعالى وسنة رسوله r وعلم معنى ذلك في أي شيء كان أن يعمل به، ولو خالفه من خالفه، فبذلك أمرنا ربنا تبارك وتعالى وأمرنا نبينا r ثم يتخوف الإمام أحمد على من صحت عنده سنة رسول الله r، ثم خالف شيئا منها أن يزيغ قلبه فيهلك في الدنيا والآخرة، ويستشهد بالآية المذكورة، ومثلها في القرآن كثير؛ كقوله تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[ [الصف: 5] .
مناسبة ذكر ذلك في الباب: التحذير من تقليد العلماء من غير دليل، وترك العمل بالكتاب والسنة أن ذلك شرك في الطاعة). اهـ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ﮋ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمينﮊ [الأنعام: 45]
ذكر الدليل
على تحذير السلف من زلات وأخطاء العلماء([9]) التي اتخذتها: «علوي بن عبد القادر السقاف» دينا في مذهبه الباطل
عن عمر بن الخطاب t قال: (يهدم الإسلام ثلاثة: زلة عالم، وجدال المنافق بالقرآن، وأئمة مضلون).
وفي لفظ: (أخاف عليكم بعدي ثلاثا، وبهن يهدم الإسلام: زلة عالم عهد الناس عنده علما، فاتبعوه على زلته، وجدال منافق بالقرآن لا يخطئ فيه واوا ولا ألفا، وأئمة مضلون).
وفي لفظ: (إن الإسلام اليوم في بناء، وإن له انهداما، وإن مما يهدمه: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون).
وفي لفظ: (أما إن الزمان منهدم لثلاث ...).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في «صفة المنافق» (30)، وابن المبارك في «الزهد» (520)، وفي «الرقائق» (1460)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص615)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص110)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص89) من طريق أبي حصين، عن زياد بن حدير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج4 ص169)، وابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص47)، والمروذي في «أخبار الشيوخ» (345)، والفريابي في «صفة المنافق» (29)، والذهبي في «السير» (ج11 ص463)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص574)، والآجري في «تحريم النرد» (ص93)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج2 ص527)، والمستغفري في «فضائل القرآن» (ج2 ص268)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص615)، والعسكري في «المواعظ» (29405-كنز العمال)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص71)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص110)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص234) من طرق عن الشعبي عن زياد عن عمر بن الخطاب t به.
قلت: وهذا سنده صحيح أيضا.
وذكره الهندي في «كنز العمال» (ج10 ص269)؛ وعزاه إلى آدم بن أبي إياس في «العلم»، ونصر المقدسي في «الحجة»، وجعفر الفريابي في «صفة المنافق».
وأورد ابن كثير في «مسند الفاروق» (ج2 ص662) طرقه ثم قال: فهذه طرق يشد القوي منها الضعيف، فهي صحيحة من قول عمر بن الخطاب t.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج5 ص238)، والشاطبي في «الموافقات» (ج4 ص89)، و(ج5 ص133).
وقوله: (ويهدم الإسلام)؛ أي يزيل عزته.
وقوله: (زلة العالم)؛ أي: عثرته، بتقصير منه، أو اجتهاد منه.
وقوله: (وجدال المنافق)؛ الذي يظهر السنة، ويبطن البدعة.
وقوله: (بالقرآن)؛ وإنما خص؛ لأن الجدال به أقبح، وهو يؤدي إلى الكفر، وذلك لإفساده الدين.
وقوله: (وحكم الأئمة المضلين)؛ أي: على وفق أهوائهم، وإكراههم الناس عليه.([10])
وأخرجه أبو الجهم في «جزئه» (98)، والهروي في «ذم الكلام» (ج1 ص87)، وابن الجوزي في «مناقب عمر بن الخطاب» (ص616) من طريق مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري t عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا عمر بن الخطاب t فقال: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلين يضلون الناس بغير علم).
وإسناده حسن في المتابعات.
قال الفقيه الطيبي / في «الكاشف» (ج1 ص455): (قوله: (ما يهدم)؛ الهدم إسقاط البناء، وهدم الإسلام تعطيل أركانه الخمسة المذكورة في قوله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس) ([11]) الحديث، وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم، وتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتباع الهوى، ومن جدال المبتدعة وغلوهم في إقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائغة، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين وحكم المزورين. وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين، كما جاء: (زلة العالم زلة العالم». اهـ
قلت: إن من أشر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة: عالم لا ينتفع بعلمه([12])، اللهم سلم سلم.
وبوب الحافظ البيهقي / في «المدخل» (ج2 ص870): باب ما يخشى من زلة العالم أو العمل.
وبوب الإمام ابن المبارك / في «الرقائق» (ج2 ص681): باب في زلة العالم.
قلت: وأكثر الناس يفتنون بزلة عالم، ولأن إذا زل العالم زل بزلته عالم كثير([13])، والعياذ بالله.
فعن الحسن البصري / قال: (لم يبق من العلم إلا غبرات([14]) قليل في أوعية سوء، فانظروا عمن تأخذوا دينكم).([15])
وبوب ابن أبي إياس / في «العلم» (ص162): باب أخذ العلم من غير أهله.([16])
قلت: وهؤلاء يضلون الناس ويحدثونهم بغير علم، والله المستعان.
فالعلماء الزائغون عن الحق، والمنافقون المجادلون المبتدعون هم الذين يضعفون أركان الإسلام، وذلك لإقامتهم البدع في الناس في البلدان الإسلامية.
قال أبو الفتح المقدسي / في «الحجة» (ج2 ص570): (باب: التحذير من علماء السوء، ممن ترك كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r، واعتمد على رأيه، وجلب الناس بمنطقه وتزين لهم بعلمه وزهده، وتصنع بقراءته وتعبده، وما يصدون بذلك عن الحق، ويقطعون عن الخير، ويمنعون من طلب العلم). اهـ
وعن وهيب بن الورد / قال: (ضرب مثل عالم السوء فقيل: مثل العالم السوء كمثل حجر وقع في ساقية، فلا هو يشرب من الماء، ولا هو يخلي عن الماء فيحيى به الشجر !).
أثر حسن
أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص571)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص140 و146)، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (195) من طرق عن محمد بن يزيد بن خنيس، قال: سمعت وهيب بن الورد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
لذلك أحذركم من الفجار من المتعالمين، والجهال من المتعبدين، فإنه قد يقال للمرء أنه عالم وهو متعالم، وقد يقال للمرء عابد وهو جاهل!.
قلت: وإنما مثل هذا كالسائر على غير طريق صحيح؛ فإنه لم يزده الاجتهاد، والسرعة من الله تعالى إلا بعدا.([17])
قال العلامة حمد بن ناصر / في «الدرر السنية» (ج3 ص68): (من أراد الله فتنته، فلا حيلة فيه، بل لا تزيده كثرة الأدلة إلا حيرة، وضلالا). اهـ
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ويل للأتباع من زلة العالم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: يقول العالم الشيء برأيه فيلقى من هو أعلم منه برسول الله r منه فيخبره ويرجع، ويقضي الأتباع بما حكم).
أثر حسن
أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص873)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص112)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص99)، وفي «الإيصال» (ص503)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص14) من طرق عن حماد بن زيد، عن المثنى بن سعيد، عن أبي العالية، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص455)، والشاطبي في «الموافقات» (ج4 ص90)، و(ج5 ص134).
وعن معاذ بن جبل t قال: (أحذركم زيغة الحكيم –يعني: العالم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق.
قال يزيد بن عميرة –الراوي عن معاذ-: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه ... فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا).
أثر صحيح
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج5 ص17)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص460)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص233)، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص320)، والفريابي في «صفة المنافق» (42)، واللالكائي في «الاعتقاد» (116)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج10 ص210)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (444)، وفي «الأسماء والصفات» (135)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج65 ص337)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج32 ص218 و219)، وعبد الرازق في «المصنف» (ج11 ص363)، والآجري في «الشريعة» (ص47)، وأبو الفتح المقدسي في «الحجة» (ج2 ص585)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (ج1 ص22)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج7 ص418)؛ في ترجمة: «يزيد بن خالد بن وهب الرملي»؛ وفي «السير» (ج1 ص456)، و(ج8 ص143)، وابن الجوزي في «القصاص والمذكرين» (70)، وجمال الدين الحنفي في «مشيخة ابن البخاري» (ج3 ص1840) من طرق عن الزهري قال: حدثني أبو إدريس الخولاني أنه أخبره يزيد بن عميرة صاحب معاذ؛ أن معاذا t كان يقول فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص981) من طريق ابن عجلان عن ابن شهاب أن معاذا t به.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص232) من طريق ابن عجلان عن الزهري أن أبا إدريس أن معاذا t به.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (227)، والحاكم في «المستدرك» (ج4 ص466)، وابن وضاح في «البدع» (63) من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن يزيد بن عميرة به.
وأخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (117)، وأبو عمرو الداني في «السنن الواردة في الفتن» (27) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال معاذ بن جبل t به.
وأخرجه الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (ج2 ص185)، و(ج3 ص59)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (8581)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج10 ص38) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري به.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص455).
قلت: فليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي r.
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (اغد عالما أو متعلما، ولا تغد إمعة([18]) بين ذلك)؛ يعني: جاهلا.
أثر صحيح
أخرجه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص399)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص134)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج5 ص407)، وسعدان بن نصر في «جزئه» (140)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج6 ص188)، والخطيب في «التطفيل» (ص64 و65)، والحنائي في «الفوائد» (106)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1491)، وابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص68)، والآمدي في «الإحكام» (ج6 ص234) من طريق سفيان بن عيينة، نا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله t به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج8 ص541)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص109)، ووكيع في «الزهد» (ج3 ص829)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص140) من طريق الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله t به.
قلت: وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود([19])، فالإسناد منقطع.
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص163) من طريق معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن مسعود t به.
قلت: وعبد الملك بن عمير لم يدرك ابن مسعود([20])، فالإسناد منقطع.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص99)، وأبو خيثمة في «العلم» (ص137) من طريق أبي سنان ضرار بن مرة عن سهل القراري عنه.
قلت: وسهل القراري هذا مجهول([21])، وهو لم يدرك ابن مسعود أيضا.
وأخرجه الدارمي في «المسند» (ج1 ص97)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (ج3 ص399)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص144) من طريق الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب به.
قلت: وهارون بن رئاب لم يسمع من ابن مسعود([22])، فالإسناد منقطع.
وأخرجه ابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص126) من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود t قال: (اغد عالما، أو متعلما ولا تغد بين ذلك).
قلت: وهذا سنده حسن.
فحبذا العالم والمتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم!.([23])
وأخرجه وكيع في «الزهد» (513)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص79)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1493) من طريق الحسن البصري عن ابن مسعود t به.
قلت: والحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود([24])، فالإسناد منقطع، وقد أعله بالانقطاع البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص692).
وأخرجه الدارمي في «المسند» (349)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (ج2 ص463) من طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود t به.
قلت: والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن مسعود([25])، فالإسناد منقطع.
وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج4 ص367)، وأبو داود في «الزهد» (141) من طريق سالم بن أبي الجعد عن طرفة المسلي قال: قال عبد الله بن مسعود t.
قلت: وطرفة المسلي هذا مجهول([26])، ولم أجد من وثقه غير ابن حبان حيث ذكره في «ثقاته» (ج4 ص398).
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص166 و167)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج1 ص136 و137)، وابن الجوزي في «صفة الصفوة» (ج1 ص124) من طريق المسعودي عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود t به.
وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (ج1 ص181)؛ ثم قال: رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه المسعودي، وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات.
قلت: وهذه الطرق تؤكد أن له أصلا عن عبد الله بن مسعود t.
فالحديث بمجموع طرقه صحيح.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «الجامع» (ج2 ص982): (وشبه العلماء زلة العالم بانكسار السفينة؛ لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير وإذا ثبت وصح أن العالم يخطئ ويزل لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه). اهـ
وقال ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص453): (والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زلة العالم؛ ليبينوا بذلك فساد التقليد، وأن العالم قد يزل ولا بد؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وينزل قوله منزلة قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمه كل عالم على وجه الأرض، وحرموه، وذموا أهله وهو أصل بلاء المقلدين وفتنتهم، فإنهم يقلدون العالم فيما زل فيه، وفيما لم يزل فيه، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ - ولا بد - فيحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويشرعون ما لم يشرع، ولا بد لهم من ذلك إذ كانت العصمة منتفية عمن قلدوه، والخطأ واقع منه ولا بد ... ومن المعلوم أن المخوف في زلة العالم تقليده فيها؛ إذ لولا التقليد لم يخف من زلة العالم على غيره؛ فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه، وكلاهما مفرط فيما أمر به). اهـ
وقال العلامة محمد جمال الدين القاسمي / في «المسح على الجوربين» (ص58): (وإنما هذه الجملة ينبغي أن ينتبه لها الذين يأبون إلا التقليد؛ ليعلموا أن من آثر التقليد فالأحرى به تقليد الصحابة لأنهم الأعلم). اهـ
قلت: فلا يدرى ما عذر المقلد في ترجيح أقوال غير الصحابة y على أقوالهم؛ فكيف إذا منع الأخذ بقول الصحابة y فكيف إذا صار يرمى بالابتداع من عمل بها؟!، لا جرم أنه أخذ بالمثل المشهور: رمتني بدائها وانسلت.
قلت: وكان السلف يسمون المقلد؛ الأعمى الذي لا بصيرة له، وغير ذلك.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص573): (وكانوا يسمون المقلد الإمعة ومحقب دينه([27])، ... وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يركنوا إلى ركن وثيق ... كما سماه الشافعي حاطب ليل([28]». اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج3 ص554): (أن الاقتداء بهم –يعني: الصحابة- هو اتباع القرآن والسنة، والقبول من كل من دعا إليهما منهم؛ فإن الاقتداء بهم يحرم عليكم التقليد، ويوجب الاستدلال وتحكيم الدليل). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص492): (والمجتهد المخطئ أفضل عند الله تعالى من المقلد المصيب ... ذم الله التقليد جملة، فالمقلد عاص، والمجتهد مأجور، وليس من اتبع رسول الله r مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به. وإنما المقلد من اتبع من دون رسول الله r؛ لأنه فعل ما لم يأمره الله تعالى به). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «المحلى بالآثار» (ج1 ص488): (ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا، لا حيا ولا ميتا). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في«إعلام الموقعين» (ج3 ص462): (تحريم الإفتاء بالتقليد، فإنه إفتاء بغير ثبت؛ فإن الثبت الحجة التي يثبت بها الحكم باتفاق الناس). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «مداواة النفوس» (ص74): (المقلد راض أن يغبن([29]) عقله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص281): (فإن التقليد لا يورث إلا بلادة). اهـ
وقال العلامة ابن بدران / في «المدخل» (ص495): (التقليد يبعد عن الحق، ويروج الباطل). اهـ
وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «المناظرات الفقهية» (ص37): (فإن من اعتاد الجري على أقوال لا يبالي دل عليها دليل صحيح أو ضعيف، أو لم يدل يخمد ذهنه، ولا ينهض بطلب الرقي، والاستزادة في قوة الفكر والذهن). اهـ
وقال العلامة محمد جمال الدين القاسمي / في «المسح على الجوربين» (ص69): (ونبرأ إلى الله من دفع النصوص بالأقيسة والآراء). اهـ
قلت: فالتقليد أن يعتمد الإنسان في فهم الحكم من الدليل على غيره لا على نفسه.([30])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص15): (أما التقليد الباطل المذموم فهو: قبول قول الغير بلا حجة([31])، قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة 170]، وفي المائدة([32])، وفي لقمان: ]أولو كان الشيطان يدعوهم([33])، وفي الزخرف: ]قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم[ وفي الصافات: ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون[ [الصافات: 69-70]، وقال تعالى: ]يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب: 66-67]. وقال: ]إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب[ [البقرة: 166]، وقال تعالى: ]فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار[ [غافر: 47]، وفي الآية الأخرى: ]من عذاب الله من شيء[ [إبراهيم: 21]، وقال تعالى: ]ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم[ [النحل: 25]. فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى: إما للعادة والنسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة: كاتباع الأكابر، والسادة، والمتكبرين فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه أو سيده أو ذي سلطانه ... وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله؛ فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه ). اهـ
قلت: وهذه الآيات التي ساقها شيخ الإسلام ابن تيمية / للتدليل على فساد التقليد وذمه، قد استدل بها، وبما شابهها من القرآن كثير من العلماء.
ويقول الحافظ ابن عبد البر /: بعد أن ساق بعض هذه الآيات في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134): (قد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أؤلئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج2 ص836): (التقليد على الحقيقة إنما هو قبول ما قاله قائل دون النبي r بغير برهان فهذا هو الذي أجمعت الأمة على تسميته تقليدا، وقام البرهان؛ على بطلانه). اهـ
قلت: فكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده.([34])
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص265) عن التقليد: (هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة). اهـ
قلت: إذا فالتقليد هو أن يتبع الإنسان غيره في قول، أو فعل، أو اعتقاد، أو سلوك من غير دليل، ولا نظر، ولا تأمل، ودون إدراك، ولا وعي.([35])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى ورسوله r بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص219): (قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها، لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل). اهـ
قلت: فكيف يجوز تقليد قوم يخطئون ويصيبون: ]إن هذا لشيء عجاب[ [ص: 5].
قال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله / في «تيسير العزيز الحميد» (ص548): (أن الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم، قد نهوا عن تقليدهم مع ظهور السنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص261): (ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل، وتبين له الحق الذي جاء به الرسول r؛ فهنا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص975)؛ وهو يعقد في كتابه بابا بعنوان: (باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع) ثم يقول: (قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه ... وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص228): (وأما هدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلا واحدا في جميع أقواله، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يرد من أقواله شيئا، ولا يقبل من أقوالهم شيئا، وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث). اهـ
قلت: والإمام ابن القيم / لم يكن هو أول من قال إن هذا الأمر بدعة، ولا آخر من قال، اللهم غفرا.
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص236): (اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه بل ولا إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله؟، فهذا والله هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون([36]) الفاضلة).اهـ
قلت: إذا: يحرم الأخذ بآراء العلماء المخالفة للكتاب والسنة، والله المستعان.
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج2 ص347): (ولقد زل - بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال - أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل.
ولنذكر عشرة أمثلة: وبعد أن يذكر هذه الأمثلة يقول: فالحاصل مما تقدم أن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا ضلال، وما توفيقي إلا بالله، وإن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غير).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي r بقول أحد من الناس). اهـ
قلت: والمقلد قد خالف السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا، اللهم غفرا.
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص144): (يقال لمن قال بالتقليد: لم قلت به وخالفت السلف في ذلك؟ فإنهم لم يقلدوا فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله عز وجل لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب، أو حكاية سنة عن رسول الله r أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه).اهـ
وقال الإمام العز بن عبد السلام / في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا، ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده). اهـ
قلت: والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك دينا ومذهبا بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغى إليه، بل ينفر عنه كل النفور؛ كحمر مستنفرة فرت من قسورة.([37])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص67): (وأمرهم بالرد عند التنازع إلى الله تعالى، والرسول r فأبطل الرد إلى إمام مقلد، أو قياس عقلي فاضل). اهـ
قلت: فالحجة في الأدلة الشرعية التفصيلية فليس أن يقبل قولا ممن قاله إلا بقيام الأدلة الشرعية التفصيلية على صواب ذلك القول؛ فإن قبله بغير ذلك كان مقلدا التقليد المذموم المنهي عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص260): (قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله تعالى ورسوله r وهو: أن يتبع غير الرسول r فيما خالف فيه الرسول r، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان؛ في سره وعلانيته وفي جميع أحواله). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص996): (ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد فأغنى ذلك عن الإكثار).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله تعالى، ورسوله r بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ
قلت: إذا فإن إقرار التقليد واتخاذه دينا ومذهبا أمر يحتاج إلى دليل؛ لأن الواجب حكم من الأحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بنص من القرآن، أو حديث صحيح أو حسن من السنة، ولا نعلم في ذلك نقلا اعتمد عليه.
قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في «الأجوبة المفيدة» (ص64): (من يغلو في التقليد حتى يتعصب لآراء الرجال، وإن خالفت الدليل، وهذا مذموم، وقد يؤول للكفر). اهـ
قلت: فالتقليد عند العلماء غير الاتباع؛ لأن التقليد كما بينا هو الأخذ بقول الغير بلا حجة.
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص787): (والتقليد عند العلماء غير الاتباع؛ لأن الاتباع هو تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه.
والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرف وجه القول، ولا معناه وتأبى من سواه، أو أن يتبين لك خطؤه فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله، وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه وتعالى).اهـ
وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصري المالكي: (التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وهذا ممنوع منه في الشريعة.
والاتباع ما ثبت عليه حجة).([38])
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص145): (فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض). اهـ
قلت: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.([39])
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص975): (باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بين التقليد، والاتباع قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31]). اهـ
قلت: ولا خلاف بين العلماء أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم.
قال الحافظ السيوطي /: (إن المقلد لا يسمى عالما).([40]) اهـ
قلت: فيجب القبول باتباع الحجة والانقياد للدليل من كتاب، أو سنة، أو إجماع دون تقليد شخص بعينه؛ لأن التقليد ممنوع في الشريعة.([41])
قال العلامة الفلاني / في «إيقاظ همم أولي الأبصار» (ص247): (فحينئذ ليس من شأن المسلم التجمد على التقليد فإن تجمد مع ذلك فما أشبهه بمن قال الله تعالى فيهم: ]ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك[ [البقرة: 145]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص28): (وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا كبيرا، فنسأل حينئذ فرقة التقليد: هل يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسول الله r؛ كما خفي ذلك على سادات الأمة أولا؟ فإن قالوا: «لا يخفى عليه» وقد خفي على الصحابة y مع قرب عهدهم؛ بلغوا في الغلو مبلغ مدعي العصم في الأئمة([42])، وإن قالوا: «بل يجوز أن يخفى عليهم» وهو الواقع وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة، قلنا: فنحن نناشدكم الله تعالى الذي هو عند لسان كل قائل وقلبه، وإذا قضى الله تعالى، ورسوله r أمرا خفي على من قلدتموه هل تبقى لكم الخيرة بين قبول قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه الله تعالى، ورسوله r عينا لا يجوز سواه؟ فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وللجواب صوابا؛ فإن السؤال واقع؛ والجواب لازم. والمقصود أن هذا هو الذي منعنا من التقليد، فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر، وتسوغ لكم ما ارتضيتموه لأنفسكم من التقليد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص204): (فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم؛ إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان الدليل» (ص205): (وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها، كما قال سبحانه: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء: 59] ). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص136): (إذا ثبت هذا، فلا بد من النظر في أمور تنبني على هذا الأصل:
منها: أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدا له وذلك؛ لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدا بها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين.
ومنها: أنه لا يصح اعتمادها خلافا([43]) في المسائل الشرعية). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج1 ص165): (وقد أجمع المسلمون أن الخلاف ليس بحجة([44])، وأن عنده يلزم طلب الدليل والحجة ليتبين الحق منه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج2 ص248): (ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط، وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد([45])؛ لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا يمعن النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج4 ص145): (فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض). اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى ﮋ وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ﮊ [الكهف: 34]
اغتر الخساف بمقاله البالي وظن أنه عنده علم في الدين!
قراءة ونقد
عرض المقال البالي!:
هذا المقال عبادة عن صفحات سودها الكاتب بكذبه، وتمويهه، وتلبيسه، وتلونه، وأخذه، ورده، وغوايته، وعدائه، وتهجمه على أعلام الأمة، وأنه لم يعطهم أي وزن في تضعيفهم لحديث: «صوم يوم عرفة»، وعدم قولهم بسنية: «صوم يوم عرفة»؛ من أمثال الإمام البخاري / وغيره ممن سار على هدي رسول الله r في الأصول والفروع.([46])
ولقد أردت أن أطوي كشحا عن نقيق هذا الكاتب، وأمثاله من الفقاقيع، الذين أضحى التهجم على أعلام الإسلام، ومنارات الهدى طريقا لهم إلى النتوء، والشهرة بين العوام من أتباع كل ناعق، ثم عدت عما أردته لأمرين:
أولهما: مناسبة المقام هنا للمقال في هذا الموضوع لكشف كذبات، وتحريفات، وخيانات، وتدليسات، وتلبيسات المدعو علوي بن عبد القادر السقاف المتستر.
وثانيهما: الميثاق الذي أخذه الله عز وجل على أهل العلم وطلابهم أن يبينوا للأمة، وينصحوا لها، فلا يغتر بعد ذلك المبتدئون، وضعاف المعرفة بصاحب بوق لا يجد من يلقمه حجرا.
وقد اجتمع عندي من سقطاته الكثير في مقاله هذا، وكذلك تبين لي انحرافه في العقيدة([47])، مما لو سطرت بعضه لسويته بالقطمير، وساويته بالنقير.([48])
قلت: وبعد هذا؛ فما هي أحرى الأوصاف بهذا «الخساف» التلبيس، والخيانة، أم الجهل، والغفلة، والتدليس.([49])
نعم؛ لما كان هذا حاله رأيت أن أكتب ردا على: «مقاله البالي»، أكشف فيه زيوفه، وأبين حقيقة دعاويه، وتطاوله على أهل الحديث، ورميهم بالشذوذ! ... مما هو غير منفك عنه.([50])
قال الإمام ابن القيم / في «مسألة السماع» (ص145): (فأبى الظالمون المفتونون إلا عرض ما جاء به الرسول r على أقوال الشيوخ وطريقتهم، فأضلهم، فعم بذلك المصاب، وعظمت المحنة، واشتدت الرزية، واشتدت غربة الدين وأهله، وظن بهم الجاهلون أنهم هم: «أهل البدع([51]»)!، وأصحاب الطرائق والآراء هم: «أهل السنة»!، ويأبى الله إلا أن يقيم دينه، ويتم نوره، ويعلي كلماته وكلمات رسوله r، وينصر حزبه ولو كره المبطلون([52])). اهـ
قلت: فهذا الذي اعتقده المعترض، وبنى عليه: «مقاله البالي»، حيث ادعى أن العلماء في المذاهب، والعلماء في هذا العصر يفتون: «بصيام يوم عرفة» وكأن العلماء عنده هم الذين يفتون بذلك، فلا ينظر إلى بقية علماء المسلمين من أئمة الحديث والأثر الذين يؤصلون الأحكام في الدين بالدليل([53])، لا بالآراء الاجتهادية، والتعصبات العصرية، والفتاوى المذهبية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص202): (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية، ولا يحتج بها على الأدلة الشرعية). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته؛ دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين([54])؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ
قلت: والمعترض «الخساف» هذا تبين لي من كتابه في حكم: «صوم يوم عرفة» أنه من القوم الذين يحكمون بالدين بآراء الرجال.([55])
قلت: فهذه التنبيهات وحدها كافية لنقض: «مقاله البالي»، فكيف بك أيها المسلم إذا علمت بتدليسه، وغشه، وتناقضه العلمي في «مقاله البالي»، فهي أكثر من أن تحصر بل، وتقليده المذموم الذي انسل من صدره إلى لسانه، يضرب به علماء الأمة، وصفوة الأئمة ... والله يوفقني في كشف حقيقة هذا «الخساف» المتستر([56])، وتظهر دعاويه الباطلة في تحقيق العلم على مذهب أهل السنة والجماعة زعم!.
الآن حمي الوطيس
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ﮋ وأحيط بثمرهﮊ [الكهف: 34]
شذوذ
علوي بن عبد القادر السقاف
ومن معه من الرعاع في هذا الزمن لمخالفتهم للسنة النبوية والآثار السلفية
في مسألة: «صوم يوم عرفة»
اعلم رحمك الله أنه ليس الشذوذ ومخالفة ما شاع بين الناس في حكم من الأحكام الباطلة، بل هؤلاء هم الشاذون لمخالفتهم السنة والآثار؛ وذلك أن حد الشذوذ هو مخالفة الحق المبين، فكيف يوصف بالشذوذ من جرد المتابعة للمعصوم r.
قال الحافظ ابن حزم / في «الإحكام» (ج5 ص661): (إن حد الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم والجماعة والجملة هم: أهل الحق ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج5 ص390): (المختلفون الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عيارا على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكرا لقلة أهله، وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذ شذ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحدا منهم فهم الشاذون.
وقد شذ الناس([57]) كلهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفرا يسيرا؛ فكانوا هم: الجماعة!، وكانت القضاة حينئذ، والمفتون، والخليفة، وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة).اهـ
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «التعليق على الطحاوية» (ص7): (الشذوذ عن السنة، ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت، و ليس الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولا من أقوال الخلاف لدليل بدا له، و لو كان الجمهور على خلافه خلافا لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب، ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل!). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «لمحة عن الفرق» (ص22): (وليست العبرة بالكثرة، بل العبرة بالموافقة للحق، ولو لم يكن عليه إلا قلة من الناس). اهـ
قلت: فالخساف هذا هو الشاذ ومن وافقه من الهمج والرعاع على مشروعية: «صوم يوم عرفة» ([58]) في هذا العصر، والله المستعان.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ﮋ وهو ظالم لنفسهﮊ [الكهف: 35]
نظرة
علوي بن عبد القادر السقاف
نظرة عداوة
فالناظر بعين العداوة([59]) يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين الإنصاف عكسه، وما سلم من هذا إلا من أراد الله تعالى كرامته، وارتضاه لقبول الحق.
وقد قيل:
نظروا بعين عداوة لو أنها |
|
|
عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا |
فإذا كان هذا في نظر العين الذي يدرك المحسوسات، ولا يتمكن من المكابرة فيها، فما الظن بنظر القلب الذي يدرك المعاني التي هي عرضة المكابرة، والله المستعان. ([60])
قلت: وهذا الرجل في أصله ممن لا يدون يد لامس، ولا يتحركون إلا كالخفافيش([61]) في جنح الظلام الطامس: ]ومكر أولئك هو يبور[ [فاطر: 10].
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ﮋ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاﮊ [الكهف: 28]
ويل
للكودن علوي بن عبد القادر السقاف
الذي يفتي للناس بآراء الرجال([62])، وبتقليدهم ثم ينسب ذلك إلى السنة، وهذا يدل على بلادته في الدين، فلا يسمع له، ولا يلتفت إلى أحكامه في الأصول والفروع لضعفه بأصول الحديث وعلله
عن بشر بن موسى الأسدي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: (ويل للمحدث إن استضعفه أصحاب الحديث، قلت له: يعملون به ماذا؟ قال: إن كان كذوبا سرقوا كتبه وأفسدوا حديثه). وفي رواية: (إن كان كودنا).([63])
أثر حسن
أخرجه الطيوري في «الطيوريات» (685)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج1 ص140) من طريق علي بن أحمد المقابري حدثنا بشر بن موسى به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأورده المزي في «تهذيب الكمال» (ج31 ص560)، والذهبي في «السير» (ج11 ص93).
قلت: ومن بلادته فإنه في «مقاله البالي» لم يستطيع أن يخرج الآثار على طريقة أهل الحديث، بل يشير إليها؛ كما هو عادة الضعفاء بأصول الحديث من المقلدة في هذا الزمان.([64])
وبوب عليه الحافظ الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج1 ص140): كراهية السماع من الضعفاء!.
قلت: إذا استضعفوه بينوا أمره ليعرفه الناس، فيفتضح حاله، ويترك علمه في الدين، لأنه ليس عنده تمييز لصحيح الآثار من ضعفها. ([65])
قال الحافظ الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (ج1 ص211): ترك السماع ممن لا يعرف أحكام الرواية، وإن كان مشهورا بالصلاح والعبادة!.
قلت: وهذا الخساف لم يهب الأحاديث في عدم الصوم، فوقع في الفخ! ولابد.
فعن فضل بن سهل قال سمعت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله يقولان: (ما لم يهب الحديث وقع فيه).([66])
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن المقلدين يتبعون الظنون في أحكام الدين
في الأصول والفروع
اعلم رحمك الله أن المقلدين يعملون بظواهر النصوص تارة، لأن الظاهر عندهم يطابق مذهبهم في الحكم، لكن إذا رأيت تفسير النبي r، وصحابته الكرام لهذا النص الظاهر تراه خلاف ما فسره المقلدون في الدين!.
ومن المعلوم أن هذا الذي يظنه المرء ظاهرا؛ ليس هو ظاهرها، وإنما الظاهر هو ما علم من سياقة الكلام العربي الفصيح، وكان مطابقا للواقع، موافقا لمراد الله تعالى، ومراد رسوله r، وفهم الصحابة الكرام.
وتارة يسلكون في النصوص المسالك الفاسد في التأويل الفاسد لها، لأن هذا التأويل يطابق مذهبهم في الحكم، لكن إذا رأيت حكم النص الظاهر؛ فهو الصحيح!، لأنهم بذلك يتبعون الظنون، وما تهوى الأنفس في الحكم من النصوص.
وتارة يسلكون في الدين مسالك عادة بلدانهم التي تربوا عليها من أحكام، فيفتون في الدين على حسب المشهور في بلدهم؛ حتى لو كان خطأ، أو تبين لهم بعد ذلك أنه خطأ، فلا يرجعون عنه وإن تبين لهم، فهذا الحكم بهذه الطريقة لا يوافق المنقول، ولا يطابق المعقول.
قال العلامة الشوكاني / في «أدب الطلب» (ص66): (وأنه لا يرجع المبطل إلى الحق إلا في أندر الأحوال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الاستقامة» (ج2 ص223): (اتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان في «إتحاف الأفاضل» (ص61): (فالذي يتبع هواه لا يمكن أن تقنعه أبدا؛ لأنه لا يريد الحق، ولو تناطحت الجبال بين يديه لا يقبل). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص372)؛ عن المبتدعة: (فلو جاءه كل هدى يخالف قومه وعشيرته لم يره إلا ضلاله). اهـ
قلت: والنقل هو ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله r ... والواجب على المسلم أن ينقاد للدليل، والعقل الصحيح لا يخالف النقل الصحيح؛ لذلك لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى، ورسوله r.
قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم[ [الحجرات: 1].
وقال تعالى: ]فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما[ [النساء: 65].
وقال الإمام الزهري /: (من الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التصديق).([67])
قال العلامة ابن أبي العز / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص201): (لا يثبت إستسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه). اهـ
قلت: والمقلدون في بلدانهم بجميع أنواعهم لا يسلمون لنصوص الوحييين إلا إذا وافقت أهواءهم؛ وإلا لا يسلموا لها، بل يخالفوها؛ لأنهم يتبعون أهواءهم، وما تشتهي الأنفس، وقد جاءهم من الله تعالى الهدى.
قال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى[ [النجم: 23].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث).([68])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج13 ص67): (وكل من خالف الرسول لا يخرج عن الظن وما تهوى الأنفس). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الاستقامة» (ج2 ص224): (من خرج عن موجب الكتاب والسنة من المنسوبين إلى العلماء والعباد يجعل من أهل الاهواء). اهـ
قلت: والمقلدون الذين يخالفون الرسول r، وسنته؛ هذا الوصف منطبق عليهم تماما، لأنهم يتبعون الظنون في أحكام الدين، والأهواء المهلكة، ويتعصبون لآرائهم الباطلة، ويتركون الأدلة من الكتاب، أو السنة، أو الآثار.([69])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الإيمان» (ص375): (ولهذا جعل الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي r وأصحابه الكرام طريق أهل البدع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجواب الصحيح» (ج1 ص316): (ومما ينبغي أن يعلم أن سبب ضلال النصارى وأمثالهم من الغالية؛ كغالية العباد والشيعة وغيرهم ... بألفاظ متشابهة مجملة مشكلة منقولة عن الأنبياء، وعدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة، وتمسكوا بها وهم كلما سمعوا لفظا لهم فيه شبهة تمسكوا به، وحملوه على مذهبهم، وإن لم يكن دليلا على ذلك، والألفاظ الصريحة المخالفة لذلك إما أن يفوضوها، وإما أن يتأولوها؛ كما يصنع أهل الضلال، يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والسمعية، ويعدلون عن المحكم الصريح من القسمين). اهـ
وعن الإمام وكيع بن الجراح / قال: (أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم).([70])
وقال الإمام ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص388): (والمخالف يشغب بذكر الأحاديث التي رجع عنها رواتها، ويقول: هي صحيحة الأسانيد، وربما يقول: هي أصح إسنادا من الأحاديث المخالفة لها!). اهـ
قلت: حتى يصل بالمقلدة إلى أنهم يعزون لصنيعهم إلى إجماع لا حقيقة له تلبيسا، وتمويها على الناس، والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «النبوات» (ج1 ص479): (ولأهل الكلام والرأي من دعوى الإجماعات التي ليست صحيحة، بل قد يكون فيها نزاع معروف، وقد يكون إجماع السلف على خلاف ما ادعوا فيه الإجماع ما يطول ذكره هنا). اهـ
قلت: وهذا الأمر من حيلهم على الرعاع من الناس ليدخلوا عليهم، ويثبتوا فيهم ما ألقوه من أحكام تخالف الكتاب والسنة والآثار في بلدانهم، والعياذ بالله.([71])
قال الإمام العز بن عبد السلام / في «الفوائد» (ص144): (ولا خير فمن يتحيل لنصرة مذهبه مع ضعفه، وبعد أدلته من الصواب، بأن يتأول السنة، والإجماع، أو كتاب على غير الحق والصواب، وذلك بالتأويلات الفاسدة، والأجوبة النادرة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «التسعينية» (ج1 ص217): (فإذا وقع الاستفصال والاستفسار، انكشفت الأسرار، وتبين الليل من النهار). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص440): (لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء، والقياس، والاستحسان، وأقوال الشيوخ؛ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور، وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والظلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الإخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام الصدق، والمداهنة مقام النصيحة، والظلم مقام العدل؛ فصارت الدولة، والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار إليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار إليهم). اهـ
قلت: وهذا هو التمييع والتقليد في الدين، نعوذ بالله من الخذلان.
قال الحافظ الذهبي / في «السير» (ج8 ص90): (ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي والغرض). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص381): (أن مدخل البدعة هاهنا من باب الاحتيال الذي أجازه بعض الناس). اهـ
وقال الإمام ابن القيم: (المعارضة بين العقل والنقل هي أصل كل فساد في العالم، وهي ضد دعوة الرسل من كل وجه!).([72]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «الفوائد» (ص372): (فإذا لم يتلق عهده هذا التلقي أخلد إلى سير القرابة، وما استمرت عليه عادة أهله وأصحابه وجيرانه وأهل بلده؛ فإن علت همته أخلد إلى ما عليه سلفه، ومن تقدمه من غير التفات إلى تدبر العهد وفهمه فرضي لنفسه أن يكون دينه دين العادة؛ فإذا شامه الشيطان، ورأى هذا مبلغ همته وعزيمته، رماه بالعصبية والحمية للآباء وسلفه، وزين له أن هذا هو الحق وما خالفه باطل، ومثل له الهدى في صورة الضلال، والضلال في صورة الهدى بتلك العصبية والحمية التي أسست على غير علم فرضاه أن يكون مع عشيرته، وقومه له ما لهم وعليه ما عليهم؛ فخذل عن الهدى وولاه الله ما تولى، فلو جاءه كل هدى يخالف قومه وعشيرته لم يره إلا ضلالة). اهـ
قلت: فالمقلدون قد تركوا كثيرا من الحق الذي يجب عليهم أن يأخذوا به، واستبدلوا بالباطل.
قال تعالى: ]أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير[ [البقرة: 61].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (ج5 ص97): (وأكثر الناس إنما التزموا المذاهب بل الأديان بحكم ما تبين لهم، فإن الإنسان ينشأ على دين أبيه، أو سيده، أو أهل بلده كما يتبع الطفل في الدين أبويه، وسادته، وأهل بلده، ثم إذا بلغ الرجل فعليه أن يلتزم طاعة الله تعالى ورسوله r، حيث كانت ولا يكون ممن إذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فكل من عدل عن اتباع الكتاب والسنة وطاعة الله تعالى ورسوله r إلى عادته، وعادة أبيه، وقومه؛ فهو من أهل الجاهلية المستحقين للوعيد). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «أدب الطلب» (ص91): (واعلم أن سبب الخروج عن دائرة الإنصاف، والوقوع في موبقات التعصب كثيرة جدا فمنها: النشوء في بلد متمذهب بمذهب معين، وهو أكثرها وقوعا وأشدها بلاء، أن ينشأ طالب العلم في بلد من البلدان التي قد تمذهب أهلها بمذهب معين واقتدوا بعالم مخصوص.
وهذا الداء قد طبق في بلاد الإسلام وعم أهلها، ولم يخرج عنه إلا أفراد قد يوجد الواحد منهم في المدينة الكبيرة، وقد لا يوجد؛ لأن هؤلاء الذين ألفوا هذه المذاهب قد صاروا يعتقدون أنها هي الشريعة وأن ما خرج عنها خارج عن الدين مباين لسبيل المؤمنين: ]كل حزب بما لديهم فرحون[ [المؤمنون: 53].
فأهل هذا المذهب يعتقدون أن الحق بأيديهم، وأن غيرهم على الخطأ والضلال والبدعة، وأهل المذهب الآخر يقابلونهم بمثل ذلك، والسبب أنهم نشأوا فوجدوا آباءهم، وسائر قراباتهم على ذلك ورثة الخلف عن السلف، والآخر عن الأول، وانضم إلى ذلك قصورهم عن إدراك الحقائق بسبب التغيير الذي ورد عليهم ممن وجدوه قبلهم، وإذا وجد فيهم من يعرف الحق فهو لا يستطيع أن ينطق بذلك مع أخص خواصه، وأقرب قرابته فضلا عن غيره لما يخافه على نفسه، أو على ماله أو على جاهه بحسب اختلاف المقاصد، وتباين العزائم الدينية؛ فيحصل من قصورهم مع تغير فطرهم بمن أرشدهم إلى البقاء على ما هم عليه، وأنه الحق وخلافه الباطل، وسكوت من له فطنة ولدينه عرفان، وعنده إنصاف عن تعليمهم معالم الإنصاف، وهدايتهم إلى طرق الحق، ما يوجب جمودهم على ما هم عليه، واعتقادهم أن الحق مقصور عليه منحصر فيه، وأن غيره ليس من الدين، ولا هو من الحق؛ فإذا سمع عالما من العلماء يفتى بخلافه، أو يعمل على ما لا يوافقه اعتقد أنه من أهل الضلال، ومن الدعاة إلى البدعة، وهذا إذا عجز عن إنزال الضرر به بيده أو لسانه؛ فإن تمكن من ذلك فعله معتقدا أنه من أعظم ما يتقرب به إلى الله، ويدخره في صحائف حسناته ويتأجر الله، وهذا معلوم لكل أحد، وقد شاهدنا منه مالا يأتي عليه حصر، ولا تحيط به عبارة، بل قد بلغ هذا المتعصب في معاداة من يخالفه إلى حد يجاوز به عدواته لليهود والنصارى، ولو علم المخدوع المغرور بأن سعيه ضلال وعمله وبال وأنه من الأخسرين أعمالا ]الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا[ [الكهف: 104] لأقصر عن غوايته وأرعوى عن بعض جهله، لكنه جهل قدر نفسه، وخسران سعيه، وتحامي غيره من أهل المعرفة، والفهم إرشاده إلى الحق وتنبيهه على فساد ما هو فيه؛ مخافة على نفسه منه وممن يشابهه في ذلك، فتعاظم الأمر، وعم البلاء، وتفاقم الأمر، وعم الضرر.
ولو نظر ذلك المتعصب بعين الإنصاف، ورجع إلى عقله، وما تقتضيه فطرته الأصلية لكف عن فعله، وأقصر عن غيه وجهله، ولكنه قد حيل بينه، وبين ذاك وفرغ الشيطان منه إلا من عصم الله، وقليل ما هم، وهكذا صاحب المعرفة وحامل الحجة وثاقب الفهم، لو وطن نفسه على الإرشاد، وتكلم بكلمة الحق، ونصر الله سبحانه، ونصر دينه، وقام في تبيين ما أمره الله بتبيينه لحمد مسراه، وشكر عاقبته، وأراه الله سبحانه من بدائع صنعه، وعجائب وقايته، وصدق ما وعد به من قوله: ]ولينصرن الله من ينصره[ [الحج: 40]، ]إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم[ [محمد: 7]؛ ما يزيده ثباتا، ويشد من عضده، ويقوى قلبه في نصرة الحق، ومعاضدة أهله). اهـ
قـال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص233): (فأما من لم
يعرف إلا قول عالم واحد وحجته؛ دون قول العالم الآخر وحجته؛ فإنه من العوام المقلدين([73])؛ لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص89): (فلا بد أن نؤمن بالكتاب كله, ونتبع ما أنزل إلينا من ربنا جميعه، ولا نؤمن ببعض الكتاب، ونكفر ببعض، وتلين قلوبنا لاتباع بعض السنة، وتنفر عن قبول بعضها بحسب العادات والأهواء, فإن هذا خروج عن الصراط المستقيم, إلى صراط المغضوب عليهم والضالين). اهـ
وقال المفسر المراغي / في «تفسيره» (ج5 ص184): (وفي الآية دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يدل على التنقص والاستهزاء بالأدلة الشرعية، والأحكام الدينية كما يقع من أسراء التقليد([74]) الذين استبدلوا آراء العلماء بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم إلا قال إمام مذهبنا كذا، وقال فلان من أتباعه كذا ... وجعلوا رأي إمامهم مقدما على ما نطق به الكتاب، وأرشدت إليه السنة). اهـ
قلت: ومن قعد معهم فهو شريك معهم في الإثم، والله المستعان.
قلت: والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فهذه القاعدة توضح الألفاظ العامة في الحكم، وأن معاني الآيات تتناول أشياء كثيرة لدخول ما هو مثلها ونظيرها في الحكم عموما، لأنها ذكرت على سبيل المثال لـتوضـيح الألفاظ العامة، وليست معاني الألفاظ والآيات مـقصورة عليها بحكم مخصوص على أناس معينين، لأن القرآن الكريم إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها.
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي / في «القواعد الحسان» (ص7)
عن هذه القاعدة: (وهذه القاعدة نافعة جدا، بمراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يفوته علم كثير، ويقع في الغلط والارتباك الخطير).اهـ
قلت: وزعم البعض أننا ننزل بمثل هذه الآيات في غير محلها وهذا فهم خاطئ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن الخطأ أن يفهم من هذا الكلام ما يفصل بين المسلمين والقرآن الكريم، فيحتج بالقرآن على المسلمين، كما يحتج به على الكافرين إذا كانت هناك مشابهة في أصل المخالفة فافهم هذا ترشد.([75])
وقد احتج العلماء بآيات في إبطال التقليد، وإن كانت في الكفار، لأن ذلك وقع من جهة المشابهة فقط فافطن لهذا([76])، مثل: قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون[ [البقرة:170].
قال الحافظ ابن عبد البر / في «جامع بيان العلم» (ج2 ص134) بعد أن ساق بعض الآيات في إبطال التقليد: (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أؤلئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص263): (ثم إن هؤلاء الذين يقولون على الله بغير علم إذا قيل لهم: ]اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا[ [البقرة:170] فليس عندهم علم؛ بل عندهم اتباع سلفهم وهو الذي اعتادوه وتربوا عليه([77](). اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «الشرح الممتع» (ج1 ص25): (الأحكام لا تثبت إلا بالدليل). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «المجموع» (ج1 ص46): (ينبغي أن لا يقتصر في فتواه –يعني: المفتي- على قوله: في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي، ونحو ذلك، فهذا ليس بجواب ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح فإن لم يعرفه توقف حتى يظهر أو يترك الإفتاء).اهـ
قلت: وبناء عليه فإنه لا يصح للمفتي أن يفتي إلا بما يعلم أنه حق، وبما يترجح عنده بالدليل، لأن الفتوى شأنها عظيم، وخطرها جسيم، فهي توقيع عن الله تعالى، ودخول بين الله تعالى وبين خلقه، والقائم بها معرض للخطأ، فعليه أخذ الحيطة، والحذر، وعدم الإقدام عليها إلا بعد التأهل لها مع شدة المراقبة لله تعالى، وملازمة التقوى، والورع، وأهل العلم الربانيين.([78])
فهذه العادات وإن كانت منهم فلا يعتريها عندهم إجمال، ولا إشكال، ولا يحل لأحد مخالفتها.
وهؤلاء شأنهم شأن بعض الأعراب الذين يعظمون العادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، ويغضبون لها إذا انتهكت أعظم من غضبهم لحرمات الله تعالى إذا انتهكت، وهذا ضلال مبين.([79])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «منهاج السنة» (ج5 ص130): (بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله تعالى، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالواجب أن يجعل ما أنزله الله من الكتاب والسنة أصلا في جميع الأمور، ثم يرد ما تكلم فيه الناس إلى ذلك.
لذلك ترى فتاوى الراسخين في العلم المقتفين لأثر الصحابة الكرام، والتابعين مطابقة لألفاظ القرآن والسنة، يتحرون ذلك غاية التحري، فحصلت لهم السلامة، ومن حاد عن سبيلهم، حصل له الخطأ والزلل، والتناقض والاضطراب.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج4 ص170): (ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه؛ فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان، وقول الفقيه المعين ليس كذلك، وقد كان الصحابة، والتابعون، والأئمة الذين سلكوا على منهاجهم، يتحرون ذلك غاية التحري، حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص، واشتقوا لهم ألفاظا غير ألفاظ النصوص، فأوجب ذلك هجر النصوص.
ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان، فتولد من هجران ألفاظ النصوص، والإقبال على الألفاظ الحادثة، وتـعـليق الأحـكام بـهـا عـلـى الأمة من الـفسـاد مـا لا يـعلـمه إلا الله، فألفاظ النصوص
عصمة، وحجة، بريئة من الخطأ، والتناقض، والتعقيد، والاضطراب)([80]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج19 ص263): (ثم إن
هؤلاء الذين يقولون على الله بغير علم إذا قيل لهم: ]اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا[ [البقرة:170] فليس عندهم علم؛ بل عندهم اتباع سلفهم وهو الذي اعتادوه وتربوا عليه! ([81]».اهـ
قلت: لذلك لا يعذر المقلد على نفسه، والجاني على غيره في اقتحامه على هذا الحكم، وذلك لعدم دقته في البحث، فلا يعذر كل من تأول تأويلا خاطئا، أي لا عذر لأحد في خطئه ركبه حسبه هدى، فقد بينت الأمور، وثبتت الحجة، وانقطع العذر.
قال الإمام البربهاري / في «السنة» (ص22): (وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس، فعلى الناس الإتباع). اهـ
قلت: فهناك صنف من الناس متبع لأهوائه، وآرائه، وخواطره، وعادة قومه، وتراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنن رسول الله r، وأشهر من الشمس: برأي دخيل، واستحسان ذميم، وظن فاسد، ونظر مشوب بالهوى، فهل يعذر مثل هذا؟!.([82])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي r بقول أحد من الناس). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «النبذ» (ص114): (والتقليد حرام، ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص42): (وبالتقليد أغفل من أغفل منهم). اهـ
قال تعالى: ]ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد[ [الممتحنة:6].
قلت: والمقلد آثم، وإن أصاب الحق، لأنه يفتي الناس بدون اجتهاد دقيق في الأدلة، والأحكام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «القواعد النورانية» (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد، فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم / في «النبذ» (ص120): (وأما من قلد دون النبي r، فإن صادف أمر النبي r به فهو عاص لله تعالى، آثم بتقليده، ولا سلامة، ولا أجر له على موافقته للحق، وما يدري كيف هذا؟، فإنه لم يقصد إلى الحق، وإن أخطأ فيه أثم إثمين، إثم تقليده، وإثم خلافه للحق، ولا أجر له البتة، ونعوذ بالله من الخذلان). اهـ
قلت: فلا أجر لمن قلد دون النبي r، وإن أصاب الحق.
وقد جزم غير واحد من أهل العلم على أن من نقل حديثا عن النبي r، وهو لا يعلم حاله: أنه آثم، فيدخل في ذلك الكتاب، والوعاظ، والقصاص، والخطباء، وغـيرهم ممن ينقل الأحاديث، ويبثهـا بين الناس، وهو لا يعلم حالها إلا عن طريق التقليد؛ لأنه أقدم على رواية الحديث من غير علم.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
قال تعالى: ﮋ ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراﮊ [الكهف: 43]
التحطيم
كره الصحابة والتابعون صوم يوم عرفة للحاج وغير الحاج
قال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه –يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهته ذلك له؛ لما قد تقدم بياننا قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه). اهـ
قلت: هؤلاء هم السلف من أصحاب النبي r، ومن تابعهم بإحسان يحرمون: «صوم يوم عرفة»؛ لأنه عيد عندهم، كما سوف يأتي ذكر الآثار الصحيحة في هذا الحكم.
فماذا نقول: أيها «الخساف» المقلد لاجتهادات المتأخرين؟!.
ﭑ ﭑ ﭑ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
صفارة الإنذار المخيفة
إبطال
إجماع علوي السقاف في: «صوم يوم عرفة»، وإجماع السلف على عدم: «صوم يوم عرفة» على خلاف إجماعه المزموم!.
قال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص361): (... وقد صح عندك الخبر عن رسول الله r؛ بأنه جعله في أيام العيد التي آثر الأكل فيها، والشرب على الصوم، وثبت عندك عن جماعة من السلف كراهتهم صوم ذلك اليوم، لكل أحد، في كل موضع، وكل بقعة من بقاع الأرض([83])، وإنكار بعضهم([84]) الخبر الذي روي عن أبي قتادة عن رسول الله r في فضل صومه). اهـ
قلت: وهذا يدل على أن جماعة من السلف نهوا عن صيام يوم عرفة لغير الحاج مما يدل أيضا بأنهم لا يرون صيام يوم عرفة لغير الحاج.
قال الإمام العيني الحنفي / في «نخب الأفكار» (ج8 ص378): (قال أبو جعفر الطحاوي /: (فذهب قوم إلى هذا الحديث([85])، فكرهوا به صوم يوم عرفة وجعلوا صومه؛ كصوم يوم النحر!).([86]).
أراد بالقوم هؤلاء: بعض أهل الحديث([87])، وبعض الظاهرية([88])؛ فإنهم قالوا: صوم يوم عرفة؛ كصوم يوم النحر حرام!، واحتجوا في ذلك بالحديث([89]) المذكور سواء كان للحاج، أو غيره!). اهـ يعني: يحرم على المقيم.
وقال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج1 ص1548): (وقد جاء تسميتة عيدا في حديث مرفوع خرجه أهل السنن من حديث عقبة بن عامر، عن النبي r قال: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل، وشرب)؛ وقد أشكل وجهه([90]) على كثير من العلماء ؛ لأنه يدل على أن يوم عرفة يوم عيد لا يصام، كما روي ذلك عن بعض المتقدمين([91])، وحمله بعضهم([92]) على أهل الموقف!([93]». اهـ
وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ
قلت: ونهي السلف الصالح y عن صيام يوم عرفة؛ لأنه ليس من السنة صيامه؛ كما أسلفنا.
قلت: فأين الإجماع على صوم يوم عرفة؟، لذلك لا يجوز الفتوى بالتقليد المذموم، لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام، ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك.([94])
قـال عبـد الله بن أحمـد / في «المـسائـل» (ج3 ص1314): (سـمعت أبي –
يعني: الإمام أحمد- يقول: ما يدعي الرجل فيه الإجماع، هذا الكذب من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا، هذا دعوى بشر المريسي، والأصم([95])، ولكن يقول: لا يعلم الناس يختلفون، أو لم يبلغه ذلك، ولم ينته إليه فيقول: لا نعلم الناس اختلفوا). اهـ
ونقل الحافظ ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج1 ص30) هذه الرواية ثم بين مراد الإمام أحمد / بإنكاره الإجماع فقال: (ونصوص رسول الله r أجل عند الإمام أحمد، وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع([96])، مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد، والشافعي من دعوى الإجماع، ولا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده).اهـ
ﭑ ﭑ ﭑ
ضعف
حديث أبي قتادة في: «صوم يوم عرفة»
قال أبو بكر البرقاني / في «سؤالاته» (ص170): (سألت الدارقطني عن حديث مجاهد عن أبي قتادة، وعن أبي الخليل؛ حديث الثوري: (في فضل صوم عرفة)؟، فقال الدارقطني: لا يصح، وهو كثير الاضطراب، مرة يقول ذا، ومرة يقول ذا، لا يثبت). اهـ
والحديث ضعفه الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (ج2 ص68)، و(ج5 ص198)، وفي «التاريخ الأوسط» (ج1 ص441)، والإمام الدارقطني في «سؤالات البرقاني» (ص170)، والإمام ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (ج2 1540)، والإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» (ج2 ص205)، والإمام العراقي في «تحفة التحصيل» (ص187)، والإمام ابن نقطة في «تكملة الإكمال» (ج2 ص745)، والإمام تقي الدين المقريزي في «مختصر الكامل في الضعفاء» (ص471)، والعلامة الوادياشي الأندلسي في «تحفة المحتاج» (ج2 ص108)، والإمام محمد بن طاهر المقدسي في «ذخيرة الحفاظ» (ج3 ص1532)، والإمام يحيى بن معين كما في «طبقات الحنابلة» (ج2 ص554).
وهذا يدل على أن صوم يوم عرفة بدعة ولا يؤجر عليه من صامه سواء كان عاملا أو جاهلا.
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الاعصار الشديد
ذكر الدليل
على أن فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صوم النبي r، أو عدم صومه يقدم على ما نقله علوي بن عبد القادر السقاف من الأوهام والظنون في الأحاديث والآثار والأقوال!
عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: (كان رسول الله r يصوم حتى أعرف ذلك فيه، ويفطر حتى أقول: ما هو بصائم، وكان أكثر صيامه في شعبان).وفي رواية: (حتى أعرف عنه).([97])
حديث صحيح
أخرجه المحاملي في «الأمالي» (ج11 ص315-تاريخ بغداد)؛ رواية ابن مهدي، وابن وهب في «الموطأ» (103)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2135)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج11 ص315)، وأبو عمرو الداني في «علوم الحديث» (ص63) من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن حجر في «إتحاف المهرة» (ج17 ص363).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما في العشر قط). يعني: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
أخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283)، والترمذي في «سننه» (756)، والنسائي في «السنن الكبرى» (2872)، وابن راهويه في «المسند» (1505)، وأحمد في «المسند» (ج6ص42)، والسراج في «المسند» (ق/99/ط)، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (ج2 ص739)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن حبان في «صحيحه» (3608)، والبغوي في «شرح السنة» (1793)، وفي «شمائل النبي r» (ج2 ص481)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وأخرجه مسلم في «صحيحه» (ص283) من طريق سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن النبي r لم، يصم العشر).([98])
وأخرجه المحاملي في «الأمالي» (ص276) من طريق الفرات الرقي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما أيام العشر قط).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص285)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص42) من طريق يعلى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2874) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2103) من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو داود في «سننه» (ج2 ص816)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص124) من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وإسناده صحيح.
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص120): (هكذا رواه غير واحد
عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة). اهـ
ثم ذكر أن هذه الرواية أصح، وأوصل إسنادا.([99])
فقال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص121): (وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا). اهـ
قال الإمام وكيع بن الجراج /: (الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور).([100])
وحديث منصور: أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1726) من طريق أبي الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني / في «صحيح سنن أبي داود» (ج7 ص201): (رواية ابن ماجه عن منصور متصلة صحيحة الإسناد، فهي تؤكد أصحية رواية الأعمش). اهـ
قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.([101])
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج3 ص41)، وابن راهويه في «المسند»
(1506) من طريق جرير عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر قط) هكذا مرسلا.
وأخرجه ابن الجعد في «المسند» (ج2 ص735) من طريق سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال حدثت: (أن رسول الله r، لم يصم العشر قط).
ومن هذا الوجه؛ أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (ج4 ص378).
قال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج3 ص103): (وروى الثوري، وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم: (أن النبي r لم ير صائما في العشر)، وروى أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم (عن عائشة، ولم يذكر فيه عن الأسود، وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصح، وأوصل إسنادا).([102]) اهـ
ثم قال الحافظ الترمذي /: وسمعت محمد بن أبان يقول سمعت وكيعا يقول: (الأعمش أحفظ؛ لإسناد إبراهيم من منصور). اهـ
قلت: وهذا الحديث نص صريح أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، واليوم التاسع منها، وهو يوم عرفة، والله ولي التوفيق.
فقولها: (ما رأيته صائما في العشر قط)؛ يتعذر تأويل بعض العلماء فيه، لأنه صريح في أن النبي r لم يصم مطلقا في أيام العشر من ذي الحجة، وعلى هذا مما جاء أنه ما صام r في جميع العشر هو الأصل فليتأمل.([103])
قال الحافظ ابن رجب / في «لطائف المعارف» (ص392): (وهذا الجمع يصح في رواية من روى: (ما رأيته صائما العشر)، وأما من روى: (ما رأيته صائما في العشر)؛ فيبعد، أو يتعذر الجمع فيه). اهـ
قلت: ولذلك لم يرض الإمام ابن باز / في «الفتاوى» (ج15 ص417) هذه التأويلات لحديث عائشة رضي الله عنها، لأنها غير مقنعة، فقال /: (قد تأملت الحديثين، واتضح لي أن حديث حفصة رضي الله عنها فيه اضطراب([104])، وحديث عائشة رضي الله عنها أصح منه، والجمع الذي ذكره الشوكاني فيه نظر، ويبعد جدا أن يكون النبي r يصوم العشر، ويخفى ذلك على عائشة رضي الله عنها، مع كونه يدور عليها في ليلتين، ويومين من كل تسعة أيام؛ لأن سودة رضي الله عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، وأقر النبي r ذلك، فكان لعائشة رضي الله عنها يومان، وليلتان من كل تسع([105])، ولكن عدم صومه r العشر لا يدل على عدم أفضلية صيامها؛ لأن النبي r قد تعرض له أمور تشغله عن الصوم([106]». اهـ
قلت: وقول الإمام ابن باز /: (ولكن عدم صومه r العشر...) هذا في مقابلة النص، فيغني عن الاجتهاد.
ﭑ ﭑ ﭑ
([1]) فصار المقلدة في التقليد لفلان وعلان؛ مثل: الرافضة الذين يقلدون أئمتهم بدون دراية، وهم يسخرون من الرافضة لمثل هذا التقليد، وهم واقعون في هذا التقليد الأعمى، وهم لا يشعرون!.
([3]) مثل: «الخساف» هذا فإنه غير واسع الاطلاع في العلم بالآثار والأقوال فلا يقبل منه نقله للإجماع في: «صوم يوم عرفة» ولا غيره، فلا يصح منه دعوى الإجماع.
([4]) فالخساف هذا نقل أقوال المذاهب وأدعى الإجماع، وترك أقوال السلف والمتقدمين في عدم مشروعية: «صوم يوم عرفة».
([6]) كذلك إجماع: «الخساف» هذا عارض السنة الصحيحة، والآثار الصحابية، فليس بإجماع ولا يصح، اللهم غفرا.
([7]) فيجب عليه الأخذ بما قام عليه الدليل، وترك ما خالف الدليل، فإذا أخذ بدون دليل، فهذا يعتبر من المقلدين، ولكن إذا عرف أن قولا من الأقوال ليس عليه دليل فلا يأخذ به.
([8]) «التواصل المرئي» بصوت الشيخ الفوزان، سنة: (1439هـ).
وانظر: «إعانة المستفيد» له (ج4 ص153 و154).
([9]) فالمقلدون يفتون الناس بزلات العلماء في الأصول والفروع، وهذا الإفتاء هو التزندق والإلحاد في الدين!.
قال الإمام ابن القيم / في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص250): (ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق أو كاد!). اهـ
([10]) وانظر: «مرعاة المفاتيح» للرحماني (ج1 ص356)، و«الموافقات» للشاطبي (ج4 ص90 و91)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج5 ص238)، و«الكاشف عن حقائق السنن» للطيبي (ج1 ص455)، و«مرقاة المفاتيح» للقاري (ج1 ص525).
([11]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (8)، ومسلم في «صحيحه» (16) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
قلت: ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء، والله المستعان.
([13]) وانظر: «الرقائق» لابن المبارك (ج2 ص681)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (ج2 ص26)، و«ذم الكلام» للهروي (ج4 ص281)، و«تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج47 ص460)، و«جمع الجيوش والدساكر» لابن عبد الهادي (ص21).
([14]) غبرات: بالضم ثم التشديد، بقية الشيء.
انظر: «لسان العرب» لابن منظور (ج5 ص3205)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص447).
أخرجه ابن أبي إياس في «العلم والحلم» (ص163)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص161).
وإسناده حسن.
([16]) قلت: وإن مما يوصى به طالب العلم أن يأخذ العلم عن أهله، وذلك بأن يبحث عن العالم العامل بعلمه ... فينظر إلى عبادته لله تعالى، وإلى سيرته وأخلاقه وشمائله؛ هل هي متفقة مع ذلك العلم أو تخالفه؟!، فإن العلم إنما يؤخذ عن العلماء الربانيين، ويحرص على صحبتهم ليتعلم منهم العلم والعمل والأخلاق.
([18]) الإمع: الذي يقول لكل أحد: أنا معك، ولا يثبت على شيء لضعف رأيه، والمقلد في الدين، والمتردد الذي لا يثبت على صنعة، والطفيلي، ويجعل دينه تبعا لدين غيره بلا حجة، ولا برهان.
انظر: «المعجم الوسيط» (ص26)، و«غريب الحديث» لأبي عبيد (ج4 ص49)، و«النهاية» لابن الأثير (ج1 ص170).
قال عبد الله بن مسعود t: (لا يكونن أحدكم إمعة قالوا: وما إمعة؟ قال: يجري مع كل ريح).
أخرجه الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (ص141)، وفي «اعتلال القلوب» (ج1 ص148)؛ بإسناد صحيح.
قال أبو عبيد / في «غريب الحديث» (ج4 ص49): (أصل الإمعة هو الرجل الذي لا رأي له ولا عزم؛ فهو يتابع كل أحد على رأيه ولا يثبت على شيء). اهـ
([19]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (256)، و«تهذيب الكمال» للمزي (ج14 ص70)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج5 ص79)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص165).
([25]) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (94)، و«السير» للذهبي (ج4 ص598)، و«جامع التحصيل» للعلائي (199)، و«تحفة التحصيل» للعراقي (ص155).
([27]) قلت: فالمقلد ليس بعالم بإجماع الفقهاء.
انظر: «قرة الموحدين» للشيخ عبد الرحمن بن حسن (ص26)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج35 ص233)، و«الحاشية على سنن ابن ماجه» للسندي (ج1 ص7).
([29]) المغبون: المنقوص، فالمقلد ينقص عقله، وذكاءه، وتقل فطنته.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص229).
([30]) انظر: «رسالة التقليد» لابن القيم (ص22)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص395)، و«المدخل» لابن بدران (ص388).
([32]) آية المائدة المشار إليها هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون[ [المائدة: 104].
([33]) آية لقمان المشار إليها هي قوله تعالى: ]وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير[ [لقمان: 21].
([41]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج3 ص450)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص234)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1120)، و«رسالة التقليد» لابن القيم (ص22).
([42]) فصار المقلدة في التقليد لفلان وعلان؛ مثل: الرافضة الذين يقلدون أئمتهم بدون دراية، وهم يسخرون من الرافضة لمثل هذا التقليد، وهم واقعون في هذا التقليد الأعمى، وهم لا يشعرون!.
([43]) قلت: وهذا الخلاف محرم، وهو كل ما أقام الله تعالى به الحجة في كتابه، أو على لسان نبييه r منصوصا بينا، فلم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
وانظر: «الرسالة» للشافعي (ص560).
([44]) فالمقلدون يفتون الناس باختلاف المتأخرين في صفة: «الظل»، و«صوم يوم عرفة»، وغير ذلك، وهذه الفتاوى ليست بحجة في الشريعة المطهرة.
([45]) قلت: والذي وقع فيه: «الخساف» من الضلالات بسبب تقليده لزلات العلماء بدون رواية ولا دراية ... وهذا واقع فيه كل المقلدين ... وهذا ما قد أصابنا في هذا العصر الحاضر فيما يتعلق بموضوع الفتاوى من قبل المقلدين؛ فإنهم قد قلدوا المتأخرين من أصحاب المذاهب بحجة أنهم علموا أحكام الدين، فقلدوهم بحجج واهية بالتقليد الأعمى، والتعصب المذهبي المقيت الذي انتشر في العصور المتأخرة انتشارا واسعا، بحيث وقع بسببه الحقد للمخالف وإن كان على الحق!، برغم أن المقلدين يعلمون أن العلماء في الأحكام أنهم يصيبون ويخطؤون في الدين، وقد حذر جميع العلماء من زلات العلماء، نصحا للأمة.
([46]) وإمعانا في التضليل، والتلبيس، والتغرير، فقد دمج هذا: «الخساف» بيانه، وشرحه لكلمات العلماء في: «صوم يوم عرفة» دونما تفصيل، وإظهار لحقيقة أقوالهم في ذلك، وما استدلوا على هذا الحكم من الأدلة!.
([48]) فماذا صنع هذا الحاقد المخذول؛ لقد أطال، وأكثر في «مقاله البالي» من الزخرفة، والتمويه.
قلت: إن من كان هذا حاله حقيق بأن يرثى مآله، ويطرح مقاله.
ولعل المغرورين به يكتشفون حقيقته، فتظهر لهم فعالة سريرته، وتستره.
([49]) وتناقض الخساف، وتلاعبه، وتدليساته ظهرت للجميع عندما أخرج: «مقاله البالي» هذا، وهذا من عجيب أمر هذا المدعي أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه.
([50]) قلت: ولقد كتم هذا «الخساف» من العلم الكثير على صحة عدم: «صوم يوم عرفة»؛ ليسلم له مراده: ]إن هذا لشيء يراد[ [ص: 5].
فلما قرأت: «مقاله البالي» أيقنت بحال هذا الرجل «الخساف»، وانحرافه، وتمويهه، وتلبيسه على العوام في الدين.
([51]) قلت: وهذا «الخساف» ليس له أي ردود على أي جماعة حزبية بدعية: مثل: «الإخوانية»، و«السرورية»، و«القطبية»، و«المرجئة»، وغيرهم ثم يدعي أنه ينصر السنة على مسألة فقهية!، فأين أنت عن الذين ينشرون البدع في البلدان الإسلامية؟!، فاظهر السنة عليهم إن كنت تدعي نشر السنة بذكر الأسماء!.
([52]) وقد قرر هذا «الخساف» لمشروعية: «صيام يوم عرفة» لغير الحاج على ذكر آراء الرجال، ولي أعناق الأحاديث، والآثار؛ للاستدلال بها على هذا القول الغريب الشاذ في الدين؛ وذلك لأن النبي r لم يصمه، ولا الصحابة رضي الله عنهم، وأكثر أهل الحديث!.
([53]) فأين نصرك للسنة، والدفاع عنها في كوارث الأمة في هذا العصر، وردك على: «سلمان العودة»، و«سفر الحوالي»، و«ناصر العمر»، و«عائض القرني»، و«عدنان عرعور»، و«حسن البنا»، و«سيد قطب» وغيرهم الذين دمروا شباب الأمة، فليس لك أي ذكر في الرد على هؤلاء المبطلين، فأصابك الخذلان كما أصاب غيرك في بلد الحرمين، وهذا يدل على أنك على شاكلتهم في الدعوة في الدين.
([54]) قلت: و المعترض هذا يعتبر من العوام المقلدين؛ لأنه لا يعرف في حكم صوم يوم عرفة إلا القول الذي أخذ به، و الحجة في ذلك، فهذا الذي تربى عليه، واعتاده من صغره!.
و«الخساف» هذا لم يعرف إلا القول الآخر، فهو يعتبره شاذا في الدين، وذلك لشدة تعصبه: «لصوم يوم عرفة»، وغفل أن المسألة خلافية، كما غفل غيره.
([55]) قلت: والمعترض «الخساف» هذا لم يأت بشيء جديد في مسألة: «صوم يوم عرفة» في: «مقاله البالي» هذا على الذين سبقوه في ذلك من المقلدة، بل أكثر: «مقاله البالي» أخذه من المقلدة الذين سبقوه في مسألة: «صوم يوم عرفة»: ]تشابهت قلوبهم[ [البقرة: 118].
([56]) وهو يرتمي في أحضان الحزبية في الشرقية، ويتعاون معهم بخفاء ماكر مع إظهاره بزعمه مذهب السلف والسنة؛ فمثله كمثل: «محمد المنجد» الحزبي في الشرقية، بل أخس منه في التلون في الدين، فهو يزن بميزانين، ويكيل بكيلين، ويلعب على الحبلين!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج35 ص414): (فإذا كان الرجل مخالط في السير لأهل الشر يحذر منه). اهـ
([58]) وأما العلماء الذين أفتوا: «بصوم يوم عرفة»، فلهم الاحترام، والتقدير، والأجر على ما بذلوه باجتهاد في الدين.
([63]) الكودن: هو في الأصل البغل، أو الحصان الهجين، ويشبه به الرجل البليد والكذاب، وهو الذي لا يدري ما يخرج من رأسه بسبب تقليده في الدين.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج31 ص560).
قلت: و«الخساف» المتستر هذا من: «فرقة الكودنية» في هذا العصر؛ يعني: من: «فرقة المقلدة».
([64]) والضعف عليه بين في تخريج الأحاديث، والآثار، والحكم عليها بالصحة، أو الضعف.
ولذلك قد اطلع «الخساف» على كتابي: «النجم الوهاج في تضعيف حديث صوم يوم عرفة لغير الحاج»، وما فيه من تخريج الحديث، وأصول أئمة الجرح والتعديل، وتأصيل مسألة السماع واللقيا على طريقة أئمة أهل الحديث، فهابه، وولى مدبرا ولم يعقب، لبلادته في علم الحديث، وعلم العلل!.
([65]) فيذكر الآثار الصحيحة، والآثار الضعيفة، وينشرها على أنها من الدين، وهذا هو الخلط والخبط في العلم.
أخرجه البخاري في «صحيحه» مجزما به في كتاب: «التوحيد» (ج6 ص2738)، وفي «خلق أفعال العباد» تعليقا (332)، والخلال في «السنة» (1001)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص14)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص369)، والحميدي في «النوادر» (ج13 ص504-فتح الباري)، والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1370)، وابن حبان في «صحيحه» (186)، وابن أبي عاصم في «الأدب» (ج13 ص504-فتح الباري)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (520)، والسمعاني في «أدب الإملاء» (ص62)، وابن حجر في «تغليق التعليق» (ج5 ص365)، وابن أبي حاتم في «علل الحديث» (ج2 ص209)، والذهبي في «السير» (ج5 ص346)، وأبو زرعة في «التاريخ» (ج1 ص620) من طرق عن الزهري به.
أخرجه الهروي في «ذم الكلام» (ج2 ص270)، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (ج2 ص19)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص77)، وابن الجوزي في «التحقيق» (ج1 ص23).
وإسناده حسن.
([73]) قلت: والمتعصب يعتبر من العوام المقلدين؛ لأنه لا يعرف في حكم صوم يوم عرفة إلا القول الذي أخذ به، والحجة في ذلك، ولم يعرف القول الآخر لشدة تعصبه لصوم يوم عرفة، وغفل أن المسألة خلافية، كما غفل غيره، وسوف يأتي ذكر الخلاف في هذه المسألة، والله المستعان.
([75]) وانظر: «هدية السلطان إلى مسلمي بلاد اليابان» للمعصومي (ص83)، و«القواعد الحسان بتفسير القرآن» للشيخ السعدي (ص7) القاعدةالثانية: (العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب).
([77]) قلت: فالمقلد لم يأت بشيء جديد عن قومه، فهذا الذي تربى عليه، واعتاده في بلده من سنين طويلة، اللهم غفرا.
([78]) ولذلك لا تغتر بالذين يفتون في التلفاز، أو الجرائد، أو الصحف، فإن أكثرهم من الجهال، وإن أطلق عليهم بالشيوخ، أو العلماء، أو المفكرين، فإن هؤلاء أبعد الناس من المشيخة، والعلم، والفكر السليم ... والإطلاق على هؤلاء بالشيوخ، أو العلماء إنما هذا أشبه بالصوري الشكلي، والله المستعان.
([79]) انظر: «زجر المتهاون بضرر قاعدة المعذرة والتعاون» للدكتور حمد العثمان (ص10).
قلت: ولم يتفطن المقلد المعترض أن هناك من هو أعلم بالحديث ممن أخذ عنهم من قومه ذلك بسبب تفاوت الناس في العلم؛ لأن العلم رتب، ودرجات في الناس، كما قال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف:76]، لم يأخذوا بحكم صوم يوم عرفة لغير الحاج، لضعف حديث أبي قتادة منهم: الصحابة، والتابعون، والبخاري، وابن عدي، والعقيلي، والمقدسي وغيرهم.
([80]) قلت: فالواجب على من يؤصل للدعوة إلى الله، ويقعد لها أن يترك العادات في قومه، ولابد عليه من التفتيش والتنقيب، والله الحسيب!.
([81]) ولا يحل للمفتي أن يفتي في المسألة بقوله: «اختلف العلماء»، أو «اختلف الفقهاء»؛ لأن ذلك قاعدة المتعالمين في الدعوة، اللهم غفرا.
([82]) وانظر: «الحجة في بيان المحجة» لأبي القاسم الأصبهاني (ج2 ص510)، و«السنة» للبربهاري (ص22).
قلت: فنظر المقلد قاصر على الصور لا يتجاوزها إلى الحقائق، فهو محبوس سجن التقليد، مقيد بقيود العادات.
([84]) وهذا يدل بأن حديث أبي قتادة t في فضل صوم يوم عرفة قد أنكره بعض العلماء؛ كما أسلفنا، مما يتبين بأنه غير مجمع على صحته.
([89]) فإذا ثبت الحديث عن النبي r، فلا يلتفت إلى رأي أحد من العلماء، فالقول قول النبي r، والله المستعان.
قال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول[ [النساء:59].
وهذا يدل أن حديث أبي قتادة رضي الله عنه في «صوم يوم عرفة» لغير الحاج، لا يثبت عند علماء الحديث، وإلا لقالوا به.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين / في «رسالة الحجاب» (ص34)؛ وهو يحذر المقلد بغير علم: (وليحذر الكاتب، والمؤلف من التقصير في طلب الأدلة، وتمحيصها، والتسرع إلى القول بغير علم). اهـ
([92]) وهذا فيه نظر، فيشاركهم أهل الأمصار أيضا في هذا العيد، بالذكر، والتكبير، والدعاء، والأكل والشرب، والفرح والسرور، وغير ذلك مما يحصل في العيد.
([93]) قلت: وهذا التكلف في مقابلة النص، فلا يعتد به في الشرع.
قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج8 ص271): (والتنصيص على أن تسمية يوم عرفة، يوم عيد يغني عن هذا التكلف!). اهـ
([96]) فيتوهم أهل التحزب الإجماع في بعض المسائل الفقهية أمام العامة ليشوشوا على أهل الأثر، اللهم غفرا.
([97]) وفنقول: «للخساف» هذا ومن نقل عنهم من المتأخرين أعلم، أو أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بمعرفة صوم النبي r، بل كان كبار الصحابة رضي الله عنهم يسئلونها رضي الله عنها عن صفة صوم النبي r وغيره.
([98]) فأيام العشر من ذي الحجة تشمل يوم عرفة؛ كما هو واضح في الحديث.
انظر: «لطائف المعارف» لابن رجب (ص398).
([102]) قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي / في «تعليقه على التتبع» للدارقطني (ص531): (فالظاهر هو ما رجحه الترمذي /، لكون الأعمش أحفظ لحديث إبراهيم). اهـ
أخرجه أحمد في «المسند» (ج6 ص287) وغيره.
وانظر: «إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج4 ص111).