الرئيسية / سلسلة أصول الفقه الأثري / مشكاة المصابيح في نقض الاجتهاد المخالف بالاجتهاد الصحيح
مشكاة المصابيح في نقض الاجتهاد المخالف بالاجتهاد الصحيح
سلسلة أصول الفقه الأثري
|
2 |
مشكاة المصابيح
في
نقض الاجتهاد المخالف بالاجتهاد الصحيح
تأليف:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب أنعمت فزد
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران: 102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد،
* فهذه رسالة لطيفة في وجوب نقض اجتهاد العالم إذا خالف اجتهاده نصوص الكتاب، أو السنة، أو إجماع الصحابة.([1])
* كما أنه لا يجوز نقض الاجتهاد الموافق للكتاب، أو السنة، أو إجماع الصحابة، لأنه اجتهاد صحيح في الشريعة المطهرة.
قال الفقيه ابن الهمام / في «التحرير» (ج3 ص335): (لا ينقض حكم اجتهادي صحيح). اهـ
قلت: فالاجتهاد الصحيح لا ينقض بالاجتهاد الخطإ، بل الاجتهاد الخطأ ينقض بالاجتهاد الصحيح.
قال الفقيه الكاساني / في «بدائع الصنائع» (ج7 ص14): (فلا يجوز نقض ما مضى بدليل قاطع بما فيه شبهة). اهـ
قلت: فاجتهاد السلف الموافق للكتاب والسنة، لا ينقض بالاجتهاد الغلط في الحكم.
* فالأصل إذا مضى الحكم بالاجتهاد الصحيح، لا يبطل باجتهاد مثله وهو خطأ.([2])
قال الفقيه الونشريسي المالكي / في «إيضاح المسالك» (ص150): (حكم الحاكم ينقض في أربعة أشياء: إذا خالف الإجماع، أو القواعد، أو القياس الجلي، أو النص الصريح). اهـ
وقال الدكتور وهبة الزحيلي / في «أصول الفقه» (ج2 ص1115): (وإذا كان المجتهد حاكما، فقضى في واقعة بما اجتهد ثم تغير اجتهاده في واقعة مماثلة.
* فإن كان حكمه مخالفا لدليل قاطع من نص، أو إجماع، أو قياس جلي... فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل الحاكم، أو من أي مجتهد آخر لمخالفته الدليل). اهـ
قلت: فإذا اجتهد في الإفتاء، وتبين أنه خالف نصا، أو إجماعا، وجب عليه نقضه، فإذا لم ينقضه نقضه أهل العلم، وجوبا، وهذا بالاتفاق. ([3])
قال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج4 ص505): (وينقض الحكم وجوبا بمخالفة نص الكتاب، أو السنة، ولو آحادا، أو إجماع قطعي). اهـ
وفي الختام: أسأل الله عز وجل أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يثيبني عليه، وأن يجعله خالصا لوجهه لا رياء، ولا سمعة.
* والله سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل، عليه توكلت وإليه أنيب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
الله تعالى عوني، وبه توفيقي
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم،
والسنة النبوية، والآثار الصحابية
اعلم رحمك الله أن المجتهد إذا اجتهد في حكم في مسألة، وبنى على اجتهاده حكما خالف في ذلك الأدلة، يجب عليه أن ينقض اجتهاده في هذه المسألة إذا تبين له غلطه. ([4])
* فإذا لم ينقض اجتهاده، يجب أن ينقض من قبل العلماء الآخرين بالدليل، لأن الأدلة ينقض بها اجتهاد العالم. ([5])
والمراد بنقض الاجتهاد هو: إبطال الاجتهاد المخالف للنصوص.
ولا يختلف أحد من الأصوليين في ذلك:
1) فالقرآن الكريم ينقض به الاجتهاد.
2) والسنة النبوية ينقض بها الاجتهاد.
3) والإجماع ينقض به الاجتهاد، خاصة بإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
قلت: فإذا ثبت النص بخلاف قول المجتهد، فإنه ينقض، وهذا مذهب أكثر الحنابلة، وأخذ به الفقيه ابن النجار، وهو الأصح عن الشافعية. ([6])
قال الفقيه الجويني / في «البرهان» (ج2 ص328): ( المجتهد إذا اجتهد وصلى، ثم تبين أنه أخطأ نصا، فلا شك أنه يرجع إلى مقتضى النص). اهـ
قلت: فيبين أن الاجتهاد يرجع عنه إذا أخطأ نصا.
وقال الفقيه الغزالي / في «المستصفى» (ج2 ص382): (وإنما حكم الحاكم هو الذي ينقض، ولكن بشرط أن لا يخالف نصا، ولا دليلا قاطعا.
فإن أخطأ النص نقضنا حكمه). اهـ
قلت: والنص هنا مطلق، يشمل القرآن، كما أنه يشمل السنة، والإجماع.
وقال الفقيه الرازي / في «المحصول» (ج6 ص65): (واعلم أن قضاء القاضي لا ينتقض بشرط أن لا يخالف دليلا قاطعا فإن خالفه نقضناه). اهـ
وقال الأصولي الآمدي / في «الإحكام» (ج4 ص203): (وإنما يمكن نقضه بأن يكون حكمه مخالفا لدليل قاطع من نص، أو إجماع، أو قياس جلي). اهـ
قلت: فاشتملت عبارته على التصريح بأن الاجتهاد ينقض عند مخالفته للدليل من النص، أو الإجماع، أو القياس الجلي.
وقال الأصولي الأصفهاني / في «بيان المختصر» (ج3 ص327): (وينقض بالاتفاق حكم الحاكم إذا خالف دليلا قاطعا: نصا، أو إجماعا، أو قياسا جليا). اهـ
وقال الفقيه القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص441): (والحكم الذي ينقض في نفسه، ولا يمنع النقض، هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي). اهـ
قلت: فصرح بأن الاجتهاد ينقض بالنص.
وقال الفقيه القرافي / في «الفروق» (ج2 ص109): (كل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى، فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه). اهـ
قلت: وإنما ينقضه بالدليل من نص، أو إجماع.
وقال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج6 ص268): (أما لو ظهر نص، أو إجماع، أو قياس جلي بخلافه؛ نقض هو وغيره). اهـ
قلت: والنص يشمل القرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار.
وقال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج4 ص505): (وينقض الحكم وجوبا بمخالفة نص الكتاب، أو السنة، ولو آحادا، أو إجماع قطعي). اهـ
قلت: فأطلق القول بأن الاجتهاد ينقض بمخالفة نص القرآن الكريم.
وقال الأصولي الأنصاري / في «فواتح الرحموت» (ج2 ص395) فيما خالف المجتهد: (الكتاب والسنة المتواترة والمشهورة، والإجماع). اهـ
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص263): (فإن كان مخالفا للدليل القاطع نقضه اتفاقا). اهـ
قلت: فإن كان حكم المجتهد مخالفا للدليل من نص، أو إجماع، فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل القاضي، أو من مفت، أو أي مجتهد آخر لمخالفته الدليل. ([7])
وقال الفقيه المرغيناني / في «الهداية» (ج3 ص107): (إذا رفع إلى القاضي حكم حاكم أمضاه؛ إلا أن يخالف الكتاب، أو السنة، أو الإجماع؛ بأن يكون قولا لا دليل عليه). اهـ
وقال الفقيه ابن فرحون / في «تبصرة الحكام» (ج1 ص78): (وقد نص العلماء على أن حكم الحاكم لا يستقر في أربعة مواضع، وينقض ذلك إذا وقع على خلاف الإجماع، أو القواعد([8])، أو بالنص الجلي، أو القياس). اهـ
قلت: وينقض الاجتهاد بالإجماع، والإجماع هو: اتفاق مجتهدي أمة محمد r([9]) بعد وفاته في عصر من الأعصار على حكم من الأحكام، وهو دليل قطعي عند جمهور العلماء.
قال بذلك: القاضي أبو يعلى في «العدة في أصول الفقه» (ج4 ص1058)، والفقيه أبو الخطاب في «التمهيد في أصول الفقه» (ج3 ص224)، والإمام ابن قدامة في «روضة الناظر» (ج2 ص441)، والفقيه ابن برهان في «الوصول إلى الأصول» (ج2 ص72)، والفقيه ابن الحاجب في «مختصر المنتهى» (ج2 ص30)، وغيرهم.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
2 |
1) |
ذكر الدليل على نقض الاجتهاد في الفتوى بالقرآن الكريم، والسنة النبوية، والآثار الصحابية........................................................................ |
6 |
([1]) قلت: ولا يجوز نقض ما صح بالإجماع، خاصة بإجماع الصحابة، بقول مختلف فيه، أو بقول المتأخرين المختلفين في المسألة.
([2]) فلا ينقض الحكم الثابت بالكتاب والسنة، أو الآثار باجتهادات المتأخرين المخالفة للكتاب والسنة والآثار.
([3]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص263)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص505)، و«الهداية» للمرغيناني (ج3 ص107)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج2 ص328).
([5]) وانظر: «البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج2 ص328)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص55)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص203)، و«حاشية شرح مختصر المنتهى» للتفتازاني (ج2 ص300)، و«المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص382)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«جمع الجوامع» لابن السبكي (ج2 ص391)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» له (ج3 ص284).
([6]) وانظر: «روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص150)، و«فتح القدير» لابن الهمام (ج7 ص301)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص384)، و«فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص345)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج2 ص31)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج1 ص347)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج9 ص69).
([7]) وانظر: «أصول الفقه الإسلامي» للزحيلي (ج2 ص115)، و«أصول التشريع الإسلامي» لعلي حسب الله (ص99)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص505)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص268)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص263)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص395)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص441)، و«الهداية» للمرغيناني (ج3 ص107).