الرئيسية / سلسلة التحف في تأصيل منهج السلف / فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إثبات صفة الهرولة لله تعالى
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في إثبات صفة الهرولة لله تعالى
|
فتاوى
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
في
إثبات صفة الهرولة لله تعالى
اعداد:
العلامة المحدث
أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
]ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا[
فتاوى
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من كتبه
في
إثبات صفة الهرولة لله تعالى
على ما يليق بجلاله وكماله
اعلم رحمك الله أن بعد النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية /، وطريقته في إثبات صفات الله تعالى وجدت أنه يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهرها لا يخرج فيها عن مذهب السلف في إثبات الصفات كما جاءت النصوص.
وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية / في هذا المعتقد بسهم وافر في السير على طريقة السلف، وأئمة الحديث في هذا الباب، فتراه قد ملأ كتبه بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والآثار السلفية في ثبوت صفات الله تعالى على ظاهرها، ولم يتعرض لها بتأويل يصرفها عن دلالتها.
وقد ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية / ثبوت صفة: «الهرولة»، وذلك عندما ذكر الأدلة على صفات الله تعالى ذكر بعد ذلك حديث: صفة: «الهرولة» على ظاهر الحديث، ولم يتعرض لكلمة: «الهرولة» بتأويل مما يدل على أنه يثبت صفة: «الهرولة» على ظاهرها.
وهذا المسلك كما هو معروف عنه سلكه في جميع الصفات الثابتة في الكتاب والسنة، ويحتج بذلك بآثار السلف بقولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، ومن هذه الصفات؛ صفة: «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259)؛ بعدما ذكر أدلة الصفات من القرآن قال عن صفة الهرولة والتقرب: (ومثله في «الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)([1]). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص464-قسم الأسماء والصفات)؛ بعدما ذكر نصوص المجئ، والنزول ... ذكر حديث صفة الهرولة والتقرب؛ حيث قال: (وفي «الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة). اهـ
قلت: ولم يتعرض لصفة: «الهرولة» بشيء من تفاسير المعطلة، بل أمرها كما جاءت؛ مما يدل أنه يثبت صفة: «الهرولة» لله تعالى على ما يليق بجلاله.
وإليك الدليل من أقواله:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص41-قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد؛ أو (أمروا لفظها)؛ مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص236): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة، وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة ... والأربعة الباقون هم أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج5 ص39 –قسم الأسماء والصفات): (فقولهم: (أمروها كما جاءت)؛ رد على المعطلة وقولهم: (بلا كيف)؛ رد على الممثلة. والزهري ومكحول: هما أعلم التابعين في زمانهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص303): (القول الشامل في جميع هذا الباب –أي: باب الصفات- أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله r، وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رسالته» (ص24): (وحكوا إجماعهم([2]) على إمرار الصفات أحاديثها، وإنكارهم على المحرفين([3]) لها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص6 و7): (وعلى هذا مضى السلف كلهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج2 ص27): (وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتوى الحموية» (ص333): (أبو عبيد أحد الأئمة الأربعة: الذين هم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد؛ وله من المعرفة بالفقه، واللغة، والتأويل: ما هو أشهر من أن يوصف وقد كان في الزمان الذي ظهرت فيه الفتن والأهواء، وقد أخبر أنه ما أدرك أحدا من العلماء يفسرها: أي تفسير الجهمية). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص186): (هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها، ونؤمن بها. ولا نفسرها). اهـ
قلت: وما دام قال: (أمروها كما جاءت)؛ فإن ذلك يقتضي عنده إبقاء صفة: «الهرولة» على دلالتها؛ أي: على ما هي عليه من ظاهر اللفظ، فإنها جاءت على لفظ له معنى، ولو كانت دلالتها منتفية عنده لكان الواجب عليه أن يقول بتأويلها عن ظاهرها، ولم يفعل ذلك.
فإذا ثبت الحديث عنده على ظاهره، لأن ما ثبت من الصفات في النصوص، فإن مذهب السلف إثباتها([4])، وإجراؤها على ظواهرها من غير تأويل، وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية / تماما.
قلت: ولم يكن من شيخ الإسلام ابن تيمية / أن يتعرض لنص صفة: «الهرولة» بتأويل يصرف فيه هذه الصفة عن ظاهرها، ومعناها، ودلالتها المعلومة من لغة العرب.
فهو / يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء الحسنى والصفات العلى لا يتجاوز فيها القرآن والحديث.
وعلى هذا فإنه يثبت ألفاظ صفة: «الهرولة» في الأحاديث كما جاءت، ويعلم معناها في لسان العرب الذي نزل به القرآن والسنة، فهو ينطلق في هذا الباب من أسس ثابتة.
قلت: وثبت أن الإمام ابن القيم / يثبت صفة: ((الهرولة))، وقد أخذ هذا الاعتقاد من شيخه ابن تيمية /، لأنه ورث علمه، ولازمه في ذلك، ولم يخرج عن شيء من أقواله في توحيد الأسماء والصفات، وغير ذلك.([5])
قلت: ومما يدل على أن شيخ الإسلام ابن تيمية / يرى إثبات صفة: «الهرولة» لله تعالى، أنه في أثناء معرض رده على الجهمية والأشعرية أنكر عليهم تأويلهم للصفات؛ منها: صفة: «الهرولة»، ونقل قول الإمام الهروي / في كتابه: «ذم الكلام» (ج5 ص137)؛ حيث قال في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص282): (وأولئك قالوا: لا صفة، وهؤلاء يقولون: وجه؛ كما يقال: وجه النهار، ووجه الأمر، ووجه الحديث، وعين كعين المتاع، وسمع: كأذن الجدار، وبصر كما يقال: جداران هما يتراءيان، ويد كيد المنة والعطية، والأصابع؛ كقولهم: خراسان بين أصبعي الأمير، والقدمان كقولهم: جعلت الخصومة تحت قدمي، والقبضة؛ كما قيل: فلان في قبضتي؛ أي أنا أملك أمره، وقال الكرسي العلم، والعرش: الملك، والضحك: الرضى، والاستواء: الاستيلاء، والنزول: القبول، و«الهرولة» مثله، فشبهوا من وجه، وأنكروا من وجه، وخالفوا السلف، وتعدوا الظاهر، فردوا الأصل، ولم يثبتوا شيئا، ولم يبقوا موجودا). اهـ
قلت: فهذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية / في إقراره كلام الإمام الهروي في إثبات الصفات، منها: صفة: «الهرولة».
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص165)؛ أن الحنابلة رحمهم الله: أثبتوا صفة «الهرولة» لله تعالى، ولم ينكرها، ولم يتأولها، بل رد على المعترض لأنكاره الصفات؛ منها: صفة «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج4 ص165): (ثم قال المعترض: قال أبو الفرج ابن الجوزي في «الرد على الحنابلة»: إنهم أثبتوا لله سبحانه عينا، وصورة، ويمينا، وشمالا، ووجها زائدا على الذات، وجبهة، وصدرا، ويدين، ورجلين، وأصابع، وخنصرا، وفخذا، وساقا، وقدما، وجنبا، وحقوا، وخلفا، وأماما، وصعودا، ونزولا، و«هرولة»، وعجبا؛ لقد كملوا هيئة البدن وقالوا: يحمل على ظاهره وليست بجوارح، ومثل هؤلاء لا يحدثون، فإنهم يكابرون العقول، وكأنهم يحدثون الأطفال.
قلت: الكلام على هذا فيه أنواع:
الأول: بيان ما فيه من التعصب بالجهل والظلم قبل الكلام في المسألة العلمية.
الثاني: بيان أنه رد بلا حجة ولا دليل أصلا.
الثالث: بيان ما فيه من ضعف النقل والعقل). اهـ
وبهذا يتضح أن شيخ الإسلام / يرى القول بصفة: «الهرولة».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص15): (وديانتنا التي بها ندين: التمسك بكتاب الله عز وجل وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص18): (نعول فيما اختلفنا فيه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله تعالى بدعة لم يأذن الله تعالى بها، ولا نقول على الله ما لا نعلم). اهـ
قلت: وشيخ الإسلام ابن تيمية / في «الجامع المسائل» (ج7 ص357 و398 و359 و360 و361 و363)؛ يذكر المعنى الذي هو في مقام ذكر الخلاف بين الناس في صفة «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، ولم يتبين أنه لم يثبت صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة»، بل وذكر شيئا من الثمرة، ولكن يكفينا ما صرح به من إثبات صفة: «التقرب»، وصفة: «الهرولة» في «الفتاوى» (ج5 ص39-قسم الأسماء والصفات)، و«الفتاوى» (ج4 ص165-قسم الاعتقاد)، و«شرح العقيدة الأصفهانية» (ص259)، وفي «بيان تلبيس الجهمية» (ج2 ص282).
ﭑ ﭑ ﭑ
([1]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (6970)، ومسلم في «صحيحه» (2675)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7730)، وفي «النعوت» (72)، والترمذي في «سننه» (3603)، وابن ماجه في «سننه» (3822)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص251)، وابن حبان في «صحيحه» (811)، وابن منده في «الرد على الجهمية» (80)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (267)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (625)، وفي «الأربعين» (43)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج8 ص117)، و(ج9 ص27).