الرئيسية / سلسلة من النقد العلمي المنهجي / قمع التخذيل والتضليل في مقال ربيع العليل
قمع التخذيل والتضليل في مقال ربيع العليل
|
قمع
التخذيل والتضليل
في
مقال ربيع العليل
حوار
مع ربيع العليل في مقاله: ((متعالم مغرور!)) قله لنفسك
تأليف
أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم سهل، واقمع
درة نادرة
من أقوال الأئمة العلماء في
ربيع المدخلي وأتباعه في احتجاجهم بالرأي والعقل، وردهم الدليل والنقل
عن الإمام بلال بن سعد رحمه الله قال: (ثلاث لا يقبل معهن عمل: الشرك، والكفر، والرأي؛ قيل: وما الرأي؟ قال: يترك كتاب الله، وسنة رسوله، ويعمل برأيه).([1])
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة)) (ج1 ص160): (من عرض عليه حق فرده فلم يقبله، عوقب بفساد قلبه، وعقله، ورأيه). اهـ
قلت: وهذا الذي حصل لربيع المدخلي ومن تابعه تماما، اللهم غفرا.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج3 ص447): (وقد زل أقوام بسبب الإعراض عن أصل الدليل، والاعتماد على الرجال فخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة، والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلوا عن سواء السبيل). اهـ
قلت: فمن لم يقبل الحق أبتلاه الله تعالى بقبول الباطل ولابد، اللهم سلم سلم.
قال الإمام بلال بن سعد رحمه الله: (زاهدكم راغب، ومجتهدكم مقصر، وعالمكم جاهل، وجاهلكم مغتر!).([2])
وقال الإمام بلال بن سعد رحمه الله: (المنافق يقول بما يعرف، ويعمل بما ينكر!).([3])
اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب، ومن تبعات الذنوب، ومن مرديات الأعمال، ومضلات الفتن.
قلت: فتعالم الجهال إفساد للدين والدنيا.
قال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((الأخلاق والسير)) (ص30): (لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها؛ فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون، ويقدرون أنهم يصلحون!). اهـ
قلت: فمن طلب التجميع؛ لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة([4])، والثعالب الخلبة([5])، ولم يرافق في هذا الطريق إلا كل عدو لمعتقد أهل السنة، بل كل خبيث الطبيعةـ وهو يظن أنه يحسن الصنع، اللهم غفرا.
وهذه ستائر وضعها الجهال على وجوههم، ليداروا بها جهلهم، وفساد رأيهم، اللهم سلم سلم.
قال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((الفصل)) (ج4 ص227): (واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيرا ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين ويسعون في الأرض مفسدين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإنما ظهرت البدع والفتن لما خفيت آثار الصحابة؛ فإنهم خير قرون هذه الأمة وأفضلها y وأرضاهم).([6]) اهـ
قلت: سواء خفيت آثار الصحابة الكرام لجهل الناس بالآثار، أو أخفيت عن أعين الناس من قبل أهل البدع بعضها لجهلهم بعظم هذه الآثار في الدين، ولأنهم لم يفهموها لجهلهم بفقه الآثار!.([7])
õõõõõõõ
بسم الله الرحمن الرحيم
من اعتصم بالآثار نجا
ذكر الدليل على تناقض ربيع المرجئ البين
في اعتقاد السلف الصالح
في مسائل الإيمان
اعلم رحمك الله أن ربيعا أقر أخيرا أن السلف يقولون: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء!، بعدما كان ينكر هذا المعتقد للسلف!.
وهذا يدل على تناقض ربيع في الاعتقاد، وذلك لعدم معرفته به جملة وتفصيلا.
وهذا يدل أيضا أن ربيعا يريد أن يرجع، بل ويحاول أن يرجع، ويتوب عن اعتقاده الإرجائي، لكنه بفر ومكر! في نفس الوقت، لذلك تراه يرمي بحرف هنا، وكلمة هناك بدون أن يشعر أتباعه بذلك.
وهذا الرجوع غير مقبول منه بهذه الطريقة الثعلبية!، حتى يعلن عنه أمام الملأ بتوبة صادقة، وببيان صادق، يعرف منه بكل وضوح، وقد بينت ذلك في كتابي ((الكشف الجلي عن حقيقة توبة ربيع المدخلي)). فليراجع، فإنه مهم للمسلم.
قلت: والآن نبين لكم تراجعه هذا المخزي له ولأتباعه.
قال ربيع المرجئ: (رغم أن أهل السنة المعاصرين – يقصد هو وأتباعه! – يقولون: الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعصية، وينقص وينقص حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة!، وأحيانا يزيدون: (حتى لا يبقى منه شيء!).([8]) اهـ
والشاهد: قوله: (وأحيانا يزيدون: (حتى لا يبقى منه شيء!).
فهنا يقر بوجود هذا المعتقد السلفي، ويتراجع عن كلامه السابق، وإنكاره بشدة لهذا المعتقد السلفي، بل وضعف الآثار في ذلك، فإذا هو يتناقض كعادته، ويتوب ويتراجع لكن يحول بين ذلك، وبينه عقله الفاسد الذي تربى عليه في السنوات التي مضت مع ((الإخوان المسلمين([9]))) وغيرهم.
قال تعالى: ﴿واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه﴾ [الأنفال:24].
قلت: لذلك لا يقبل منه ذلك بهذه الطريقة الماكرة، والعياذ بالله.
وإليك هذه التناقض البين:
لقد أنكر ربيع كعادته أن السلف قالوا في الإيمان: ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
وهذا من جهله بمعتقد السلف في مسائل الإيمان، يدل على بعده من اعتقادهم والله المستعان.([10])
وإليكم إنكار ربيع لاعتقاد السلف أن الإيمان: ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء:
(1) فقال ربيع المرجئ في ((شرحه البالي لعقيدة السلف)) (ص173): (علماء الأمصار جميعا، وقبلهم الصحابة، ما قالوا: ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء!!!). اهـ
(2) وقال ربيع المرجئ في ((شرحه البالي لعقيدة السلف)) (ص174): (يقولون –يعني السلف-: الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، ويسكتون ولا يقولون: (حتى لا يبقى منه شيء)!!!، ولم يثبت عن أحد قال هذا الكلام إلا عن سفيان بن عيينة في حالة غضب!!!). اهـ
(3) وقال ربيع المرجئ في ((كشفه البالي)) (ص78): (فهذا افتراء منه على السلف ومنهجهم، فالصحابة والتابعون أجمعوا على القول: بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولم ينقل عن أحد من الصحابة، ولا من التابعين أنه قال: (وينقص حتى لا يبقى منه شيء)). اهـ
واستمع إلى ربيع كيف يلبس ويدلس في هذه المسألة:
فقال ربيع المرجئ في ((كشفه البالي)) (ص82): (وقد عرف مذهب السلف، ومنهم الصحابة والتابعون أن الإيمان يزيد وينقص،
ولم يقل أوائلهم: وينقص حتى لا يبقى منه شيء([11])، ومن بعدهم منهم من يقول: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ومنهم وهم القليل! قد يقول: يزيد وينقص حتى لا يبقى منه شيء!، ولكنه لم يقل بوجوب القول بهذه الزيادة!، ولا يشترط القول بها!، ولا يبدع من لا يقول بها!) ([12])([13]). اهـ
قلت: فهذا من تلبيساته التي يستر بها سوأة عناده، وتهوره، التي افتضح بها في العالمين، نعوذ بالله من ربع محدث!!!.
قلت: وهذا هو الخلاف الذي كان بيننا، وبين المدخلي هذا، وأنه كان في بداية فتنته ينكر اعتقاد السلف: بـ(أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء)، وكان ينكر ذلك إنكارا شديدا([14])، ولم يقر أنه من معتقدهم مطلقا، كما هو ظاهر من كلامه، فلما رأى السلفيون إنكاره هذا ردوا عليه، وبينوا باطله، وأن ذلك من معتقدهم، فهذه هي الحقيقة لا كما يزعم ربيع، فتنبه.
وإليكم آثار السلف في أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء:
(1) قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله: (الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء).([15])
قال الإمام إسحاق بن منصور الكوسج رحمه الله – بعد ذكر أثر ابن راهويـــــه-: (وأنا أقول به).([16])
(2) وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: (الإيمان: قول وعمل، يزيد وينقص، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: يا أبا محمد تقول: ينقص؟ فقال: اسكت يا صبي بلى ينقص، حتى لا يبقى منه شيء).([17])
(3) وقال الإمام أحمد رحمه الله – عندما قيل له -: كان ابن المبارك يقول: يزيد ولا ينقص، فقال: (كان يقول: الإيمان يتفاضل، وكان سفيان يقول: ينقص حتى لا يبقى منه شيء).([18])
قلت: وهذا إقرار من الإمام أحمد لقول سفيان بن عيينة على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
(4) وقال الإمام أحمد رحمه الله عندما سأله رجل عن زيادته، ونقصانـه – يعني الإيمان – فقال: (يزيد حتى يبلغ أعلى السموات السبع، وينقص حتـى يصير إلى أسفل السافلين السبع).([19])
قلت: ومراده رحمه الله أنه ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وليس هذا بأسلوب غريب على الإمام أحمد رحمه الله كما يدعي المدخلي في ((كشفه البالي)) (ص90) نعوذ بالله من ربع فقيه!.
(5) وقال الإمام أبو عثمان بشار بن موسى الخفاف رحمه الله: (الإيمان: قول وعمل ونية، يزيد وينقص، حتى يكون أعظم من الجبل، وينقص حتى لا يبقى منه شيء).([20])
(6) وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله عندما سئل عن الإيمان: أيزيد؟ قال: (نعم حتى يكون مثل الجبال، قال: قلت: فينقص؟ قال: نعم حتى لا يبقى منه شيء).([21])
قال العباس بن الوليد البيروتي رحمه الله عندما سئل، وقيل له أليس تقول ما يقول الأوزاعي؟ فقال: (نعم).([22])
(7) وقال الإمام علي بن عبد الله المديني رحمه الله عندما سئل عن الإيمان فقال: (قول وعمل ونية، قلت – يعني الدارمي -: أينقص ويزداد؟ قال: نعم يزداد وينقص حتى لا يبقى منه شيء).([23])
(8) وقال الإمام ابن منده رحمه الله: (ذكر خبر يدل على أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه في قلب العبد مثقال حبة خردل، وأن المجاهد بالقلب واللسان واليد من الإيمان).([24])
(9) وقال الإمام البربهاري رحمه الله: (والإيمان بأن الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة، يزيد وينقص، يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء).([25])
(10) وقال العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (ترك الطاعة فإن الإيمان ينقص به، والنقص به على حسب تأكد الطاعة، فكلما كانت الطاعة أوكد كان نقص الإيمان بتركها أعظم، وربما فقد الإيمان كله كترك الصلاة).([26]) اهـ
(11) وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله: (فالرد عليهم أن الذنوب تضر على كل حال، منها ما يزيل الإيمان بالكلية، ومنها ما لا يزيله بالكلية بل ينقصه، وصاحبها معرض بالوعيد المرتب عليها).([27]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في شرحه لـ(شرح السنة) (ص117) معلقا على قول الإمام البربهاري: (وينقص حتى لا يبقى منه شيء) قال: (هذا معنى قوله: (وينقص حتى لا يبقى منه شيء) ينقص حتى لا يبقى منه شيء، وقد يبقى مقدار حبة خردل، وهذه تنفع صاحبها يوم القيامة يخرج بها من النار، وإذا لم يبق حبة خردل فإنه يكون من أهل النار المخلدين فيها). اهـ
قلت: وهذا فيه رد على المدخلي هذا بقوله: أن الشيخ صالحا الفوزان حفظه الله لا يقول بهذه الزيادة السلفية، كما في ((كشفه البالي)) (ص228، 230).
وقد قلنا للمدخلي لو تجمع أقوال العالم لتبين لك اعتقاده في مسائل الإيمان جملة وتفصيلا، لكنه أبى إلا الاستمرار في ذكر مجمل قول العالم!، من دون التفصيل في اعتقاده([28])، نعوذ بالله من العناد.
قلت: وبسبب ذلك تطاول بلسانه، وتعدى ببنانه، ومضللا أهل السنة من غير وازع، ولا ضمير، ومن غير تدبر، ولا تفكير، حتى عشعش في صدره وجنانه، من بغض الاعتقاد وأهله حب الإرجاء وأهله!، ونقض الإيمان وأركانه! اللهم غفرا.
فانظر إلى أي هوة سقط هذا الرجل؟! أبكذبه، وتضليله، وتلبيسه؟!، أم بعظيم غفلته، وشدة حمقه؟!، أم بضحالة عقله، واستفحال جهله؟!.
وقال العلامة الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله في ((مصباح الظلام)) (ص470) وهو يرد قول عثمان الناصري الضال هذا: (فإذا كان هذا كلامه في هذه المسألة: فماذا يزيد الإيمان وينقص، حتى يكون أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردل من إيمان!([29])) إلى آخر قول الناصري، فقال الشيخ عبداللطيف: (فهذه العبارة تنادي بجهله، فالخوارج لا ينازعون في زيادة الإيمان، وإنما النزاع في نقصه، وأئمة الإسلام يقولون يزيد مع بقاء أصله الذي دلت عليه شهادة أن لا إله إلا الله، وينقص حتى لا يبقى منه شيء([30])، فإذا ثبت الإسلام زاد الإيمان ونقص، ومع عدم الإسلام وانهدام أصله لا يعتمد بما أتى به من شعبه!). اهـ
قلت: فلما احتج الناصري: (بأدنى مثقال حبة خردل من إيمان)، احتج عليه الشيخ باعتقاد السلف: بـ(أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء!).
وهذا يدل على جهل المدخلي بالسنة، ومعتقد السلف في الإيمان.([31])
قلت: وهذا فيه رد على المدخلي هذا بقوله: أن أئمة الدعوة في نجد لا يقولون بهذه الزيادة السلفية!، كما في ((كشفه البالي)) (ص228 و230).
قلت: ومع هذا فإنك ترى المدخلي المخالف معرضا عن صريح كلامهم، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال: إنها مجملة.
ولو أن المخالف هذا سلك منهج القواعد العلمية، وجمع أقوال العلماء، ورد المجمل إلى المبين، لاتضح له مذهبهم غاية الوضوح([32])، والله المستعان.
قلت: وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن السلف أنهم يقولون: الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء. أي يزول جميعه!.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الإيمان)) (ص213): (وقيل لبعض السلف: يزداد الإيمان وينقص؟ قال: نعم يزداد حتى يصير أمثال الجبال، وينقص حتى يصير أمثال الهباء).([33]) اهـ
والمراد: (ينقص حتى لا يبقى منه شيء)، أي يزول جميعه.
وهذا إقرار من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لاعتقاد السلف: بـ(أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء).
قلت: وهذا فيه رد على المدخلي هذا بقوله: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يقول بهذه الزيادة، كما في ((كشفه البالي)) (ص226 و230)، وقد قلنا للمدخلي لو تجمع أقوال العالم لتبين لك اعتقاده في مسائل الإيمان جملة وتفصيلا، لكنه أبى الا الاستمرار في ذكر مجمل قول العالم!، من دون التفصيل في اعتقاده، نعوذ بالله من العناد!.
ومع هذا فإنك ترى المدخلي المخالف معرضا عن صريح كلامه، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال: إنها مجملة.
ولو أن المخالف هذا سلك منهج القواعد العلمية، وجمع أقوال العالم، ورد المجمل إلى المبين، لاتضح له مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله غاية الوضوح، والله المستعان.
قلت: ويستطيع الباحث المطلع أن يقول: إن مسألة ترك الأعمال الظاهرة بالكلية، وحكم ذلك، لم يجليها أحد كما جلاها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد تناول في مواضع عدة من مؤلفاته، وبعبارات واضحة ظاهرة، وقد سبق ذكر جملة صالحة من كلامه ولله الحمد والمنة.
وقال العلامة الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله: (... ولكن العاقل يرضى أن يكون في قمة الإيمان، الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة والإكثار من الطاعة، والإكثار من العبادة، ينقص فيضعف بالمعاصي إلى أن يضمحل([34])، يكاد أن يذهب، وربما يذهب).([35]) اهـ
أي يعني الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
قلت: وهذا فيه رد على المدخلي هذا بقوله: أن الشيخ محمدا الجامي رحمه الله لا يقول بهذه الزيادة، كما في ((كشفه البالي)) (ص230)([36])، والله المستعان.
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) في كتاب الإيمان (ج1 ص25): (فكذلك الإيمان والإسلام، إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه - مع بقاء أركان بنيانه- لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سلب الاسم عنه، لنقصه.
بخلاف ما انهدمت أركانه، وبنيانه، فإنه يزول مسماه بالكلية!). اهـ
أي يزول الإيمان والإسلام بالكلية، فلا يبقى في قلب الإنسان شيء من الإيمان، لأنه ترك الأصول الإسلامية، اللهم غفرا.
قلت: وهذا فيه رد على المدخلي هذا بقوله: أن الإمام ابن رجب رحمه الله لا يقول بذهاب الإيمان كله، كما في ((كشفه البالي)) (ص226 و230).
قلت: فهذا اعتقاد السلف الصالح، وأهل السنة والجماعة في أن الإيمان ينقص حتى لا يبقى منه شيء نقله الأئمة والعلماء في كتبهم، وخالف اعتقاد السلف الصالح في ذلك ربيع المدخلي فقال بأن الإيمان ينقص حتى يبقى أدنى مثقال ذرة([37])، والله المستعان.
قلت: واعلم رحمنا الله وإياك أن هذه الآثار التي قد ذكرنا في معتقد السلف في أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء قد ذكره الحفاظ في كتبهم، ورواه الأئمة في مصنفاتهم، وجمعه العلماء على ما ساقه الإمام عبدالله بن الإمام أحمد، والإمام الخلال، والإمام ابن أبي حاتم، والإمام ابن منده، والإمام البربهاري، والإمام ابن بطة، والإمام الآجري، والإمام اللالكائي، وغيرهم، وأوجبوا كلهم الإيمان بهذا المعتقد والتسليم له، فلا ينكر، ولا يرد، ولا يتأول بشيء، ولا يحرف، وكذلك ذكره أصحاب الحديث في معتقدهم.
قلت: وقد اعترض ربيع المرجئ -كاعتراض المتكلمين- عليه ليبطله، ويتأوله على غير مراده، فرد عليه أهل السنة على ما قاله السلف المهديون، والخلف المرضيون، وكانوا قد وفقوا بحمد الله في ذلك، لأن المرجئة الخامسة قد اعترضت على معتقد السلف بما أوقعت به الشبه والشكوك، فلولا ما تفضل الله به من علماء السنة الذين أزالوه، وميزوه، وإلا كان الناس في حيرة، وكذلك اعترضوا على الآثار السلفية والأخبار، فرد عليهم علماء السنة الأخيار.
قلت: وهذا وأشباهه إنما تكلم فيه العلماء دفعا لما ذكره المرجئة، واعترضوا عليه، فمن اعتقد أنه تفرد به الإمام سفيان بن عيينة([38]) رحمه الله في جوابه، فإنما يقول ذلك بغير علم، سلمنا الله وإياكم من الشبهات، وأعاذنا من التلبيسات، وباعدنا من التدليسات، وحفظنا من الخيانات، وفهمنا من التحريفات، وغفر لنا الذنوب والتبعات.
فلما أظهرت المرجئة الخامسة فتنتهم، وأذاعوها في الناس، ودعوا الناس إليها، فلم يمسك أهل السنة الإنكار عليهم حتى استمروا في إنكار عليهم لكي لا يدرس اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان، فهي سنة متبعة من رسول الله r وصحابته الكرام.
مع أنهم أمروا المرجئة في عدم الخوض في الإيمان، فلم يمتنعوا فخاضوا في مسائل الإيمان في خبط وخلط كما في (شبكة سحاب المرجئية) بل لم يكتفوا بذلك حتى نصبوا ربيعا إماما لهم في الإرجاء للتدليس به، والتمويه على العامة.([39])
فلما رأى أهل السنة هذا النصب العدائي، ردوا عليهم وكاسروهم، وبينوا للناس بدعتهم في الإرجاء، ولله الحمد والمنة([40]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج7 ص288): (وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل، لأنهم أعرضوا عن هذه الطرق، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله ورسوله، وكل مقدمات تخالف الله ورسوله فإنها تكون ضلالا...
مثال ذلك أن (المرجئة) لما عدلوا عن معرفة كلام الله ورسوله أخذوا يتكلمون في مسمى (الإيمان) و(الإسلام) وغيرهما بطرق ابتدعوها). اهـ
قلت: فتأمل...فتأمل...فتأمل...اللهم غفرا.
قلت: فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، والسلف، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للرسولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة، سواء في المسائل الأصولية، أو المسائل الفروعية.
قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].
قال المفسر القرطبي رحمه الله في ((جامع أحكام القرآن)) (ج8 ص335): (((ذا)) صلة؛ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قلت: ووجه الاستدلال بها ([41])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([42])
والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول الله r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([43])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([44]) الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([45])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.
قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([46])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسولr ، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسولr متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا قوله تعالى: ]آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[ [البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة y.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([47])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول r. قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسولr مخالف لله؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([48])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الاجماع فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الاجماع دليل آخر، كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع، وكل من هذه الاصول يدل على الحق تلازمها: فإن ما دل عليه الاجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول r أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الاجماع عليها إلا وفيها نص). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص57) عن إجماع الصحابة الكرام: (فهو إنما يدل على أن إجماعهم حجة). اهـ
قلت: وتقرير هذا، أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا.([49])
فاتباع غير سبيل المؤمنين، وحده حرام، ومتوعد عليه، بل يعتبر من المشاقة، لأن المشاقة معناها: ترك العمل بما جاء به الرسول r، وصحابته الكرام.([50])
فعن المزني والربيع قالا: (كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ، فقال له: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله r قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة).([51])
قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([52])؛ إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([53])
قلت: والاعتراضات التي ذكرها المقلدة على إجماع الصحابة الكرام؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفوها حتى يروجون فقه مذاهبهم.
قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي: جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير جانب الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.
وسبيل المرء؛ ما يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.
قلت: وإذا ثبت هذا لزم من ربيع أن يتبع غير سبيل الرسولr، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من اعتقاد فاسد فيه الإرجاء وغيره.
والله ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسولr، ويتبع غير سبيل المؤمنين في قول، أو عمل، أو اعتقاد، فيصدق عليه أنه خالف الإجماع.
والمراد من الاتباع ههنا نفس السلوك، والموافقة، لا مجرد الظن، ويؤيده قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ويسلك غير سبيل المؤمنين).([54])
قلت: فمخالفة المقلد؛ لاتباع الرسول r، والصحابة الكرام؛ تقضي بأن يكون من المخالفين لسبيلهم، وهذا المخالفة هي عين مشاقة رسول الله r، والصحابة الكرام؛ لأن المشاقة معناها ترك العمل بما جاء به من الإيمان، والسلوك فيه بغير منهج الصحابة الكرام، اللهم سلم سلم.
قلت: فالمقلد هذا غير ناج من الوزر، لما وقع في المشاقة والمعاداة، والمخالفة، بعدما تبين له الهدى، وظهوره، وعلم صحة إجماع السلف على أن القنوت قبل الركوع، ثم يفعل المشاققة، ويعاند، ويصر على اتباع غير سبيلهم، وطريقهم، وهم ما هم عليه من دين الإسلام، والتمسك بأحكامه، فجعله الله تعالى واليا لما تولاه من الضلال، والعياذ بالله.([55])
فعن مطرف قال: سمعت مالكا يقول: (وسئل عن الداء العضال، فقال مالك: هو الهلاك في الدين).([56])
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
ومنه؛ قوله تعالى ]يوم ندعوا كل أناس بإممهم[ [النساء:115]؛ أي: من أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.
فقوله تعالى : ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([57])، والعياذ بالله.
قلت: ولا شك أن مخالفة المقلد ما أجمع عليه الصحابة الكرام في الإرجاء هذا ضلال، لا مجرد أن هذه المسألة من مسائل الإيمان؛ كما يقال؛ لكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك المقلد إجماع الصحابة الكرام في هذه المسألة وغيرها، وهذه هي مشاقة r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار فافطن لهذا ترشد.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1068): (فلما جمع تعالى بين مشاقة الرسول r، وبين ترك اتباع سبيل المؤمنين في الوعيد؛ علم أن كل واحد منها يقتضي الوعيد). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج3 ص218): (قوله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى[ أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول r، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.
وقوله تعالى: ]ويتبع غير سبيل المؤمنين[ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له، كما قال تعالى: ]فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون[ [القلم:44]، وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [[الصف:5]، وقوله: ]ونذرهم في طغينهم يعمهون[ [الأنعام:110]، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالى : ]احشروا الذين ظلموا وأزوجهم وما كانوا يعبدون ((22)) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ((23))[ [الصافات:22-23]، وقال تعالى: ]ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [[الكهف:53]). اهـ
قلت: فالوعيد يكون على اتباع غير سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام.
وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران:105].
وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159].
قلت: فالله تعالى لا يحب الاختلاف لا في الأصول، ولا في الفروع، فانتبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف). اهـ
قلت: والعاصم من ذلك هو التمسك بمنهج السلف الصالح، ولزوم جماعتهم في الأصول، والفروع.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص430): (والجماعة؛ جماعة المسلمين، وهم: الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتباعهم هدى، وخلافهم([58]) ضلال). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
قلت: ومن أمعن النظر في آثار التابعين، وجد أن التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابة الكرام في الدين.([59])([60])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1103): (واحتج بأن التابعين احتجوا؛ بإجماع الصحابة). اهـ
إذا فيكون المخالف في ذلك خارقا للإجماع؛ لأن الإجماع أصل من أصول الدين، وحجة من الحجج الشرعية، والعمل به واجب، فلا يترك لاختلاف العلماء([61])من بعد الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
قلت: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفهم في فتيا، أو حكم، وقد شهد لهم رسول الله r بالفضل!.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص18): (فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول الله r الذين هم سادات الأمة، وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى، وسنة نبيهم r، وقد شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم؛ كنسبتهم إليهم في الفضل والدين؛ كان الظن، والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم، والحق في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم الرأي السداد الذي لا رأي سواه). اهـ
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (لو بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا لما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم r).([62])
وعن عبد الله بن داود الخريبي رحمه الله قال: (والله لو بلغنا أن القوم - يعني: الصحابة- لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه).([63])
قال ابن خزيمة: ((يريد أن الدين الاتباع)).
قلت: يجب الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فيما أحببنا، وكرهنا.
وعن عبد الله بن مسعود t أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد؛ فاختار محمدا r؛ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده؛ فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه r، فما رآه المؤمنون حسنا؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا؛ فهو عند الله قبيح).([64])
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص425): (الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص427): (إذا أجمع أهل عصر على شيء، كان إجماعهم حجة، ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ).اهـ
قلت: إذا لا يعتد باختلاف المرجئة بعد إجماع الصحابة y، والسلف في الاعتقاد.([65])
فعن أبي حاتم الرازي رحمه الله قال: ( العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق، ناسخ غير منسوخ، وما صحت الأخبار عن رسول الله r مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم؛ فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين، فعن أئمة الهدى من أتباعهم).([66])
قلت: فما أجمع عليه الصحابة الكرام، والسلف؛ فهو حجة شرعية، ويسقط بذلك أي اختلاف في الدين.([67])
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص433): (فما أجمعوا عليه فهو حجة، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث). اهـ
قلت: فيجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عنه في أي بلد من البلدان الإسلامية.([68])
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): (كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه؛ فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: سن رسول الله r، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا).([69])
قلت: فإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
فعن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير).([70]) أي: عند اختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن أيوب السختياني رحمه الله قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([71])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص148): (فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((التسعينية)) (ج2 ص531): (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة، وتفرقت منه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). اهـ
قلت: ومنازعات أهل الأهواء والبدع هي خصومات مذمومة، مدارها على اختلاف التضاد، ويتكلم أهلها بغير علم، وقصد حسن، اللهم غفرا.
قال أبو داود في ((المسائل)) (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1057): (وسمي إجماعا؛ لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة). اهـ
قلت: ومن رد الإجماع أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة، كائنا من كان اللهم سلم سلم.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): (فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر، فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله). اهـ
قلت: فلا عذر لأحد بعد الإجماع في مخالفة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه مخالفة، قد بينت الأمور، وثبتت الحجة، واتقطع العذر، اللهم غفرا.
فعن سعيد بن المسيب رحمه الله: (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع، والسجود فنهاه سعيد بن المسيب عن ذلك، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟، قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة). وفي رواية: (إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل، إنه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين، قال: فانصرف، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة، قال: بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنة).([72])
قلت: وهذا من بدائع أجوبة الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله، وهو سلاح قوي على المقلدة الذين يستحسنون كثيرا من الخلافيات في الأحكام باسم الفقه في الدين، ثم ينكرون على أهل الأثر، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الأحكام، وهم في الحقيقة؛ إنما ينكرون الحق في الدين، ومن ذلك ردهم لإجماع الصحابة الكرام في الأحكام، فهؤلاء لهم وعيد شديد؛ لا من أجل أنهم تركوا مسألة فقهية، بل من أجل أنهم خالفوا حجة شرعية، وهو الإجماع، وعاندوا، وأصروا على أحكام بلدانهم المخالفة للشرع([73])، اللهم غفرا.
قلت: فوقعوا في الإفتراق الذي يريدون أن يفروا منه في بلدانهم، والله المستعان.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة).([74])
قلت: فهؤلاء المقلدة المتعصبة في بلدانهم يحبون الاختلاف بين العلماء في المسائل الاعتقادية والفقهية، لذلك يرجعون إليه، ويفتون به دون الرجوع إلى الدليل، بل وترى كل بلد يخالف البلد الآخر في أحكام الدين بسبب المذهبية، والعصبية، والحزبية، ويحبون الاختلاف، بل ويتبعون أهواءهم في ذلك، ويكرهون الرجوع إلى ما أجمعوا عليه، فيقال للمتعصبة لبلدانهم: ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة والاختلاف، اللهم سلم سلم.
قلت: فهلكوا في بلدانهم -كما هو مشاهد- وأهلكوا، والعياذ بالله.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة).([75])
وعن طاووس، قال: (رآني ابن عباس وأنا أصلي، بعد العصر فنهاني، فقلت: إنما كرهت أن تتخذ سلما، فقال ابن عباس: نهى رسول الله r عن الصلاة بعد العصر، وقال الله تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[. وما أدري تعذب عليها أم تؤجر).([76])
قلت: وتباهي المتعصبون بالخلافيات، فاختلفوا، وتفرقوا في البلدان، وتركوا الإجماع والائتلاف، فأصابهم ما أصاب الأمم من قبلهم، فحل بهم ما حذرهم به نبينا r من استعمال الآراء، وقيام الفتن، وانتشرت الأهواء فيهم، فألبسوا شيعا، مزقوا قطعا، وشمتت بهم الدول الكافرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله تعالى، وصدهم عن الحق، وميلهم إلى الاختلاف، وإيثارهم أهواءهم، ولله تعالى عقوبات في خلقه عند ترك أمره، ومخالفة رسله؛ فأشعلت نيران الفتن في بلدانهم، وصاروا إلى سبيل المخالفين؛ فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضية([77])، والله المستعان.([78])
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أصحاب محمد r، ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم هلكوا).([79])
وعن ثابت بن قطبة قال: سمعت عبد الله بن مسعود يخطب وهو يقول: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به).([80])
ويؤيده: قوله تعالى: ] واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [[آل عمران:103].
وعن أبي بن كعب t قال: (عليكم بالسبيل والسنة... وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة).([81])
قلت: وهذا يدل على ما كان عليه التابعون من حرص على سماع الحديث من الصحابة الكرام، والتثبت والضبط في الدين.
قلت: وهذا يدل على فضل الصحابة الكرام.
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (أنتم أكثر صياما، وأكثر صلاة، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله r وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: " كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة).([82])
قلت: وهذا يدل على أن من كان صادقا في إسلامه، واتباعه للصحابة الكرام، فأنه لا يعدل عن طريقتهم في أحكام الدين، اللهم غفرا.
قلت: فمن خالف ما عليه الصحابة الكرام في الأصول، والفروع، فقد خالف الله تعالى، ورسوله r، لأن العلماء مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله، فأي كتاب نشأ عن طريقة كتب السلف، والخلف المتضمنة للحكم، والدليل، وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة الكرام.([83])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص24): (أنهم -يعني الصحابة- إذا قالوا قولا، أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول، ومبتدعا له... وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور؛ فلا يجوز اتباعهم). اهـ
قال العلامة الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج13 ص135): (معنى الجماعة المرادة من هذه الأحاديث؛ جماعة أئمة العلماء والمجتهدون، فمن خرج مما عليه الأمة فقد مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المغنيون بقوله عليه السلام: (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)([84])، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع في النوازل، وهي تبع لها، فمعنى قوله r: (لن يجمع أمتي)؛ أي: لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وممن قال بهذا عبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف، وهو رأي الأصوليين). اهـ
وعن ابن مسعود t قال: (عليكم بالجماعة؛ فإن الله لن يجمع أمة محمدr على ضلالة).([85])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص237): (والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل([86]) الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله r). اهـ
قلت: فليس كل من تفقه في الدين عرف التأويل؛ لأن الفقه: هو فهم معنى النص، والحكم.
والتأويل: هو إدراك حقيقته التي يؤول إليها، وموقع الحكم.
فالراسخون فهموا معنى النصوص، ووجه الدلالة، وموقعها في الأنواع والأعيان.([87])
قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص472): (ونعلم أن عامتهم -يعني الصحابة- لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله r، ولا على خطأ إن شاء الله). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (ج1 ص248): (وأهل السنة الذين هم أهلها يردون ما عارض النص، والإجماع من هذه).اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج7 ص116): (السنة ما سنه النبي r، والخلفاء الراشدون من بعده، والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما، وحديثا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((التمسك بالسنة)) (ص32): (واتباع الشرع والدين متعين، واتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى، وبالظن، وبالعادات المردودة؛ مقت وبدعة). اهـ
قلت: فما أبعد المرجئة عن فقه السلف المجمع عليه في الشريعة؛ فإنهم يتركون فقههم، ويذهبون إلى فقه غيرهم المختلف فيه في الشريعة!.
وهذا ينبؤ بخطر عظيم على المرجئة؛ لأن أكثرهم يحتج بالاختلاف من بعد إجماع الصحابة الكرام من أجل ترويج اعتقادهم الفاسد في الدين.
قلت: ومن فعل ذلك، ونصح ولم يتب، وأصر على باطله، فهو مبتدع ضال كائنا من كان.
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في ((تلبيس إبليس)) (ص278): (قلة العلم أوجبت هذا التخليط). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج1 ص42): (والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة!). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف). اهـ
قلت: فالاختلاف أول ما يخرج في أناس يكون شبرا فيهم، ثم يزين الشيطان لهم اختلافهم -ولو كان في الفقه- ويلهمهم أن الصواب معكم في هذا الاختلاف دون غيركم، وأن غيركم خالفوا الصواب لما وصلتهم إليه مما يعتقدوه أنه الحق.([88])([89])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج8 ص425): (فالبدع تكون أولها شبرا؛ ثم تكبر في الإتباع؛ حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ
قال تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46].
قلت: وهذا التنازع المنهي عنه يكون في الأصول، والفروع سواء بسواء، اللهم غفرا.
قال الحافظ ابن حزم رحمه لله في ((الإحكام)) (ج5 ص64): (وقد نص تعالى على أن الإختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر، وسائر المعاصي). اهـ
وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)) (ج1 ص77): (وجملة القول أن الإختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة، كما قال تعالى ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46]). اهـ
فعن ابن مسعود t: لما طلب منه موافقة أبي موسى t؛ في مسألة: ((بنت، وبنت ابن، وأخت)) فأعطى البنت النصف، والأخت النصف؛ قال: (لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين).([90])
قلت: فجعل ابن مسعود رضي الله عنه القول الآخر خطأ، لا ينظر فيه، ولا يحتج به، وهذه شهادة صريحة بأن الحق عند الله تعالى واحد، وما عداه فخطأ.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله؛ معلقا على أثر ابن مسعود t: (فجعل القول الآخر الذي جعله المصوبة صوابا عند الله ضلالا!، وهذا أكثر من أن يحيط به، إلا الله تعالى).([91]) اهـ
قلت: ولا شك أن كثرة الأقوال في الخلافيات في الأحكام تدل على أن الخلافيات هذه مقبولة في الجملة للنظر فيها، والبحث، والترجيح([92])، ولكن ليست الخلافيات كلها على مستوى واحد من الوجاهة، وسداد النظر، إذ منها: الهزيل، ومنها: القوى في الظاهر، ومنها: الشاذ، ومنها الذي يوافق جمهور العلماء([93])، ومنها: الذي يعتمد على حجة واهية، ومنها: ما يستند إلى أدلة قوية.
وليس كل خلاف جاء معتبــــــــــــــــــــــــرا |
|
|
إلا خلافا له حظ من النظـــــــــــــــــــــــــــــــــر |
قلت: والذي يتتبع خلاف الفقهاء، ويستفيد منه بقصد الاحتجاج به على رأيه، فيجتهد ليقول الرأي في الشيء يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، فقد تتبع الرخص المحرمة، ووقع في الإثم كائنا من كان!.
فذم السلف من يبحث عن تلك الرخص عن طريق اختلاف العلماء ويعمل بها، أو يشيعها بين الناس؛ ذما شديدا؛ لأنها تصير بفاعل ذلك في استحلال ما حرم الله تعالى، ورسوله r.
فالمجتهد العالم قد يقول الرأي في الشيء يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، لا بقصد منه، بل باجتهاده ظنا منه أنه الصواب، فمن عمد إلى رخصة هذا العالم، أو ذاك مما أخطأوا فيه، فتتبعه ليأخذ به؛ فقد اجتمع فيه الشر، والعياذ بالله.
والواجب في هذا أن ينظر في حكم الله تعالى، ورسوله r، فتقاس رخص المجتهدين بموافقتها للكتاب والسنة، أو مخالفتها لهما، فإن وافقت فهي رخصة شرعية يحبها الله، والأخذ بها حسن، وإن خالفت فلها حكمها من الحرمة والإثم، لأنه غير معذور بذكره للخلاف بهذه الطريقة، والاحتجاج به، والله المستعان.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
لذلك شغف هذا المرجئ بالخلافيات وغرائبها، حتى خرج بها عن الحد الشرعي، وهذه الخلافيات وغرائبها يكون فيها الحق والباطل، فإذا لم تحقق بالكتاب والسنة والآثار؛ فلا ينتفع بها العبد، بل تضره، ولأجل ذلك عيب على من طلب الخلافيات وغرائبها، والإغراق في تتبعها، وذكرها للناس([95])، والانشغال بجمع أقوال الفقهاء، والاحتجاج بها، والترخص بها في الدين، فمن فعل ذلك وقع في الزندقة.([96])
وقد حكى إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي رحمه الله؛ أنه دخل على الخليفة المعتضد بالله العباسي، قال: (فدفع إلي كتابا، فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟، قلت: بلى، ولكن من أباح المسكر بم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلا وله زلة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه، فأمر بالكتاب فأحرق).([97])
وقال عبدالله بن المبارك؛ ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رأني أبي، وأنا أنشد الشعر، فقال سليمان التيمي: (يا بني لا تنشد الشعر، فقلت: يا أبت كان الحسن البصري ينشد الشعر!، وكان محمد بن سيرين ينشد!، فقال؛ أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن!، وبشر ما في ابن سيرين! ([98]) اجتمع فيك الشر كله).([99])
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان الدليل)) (ص204): (وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين، ومن بعدهم؛ إلا وله أقوال، وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ
قلت: فمن ترك الاستدلال بالنصوص، وأقبل على الاستدلال بالعقليات، فهذا قليل العلم، لا يعتد بعلمه في الشريعة المطهرة.([100])
لذلك حذر السلف من الزلات.
قلت: والمتكلم في منازعات الناس يتعين عليه العلم بالأحكام الكلية لمسائل الخلاف، وأصول الفقه فيها، ثم معرفة كيفية التخلص من هذا الخلاف بأدلة الكتاب والسنة والآثار، والله ولي التوفيق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص203): (ونحن نذكر ((قاعدة جامعة)) في هذا الباب لسائر الأمة، فنقول: لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب، وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص57): (وكثير من النزاع قد يكون مبينا على أصل ضعيف إذا بين فساده ارتفع النزاع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج4 ص14): (وكذلك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة، وطاعة الله تعالى ورسوله إلا بمخالفة ذلك، ومن تكلم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم، إنما تكلم فيه أهل الإيمان بمخالفة السنة والشريعة). اهـ
قلت: فالمتكلم في مسائل الخلاف لابد أن يحسن الكلام في ضوابط نقل الخلاف، وفي تمييز الأقوال الضعيفة من الصحيحة، وأن يتمكن من معرفة ما سبقه من إجماع، فيعمل بالإجماع ويطرح الخلاف، ولا يتوسع فيه، ولا يعمل به، لما يترتب من ذلك من الفرقة بين المسلمين.([101])
قلت: والخطأ ينشأ؛ إما من جهة عدم العلم بالحق، وإما من جهة فساد القصد، واتباع الهوى.
قال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى[ [النجم:23].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص384): (وأصل الضلال، اتباع الظن والهدى، كما قال تعالى في حق من ذمهم: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [[النجم:23].، وقال في حق نبيه r ]والنجم إذا هوى ((1)) ما ضل صاحبكم وما غوى ((2)) وما ينطق عن الهوى ((3)) إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 1-4]، فنزهه عن الضلال، والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج13 ص368): (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب). اهـ
وقد أوضح أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص75) عند كلامه على منهج السلف في الحكم على الألفاظ المجملة المتشابهة فقال: (وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث والنظر، والتتبع والاستقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء.
وذلك يكون بشيئين:
أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطابق بين معاني التنزيل، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين، فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه). اهـ
لذلك فالناظر في واقعنا المعاصر؛ بإنصاف يلحظ فرقا واسعا، وبونا شاسعا بين مسالك علماء السنة في زماننا مثل: الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الفوزان، والشيخ عبدالله الغديان، والشيخ فالح الحربي، وغيرهم([102])؛ ومن سلك سبيلهم، وبين مسالك من دونهم من أهل الجهل المركب مثل: ربيع المدخلي، ومحمد المدخلي الربيعي، وعبيد الجابري الربيعي، وصالح السحيمي الربيعي، وأحمد بازمول الربيعي، وعبدالله البخاري الربيعي وغيرهم([103]) في تقرير الحق، ورد الباطل.
لذلك يجب معرفة الفرق بين علماء الحرمين والسنة الذين اشتهروا بعلمهم، وآثارهم، وفضلهم، وبين الوعاظ والقصاص ومن يتولى التدريس في المدارس، والجامعات من الأكاديميين من لم يتمكن في العلم ومسائله وأصوله وقواعده، ولم يفقه مقاصد الشريعة المطهرة.
فهؤلاء لا يعول عليهم في منهج النقد العلمي، ولا يجعل لهم قول وعمل في الدين، ولا تنسب إليهم فتوى في الإسلام.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ج1 ص170): هذا التفريق بين مسالك العلماء، ومسالك غيرهم في البيان، ومعرفة طبقاتهم في الاجتهاد فقال رحمه الله: (وليحذر العبد مسالك أهل الظلم والجهل، الذين يرون أنهم يسلكون مسالك العلماء، تسمع من أحدهم جعجعة ولا ترى طحنا، فترى أحدهم أنه في أعلى درجات العلم، وهو إنما يعلم ظاهرا من الحياة الدنيا، ولم يحم حول العلم الموروث عن سيد ولد آدم، وقد تعدى على الأعراض والأموال بكثرة القيل والقال؛ فأحدهم ظالم جاهل، لم يسلك في كلامه مسلك أصاغر العلماء، بل يتكلم بما هو من جنس كلام العامة الضلال، والقصاص الجهال، ليس في كلام أحدهم تصوير للصواب، ولا تحرير للجواب([104])؛ كأهل العلم أولى الألباب، ولا عنده خوض العلماء أهل الاستدلال والاجتهاد، ولا يحسن التقليد الذي يعرفه متوسطة الفقهاء؛ لعدم معرفته بأقوال الأئمة ومآخذهم.
والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل والتدليس ما ينفق على أهل الضلال والبدع، الذين لم يأخذوا علومهم عن أنوار النبوة، وإنما يتكلمون بحسب آرائهم وأهوائهم؛ فيتكلمون بالكذب والتحريف، فيدخلون في دين الإسلام ما ليس منه، وإن كانوا لضلالهم يظنون أنه منه، وهيهات هيهات، فإن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له). اهـ
قلت: ومن المناسب هنا أن نبين مسالك رؤوس الفرقة الربيعية الجامعيين، وهي الجهل بتقرير الحق، ورد الباطل، والظلم في نقد الأخطاء وتصويبها، وما يتضمنه كلامهم في منازعات الناس من تصوير ليس بصحيح، وتعبير ليس بفصيح، وليس عندهم التفصيل للجواب، ولا التحرير للخطاب، فهم الذين إذا تكلموا عمموا، وإذا حكموا ظلموا، وإذا رجحوا ألزموا، فلا للسنة نصروا، ولا للبدعة كسروا، بل ولا مع الخلق عدلوا، فهم أهل الجهل والظلم.([105])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج4 ص134) عند كلامه على الفرق بين من تولى التدريس من المجاهيل، وبين مقام العلماء الربانيين: (ولو كشف لنا عن اسم هذا المدرس، وهذا المدرس لبينا من جهله ما يبين حقيقة حاله، وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك الكفار، أو الحديثي العهد بالإسلام، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته، حتى يجعل له قول؟ مع العلم بأن كثيرا ممن يتولى التدريس بجاه الظلمة الجهال يكون من أجهل الناس وأظلمهم؛ ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم، وكتبهم). اهـ
قلت: لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص231) عن أشكال رؤوس الفرقة الربيعية المفسدين([106]): (وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص233): (فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس، ولم تبين للناس: فسد أمر الكتاب، وبدل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين، لكنهم سماعون للمنافقين: قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا؛ وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى: ]لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خللكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمعون لهم[. [التوبة:47]، فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم، فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة من منافق([107])؛ لكن قالوا ظانين أنها هدى، وأنها خير، وأنها دين، ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج5 ص33): (والذي قصدنا الرد في هذه الفتيا عليهم: هم هؤلاء؛ إذ كان نفور الناس عن الأولين مشهورا، بخلاف هؤلاء؛ فإنهم تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة، وهم - في الحقيقة- لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج1 ص254): (ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيء من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم، ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج([108])، أو العبادة والأحوال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج8 ص408): (وتحقيق الأمر أن الكلام بالعلم الذي بينه الله تعالى، ورسوله r مأمور به، وهو الذي ينبغي للإنسان طلبه.
وأما الكلام بلا علم فيذم، ومن تكلم بما يخالف الكتاب والسنة؛ فقد تكلم بلا علم، وقد يتكلم بما يظنه علما: إما برأى رآه، وإما بنقل بلغه، ويكون كلاما بلا علم، وهذا قد يعذر صاحبه تارة، وإن لم يتبع، وقد يذم صاحبه إذا ظلم غيره، ورد الحق الذي معه بغيا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج2 ص529): (فمن اتقى الله راقب الله، واعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاه وبالجهل، أو بالشر والبأو، فأعرض عنه، وذره في غيه، فعقباه إلى وبال، نسأل الله العفو والسلامة). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج2 ص730): (ما زال العلماء يختلفون في المسائل الصغار والكبار، والمعصوم من عصمه الله بالتجاء إلى الكتاب والسنة، وسكوت عن الخوض فيما لا يعنيه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الصارم المسلول)) (ج2 ص512): (وأخذ مذاهب العلماء من الإطلاقات([109])؛ من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أحوالهم يجر إلى مذاهب قبيحة). اهـ
قلت: وهذا فيه رد على ربيع المدخلي الذي قام بتتبع غرائب العلماء([110])، وحكايته لاطلاقاتهم، وعمومياتهم دون مراجعة لما فسروا بذلك كلامهم.([111])
قال ابن القيم رحمه الله في ((الصواعق المرسلة)) (ج2 ص1504): (ولا يمكن الرد على أهل الباطل إلا مع اتباع السنة من كل وجه([112])، وإلا فإذا وافقها الرجل من وجه، وخالفها من وجه، طمع فيه خصومه من الوجه الذي خالفها فيه، واحتجوا عليه بما وافقهم فيه من تلك المقدمات المخالفة للسنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (ج1 ص13)؛ في تعليله لأسباب البدع ومداخلها على أبي الحسن الأشعري: (كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم). اهـ([113])
قلت: لابد أن يكون مع الناقد عند رده على أهل الباطل دراية مفصلة بالحق، وأن يسلك طريقة أهل السنة في تقرير الحق، ودفع المعارضات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج6 ص505): (فلا يخرجن أحد الألفاظ المأثورة، وإن كان قد يقع تنازع في بعض معناها؛ فإن هذا الأمر لابد منه.
فالأمر كما قد أخبر به نبينا r، والخير كل الخير في اتباع السلف الصالح، والاستكثار من معرفة حديث رسول الله r، والتفقه فيه، والاعتصام بحبل الله، وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة؛ ومجانبة ما يدعو إلى الخلاف والفرقة؛ إلا أن يكون أمرا بينا قد أمر الله تعالى، ورسوله r فيه بأمر من المجانبة فعلى الرأس والعين).اهـ
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران:103].
قلت: وجه الاحتجاج بهذه الآية: أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق، سواء كان في الأصول، أو الفروع، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته.([114])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فالأحاديث والآيات الناهية عن الإختلاف في الدين المتضمنة لذمه، كلها شهادة صريحة؛ بأن الحق عند الله واحد، وما عداه فخطأ، ولو كانت تلك الأقوال -والآراء- كلها صوابا، لم ينه الله تعالى، ورسوله r عن الصواب، ولا ذمه).([115]) اهـ
قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده؛ فليس بالصواب قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82]).([116]) اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص922): (الإختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة؛ إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)) (ج1 ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه، ويعتمد عليه). اهـ
قلت: خاصة إذا سبقه إجماع الصحابة الكرام([117])، اللهم غفرا.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فإن كثيرا من مسائل الفروع لا يجوز التقليد فيها).([118]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله؛ كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم).اهـ
قلـــــت: فالرسول r هو القدوة في الدين، ثم أصحابه الكرام، لأن الله تعالى زكاهم، ولأن الرسول r رباهم، وتوفي وهو عنهم راض، ولم تظهر فيهم الأهواء، فإن الحق، والهدى يدوران معهم حيث داروا، ولم يجمعوا إلا على الحق؛ بخلاف غيرهم من المذاهب والبلدان، فإنهم قد يجمعون على خطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((العقيدة الواسطية)) (ص127): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [[التوبة:100].
وقال تعالى: ]قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم[ [التوبة:117].
فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا، فاتبعهم متبع عليه، فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان.
قلت: فدل على أن اتباعهم اتباع لدليل.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج3 ص474): (وتقليدهم -يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن رضي الله عنهم). اهـ
قلت: فلا يتحقق اتباعهم؛ إلا بالانقياد لهم، والإمتناع من مخالفتهم.([119])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص556): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبعهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته، فهو متبع لهم؛ فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص557): (أيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص559): (من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا، بدليل أن من خالف مجتهدا من المجتهدين في مسألة بعد اجتهاد لا يصح أن يقال: اتبعه). اهـ
قلت: والاتباع لا بد أن يكون بإحسان، فيوافقهم في الأصول والفروع([120]) هذا معنى: قوله تعالى: ]والذين اتبعوهم بإحسان[ [التوبة:100].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج3 ص98): (والحق: أن أهل السنة لم يتفقوا قط على خطأ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء، واتباعا للآثار النبوية، فهم أعظم إيمانا وتقوى، وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم -يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الإتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص581): (وهذا يتناول ما أفتوا به، وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم من بينهم فيه شيء، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم، أو أكثر، أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون). اهـ
وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على ((الرسالة)) (ص534): (فمعنى الإجماع الذي يدندن حوله المتأخرون، معنى محدث مبتدع يبطلون به الحق من أقوال الصحابة، ويحقون به الباطل، فلا عبرة بخلاف تابعي، أو تابعين، أو إمام، أو أئمة، لقول الصحابي الذي لم يخالفه أحد من الصحابة([121])، وكل من بعد الصحابة ينتسب إلى السلف؛ باتباعه الصحابة، وليس بخلافه لهم).([122]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص200): (وللصحابة رضي الله عنهم فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين؛ كما أن لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول r لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول r، والتنزيل، وعاينوا الرسول r، وعرفوا من أقواله، وأفعاله، وأحوله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرون الذين لم يعرفوا ذلك، فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع، أو قياس). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص64): (...أن الصحابة رضي الله عنهم حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول r، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب، والمحامل التي لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله تعالى بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل الله تعالى فيهم من الخشية والزهد والورع؛ إلى غير ذلك من المناقب الجليلة، فهم أعرف بالتأويل، وأعلم بالمقاصد، فيغلب على الظن مصادفة أقوالهم وأفعالهم الصواب، أو القرب منه، والبعد عن الخطأ، هذا مالا ريب فيه، فيتعين المصير إلى أقوالهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ج2 ص312): (وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب، والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة؛ بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة؛ قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي r، وخلفائه الراشدين؛ كان أقرب إلى الحق.
ولهذا ترى اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشارا وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصورا.
فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها؛ لأن اتباعها يؤدي إلى محبتهم، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق؛ خلافا لمن زهد هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال! ولا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة!! وهذا خطأ وضلال؛ فالصحابة أقرب إلى الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم؛ من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم والتقوى والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول r). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص211): (ومن صفات أهل السنة: (اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)؛ لما خصلهم الله به من العلم والفقه، فقد شهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، وتلقوا عن الرسول r بدون واسطة، فهم أقرب إلى الصواب، وأحق بالاتباع بعد الرسول r، فاتباعهم يأتي بالدرجة الثانية بعد اتباع الرسول r؛ فأقوال الصحابة حجة يجب اتباعها إذا لم يوجد نص عن النبي r -لأن طريقهم أسلم وأعلم وأحكم- لا كما يقول بعض المتأخرين- أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛
فيتبعون طريقة الخلف، ويتركون طريقة السلف).([123]) اهـ
قلت: لذلك يحرم على قوم وصل إليهم إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة في الدين أن يصيروا إلى اختلاف لمن بعدهم.
قال الفقيه ابن العربي المالكي رحمه الله في ((عارضة الأحوذي)) (ج9 ص10): (الأمة إذا اجتمعت على قول؛ فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر).اهـ
قلت: لذلك؛ فالاختلاف في الآراء؛ فإنه مخطور في العقول، محرم في الأصول والفروع، وهو سبب تعطيل أحكام الدين، ولو ترك الناس أن يختلفوا بما شاءوا لتفرقت مذاهبهم، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول r، وحجة الإجماع في الشريعة المطهرة.([124])
قلت: وهذا هو الذي عابه الله تعالى من التفريق في كتابه، اللهم غفرا.
قلت: وهذا يدل على أن الاختلاف في الفروع، والإصرار عليه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، هو بريد إلى نشأة البدع التي نشأ منها الإفتراق، وهذا ظاهر في المذهبيين المقلدين، والحزبيين السياسيين الذين سيطروا على الشؤون الإسلامية في البلدان الإسلامية كلها، اللهم غفرا.
قلت: والإمام أحمد رحمه الله جعل الخروج عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الأحكام الفقهية من مذهب أهل البدع، فما بالك في الخروج عن اجماعهم؟!.
وهو قول أهل السنة والجماعة.([125])
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذا في رواية عبدالله، وأبي الحارث في الصحابة الكرام إذا اختلفوا؛ حين سئل: هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إن اختلفوا؟.
فقال الإمام أحمد: (أرأيت إن أجمعوا؟، له أن يخرج من أقاويلهم!؛ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا).([126])
فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة الكرام، أو ما يدل عليه، إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع، اللهم غفرا.
قلت: ولا نزاع بين العلماء القائلين بحجية الإجماع، إن إجماع الصحابة حجة، لتحقق معنى الإجماع بأركانه، وشروطه فيهم؛ إذ هو اتفاق المجتهدين من أمة محمدr.([127])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1108): (فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف في المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين([128])، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يجز رفع إجماع الصحابة بإجماعهم؛ لأن إجماع الصحابة أقوى من إجماعهم، كما لو أجمعت على قول واحد، ثم أجمع التابعون على خلافه، وهذه طريقة معتمدة). اهـ
قلت: فإذا كان إجماع التابعين الأفاضل لا يرفع إجماع الصحابة الكرام، فكيف يرفع إجماعهم خلاف (الفرقة الربيعية) من بعدهم([129])؟!:] إن هذا لشيء عجاب[[ص:5].
وقد وصف الإمام أحمد رحمه الله عن أخذ العلم في رواية: المروذي (ج4 ص1090- العدة)؛ فقال الإمام أحمد: (ينظر ما كان عن رسوله r؛ فإن لم يكن فعن الصحابة، فإن لم يكن فعن التابعين).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1090): (إجماع أهل كل عصر حجة([130])، ولا يجوز إجماعهم على خطأ). اهـ
قلت: والأدلة وردت بعصمة جميع الصحابة الكرام إذا أجمعوا على أمر في الدين، فيجب العمل به من بعدهم.([131])
قلت: ولا يعتد بخلاف من خالفهم من العلماء.([132])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1081): (وهذا كله يدل على أن اتباع المجمعين فيما أجمعوا عليه واجب). اهـ
قلت: وهذا عام؛ لا يجمعهم الله تعالى، ولا يجتمعون على خطأ.([133])
نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبدالله، وأبي الحارث: (يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا).([134])
وقال الإمام أحمد، في رواية الأثرم: (إذا اختلف أصحاب رسول الله r يختر من أقاويلهم، ولا يخرج عن قولهم إلى من بعدهم).([135])
قلت: وهذا قول جمهور العلماء؛ خلافا لبعض الحنفية، وبعض الظاهرية في القول: ((يجوز إحداث قول ثالث)).([136])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1113): (أن إجماعهم على قولين إجماع على بطلان ما عداهما، كما أن الإجماع على واحد؛ إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فأما إذا تأيد الإجماع عليه، قوي بالمصير إليه ففسق جاحده... هذا إذا انعقد الإجماع فسق مانعه). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فإذا انعقد الإجماع به فسق مانعه ومخالفه)). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): ((باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه)): (إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين، فإن فعلوا ذلك لم يزل خلاف الصحابة. والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، وعلى بطلان ما عدا ذلك، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما، لم يجز ذلك، وكان خرقا للإجماع، وهذا بمثابة ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث؛ لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما، كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه، فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): ((القول فيمن رد الإجماع)): (الإجماع على ضربين:
أحدهما: إجماع الخاصة والعامة, وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة, وعلى صوم رمضان, ووجوب الحج, والوضوء, والصلوات وعددها وأوقاتها, وفرض الزكاة وأشباه ذلك.
والضرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة, مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج, وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم, وأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه, وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها, وأن لا وصية لوارث, وأن لا يقتل السيد بعبده, وأشباه ذلك.
فمن جحد الإجماع الأول استتيب, فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يعلم ذلك, فإذا علمه ثم رده بعد العلم, قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله([137])). اهـ
ويدل عليه:
عن أبي نجيح العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).([138])
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله في ((العدة)) (ج1ص1058): (الإجماع حجة قطعية يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص192): (والمقصود هنا أن الرسول r بين جميع الدين بالكتاب، والسنة، وأن الإجماع - إجماع الأمة- حق؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة). اهـ
قلت: إن الإجماع مستند معظم في الشريعة المطهرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص270): (وحينئذ؛ فلإجماع مع النص دليلان، كالكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالإجماع حجة قاطعة، يحرم مخالفته.([139])
قال الأصولي ابن عبدالشكور رحمه الله في ((مسلم الثبوت)) (ج2 ص213): (الإجماع حجة قطعا عن الجميع، ولا يعتد بشرذمة من الخوارج، والشيعة([140])، لأنهم حادثون بعد الاتفاق). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في ((روضة الناظر)) (ص335) ((والإجماع حجة قاطعة). اهـ
وقال الأصولي الآمدي رحمه الله في ((الأحكام)) (ج1 ص200): (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل به على كل مسلم). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
وسمي إجماعا لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة.([141])
فعن الإمام سفيان رحمه الله قال: (كان يقال إجماع آراء الجماعة، وعقولها مبرمة لصعاب الأمور).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقل)) (ص55) من طريق محمد حدثنا الحميدي عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن الإمام عروة بن الزبير رحمه الله قال: (ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقل)) (ص60) من طريق عبدالرحمن بن صالح قال حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخيرا: يكون سوء الخاتمة لمن انحرف؛ لا لمن استقام:
قال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في ((العاقبة)) (ص180): (إن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، [ما سمع بهذا قط، ولا علم به، والحمد الله]، وإنما يكون لمن كان له فساد في العقل، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك، حتى ينزل به الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أن يكون لمن كان مسقيما لم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويأخذ في غير طريقه، فيكون عمله سببا لسوء خاتمته، وشؤم عاقبته، والعياذ بالله، قال تعالى:] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم[[الرعد:11]).اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج3 ص1177): (قد كان الحافظ سعد بن علي([142]) هذا من رؤوس أهل السنة، وأئمة الأثر، وممن يعادي الكلام وأهله، ويذم الآراء والأهواء، فنسأل الله أن يختم لنا بخير، وأن يتوفانا على الإيمان والسنة.
فلقد قل من تمسك بمحض السنة، بل تراه يثني على السنة وأهلها، وقد تلطخ ببدع الكلام، ويجسر على الخوض في أسماء الله وصفاته، ويبادر إلى نفيها، ويبالغ بزعمه في التنزيه، وإنما كمال التنزيه تعظيم الرب عز وجل، ونعته بما وصف به نفسه تعالى). اهـ
قلت: فالفرار قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء: ]ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم [[آل عمران:101].
قلت: فهذا ظاهر إذا اعتبرنا البدعة من حيث هي معصية، فإن نظرنا إلى كونها بدعة؛ فذلك أعظم؛ لأن المبتدع؛ مع كونه مصرا على ما نهي عنه يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله، غير مسلم لها في تحصيل أمره؛ معتقدا في المعصية؛ أنها طاعة حيث حسن ما قبحه الشارع، ومن كان هكذا؛ فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة.([143])
قلت: وهذا هو المكر، والعياذ بالله.
قال تعالى: ]أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون[[الأعراف:99].
قال العلامة الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج1 ص223): (والمكر: جلب السوء من حيث لا يفطن له، وسوء الخاتمة من مكر الله تعالى، إذ يأتي الإنسان من حيث لا يشعر، اللهم إنا نسألك العفو والعافية). اهـ
قلت: والذي مكر به يسود وجهه في الأخرة، والعياذ بالله.
قال تعالى:] يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [[آل عمران: 106].
وحكى القاضي عياض رحمه الله في ((ترتيب المدارك)) (ج2 ص49)؛ عن الإمام مالك من رواية ابن نافع عنه؛ قال: (لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها؛ بعد أن لا يشرك بالله شيئا، ثم نجا من هذه الأهواء؛ لرجوت أن يكون في أعلى جنات الفردوس؛ لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، وكل هوى ليس على رجاء؛ إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم).
قلت: ووجه ذلك ظاهر منبه عليه؛ إذ قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنة، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له، أو يزيد له فيه قيدا من رأيه، فيقبله قلبه، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه، وجده مظلما، فإما أن يشعر به؛ فيرده بالعلم، أو لا يقدر على رده، وإما أن لا يشعر به؛ فيمضي مع من هلك، والعياذ بالله.([144])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة دخرا... وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج5 ص225)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج10 ص486).
وإسناده صحيح.
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج5 ص230)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج10 ص495).
وإسناده حسن.
([7]) قلت: و((الفرقة الربيعية)) وقعت في الأمرين بسبب جهلهم بالآثار، حتى عندما خرجت وظهرت الآثار في ((مسائل الإيمان)) التي ضد إرجائهم أنكروها! على أنها ليست من كلام السلف! حتى وصلوا إلى تضعيفها!، لأنها خفيت عليهم؛ لجهلهم بوجود هذه الآثار، والله المستعان.
([9]) قلت: وما أعرض بزعمه عن الفكر الإخواني حتى زرع في باطنه، وعقله أمورا!، وانحرافا عن السنة، والآثار، نعوذ بالله من الخذلان.
([10]) حتى أنه يقر بذلك أحيانا في خفاء محض مع تدليس، وتلبيس، وخيانة، وبكذب في هذا الاعتقاد السلفي في الإيمان: ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء، فيقول مرة يشترطون، ومرة يزيدون، ومرة يوجبون، ومرة يذكرون، لكي لا يظهر إقراره به مطلقا، فيفتضح أمام إخوانه المرجئة في (شبكة سحاب الحزبية)، نعوذ بالله من الخذلان.
وانظر (شرحه البالي لعقيدة السلف) لربيع (ص173 و174)، و(كشفه البالي) (ص79 و80 و86).
([11]) قلت: بل أجمع السلف على الاعتقاد في مسائل الإيمان، ومن ذلك (أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء) ذكروا هذه الزيادة في كتبهم منهم: الآجري في (الشريعة)، واللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)، وابن بطة في (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة)، والخلال في (السنة)، وعبدالله بن أحمد في (السنة)، والبربهاري في (شرح السنة)، والصابوني في (عقيدة السلف وأصحاب الحديث)، فهؤلاء ذكروا إجماع السلف على اعتقاد أهل السنة والجماعة، ومن ذلك الزيادة المذكورة، ولم ينكروها.
قال الإمام الصابوني رحمه الله في ((عقيدة السلف وأصحاب الحديث)) (ص315): (وهذه الجمل التي أثبتها في هذا الجزء كانت معتقد جميعهم، لم يخالف فيها بعضهم، بل أجمعوا عليها كلها). اهـ
قلت: ومن الجمل التي ذكرها الإمام الصابوني رحمه الله: بـ(أن الإيمان ينقص، ينقص حتى لا يبقى منه شيء). والمدخلي شذ عن هذا الإجماع فهلك وأهلك أتباعه، والعياذ بالله.
([12]) قلت: فالسلف جميعا يعبرون أحيانا بأن الإيمان: يزيد وينقص، وأحيانا يقولون: (الإيمان قول وعمل)، وأحيانا يقولون: (الإيمان ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء)، وأحيانا يقولون: (الإيمان قول وعمل ونية صادقة)، وأحيانا يقولون: (الإيمان المعرفة والإقرار والعمل)، وأحيانا يقولون: (الإيمان قول وعمل ونية وإصابة السنة)، وهكذا ولم ينكر الأئمة هذه العبارات كلها، إلا هذا المرجئ الجاهل باعتقاد السلف ومصطلحاتهم، والله المستعان.
([13]) قلت: ومن يتأمل هذا الكلام يدرك أن ربيعا يلبس، ويخون، ويدلس في مراوغته في كلامه على أن الإيمان: (ينقص ينقص حتى لا يبقى منه شيء)، ليستر عورته في إرجافه على الآثار التي ذكرت هذه الزيادة السلفية.
قلت: وهذه المراوغات لا تفيده شيئا، والله المستعان.
([14]) وكذلك أتباعه المرجئة في (شبكة سحاب) كانوا ينكرون هذا المعتقد السلفي إنكارا شديدا، وذلك بسبب جهلهم بمعتقد السلف في مسائل الإيمان، والله المستعان.
أخرجه إسحاق بن منصور في المسائل (ج2 ص589) ومن طريقه الخلال في السنة (ج3 ص582) قال: قال إسحاق بن راهويه فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الحميدي في أصول السنة (ص41) والصابوني في الاعتقاد (ص270) واللالكائي في الاعتقاد (ج5 ص1032) والعدني في الإيمان (ص94) وابن بطة في الإبانة الكبرى (ج2 ص854) والآجري في الشريعة (ج2 ص607) من طريقين عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الخلال في السنة (ج3 ص583) من طريق أبي بكر المروذي أن أبا عبدالله قيل له فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (ج2 ص210)، وابن مفلح في المقصد الأرشد (ج2 ص325)، والعليمي في المنهج الأحمد (ج2 ص154) في ترجمة القاسم بن عبدالله البغدادي فيما نقله عن الإمام أحمد.
أخرجه حرب الكرماني في المسائل (ص370) قال: سمعت بشار بن موسى به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه الأصم في حديثه (ص153) ومن طريقه اللالكائي في الاعتقاد (ج5 ص1030) وابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11 ص41) من طريق العباس بن الوليد البيروتي حدثنا أبو قدامة الجبيلي قال: سمعت عقبة بن علقمة يقول: سألت الأوزاعي فذكره.
قلت: وهذا سنده فيه أبو قدامة الجبيلي تمام بن كثير، ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج11 ص41) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وله ذكر في (تهذيب الكمال) للمزي (ج2 ص212)، فهو لا بأس به في المتابعات، لأن اعتقاد السلف يتبع بعضه بعضا كما ذكرنا، فافهم لهذا ترشد.
قلت: ويشهد له ما قبله من الآثار السلفية.
([22]) أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج11 ص42)، و الأصم في ((حديثه)) (ص153)، واللالكائي في ((الاعتقاد)) (ج5 ص1030).
ذكره الثعلبي في ((تفسيره)) (ج3 ص213) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي قال: سألت على بن عبدالله المديني فذكره.
([28]) ومع هذا فإنك ترى المدخلي المخالف معرضا عن صريح كلامه، متعلقا ببعض العبارات التي يمكن أن يقال: إنها مجملة.
([31]) قلت: لذلك فإن ربيعا عهد إلى أسلوب خطير قد يروج على ضعاف الإيمان والعلم، وعلى من لم يتمكنوا من فهم عقيدة السلف المستمدة من الكتاب والسنة.
([32]) قلت: والعلماء يعبرون في ذلك بعبارات متنوعة، وألفاظ مختلفة... مع سلامة كلامهم من الاضطراب والتناقض، فانتبه.
وانظر: ((القاموس المحيط)) للفيروز آبادي (ج3 ص124)، و((مختار الصحاح)) للرازي (ج1 ص179)، و((المصباح المنير)) للفيومي (ص317).
([36]) وقلنا للمدخلي لو تجمع أقوال العالم لتبين لك اعتقاده في مسائل الإيمان جملة وتفصيلا، لكنه أبى إلا الاستمرار في ذكر مجمل قول العالم!، من دون التفصيل في اعتقاده، نعوذ بالله من العناد.
([38]) ولقد أقر ربيع بقول الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله كما في ((كشفه البالي)) (ص80) بهذا المعتقد السلفي الذي لو بحث فيه طول عمره، وفي دنياه كلها لم يجده، ولم يعرفه لجهله باعتقاد السلف في فقه الإيمان، ومع ذلك لم يرجع، ولم يتب صراحة عن إنكاره لهذا المعتقد السلفي، بل ماطل كعادته، وادعى أن الإمام سفيان بن عيينة قال ذلك في حال غضبه عندما اضطره أخوه إلى ذلك، نعوذ بالله من العناد.
قلت: ومعتقد سفيان بن عيينة رحمه الله هذا نقله عنه الإمام الصابوني في ((عقيدة السلف، وأصحاب الحديث)) (ص271) على أنه معتقد السلف، والمجمع عليه عندهم اللهم غفرا.
([39]) قلت: فالسحابي المبتدع الضال من الحزب، لذلك نصب ربيعا إماما له ليدافع على بدعة الإرجاء في شبكة سحاب.
([40]) قلت: وأهل السنة إذا تقابلوا هم وأهل الإرجاء، فلهم نصيب من تقابل المسلمين والكافرين اللهم سدد سدد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج2 ص293): (وأهل السنة إذا تقابلوا هم وأهل البدع؛ فلهم نصيب من تقابل المؤمنين والكفار). اهـ
([41]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي رحمه الله، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([42]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((الرسالة)) له (ص475)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و((الفقيه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص155)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و((الإحكام)) للآمدي (ج1 ص200).
([43]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
([45]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: ((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3 ص496)، و((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ج5 ص385).
([47]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1067).
([48]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر.
([49]) قلت: والإجماع سبيلهم، أو من سبيلهم، فيجب اتباعه، ويكون حجة على المخالفين له.
وانظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (ج3 ص462)، و((إجمال الإصابة في أقوال الصحابة)) للعلائي (ص57)، و((الاعتصام)) للشاطبي (ج3 ص135)، و((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص18).
([50]) قلت: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف الصحابة الكرام، ويتبع غيرهم من العلماء في اختلافهم، فإنه متوعد له، وهذا يقتضي لحوق الإثم عليه: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
أخرجه البيهقي في ((أحكام القرآن)) (ج1 ص52)، والسبكي في ((الطبقات الكبرى)) (ج2 ص19).
وإسناده صحيح.
([52]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.
وانظر: ((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص282)، و((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص357).
([53]) انظر: ((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص354)، و((معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول)) للجزري (ج2 ص75)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص338)، و((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص281)، و((الإجماع)) الباحسين (ص220)، و((الأحكام)) للآمدي (ج1 ص208).
([54]) وانظر: ((حجية الإجماع)) للسرميني (ص132)، و((التفسير الكبير)) للرازي (ج11 ص35)، و((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص190)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463).
([57]) وانظر: ((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص132)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463)، و((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3ص496).
([59]) قلت: فلا انفكاك بين علو مكانتهم، وفضلهم، وخيرتهم، وعلمهم، وفقههم، فهم أصحاب المنهج الأسلم، والأحكم، والأعلم؛ كما أنهم خير الناس وأفضلهم.
([61]) قلت: فمن سوى بين أقوال السلف، وبين أقوال الخلف، فقد استوجب على نفسه المؤاخذة، والله المستعان.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (224)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج4 ص227).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص27).
أخرجه البيهقي في ((المدخل)) (49)، وفي ((الاعتقاد)) (ص208)، وابن النقور في ((الفوائد)) (32)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (861)، والقطيعي في ((زوائد فضائل الصحابة)) (541)، والآجري في ((الشريعة)) (ج2 ص413)، وأحمد في ((المسند)) (ج1 ص379)، والبزار في ((المسند)) (130)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (445)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج3 ص78)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3602)، وفي ((المعجم الكبير)) (8582)، والطيالسي في ((المسند)) (246)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص375)، والبغوي في ((شرح السنة)) (ج1 ص214).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في ((الضعيفة)) (ج2 ص17)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (959)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (ج2 ص188).
([65]) قلت: والمراد أن اجتهاد الناس من بعدهم يسقط مع إجماعهم؛ فلا يبحث، ولا يحتج به، فافهم لهذا ترشد.
([68]) قلت: فما أجمع عليه السلف فهو حجة، ويسقط الاجتهاد فيما يسمى بــــــ((المجالس، والهيئات، والمؤتمرات، واللجان، والجمعيات))، فلا يعتد مع إجماعهم، ومن رد إجماعهم أثم وضل، ووقع في الندامة، والويل يوم القيامة.
أخرجه الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج3 ص386)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (230)، واللالكائي في ((الاعتقاد)) (134)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (455)، وفي ((شرف أصحاب الحديث)) (5)، والأصبهاني في ((الحجة)) (ج1 ص109)، والآجري في ((الشريعة)) (ص48)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (2326)، والخلال في ((السنة)) (ج4 ص127)، وعبدالله بن أحمد في ((السنة)) (ج1 ص357).
وإسناده حسن.
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص439)، وأبو داود في ((المسائل)) (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص404)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص466)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (4755)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (386).
وإسناده حسن.
أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) (ج7 ص75)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (158)، والآجري في ((الشريعة)) (ج1 ص123)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص555)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (133)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (ج3 ص723).
وإسناد صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص296)، والمروزي في ((السنة)) (90)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص103)، وأحمد في ((الزهد)) (869)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (161)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1179)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج3 ص70)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص383)، والطوسي في ((الأمالي)) (484)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10488).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص115)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص453)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص381)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (369)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج1 ص278)، وابن عبد البر في ((الجامع)) (ج2 ص1183)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص110)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج2 ص433)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج2 ص118)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج1 ص305)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (ج9 ص3134)، والبيهقي في ((المعرفة)) (ج1 ص129)، والشافعي في ((المسند)) (ج1 ص55)، وفي ((الرسالة)) (ص443).
وإسناده حسن.
([78]) قلت: وقد مرت بهم سنوات طويلة، وهم يربوا أتباعهم على قول فلان، وفلان، أو مذهب فلان، ومذهب فلان... فكان ينبغي لهم أن يربوا أتباعهم على مذهب الصحابة الكرام، وفهمهم، لا على أقوال المذاهب!، والأحزاب!.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (815)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج5 ص77)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (776)، وفي ((نصيحة أهل الحديث)) (6)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج11 ص249)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص616)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (926)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص164)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (8589)، وفي ((المعجم الأوسط)) (ج7 ص311)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج8 ص49)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (101).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (87)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج1 ص59)، والأصبهاني في ((الترغيب)) (469)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص252)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (250)، وعبدالله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (1091)، وأبو داود في ((الزهد)) (199)، وابن الجوزي في ((تلبيس إبليس)) (ص21).
وإسناده حسن.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (501)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج7 ص124)، وابن الأعرابي في ((الزهد)) (ص42)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص136)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (ج7 ص374).
وإسناده صحيح.
([84]) حديث ضعيف. ومعناه صحيح.
أخرجه أحمد في ((المسند)) (ج6 ص396)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج2 ص314)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (82) وغيرهم مرفوعا.
والحديث مشهور المتن، وله أسانيد كثيرة، وشواهد عديدة، وكلها ضعيفة.
([88]) فلم تغن عنهم مراكزهم الدنيوية، ولم تنفعهم علومهم الجامعية في هذه المراكز فـ ]فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم:32].
فالحذر الحذر من الانخداع بهم في البلدان الإسلامية...فمن انخدع بهم؛ فيا حسرة عليه خسر الدنيا ولآخرة: ]ذلك هو الخسران المبين[ [الحج:11].
([90]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج12 ص17 و124)، وأبو داود في ((سننه)) (ج3 ص312)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص415).
([98]) قلت: وجواب الإمام سليمان التيمي رحمه الله من الأجوبة القامعة للمقلدة للعلماء بذكر اختلافاتهم، والاحتجاج بها.
أخرجه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (1766) و(1767).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص236).
([100]) قلت: وربيع هذا سلك في أقواله تتبع الحيل، والرخص معا، فخالف الإجماع، لأن ذلك ليس من مسالك الاجتهاد، فافظن لهذا.
وهذا هو التقليد المذموم عند أهل العلم، فهو إذا تورط في الأحكام، ركن إلى التقليد، ومن تقليده ذكره لاختلاف العلماء، ويدعي أنه لا يقلد، اللهم غفرا.
وانظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج5 ص241).
([101]) قلت: والقائم بذكر مسائل الخلاف يحتاج على معرفة العلم بمعاني الكتاب والسنة، ثم العلم بمعاني عبارات المختلفين، ثم يبين الراجح من المرجوح في مسائل النزاع في الإحكام، والله ولي التوفيق.
وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (ج1 ص75).
([102]) ولا عجب في ذلك فقد أجمعت الأمة على هدايتهم، ودرايتهم، والتفاوت في العلم له أثره في إصابة الحق قولا وعملا، والله ولي التوفيق.
([103]) قلت: ولا عجب في ذلك، فقد أجمعت الأمة على ضلالاتهم وجهلهم، والتفاوت في الجهل له أثره في البعد عن الحق قولا وعملا، والعياذ بالله.
قلت: وهؤلاء يظنون أنهم يسلكون مسالك علماء الحرمين والسنة، وهم أبعد الناس منهم، بل سلكوا مسالك الضلال والقصاص، فهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا.
وانظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص123)، و((الرد على البكري)) له (ج1 ص170).
([104]) وفي هذا المقام يتعين التفريق بين علماء الملة، وبين غيرهم، وبين من يحسن الكلام في فنون العلم، وبين من لا يحسن الكلام إلا في فن واحد.
([105]) وانظر: ((الرد على البكري)) لابن تيمية (ج1 ص170 و171)، و((الفتاوى)) له (ج11 ص43)، و((منهاج السنة)) له أيضا (ج4 ص134 و135)، و((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج1 ص332).
([106]) قلت: وبهذا يظهر خطأ من عكف على الرد على أهل البدع الظاهرين، مع إهمال الرد على أهل البدع الربعيين؛ إذ خطر هؤلاء على الشباب أشد، ومداخلهم عليهم خفية، والعياذ بالله.
([107]) قلت: ومن هنا؛ فإنه يتعين الرد على أهل البدع الربيعيين؛ حتى ولو كانت لهم ردود على بدع أخرى، فافطن لهذا.
وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (ج10 ص317)، و((الاستقامة)) له (ج1 ص354).
([108]) قلت: لذلك يجب التحذير من ربيع الضال، ولو أظهر ما أظهر بزعمه من العلم والسنة، والرد على أهل البدع، والله المستعان.
([109]) أي: إطلاقات الجمل، وتعميم الكلام فيها، وهو رد على ربيع في أخذه العموميات من أقوال العلماء، وتركه المفصل والمفسر من كلامهم، فجره ذلك إلى بدع قبيحة، والعياذ بالله.
([110]) قلت: وهذا المسلك ورطه بالأخذ بالشاذ، والتعلق برخص المتأخرين، بل جره إلى تقرير أصول فاسدة في الإعتقاد.
([111]) حتى زعم ربيع أن المجمل والمفصل، والمطلق والمفسر لا يكون في كلام العلماء، بل لا يكون إلا في كلام الله تعالى، ورسوله r، اللهم غفرا.
وانظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (ج2 ص226).
([112]) قلت: ودخل الاعتقاد الفاسد على ربيع بسبب خبرته بالكلام خبرة مفصلة عندما كان مع الإخوانيين والسروريين، وغيرهم من أهل الكلام، وخبرته بالسنة مجملة.
قلت: ومن هنا دخل الخطأ على ربيع واتباعه من جهة نقص خبرتهم بالسنة، ولذلك آل هذا الأمر بهم إلى البدع، وموافقتهم لأهل البدع في أصولهم.
وانظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (ج1 ص13)، و((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (ج4 ص1504).
([113]) قلت: وهذا الذي وقع فيه ربيع تماما، لضعف خبرته بالسنة، وافق المرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والخوارج وغيرهم في بعض أصولهم، بل ونسبها إلى أصول أهل السنة والجماعة!، فظلم نفسه في الدنيا والآخرة.
وانظر: ((منهاج السنة)) لابن تيمية (ج5 ص254).
([117]) قلت: فلا يعتد بخلاف ربيع الهالك في هذه المسألة بعد ثبوت إجماع السلف من الصحابة، والتابعين y.
والتابعون كانوا على منهاج النبوة، وسبيل الصحابة رضي الله عنهم، لم يغيروا، ولم يبدلوا، والله المستعان.
([119]) قلت: ومن لم يتبعهم فيما أجمعوا عليه، فهو غير متبع لهم، ولم يستحق الثناء، ولا الرضوان، اللهم سلم سلم.
قلت: فالمخالف في الحكم لا يسمي موافقا، فكيف يسمى متبعا ؟!.
([125]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص633)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([126]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص616)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([127]) وانظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص81)، و. ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص615)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص267و270).
([130]) وانظر: ((التمهيد في أصول الفقه)) لأبي الخطاب (ج3 ص224)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ص317)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص372)، و((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (ج2 ص214).
([137]) قلت: وهذا يدل أن المخالف للإجماع كل واحد بحسبه، يختلف في الحكم بالتكفير، أو التضليل، أو التفسيق وذلك بحسب بعده، وقربه عن الإجماع.
وانظر: ((الأجوبة المفيدة)) للشيخ الفوزان (ص10).
أخرجه أبو داود في ((سننه)) (ج4 ص200 و201)، والترمذي في ((سننه)) (ج5 ص45)، وأحمد في ((المسند)) (ج4 ص126)، وابن حبان في ((صحيحه)) (ج1 ص104)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (ج1 ص19 و30) و(ج2 ص483)، والآجري في ((الأربعين)) (ص33 و34)، وفي ((الشريعة)) (ص46)، والبيهقي في ((المدخل)) (ص115)، ومحمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (ص26 و27)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص182)، وفي ((التمهيد)) (ج21 ص279)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص97)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (1/ق236/ط)، والقاضي عياض في ((الشفا)) (ج2 ص10 و11).
وإسناده صحيح.