الرئيسية / سلسلة من النقد العلمي المنهجي / إجمـاع أهل الأسوة بتحريم نكاح متعة النسوة
إجمـاع أهل الأسوة بتحريم نكاح متعة النسوة
بسم الله الرحمن الرحيم
m
إن الحمد لله نحمده ، وتستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد ا عبده ورسوله .
} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون{ [آل عمران: 102].
} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا { [النساء:1].
} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما { [الأحزاب: 70 ـ 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار(1).
إن جريمة الزنا من أقبح الجرائم الخلقية وأعظمها ، والتي نهى الله تعالى عنها ، بل وحذر من مقاربتها ، توقيا من الوقوع فيها(2).
قال الله تعالى: مخاطبا عباده المؤمنين: }ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا{ [الإسراء: 32].
قال ابن القيم رحمه الله في (الداء والدواء) (ص23): ( فأخبر عن فحشه في نفسه ، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول).اهـ
والزنا والإيمان لا يجتمعان في قلب المؤمن الصحيح ، ذلك أن الإيمان الصحيح يحول بين المرء وبين معصية الله تعالى(1).
عن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)(2).
وقرن الله تعالى الزنا بالشرك ، وقتل النفس لخطورة أمره ، فقال تعالى: ]والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون[ [الفرقان: 68].
قال ابن القيم في (الداء والدواء) (ص230) قال الإمام أحمد: (ولا أعلم بعد قتل النفس شيئا أعظم من الزنا)، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله:
]والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب[ [الفرقان:68].
فقرن الزنا بالشرك وقتل النفس ، وجعل جزاء ذلك الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين ما لم يقلع العبد ، ويجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح ، والزنا والإيمان لا يجتمعان في قلب مؤمن واحد ذلك أن الإيمان الصحيح يحول بين المرء وبين معصية الله تعالى.
عن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)(1).اهـ
والزنا تنفر منه الطباع السليمة فضلا عن أن له مخاطر جسيمة على الفرد والمجتمع، ولقد جنت الأمم آثار حصاد هذه الجريمة من الأمراض الفتاكة التي لا علاج لها ، فلا غرو أن شرع الله تعالى لها عقوبة تجتثها من النفوس والتي تتمثل في الجلد بالنسبة لغير المحصن ، والرجم للمحصن.
قال تعالى: ]الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين[ [النور:2].
عن أبي هريرة t قال: (أتى رجل رسول الله r وهو في المسجد فناداه، فقال يا رسول الله : إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ردد عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي r فقال : أبك جنون؟ قال : لا، قال : فهل أحصنت؟ قال : نعم، فقال النبي r: اذهبوا به فارجموه)(2).
هذه العقوبة في الدنيا ، أما في الآخرة فيقول الله تعالى: ] ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب[ [الفرقان:68].
والزنا من كبائر الذنوب ؛ لأن مفسدته من أعظم المفاسد والعياذ بالله ، قال تعالى:]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين [ [النور:3].
وعن عبد الله بن مسعود t قال: سئل النبي r أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك)(1).
وعنأبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان ، وملك كذاب، وعائل مستكبر)(2).
وذكر الذهبي رحمه الله الزنا في (الكبائر) (ص162) في الكبيرة الثانية عشرة ، ثم قال: (الزنا ، وبعضه أكبر إثما من بعض).اهـ
قال ابن القيم رحمه الله في (الداء والدواء) (ص230): (ولما كانت مفسدة الزنى من أعظم المفاسد ، وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب ، وحماية الفروج ، وصيانة الحرمات ، وتوقي ما يوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس ، من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وابنته وأخته وأمه ، وفي ذلك خراب العالم ، كانت تلي مفسدة القتل في الكبر ، ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ، ورسوله r في سنته كما تقدم).اهـ
قلت: وعلق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه.
فقال تعالى: ]قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[[المؤمنون: 1 ـ 7].
قال ابن القيم رحمه الله في (الداء والدواء) (ص231): (وعلق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه فلا سبيل له إلى الفلاح بدونه ، فقال:]قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ... الآيات[ وهذا يتضمن ثلاثة أمور: أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين، وأنه من الملومين ، ومن العادين، ففاته الفلاح ، واستحق اسم العدوان ، ووقع في اللوم، فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها أيسر من بعض ذلك).اهـ
قلت: والمتتبع لنكاح(1) متعة النساء يعتبر متتبعا لهواه .. والمتتبع للهوى ليس أهلا أن يطاع، ولا يكون إماما، ولا متبوعا، ولا داعية، ولا عالما، ولا شيخا.
قال ابن القيم رحمه الله في (روضة المحبين) (ص473): (متبع الهوى ليس أهلا أن يطاع، ولا يكون إماما ، ولا متبوعا ، فإن الله سبحانه وتعالى عزله عن الإمامة ، ونهى عن طاعته.
أما عزله فإن الله سبحانه وتعالى قال لخليله إبراهيم: ]إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين[ [البقرة: 124]. أي : لا ينال عهدي بالإمامة ظالما، وكل من اتبع هواه فهو ظالم كما قال الله تعالى: ] بل اتبع الذين ظلموا أهوائهم بغير علم[[الروم:29].
وأما النهي عن طاعته فلقوله تعالى: ] ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا[ [الكهف:28]، والله سبحانه وتعالى جعل متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن ، فقال تعالى: ] أرأيت من اتخذ إلهه هواه [ [الفرقان:43]).اهـ
وقد حكم السلف الصالح على نكاح متعة النساء بالزنا وإليك الدليل:
عن بسام الصيرفي قال: (سألت جعفر بن محمد عن المتعة – ووصفتها له- فقال لي: ذلك الزنا).
أثر حسن
أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (7/207) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا الأشجعي عن بسام الصيرفي به.
قلت: وهذا سنده حسن ، والإسناد جوده الشيخ الألباني في (الصحيحة) (5/528).
وعن ابن أبي ذؤيب قال: سمعت ابن الزبير يخطب وهو يقول: (إن الذئب يكنى: أبا جعدة(1)، ألا وإن المتعة هي الزنا، ألا وإن المتعة هي الزنا ).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (6/220) من طريق محمد بن بشر ، قال: حدثني عبد الله بن الوليد قال: قال ابن أبي ذؤيب ، به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن عبد البر في (الاستذكار) (16/299).
وعن ربيع بن بسرة بن معبد الجهني عن أبيه: (أنه سئل عن متعة النساء؟ فقال : ما نعلمها إلا سفاح (2)).
أثر صحيح
أخرجه أبو بكر النيسابوري في (الزيادات على كتاب المزني) (ص505) من طريق سعدان بن نصر نا سفيان عن الزهري عن ربيع بن بسرة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه سئل عن متعة النساء، فقال: لا نعلمها إلا السفاح)) يعني: الزنا.
أثر صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (6/219) من طريق ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الجصاص في (أحكام القرآن) (2/147) من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل ويونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن مغيرة عن نوفل عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه سئل عن المتعة، فقال: ذلك السفاح ).
وإسناده حسن في المتابعات.
وعن هشام بن الغاز قال: سمعت مكحولا يقول: (في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل قال: ذلك الزنا).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (6/220) من طريق شبابة بن سوار عن هشام بن الغاز، به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن عبد البر في (الاستذكار) (16/299).
وعن هشام بن عروة أن عروة كان ينهى عن نكاح المتعة ويقول: (هي الزنا الصريح).
أثر صحيح.
أخرجه سعيد بن منصور في (السنن) (1/219) ، وأبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص77) ، والجصاص في (أحكام القرآن) (2/147) من طريق هشام به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
إذا من يجوز نكاح متعة النكاح يعتبر من الشهوانيين المتحايلين على الشرع ، والتحايل على الشرع قد اتفق العلماء على تحريمه.
قال ابن حزم رحمه الله في (مراتب الإجماع) (ص58): (واتفقوا على أنه لا يحل لمفت ، ولا لقاضي أن يحكم بما يشتهي).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (4/222): (لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه ، فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (4/222): (أقبح الحيل ما أوقع في المحارم، أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم).اهـ
فالحيل التي قامت على هدم أصل شرعي ، تحليل ما حرمه الله تعالى ورسوله r ، أو نقض مصلحة شرعية ، قد ذمها علماء الدين قاطبة(1).
والعلماء أطلقوا لفظ الحيل على كل ما يحتال به توصلا إلى مقصد ، سواء كان مرغوبا عنه في الشريعة ، أو مرغوبا فيه.
قال ابن بطة رحمه الله في (إبطال الحيل) (ص31): (وأما من علم الحيلة والمماكرة في دين الله ، والخديعة لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، حتى يخرج الباطل(2) في صورة الحق ، فلا يقال له مفتي ، لأن من كان على ملة إبراهيم وشريعة محمد r ، ومن شرح الله صدره للإسلام ، فقد تيقن علما ، وعلم يقينا أن هذه حيلة لإباحة ما حظره الله ، وتوسعة ما ضيقه الله ، وتحليل ما حرمه(3)، ولفظ حق في ظاهره أريد به باطل في باطنه.
وقد علم المؤمنون ، والعلماء الربانيون ، والفقهاء الربانيون: أن الحيلة على الله وفي دين الله لا تجوز ، وأن فاعلها مخادع لله ولرسوله ، وما يخادع إلا نفسه لا من يعلم السر وأخفى ، ]ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور[ [غافر: 19] ، ]و يعلم ما في أنفسكم فاحذروه[ [البقرة: 235] ، ومن قال: ]إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله[ [آل عمران: 29]، ومن قال: ]ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد[ [ق:16]).اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في (إبطال الحيل) (ص42): (وأصل الحيلة في شريعة الإسلام خديعة ، والخديعة نفاق ، والنفاق عند الله عز وجل أعظم من صراح الكفر ، قال الله عز وجل: ]ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون[ [البقرة: 9].اهـ
وقال ابن بطة رحمه الله في (إبطال الحيل) (ص45): (وتجد الله عز وجل قد حرم الحيلة والخديعة ، وحرمها رسول اللهr وأبطلها).اهـ
قال الإمام أحمد رحمه الله: ( الحيل لا نراها )(3).
وذكره ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) (1/355) ، وذكر أيضا روايات أخرى عن الإمام أحمد نحوها ، وكره الإمام أحمد رحمه الله الحيل كراهة شديدة ، ونص على ذلك مرارا.
والحيل من أخطر الأمور التي تهدد إسقاط المجتمع ، وذلك بإسقاط الأحكام الشرعية.
قال ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) (1/384) عن هذا النوع: (نوع هو محرم ومخادعة لله تعالى ورسوله ، متضمن لإسقاط ما أوجبه وإبطال ما شرعه ، وتحليل ما حرمه ، وإنكار الإمام أحمد وغيره من الأئمة إنما هو لهذا النوع).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (4/66): (تجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة فإن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن ، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة ، فأين من يمنع من الجائز خشية الوقوع في المحرم إلى من يعمل الحيلة في التوصل إليه.
فهذه الوجوه التي ذكرناها وأضعافها تدل على تحريم الحيل والعمل بها ، والإفتاء بها في دين الله ، ومن تأمل أحاديث اللعن وجد عامتها لمن استحل محارم الله ، أو أسقط فرائضه بالحيل ... كقوله: (( لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها))... فهذا يستحل الربا بالبيع ، وذاك يستحل الزنا باسم النكاح ... والله تعالى مسخ الذين استحلوا محارمه بالحيل قردة وخنازير جزاء من جنس عملهم ، فإنهم لما مسخوا شرعه وغيروه عن وجهه مسخ وجوههم وغيرها عن خلقتها ، والله سبحانه وتعالى ذم أهل الخداع والمكر ، ومن يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، وأخبر أن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم، وأخبر عنهم بمخالفة ظواهرهم لبواطنهم ، وسرائرهم لعلانيتهم ، وأقوالهم لأفعالهم ، وهذا شأن أرباب الحيل المحرمة ، وهذه الأوصاف منطبقة عليهم ،فإن المخادعة هي الإحتيال والمراوغة بإظهار أمر جائز ليتوصل به إلى أمر محرم يبطنه).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (4/59): (أبطل أنواعا(1) من النكاح الذي يتراضى به الزوجان سدا لذريعة الزنا فمنها: النكاح بلا ولي فإنه أبطله سدا لذريعة الزنا ... ومن هذا تحريم نكاح التحليل الذي لا رغبة للنفس فيه في إمساك المرأة واتخاذها زوجة بل له وطر فيما يقضيه بمنزلة الزاني في الحقيقة وإن اختلفت الصورة ، ومن ذلك تحريم نكاح المتعة(2) الذي يعقد فيه المتمتع على المرأة مدة يقضي وطره منها فيها فحرم هذه الأنواع كلها سدا لذريعة السفاح ، ولم يبح إلا عقدا مؤبدا يقصد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه ، ويكون بإذن الولي وحضور الشاهدين أو ما يقوم مقامهما من الإعلان ، فإذا تدبرت حكمة الشريعة وتأملتها حق التأمل رأيت تحريم هذه الأنواع من باب سدا للذرائع ، وهي من محاسب الشريعة وكمالها).اهـ
وقال الشاطبي رحمه الله في (الموافقات) (3/109): (الحيل في الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة في الجملة ، والدليل على ذلك ما لا ينحصر من الكتاب والسنة ، لكن في خصوصات يفهم من مجموعها منعها والنهي عنها على القطع).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (أعلام الموقعين) (5/90): (ومما يدل على التحريم أن أصحاب رسول الله أجمعوا على تحريم الحيل وإبطالها ، وإجماعهم حجة قاطعة ، بل هي من أقوى الحجج وآكدها).اهـ
ومن أوضح الأدلة في بطلان الحيلة في الأحكام نهي رسول الله r عنها وإليك الدليل:
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)
حديث صحيح
أخرجه ابن بطة في (إبطال الحيل) (ص47) من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، به.
قلت: وهذا سنده صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال (التهذيب) غير أبي الحسن أحمد بن محمد بن سلم ، ووثقه الخطيب البغدادي.
انظر (الإرواء) للشيخ الألباني (5/375).
قال ابن تيمية رحمه الله في (الفتاوي الكبرى) (3/124): (هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ، ويحسنه تارة ، ومحمد بن مسلم المذكور مشهور ثقة ، ذكره الخطيب في (تاريخه) كذلك ، وسائر رجال الإسناد أشهر من أن يحتاج إلى وصفهم ، وقد تقدم ما يشهد لهذا الحديث من قصة أصحاب السبت).اهـ
وقال ابن كثير رحمه الله في (تفسيره) (1/111): (هذا إسناد جيد ، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ، وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح).اهـ
والحديث جود إسناده ابن القيم في (إغاثة اللهفان) (1/384).
قلت: وهذا الحديث بيان بطلان كل حيلة يحتال بها للتوصل إلى المحرم(1).
قال ابن تيمية رحمه الله في (الفتاوي الكبرى) (3/124): (وهذا نص في تحريم استحلال محارم الله بالاحتيال).اهـ
وقال الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (6/187 ـ مجلة البحوث): (وهذه دعاية سافرة إلى فتح أبواب الزنا والتوسع فيه مما يجعل الشباب ينصرفون عن النكاح الشرعي ، وكانت هذه القضية هي مما عفا عليه الأثر ، ولم يبق عند كافة علماء المسلمين أي اهتمام بها ولا ذكر لكونها معلومة البطلان بواضح الكتاب والسنة والإجماع).اهـ
قلت: وهذا كله ذكرناه مقدمة بين يدي تحريم الفواحش من نكاح متعة النساء وغيره ، ووجوب حفظ الفرج من الحرام(1).
قال أبو الفتح المقدسي رحمه الله في (تحريم نكاح المتعة) (ص123): (ثبت تحريمها من جميع هذه الوجوه ، ولم يستحلها بعد ما تقدم بيانه إلا جاهل ، أو معاند عرف الحق فعانده ، وأيهما كان فمذموم في الشريعة ، ملوم على ارتكابه ، والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل ، ومراعاة الشريعة أولى من تقليد الناس ، والرجوع إلى السواد الأعظم ـ وهم أهل الحق ـ أولى من الإنفراد والشذوذ).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) (5/74): (فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال ، وأن لا يخلصه من الله ما أظهره مكرا وخديعة من الأقوال والأفعال ، وأن يعلم أن لله يوما تكع فيه الرجال ، وتنسف فيه الجبال ، وتترادف فيه الأهوال ، وتشهد فيه الجوارح والأوصال ، وتبلى فيه السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، ويصير الباطل فيه ظاهرا ، والسر علانية ، والمستور مكشوفا ، والمجهول معروفا ، ويحصل ويبدو ما في الصدور ، كما يبعثر ويخرج ما في القبور ، وتجري أحكام الرب جل جلاله هنالك على القصود والنيات ، كما جرت أحكامه في هذه الدار على ظواهر الأقوال والحركات ، يوم تبيض وجوه بما في قلوب أصحابها من النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ، وما فيها من السر والصدق ، والإخلاص للكبير المتعال ، وتسود وجوه بما في قلوب أصحابها من الخديعة ، والغش ، والكذب ، والمكر(2)، والاحتيال، هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم يلعبون ]وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون[ [الأنعام:123]).اهـ
والله ولي التوفيق ، وإليه نرغب في العفو والغفران وحسن العاقبة في جميع الأمور ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا.
أبو عبد الرحمن
فوزي بن عبد الله بن محمد ا لحميدي الأثري
$$$
ذكر الدليل على أن نكاح متعة النساء(1)
هو الزنا الصريح
لقد حرم الإسلام بعض المنكرات بالتدريج ، فمثلا حرم الخمر بالتدرج ، أما الزنا فقد حرمه من أول الأمر ، وهذا يدل على شناعة الزنا، وكبر جريمته في الإسلام.
قال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن[[الأعراف:33].
قال ابن القيم رحمه الله في (مفتاح دار السعادة) (2/329) في تفسير هذه الآية: (هذا دليل على أنها فواحش في نفسها ، لا تستحسنها العقول ، فعلق التحريم بها لفحشها ـ ثم يقول ـ: ومن هذا قوله تعالى:
}ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا{ [الإسراء: 32].اهـ
فوصف الله سبحانه الزنا بأنه فاحشة من دون تخصيص قبل ورود النهي أو بعده لكبر مفاسده.
قال الجصاص رحمه الله في (أحكام القرآن) (3/300): (وفيه دليل على أن الزنا قبيح في العقل قبل ورود السمع ؛ لأن الله سماه فاحشة ، ولم يخصص به حالة قبل ورود السمع أو بعده ).اهـ
وقال السعدي رحمه الله في (تفسيره) (4/275): (ووصف الله الزنا وقبحه بأنه } كان فاحشة { أي: إنما يستفحش في الشرع والعقول ، والفطر ، لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله ، وحق المرأة ، وحق أهلها ، أو زوجها ، وإفساد الفراش ، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد). اهـ
ومما يدل على قباحة الزنا عند العقل السليم أن الطبائع السليمة كانت تأباه حتى قبل ورود النهي عنه.
عن عثمان بن عفان t قال: (فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام ولا قتلت نفسا مسلمة ولا ارتددت منذ أسلمت).
أثر صحيح
أخرجه ابن ماجة في (سننه) (2/847) من طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن عثمان بن عفان .. فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال تعالى: ]الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين[ [النور:3].
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (5/389): (هذا بيان لرذيلة الزنا ، وأنه يدنس عرض صاحبه ، وعرض من قارنه وما زجه ، ما لم يفعله بقية الذنوب). اهـ
والمراد من الآية تنفير المؤمنين من الذكور والإناث من مناكحة الزناة ، ذكورا وإناثا ، زجرا لهم عن الفاحشة ، ولذلك قرن الزنا والشرك(1).
ولذلك لا يجوز الزواج من الزانية إلا بشرطين:
الشرط الأول: العلم باتقضاء العدة.
الشرط الثاني: العلم بتوبتها.
قال ابن قدامة رحمه الله في (المغني) (6/601): (وإذا زنت المرأة لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين:
أحدهما: انقضاء عدتها.
والشرط الثاني: أن تتوب من الزنا) انتهى باختصار.
قال السعدي رحمه الله في (تفسيره) (5/389): (معنى الآية أن من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة ولم يتب من ذلك ، أن المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو:
إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله ، فذلك لا يكون إلا مشركا ، وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زان مسافح ، فلو كان مؤمنا بالله حقا لم يقدم على ذلك(1)، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب).اهـ
وقال ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد)(4/7): (وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور ، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك ، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أولا ، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك ، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ، ثم صرح بتحريمه فقال: ]وحرم ذلك على المؤمنين[).اهـ
وقال تعالى:]إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان(2)[ [المائدة:5].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الفتاوي الكبرى) (32/132): (والمسافح الزاني الذي يسفح ماءه مع هذه ، وهذه ، وكذلك المسافحة ، والمتخذ الخدن ، الذي تكون له صديقة يزني بها دون غيره، فشرط في الحل أن يكون الرجل غير مسافح ولا متخذ خدن).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الفتاوي)(32/120): (وإن استحلت ـ يعني الزانية ـ ما حرمه الله كانت مشركة).اهـ
وقال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (6/189 ـ مجلة البحوث): (وبه يعلم أن نكاح المتعة هو من قبيل متخذات بها أخدان بحيث يختص بها واحد دون مشارك في زمن محدود كما هو الواقع من فعل كثير من النساء الزواني يراعين التستر).اهـ
إذا الإفتاء بجواز المتعة فيها الدعوة الصريحة إلى الزنا والفاحشة باسم نكاح المتعة.
قلت: وفي ذلك إشاعة للفاحشة، ودعوة إلى إتيان الفاحشة، والإخبار عنها، لهذا حرم الله تعالى إشاعة الفاحشة.
قال تعالى: ]إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون[ [النور: 19].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (تفسير هذه الآية) في تفسير سورة النور (ص65): (وهذه الآية ذم لمن يحب ذلك، وذلك يكون بالقلب فقط، ويكون مع ذلك باللسان والجوارح، وهو ذم لمن يتكلم بالفاحشة أو يخبر بها محبة لوقوعها في المؤمنين، إما حسدا، أو بغضا، وإما محبة للفاحشة وإرادة لها، فكل من أحب فعلها ذكرها).اهـ
وقال تعالى: ]قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى إن الله خبير بما يصنعون[ [النور: 30].
قال القرطبي في (جامع أحكام القرآن) (12/223) في تفسير هذه الآية: (هو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعمر طرق الحواس إليه ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ، ووجب التحذير منه وغضه واجب عن جميع المحرمات ، وكل ما يخشى الفتنة من أجله).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (تفسير سورة النور) (ص123): (فالنظر داعية إلى فساد القلب .. فلهذا أمر الله تعالى بحفظ الفروج ، كما أمر بغض الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك).اهـ
وقال القاسمي رحمه الله في (تفسيره) (12/450): (وقدم سبحانه وتعالى غض البصر على حفظ الفرج ؛ لأن النظر بريد الزنا ، وغض البصر من أجل الأدوية لعلاج القلب وفيه حسم لمادتها).اهـ
قلت: فالزنا فاحشة تنفر منه الطبائع السليمة ، لما فيه من مفاسد عديدة من اختلاط الأنساب ، وقطع الأرحام ، وتقويض الحياة العائلية ، وتشتيت الأسرة ، وانتشار الأمراض الجنسية ، وضعف بنية الشباب ، وانتشار الجرائم وغير ذلك(1).
ولذلك قرن الله تعالى الزنا بالشرك وقتل النفس لخطورة أمره.
فقال تعالى: ]والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون[ [الفرقان:68].
قال ابن القيم رحمه الله في (روضة المحبين) (ص366): (الزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين ، وذهاب الورع ، وفساد ا لمروءة ، وقلة الغيرة ، فلا تجد زانيا معه ورع ، ولا وفاء بعهد ، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق ، ولا غيرة تامة على أهله.
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم ، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة.
ومنها: سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.
ومنها: ظلمة القلب ، وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له.
ومنها: الفقر اللازم ، ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ، ويسقطه من عن ربه ، ومن أعين عباده.
ومنها: أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعداله، ويعطيه أصدادها كاسم الفاجر والفاسق والزنى والخائن.
ومنها: أنه يسلبه اسم المؤمن كما في (الصحيحين) عن أبي هريرة عن النبي r أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فسلبه اسم الإيمان المطلق ، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان.
ومنها: أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي r فيه الزناة والزواني.
ومنها: أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة كما قال تعالى: ]الخبثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات[ [النور: 24 ـ 26].
ومنها: الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني ، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه ، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ، ومن جالسه استأنس به ، والزاني تعلو وجهه الوحشة ومن جالسه استوحش به.
ومنها: قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له ، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم ، بخلاف العفيف فإنه يرزق المهابة والحلاوة.
ومنها: أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ولا يأمنه أحد على حرمته ولا على ولده (1)...).اهـ
قلت: فزاني يتبع هواه ، ومن اتبع هواه فهو من الظالمين.
قال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص: 28 و 50].
ونقل ابن القيم في (الداء والدواء) (ص230) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: (ولا أعلم بعد قتل النفس شيئا أعظم من الزنا ، وقد أكد سبحانه حرمته بقوله: ]والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب[ [الفرقان:68]، فقرن الزنا بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في النار في العذاب المضاعف المهين ما لم يقلع العبد، ويجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، والزنا والإيمان لا يجتمعان في قلب مؤمن واحد ذلك أن الإيمان الصحيح يحول بين المرء وبين معصية الله تعالى.
عن أبي هريرة t قال: قال النبي r: (( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، والتوبة معروضة بعد )).اهـ
والزنا تنفر منه الطباع السليمة فضلا عن أن له مخاطر جسيمة على الفرد والمجتمع ، ولقد جنت الأمم آثار حصاد هذه الجريمة من الأمراض الفتاكة التي لا علاج لها.
قلت: ومما يدل على شفاعة الزنا أيضا أنه يؤثر تأثيرا سيئا في مرتكبه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن).اهـ
أخرجه البخاري في (صحيحه) (8/20) وابن البختري في (حديثه) (ص462) ، والنسائي في (السنن الكبرى) (6/403) وفي (السنن الصغرى) (8/63) ، والطبري في (تهذيب الآثار) (2/605) ـ مسند ابن عباس) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (11/244) ، والبزار في (المسند) (1/74 ـ الزوائد) ، جميعا من طرق عن عكرمة عن ابن عباس به.
قال عكرمة: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: (كيف ينزع الإيمان منه ؟ قال: هكذا ـ وشبك بين أصابعه ثم أخرجها ـ فإن تاب عاد إليه هكذا ـ وشبك بين أصابعه ـ)(1).
وعن ابن طاووس ، قال: قال أبي ـ طاووس ـ: (( إذا فعل ذلك زال عنه الإيمان، قال: فقال الإيمان كالظل، أو نحو ذلك ))(2).
والمراد من ذلك بأن الإيمان يخرج منه وقت ارتكابه جريمة الزنا، ولكنه لم يخرج خروجا مطلقا، وإنما خرج عن فاعل هذا العمل حين فعله.
قال ابن بطة رحمه الله في (الإبانة الكبرى) (2/720): (فهذه الأخبار وما يضاهيها ... كلها تدل على نقص الإيمان ، وعلى خروج المرء منه عند مواقعة الذنوب والخطايا).اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تعليقه على (صحيح مسلم) (1/246): (أن النبي r نفى الإيمان عن فاعل هذه الأعمال ، ولكنه لم ينفه نفيا مطلقا ، وإنما نفاه عن فاعل هذه الأعمال حين فعلها ، وذلك أنه حين يقدم على هذه المعاصي ـ مع علمه بأن الله حرمها ونهى عنها ـ يكون في تلك الحال ، وفي تلك اللحظة مسلوب الإيمان ؛ لأنه لو آمن ، أو لو كان عنده الإيمان لم يتجرأ على ما حرم الله.
فنجد الزاني حين يزني ـ مثلا ـ تجده في تلك اللحظة ، ليس عنده الإيمان الذي يردعه عن الزنا ...).اهـ
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: )لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن(.
أخرجه البخاري في (صحيحه)(5/119)، وفي (10/30) وفي (12/58)، ومسلم في (صحيحه)(1/76)، والدارمي في (المسند)(2/87)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(ج8 ص6 و11)، وفي (الإيمان)(ص12)، وعبد الرزاق في (المصنف)(7/416)، وأبو داود في (سننه)(5/64)، والترمذي في (سننه)(5/15)، والنسائي في (السنن الكبرى)(6/402)، وفي (السنن الصغرى)(8/313)، وابن ماجة في (سننه)(2/1299)، وأحمد في (المسند)(ج2 ص243 و317 و386)، وابن الجعد في (المسند) (1/447)، وابن مندة في (الإيمان)(2/575)، والبيهقي في (السنن الكبرى)(10/186)، وفي (معرفة السنن والآثار)(12/482)، وفي المدخل (ص237)، وفي (شعب الإيمان)(4/351)، وفي (الإعتقاد) (ص335)، والبغوي في (شرح السنة)(1/87)، وابن بشران في (الأماني)(2/241)، وابن أبي عاصم في (الزهد)(ص43)، والشجري في (الأمالي)(ص30)، والمروزي في (تعظيم قدر الصلاة)( /534)، وابن بطة في (الإبانة الكبرى)(2/706)، وأبو عوانة في (المستخرج)(1/20)، وهمام بن منبه في (صحيفته)(2/818)، وابن المقرئ في (المعجم)(ص43)، وابن حبان في (صحيحه)(1/205)، واللالكائي في (الاعتقاد)(6/ 1015)، والذهبي في (السير)(14/294)، وأبو عمر العدني في (الإيمان)(77)، وأبو الحسن الحربي في (الفوائد المنتقاة)(ص459)، والحميدي في (المسند)(1128)، وابن راهويه في (المسند)(ص177)، والآجري في (الشريعة)(112 و113)، وأبو نعيم في (الحلية)(3/322)، وفي (المستخرج)(1/144)، والدارقطني في (العلل)(9/343و345)، والقطيعي في (جزء الألف دينار)(ص252)، والخرائطي في (مساوئ الأخلاق)(ص187)، وأبو الشيخ في (طبقات المحدثين بأصبهان) (3/546)، وفي (أحاديثه)(ص133)، والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)(2/142)، وابن جماعة في (مشيخته)(1/250)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)(53/111)، وفي (معجم شيوخه)(2/623)، وأبوبكر الأنصاري في (المشيخة الكبرى)(3/1223)، وابن الحطاب في (مشيخته) (ص153)، والسعدي في (حديثه)(ص258)، وابن البختري في (حديثه) (ص462)، والقسطلاني في (إرشاد الساري)(5/545)، وأبو إسحاق الفزاري في (السير)(ص304)، وابن أبي زمنين في (أصول السنة) (ص227)، والطبراني في (المعجم الكبير)(13304)، وفي (مسند الشاميين)(4/292)، وفي (المعجم الأوسط)(3/19)، وأبو يعلى في (المسند)(6299)، وتمام الرازي في (الفوائد)(1/89)، وابن عدي في (الكامل)(2/630)، والحر في (الأمالي)(ص)، والحمامي في (الأربعين من فوائده)(ص131)، ونصر المقدسي في (الحجة)(1/39)، والخلال في (السنة)(1274)، والكلاباذي في (معاني الأخبار)(ص218)، والطبري في (تهذيب الآثار)(2/609 ـ مسند ابن عباس)، والبزار في (المسند) (1/75 ـ الزوائد)، وابن الأعرابي في (المعجم)(1/392)، والمزي في (تهذيب الكمال)(12/29)، وابن بجير الذهلي في (حديثه)(ص14)، وابن شاذان في (المشيخة الصغرى)(ص78) جميعا من طرق عن أبي هريرة به.
وعن أبي جعفر محمد الباقر ـ رحمه الله ـ سئل عن قول رسول الله r: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) فقال أبو جعفر: (هذا الإسلام ودور دارة كبيرة ، وهذا الإيمان ودور دارة صغيرة في وسط الكبيرة ، قال: والإيمان مقصور في الإسلام ، فإذا زني وسرق خرج من الإيمان إلى الإسلام ، ولا يخرجه من الإسلام إلا الكفر بالله).
أثر حسن
أخرجه ابن راهويه في (المسند) (ص178) ، والمروزي في (تعظيم قدر الصلاة) (563) من طريق وهب بن جرير بن حازم ، حدثني أبي عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر ، به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وقال شيخنا محمد بن صالح العيثيمين رحمه الله في تعليقه على (صحيح مسلم) (1/247) بعدما ذكر الأقوال توجيه هذا الحديث: (القول الثالث: أنه ينتفي عنه كما الإيمان ، وأن المعنى: (لا يزني حين يزني وهو مؤمن) أي: مؤمن كامل الإيمان ، لكن معه مطلق الإيمان ، وهذا القول هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وقالوا: إن هذه الأعمال التي ذكرها النبي r ليست أعظم من قتل النفس بغير حق عمدا ، ومع ذلك لا يخرج الإنسان من الإيمان بقتل المؤمن عمدا لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر[[البقرة: 178]، والقصاص إنما يثبت إذا كان القتل عمدا ، وفي الأخير قال: ]فمن عفي له من أخيه شيء[[البقرة: 178]، ولو كان يكفر لم تثبت الأخوة ؛ لأن الأخوة الإيمانية لا تثبت مع الكفر أبدا ، وإنما تثبت مع المعاصي التي لا تخرج من الكفر. إذا معنى قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) أي كامل الإيمان ، والذي ألجأنا إلى ذلك النصوص الأخرى المانعة من خروجه من الإسلام بالكلية).اهـ
وقال البيهقي رحمه الله في (شعب الإيمان) (1/179): (وإنما أراد ـ والله تعالى أعلم ـ (وهو مؤمن) مطلق الإيمان ، لكنه ناقص الإيمان بما ارتكب من الكبيرة ، وترك الإنزجار عنها ، ولا يوجب ذلك تكفيرا بالله عز وجل). اهـ
قلت: فالنفي إذا لكمال الإيمان ، والمعنى: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان للأخبار والأحاديث والآثار التي تدل على صحة ما ذكرنا من التأويل الصحيح(1).
قال القسطلاني في (إرشاد الساري) (5/545): (فالمراد سلب كمال الإيمان دون أصله).اهـ
قلت: ومن الأدلة على ذلك حديث المعرور بن سويد قال: سمعت أبا ذر t يحدث عن النبي r أنه قال: (أتاني جبريل عليه السلام، فبشرني أنه من مات من أمتك ، لا يشرك بالله شيئا، دخل الجنة، قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق).
أخرجه البخاري في(صحيحه)(3/110)، وفي (الأدب المفرد) (ص308)، ومسلم في (صحيحه)(1/94)، والترمذي في (سننه)(2644)، والنسائي في(عمل اليوم والليلة)(1122)، وابن ماجة في (سننه)(4630)، وأحمد في (المسند)(5/152)، والدارمي في (المسند) (2770)، والحميدي في (المسند)(140)، وابن حبان في (صحيحه) (169)، والبزار في (المسند)(9/354و402)، والبيهقي في (السنن الكبرى)(10/189)، وفي (الأسماء والصفات)(1/242)، وفي (شعب الإيمان)(2/184)، وفي (البعث)(ص67)، والدارقطني في (الإفراد) (2/268 ـ أطراف الغرائب)، وابن مندة في (الإيمان)(1/220)، والبغوي في (شرح السنة)(54)، والطيالسي في (المسند)(444)، وأبو عوانة في (المستخرج)(1/18)، وابن عبد الهادي الحنبلي في (فضل لا إله إلا الله) (ص76)، والخطيب البغدادي في (التاريخ)(8/376)، وأبو نعيم في (الحلية)(8/325)، وفي (المستخرج)(1/168)، والطبري في (تهذيب الآثار)(2/625 ـمسند ابن عباس)، وابن خزيمة في (التوحيد)(ص344)، والطحاوي في (مشكل الآثار)(10/163).
قلت: لأن الزنا والسرقة من كبائر الذنوب ، لا توجب الخلود في النار ، فيكون مآله إلى الجنة(1).
قال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (1/365): (قوله r: (وإن زنا وإن سرق) على ما تقدم من أن الذنوب لا توجب التخليد في النار ، وأن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة حتما، لكن من له ذنوب في مشيئة الله من معاقبته عليها أو عفوه ، ثم لابد له من دخول الجنة).اهـ
وقال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (1/362): (وقد أشار بعض العلماء أن في هذا الحديث: (لا يزني الزاني..) تنبيها على جميع أبواب المعاصي والتحذير منها ، فنبه بالزنا على جميع الشهوات إذ ورد أن جميع الجوارح تزني ...).اهـ
قلت: ومما يدل على شناعة الزنا أنه موجب للعديد من العقوبات الشديدة في الدنيا بعضها جسدية ، والبعض الآخر معنوية ، ولا يقف الأمر عند هذا ، بل إن هناك عقوبة جماعية لا تقتصر على الزناة وحدهم ، بل تتجاوز إلى الجماعة التي ينتشر فيها الزنا.
إذا لا يقتصر ضرر الزنا على الزناة فقط ، بل يتعدى إلى غيرهم ، فينزل غضب الله تعالى على قوم يكثر فيهم الزنا ، فيكثر فيهم الموت والأمراض وغير ذلك(1).
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما ظهر الغلول(2)، في قوم قط، إلا ألقي في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال، والميزان إلا قطع عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق، إلا فشا فيهم الدم، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو).
أثر صحيح
أخرجه مالك في (الموطأ) (2/460) ، وأبو مصعب الزهري في (الموطأ) (1/362) ، ومحمد بن الحسن في (الموطأ) (ص308) من طريق يحيى بن سعيد ، أنه بلغه عن عبد الله بن عباس به
قلت: وهذا سنده ضعيف لانقطاعه، لكن صح موصولا.
قال ابن عبد البر في (التمهيد) (23/430): (وهذا حديث قد رويناه متصلا عن ابن عباس ، ومثله لا يكون رأيا أبدا).
فأخرجه ابن عبدالبر في (التمهيد) (23/430)، وفي (الاستذكار) (14/212) من طريق شعبة قال: أخبرني الحكم عن الحسن بن مسلم عن ابن عباس قال: (ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان، ولا ظهر البخس في الميزان في قوم إلا ابتلوا بالسنة، ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا أديل(3) منهم عدوهم).
واسناده صحيح
ومن هذا الوجه: أخرجه أبو عمرو الداني في (السنن الواردة في الفتن)(3/685).
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى)(3/346) من طريق معاذ بن أسد المروزي أنبأ الفضل بن موسى السيناني ثنا الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابن عباس به.
وإسناده صحيح.
قال الشيخ الألباني رحمه الله في (الصحيحة) (1/219): (وإسناده صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع ، لأنه لا يقال من قبل الرأي).اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في (الاستذكار) (14/211): (مثل هذا لا يكون إلا توقيفا ؛ لأن مثله لا يروى بالرأي ، وقد روينا هذا الحديث عن ابن عباس متصلا).اهـ
قال ابن القيم رحمه الله في (الطرق الحكمية) (ص28): (هو ـ يعني الزنا ـ من أسباب الموت العام ، والطواعين ـ يعني الأمراض(1) ـ المتصلة).اهـ
وعن عبد الله بن مسعود t قال: (إذا بخس الميزان، حبس القطر، وإذا كثر الزنا، كثر القتل، ووقع الطاعون -الأمراض(2)-، وإذا كثر الكذب، كثر الهرج)
أثر صحيح
أخرجه الحاكم في (المستدرك) (4/503) ، وأبو عمرو الداني في (السنن الواردة في الفتن) (3/690) من طريق سفيان عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل(1) عن عبد الله ، به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحاكم: (صحيح على شرط الصحيحين).
ولذلك فالذين يفعلون متعة النساء في قلوبهم مرض ، قال تعالى: ]في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا[ [البقرة: 10] ، وقال تعالى: ]ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم[ [الحج: 53].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (أمراض القلوب) (ص10): (ومرض البدن: خلاف صحته ، وهو فساد من يكون فيه يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية.
فإدراكه: إما أن يذهب ، كالعمى والصمم ، وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هي عليه ..
وأما فساد حركته الطبيعية: فمثل أن تضعف قوته عن الهضم، أو مثل أن يبغض الأغذية التي يحتاج إليها، ويحب الأشياء التي تضره، ويحصل له من الآلام بحسب ذلك، ولكن ـ مع ذلك المرض ـ لم يمت ولم يهلك به؛ لأن به نوع قوة على إدراك الحركة الإرادية في الجملة، فيتولد من ذلك ألم يحصل في البدن، إما بسبب فساد الكمية أو الكيفية.
فالأول: إما لنقص المادة ، فيحتاج إلى غذاء ، وإما بسبب زيادتها ، فيحتاج إلى استفراغ.
والثاني: كقوة الحرارة والبرودة خارج عن الإعتدال فيداوى.
وكذلك مرض القلب هو نوع فساد يحصل له ، يفسد به تصوره وإرادته.
فتصوره: بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق ، أو يراه على خلاف ما هو عليه.
وإرادته: بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار.
فلهذا يفسر (المرض) تارة بالشك والريب كما فسر مجاهد وقتادة قوله تعالى: ]في قلوبهم مرض[ [البقرة: 10] ، أي: شك
وتارة يفسر بشهوة الزنا كما فسر به قوله تعالى: ]فيطمع الذي في قلبه مرض[[الأحزاب: 32]... وهو مرض الشهوة، فإن القلب الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليها ، بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه ، فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه مرض).اهـ
$$$
ذكر تعريف نكاح المتعة
تعريف نكاح المتعة لغة:
هو المؤقت في العقد ... فالرجل يشارط المرأة شرطا على شيء إلى أجل معلوم، ويعطيها ذلك فيستحل بذلك فرجها ثم يخلي سبيلها من غير تزويج، ولا طلاق(1)
والإستمتاع بالشيء: الإنتفاع به إلى مدة(2).
والمتعة: بكسر الميم وضمها اسم للتمتع ، وهو في الأصل كل شيء ينتفع به، ويتبلغ به، ويتزود به، ويأتي عليه الفناء في الدنيا(3).
قال الأزهري رحمه الله: (سمي نكاح المتعة لانتفاعها بما يعطيها ، وانتفاعه بها لقضاء شهوته ، وكل ما انتفع به فهو متاع ومتعة)(4).اهـ
وقال النووي رحمه الله في (التحرير) (ص257): (المتعة: من التمتع ، وهو الإنتفاع).اهـ
وقال ابن جزي رحمه الله في (القوانين الفقهية) (ص237): (أما المتعة: فهو النكاح إلى أجل ، وهو حرام بعد أن كان حلالا ، ونسخ(5) يوم خيبر خلافا لابن عباس).اهـ
تعريف نكاح المتعة اصطلاحا: هو النكاح لأجل معلوم أو مجهول ، سميت بذلك لأن الغرض منها مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح الشرعي(6).
قال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية) (4/76): (نكاح المتعة: هو النكاح إلى أجل معين ، وهو من التمتع بالشيء).اهـ
قلت: فحقيقة نكاح المتعة: هو أن يقيد عقد المتعة بوقت معين، كأن يقول لها: زوجيني نفسك شهرا، أو تزوجتك مدة سنة، أو نحو ذلك، سواء كان ذلك صادرا أمام شهود أوبمباشرة ولي، أو لا(1).
ثم قال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية) (4/292) عن نكاح المتعة: (هو النكاح إلى أجل معين .. كأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم ، وقد كان مباحا في أول الإسلام ثم حرم ، وهو الآن مباح عند الشيعة!!!).اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في (الكافي) (ص238): (نكاح المتعة باطل مفسوخ ، وهو أن يتزوج الرجل المرأة بشيء مسمى إلى أجل معلوم يوما ، أو شهرا ، أو مدة من الزمان معلومة على أن الزوجية تنقضي بانقضاء الأجل ، والفرقة في ذلك فسخ بغير طلاق قبل الدخول وبعده).اهـ
وقال ابن النقيب رحمه الله في (عمدة السالك) (ص190): (ويحرم على الحر ... نكاح المتعة: وهو أن ينكحها إلى مدة).اهـ
وقال الكلوذاني رحمه الله في (الهداية) (1/313): (نكاح المتعة: وهو أن يتزوجها إلى مدة فهو حرام باطل).اهـ
وقال الباجي رحمه الله في (المنتقى) (3/334): (المتعة: هي النكاح المؤقت مثل أن يتزوج الرجل المرأة إلى سنة، أو شهرا، أو أكثر من ذلك، أو أقل فإذا انقضت المدة فقد بطل حكم النكاح وكمل أمره. قاله ابن المواز، وابن حبيب).اهـ
وقال المباركفوري رحمه الله في (تحفة الأحوذي) (4/267) عن نكاح المتعة: (تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضي وقعت الفرقة).اهـ
وقال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (8/169): (متعة النكاح : هي نكاح المرأة إلى أجل).اهـ
وقال حرب الكرماني في (المسائل) (ص55): (قلت لأحمد: المتعة التي نهي عنها كيف هي؟ قال: هو الأجل أن يتزوج إلى أجل).اهـ
وقال البهوتي رحمه الله في (كشاف القناع) (4/87): (نكاح المتعة: سمي بذلك لأنه يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد ، وهو أن يتزوجها إلى مدة معلومة أو مجهولة ، مثل أن يقول الولي: زوجتك ابنتي شهرا أو سنة....).اهـ
وقال البهوتي رحمه الله في (دقائق أولي النهى) (2/668): (نكاح المتعة: وهو أن يتزوجها ـ أي المرأة ـ إلى مدة أو يشرط طلاقها فيه ـ أي النكاح ـ بوقت كزوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو إلى قدوم الحاج ونحوه ، فيبطل نصا).اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله في (المغني) (7/571): (معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة ، فهذا نكاح باطل نص عليه أحمد فقال: نكاح المتعة حرام).اهـ
وقال محمد إعزاز رحمه الله في (شرح كنز الدقائق) (1/319): (صورة المتعة أن يقول: أتمتع بك ، كذا مدة بكذا من المال).اهـ
وقال علي القاري رحمه الله في (مرقاة المفاتيح) (3/422): (المتعة أن تقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في (الأم) (5/71): (جماع نكاح المتعة النهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما، أو عشرا، أو شهرا، أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد ، أو نكحتك حتى أصيبك ، فتحلين لزوج فارقك ثلاثا، أو ما أشبه هذا ، مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد ، أو يحدث لها فرقة).اهـ
وقال ابن نجيم رحمه الله في (النهر الفائق) (2/200): (وبطل نكاح المتعة: وهو أن يقول لامرأة: أتمتع بك مدة بكذا من المال).اهـ
وقال ابن قائد رحمه الله في (هداية الراغب) (ص530): (نكاح المتعة بأن يتزوجها شهرا، أو سنة، أو يتوزج الغريب بنية طلاقها إذا خرج فيبطل النكاح).اهـ
$$$
ذكر الدليل من القرآن الكريم
على تحريم نكاح متعة النساء
1) قال تعالى: ] قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون ، والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون [ [المؤمنون:1 ـ 7].
قوله: ]لفروجهم[ : الفرج: سوءة الرجل والمرأة.
وقوله: ]حافظون[: حفظه: التعفف عن الحرام.
وقوله: ]ابتغى[: طلب.
وقوله: ]وراء ذلك[:أي غير ذلك.
وقوله: ]العادون[: أي المتناهون في العدوان ، ومجاوزة الحدود الشرعية(1).
ومعنى الآيات: فالذين يحفظون فروجهم في كافة الأحوال ، إلا في حال تزوجهم ... فإنهم حينئذ يكونون غير ملومين أي غير مذنبين.
والمراد بهذا الوصف مدحهم بنهاية العفة ، والإعراض عن الشهوات.
فمن طلب غير الأزواج فأولئك هم العادون يعني الجائرين الظالمين، لأنهم تجاوزوا إلى ما لا يحل(1).
فالآية صريحة في تحريم الإستمتاع بغير الزوجة أو ملك اليمين.
قلت: وعموم هذه الآية يدل على تحريم نكاح متعة النساء، فإنها ليست زوجة شرعية حقيقية(2).
عن الزهري قال: سألت القاسم بن محمد بن أبي بكر عن متعة النساء، فقال: (إني لأرى تحريمها في القرآن، قال: قلت: أين؟ قال:]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ [المؤمنون: 5 ـ 7]
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في (تفسير القرآن)(2/44)، وفي (المصنف) (7/503) من طريق معمر عن الزهري ، قال: فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق أيضا في (المصنف)(7/503)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث)(ص368) من طريق سفيان عن يحيى بن سعيد قال: سئل القاسم بن محمد عن المتعة ، فتلا هذه الآية: ]إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين[
وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ)(ص79) من طريق عبدالله بن صالح عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: قال القاسم بن محمد: وهو يذاكرني ذلك كيف يجرؤن على الفتيا بالمتعـة ، وقد قال الله عز وجل في كتابـه: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلى قوله: ]فأولئك هم العادون[.
وإسناده حسن في المتابعات.
وأخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص79) من طريق أبي الأسود عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم والقاسم مثل ذلك.
وأخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص78) من طريق ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها كانت إذا ذكر لها المتعة قالت: (والله ما نجد في كتاب الله عز وجل إلا النكاح والاستسرار(1)، ثم تتلو هذه الآية: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ [المؤمنون: 5 ـ 7]
وإسناده صحيح.
قال مكي رحمه الله في (الإيضاح) (ص187) بعد ما ذكر قول عائشة هذا: (وهذا قول حسن ؛ لأن المتعة لم تكن زواجا صحيحا ولا ملك يمين).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/194): (وهذا قول بين ؛ لأنه إذا لم تكن تطلق ، ولا تعتد ، ولا ترث فليست بزوجة).اهـ
وعن عبد الله بن عبيدالله بن أبي مليكة يقول: سئلت عائشة رضي الله عنها عن متعة النساء، فقالت: بيني وبينهم كتاب الله عز وجل، وقرأت هذه الآية: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[، فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا).
أثر صحيح.
أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (7/206) ، والحاكم في (المستدرك) (2/305) من طريق أبي العباس محمد بن أحمد المحبومي ثنا أبو الفضل بن عبد الجبار ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا نافع بن عمر قال: سمعت عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، به
قلت: وهذا سنده لا بأس به.
وتابعه الحارث بن أبي أسامة –وهو في المسند (ج8 ص470 – المطالب العالية)- قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا نافع(1) بن عمر عن ابن أبي مليكة به ، وإسناده صحيح.
وقال الحاكم: حديث صحيح.
قلت: وله طريق أخر ذكره البيهقي في (السنن الكبرى) (7/207) عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها.
قال ابن عبد البر رحمه الله في (الاستذكار) (16/297): (وقد نزعت عائشة والقاسم بن محمد وغيرهما في تحريمها ونسخها لقوله تعالى: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ [المؤمنون:1ـ7].
وقال ابن بطال رحمه الله في (شرح صحيح البخاري) (7/225): (وقد نزعت عائشة والقاسم بن محمد في أن تحريمها ونسخها في القرآن ، وذلك أن قوله تعالى: ]والذين هم لفروجهم حافظون[ ، وليست المتعة نكاحا ، ولا ملك يمين).اهـ
وقال ابن مودود الحنفي رحمه الله في (الاختيار) (ج2 ص102): (ونكاح المتعة، والنكاح المؤقت باطل، أما المتعة فلقوله: ]فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ [المؤمنون:7]، وهذه ليست مملوكة، ولا زوجة، أما المملوكة فظاهر، وأما الزوجة فلعدم أحكام الزوجية من الإرث، وانقطاع الحل بغير طلاق، ولا مانع، وقد صح عن علي t ... وما روي في إباحتها ثبت نسخه بإجماع الصحابة، وصح أن ابن عباس رجع إلى قولهم).اهـ
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في (تفسيره) (ص548): ]والذين هم لفروجهم حافظون[ عن الزنا ، ومن تمام حفظها تجنب ما يدعو إلى ذلك ، كالنظر واللمس ونحوهما.
فحفظوا فروجهم من كل أحد ]إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم[ من الإماء المملوكات ] فإنهم غير ملومين [ لقربهما ، لأن الله تعالى أحلهما ] فمن ابتغى وراء ذلك [ غير الزوجة والسرية ]فأولئك هم العادون[ الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه ، المتجرؤون على محارم الله.
وعموم هذه الآية يدل على تحريم نكاح المتعة ، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها ، ولا مملوكة ، وتحريم نكاح المحلل لذلك).اهـ
وقال ابن العربي رحمه الله في (أحكام القرآن) (3/1311): (قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم نكاح المتعة ؛ لأن الله قد حرم الفرج إلا بالنكاح ، أو بملك اليمين ، والمتمتعة ليست بزوجة).اهـ
وقال العسكري رحمه الله في (الأوائل) (ص112): (قوله تعالى: ] فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ المتعة هي وراء ذلك).اهـ
وقال الطبري رحمه الله في (تفسيره) (5/13): (وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام).اهـ
قلت: والمراد بهذا الوصف مدحهم بنهاية العفة والإعراض عن الشهوات(1).
قال الشيخ محمد الألوسي رحمه الله في (روح المعاني) (17/284): (قوله: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين[ وصف لهم بالعفة ، وهو وإن استدعاه وصفهم بالإعراض عن اللغو إلا أنه جىء به اعتناء بشأنه ، ويجوز أن يقال: إن ما تقدم وإن استدعى وصفهم بأصل العفة لكن جىء بهذا لما فيه من الإيذان بأن قوتهم الشهوية داعية لهم إلى ما لا يخفى ، وأنهم حافظون لها عن استيفاء مقتضاها، وبذلك يتحقق كمال العفة).اهـ
قلت: وقوله: حافظون الإستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي: حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إلا حال كونهم والين، أو قوامين على أزواجهم بنكاح شرعي(1).
وقال ابن كثير رحمه الله في (تفسيره) (3/249): (وقوله: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[: أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولوط ، لايقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطي ما أحله الله له فلا لوم عليه ، ولا حرج ولهذا قال: ]فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك[ أي غير الأزواج والإماء ]فأولئك هم العادون[ أي المعتدون ).اهـ
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في (أضواء البيان) (5/759): (قوله تعالى: ]والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[
ذكر جل وعلا في هذه الآيات الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ، ويخلدون فيها حفظهم لفروجهم: أي من اللواط والزني ، ونحو ذلك ، وبين أن حفظهم فروجهم ، لا يلزمهم عن نسائهم الذين ملكوا الإستمتاع بهن بعقد الزواج أو بملك اليمين.
والمراد به التمتع بالسراري ، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجه أو سريته لا لوم عليه ، وأن من ابتغى تمتعا بفرجه ، وراء ذلك غير الأزواج والمملوكات فهو من العادين: أي المعتدين ، المعتدين حدود الله ، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه).اهـ
قلت: فمن فعل متعة النساء، أو جوزها فهو من العادين المعتدين ، المعتدين حدود الله ، المجاوزين ما ما أحله الله إلى ما حرمه.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في (أضواء البيان) (5/772): (أن هذه الآية التي هي قوله تعالى: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم[ تدل بظاهرها على منع نكاح المتعة ؛ لأنه جل وعلا صرح فيها بما يعلم منه وجوب حفظ الفرج عن غير الزوجة والسرية ، ثم حرم بأن المبتغي وراء ذلك من العادين بقوله: ]فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[ وأن المرأة المستمتع بها في نكاح المتعة ليست زوجة ولا مملوكة.
أما كونها غير مملوكة فواضح، وأما الدليل على كونها غير زوجة، فهو انتفاء لوازم الزوجية عنها كالميراث والعدة والطلاق والنفقة، ونحو ذلك، فلو كانت زوجة لورثت، واعتدت ووقع عليها الطلاق، ووجبت لها النفقة ، فلما انتفت عنها لوازم الزوجية علمنا أنها ليست بزوجة؛ لأن نفى اللازم يقتضي نفي الملزوم بإجماع العقلاء.
فتبين بذلك أن معنى نكاح المتعة من العادين المجاوزين ما أحل الله إلى ما حرم. وقد أوضحنا ذلك في سورة النساء بأدلة الكتاب والسنة، وأن نكاح المتعة ممنوع إلى يوم القيامة).اهـ
2) وقال تعالى: ] وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما، ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم [ [النساء: 23 و24 و25].
قلت: التأويل الصحيح في قوله تعالى: ]فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة[ [النساء: 24]، هو النكاح المشروع الحلال، فإذا عقد النكاح بشاهدين وولي عند القاضي، ولم يدخل، فقد استمتع بالعقدة، فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق، وإن دخل بها، فلها الصداق كله؛ لأنه قد استمتع بها المتعة الشرعية الكاملة(1).
وقال الجصاص رحمه الله في (أحكام القرآن) (2/148) في قوله تعالى: ]فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن[(2): (وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى: ]وأحل لكم ما وراء ذلك[ وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة ؛ لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الإستمتاع بيانا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق.
والثاني: قوله تعالى: ]محصنين[: والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح ؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ، ولا يتناوله هذا الإسم فعلمنا أنه إراد النكاح.
والثالث: قوله تعالى:] غير مسافحين[ فسمى الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ، ووجوب العدة ، وبقاء الفراش إلى أن يحدث له قطعا ، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا ، ويشبه أن يكون من سماها سفاحا ذهب إلى هذا المعنى إذ كان الزاني إنما سمي مسافحا ؛ لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلا من غير استلحاق نسب به ، فمن حيث نفي الله تعالى بما أحل من ذلك ، وأثبت به الإحصان اسم السفاح وجب أن لا يكون المراد بالإستمتاع هو المتعة إذ كان في معنى السفاح ، بل المراد به النكاح).اهـ
قال ابن عبد البر رحمه الله في (التمهيد) (10/119): (وذهب جماعة من أهل العلم، قالوا: فما استمتعتم به منهن بالنكاح والوطء، فآتوهن أجورهن وهو الصداق كاملا، وإن استمتعتم بالنكاح ولم تطؤا فنصف الصداق).اهـ
وقال الأزهري رحمه الله في (معجم تهذيب اللغة) (4/3335): (أما قول الله جل وعز في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء فقال :]وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين[ [النساء: 24] ، أي: عاقدين النكاح الحلال غير زناة ]فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة[ فإن أبا إسحاق الزجاج ذكر أن هذه آية قد غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة ، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن قوله تعالى:
]فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة[ من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام وإنما معنى ]فما استمتعتم به منهن[: فما تكتموه منهن على الشريطة التي جرت في ا لآية ، أنه الإحصان ]أن تبتغوا بأموالكم محصنين[ أي: عاقدين التزويج أي: ]فما استمتعتم به منهن[ على عقد التزويج الذي جرى ذكره ]فآتوهن أجورهن فريضة[ أي: مهورهن. فإن استمتع بالدخول بها آتى المهر تاما ، وإن استمتع بعقد النكاح آتى نصف المهر. قال: والمتاع في اللغة: كل ما انتفع به ، فهو متاع).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/191): (قال جماعة من العلماء: كانت المتعة حلالا ، ثم نسخ الله تعالى ذلك بالقرآن.
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/199): (فقد صح من الكتاب والسنة التحريم ، ولم يصح التحليل من الكتاب لما ذكرنا من قول من قال: إن الإستمتاع النكاح).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/199): (فالتقدير في العربية: ]فما استمتعتم به[ ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك، فأعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه، أو تهب منه، وقيل التقدير:]فما استمتعتم به[ و(ما) بمعنى: (من)، وقيل التقدير:]فما استمتعتم به[ من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا، أو النصف، إن لم يدخل بها).اهـ
ويؤيده: قوله تعالى: ]والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين(1)[[النساء:24].
فقوله: ]محصنين غير مسافحين[ أي محصنين غير زناة(2).
قال ابن تيمية رحمه الله في (القواعد الكلية) (ص206): (ومعلوم أن كون القول أو الفعل يدل على مقصود العقد: لا يختص به المسلم دون الكافر.
وإنما اختص المسلم بأن الله أمر في النكاح بأن يميز عن السفاح، كما قال: ] محصنين غير مسافحين ولا متخذات أخدان[ (1) [النساء: 25]، فأمر بالولي والشهود ونحو ذلك مبالغة في تمييزه عن السفاح ـ يعني الزنا ـ وصيانة النساء عن التشبه بالبغايا(2)، حتى شرع فيه الضرب بالدف، والوليمة الموجبة تشهد له ... وأمر فيه بالإشهاد، أو بالإعلان، أو بهما جميعا).اهـ
وقال المازري رحمه الله في (المعلم بفوائد مسلم) (2/86): (ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت أنه نسخ بما ذكر من الأحاديث ... وتقرر الإجماع على منعه ، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة ، وتعلقوا بالأحاديث الواردة في ذلك ، وقد ذكرنا أنها منسوخة ... وقد يتعلق بقوله: ]فما استمتعتم به منهن[ [النساء: 24]، ويحمل ذلك عندنا على النكاح الجائز المؤبد).اهـ
وقال الجصاص رحمه الله في (أحكام القرآن) (2/148): (قوله تعالى: ] محصنين[ : والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح ؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ، ولا يتناوله هذا الإسم فعلمنا أنه أراد النكاح ... وقوله تعالى: ]غير مسافحين[ فسمى الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ، ووجوب العدة ، وبقاء الفراش).اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة) (2/155): (فليس في الآية نص صريح بحلها. فإنه تعالى قال: ]وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح..[ الآية الكريمة. فقوله: ]فما استمتعتم به منهن[ متناول لكل من دخل بها ، أما من لم يدخل بها فإنها لا تستحق إلا نصفه. وهذا كقوله تعالى: ]كيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا [فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لإقرار الصداق ، فبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى ، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى ، فلا بد أن تدل الآية على المؤبد ، إما بطريق التخصيص وإما بطريق العموم.
يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح الإماء ، فعلم أن ما ذكر كان في نكاح الحرائر مطلقا...
وأيضا فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين ، والمتمتع بها ليست واحدة منهما ، فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ، ولوجب عليها عدة الوفاة ولحقها الطلاق الثلاث ، فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى ، فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح ؛ لأن انتفاء اللام يقتضي انتفاء الملزوم.
والله تعالى إنما أباح في كتابه الزواج وملك اليمين وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالـى: ]والذين هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون[، والمستمتع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حراما بنص القرآن ، أما كونها ليست بمملوكة فظاهر ، وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها ، فإن من لوازم النكاح كونه سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث ، وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوازم. فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة؟ قيل: نكاح الذمية عندهم لا يجوز. ونكاح الأمة إنما يجوز عند الضرورة وهم ـ يعني الشيعة ـ يبيحون المتعة مطلقا).اهـ
$$$
ذكر الدليل من السنة النبوية على
تحريم نكاح متعة النساء
1) عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب t قال: (أن رسول الله r نهى عن متعة النساء يوم خيبر(1)، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية).
وفي رواية عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب t يقول: لابن عباس: (نهى رسول الله r عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية).
وفي رواية (وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (6/553)، ومسلم في (صحيحه) (2/1028)، والدارقطني في (السنن) (3/358)، وفي (العلل) (4/115)، وأبو عبد الله الثقفي في (الفوائد العوالي) (ق/55/ط)، والخطيب في (تاريخ بغداد (6/102)، وفي (الأسماء المبهمة) (ص177)، والخلدي في (حديثه) (ص286)، والشافعي في (المسند) (ص162)، وفي (اختلاف الحديث) (ص155)، والنسائي في (السنن الكبري) (3/106)، والدارمي في (المسند) (2/140)، والبيهقي في (المعرفة) (10/174)، وابن الجارود في (المنتقى) (ص175)، والحازمي في (الناسخ والمنسوخ) (2/638)، والدوري في (ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس (ص39)، وابن مردويه في (المنتقى) (ص320)، وسعيد بن منصور في (السنن) (1/218)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) (2/195)، وفي (أماليه) (ص421)، وأبو الشيخ في (ذكر الأقران) (ص76)، وابن جماعة في (مشيخته) (1/345) والعلائي في (بغية الملتمس) (195)، وحرب الكرماني في (مسائله) (ص55)، والزيات في (حديثه) (ق/12/ط)، وأبو عوانة في (المستخرج) (5/158)، وابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة) (ص815)، ومحمد بن الحسن في (الموطأ) (ص197)، وابن ا لأعرابي في (المعجم) (1343)، والتاريخ السبكي في (معجم شيوخه) (ص487)، والحميدي في (المسند) (37)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (435)، والثعلبي في (الكشف والبيان) (3/287)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم انكاح المتعة) (ص23)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/96) وافي (الإستذكار) (6/285)، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (11/457) ، وأبو نعيم في (المستخرج) (2/71)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (4/292)، والعسكري في (ألأوائل ـ تعليقا) (ص112)، وابن البهلول في (حديثه) (ق/126/ط)، وابن البخاري في (مشيخته) (2/1375)، وابن عساكر في (الأربعين حديثا من المساواة) (ص179) وفي (تاريخ دمشق) (13/373) ، (32/367و368) ، وأبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص75)، ابن الجوزي في (إخبار أهل الرسوخ ـ تعليقا) (ص31) وفي (جامع المسانيد) (6/1143)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (4/202) من طريق الزهري عن الحسن وعبد اللهابني محمد بن علي عن أبيهما به.
وأخرجه البخاري في (صحيحه (4/1544) دون ذكر ابن عباس فيه ، ومسلم في (صحيحه) (2/1027) ، والترمذي في (سننه) (3/421) ، والنسائي في (السنن الكبرى) (3/160) ، وفي (السنن الصغرى) (7/202) ، وابن ماجة في (سننه) (1/360) ، وأبو مصعب في (الموطأ) (1/594) ، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص26) ، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (433) ، والخلدي في (حديثه) (ص285) ، وعبد الرزاق في (المصنف) (7820) ، وابن الأعرابي في (المعجم) (151) ، والتاريخ السبكي في (طبقات الشافعية) (2/57) وفي (معجم شيوخه) (ص488) ، والخطابي في (غريب الحديث)(1/262) ، وابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة) (ص814) ، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/27 و 5/159) ، وابن جماعة في (مشيخته) (1/344) ، وأبو زكريا البخاري في (مجلس من أماليه) (ق/4/ط) ، والجصاص في (أحكام القرآن) (2/150)، ومالك في (الموطأ) (2/542) ، والدارقطني في (العلل) (4/115) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/201) في (السنن الصغرى) (3/57) ، وفي (المعرفة) (10/174) ، والبغوي في (شرح السنة) (9/99) وفي (التفسير) (2/193) وابن البخاري في (مشيخته) (3/1374) ، وابن عساكر في (الأربعين حديثا من المساواة) ( ص179) وفي (تاريخ دمشق) (32/369) ، والحازمي في (الإعتبار) (ص393) ، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/101) ، وأبو سعيد الشاشي في (حديثه) (ق/12/ط) ، وابن وهب في (الموطأ) (ص86) ، ابن نصر الفارسي في (مجلس من أماليه) (ق/4/ط) ، والبزار في (المسند) (2/241) ، وأبو يعلى في (المسند) (1/434) ، وابن الجارود في (المنتقى) (ص175)، والطبراني في (المعجم الأوسط) (5504)، وفي (المعجم الصغير) (1/133)، وابن حبان في (صحيحه) (4143)، والعلائي في (بغية الملتمس) (ص194)، وابن أبي عيسى في (اللطائف) (ص324)، والجوهري في (مسند الموطأ) (ص201) ، والذهبي في (السير) (4/131) و (8/117) و (11/439) ، وابن الحاجب في (عوالي مالك) (1/482) ، والشافعي في (المسند) (ص53) وفي (السنن) (ص411) ، والدمياطي في (المصافحات) (ص279) ، والحدثاني في (الموطأ) (ص316)، وأبو نعيم في (الحلية) (3/177) وفي (المستخرج) (4/71) ، وابن القاسم في (الموطأ) (ص120): من طرق عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي ، به.
وقال الترمدي: حديث علي حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي r وغيرهم.
وعند مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027) من طريق جويرية عن مالك عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي أن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان : (إنك رجل تائه، نهانا رسول الله r عنء متعة النساء يوم خيبر).
قلت: وقوله: (يقول لفلان) هذا المبهم هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
وقوله: (إنك رجل تائه): والتائه: هو الحائر الذاهب عن الطريق المستقيم ، كذا قال النووي في (شرح صحيح مسلم) (9/186).
ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في (الشرح) (3/24)، وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (3/328)، وفي (الصغرى) (6/125)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/68)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) (2/195)، والدارقطني في (العلل) (4/115)، والبيهقي في (السنن الصغرى) (3/57)، وابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة) (ص815)، وأبو عوانة في (المستخرج) (5/158) و (3/27).
وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (3/328)، وفي (السنن الصغر) (6/125) من طريق يحيى عن عبيدالله بن عمر قال حدثني الزهري به، وإسناده صحيح.
وقد جاء التصريح بذكره في روية مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1028) من طريق عبيد الله عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء، فقال : (مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله r نهى عنها يوم خيبر).
وأخرجه أحمد في (المسند) (ج1 ص142) عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري، بسند سواء، وفيه قال علي بن أبي طالبt لابن عباس وبلغه أنه رخص في متعة النساء، فقال له علي بن أبي طالب t: (إن رسول الله r قد نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية). وإسناده صحيح.
وفي لفظ: (انظر ماذا تفتي، فأشهد أن رسول الله r نهى عن نكاح المتعة).
أخرجه الطيالسي في (المسند) (ص81) من طريق سفيان بن عيينة ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، والدوري في (ما رواه الأكابر عن مالك بن أنس) (ص39) ، والخطيب في (تاريخ بغداد) (8/461) عن مالك بن أنس ، جميعا عن الزهري به.
وإسناده صحيح.
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الصغري) (3/58): (ولولا أن عليا علم نسخ نكاح المتعة لما استجاز مثل هذا القول لابن عباس في ذهابه إلى جوازه).اهـ
وقال البيهقي رحمه الله في (السنن الصغري) (3/58): (وفي ذلك تأكيد لما قلنا من أن إخبار علي في النهي عن نكاح المتعة إنما هو بعد الرخصة فيه ، ثم لم يرخص فيه بعد ، فلولاه لما استحق ابن عباس الإنكار عليه).اهـ
قال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/190): (ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب ، واستقامة طريقه بروايته عن رسول الله r وتحريم المتعة).اهـ
وقال الخطابي رحمه الله في (غريب الحديث) (1/262): (وقد استدل بعض أهل العلم بقوله: (أذن لنا رسول الله r في المتعة عام الفتح) على أن حظرا قد كان تقدمه ، واحتج بخبر علي بن أبي طالب).اهـ
وقال ابن هبيرة رحمه الله في (الإفصاح) (1/119) معلقا على حديث علي t : (فيه من الفقه تحريم المتعة التي تخالف فيها الشيعة ، وهذا الحديث المتفق عليه عن علي يرد قولهم ، ويدل على تحريم الحمر الأهلية).اهـ
2) عن سبرة بن معبد الجهني t قال: (أمرنا رسول الله r بالمتعة عام الفتح(1) حين دخلنا مكة ، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1025)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، وابن الجوزي في (إخبار أهل الرسوخ) تعليقا (ص30)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6537)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص103)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص36) من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده به.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1024) مطولا فيه ذكر خروجهم مع رسول الله r عام الفتح، من طريق عمارة بن غزية ثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله r عام الفتح إلى مكة، فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم)، فأذن لنا رسول الله r في متعة النساء، فخرجت أنا، ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال([1])، وهو قريب من الدمامة([2])، مع كل واحد منا برد([3])، فبردي خلق([4])، وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض([5])، حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة([6]) العنطنطة([7])، فقلنا : هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت : وماذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده، فجعلت تنظر إلى الرجلين ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها، فقال : إن برد هذا خلق، وبردي جديد غض، فتقول : برد هذا لا بأس به ثلاث مرار أو مرتين، ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرمها رسول الله r).
وأخرجه أحمد في (المسند) (3/405) ، وابن حبان في (صحيحه) (9/455) ، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/69) ، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (ص337) ، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/202) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (6522) ، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/22) ، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص48) من طريق عمارة بن غزية به.
قلت: وهذا صريح في التحريم بعد الإباحة.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1023)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص236)، وفي السنن الصغرى (ج6 ص126)، وابن الجزري في (العوالي) (ق/5/ط)، وأحمد في المسند (ج4 ص405)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6521)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص22)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج20 ص133)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص109)، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (ص338)، وأبو عوانة في (المستخرج) (ج3 ص24)، والأنباسي في (الشذا الفياح) (ج2 ص426)، والسخاوي في (فتح المغيث) (ج3 ص18) من طريق الليث بن سعد حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه سبرة أنه قال: (أذن لنا رسول الله r بالمتعة، فانطلقت أنا، ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة([8]) عيطاء([9]) ، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت : ما تعطي؟ فقلت ردائي، وقال صاحبي : ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت : أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثا، ثم إن رسول الله r قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها). واللفظ لمسلم.
وأخرجه مسلم أيضا في (صحيحه) (ج2 ص1026)، والشافعي في (المسند) (ج2 ص249)، والحميدي في (المسند) (846)، وأحمد في (المسند) (ج4 ص405)، وأبوبكر النيسابوري في (الزيادات على كتاب المزني) (ص505)، وأبو يعلى في (المسند) (938)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، وفي (المعرفة) (4234)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6530)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (24)، والدارمي في (المسند) (ج2 ص140)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص358)، وابن الجارود في (المنتقى) (698)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص102)، وابن عليك في (فوائده) (ق/24/ط)، وسعيد بن منصور في (السنن) (ج1 ص218)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج20 ص132)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) تعليقا (ج2 ص197)، وأبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) (ج3 ص245)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، من طريق سفيان ابن عيينة عن الزهري أخبرني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (نهى رسول الله r عن نكاح المتعة عام الفتح).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص495)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، وأبو داود في (سننه) (2073)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6529)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص358)، وابن الجارود في (المنتقى) (698)، وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) (ج5 ص29)، وعبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص502)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج6 ص218) من طريق معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه : (أن رسول الله r نهى يوم الفتح عن متعة النساء).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1025)، وأحمد في (المسند) (3/405)، والدارمي في (المسند) (2/64)، ابن أبي شيبة في (المصنف) (6/218)، وابن حبان في (صحيحه) (9/454)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/203)، و(السنن الصغرى) (3/59)، وفي (المعرفة) (10/177)، والحميدي في (المسند) (847)، وابن الجارود في (المنتقى) (699)، وأبو يعلى في (المسند) (2/64)، وأبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص73)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/24)، والحمامي في (حديثه) (84)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6517) و (6518)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/26)، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (ص339)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص48)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/69)، وفي (معرفة الصحابة) (3/1418)، والروياني في (المسند) (ص334)، وتمام في (الفوائد) (2/387)، والبغوي في (شرح السنة) (9/100)، وفي (التفسير) (2/193)، وأبو الشيخ في (ذكر الأقران) (ص53)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/108)، والطبراني في (تفسيره) (5/13) وأورده ابن الأثير في (أسد الغابة) (2/325)، وابن قانع في (معجم الصحابة) (1/303) وابن المقرئ في (المعجم) (ص230)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص346) من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثنا الربيع بن سبرة أن أباه حدثه: (خرجنا مع رسول الله r فلما قضينا عمرتنا([10])، قال لنا رسول الله r: استمتعوا من هذه النساء، قال والاستمتاع([11]) عندنا يوم التزويج، قال: فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلا، قال فذكرنا ذلك للنبي r فقال: افعلوا، قال: فانطلقت أنا وابن عم لي ومعه بردة ومعي بردة، وبردته أجود من بردتي، وأنا أشب منه فأتينا امرأة، فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت برد كبرد، قال: فتزوجتها، فكان الأجل بيني وبينها عشرا، قال : فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غاديا إلى المسجد، فإذا رسول الله r بين الباب والحجر، يخطب الناس يقول: ألا أيها الناس، قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله تبارك وتعالى، قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا([12])). واللفظ لابن حبان.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (6527)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص361)، وأبو الفضل الزهري في (حديثه) (ج1 ص262)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص235)، والترمذي في (العلل الكبير) (ج1 ص440)، وأبو نعيم في (الحلية) (ج5 ص363)، والباغندي في (مسند عمر بن عبدالعزيز) (ص176) من طريق محمد ابن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن رسول الله r نهى عن المتعة يوم الفتح).
قال الترمذي رحمه الله في (العلل الكبير) (1/440): (سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال: هذا حديث خطأ ، والصحيح عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ليس فيه عمر بن عبد العزيز ، وإنما أتى هذا الخطأ من جرير بن حازم).اهـ
قلت: هكذا رواه الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة، ورواه الزهري عن الربيع بن سبرة ، به كما تقدم ، دون واسطة ، والسبب في ذلك أن الربيع بن سبرة حدث بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز ، والزهري يسمع ، فرواه الزهري مرة عن عمر بن عبد العزيز ، وأخرى عن الربيع مباشرة.
وقد نقل ذلك مسلم في (صحيحه) (2/1027) كما تقدم بسنده عن الزهري قال: (وسمعت ربيع بن سبرة يحدث بذلك عمر بن عبد العزيز وأنا جالس) ([13]).
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص452)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص26)، والنسائي في (السنن الكبرى) (5542)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6518)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص26) من طريق شعبة عن عبد ربه بن سعيد([14]) عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن رسول الله r رخص في متعة النساء ، فأتيته بعد ثلاث، فإذا هو يحرمها أشد التحريم، ويقول فيها أشد القول).
وإسناده صحيح
وأخرجه ابن قانع في (معجم الصحابة) (ج1 ص303) من طريق يحيى بن سعيد عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن النبي r حرم المتعة يوم فتح مكة).
وأخرجه ابن المظفر في (غرائب حديث الإمام مالك) (ص212) من طريق عمرو بن أبي سلمة قال ذكر مالك عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
وأخرجه أبوالقاسم البغوي في (الجعديات) (ج2 ص682)، والنسائي في (السنن الكبرى) (5542) من طريق عبيد الله([15]) بن عمر بن عبدالعزيز عن الربيع عن أبيه به.
وأخرجه الخطيب في (المتفق والمفترق) (ج1 ص421) من طريق موسى بن أعين حدثنا إسحاق بن راشد عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال سمعت رسول الله r: (ينهى عن نكاح المتعة).
وأخرجه السلفي في (الشيخة البغدادية) (ق/23/ط) من طريق حرملة حدثني أبي عن أبيه عن جده سبرة به.
وأخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (ج4 ص328) من طريق المعافى بن عمران حدثنا أو حنيفة عن موسى الجهني عن أبيه عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
وأخرجه ابن العديم في (تاريخ حلب) (ج6 ص2710)، والدارقطني في (الأفراد) (3/136 -الأطراف)، والحاكم في (معرفة علوم الحديث) (ص444) من طريق أبي حنيفة عن محمد الزهري عن سبرة عن الربيع عن أبيه به.
قال أبو علي الحافظ: (صحف فيه أبو حنيفة، لإجماع أصحاب الزهري على روايته عنه عن الربيع بن سبرة عن أبيه به) (1).
قلت: ويؤكد هذا التصحيف أن أبا حنيفة رواه أيضا عن يونس بن عبدالله عن ربيع به.
قال الدارقطني: (تفرد به أبو حنيفة عن يونس، وهو ابن عبدالله بن أبي فروة عن أبيه عن الربيع عن أبيه).
أخرجه أبو يوسف في (الآثار) (ص152)، والدارقطني في (الأفراد) (3/136 -الأطراف).
وأخرجه أبو يوسف في (الآثار) (ص153) من طريق أبي حنيفة عمن حدثه عن الزهري أنه قال: (نهى النبي r عن المتعة يوم فتح مكة).
وأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (6/197) من طريق سلمة بن صالح عن ابن أبي فروة عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه به.
والحديث يذكره بعضهم مختصرا، وبعضهم مطولا.
تنبيه: أخرجه أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) (ج3 ص245) من طريق عبادة بن محمد نا سريج بن يونس نا مروان بن معاوية نا يونس بن أبي فروة الشامي عن الربيع بن سبرة عن أبيه سبرة بن عوسجة قال: (نهى رسول الله r عن متعة النساء عام خيبر).
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه يونس بن أبي فروة الغساني وهو مجهول.
أنظر: (الميزان) للذهبي (ج6 ص157).
ثم أن ذكر (خيبر) في حديث سبرة بن عوسجة، منكر.
وقد روى البخاري وغيره –كما سبق- أحاديث تحريم المتعة يوم (خيبر) عن علي بن أبي طالب t.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027)، والطبراني في (المعجم الكبير) (ج7 ص111)، وفي (المعجم الأوسط) (ج6 ص382)، وفي (مسند الشاميين) (ج1 ص42)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص349)، والباغندي في (مسند عمر بن عبدالعزيز) (ص173)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص71)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص330)، والديلمي في (مسند الفردوس) (ج5 ص276) من طريق الحسن بن أعين حدثنا معقل عن ابن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه: (أن رسول الله r نهى عن المتعة وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا، فلا يأخذه).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص71) من طريق صالح أخبرنا ابن شهاب عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة زمان الفتح، متعة النساء).
وأخرجه أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) (3/246) ، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (20/133) ، وابن بشران في (الأمالي) (ص269)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص350) من طريق حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة ثني أبي عن أبيه عن جده سبرة الجهني به.
(تنبيه): أخرج محمد بن الحسن في (الآثار) (1/450) من طريق أبي حنيفة قال: حدثنا يونس عن ربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن النبي r: (( أنه نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة )).
قلت: وإسناده ضعيف ، فيه يونس بن عبد الله بن أبي فروة قال عنه أبو حاتم: مجهول ، وأبو حنيفة ضعفوه في الحديث. انظر (ميزان الإعتدال) للذهبي (4/483)، و(تعجيل المنفعة) لابن حجر (ص459) ، و(الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم (9/245).
وأخرجه محمد بن الحسن أيضا في (الآثار) (1/449) ، والخوارزمي في (جامع المسانيد) (2/132) ، والدارقطي في (الأفراد) (2/228 ـ الأطراف): من طريق أبي حنيفة عن محمد بن شهاب الزهري عن محمد بن عبيد الله عن سبرة الجحني به ، وإسناده كسابقه.
قال النووي رحمه الله عن حديث سبرة بن معبد في (شرح صحيح مسلم) (9/186): (وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول الله r، كحديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )، فيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة).اهـ
وقال ابن عبد البر رحمه الله في (التمهيد) (10/99): (يكون رسول الله r نهى عنها يوم خيبر ، ثم أرخص فيها يوم الفتح ثلاثة أيام ، ثم حرمها أيضا. وفي حديث الربيع بن سبرة عن النبي r ما يدل على ذلك).اهـ
قلت: والغريب أن ابن جريج هو أحد الرواة لهذا الحديث ، وفيه: وإن الله عز وجل حرمها إلى يوم القيامة) ومع ذلك كان يرى المتعة(1).
قال الذهبي رحمه الله في (الميزان) (ج2 ص659): (كان –يعني ابن جريج- يرى الفقه في ذلك، وكان فقيه أهل المكة في زمانه).اهـ
لكن إذا خالف الراوي ما رواه ، فالعبرة بما رواه ، لا بما رآه ، كما هو المعتمد عن الأصوليين.
وعلى كل أننا قد وجدنا والحمد لله ما يؤكد لنا أن ابن جريج قد رجع عن فتواه هذه:
فقد قال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (9/173): (وقد نقل أبو عوانة في (صحيحه) عن ابن جريج أنه رجع عنها ، بعد أن روى بالبصرة في إباحتها ثمانية عشر حديثا).
قلت: أخرجه أبو عوانة في (المستخرج) (3/31) عن ابن جريج رحمه الله قال: (اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد ثمانية عشر حديثا أروي فيها لا بأس بها)(1).
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (3/25): (ففي هذه الآثار النهي من رسول الله r عن المتعة. فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله r من الإذن فيها ، كان ذلك منه قبل النهي ، ثم نهى عنها فكان ذلك النهي ناسخا ، لما كان من ا لإباحة قبل ذلك).اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (3/28): (ففي هذه الآثار تحريم رسول الله r المتعة بعد إذنه فيها ، وإباحته إياها).اهـ
قلت: إنما كانت المتعة رخصة في أول الإسلام ، ثم نهى عنها رسول الله r إلى يوم القيامة.
3) عن سلمة بن الأكوع t قال: ( رخص رسول الله r عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها).
أخرجه مسلم في (صحيحه)(2/1023)، وأحمد في (المسند) (27/84)، وابن أبي شيبة في (المصنف)(4/292)، وفي (المسند) (5/24 –إتحاف الخيرة)، والبيهقي في (السنن الكبرى)(7/204)، وفي (دلائل النبوة)(5/89)، وفي (المعرفة) (10/177)، وابن حبان في (صحيحه)(9/458)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/26)، والدارقطني في (السنن)(3/258)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/26) ، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/68)، والحازمي في (الإعتبار) (2/634)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة)(ص62)، وابن عبد البر في (التمهيد ـ تعليقا)(10/110)، وفي (الإستذكار ـ تعليقا) (16/293)، والروياني في (المسند) (ص171) من طريق عبدالواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه به.
وقوله: (عام أوطاس): هو يوم فتح مكة(1)
قال ابن حبان رحمه الله في (صحيحه) (9/458): (عام أوطاس ، وعام الفتح واحد).اهـ
وقال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (7/204): (فأوطاس وإن كانت بعد الفتح ، فكانت في عام الفتح بعده بيسير ، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما أو إلى الآخر).اهـ
قلت: وغزوة أوطاس: هي غزوة حنين ، وحنين وأوطاس موضعان بين مكة والطائف ، وتسمى غزوة هوازن ؛ لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله r (2).
قال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (4/535): (وذكر في حديث مسلم من رواية سلمة بن الأكوع إباحتها في يوم أوطاس ، ومن رواية سبرة الجهني إباحتها يوم الفتح ، وهما واحد ، ثم تحريمها حينئذ).اهـ
وقال البنا في (بلوغ الأماني) (16/193): (فالمراد بعام أوطاس غزوة الفتح لما تقدم في حديث سبرة عند مسلم والإمام أحمد أن النبي r: ( رخص لهم في المتعة في غزوة الفتح ثلاثة أيام ثم نهى عنها قبل خروجهم من مكة)، وفي هذا الحديث ـ أي حديث سلمة بن الأكوع ـ : أن الترخيص في المتعة كان ثلاثة أيام ثم وقع التحريم ، كهو في رواية سبرة فروايتها ترجع إلى شيء واحد ، وهو فتح مكة).اهـ
وقال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (9/181): (والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين ، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة ، وهو يوم أوطاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة ، واستمر التحريم).اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله (سبل السلام) (3/210): (وحديث سلمة بن الأكوع هذا أفاد أنه r رخص في المتعة ثم نهى عنها ، واستمر النهي ونسخت الرخصة).اهـ
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (7/204): (وفي رواية سبرة بن معبد ما دل على أن الإذن فيه كان ثلاثا ، ثم وقع التحريم ، كهو في رواية سلمة بن الأكوع فروايتهما ترجع إلى وقت واحد ، ثم إن كان الإذن في رواية سلمة بن الأكوع بعد الفتح في عزوة أوطاس فقد نهي عنها بعد الإذن فيها ، ولم يثبت الإذن فيها بعد غزوة أوطاس فبقي تحريمها إلى الأبد).اهـ
4) وعن جابر t قال: (نهى رسول الله r عن متعة النساء).
حديث حسن لغيره.
أخرجه أبو الشيخ في (طبقات المحدثين بأصبهان) (ج3 ص531) من طريق الحسين بن عيسى الزهري قال أخبرنا سلمة بن الفضل قال: ثنا عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر به.
قلت: وهذا سنده فيه أبو الزبير وهو محمد بن مسلم الأسدي صدوق إلا أنه يدلس وقد عنعنه، فمثله يحسن في الشواهد.
انظر: (التقريب) لابن حجر (ص895).
5) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله r عام غزوة خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن متعة النساء، وما كنا مسافحين).
حديث صحيح.
أخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص362)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (25)، وأبو يوسف في (الآثار) (ص152)، وابن الغطريف في (جزئه) (ص70)، وابن باطيش في (التمييز والفصل) (ج1 ص194)، والثعالبي في (مسندأبي حنيفة) (ق/18/ط)، وخيثمة القرشي في (فوائده) (ص68)، والجصاص في (أحكام القرآن) (ج2 ص150) من طريق أبي حنيفة عن نافع عن ابن عمر به.
وقد تابع أبا حنيفة ، عليه الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبدالله به. أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة) (ص114)، وأبو عوانة في (المستخرج) (ج3 ص29).
وإسناده صحيح.
وقوى إسناده أبو عبد الرحمن الآبادي ، كما في (عون المعبود) (6/82).
1)وقد تابع الزهري أيضا ، عليه عبد الله بن عمر عن سالم به، أخرجه حرب الكرماني في (مسائله) (ص55).
وأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (2365) من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال: (أتى عبد الله بن عمر، فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة، فقال ابن عمر: معاذ الله، ما أظن ابن عباس يفعل هذا، قالوا: بلى، وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا، ثم قال ابن عمر: (نهانا عنها رسول الله r وما كنا مسافحين).
قال ابن حجر رحمه الله في (التلخيص الحبير) (ج3 ص 117): إسناده قوي.
2) وقد تابع إسحاق بن راشد ، عليه معمر بن راشد عن الزهري ، عن سالم قيل لابن عمر رضي الله عنهما: (إن ابن عباس يرخص في متعة النساء، فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا، قالوا : بلى، والله إنه ليقوله، قال : أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر، لينكلكم عن مثل هذا، وما أعلمه إلا السفاح).
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص502) وإسناده صحيح.
3) وقد تابع معمرا، عليه منصور بن دينار عن الزهري به أخرجه أبو عوانة في (المستخرج) (3/29) ، وإسناده صحيح.
وأخرجه الزيات في (حديثه) (ق/12/ط) من طريق أحمد بن عبد الله بن عمر عن نافع: أن رجلا سأل ابن عمر عن المتعة ، فقال: حرام ، فقيل: فإن ابن عباس يفتي بها ... فذكره.
6) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (كنا نغزو مع رسول الله r فتطول غربتنا ، فقلنا : ألا نتخصى يا رسول الله؟ فنهانا، ثم رخص أن نتزوج المرأة إلى أجل بالشيء، ثم نهانا عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية).
حديث صحيح
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص506) من طريق ابن عيينة عن إسماعيل عن قيس عن عبدالله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص111).
قلت: فالحجة قائمة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة لأنه لا ميراث فيه، ولا طلاق، ولا عدة، وأنه ليس بنكاح، وهو سفاح والعياذ بالله.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في (التمهيد) (ج10 ص115): (وقد روي عن النبي r في تحريم نكاح المتعة مما قد ذكرناه ما فيه شفاء، وليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r).اهـ
قلت: وجميع هذه الروايات تدل على أن النهي عن نكاح المتعة إنما كان يوم فتح مكة، ولا تعارض بينهما، وبين الروايات الأخرى الدالة على أن النبي r نهى عن المتعة يوم غزوة خيبر، فقد تكررت إباحتها، وتكرر النهي عنها، واستقر الأمر على النهي عن نكاح متعة النساء إلى قيام الساعة.
قال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (ج9 ص181) بعدما نقل كلاما طويلا للقاضي عياض والمازري في الجمع بين هذه الروايات المختلفة، قال: (الصواب المختار: أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة –وهو يوم أوطاس لاتصالهما- ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم). اهـ
وقال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص80): (فالمسلون اليوم مجمعون على هذا القول: أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم ، ثم نسخها الكتاب والسنة على ما ذكرنا في هذه الأحاديث ، ولا نعلم أحدا من الصحابة كان يترخص فيها إلا ما كان من ابن عباس فإنه كان ذلك معروفا من رأيه).اهـ
قلت: وقوله: (ولا نعلم أحدا من الصحابة كان يترخص فيها إلا ما كان من ابن عباس فإنه كان ذلك معروفا من رأيه): هذا الكلام ظاهره أن ابن عباس كان على علم بالنهي(1)، وليس كذلك ، وحاشاه أن يخالف قول النبي r ، ولذلك استبعد ابن عمر هذا القول من ابن عباس ، فقال: (معاذ الله ما أظن ابن عباس يفعل هذا) ، فلما أكدوا له صحة ذلك ، أخبرهم ابن عمر سبب قوله ذلك فقال: (وهل كان ابن عباس على عهد رسول الله r إلا غلاما صغيرا).
ثم قال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص82): (أما قول أهل العلم اليوم جميعا من أهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل الشام، وأصحاب الأثر، وأصحاب الرأي وغيرهم: أنه لا رخصة فيها لمضطر، ولا لغيره، وأنها منسوخة، حرام على ما ذكرنا عن النبي r وأصحابه).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/189) عن المتعة: (بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله r ، وقول الخلفاء الراشدين المهديين ، وتوقيف علي بن أبي طالب ابن عباس ، وقوله له: (إنك رجل تائه) ، وإن رسول الله r قد حرم المتعة ، ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب ، واستقامة طريقه بروايته عن رسول الله r تحريم المتعة).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (2/195): (قال قوم من العلماء: الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله r).اهـ
وقال الطبري رحمه الله في (تفسيره) (5/13): (وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام).اهـ
وقال ابن الجوزي رحمه الله في (إخبار أهل الرسوخ) (ص31): (الأحاديث متفقة على نسخ المتعة إلا أن الأوائل تدل على وقوع التحريم بمكة ، وحديث علي t يدل على أن ذلك كان بخيبر ، وهو مقدم لثلاثة أوجه:
أحدهـا: أنه متفق على صحته ، وحديث سبرة من أفراد مسلم.
والثـاني: أن عليا t أعلم بأحوال النبي r من غيره.
والثالث: أنه أثبت تقديما في الزمان لما خفي على غيره ، وكأنهم استعملوا عند فتح مكة ما كانوا يبيحونه من غير علم بالناسخ أنه قد وقع فنهاهم ، وقد كان خفي ذلك على جماعة منهم ابن عباس ، فإنه كان يفتي بها مدة حتى نهاه علي عن ذلك رضي الله عنهما).اهـ
وقال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية) (4/292) عن نكاح المتعة: (هو النكاح إلى أجل معين ... كأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم ، وقد كان مباحا في أول الإسلام ثم حرم ، وهو الآن مباح عند الشيعة !!!).اهـ
وقال ابن شاهين رحمه الله في (ناسخ الحديث) (ص354): (قد روي حديث نهي رسول الله r عن المتعة بعدما كان رخص فيها ، ونهى أن يؤخذ منهن شيئا أعطين على ذلك).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله كما نقل عنه ابن حجر في (التلخيص الحبير) (3/1711): (ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم ، ثم أحل ثم حرم إلا المتعة).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (التلخيص الحبير) (3/1171): (قال بعضهم: نسخت ثلاث مرات ، وقيل: أكثر. ويدل على ذلك اختلاف الروايات في وقت تحريمها ، وإذا صحت كلها فطريق الجمع بينهما الحمل على التعدد.
والأجود في الجمع ما ذهب إليه جماعة من الحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية، بل في حال السفر والحاجة.
والأحاديث ظاهرة في ذلك، ويبين ذلك حديث ابن مسعود: ( كنا نغزوا وليس لنا نساء ، فرخص لنا أن ننكح ) فعلى هذا كل ما ورد من التحريم في المواطن المتعددة ، يحمل على أن المراد بتحريمها في ذلك الوقت ، أن الحجة انقضت ، ووقع ا لعزم على الرجوع إلى الوطن ، فلا يكون في ذلك تحريم أبدا إلا الذي وقع آخرا).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (التلخيص الحبير) (3/1171): (كان ذلك جائز ـ يعني نكاح المتعة ـ في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ).اهـ
وجزم ابن حزم رحمه الله في (المحلى) (9/519) بتحريمها لثبوت قوله r: (أنها حرام إلى يوم القيامة ... ثم قال: فأما بهذا القول نسخ التحريم).اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (3/24): (الآثار التي احتج بها ـ يعني في جواز المتعة ـ قد كانت ، ثم نسخت بعد ذلك ، وأن رسول الله r قد نهى عن المتعة).اهـ
ثم قال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (3/25): (فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله r من الإذن فيها ـ يعني المتعة ـ كان ذلك منه قبل النهي ، ثم نهى عنها ، فكان ذلك النهي ناسخا ، لما كان من الإباحة قبل ذلك).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله كما في (السنن والآثار) للبيهقي (10/175): (ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يؤقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها ؟ فأشبه حديث علي بن أبي طالب في نهي النبي r عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخا له ، فلا يجوز نكاح المتعة بحال).اهـ
ثم قال الإمام الشافعي رحمه الله (10/176): (وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت فهو يبين أن رسول الله r أحل نكاح المتعة ، ثم قال: هي حرام إلى يوم القيامة).اهـ
ثم قال الإمام الشافعي رحمه الله (10/178): (وكان بينا والله أعلم أن يكون نكاح المتعة منسوخا بالقرآن والسنة في النهي عنه ؛ لأن نكاح المتعة: أن ينكح امرأة إلى مدة ثم يفسخ نكاحه بلا إحداث طلاق منه ، وفي نكاح المتعة إبطال وإبطال المواريث بين الزوجين ، وأحكام النكاح التي حكم الله بها في الظهار والإيلاء واللعان إذا انقضت المدة قبل إحداث الطلاق).اهـ
وقال القرافي رحمه الله في (الذخيرة) (4/186) عن متعة النساء: (وهي باطلة عندنا ، وعند الأئمة).اهـ
وقال أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله في (تحريم نكاح المتعة) (ص46): (والنسخ أصل من أصول الشريعة ، قد ورد به كتاب الله تعالى ، ووجد في سنة رسول الله r ؛ لأن الله تعالى يشرع لعبيده ما هو الأصلح لهم ، ثم ينسخه بغيره إذا أراد ذلك فيكون هو الأصلح لهم ، وكل موضع ثبت النسخ في كتاب الله تعالى ، أو في سنة رسوله عليه السلام فهو على التأبيد ، وتحريمه لازم لجميع الأمة إلى يوم القيامة ، كتحريم الصلاة إلى بيت المقدس حين نسخت بالكعبة وغير ذلك مما ورد الشرع بنسخه وتحريمه ، وأنا أذكر في هذا الباب ما يدل على صحة نسخ المتعة مما لا يجوز خلافه ، ويلزم كل مسلم قبوله ، وبالله التوفيق).اهـ
فثبتت الروايات الصحيحة عن رسول الله r في تحريم نكاح متعة النساء إلى يوم القيامة .. وقد دان الصحابة والتابعون بهذا التحريم ، واقتضى أثرهم في ذلك فقهاء هذه الأمة.
قلت: إذا لا خلاف يعتد به بين علماء المسلمين على الأمور التالية:
(أولا): إن المتعة حرمها رسول الله r بنفسه بعد أن أباحها للضرورة.
(ثانيا): من قال بعد تحريمها من الصحابة ؛ فلأن خبر تحريم الرسول r لها لم يبلغه ، وهناك أمثلة لذلك تقدمت.
(ثالثا): إن عمر بن الخطاب t لم يحرم(1) ولا يمكنه أن يفعل ذلك. بل أشهر حكم التحريم، وأعلن عن تطبيق عقوبة الزنى على فاعلي المتعة، وكان ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، فلم يعارضه منهم أحد، وأما من يزعم بأن عمر بن الخطاب t حرم المتعة، فهو كلام مردود ، بل الثابت كما سبق بأن النبي r هو الذي حرمها(2) ولله الحمد والمنة.
قال المازري رحمه الله في (المعلم بفوائد مسلم) (2/86): (ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت أنه نسخ بما ذكر من الأحاديث في هذا الكتاب وفي غيره ... وقد ذكرنا أنها منسوخة بالحديث الذي فيه: ( نهى عمر t عن المتعتين ...) الحديث، ومحمل ذلك على أن من خاطبه عمر t قد خفي عنه النسخ، وأن عمر نهى عن ذلك تأكيدا، وإعلانا بنسخه).اهـ
وقال أبو البركات النسفي رحمه الله في (كنز الدقائق) (ج1 ص319): (وبطل نكاح المتعة).اهـ
(تنبيه): قال الصنعاني رحمه الله في (سبل السلام) (3/212): (قال أبو عوانة في (صحيحه)(3) سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر ، وأما المتعة فسكت عنها ، وإنما نهى عنها يوم الفتح.
والحامل لهؤلاء على ما سمعت ثبوت الرخصة بعد زمن خيبر ولا تقوم لعلي الحجة على ابن عباس إلا إذا وقع النهي أخيرا إلا أنه يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليا t لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح وقوع النهي عن قرب ، ويمكن أن عليا عرف بالرخصة يوم الفتح ولكن فهم توقيت الترخيص وهو أيام شدة الحاجة مع العزوبة وبعد مضي ذلك فهي باقية على أصل التحريم المتقدم فتقوم له الحجة على ابن عباس).اهـ
$$$
ذكر الدليل على أن نكاح متعة النساء أبيح
في أول الإسلام للضرورة في المغازي والأسفار
ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة
اعلم رحمك الله أن الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ، ثم أبيحت يوم فتح مكة ، وهو يوم أوطاس لاتصالهما ، ثم حرمت يوم فتح مكة بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة واستمر التحريم وإليك الدليل:
1)عن قيس بن أبي حازم قال سمعت عبد الله بن مسعود t يقول: (كنا نغزوا مع رسول الله r ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي(1)؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل(2) ثم قرأ عبد الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [المائدة: 87]).
وفي رواية: (كنا مع رسول الله r في سفر، فشقت علينا العزوبة ، فقلنا: يا رسول الله، لو آذنت لنا، فاختصينا، قال: فرخص لنا في أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل، ففعلنا ذلك).
وفي رواية: (ففعلنا ثم ترك ذلك).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (9/117)، ومسلم في (صحيحه) (2/1022)، وأحمد في (المسند) (1/385)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (6/220)، والحميدي في (المسند) (100)، والشافعي في (المسند) (2/13)، وفي (اختلاف الحديث) (ص155)، والنسائي في (تفسيره) (1/446)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/24)، والبيهقي في (المعرفة) (10/171)، وفي (السنن الكبرى) (7/200)، وأبو يعلى في (المسند) (5382)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/111)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/33)، والحازمي في (الاعتبار) (2/630)، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (11/213)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/66): من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود به.
فقوله: (أن ننكح المرأة بالثوب) أي: إلى أجل في نكاح المتعة.
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (7/506) من طريق ابن عيينة عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله بن مسعود قال: (كنا نغزوا مع رسول الله r فتطول عزبتنا(1)، فقلنا: ألا نختصي يا رسول الله ؟ فنهانا ، ثم رخص أن نتزوج المرأة إلى أجل بالشيء ، ثم نهانا عنها يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الإنسية).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن عبد البر في (التمهيد) (10/111).
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (7/207): (وفي حديث: عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل عن قيس بنسخ ذلك يعني المتعة).اهـ
قلت: فبلغ ابن مسعود رضي الله عنه الناسخ ، فرجع بعد ذلك(2).
قال الإمام الشافعي رحمه الله في (اختلاف الحديث) (ص155): (ثم ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ، ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أم بعدها فأشبه حديث علي بن أبي طالب في نهي النبي r عن المتعة أن يكون ، والله أعلم ناسخا ، فلا يجوز نكاح المتعة بحال).اهـ
قال ابن عبد البر رحمه الله في (الاستذكار) (16/294): (وأما الصحابة فإن الأكثر منهم النهي عنها وتحريمها).اهـ
وقال ابن حبان في (صحيحه) (9/449): (الدليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الإستمتاع ، قولهم للنبي r: ألا نستخصي عند عدم النساء ، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى).اهـ
وقال الحازمي رحمه الله في (الإعتبار في الناسخ والمنسوخ في الحديث) (2/630): (وهذا الحكم ـ يعني المتعة ـ كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام ، وإنما أباحه النبي r للسبب الذي ذكره ابن مسعود ، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم ، ولم يبلغنا أن النبي r أباحه لهم وهو في بيوتهم.
ولهذا نهاهم عنه غير مرة ، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة ، حتى حرمه عليهم في آخر أيامه r ، وذلك في حجة الوداع(1)، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت.
فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة).اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في (الفتاوى) (20/291): (فقد ثبت عن النبي r ثبوتا لا شك فيه الإذن في نكاح المتعة ، ثم تحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة ، وحكي إجماعهم من سوى الشيعة على ذلك).اهـ
2) وعن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما قالا: (( خرج علينا منادي رسول الله r ، فقال: إن رسول الله r قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني: متعة النساء)).
أخرجه مسلم في (صحيحه)(2/1022)، والنسائي في (السنن الكبرى) (5/233)، وأحمد في (المسند) (4/151)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/35)، وأبو القاسم البغوي في (الجعديات) (2/692)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/110)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/67)، والروياني في (المسند) (ص171) جميعا من طريق شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر وسلمة به.
وأخرجه البخاري في (صحيحه) (11/459)، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (1/459) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به.
3) وعن عطاء بن أبي رباح قال: (قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا المتعة فقال: نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله r وأبي بكر وعمر).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (2/135)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/67)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/35)، من طريق عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء ، فذكره.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (2/1023)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/68)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/33)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص367) من طريق عبد الرزاق أخبرني ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: (كنا نستمتع بالقبضة(1) من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله r وأبي بكر ، حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث)(2).
وأخرجه ابن شبة في (أخبار المدينة) (2/282) من طريق الأجلح قال: سمعت أبا الزبير به.
قلت: ويحمل هذا الحديث على أن من فعل ذلك من الصحابة رضي الله عنهم في عهد رسول الله r وأبي بكر رضي الله عنه لم يبلغه النهي من رسول الله r الذي وقع يوم فتح مكة ، ولم يعلم بالنسخ الذي وقع في يوم فتح مكة إلى قيام الساعة فتنبه.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (2/1023)، وأحمد في (المسند) (4/69)، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/68)، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/34) من طريق عبد الواحد بن زياد عن عاصم عن أبي نضرة قال: (( كنت عند جابر بن عبدالله ، فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين(1)، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله r، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما )).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (1217)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/206)، والحفار في (جزئه) (ص283)، وابن شبة في (أخبار المدينة) (2/285)، وأحمد في (المسند) (ج1 ص52) من طريق همام عن قتادة عن أبي نضرة عن جابر به.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (1217)، والجصاص في (أحكام القرآن) (2/147)، والحفار في (جزئه) (ص283)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص298)، وابن حبان في (صحيحه) (3940)، والطيالسي في (المسند) (ص247)، وابن شبة في (أخبار المدينة) (2/285) من طريق شعبة عن قتادة قال: سمعت أبا نضرة به.
فقوله: (فلم نعد لهما): فيعم جميع الصحابة وغيرهم ، فيكون إجماعا(2).
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (7/206): (ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله r لكن وجدناه: (نهى عن نكاح المتعة عام الفتح) بعد الإذن فيه ثم لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه حتى مضى لسبيله r.
فكان (نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نكاح المتعة) موافقا لسنة رسول الله r ، فأخذنا به ، ولم نجده r: (نهى عن متعة الحج) في رواية صحيحه عنه ، ووجدنا في قول عمر رضي الله عنه ما دل على أنه أحب أن يفعل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما فحملنا نهيه عن (متعة الحج) على التنزيه، وعلى اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم وبالله التوفيق).اهـ
وقال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (9/183): (قوله: (استمتعنا على عهد رسول الله r وأبي بكر وعمر) هذا محمول على أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ).اهـ
وقال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (9/186): (وأنه يتعين تأويل قوله في الحديث السابق أنهم كانوا يتمتعون إلى عهد أبي بكر وعمر على أنه لم يبلغهم الناسخ كما سبق).اهـ
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (2/1022) والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/24) ، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/67) ، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/34) من طريق روح بن القاسم عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله: (أن رسول الله r أتانا ، فأذن لنا في المتعة).
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (14023)، وأحمد في (المسند) (4/47) ، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص35) ، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/35) ، والطبراني في (المعجم الكبير) (7/12) من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن علي عن جابر بن عبد ا لله وسلمة بن الأكوع به.
وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (5/232) من طريق زكريا بن إسحاق قال أخبرني عمرو بن دينار عن جابر به.
وأخرجه ابن شبة في (أخبار المدينة) (2/282) من طريق زمعة بن صالح عن عمرو بن دينار عن جابر به.
قال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (4/535): (روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكر مسلم منهم ابن مسعود، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، وجابر بن عبد الله، وسبرة بن معبد الجهني ، وليس في هذه الآثار كلها أنها كانت في الإقامة، وإنما جاءت في مغازيهم، وعند ضروراتهم في أسفارهم، وعدم النساء وبلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل).اهـ
4)وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (رخص رسول الله r عام أوطاس)(1).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (2/1022) ، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (3/26)، والسبكي في (طبقات الشافعية الكبرى) (3/26) من طريق عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (6/18)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/20)، وفي (معرفة السنن) (10/177)، وابن عبد البر في (التمهيد ـ تعليقا) (10/110) وفي (الإستذكار ـ تعليقا) (16/293) ، وأبو نعيم في (المستخرج) (4/68) ، وأبو عوانة في (المستخرج) (3/26) ، والروياني في (المسند) (ص171) ، بهذا الإسناد ، بلفظ: (رخص رسول الله r عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها).
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (7/204): (وعام أوطاس ، وعام الفتح واحد ، فأوطاس وإن كانت بعد الفتح فكانت في عام الفتح بعده بيسير ، فما نهى عنه لا فرق بين أن ينسب إلى عام أحدهما أو إلى الآخر ، وفي رواية سبرة بن معبد: ما دل على أن الإذن فيه كان ثلاثا ثم وقع التحريم كهو في رواية سلمة بن الأكوع فروايتهما ترجع إلى وقت واحد ثم إن كان الإذن في رواية سلمة بن الأكوع بعد الفتح في عزوة أوطاس فقد نقل نهيه عنها بعد الإذن فيها، ولم يثبت الإذن فيها بعد غزوة أوطاس فبقى تحريمها إلى الأبد).اهـ
5)وعن سلمة بن الأكوع عن رسول الله r قال: (أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتزايدا ، أو يتتاركا تتاركا ، فما أدري أشيء كان لنا خاصة ، أم للناس عامة).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (9/167)، وابن عبد البر في (التمهيد) (10/110)، والروياني في (المسند) (ص169)، والطبراني في (المعجم الكبير) (7/24) من طريق ابن أبي ذئب حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه به.
وذكره ابن حجر في (تغليق التعليق على صحيح البخاري) (4/412).
قلت: وهذا الحديث يدل على اختصاص نكاح متعة النساء بصحابة النبي r للحاجة إليها ، ثم نسخ إلى يوم القيامة.
ويؤيده: بأنما رخص في المتعة للحاجة الضرورية ، وفي المغازي والأسفار: عن أبي جمرة قال: (سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص ، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة أو نحوه ، فقال ابن عباس: نعم).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (5116) ، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (11/458) من طريق غندر حدثنا شعبة عن أبي جمرة به.
إذا إنما ذلك الترخيص كان في الحال الشديد من قوة الشهوة والعزوية ، وفي النساء قلة فهي كالميتة ثم نسخت إلى قيام الساعة(1).
قال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (11/458): (قوله: (فقال ابن عباس: نعم) أي صدق إنما رخص فيها بسبب العزوبة في حال السفر).اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (التلخيص الحبير) (3/1171): (والأجود في الجمع ما ذهب إليه جماعة من المحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية ، بل في حال السفر والحاجة ، والأحاديث ظاهرة في ذلك).اهـ
وقال ابن بطال رحمه الله في (شرح صحيح البخاري) (7/224): (وحديث سلمة في غزوة أوطاس ، وهو وقت ضرورة).اهـ
$$$
(1) هذه خطبة الحاجة التي كان النبي r يعلمها أصحابه رضي الله عنهم.
(2) فعجبا لهؤلاء الذين انتكست فطرتهم حتى كانوا أضل من بعض البهائم ، كيف يرضون لأنفسهم أمرا ترفضه النفس ... ولقد نهى الله عباده عن الزنا ؛ لأنه عمل فاحش ومشين ، والله المستعان.
(1) انظر: (الداء والدواء) لابن القيم (ص230).
(2) أخرجه البخاري في (صحيحه) (8/20) ، ومسلم في (صحيحه) (1/57).
(1) سبق تخريجه.
(2) أخرجه البخاري في (صحيحه) (8/21)، ومسلم في (صحيحه) (1691).
(1) أخرجه البخاري في (صحيحه) (8/163) ، ومسلم في (صحيحه) (1/90).
(2) أخرجه مسلم في (صحيحه) (1/102).
(1) وقد نتج عنه وقوع البلايا والفواحش والأمراض والعياذ بالله.
والله عز وجل أحل النكاح الشرعي ، وحرم السفاح ، وتوعد مرتكبه بالعذاب المهين ؛ لأنه أطاع إبليس في إشباع شهوته الإبليسية والعياذ بالله.
(1) كثير الوبر والشعر ، وهو بري ، ولكذلك يكنى أبا جعدة.
وانظر: (المعجم الوسيط) (ص125).
(2) السفاح: الزنا ، انظر (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير (2/164).
(1) والعلماء ينصون على إبطال الحيل في أحكام الدين.
(2) كـ: (متعة النساء).
(3) كـ: (متعة النساء).
(3) (المسائل) لأبي الفضل صالح (3/130).
(1) هذه الأنواع من الأنكحة المحرمة منها نكاح متعة النساء.
(2) قلت: ولا يتغير حكمه بتغير هيئته ، وتبديل اسمه فتنبه. وانظر (الفتاوي الكبرى) لابن تيمية (3/124).
(1) انظر (الفتاوي الكبرى) لابن تيمية (3/124).
(1) انظر (المنتقى) للشيخ صالح الفوزان (5/252).
(2) فمن نوى المكر والخداع كان ماكرا مخادعا والعياذ بالله.
وانظر: (إعلام الموقعين) لابن القيم (5/74).
(1) قال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (6/187) ـ مجلة البحوث ـ: (وهذه دعاية سافرة إلى فتح أبواب الزنا ، والتوسع فيه مما يجعل الشباب ينصرفون عن النكاح الشرعي).اهـ
(1) انظر (التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي) أ.د. فضل إلهي (ص39).
(1) وهؤلاء الذين يتمتعون بالنساء بالحرام ، والمفتون بمتعة النساء لو كانوا أهل إيمان حقا لم يقدموا على هذا المنكر العظيم ، والعياذ بالله.
(2) الخدن ، والخدين: الصديق ، انظر (مختار الصحاح) للرازي (ص72).
(1) انظر (التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي) لفضل إلهي (ص18).
(1) فحقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلا حتى يعلم سلامتها وآفاتها ، وما توصل إليه تلك الطريق من سلامة أو عطب ، وهذان السبيلان هلاك الأولين والآخرين بهما ، وفيهما من المعاطب والمهالك ما فيهما، ويفضيان بصاحبهما إلى أقبح الغايات وشر موارد الهلكات ، ولهذا جعل الله تعالى سبيل الزني شر سبيل، فقال تعالى: }ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا{ [الإسراء: 17 و 32].
انظر: (روضة المحبين) لابن القيم (ص359).
(1) أجرجه البخاري في (صحيحه) (8/20) ، والنسائي في (السنن الكبري) (6/403) وفي (السنن الصغري) (8/63).
(2) أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (7/415) وابن بطة في (الإبانة الكبرى) (2/710) وابن راهويه في (المسند) (ص177) بإسناد صحيح.
(1) وانظر شرح (صحيح مسلم) للنووي (2/41) و(فتح الباري) لابن حجر (12/60)، وكتاب (الإيمان (228) لابن تيمية ، و(تفسير ابن كثير) (3/487) ، و (الإيمان) لأبي عبيد (ص90) ، و(تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة (ص171).
(1) انظر التعليق على (صحيح مسلم) لشيخنا الشيخ محمد العثيمين (1/325) ، و(بهجة النفوس) لابن أبي جمرة (3/192).
(1) ومن ا لآثار المترتبة على انتشار الزنا (المتعة) تفاقم مشكلة أولاد الحرام في المجتمع الذي يبيح متعة النساء ، ثم مشكلة البحث عمن يربيهم ، وعمن يشرف عليهم ، وعمن يمنحهم الحب الحقيقي الذي هو حق كل طفل ، ومن ينظر في حركاتهم وتصرفاتهم ، ويرشدهم إلى الصراط المستقيم.
هل هو المتمتع الزاني الذي قد أشبع رغبته الجنسية الخبيثة ، ولا يهمه الآن إلا أن يجد واحدة غيرها حتى يقضي معها المتعة الخبيثة ؟! أم هي المتمتعة الزانية ؟ !!!
(2) الغلول: الخيانة في الغنيمة.
(3) أديل: ومنه الإدالة الغلبة. انظر (المعجم الوسيط) (ص304).
(1) إذا فانتشار الأمراض في المجتمع بسبب الزنا والعياذ بالله.
ومما يؤكد تأثير الزنا في انتشار الأمراض الخطيرة ، وجود هذه الأمراض الكثيرة في الدول التي انتشرت فيها الزنا اللهم سلم سلم.
(2) وذلك ترى كثرة الأمراض المهلكة المنتشرة في الذين يجوزون متعة النساء (الزنا) في مجتمعاتهم ، وكثرة الموت فيهم والزلازل وغير ذلك.
فكم من رجال ونساء يتعرضون للأمراض الخبيثة المهلكة بسبب الإنغماس في متعة النساء المحرمة اللهم سلم سم.
(1) وقع عند الحاكم (ابن أبي وائل) ، وهو خطأ ، والصحيح ما أثبتناه.
(1) انظر (المصباح المنير) للفيومي (ص562) ، و(معجم تهذيب اللغة) للأزهري (4/3336).
(2) انظر (القاموس الفقهي) لسعدي (ص335).
(3) انظر (القاموس المحيط) للفيروز آبادي (ص780) و (معجم تهذيب اللغة) للأزهري (4/3336).
(4) انظر (تحرير ألفاظ التنبيه) للنووي (ص254).
(5) وسيأتي دراسة النسخ والخلاف فيه بين أهل العلم.
(6) انظر (إرشاد الساري شرح صحيح البخاري) للقسطلاني (11/457) ، و(مواهب الجليل لشرح مختصر خليل) للحطاب (5/85) ، و(التاج والإكليل لمختصر خليل) لأبي عبد الله المواق (5/85).
(1) انظر: (ارشاد الساري شرح صحيح البخاري) للقسطلاني (11/456)، و(النهر الفائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم (2/200) ، و(حاشية عميرة) (ص219).
(1) انظر (تفسير المراغي) (18/4) و (البحر المحيط) لأبي حيان الأندلسي (6/483) و (روح المعاني) للألوسي (18/284) و (تفسير السمرقندي) (2/474).
(1) انظر (زاد المسير في علم التفسير) لابن الجوزي (5/461) و (المحرر الوجيز) لابن عطية الأندلسي (11/222) و (معاني القرآن) للفراء (2/231) و (تفسير القرآن) للسمعاني (3/463) و (الكشف والبيان) للتعلبي (7/41).
(2) انظر (تفسير المراغي) (18/4) و (البحر المحيط) لأبي حيان الأندلسي (6/483) و (روح المعاني) للألوسي (18/284) و (تفسير السمرقندي) (2/474).
(1) الإستسرار: أي اتخاذ الجارية للسرية . انظر (القاموس الفقهي) لسعدي (ص169).
(1) وقد تصحف في المطبوع من (سنن البيهقي) إلى: نافع عن ابن عمر ، وهو خطأ ، وانظر (اتحاف الخيرة المهرة) للبوصيري (5/24).
(1) انظر: (تفسير المراغي) (18/6).
(1) انظر: (روح المعاني) للألوسي (17/285).
(1) انظر (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي (5/131) ، (وتفسير ابن كثير) (1/484) ، (والإستذكار) لابن عبد البر (16/298) ، وكذا (التمهيد) له. (10/119) ، (وتفسير الطبري) (5/12) ، (والناسخ والمنسوخ) للنحاس (2/190).
(2) قال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (6/191 ـ مجلة البحوث): (إن الشيعة تمسكوا في استدلالهم على نكاح المتعة بقوله سبحانه: ] فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن[ (النساء: 24) ، وهذا الإستدلال لا صحة له فإن هذه الآية سبقت في بيان ما يحل ويحرم من نكاح النساء كما يعلم من نظمها فيما قبلها وبعدها.
وأن يكون الغرض المقصود هو الإحصان وطلب النسل دون التمتع بسفح الماء ، والتنقل في اللذات الذي يكون حظ الحيوان فيها أكثر من حظ الناس ثم إن السنة تفسر القرآن وتبين ما أشكل منه ، وقد فسرت السنة هذا الإستمتاع وإن المراد به النكاح الشرعي).اهـ
(1) السفاح: الزنا. انظر (تفسير الطبري) (5/11).
(2) انظر: (تفسير الطبري) (5/11).
(1) الخدن والخدين: الصديق ، انظر (مختار الصحاح) للرازي (ص72).
قال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (ص189): (وبه يعلم أن نكاح المتعة هو من قبيل متخذات أخدان بحيث يختص بها واحد بدون مشارك في زمن محدود كما هو الواقع من فعل كثير من النساء الزواني اللاتي يراعين التستر).اهـ
(2) والنساء المتمتعات يعتبرن في الشريعة بغايا والعياذ بالله.
(1) خيبر: بمعجمة وتحتانية وموحدة ، بوزن جعفر ، وسميت خيبر ؛ (بخيبر بن قانية) ، وهو أول من نزلها ، وهي منطقة من مناطق اليهود ، وتبعد عن المدينة من جهة الشمال قرابة (165 كيلو متر) ، وفتح خيبر كان على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فنصر الله تعالى الإسلام على اليهود في السنة السابعة للهجرة.
وانظر (فتح الباري) لابن حجر (7/464) ، (ودلائل النبوة) للبيهقي (2/197) ، (وزاد المعاد) لابن القيم (3/316) ، (وأنساب الأشراف) للبلاذري (1/352) ، (وجوامع السيرة) لابن حزم (ص167) ، (وشرح صحيح مسلم) للنووي (12/185) ، (والدرر) لابن عبد البر (ص23).
(1) يعني عام فتح مكة شرفها الله ، حيث فتحت في رمضان في سنة ثمان للهجرة. وانظر (فتح الباري) لابن حجر (8/3) ، (والبداية والنهاية) لابن كثير (4/278) ، وشرح (صحيح مسلم) للنووي (7/231) ، (وسيرة ابن هشام) (2/399) ، (وتاريخ الطبري) (3/60).
[1]) الجمال: الحسن.
[2]) الدمامة: القصر والقبح في الصورة.
[3]) برد: لباس.
[4]) خلق: بفتح اللام، بال مقطع.
[5]) غض: الطري لم يتغير، والمراد هنا نظارته وطراوته.
[6]) البكرة: هي الفتية من الإبل، الشابة القوية.
[7]) الغنطنطة: هي الطويلة العنق في اعتدال، وحسن قوام.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص184)، و(النهاية) لابن الأثير (ج2 ص71 و134)، و(ج3 ص371)، و(المفهم) للقرطبي (ج4 ص96)، و(مختار الصحاح) للرازي (ص114).
[8]) البكرة: هي الفتية من الإبل، الشابة القوية.
[9]) العيطاء: هي الطويلة العنق في اعتدال وحسن.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص184)، و(النهاية) لابن الأثير (ج3 ص329)، و(المفهم) للقرطبي (ج4 ص96).
[10]) قوله (فلما قضينا عمرتنا) يشير إلى أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد ذكرت أن هذا وهم، وأن الصحيح المشهور أن التحريم كان عام الفتح كما سوف يأتي.
[11]) الاستمتاع: الانتفاع بالشيء إلى مدة.
انظر: (القاموس الفقهي) لسعدي (ص335).
[12]) يعني لأنهن قد استحققن ذلك بالدخول عليهن.
انظر: (المفهم) للقرطبي (4/98)
[13]) قلت: وهذا مثال للمزيد في متصل الأسانيد.
[14]) وقد تصحف في مسند الإمام أحمد (عبد ربه) إلى (عبد رب) بدون الضمير ، فلعله من الناسخ ذاته ، وتصحف كذلك شيخه إلى (عبيد بن محمد بن عمر بن عبد العزيز) ، وسماه الحسيني في (الإكمال) (ص283): (عبيد الله بن محمد ، وقال: ليس بمشهور) ، وتابعه ابن حجر في (التعجيل) (ص273) ، إلا أنه ذكر أن الحسيني قال فيه: (فينظر) ، وكذلك ذكره في أطراف المسند (2/426).
قلت: ولم أجد له ذكرا فيما سوى هذين الكتابين من كتب الرجال ، ولم أجد من ذكر أن لعمر بن عبد العزيز ولدا اسمه (محمد) ، ويبدو لي أنه تصحيف.
وأن الصواب فيه: هو عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فقد جاء كذلك عند النسائي في (السنن الكبرى)، كما في (تحفة الأشراف) للمزي (3/266) وغيره من طريق محمد بن جعفر ، شيخ الإمام أحمد، وقد سقنا قبل قليل أحاديث من طريق عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة ، وهذا يؤكد لنا أنه هو على الصواب.
وقد تحرف عبد العزيز بن عمر في مطبوع النسائي إلى (عبيد الله بن عمر) ، وقد جاء على الصواب في (تحفة الأشراف) للمزي (3/266).
[15]) فيه تحريف سبق بيانه.
(1) انظر: (معرفة علوم الحديث) للحاكم (ص444).
(1) ذكر ذلك الذهبي في (ميزان الإعتدال) (2/659).
(1) وذكره الصنعاني في (توضيح الأفكار) (2/298).
(1) انظر: (إرشاد الساري) للقسطلاني (11/457)، و(بلوغ الأماني) للبنا (ج66 ص193).
(2) انظر خبر هذه الغزوة ، وما تضمنتها من مسائل فقهية ، وفوائد ، ونكت في كتاب (زاد المعاد) لابن القيم (3/465 ـ 494).
(1)قلت: وقد رجع ابن عباس رضي الله عنهما عن إباحة متعة النساء إلى تحريمها كما سوف يأتي.
(1) قال الشيخ عبد الله آل محمود رحمه الله في (بطلان نكاح المتعة) (6/188 ـ مجلة البحوث) وهو يرد على الشيعي: (إن أول كلمة بدأ بها مقالته هي قوله: إن المتعة كانت مباحة وإن أول من قال بتحريمها هو الخليفة الثاني يعني عمر بن الخطاب t فهو يحاول إلصاقها بعمر ـ يستبيح بذلك حرمة تحريمها وينزه الرسول r عنها ، وهذا ليس محمولا على عدم معرفته أحاديث النسخ لها وإجماع الصحابة على تحريمها ، وإنما فعله تلبيسا على أسماع الناس ـ كما قال سبحانه: ]يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون[ [آل عمران: 71]، ولبس الحق بالباطل هو تغطيته به بحيث يظهر الباطل في صورة الحق فيظهر للناس باطله في صورة الحق وهو في الحقيقة باطل.اهـ
(2) وأمر النبي r بالنكاح الشرعي ، فما هي الحاجة إلى المتعة ، وهي لا تزيد الأمة إلا الذل والعياذ بالله.
(3) (3/30).
(1) ألا نستخصي: من (خصيت الفحل) إذا سللت خصيته ، وليس مرادهم أن يفعلوا هذا ، فإنه حرام ، وحاشاهم أن يسألوا عنه r الإجازة في ارتكاب الأمر المحرم ، بل المراد طلبهم الإذن منه r في أن يقطعوا شهوتهم بمعالجة. وانظر (فتح الباري) لابن حجر (9/118 و 119) ، و(إرشاد الساري) للقسطلاني (11/113).
(2) انظر (فتح الباري) لابن حجر (9/119) ، و(إكمال المعلم) لعياض (4/533).
(1) العزبة من العزوبة: وهو البعد عن النكاح، والتجرد عن النساء.
انظر: (النهاية) لابن الأثير (3/228)، و(مختار الصحاح) للرازي (ص412).
(2) انظر: (فتج الباري) لابن حجر (9/119).
(1) قلت: الحديث في ذلك ضعيف، والتحريم الأخير كان في يوم فتح مكة كما بينا.
(1) القبضة: بضم القاف وفتحها ، والضم أفصح ، ما قبضت عليه من شيء ، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر. انظر (شرح صحيح مسلم) للنووي (9/183).
(2) يعني كان يستمتع بامرأة. انظر (ناسخ الحديث) لابن شاهين (ص364).
(1) يعني متعة الحج ، ومتعة النكاح. انظر (السنن الكبرى) للبيهقي (7/206).
(2) انظر (فتح الباري) لابن حجر (9/174).
(1) عام أوطاس: هو يوم فتح مكة ، وأوطاس واد بالطائف. انظر (إرشاد الساري) للقسطلاني (11/457).
(1) انظر (إرشاد الساري) للقسطلاني (11/458).
وقال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (ج4 ص535): (روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكر مسلم منهم: ابن مسعود، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، وجابر بن عبدالله، وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الآثار كلها أنها كانت في الإقامة، وإنما جائت في مغازيهم، وعند ضروراتهم في أسفارهم، وعدم النساء).اهـ
قلت: فلما بعث الله تعالى النبي
عن بسام الصيرفي قال: (سألت جعفر بن محمد عن المتعة –ووصفتها له- فقال لي: ذلك الزنا).
أثر حسن
أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص207) من طريق محمد بن عبدالله الحضرمي ثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا الأشجعي عن بسام الصيرفي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
والإسناد جوده الشيخ الألباني رحمه الله في (الصحيحه) (ج5 ص528).
6) وعن سعيد بن المسيب قال: (نسخ المتعة الميراث). يعني (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) [النساء:12].
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص207)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص192)، وعبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص505)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج4 ص292)، وابن أبي حاتم في (تفسيرة) (ج ص) من طريق سفيان حدثني داود يعني ابن أبي هند عن سعيد بن المسيب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في (الفتح) (ج9 ص173)، والإسناد جوده الشيخ الألباني في (الصحيحه) (ج5 ص528).
قال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص193): (وذلك أن المتعة لا ميراث فيها، فلهذا قال بالنسخ، وإنما المتعة أن يقول لها أتزوجك يوما، أو ما أشبهه على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنى بعينه، ولذلك قال عمر t: (لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة )).اهـ
وقال ابن بطال رحمه الله في (شرح صحيح البخاري) (ج7 ص225): (ولا خلاف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، وأن الفرقة تقع فيه عند انقضاء الأجل من غير طلاق، وليس هذا حكم الزوجية عند أحد من الأمة).اهـ
وقال ابن نصر في (الناسخ والمنسوخ) (ص72): (فنسخ هذه الآية ذكر ميراث الربع والنصف).اهـ
قلت: ومعنى هذا الكلام أن الأحكام المتعلقة بالنكاح من عدة وميراث وطلاق لا تنطبق على المتعة، فهذه الأحكام التي شرعت والمتفق عليها عند الجميع تؤكد نسخ المتعة، فمثلا الطلاق لا ينطبق على المتعة حيث لا تحتاج إلى طلاق بل فراقها يحصل بانقضاء الجل المحدود له بدون طلاق([2])!!!.
قال ابن الكوسج رحمه الله في (المسائل) (ج4 ص1549): قال إسحاق: (حرام بلا شك –يعني نكاح المتعة- لما ثبت نهيه وتحريمه بعد إحلاله، ونسخ ذلك العدة والميراث والطلاق).اهـ
وقال ابن قدامة رحمه الله في (الكافي) (ج3 ص56): (ما يفسد النكاح من أصله... أن يشرطا تأقيت النكاح، وذلك نكاح المتعة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا أو نحوه، فالنكاح باطل... ولأنه لم يتعلق به أحكام النكاح من الطلاق وغيره، فكان باطلا، كسائر الأنكحة الباطلة).اهـ
قال البخاري رحمه الله في (صحيحه) (ج9 ص167): (وقد بينه علي عن النبي r أنه منسوخ).اهـ
وبوب البخاري في (صحيحه) (ج9 ص166): باب نهي رسول الله r عن نكاح المتعة أخيرا.
قلت: ووقع في حديث أبي ذر t التصريح بختصاص المتعة بالصحابة رضي الله عنهم، مع نسخها بعد ذلك إلى قيام الساعة. ([3])
7) وعن أبي ذر t قال: (إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله r متعة النساء ثلاثة أيام ، ثم نهى عنها رسول الله r).
حديث حسن
أخرجه أبو العباس الأصم في (حديثه) (ص236)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص207)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص351) من طريق العباس بن الوليد حدثنا خنيس بن بكر بن خنيس حدثنا مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبي ذرt به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به، وخنيس بن بكر بن خنيس ذكر ابن حبان في (الثقات) (ج8 ص133)، وبيض له ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) (ج2 ص394). لكن نقل الخطيب في (تاريخ بغداد) (ج8 ص342) تضعيفه عن صالح حزرة، فلا بأس من تحسين إسناده للمتابعات والشواهد.
وخاصة أن له طريقا آخر: أخرجه أبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (55).
واخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص897)، وابن حزم في (حجة الوداع) (ص361) من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن فضيل عن زبيد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: قال أبو ذر t: (لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة. يعني : متعة النساء، ومتعة الحج).
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص207) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن عبدالرحمن بن الأسود عن إبراهيم التيمي عن سليم المحاربي عن يزيد التيمي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (إن كانت المتعة لخوفنا ولحربنا).
وإسناده حسن في المتابعات
وأخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص26) من طريق ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبدالرحمن عن أبي ذر t قال: (إنما كانت متعة النساء لنا خاصة).
وإسناده توبع.
فقوله: (إنما كانت متعة النساء لنا خاصة) يدل على أن المتعة أبيحت من أجل الحاجة الضرورية كـ(الغزو) وغيره، والنساء قلة ثم نسخت([4]).
قال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص459): (نعم وقع في حديث أبي ذر عند البيهقي: أنها أحلت للصحابة ثلاثة أيام ثم نهى عنها).اهـ
وقال العيني رحمه الله في (عمدة القاري) (ج16 ص304): (ووقع في حديث أبي ذر t التصريح بالإختصاص).اهـ
ويؤيده: عن أبي جمرة ، قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له : (إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (ج11 ص458) والقسطلاني في (إرشاد الساري) (ج11 ص358) من طريق غندر حدثنا شعبة عن أبي جمرة به.
قلت: وهذا يدل إنما كان ترخيص المتعة للحاجة الضرورية كالميتة ثم نسخت المتعة إلى يوم القيامة.
وإليك الدليل الآخر:
8) عن ابن شهاب قال: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله([5]): (أنه بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري : مهلا! قال : ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين.
قال ابن أبي عمرة : إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص205) من طريق يونس قال ابن شهاب به.
قلت: وليس في روايتهما تصريح باسم ابن عباس إذ كنى عنه بـ(رجل).
فأخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص81) من طريق عبدالله بن صالح عن الليث عن يونس عن ابن شهاب: أن خالد بن المهاجر بن سيف الله أخبره أنه: (بينما هو جالس عند ابن عباس، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري... فذكره).
قال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية) (ج4 ص337): (هو النكاح إلى أجل معين... كأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم، وقد كان مباحا في أول الإسلام ثم حرم، وهو الآن مباح عند الشيعة!!!).
قال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص73): (جاءت الآثار في السنة، وفي تاويل الكتاب بنسخ انواع من النكاح، فمنها: ما كان حلالا فنسخه التحريم، ومنها: ما كان حراما فنسخه التحليل، ومنها: ما اختلفت العلماء في نسخه، وأما الذي كان حلالا فنسخ بالتحريم فإنه نكاح المتعة).اهـ
وقال أبوعبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص82): (أما قول أهل العلم اليوم جميعا من أهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل الشام، وأصحاب الأثر، وأصحاب الرأي وغيرهم: أنه لا رخصة فيها لمضطر، ولا لغيره، وأنها منسوخة، حرام على ما ذكرنا عن النبي r وأصحابه).اهـ
قلت: فمتعة النساء كانت رخصة ضرورية لأصحاب النبي r فقط دون الناس، ثم نسخت إلى التحريم إلى يوم القيامة.
قال ابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (342): (وقد روى عن رسول الله r أنه نهى عن المتعة بعد أن رخص فيها غير من ذكرنا).اهـ
وقال ابن الجوزي رحمه الله في (ناسخ الحديث) (ص343): (فقد وقع الاتفاق على النسخ، وإن اختلف في الوقت.
غير أن حديث علي t مقدم لثلاثة أوجه:
أحدها: أنه متفق على صحته، وحديث سبرة من أفراد مسلم.
والثاني: أن عليا أعلم باحوال رسول الله r من غيره.
والثالث: أنه أثبت تقديما في الزمان خفي على غيره، وكأنهم استعملوا عند فتح مكة ما كانو يبيحونه من غير علم بالناسخ أنه قد وقع فنهاهم.
إلا ان في هذا التأويل بعدا من جهة أن حديث سبرة صريح في أن الإباحة وقعت يوم الفتح).اهـ
9) عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب t، أن رسول الله r : (نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية).
وفي رواية عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما ، أنه سمع علي بن أبي طالب t، يقول لابن عباس: (نهى رسول الله r عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (ج6 ص2553)، ومسلم في (صحيحه) (ج2 ص1028)، والدارقطني في (سننه) (ج3 ص358)، وفي (العلل) (ج4 ص115)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (ج6 ص102)، وفي (الأسماء المبهمة) (ص177)، والخلدي في (حديثه) (ص286)، والشافعي في (المسند) (ص162)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج3 ص106)، والدرمي في (المسند) (ج2 ص140)، والبيهقي في (المعرفة) (ج10 ص174)، وابن الجارود في (المنتقى) (ص175)، والحازمي في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص638)، والدوري في (مارواه الأكابر عن مالك بن أنس) (ص39)، وابن مردويه في (المنتقى) (ص320)، وسعيد بن منصور في (سننه) (ج1 ص218)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص195)، وفي (أماليه) (ص421)، وأبو الشيخ في (ذكر القران) (ص76)، وابن جماعة في (مشيخته) (ج1 ص345)، والعلائي في (بغية الملتمس) (ص195)، وحرب الكرماني في (مسائله) (ص55)، والزيات في (حديثه) (ق/12/ط)، وأبوعوانة في (المستخرج) (ج5 ص158)، وابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة) (ص815)، ومحمد بن الحسن في (الموطأ) (ص197)، وابن الأعرابي في (المعجم) (1343)، والتاج السبكي في (معجم شيوخه) (ص487)، والحميدي في (المسند) (37)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (435)، والثعلبي في (الكشف والبيان) (ج3 ص287)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة) (ص23)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج4 ص292)، والعسكري في (الأوائل) تعليقا (ص112)، وابن البهلول في (حديثه) (ق/126/ط)، وابن البخاري في (مشيخته) (ج2 ص1375)، وابن عساكر في (الأربعين حديثا من المواساة) (ص 179)، وفي (تاريخ دمشق) (ج32 ص367و368) و(ج13 ص373)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص96)، وفي (الاستذكار) (ج16 ص285)، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (ج11 ص457)، وأبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص75)، وابن الجوزي في (إخبار أهل الرسوخ) تعليقا (ص31)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج4 ص204) من طريق الزهري عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن علي عن أبيهما به.
واخرجه البخاري في (صحيحه) (ج4 ص1544)، دون ذكر ابن عباس فيه، ومسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027)، والترمذي في (سننه) (ج3 ص421)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج3 ص160)، وفي (السنن الصغرى) (ج7 ص202)، وابن ماجه في (سننه) (ج1 ص360)، وابو مصعب في (الموطأ) (ج1 ص594)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص26)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (433)، والخلدي في (حديثه) (ص285)، وعبدالرزاق في (المصنف) (7820)، وابن الأعرابي في (المعجم) (151)، والتاج السبكي في (معجم شيوخه) (ص488)، وابن بشكوال في (غوامض الأسماء المبهمة) (ص814)، وأبو عوانة في (المستخرج) (ج5 ص159)، وابن جماعة في (مشيخته) (ج1 ص344)، وأبو زكريا البخاري في (مجلس من أماليه) (ق/4/ط)، والجصاص في (أحكام القرآن) (ج2 ص150)، ومالك في (الموطأ) (ج2 ص542)، والدارقطني في (العلل) (ج4 ص115)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص201)، وفي (السنن الصغرى) (ج3 ص57)، وفي (المعرفة) (ج10 ص174)، والبغوي في (شرح السنة) (ج9 ص99)، وفي (التفسير) (ج2 ص193)، وأحمد في (المسند) (ج1 ص79)، والحازمي في (الاعتبار) (ص393)، وابن عبدالبرفي (التمهيد) (ج10 ص101)، والبزار في (المسند) (ج2 ص241)، وأبو يعلى في (المسند) (ج1 ص434)، وابن الجارود في (المنتقى) (ص175)، والطبراني في (المعجم الأوسط) (5504)، وفي (المعجم الصغير) (ج1 ص133)، وابن حبان في (صحيحه) (4143)، والعلائي في (بغية الملتمس) (ص194)، وابن أبي عيسى في (اللطائف) (ص324)، والجوهري في (مسند الموطأ) (201)، وابن البخاري في (مشيخته) (ج3 ص1374)، وابن عساكر في (الأربعين حديثا في المساواة) (ص179)، وفي (تاريخ دمشق) (ج32 ص369)، والذهبي في (السير) (ج4 ص131)، و(ج8 ص117)، (ج11 ص439)، وابن الحاجب في (عوالي مالك) (ج1 ص2)، والشافعي في (المسند) (ص53)، وفي (السنن) (ص11)، والدمياطي في (المصافحات) (ص279)، والحدثاني في (الموطأ) (ص316)، وأبو نعيم في (الحلية) (ج3 ص177)، وابن القاسم في (الموطأ) (ص120) من طرق عن الزهري عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي به.
وقال الترمذي: حديث علي حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من اصحاب النبي وغيرهم.
وفي رواية لمسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027) من طريق جويرية عن مالك عن ابن شهاب عن عبدالله والحسن ابني محمد بن علي أن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لفلان : (إنك رجل تائه([6]) نهانا رسول الله r عنء متعة النساء يوم خيبر).
ومن هذا الوجه اخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص24)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص68)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص195)، والدارقطني في (العلل) (ج4 ص15)، والبيهقي في (السنن الصغرى) (ج3 ص57)، وابن بشكوال في (غوامض السماء المبهة) (ص815)، وابو عوانة في (المستخرج) (ج5 ص158).
قال البيهقي في (السنن الصغرى) (ج3 ص58): (ولولا أن عليا علم نسخ نكاح المتعة لما استجاز مثل هذا القول لابن عباس في ذهابه إلى جوازه).اهـ
وقال البيهقي في (السنن الصغرى) (ج3 ص58): (وفي ذلك تأكيد لما قلنا من أن إخبار علي في النهي عن نكاح المتعة إنما هو بعد الرخصة فيه، ثم لم يرخص فيه بعد.
فلولاه لما استحق ابن عباس الإنكار عليه).اهـ
وفي رواية لمسلم في (صحيحه) (ج2 ص1028) من طريق عبيد الله عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي أنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء، فقال : (مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله r نهى عنها يوم خيبر).
وكذلك أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (ج3 ص328)، وفي (السنن الصغرى) (ج6 ص125)، من طريق يحيى عن عبيد الله بن عمر حدثني الزهري به.
وأخرجه أحمد في (المسند) (ج1 ص142) من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما محمد بن علي أنه سمع أباه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لابن عباس وبلغه أنه رخص في متعة النساء، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن رسول الله r قد نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية).
حديث صحيح
وأخرجه الطيالسي في (المسند) (ص18) من طريق سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي سلمة كلاهما سمعا الزهري يقول: حدثني الحسن وعبد الله ابنا محمد بن الحنفية عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لرجل يفتي في المتعة: انظر ماذا تفتي، فأشهد أن رسول الله r نهى عن نكاح المتعة).
حديث صحيح.
وأخرجه الدوري في (ما رواه الأكابر عن مالك) (ص39)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (ج8 ص461) من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن عبدالله بن محمد عن أبيه عن علي به.
قال النحاس في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص190): (ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالبt، واستقامة طريقة روايته عن رسول الله r وتحريم المتعة).اهـ
10) وعن سبرة بن معبد الجهني t قال: (أمرنا رسول الله r بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ، ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1025)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، وابن الجوزي في (إخبار أهل الرسوخ) تعليقا (ص30)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6537)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص103)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص36) من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه عن جده به.
وأخرجه –مطولا فيه ذكر خروجهم مع رسول الله r عام الفتح- مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1024)، وابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص455)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص69)، واحمد في (المسند) (ج3 ص405)، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (337)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6522)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (ص48) من طريق عمارة بن غزية ثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله r عام الفتح إلى مكة، فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم)، فأذن لنا رسول الله r في متعة النساء، فخرجت أنا، ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال([7])، وهو قريب من الدمامة([8])، مع كل واحد منا برد([9])، فبردي خلق([10])، وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض([11])، حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة([12]) العنطنطة([13])، فقلنا : هل لك أن يستمتع منك أحدنا؟ قالت : وماذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده، فجعلت تنظر إلى الرجلين ويراها صاحبي تنظر إلى عطفها، فقال : إن برد هذا خلق، وبردي جديد غض، فتقول : برد هذا لا بأس به ثلاث مرار أو مرتين، ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرمها رسول الله r).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1023)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص236)، وفي السنن الصغرى (ج6 ص126)، وأحمد في المسند (ج4 ص405)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6521)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص22)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج20 ص133)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص109)، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (ص338)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص68)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص25) من طريق الليث بن سعد حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه سبرة أنه قال: (أذن لنا رسول الله r بالمتعة، فانطلقت أنا، ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة([14]) عيطاء([15]) ، فعرضنا عليها أنفسنا، فقالت : ما تعطي؟ فقلت ردائي، وقال صاحبي : ردائي، وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت : أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثا، ثم إن رسول الله r قال: من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، والشافعي في (المسند) (ج2 ص249)، والحميدي في (المسند) (846)، وأحمد في (المسند) (ج4 ص405)، وأبوبكر النيسابوري في (الزيادات على كتاب المزني) (ص505)، وأبو يعلى في (المسند) (938)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، وفي (المعرفة) (4234)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6530)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (24)، والدارمي في (المسند) (ج2 ص140)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص358)، وابن الجارود في (المنتقى) (698)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص102)، وسعيد بن منصور في (السنن) (ج1 ص218)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج20 ص132)، والنحاس في (الناسخ والمنسوخ) تعليقا (ج2 ص197)، وأبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) (ج3 ص245)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، من طريق سفيان ابن عيينة عن الزهري أخبرني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (نهى رسول الله r عن نكاح المتعة عام الفتح).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص495)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص70)، وأبو داود في (سننه) (2073)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6529)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص358)، وابن الجارود في (المنتقى) (698)، وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) (ج5 ص29)، وعبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص502)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج6 ص218) من طريق معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه : (أن رسول الله r نهى يوم الفتح عن متعة النساء).
واخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1025)، والحمامي في (حديثه) (ص84)، وابو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص73)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج6 ص218)، والحميدي في (المسند) (847)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص405)، وابن الجارود في (المنتقى) (699)، والرياني في (المسند) (ص234)، وتمام في (الفوائد) (ج2 ص387)، والبغوي في (شرح السنة) (ج9 ص100)، وفي (التفسير) (ج2 ص193)، وابن الأثير في (أسد الغابة) (ج2 ص325)، وابن قانع في (معجم الصحابة) (ج1 ص303)، وابن المقري في (المعجم) (ص230)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص346)، وأبو الشيخ في (ذكر الأقران) (ص53)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص108)، والطبري في (تفسيره) (ج5 ص13)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6517) و(6518)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص26)، وابن الجوزي في (ناسخ الحديث) (ص339)، وأبو الفتح المقدسي (ص48)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص69)، وفي (معرفة الصحابة) (ج3 ص1418)، وابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص454)، وأبو يعلى في (المسند) (939)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص203)، وفي (السنن الصغرى) (ج3 ص59)، وفي (المعرفة) (ج10 ص177)، والدارمي في (المسند) (ج2 ص64) من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثنا الربيع بن سبرة أن أباه حدثه: (خرجنا مع رسول الله r فلما قضينا عمرتنا([16])، قال لنا رسول الله r: استمتعوا من هذه النساء، قال والاستمتاع([17]) عندنا يوم التزويج، قال: فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلا، قال فذكرنا ذلك للنبي r فقال: افعلوا، قال: فانطلقت أنا وابن عم لي ومعه بردة ومعي بردة، وبردته أجود من بردتي، وأنا أشب منه فأتينا امرأة، فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت برد كبرد، قال: فتزوجتها، فكان الأجل بيني وبينها عشرا، قال : فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غاديا إلى المسجد، فإذا رسول الله r بين الباب والحجر، يخطب الناس يقول: ألا أيها الناس، قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله تبارك وتعالى، قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا([18])). واللفظ لابن حبان.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (6527)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص361)، وأبو الفضل الزهري في (حديثه) (ج1 ص262)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص235)، والترمذي في (العلل الكبير) (ج1 ص440)، وأبو نعيم في (الحلية) (ج5 ص363)، والباغندي في (مسند عمر بن عبدالعزيز) (ص176) من طريق محمد ابن إسحاق عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن رسول الله r نهى عن المتعة يوم الفتح).
قال الترمذي رحمه الله في (العلل الكبير) (ج1 ص440): (سألت محمدا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث خطأ، والصحيح عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه ليس فيه عمر بن عبدالعزيز، وإنما أتى هذا الخطأ من جديد بن حازم) ([19]).
قلت: هكذا رواه الزهري عن عمر بن عبدالعزيز عن الربيع بن سبرة، ورواه الزهري عن الربيع بن سبرة به كما تقدم، دون واسطة، والسبب في ذلك أن الربيع بن سبرة حدث بهذا الحديث عمر بن عبدالعزيز، والزهري يسمع، فرواه مرة عن عمر بن عبدالعزيز، وأخرى عن الربيع مباشرة.
وقد نقل ذلك مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027) كما تقدم بسنده عن الزهري قال: (وسمعت ربيع بن سمرة يحدث بذلك عمر بن عبدالعزيز وأنا جالس).
وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص452)، والنسائي في (السنن الكبرى) (5542)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6518)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص405)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص26) من طريق شعبة عن عبد ربه بن سعيد([20]) عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن رسول الله r رخص في متعة النساء ، فأتيته بعد ثلاث، فإذا هو يحرمها أشد التحريم، ويقول فيها أشد القول).
وإسناده صحيح.
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1027)، والطبراني في (المعجم الكبير) (ج7 ص111)، وفي (المعجم الأوسط) (ج6 ص382)، وفي (مسند الشاميين) (ج1 ص42)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص349)، والباغندي في (مسند عمر بن عبدالعزيز) (ص173)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص71)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص330) من طريق الحسن بن أعين حدثنا معقل عن ابن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه: (أن رسول الله r نهى عن المتعة وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا، فلا يأخذه).
وأخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1026)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص71) من طريق صالح أخبرنا ابن شهاب عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة زمان الفتح، متعة النساء).
وأخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص361)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص27) من طريق عمر بن عبدالعزيز به.
وأخرجه أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) (ج3 ص246)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج2 ص133)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص350) من طريق حرملة بن عبدالعزيز بن الربيع بن سبرة ثني أبي عن أبيه عن جده سبرة الجهني به.
وأخرجه ابن قانع في (معجم الصحابة) (ج1 ص303) من طريق يحيى بن سعيد عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه: (أن النبي r حرم المتعة يوم فتح مكة).
وأخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) (ج4 ص328) من طريق المعافى بن عمران حدثنا أو حنيفة عن موسى الجهني عن أبيه عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
وأخرجه ابن العديم في (تاريخ حلب) (ج6 ص2710) من طريق محمد بن الحسن الشيباني قال حدثنا أبو حنيفة عن محمد الزهري عن سبرة عن الربيع عن أبيه به.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (ج6 ص197) من طريق سلمة بن صالح عن أبي فروة عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: (نهى النبي r عن متعة النساء).
وأخرجه ابن المظفر في (غرائب حديث الإمام مالك) (ص212) من طريق عمرو بن أبي سلمة قال ذكر مالك عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
وأخرجه أبوالقاسم البغوي في (الجعديات) (ج2 ص682)، والنسائي في (السنن الكبرى) (5542) من طريق عبيد الله([21]) بن عمر بن عبدالعزيز عن الربيع عن أبيه به.
وأخرجه الخطيب في (المتفق والمفترق) (ج1 ص421) من طريق موسى بن أعين حدثنا إسحاق بن راشد عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال سمعت رسول الله r: (ينهى عن نكاح المتعة).
والحديث يذكره بعضهم مختصرا، وبعضهم مطولا.
قال النووي رحمه الله عم حديث سبر بن معبد في (شرح صحيح مسلم) (ج9 ص186): (وفي هذا الحديث التصريح بالمنسوخ والناسخ في حديث واحد من كلام رسول الله r، كحديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) وفيه التصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة).
وقال ابن عبدالبر رحمه الله في (التمهيد) (ج10 ص99): (يكون رسول الله r نهى عنها يوم خيبر، ثم أرخص فيها يوم الفتح ثلاثة أيام، ثم حرمها أيضا.
وفي حديث الربيع بن سبرة عن النبي r ما يدل على ذلك).
قلت: ومن الغريب أن ابن جريج هو أحد رواة لهذا الحديث، وفيه: (وإن الله عز وجل حرمها إلى يوم القيامة).
ومع ذلك كان يرى المتعة.
قال الذهبي رحمه الله في (الميزان) (ج2 ص659): (كان يرى الرخصة في ذلك، وكان فقيه أهل مكة في زمانه).
ثم وجدت ابن حجر رحمه الله قال في (فتح الباري) (ج9 ص173): (وقد نقل أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج أنه رجع عنها، بعد أن روى بالبصرة في إباحتها ثمانية عشر حديثا).
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص25): (ففي هذه الآثار النهي من رسول الله r عن المتعة. فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله r من الإذن فيها، كان ذلك من قبل النهي، ثم نهى عنها فكان ذلك النهي ناسخا، لما كان من الإباحة قبل ذلك).
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الاثار) (ج3 ص26): (ففي هذه الآثار تحريم رسول الله r المتعة بعد إذنه فيها، وإباحته إياها).
قلت: إنما كانت المتعة رخصة في أول الإسلام، ثم نهى عنها رسول الله r إلى يوم القيامة.
11)عن سلمة بن الأكوع t قال: (رخص رسول الله r عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها).
أخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1023)، والحازمي في (الاعتبار) (ج2 ص634)، والدارقطني في (السنن) (ج3 ص258)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة) (ص62)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، وفي (دلائل النبوة) (ج5 ص89)، وفي (المعرفة) (ج10 ص177)، وأحمد في (المسند) (ج27 ص84)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (ج4 ص292)، والطحاوي في (شرح معاني الاثار) (ج3 ص26)، وابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص458)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج2 ص68)، وابن عبدالبر في (التمهيد) تعليقا (ج10 ص110)، وفي (الاستذكار) تعليقا (ج16 ص293) من طريق عبدالواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه به.
وقوله (عام أوطاس): هو يوم فتح مكة([22]).
قال ابن حبان رحمه الله في (صحيحه) (ج9 ص458): (عام أوطاس، وعام الفتح واحد).اهـ
قال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (ج9 ص181): (والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتحح مكة، وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يمئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم).اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله في (سبل السلام) (ج3 ص210): (وحديث سلمة بن الأكوع هذا أفاد أنه r رخص في المتعة ثم نهى عنها، واستر النهي ونسخت الرخصة).اهـ
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (ج7 ص204): (وفي رواية سبرة بن معبد ما دل على أن الإذن فيه كان ثلاثا، ثم وقع التحريم، كهو في رواية سلمة بن الأكوع فروايتهما ترجع إلى وقت واحد، ثم إن كان الإذن في رواية سلمة بن الأكوع بعد الفتح في غزوة أوطاس، فقد نهى عنها بعد الإذن فيها، ولم يثبت الإذن فيها بعد غزوة أوطاس فبقي تحريمها إلى الأبد).اهـ
12) وعن جابر t قال: (نهى رسول الله r عن متعة النساء).
حديث حسن لغيره.
أخرجه أبو الشيخ في (طبقات المحدثين بأصبهان) (ج3 ص531) من طريق الحسين بن عيسى الزهري قال أخبرنا سلمة بن الفضل قال: ثنا عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر به.
قلت: وهذا سنده فيه أبو الزبير وهو محمد بن مسلم الأسدي صدوق إلا أنه يدلس وقد عنعن([23])، فمثله حسن في الشواهد.
13) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله r عام غزوة خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن متعة النساء، وما كنا مسافحين).
حديث صحيح.
أخرجه ابن شاهين في (ناسخ الحديث) (ص362)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (25)، وحمد بن الحسن في (الآثار) (ج1 ص448)، وابن الغطريف في (جزئه) (ص70)، وابن باطش في (التمييز والفصل) (ج1 ص194)، والثعالبي في (مسندأبي حنيفة) (ق/18/ط)، والخوارزمي في (جامع المسانيد) (ج2 ص85) من طريق أبي حنيفة عن نافع عن ابن عمر به.
وأبو حنيفة توبع، تابعه الزهري قال: أخبرني سالم بن عبدالله به. عند البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202).
وإسناده صحيح.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الأوسط) (2365) من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال: (أتى عبد الله بن عمر، فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة، فقال ابن عمر: معاذ الله، ما أظن ابن عباس يفعل هذا، قالوا: بلى، وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا، ثم قال ابن عمر: (نهانا عنها رسول الله r وما كنا مسافحين).
قال ابن حجر رحمه الله في (التلخيص) (ج3 ص 117): إسناده قوي.
وتابعه معمر عن الزهري عن سالم قيل لابن عمر رضي الله عنهما: (إن ابن عباس يرخص في متعة النساء، فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا، قالوا : بلى، والله إنه ليقوله، قال : أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر، لينكلكم عن مثل هذا، وما أعلمه إلا السفاح).
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص502) وإسناده صحيح.
وأخرجه الدارقطني في (الأفراد) (ج3 ص369 -الأطراف) من طريق منصور بن دينار عن الزهري عن سالم به.
ذكره الهثيمي في (الزوائد) (ج4 ص265) ثم قال: رواه الطبراني وفيه منصور بن دينار وهو ضعيف.
14) وعن عبد الله بن مسعود t قال: (كنا نغزو مع رسول الله r فتطول غربتنا ، فقلنا : ألا نتخصى يا رسول الله؟ فنهانا، ثم رخص أن نتزوج المرأة إلى أجل بالشيء، ثم نهانا عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية).
حديث صحيح
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص506) من طريق ابن عيينة عن إسماعيل عن قيس عن عبدالله بن مسعود به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص111).
قلت: فالحجة قائمة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة لأنه لا ميراث فيه، ولا طلاق، ولا عدة، وأنه ليس بنكاح، وهو سفاح والعياذ بالله.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في (التمهيد) (ج10 ص115): (وقد روي عن النبي r في تحريم نكاح المتعة مما قد ذكرناه ما فيه شفاء، وليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r).اهـ
قلت: وجميع هذه الروايات تدل على أن النهي عن نكاح المتعة إنما كان يوم فتح مكة، ولا تعارض بينهما، وبين الروايات الأخرى الدالة على أن النبي r نهى عن المتعة يوم غزوة خيبر، فقد تكررت إباحتها، وتكرر النهي عنها، واستقر الأمر على النهي عن نكاح متعة النساء إلى قيام الساعة.
قال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (ج9 ص181) بعدما نقل كلاما طويلا للقاضي عياض والمازري في الجمع بين هذه الروايات المختلفة، قال: (الصواب المختار: أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة –وهو يوم أوطاس لاتصالهما- ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم). اهـ
وقال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص80): (فالمسلمون اليوم مجمعون على هذا القول: أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم، ثم نسخها الكتاب والسنة على ما ذكرنا في هذه الأحاديث، ولا نعلم أحدا من الصحابة كان يترخص فيها إلا ما كان من ابن عباس رضي الله عنهما فإنه كان ذلك معروفا من رأيه).اهـ
وقال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص82): (أما قول أهل العلم اليوم جميعا من اهل العراق، واهل الحجاز، وأهل الشام، وأصحاب الأثر، وأصحاب الرأي، وغيرهم: أنه لا رخصة فيها لمضطر، ولا لغيره، وأنها منسوخة، حرام على ما ذكرنا عن النبي r وأصحابه).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص189) عن المتعة: (بعد اجتماع من تقوم به الحجة أن المتعة حرام بكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله r، وقول الخلفاء الراشدين المهديين، وتوبيخ علي بن أبي طالب t ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله له: (إنك رجل تائه، وإن رسول الله r قد حرم المتعة)، ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب t، واستقامة طريقه بروايته عن رسول الله r تحريم المتعة).اهـ
وقال الطبري رحمه الله في (تفسيره) (ج5 ص13): (وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام).اهـ
وقال النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص195): (قال قوم من العلماء: الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله r).اهـ
قال ابن الجوزي رحمه الله في (إخبار أهل الرسوخ) (ص31): (الأحاديث متفقة على نسخ المتعة، إلا أن الأوائل تدل على وقوع التحريم بمكة، وحديث علي t يدل على أن ذلك كان بخيبر، وهو مقدم لثلاثة أوجه:
أحدها: أنه متفق على صحته، وحديث سبرة من أفراد مسلم.
والثاني: أن عليا t أعلم بأحوال النبي r من غيره.
والثالث: أنه أثبت تقديما في الزمان لما خفي على غيره، وكأنهم استعملو عند فتح مكة ما كانو يبيحونه من غير علم بالناسخ أنه قد وقع فنهاهم، وقد كان خفي ذلك على جماعة منهم ابن عباس، فغنه كان يفتي به مدة حتى نهاه علي عن ذلك رضي الله عنهما).اهـ
وقال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية) (ج4 ص292) عن نكاح المتعة: (هو النكاح إلى أجل معين... كأنه ينتفع بها إلى أمد معلوم، وقد كان مباحا في اول الإسلام ثم حرم، وهو الآن مباح عند الشيعة!!!).اهـ
وقال ابن شاهين رحمه الله في (ناسخ الحديث) (ص354): (قد روى حديث نهي رسول الله r عن المتعة بعدما كان رخص فيها، ونهى أن يأخذ منهن شيئا أعطين على ذلك). اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم، ثم إحل ثم حرم إلا المتعة) ([24]).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (تلخيص الحبير) (ج3 ص1171): (قال بعضهم: نسخت ثلاث مرات، وقيل: أكثر، ويدل على ذلك اختلاف الروايات في وقت تحريمها، وإذا صحت كلها فطريق الجمع بينها الحمل على التعدد.
والأجود في الجمع ما ذهب إليه جماعة من المحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية، بل في حال السفر والحاجة.
والأحاديث ظاهرة في ذلك، ويبين ذلك حديث ابن مسعود: (كنا نغزوا وليس لنا نساء، فرخص لنا أن ننكح) فعلى هذا كل ما ورد من تحريم في المواطن المتعددة، يحمل على أن المراد بتحريمها في ذلك الوقت، أن الحاجة انقطعت، ووقع العزم على الرجوع إلى الوطن، فلا يكون في ذلك تحريم أبدا إلا الذي وقع أخرا).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (تلخيص الحبير) (ج3 ص1171): (كان ذلك جائز –يعني نكاح المتعة- في ابتداء الإسلام، ثم نسخ).اهـ
وجزم ابن حزم رحمه الله في (المحلى) (ج9 ص519) بتحريمها لثبوت قوله r: (إنها حرام إلى يوم القيامة) ثم قال: (فامنا بهذا القول نسخ التحريم).اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص24): (الآثار التي احتج بها –يعني في جواز المتعة- قد كانت، ثم نسخت بعد ذلك، وأن رسول الله r قد نهى عن المتعة).اهـ
وقال الطحاوي رحمه الله في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص25): (فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله r من الإذن فيها –يعني المتعة- كان منه ذلك قبل النهي، ثم نهى عنها، فكان ذلك النهي ناسخا، لما كان من الإباحة قبل ذلك).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله : (ذكر ابن مسعودt الإرخاص في نكاح المتعة، ولم يؤقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها، فاشبه حديث علي بن أبي طالب t في نهي النبي r عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخا له، فلا يجوز نكاح المتعة بحال) ([25]).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت فهو يبين أن رسول الله r أحل نكاح المتعة، ثم قال: هي حرام إلى يوم القيامة) ([26]).اهـ
وقال الإمام الشافعي رحمه لله: (وكان بينا والله أعلم ان يكون نكاح المتعة منسوخا بالقرآن والسنة في النهي عنه، لأن نكاح المتعة: أن ينكح إمرأة إلى مدة ثم يفسخ نكاحه بلا إحداث طلاقا منه، وفي نكاح المتعة إبطال ما وصفت مما جعل الله إلى الأزواج من الإمساك والطلاق وإبطال المواريث بين الزوجين، وأحكام النكاح التي حكم الله بها في الظهار والإيلاء واللعان إذا أنقضت المدة قبل إحداث الطلاق) ([27]).اهـ
وقال البهوتي رحمه الله في (دقائق أولي النهى) (ج2 ص668): (أما أذن النبي r فيها –يعني متعة النساء- فقد ثبت نسخه).اهـ
قلت: إذا لا خلاف يعتد به بين علماء المسلمين على الأمور التالية:
أولا: إن المتعة حرمها رسول الله r بنفسه بعد أن أباحها للضرورة.
ثانيا: من قال بها بعد تحريمها من الصحابة، فلأن خبر تحريم الرسول r لها لم يبلغه، وهناك أمثله لذلك تقدمت.
ثالثا: إن عمر بن الخطاب t لم يحرم، ولا يمكنه ان يفعل ذلك، بل أشهر حكم التحريم، وأعلن عن تطبيق عقوبة الزنى على فاعلي المتعة، وكان ذلك بمحضر الصحابة رضي الله عنهم، فلم يعارضه منهم احد، وأما من يزعم أن عمر بن الخطاب t حرم المتعة، فهو كلام مردود، بل الثابت كما سبق بان النبي r هو الذي حرمها([28]) ولله الحمد والمنة.
قال ابن حزم رحمه الله في (المحلى) (ج9 ص519) : (ولا يجوز نكاح المتعة، وهو النكاح إلىأجل، وكان حلالا على عهد رسول الله r ثم نسخها الله تعالى على لسان رسول الله r نسخا باتا إلى يوم القيامة).اهـ
وقال ابن حزم رحمه الله في (المحلى) (ج9 ص520): (ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه). اهـ
وجميع هذه الروايات تدل على النهي عن نكاح المتعة إنما كان يوم فتح مكة، ولا تعارض بينها، وبين الروايات الأخرى الدالة على النبي r نهى عن المتعة يوم غزوةخيبر، فقد تكررت إباحتها، وتكرر النهي عنها، واستقر الأمر على النهي إلى يوم القيامة.
قال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص458): (فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح). اهـ
وقال المازري رحمه الله في (المعلم بفوائد مسلم) (ج2 ص86): (ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت أنه نسخ بما ذكر من الأحاديث في هذا الكتاب وفي غيره، وتقرر الإجماع على منعه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة، وتعلقوا في الأحاديث الواردة بذلك، وقد ذكرنا أنها منسوخة بالحديث الذي فيه (نهى عمر t عن المتعتين...) الحديث، ومحمل لك على أن من خاطبه عمرt قد خفي عنه النسخ، وأن عمر نهى ذلك تأكيدا وإعلانا بنسخه).اهـ
وقال الشوكتني رحمه الله في (الدرر البهية) (ج2 ص15): (ونكاح المتعة منسوخ).اهـ
وقال محمد صديق رحمه الله في (الروضة الندية) (ج2 ص35): (وثبت النسخ من حديث جماعة).اهـ
وقال محمد صديق رحمه الله في (الروضة الندية) (ج2 ص35) بعدما ذكرأحاديث النهي عن المتعة: (وهذا نهي مؤبد وقع في آخر موطن من المواطن التي سافر فيها رسول الله r وتعقبه موته بعد أربعة أشهر، فوجب المصير إليه، ولا يعارضه ما روي عن بعض الصحابة أنهم ثبتو على المتعة في حياته r وبعد موته، إلى آخر أيام عمر، كما زعم صاحب ضوء النهار([29])، فإن من النسخ المؤبد حجة على من لم يعلم، واستمرار من استمر عليها إنما كان لعدم علمه بالناسخ). اهـ
وقال ابن العربي رحمه الله في (عارضة الحدوذي) (ج5 ص48) عن حكم نكاح المتعة: (أما هذا الباب فقد ثبت على غاية البيان، ونهاية الإتقان في الناسخ والمنسوخ والأحكام، وهو من غريب الشيعة، فإنه تداوله النسخ مرتين ثم حرم). اهـ
وقال أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله في (تحريم نكاح المتعة) (ص46): (والنسخ أصل من أصول الشريعة، قد ورد به كتاب الله تعالى، ووجد في سنة رسول الله r، لأن الله تعالى يشرع لعبيده ما هو الصلح لهم، ثم ينسخه بغيره إذا أراد ذلك فيكون هو الأصلح لهم، وكل موضع ثبت النسخ في كتاب الله تعالى، أو في سنة رسوله عليه السلام فهو على التأييد، وتحريمه لازم لجميع الأمة إلى يوم القيامة، كتحريم الصلاة إلى بيت المقدس حين نسخت بالكعبة وغير ذلك مما ورد الشرع بنسخه وتحريمه، وأنا اذكر في هذا الباب ما يدل على صحة نسخ المتعة مما لا يجوز خلافه، ويلزم كل مسلم قبوله، وبالله التوفيق).اهـ
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى في (الفتاوى) (ج5 ص251): (نكاح المتعة باطل محرم، لأن النبي r نهى عنه عام الفتح نهيا صريحا وناسخا لما سبق من الإذن بالمتعة، وأجمع على ذلك علماء المسلمين لم يخالف منهم أحد إلا من شذ من الفرق الضالة ولا عبرة بخلافهم.
فالمتعة حرام، ونكاح باطل بإجماع العلماء والخلاف الذي فيها خلاف شاذ لا عبرة به ولا ينقض الإجماع مع النصوص الصريحة الصحيحة في تحريم المتعة عن رسول الله r، وقد تواتر بذلك وتضافرت ودلت على بطلان نكاح المتعة).اهـ
واعلم أن الناسخ قد ينسخ:
1) إما بغير الحكم الأول.
2) وإما بمثله.
فقد نسخ صوم يوم عاشوراء بالتخيير بين صوم رمضان والإطعام، ثم نسخ ذلك التخيير بالتعيين([30]).
وهو العاشر من شهر محرم، واتفق أهل العلم على استحباب صيامه، ويسن الجمع بين التاسع والعاشر([31]).
وقد صح –كما سبق- أن نكاح المتعة قد أباحه الله تعالى قبل خيبر، ثم حرمه يوم خيبر، ثم أباحه يوم فتح مكة، ثم حرمه بعدها فاستقر فيه التحريم إلى يوم القيامة([32]).
[1]) بل يعتبر من أنكحة أهل الجاهلية.
انظر: (تحريم نكاح المتعة) لأبي الفتح المقدسي (ص53).
[2]) انظر: (المبدع) لابن مفلح (ج7 ص87).
[3]) انظر: (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) للعيني (ج16 ص304).
[4]) انظر: (شرح معاني الآثار) للطحاوي (ج3 ص27).
[5]) سيف الله: هو خالد بن الوليد الخزومي. سماه بذلك رسول الله r، لأنه يتكأ في أعداء الله.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص188).
[6]) يعني ابن عباس رضي الله عنهما، والتائه: هو الحائر الذاهب عن الطريق المستقيم.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص128).
[7]) الجمال: الحسن.
[8]) الدمامة: القصر والقبح في الصورة.
[9]) برد: لباس.
[10]) خلق: بفتح اللام، بال مقطع.
[11]) غض: الطري لم يتغير، والمراد هنا نظارته وطراوته.
[12]) البكرة: هي الفتية من الإبل، الشابة القوية.
[13]) الغنطنطة: هي الطويلة العنق في اعتدال، وحسن قوام.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص184)، و(النهاية) لابن الأثير (ج2 ص71 و134)، و(ج3 ص371)، و(المفهم) للقرطبي (ج4 ص96)، و(مختار الصحاح) للرازي (ص114).
[14]) البكرة: هي الفتية من الإبل، الشابة القوية.
[15]) العيطاء: هي الطويلة العنق في اعتدال وحسن.
انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (ج9 ص184)، و(النهاية) لابن الأثير (ج3 ص329)، و(المفهم) للقرطبي (ج4 ص96).
[16]) قوله (فلما قضينا عمرتنا) يشير إلى أن ذلك كان في حجة الوداع، وقد ذكرت أن هذا وهم، وأن الصحيح المشهور أن التحريم كان عام الفتح كما سوف يأتي.
[17]) الاستمتاع: الانتفاع بالشيء إلى مدة.
انظر: (القاموس الفقهي) لسعدي (ص335).
[18]) وهذا فيه دليل على فسخ نكاح متعة النساء على كل حال.
[19]) وهذا مثال للمزيد في متصل الأسانيد.
[20]) تصحف في مسند الإمام أحمد وسبق ذكر ذلك بالتفصيل.
[21]) فيه تحريف سبق بيانه.
[22]) انظر: (إرشاد الساري) للقسطلاني (ج11 ص457).
[23]) انظر: (التقريب) لابن حجر (ص895).
[24]) انظر: (تلخيص الحبير) لابن حجر (ج3 ص1171).
[25]) انظر: (السنن والآثار) للبيهقي (ج10 ص175).
[26]) انظر: (المصدر السابق) (ج10 ص176).
[27]) انظر: (المصدر السابق) (ج10 ص178).
[28]) وأمر النبي r بالنكاح الشرعي، فما هي الحاجة إلى المتعة، وهي لا تزيد الإمة إلا الذل والعياذ بالله.
[29]) (ضوء النهار المشرف على صفحات الأزهار) للجلال (ج2 ص744).
[30]) انظر: (الاعتبار) للحازمي (ص 339)، و(مفتاح الوصول) للتلمساني (ص619).
[31]) انظر: (المنتقى) للباجي (ج2 ص58)، و(المقدمات الممهدات) لابن رشد (ج1 ص242)، و(المغني) لابن قدامة (ج3 ص173)، و(الاعتبار) للحازمي (ص340).
[32]) انظر: (المهذب) للشيرازي (ج2 ص47)، و(المحلى) لابن حزم (ج9 ص1519)، و(بداية المجتهد) لابن رشد (ج2 ص57)، و(المغني) لابن قدامة (ج6 ص644).
ذكر الدليل على تضعيف أحاديث
تحديد أماكن تحريم نكاح متعة النساء
أولا: تحريم نكاح متعة النساء في حجة الوداع:
عن سبرة الجهني t قال: (خرجنا مع رسول الله r من المدينة في حجة الوداع([1])، حتى إذا كنا بعسفان، قال رسول الله r: (إن العمرة قد دخلت في الحج)، فقال له سراقة بن مالك أو مالك بن سراقة شك عبد العزيز أي رسول الله، علمنا تعليم قوم كأنما ولدوا اليوم، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد؟ قال : (لا، بل لأبد)، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا و المروة، ثم أمرنا بمتعة النساء ، فرجعنا إليه، فقلنا يا رسول الله، إنهن قد أبين إلا إلى أجل مسمى، قال: (فافعلوا)، قال : فخرجت أنا وصاحب لي علي برد، وعليه برد، فدخلنا على امرأة، فعرضنا عليها أنفسنا، فجعلت تنظر إلى برد صاحبي، فتراه أجود من بردي، وتنظر إلي فتراني أشب منه، فقالت : برد مكان برد، واختارتني فتزوجتها عشرا ببردي، فبت معها تلك الليلة، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد، فسمعت رسول الله r وهو على المنبر يخطب يقول: (من كان منكم تزوج امرأة إلى أجل، فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما أعطاها شيئا، وليفارقها، فإن الله تعالى قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة).
حديث ضعيف شاذ
أخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص504)، وأحمد في (المسند) (ج3 ص404 و405)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص105)، والطبراني في (المعجم الكبير) (ج7 ص108) عن معمر الزدي.
وأخرجه الدارمي في (المسند) (ج2 ص140)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص203) عن جعفر بن عون.
واخرجه ابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص105) عن عبدة بن سليمان.
وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (6513)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص203)، وأبوعوانة في (المستخرج) (ج3 ص30) عن أبي نعيم.
وأخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص25) عن أنس بن عياض الليثي.
وأخرجه ابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص105) عن ورقاء بن عمر.
كلهم عن عبدالعزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
قلت: فأنت تراخ هنا ذكر متعة الحج، ومتعة النساء، ووقت ذلك (بحجة الوداع)، وهذا يخالف ما تقدم عنه في بعض طرق هذا الحديث.
وقد اختلفوا على عبدالعزيز بن عمر في ذكر المتعتين: متعة الحج، ومتعة النساء، وذكر الوقت في (حجة الوداع)، ولا يرجع هذا الإختلاف الرواة عن عبدالعزيز بن عمر، ولكن يرجع إليه هو، فهو وإن كان من رجال الشيخين إلا أنه قد تكلم فيه من قبل حفظه، ثم هو خالف الثقات الزهري ومن تابعه، وروايتهم أولى.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (ليس هو من أهل الحفظ والإتقان)([2]).اهـ
وقال ابن حبان رحمه الله في (الثقات) (ج5 ص114): (يخطئ يعتبر بحديثه إذا كان دونه ثقة).اهـ
وقال أبو مسهر رحمه الله: (ضعيف الحديث)([3]). يعني من قبل حفظه كما سبق ذكره.
ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في (التقريب) (ص614): (صدوق يخطئ).
إذا فرواية عبدالعزيز بن عمر هذه شاذة ضعيفة، لأن رواه جماعة من الثقات عن الزهري فقالوا: (يوم الفتح) كما سبق ذكرهم.
ولذا قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (ج7 ص203) عن روايته في (حجة الوداع): (وهو وهم منه، فرواية الجمهور عن الربيع بن سبرة أن ذلك كان (زمن الفتح)).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (ج9 ص170): (وأما (حجة الوداع) فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر).اهـ
وقال البيهقي رحمه الله في (السنن الصغرى) (ج3 ص59): (ووقع في بعض روايات عن عبدالعزيز، وفي بعض الروايات عن الزهري عن الربيع (حجة الوداع)، والصحيح رواية الجماعة عن الزهري عام الفتح، وكذلك هو في رواية عمارة بن غزية عن الربيع، وفي رواية عبدالملك، وعبدالعزيز ابني الربيع عن الربيع).اهـ
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في (إرواء الغليل) (ج6 ص314): (عبدالعزيز هذا قد اضطرب عليه فيه، كما يشعرك بذلك التأمل فيما شقته من التخريج لحديثه، فبعضهم ذكر فيه (المتعتين)، وبعضهم لم يذكر فيه إلا (متعة الحج)، ولا ذكروا أنها كانت في (حجة الوداع)، فهذا كله يدل على أنه (أعني عبدالعزيز) لم يضبط حديثه، وذلك مما لا يستبعد منه، فإنه متكلم فيه من قبل حفظه مع كونه من رجال الشيخين، وقد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ ابن حجر في (التقريب) فقال: (صدوق يخطئ) فمثله لا يحتج به فيما خالف فيه الثقات ممن سمينا لو تفرد الواحد منهم بمخالفته فكيف وهم جميع).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (ج9 ص170): (لا يصح من الروايات شيء بغير علة! لا غزوة الفتح، وأما (غزوة خيبر) وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (تلخيص الحبير) (ج3 ص1173): (حجة الوداع رواه أبوداود... ويجاب عنه بجوابين:
أحدهما: أن المراد بذكر ذلك في (حجة الوداع) إشاعة النهي، والتحريم بكثرة من حضرها من الخلائق.
والثاني: احتمال أن يكون انتقل ذهن أحد رواته من فتح مكة إلى (حجة الوداع)، لأن أكثر الرواة عن سبرة أن ذلك كان في الفتح).اهـ
وأخرجه ابوبكر النيسابوري في الزيادات على كتاب المزني (ص505) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (ج6 ص105)، وأبوعوانة في (المستخرج) (ج3 ص25) من طريق إبراهيم بن طهمان عن أيوب بن موسى عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن ابيه أنه قال: (نهى رسول الله r عن متعة النساء في حجة الوداع).
قلت: وهذا إسناده كسابقه، وقد ذكر (حجة الوداع) في هذا الحديث ايضا، ووهم وأغرب فيه إبراهيم بن طهمان([4]).
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله عن إبراهيم بن طهمان: (أمره مشتبه، له مدخل في الثقات، ومدخل في الضعفاء، قد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات).
قلت: منها انفرادة بزيادة (حجة الوداع).
وقد اطلق جماعة من الأئمة المتقدمين النكارة على مجرد تفرد الراوي، وإن كان ثقة أو صدوقا.
قلت: وقد روى الثقات الأثبات النهي يوم (فتح مكة) كما سبق، ولم يذكروا النهي في (حجة الوداع) فهي زيادة شاذة.
إذا اللفظ المحفوظ من الحديث هو (فتح مكة).
واخرجه أحمد في (المسند) (ج4 ص404)، والحازمي في (الاعتبار) (ج2 ص631)، والطبراني في (المعجم الكبير) (6532)، وأبو الفتح المقدسي في (تحريم المتعة) (21)، وتمام في (الفوائد) (ج2 ص387)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص104)، والجصاص في (أحكام القرآن) (ج2 ص151)، وأبوعوانة في (المستخرج) (ج3 ص26)، وأبو داود في (سننه) (ج1 ص6325)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204) من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: تذاكرنا عند عمر بن عبد العزيز المتعة متعة النساء، فقال ربيع بن سبرة: سمعت أبي يقول: (سمعت رسول الله r في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة) ([5]).
حديث ضعيف شاذ
وذكر (حجة الوداع) في هذا الحديث خالف فيه إسماعيل بن أمية أصحاب الزهري فإنهم يقولون (عام الفتح) وهم جماعة تقدم منهم سفيان بن عيينة، ومعمر، وصالح بن كيسان وغيرهم.
فهذه الرواية تعتبر رواية شاذة كما هو مقرر في علوم الحديث.
ولذلك ردها الحافظ البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (ج7 ص204) فقال: (كذا قال –يعني إسماعيل بن أمية- ورواية الجماعة أولى).
وأخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) (ج48 ص49) من طريق سفيان عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال: (نهى رسول الله عام حجة الوداع عن المتعة).
قلت: وهذا سنده كسابقه.
قال البيهقي رحمه الله في (السنن الكبرى) (ج10 ص175): (رواه إسماعيل بن أمية عن الزهري، وقال: في حجة الوداع، وكذلك قاله عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز عن الربيع بن سبرة، وقال عمارة بن غزية وعبدالملك وعبدالعزيز: أخبرنا الربيع بن سبرة (عام الفتح)، وهو أصح ورواته اكثر).اهـ
وقال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص458): (ثم (حجة الوداع) كما عند أبي داود بلفظ لكن اختلف فيه على الربيه بن سبرة، والرواية عنه بانها في الفتح أصح وأشهر).اهـ
قلت: وهذا الاختلاف في حديث (حجة الوداع) يوجب ضعفه.
قال النووي رحمه الله في (شرح صحيح مسلم) (ج9 ص181): (وتسقط رواية إباحتها يوم (حجة الوداع) لأنها مروية عن سبر الجهني، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في (حجة الوداع) إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافق عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح).اهـ
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في (إرواء الغليل) (ج6 ص313): (شاذ بهذا اللفظ –يعني بـ(حجة الوداع)- أخرجه أبوداود (2071)، وعنه البيهقي (7/204)، وأحمد 3/(404) من طريق إسماعيل بن أمية عن الزهري... وقال البيهقي: كذا قال، ورواية الجماعة عن الزهري أولى، يعني: أن ذكر (حجة الوداع) فيه شاذ، خالف فيه إسماعيل بن أمية رواية الجماعة وهم كما ذكر قيل: معمر وابن عيينة وصالح بن كيسان، فقالوا: (عام الفتح)... ثم ذكر الروايات... ثم قال: فهذه الروايات التي ذكرنا تدل على وهم إسماعيل بن أمية على الزهري في قوله عنه: (في حجة الوداع) وإن الصواب رواية الجماعة عن الزهري: (يوم الفتح)).اهـ
ثانيا: تحريم نكاح متعة النساء في يوم حنين([6]):
1)عن سالم بن عبد الله بن عمر: (أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة؟ فقال: حرام. قال: فإن فلانا يقول فيها؟ قال: والله، لقد علم أن رسول الله r حرمها يوم حنين وما كنا مسافحين([7])).
حديث ضعيف شاذ
اخرجه أبو بكر النيسابوري في (الزيادات على كتاب المزني) (ص504) من طريق يونس بن عبدالأعلى نا ابن وهب نا محمد عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبدالله بن عمر فذكره.
قلت: ذكر (يوم حنين) هنا فيه تصحيف من خيبر، وإليك الدليل:
عن سالم بن عبد الله: (أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المتعة، فقال: حرام. قال: فإن فلانا –يعني ابن عباس- يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله r حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين).
أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الاثار) (ج3 ص25) بهذا الإسناد من طريق يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمر بن محمد العمري عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبدالله فذكره بذكر (يوم خيبر) ولم يذكر (يوم حنين)).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه: محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أنبأ ابن وهب به، بذكر (يوم خيبر).
أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص202) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب به.
وإسناده صحيح.
قلت: فرواية ذكر (يوم حنين) تعتبر مصحفة شاذة في الحديث.
2) عن علي بن أبي طالب t قال: (نهى رسول الله r يوم خيبر عن متعة النساء).
أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص235 و236)، وفي (السنن الصغرى) (ج6 ص126) من طريق عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالوا: حدثنا عبدالوهاب –هو الثقفي- قال: سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: أخبرني مالك بن أنس أن ابن شهاب أخبره أن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي أخبراه، أن أباهما محمد بن علي أخبرهما، أن علي بن أبي طالب به، وقال ابن المثنى: (يوم حنين)، وقال: هكذا حدثنا عبد الوهاب من كتابه.
قلت: وذكر (يوم حنين) في الحديث وهم من عبدالوهاب بن عبدالمجيد بن الصلت الثقفي.
وذكر الحافظ الدارقطني: أن عبدالوهاب الثقفي تفرد عنيحيى بن سعيد عن مالك بقوله: (حنين) ([8]).
قلت: وعبدالوهاب الثقفي قد تغير([9]) واختلط بآخره، وقيل: ما ضره([10]) تغير حديثه، فلا يعتبر تفرده.
وكذلك روى الحديث جماعة من الثقات الأثبات كما مر في البحث، ولم يذكروا (يوم حنين)، فهي زيادة شاذة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (تلخيص الحبير) (ج3 ص1172): (يوم حنين رواه النسائي من حديث علي، والظاهر أنه تصحيف من خيبر).اهـ
قلت: ومما يؤيد شذوذ زيادة (يوم حنين):
ما أخرجه الترمذي في (سننه) (ج4 ص254)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص235)، وفي (السنن الصغرى) (ج6 ص126)، والخليلي في (الإرشاد) (ج1 ص224) عن محمد بن بشار.
وأخرجه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) (ج14 ص240) عن محمد بن يحيى بن فياض الزماني.
وأخرجه البزار في (المسند) (ج2 ص242) عن حفص بن عمرو الربالي.
وأخرجه ابن عبدالبر في التمهيد (ج10 ص96) عن محمد بن المثنى.
وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص235)، وفي (السنن الصغرى) (ج6 ص126) من طريق عمرو بن علي.
وأخرجه أبو عوانة في (المستخرج) (ج5 ص413) عن سليمان بن داود الهاشمي.
كلهم عن عبدالوهاب الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري حدثني مالك بن أنس عن الزهري أخبره أن عبدالله والحسن أبني محمد بن علي أخبره أن أباهما محمد بن علي أخبرهما أن علي بن أبي طالب t قال: (نهى رسول الله r يوم خيبر عن متعة النساء).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قلت: فذكروا في الحديث تحريم متعة النساء في (يوم خيبر) ولم يذكروا في (يوم خيبر)، فرواية هؤلاء الرواة عن عبدالوهاب الثقفي أولى من رواية محمد بن المثنى عن عبدالوهاب الثقفي.
قال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص457): (واتفق أصحاب الزهري كلهم على (خيبر) بالخاء المعجمة والراء آخره، إلا ما رواه عبدالوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث، فقال (حنين) بالحاء المهملة والنونين، أخرجه النسائي والدارقطني، قالا: أنه وهم تفرد به).اهـ
وقال الصنعاني رحمه الله في (سبل السلام) (ج3 ص212): (وقد وهم من رواه عام (حنين) بمهملة أوله ونون آخره أخرجه النسائي والدارقطني ونبه على أنه وهم).اهـ
3) عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: (كنا في حنين، فأتانا رسول الله r فقال: إنه قد أذن لكم أن استمتعوا، فاستمتعوا).
أخرجه أبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة) (ص49) من طريق علي بن موسى السمسار قال أنبأنا محمد المروزي قال أنبأنا محمد المروزي قال أنبأنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع به.
قلت: فذكر (حنين) في الحديث، وهم، فقد أخرجه البخاري في (صحيحه) (ج11 ص459) بهذا الإسناد بدون ذكر زيادة (كنا في حنين) بل بلفظ (كنا في جيش)، وهكذا أخرجه مسلم في (صحيحه) (ج2 ص1022) من طريق شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر وسلمة به بدون ذكر (كنا في حنين).
ومن هذا الوجه أخرجه أبو القاسم البغوي في (الجعديات) (ج2 692)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص110)، وأبو نعيم في (المستخرج) (ج4 ص67)، والنسائي في (السنن الكبرى) (ج5 ص233)، وأبو عوانة في (المستخرج) (ج3 ص35)، والروياني في (المسند) (ص171)، وأحمد في (المسند) (ج4 ص51) ولم يذكروا (حنين)، مما يتبين بأن زيادة (حنين) في الحديث زيادة شاذة لا تصح.
ثالثا: تحريم نكاح متعة النساء في الحديبية([11]).
عن سبرة الجهني t قال: (نهى رسول الله r عن نكاح متعة النساء زمان الحديبية([12])).
حديث ضعيف شاذ
أخرجه أبوبكر الشافعي في (الغيلانيات) (ج1 ص566)، والسلفي في (المشيخة البغدادية) (ق/13/ط) من طريق قطن ثنا حفص قال حدثني إبراهيم عن أيوب بن موسى عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه به.
قلت: لم أجد في شيء من روايات الحديث أن نكاح المتعة كان تحريمه زمن الحديبية، وفي إسناده قطن بن إبراهيم بن عيسى القشيري يخطئ ويخالف فلا يعتبر به إذا إذا تفرد وخالف الثقات.
قال النسائي رحمه الله عنه: (فيه نظر) ([13]).اهـ
وقال ابن حبان رحمه الله في (الثقات) (ج9 ص12): (يخطئ أحيانا، يعتبر بحديثه إذا حدث من كتابه).اهـ
ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في (التقريب) (ص802): (صدوق يخطئ).اهـ
وقال الذهبي رحمه الله في (المغني في الضعفاء) (ج2 ص535): (له حديث ينكر وهو صدوقريعني في نفسه، أعرض مسلم عن إخراج حديثه في الصحيح).اهـ
وتركه الحافظ مسلم رحمه الله لخطئة([14]).
وإبراهيم بن طهمان الخراساني الحق فيه أنه ثقة لكنه يتفرد ويغرب([15]) أحيانا.
قال ابن حجر رحمه الله في (التقريب) (ص109): (ثقة يغرب).اهـ
وقال ابن حبان رحمه الله في (الثقات) (ج6 ص27): (مره مشتبه، له مدخل في الثقات، ومدخل في الضعفاء، وقد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات).اهـ
قلت: منها انفارده بزيادة (الحديبية).
وقد أطلق جماعة من الأئمة المتقدمين النكارة على مجرد تفرد الرواي وإن كان ثقة أو صدوقا.
فمن هؤلاء: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: فقد أنكر على جماعة من الرواة المحتج بهم في الصحيحين ما تفردوا به.
فقال الإمام أحمد رحمه الله في (العلل) (ج1 ص205) في محمد بن إبراهيم التيمي: (يروي أحاديث مناكير، أو منكرة).اهـ
فعلق على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في (هدي الساري) (ص437) في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي بقوله: (النكر أطلقه أحمد بن حنبل، وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له، فيحمل هذا على ذلك، وقد احتج به الجماعة).اهـ
وقال الإمام أحمد رحمه الله في (العلل) (ج1 ص210) في بريد بن عبدالله بن أبي بردة: (يروي أحاديث مناكير). اهـ
فعلق على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في (هدي الساري) (ص392) في ترجمة بريد بن عبدالله بقوله: (احتج به الئمة كلهم، وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة).اهـ
إذا أطلق الإمام أحمد رحمه الله وغيره من الأئمة هذا اللفظ (أحاديث مناكير) على جماعة من الثقات الإثبات المحتج بهم في الصحيحين وغيرهما لتفردهم في بعض الأحاديث، ومن ذلك أيضا قول الإمام أحمد رحمه الله في يزيد بن عبدالله بن خصيفة: (منكر الحديث) ([16]).
مع أن الإمام أحمد رحمه الله قال فيه –فيما رواه الأثرم عنه-: (ثقة ثقة) ([17]). وقال الإمام يحيى بن معين رحمه الله: (ثقة حجة) ([18]).
لذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (هدي الساري) (ص453) في ترجمة يزيد بن عبدالله: (هذ هاللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله، وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم).اهـ
وقال اللكنوي رحمه الله في (الرفع والتكميل) (ص150): (فإن القدماء كثيرا ما يطلقونه –يعني المنكر- على مجرد ما تفرد به راويه، وإن كان من الأثبات...).اهـ
إذا هذا الحديث من قسم المناكير فافطن لهذا.
رابعا: تحريم نكاح متعة النساء في غزوة تبوك:
1) عن علي بن أبي طالب t قال: (نهى رسول الله r في غزوة تبوك([19]) عن نكاح المتعة).
حديث ضعيف شاذ.
أخرجه ابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص100) من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد عن أبيه عن علي به.
قلت: وهذا سنده ضعيف شاذ فيه إسحاق بن راشد الجزري وإن كان ثقة إلا في حديثه عن الزهري بعض الوهم([20]).
قال ابن عبدالبر رحمه الله في (الاستذكار) (ج16 ص289): (ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب، وقد تابعه يونس على إسقاط الحين بن محمد من الإسناد).اهـ
قلت: فقال إسحاق بن راشد في موضع عام (خيبر)، عام (تبوك) وهذا شاذ.
قال ابن عبدالبر رحمه الله في (التمهيد) (ج10 ص100): (وذكر الحسن في هذا الحديث صحيح –يعني مع عبدالله بن محمد- ذكره مالك ومعمر وابن عيينة ويحيى بن سعيد وغيرهم، وليس إسحاق بن راشد ممن يلتفت إليه مع هؤلاء، ولا يعرج عليه).اهـ
وقال الدارقطني رحمه الله في (العلل) (ج4 ص113): (رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمد وحده عن أبيه عن علي، وقال في حديثه: نهى رسول الله r في (غزوة تبوك)، ولا يقول ذلك غيره...والصواب من ذلك مارواه مالك في الموطأ، وابن عيينة، ويونس، وأسامة بن زيد، ومن تابعهم عن الزهري عن عبدالله والحسن عن أبيهما عن علي).اهـ
وقال القاضي عياض رحمه الله في (إكمال المعلم) (ج4 ص535): (وذكر غير مسلم عن علي نهيه عنها في (غزوة تبوك) من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبدالله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي t، ولم يتابعه أحد على هذا وهو غلط منه.
وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ، وسفيان بن عيينة، والعمري، ويونس وغيرهم عن الزهري عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن علي، وفيه (يوم خيبر) وكذلك ذكره مسلم عن جماعة عن الزهري، وهذا هو الصحيح).اهـ
وقال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (ج9 ص168): (وأغرب من ذلك رواية إسحاق بن راشد عن الوهري عنه بلفظ (نهى رسول الله r في غزوة تبوك عن نكاح المتعة)).اهـ
قلت: فتعتبر هذه الرواية ضعيفة شاذة، لأن إسحاق بن راشد روى هذا الحديث عن الزهري عن عبدالله بن محمد بن علي عن أبيه بذكر النهي عن المتعة في (غزوة تبوك)، والصحيح ذكر ذلك في (غزوة خيبر).
2) وعن أبي هريرة t أن النبي r لما خرج، نزل ثنية الوداع، فرأى مصابيح، وسمع نساء يبكين، فقال: (ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله، نساء كانوا تمتعوا منهن أزواجهن، فقال رسول الله: هدم، أو قال : حرم المتعة: النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث).
حديث منكر
وهذا الحديث مختلف فيه وصلا وإرسالا:
فأخرجه ابن حبان في (صحيحه) (ج9 ص456)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج3 ص26)، والدارقطني في (السنن) (ج3 ص356)، وأبو يعلى في (المسند) (ج11 ص504)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص207) من طريق المؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه مؤمل بن إسماعيل البصري وهو سيئ الحفظ كما في (التقريب) لابن حجر (ص987)، وعكرمة بن عمار اليمامي صدوق يغلط كما في (التقريب) لابن حجر (ص687)، والحديث ضعفه القسطلاني في (إرشاد الساري) (ج11 ص458).
وخالفه بشر بن عمر الزهراني، فرواه عن عكرمة بن عمار عن عبدالله بن سعيد المقبر عن النبي r مرسلا.
أخرجه ابن أبي أسامة في (المسند) (ص156- بغية الباحث).
وإسناده واه فيه عبدالله بن سعيد المقبري وهو متروك، وعكرمةبن عمار يغلط في الحديث، وهو مرسل.
قلت: فهذا الحديث ضعيف بهذا الإسناد متصلا ومرسلا:
1)فأما الرواية المتصلة ففيها: مؤمل بن إسماعيل وهو سيئ الحفظ، وعكرمة بن عمار يغلط في الحديث.
2)وأما الرواية المرسلة ففيها: عبدالله بن سعيد المقبري وهو متروك، وعكرمة بن عمار يغلط في الحديث.
وذكره ابن حجر في (فتح الباري) (ج9 ص170) ثم قال: (فيه مقال، فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار، وفي كل منهما مقال).
وقوله (ثنية الوداع) (الثنية): في الجبل كالعقبة فيه، وقيل الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه.
و(الوداع): بفتح الواو، اسم من التوديع عند الرحيل.
و(ثنية الوداع): ثنية مشرفة على المدينة([21]).
وقال ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) (ج3 ص551): (ثنيات الوداع هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام).اهـ
3) وعن جابر بن عبد الله الأنصاري t قال: (خرجنا مع رسول الله r إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة، فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا، وقال: يطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله r فنظر إليهن، فقال: من هؤلاء النسوة؟، فقلنا: يا رسول الله نسوة تمتعنا منهن، قال: فغضب رسول الله r حتى احمرت وجنتاه، وتمعر لونه، واشتد غضبه، وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود لهذا أبدا، فبها سميت يومئذ: ثنية الوداع).
حديث منكر
أخرجه الحازمي في الإعتبار (ج2 ص636) من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن عباد بن كثير حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل سمعت جابر بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده واه فيه عباد بن كثير الثقفي وهو متروك، قال عنه أحمد: روى أحاديث كذب.
وعبدالله بن محمد بن عقيل يخطئ وفي حديثه لين، انظر (التقريب) لابن حجر (ص482) و(ص542).
والحديث ضعفه ابن حجر في (فتح الباري) (ج9 ص170).
خامسا: تحريم نكاح متعة النساء في عمرة القضاء:
عن الحسن البصري قال: (لما قدم رسول الله r في عمرته تزين نساء أهل مكة، فشكى ذلك أصحاب رسول الله r إليه، فقال: تمتعوا منهن واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثا، فما أحسب رجلا منكم يستمكن من امرأة ثلاثا إلا ولاها الدبر، قال الحسن : فإنما كانت المتعة ثلاثة أيام لم تكن قبل ذلك ولا بعده).
حديث ضعيف مرسل
أخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص74) من طريق هشيم قال أخبرنا منصور عن الحسن به.
وأخرجه عبدالرزاق في (المصنف) (ج7 ص503) من طريق معمر عن عمرو عن الحسن به.
وأخرجه أبو الفتح المقدسي في (تحريم نكاح المتعة) (ص63) من طريق سعيد عن قتادة عن الحسن به.
وذكره ابن عبدالبر في (الاستذكار) (ج16 ص292) مرسلا.
قال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (ج7 ص170): (أما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه مرسل الحسن، ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد).اهـ
وقال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص457): (عمرة القضاء كما رواه عبدالرزاق من مرسل الحسن البصري، ومراسيله ضعيفة لأنه اكن يأخذ عن كل أحد).اهـ
فائدة:
قال أبو الفتح المقدسي رحمه الله في (تحريم نكاح المتعة) (ص36): (إعترضوا على جملة هذه الأخبار باعتراض لا يؤثر في صحة إستدلالنا منها وهو أن قالوا: رويتم عن علي t أن رسول الله r: (حرمها عام خيبر) وفي حديث سبرة الجهني أن النبي r: (حرمها عام حجة الوداع)([22]) وروي (عام الفتح) وكان عام خيبر سنة ست من الهجرة، وحجة الوداع في سنة عشر، والفتح في سنة ثمان، وهذا إضطراب يمنع من الاحتجاج بها.
والجواب عنه من وجوه:
أحدهما: أن الاختلاف في وقت التحريم، مع الاتفاق على التحريم لا يؤثر في صحته، لأن الجميع قد اتفقوا على التحريم، فإذا كان كذلك وجب إثبات التحريم الذي اتفقنا عليه، ولم يضر ما سوى ذلك من خلاف الزمان.
وجواب آخر: وهو أنه ليس في الاختلاف في العام الذي حرمها فيه أكثر من الجهل بوقت التحريم، وهذا لا يمنع من إثبات التحريم والإحتجاج به.
وجواب آخر: وهو أنه نهى عنها عام خيبر ثم رخص فيها عام حجة الوداع، أو عام الفتح لحاجة كانت بهم... ثم حرمها بعد ذلك، فتكون رواية علي t، ورواية سبر الجهني حقا وصوابا، ولا يمتنع إباحة الشيء عند الحاجة إليه ونسخه عند الغناء عنه، وثبوت الناسخ إلى يوم القيامة).اهـ
ذكر الدليل على صحة ثبوت
رجوع ابن عباس t
عن فتواه في
جواز نكاح متعة النساء
1) عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (هل تدري ما صنعت وبما أفتيت؟ قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء، قال : وما قالت؟ قلت قالوا :
قد قلت للشيخ لما طال مجلســــــه
ياصاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف([23]) أنسة
تكون مثواك([24]) حتى يصدر الناس
فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير، وما يحل إلا للمضطر، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير).
أثر لا بأس به في الشواهد
أخرجه الحازمي في (الاعتبار) (ج2 ص639)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص205)، والفاكهي في (أخبار مكة) (ج3 ص12)، ومحمد بن خلف في (الغرر من الأخبار) (ج9 ص171- الفتح)، والخطامي في (معالم السنن) (ج3 ص18)، [وابن المنذر في (تفسير القرآن) (472)] من طريق عبدالسلام بن حرب عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه عبدالسلام بن حرب الهذي، ثقة لكن له مناكير، والحجاج بن أرطاة النخعي كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعن.
انظر: (التقريب) لابن حجر (ص222 و608).
وعبدالسلام بن حرب، توبع، تابعه يزيد بن هارون.
أخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص82) من طريق يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير به.
وأخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص205) من طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير به.
قلت: وهذا سنده واه فيه الحسن بن عمارة البصري وهو متروك.
انظر: (التقريب) لابن حجر (ص241).
قال الخطابي رحمه الله في (معالم السنن) (ج3 ص19): (فهذا يبين لك أنه –يعني ابن عباس- إنما سلك فيه مذهب القياس، وشبهه بالمضطر إلى الطعام، وهو قياس غير صحيح، لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كما في الطعام، الذي به قوام الأنفس،وبعدمه يكون التلف، وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة، وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر).اهـ
وقال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص82): (وأما قول أهل العلم اليوم جميعا من اهل العراق، وأهل الحجاز، وأهل الشام، وأصحاب الأثر، وأصحاب الرأي وغيرهم: أنه لا رخصة فيها لمضطر ولا لغيره وأنها منسوخة، حرام على ما ذكرنا عن النبي r وأصحابه مع أنه قد روي عن ابن عباس شيء شبيه بالرجوع عن قوله الأول –يعني جواز المتعة-).اهـ
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في (الفتاوى) (ج10 ص362): (أما رجوع ابن عباس عن اباحته متعة النساء فقد ذكره كثير من أهل العلم). اهـ
وقال الهوني رحمه الله في (دقائق أولي النهى) (ج2 ص669): (وحكي عن ابن عباس الرجوع عن قوله بجواز المتعة).اهـ
2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت المتعة في أول الإسلام متعة النساء، فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته ويضم إليه متاعه، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته، وقد كانت تقرأ (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن) الآية، حتى نزلت (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) تلا إلى قوله (محصنين غير مسافحين) ، فتركت المتعة، وكان الإحصان إذا شاء طلق، وإن شاء أمسك ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء).
أثر لا بأس به في الشواهد
أخرجه الترمذي في (سننه) (ج3 ص430)، والحازمي في (الاعتبار) (ج2 ص635) من طريق موسى بن عبيد سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه موسى بن عبيدة الرندي وهو ضعيف كما في (التقريب) لابن حجر (ص389).
وأخرجه أبو عبيد في (الناسخ والمنسوخ) (ص83)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص671) من طريق عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، ثم استثنى نساء أهل الكتاب فقال: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) قال: عفائف غير زوان).
وإسناده لا بأس به في المتابعات
وبهذا الإسناد أخرجه ابن النحاس في (الناسخ و المنسوخ) (ج2 ص198)، والطبري في (تفسيره) (ج8 ص175)، وابن أبي حاتم في (تفسيره) (ج ص)، وابن عبدالبر في (التمهيد) (ج10 ص120) بلفظ: قوله (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) يقول: إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله، والاستمتاع: النكاح، قال: وهو قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)).
قال ابن النحاس رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ج2 ص199): (فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان، فالتقدير في العربية: فما استمتعتم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة أو أكثر من ذلك، فأعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه أو تهب منه، وقيل: التقدير: فمن استمتعتم به و(ما) بمعنى (من)، وقيل: التقدير: فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف، إن لم يدخل بها).اهـ
3) وعن أبي إسحاق مولى بني هشام حدثه أن رجلا سأل ابن عباس فقال: (كنت في سفر ومعي جارية لي، ولي أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابي يستمتعون منها فقال: ذاك السفاح).
أثر لا بأس به في الشواهد
أخرجه الجصاص في أحكام القرآن تعليقا (ج2 ص148) من طريق عبدالله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن أبا إسحاق مولى بني هشام به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به فيه أبو إسحاق مولى بني هاشم وهو مقبول كما في (التقريب) لابن حجر (ص 1107). فمثله حسن في الشواهد.
فهذه آثار مسندة ضعيفة، ومعها آثار صحيحة([25]) إذا ضم بعضها إلى بعض قطع الواقف عليها حجة ثبوت رجوع ابن عباس رضي الله عنهما عن فتواه في جواز متعة النساء والله ولي التوفيق.
قال ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري) (ج5 ص172) بعدما ذكر الآثار السابقة: (فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض).اهـ
4) عن أبي جمرة قال: (سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس : نعم).
أخرجه البخاري في (صحيحه) (5116)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (ج2 ص15)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (ج7 ص204)، والقسطلاني في (إرشاد الساري) (ج11 ص458) من طريق غندر حدثنا شعبة عن أبي جمرة به.
قلت: هذا يدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنهما عن فتواه في تحليل نكاح متعة النساء، وذلك لإقراره بأن ذلك كان لحاجة ضرورية([26]) ثم نسخت بقوله (نعم).
قال القسطلاني رحمه الله في (إرشاد الساري) (ج11 ص458): (قوله (فقال ابن عباس: نعم) أي صدق إنما رخص فيها بسبب العزوبة في حال السفر).اهـ
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في (إرواء الغليل) (ج6 ص317): (وهذا بظاهر يدل على أنه رجح عن القول بإباحة المتعة إطلاقا، إلى القول بعدم جوازها مطلقا، أو مقيدة بحال عدم وجود الضرورة، وكأنه رجع إلى ذلك بعد أن عارضه جماعة من الصحابة في إطلاقه القول بإباحتها).اهـ
5) وعن عمرو بن دينار قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما –وأنا قائم على رأسه- يقول: ورجل يقول له أن معاوية t: (نهى عن المتعة)، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: انظروا فإن كانت في كتاب الله تعالى فقد كذب([27]) على رسول الله r، وإن لم تكن في كتاب الله([28]) تعالى فهو كما قال).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي عمر في (المسند) (ج8 ص468 – المطالب العالية) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال ابن حجر رحمه الله في (المطالب العالية) (ج8 ص468): (هذا صحيح موقوف، وأراد بقوله: في كتاب الله عز وجل قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن) الآية).اهـ
وذكره البصيري في (إتحاف الخيرة المهرة) (ج5 ص24) ثم قال: (هذا إسناد رجاله ثقات).اهـ
قلت: ولم تكن متعة النساء جائزة في كتاب الله تعالى، فهو كما قال معاوية t (نهى عن المتعة).
وهذا الأثر يدل على تراجع ابن عباس رضي الله عنهما عن إباحته للمتعة لأنها ليست في كتاب الله تعالى، وقد أقر معاوية t في نهيه عن المتعة بقوله (فهو كما قال) وقوله: (انظروا...)، ولم يفت بجواز متعة النساء مباشرة لأن لايظن بابن عباس رضي الله عنهما أنه يؤخر البيان عن وقت الحاجة([29]) فتنبه.
قال الترمذي رحمه الله في (سننه) (ج3 ص321): (روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أجيز عن النبي r).اهـ
وقال الباجي رحمه الله في (المنتقى شرح الموطأ) (ج3 ص334) في كلامه على نكاح المتعة: (قد روى ابن حبيب أن ابن عباس وعطاء كانا يجيزان المتعة ثم رجعا عن ذلك، ولعل عبدالله بن عباس إنما رجع لقول علي له).اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة) (ج2 ص156) في إباحة ابن عباس المتعة وأكل لحوم الحمر: (روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه النهي عنه).اهـ
وقال البغوي رحمه الله في (شرح السنة) (ج9 ص100): (اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة، وهو كالإجماع بين المسلمين، وروي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول العزبة، ثم رجع عنه حيث بلغه النهي).اهـ
وقال ابن العربي رحمه الله في (القبس) (ج2 ص714): (فإن النسخ طرأ عليها –يعني المتعة- ثم استقرت بعد ذلك، وقد كان ابن عباس يقولها ثم ثبت رجوعه عنها فانعقد الإجماع على تحريمها).اهـ
وقال أبو عبيد رحمه الله في (الناسخ والمنسوخ) (ص82): (روي عن ابن عباس شيء شبيه بالرجوع عن قوله الأول –يعني جواز المتعة-).اهـ
وقال أبو الفتح المقدسي رحمه الله في (تحريم نكاح المتعة) (ص33): (وقد ثبت رجوع ابن عباس عن ذلك بكلام علي t).اهـ
قلت: وفي هذه الآثار، وأقول أهل العلم مايدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنهما فيما كان يرخص في نكاح متعة النساء والله ولي التوفيق.
[1]) هكذا ذكر مؤرخا (بحجة الوداع)، وكذلك رواه جماعة من الأكابر عن عبدالعزيز بن عمر دون ذكر (حجة الوداع) بل ذكروا في (عام الفتح)، ووهم في هذا الحديث بذكر ذلك في (حجة الوداع)، ورواية الجمهور عن الربيع بن سبرة أن ذلك كان زمن (الفتح)، ورواية الجماعة هي الصواب كما سوف يأتي ذكر ذلك.
[2]) انظر: (تهذيب التهذيب) لابن حجر (ج6 ص350).
[3]) انظر: (الضعفاء الكبير) للعقيلي (ج3 ص18)، و(المغني في الضعفاء) للذهبي (ج2 ص398)، و(الضعفاء) لابن الجوزي (ج2 ص110).
[4]) انظر: (التقريب) لابن حجر (ص109).
[5]) قال الجصاص في (أحكام القرآن) (ج2 ص151): (فلم تختلف الرواة في التحريم، واختلفوا في التاريخ فقط التاريخ كأنه ورد غير مؤرخ، وثبت التحريم لاتفاق الرواة عليه).اهـ
[6]) حنين: بمهملة ونون مصغر، وهو واد من أودية مكة، يقع شرقها بقرابة ثلاثين كيلا، يسمى اليوم (وادي الشرائع)، ولا يعرف اليوم اسم حنين إلا الخاصة من الناس.
انظر: (معجم البلدان) للحموي (ج2 ص313)، و(فتح الباري) لابن حجر (ج8 ص27)، و(مرويات الإمام الزهري) للعواجي (ج2 ص761).
[7]) مسافحين: أي زناة، من السفاح: بكسر السين من سفحت الماء إذا صببته.
انظر: (المصباح المنير) للفيومي (ص278)، و(النهاية) لابن الأثير (ج2 ص164).
[8]) انظر: (تلخيص الحبير) لابن حجر (ج3 ص1172).
[9]) لكنه تصحيفه الحديث من (يوم خيبر) إلى (يوم جنين)، ومخالفته فيه للثقات الأثبات تبين أنه اختلط، وأنه حدث بعد الاختلاط، وعمرو بن علي الفلاس وذكر بأنه روى له قبل الاختلاط وبعد الاختلاط وكذلك غيره.
[10]) انظر: (التقريب) لابن حجر (ص633)، و(الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات) لابن الكيال (ص314)، و(الاغتباط بمن رمي بالإختلاط) لابن العجمي (ص230).
[11]) انظر: (فتح الباري) لابن حجر (ج7 ص439)، و(مرويات الإمام الزهري) للعواجي (ج2 ص555).
[12]) الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وباء يجوز فيها التخفيف والتثقيل، وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، وتقع الحديبية الآن غرب مكة على بعد (22) كيلا على الطريق إلى الجدة، وقد تغير اسمها إلى الشمسي، وفيها حصل الصلح بين المسلمين والكافرين، وفي ذلك ظهرت علامات النبوة في صلح الحديبية.
انظر: (فتح الباري) لابن حجر(ج7 ص439)، و(مرويات الإمام الزهري) للعواجي (ج2 ص555)، و(معجم البلدان) للحموي (ج2 ص229).
[13]) انظر: (ميزان الإعتدال) للذهبي (ج3 ص390).
[14]) انظر: (المغني في الضعفاء) للذهبي (ج2 ص535)، و(ميزان الإعتدال) له (ج4 ص310)، و(تهذيب التهذيب) لابن حجر (ج8 ص340).
[15]) انظر: (تهذيب التهذيب) لابن حجر (ج1 ص113)، و(المغني في الضعفاء) للذهبي (ج1 ص17).
[16]) انظر: (تهذيب الكمال) للمزي (ج32 ص173).
[17]) انظر: (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم (ج9 ص274).
[18]) انظر: (تهذيب الكمال) للمزي (ج32 ص173).
[19]) تبوك: بفتح المثناة فوق، وضم الموحدة، وبعد الواو كف، وهي موضع بين وادي القرى والشام، وقد أصبحت اليوم أحدى مدن شمال الحجاز الرئيسية، لها إمارة تعرف بإمارة تبوك، وهب تبعد عن المدينة شمالا (778) كيلا على طريق معبدة تمر بخيبر وتيماء، وغزوة تبوك من الغزوات المشهورة، ويسمى جيشها بجيش العسرة، وقد كانت في رجب سنة تسع قبل حجة الوداع بلا خلاف مع هرقل الروم.
انظر: (فتح الباري) لابن حجر (ج8 ص111)، و(معجم البلدان) للحموي (ج2 ص14)، و(زاد المعاد) لابن القيم (ج3 ص526)، و(والبداية والنهاية) لابن كثير (ج5 ص2).
[20])قال محمد الذهلي: (هو مضطرب فب حديث الزهري).
وقال النسائي: (إسحاق بن راشد في الزهري ليس بذاك القوي).
وقال ابن معين: (ليس هو في الزهري بذاك).
انظر: (هدي الساري) لابن حجر (ص389).
[21]) انظر: (معجم البلدان) للحموي (ج2 ص86).
[22]) بينا ضعف رواية (حجة الوداع).
[23]) رخصة الأطراف: ناعمتها.
[24]) الثواء: طول المقام.
انظر: (لسان العرب) لابن منظور (ج7 ص40) و(ج14 ص125).
[25]) كما يأتي ذكرها.
[26]) وأي ضرورة في هذا العصر في إباحة متعة النساء اللهم غفرا.
[27]) قوله (كذب) أي أخطأ، فالكذب هنا بمعنى الخطأ، كما في لغة العرب، ومراده أخطأ على رسول الله r فتنبه.
انظر: (المعجم الوسيط) (ص780).
[28]) وإباحة متعة النساء ليست في كتاب الله تعالى، بل تحريمها في كتابه وسنة رسوله r كما تقدم ذلك.
قلت: والاستمتاع المذكور في الآية المراد به الاستمتاع في النكاح الشرعي كما تقدم ذلك.
[29]) لأنها لو كانت مباحة عنده لأفتى للرجل بجوازها فافطن لهذا.