الرئيسية / سلسلة أصول الفقه الأثري / لمع الفصوص في تأصيل أصل الجمع إذا اختلفت النصوص
لمع الفصوص في تأصيل أصل الجمع إذا اختلفت النصوص
سلسلة أصول الفقه الأثري
|
10 |
لمع الفصوص
في
تأصيل أصل الجمع إذا اختلفت النصوص
تأليف:
العلامة المحدث الفقيه
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد،
* اعلم رحمك الله أن هذا التأصيل يدور حول نصوص الأحكام الموهمة للتعارض في الظاهر.
* وقد وضع علماء الأصول لدفع ذلك التعارض الظاهري عددا من المسالك التأصيلية، تضبطها القواعد الأصولية؛ منها: الجمع بين الأدلة المتعارضة في الظاهر، وهذا الجمع له صلة بأصول الفقه، وعلم الحديث، وهو مهم في العلم.
* وتتجلى أهمية التوفيق والجمع من الناحية الشرعية في أنه يتعلق بنصوص القرآن الكريم، وبنصوص السنة النبوية.
* فهو مهم باعتباره من أهم الأصول([1]) أيضا لدحض شبهات المقلدة المتعصبة الذين يشككون في أدلة الكتاب والسنة وهم لا يشعرون!.
* وذلك عن طريق اختلاف العلماء، وهذا الاختلاف لا يدل على وجود التعارض بين النصوص في الواقع، وفي نفس الأمر.
* وإنما هو راجع إلى اختلاف مداركهم في فهم النصوص، فهذا التعارض يكون في الأذهان فقط، لا في نفس الأمر، وقد يكون اختلافهم في مسالك دفع التعارض الظاهري بين النصوص هو السبب في اختلافهم. ([2])
قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء : 59].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله r يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر). ([3])
يعني: له أجر على اجتهاده، لا على خطئه، فتنبه. ([4])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص26) معلقا على هذا الحديث: (فتبين أن المجتهد، مع خطئه له أجر، وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وذلك لأن إدراك الصواب في جميع أعيان الأحكام، إما متعذر، أو متعسر). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «رفع الملام» (ص56): (والمجتهد معذور، بل مأجور). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج9 ص266): (قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء، فضلا عن غيرهم، وليس ذلك في آية معينة.
* بل قد يشكل على هذا ما يعرفه هذا، وذلك تارة يكون لغرابة اللفظ، وتارة لاشتباه المعنى بغيره، وتارة لشبهة في نفس الإنسان تمنعه من معرفة الحق، وتارة لعدم التدبر التام، وتارة لغير ذلك من الأسباب). اهـ
قلت: وإذا كان هذا يحصل للناظر في القرآن الكريم، ففي السنة النبوية من باب أولى.
قال الفقيه ابن مفلح / في «أصول الفقه» (ج4 ص1581): (لا تعارض بالحقيقة في حجج الشرع). اهـ
وقال العلامة الشاطبي / في «الموافقات» (ج5 ص242): (التعارض: إما أن يعتبر من جهة ما في نفس الأمر، وإما من جهة نظر المجتهد.
أما من جهة ما في نفس الأمر؛ فغير ممكن بإطلاق.
وأما من جهة نظر المجتهد؛ فممكن بلا خلاف). اهـ
وقال الفقيه الأنصاري / في «فواتح الرحموت» (ج2 ص243): (ولا يكون في الحجج الشرعية في نفس الأمر، وإلا لزم التناقض... بل يتصور التعارض ظاهرا في بادئ الرأي، للجهل بالتاريخ، أو الخطإ في فهم المراد). اهـ
قلت: فالتعارض الحقيقي غير واقع بين النصوص الشرعية مطلقا.
قال الحافظ الخطيب / في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص535): (وليس في نص القرآن، ولا نص الحديث عن رسول الله r - تعارض، قال الله تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].
وقال تعالى مخبرا عن نبيه r: ]وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 4].
* فأخبر تعالى أنه لا اختلاف في شيء من القرآن، وأن كلام نبيه وحي من عنده، فدل ذلك على أن كله متفق، وأن جميعه مضاف بعضه إلى بعض، ومبني بعضه على بعض). اهـ
وقال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج2 ص195): (ويبين صحة ما قلنا من أنه لا تعارض بين شيء من نصوص القرآن، ونصوص كلام النبي r، وما نقل من أفعاله: قول الله عز وجل مخبرا عن رسوله r: ]وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 3-4]... فأخبر تعالى أن كلام نبيه r وحي من عنده، كالقرآن في أنه وحي... ووجدناه تعالى قد أخبرنا أنه لا اختلاف فيما كان من عنده تعالى، صح أنه لا تعارض، ولا اختلاف في شيء من القرآن، والحديث الصحيح، وأنه كله متفق كما قلنا ضرورة، وبطل مذهب من أراد ضرب الحديث بعضه ببعض). اهـ
قلت: فالتعارض لا يتحقق في الأحكام الشرعية مطلقا.
قال الفقيه ابن السبكي / في «الإبهاج» (ج7 ص2751): (اعلم أن تعارض الأخبار إنما يقع بالنسبة إلى ظن المجتهد، أو بما يحصل من خلل بسبب الرواة، وأما التعارض في نفس الأمر بين حديثين صح صدورهما عن النبي r: فهو أمر معاذ الله أن يقع). اهـ
وقال الإمام ابن القيم / في «زاد المعاد» (ج4 ص137): (ونحن نقول: لا تعارض بحمد الله بين أحاديثه الصحيحة.
* فإذا وقع التعارض، فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه r، وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتا.
* فالثقة يغلط، أو يكون أحد الحديثين: ناسخا للآخر إذا كان مما يقبل النسخ، أو يكون التعارض في فهم السامع، لا في نفس كلامه r، فلا بد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
* وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان من كل وجه، ليس أحدهما ناسخا للآخر، فهذا لا يوجد أصلا، ومعاذ الله أن يوجد في كلام الصادق المصدوق الذي لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق، والآفة من التقصير في معرفة المنقول، والتمييز بين صحيحه ومعلوله، أو من القصور في فهم مراده r، وحمل كلامه على غير ما عناه به، أو منهما معا، ومن هاهنا وقع من الاختلاف والفساد ما وقع). اهـ
* لذلك فقد قمت بجمع أقوال أهل العلم في تأصيل مسألة الجمع بين النصوص، ومسالك العلماء في دفع هذا التعارض في الجملة.
* وقد أبرزت الجانب التطبيقي للمسالك التي ذكرها الأصوليون في دفع التعارض بين النصوص، وبيان تآلفها، وعدم تعارضها في الأصل.
* وقد استقريت هذا التأصيل على عدم وقوع التعارض الحقيقي بين نصين، وذلك في الواقع، وفي نفس الأمر، وقد اتفق الأصوليون على ذلك. ([5])
* وفي الختام أسأله تعالى أن يتقبل عملي، ويخلص نيتي، ويوفقني لنشر السنة المطهرة وعلومها محققة على أفضل وجه يرغب إليها، وييسر الانتفاع بها، إنه ربنا ومولانا، ونعم المولى، ونعم النصير.
كتبه
أبو عبدالرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على تفنيد الشبهة في الفتوى، وذلك بإمكان الجمع بين أدلة الغروب؛ بحمل كل من الغروبين على درجته في جهة الـمغرب، وقد جاءت السنة بهذا الأصل؛ يعني: بأصل الجمع بين الأدلة، وقد بين العلماء هذا الأصل
* اعلم رحمك الله أن التوفيق، والجمع بين أدلة الكتاب والسنة من أهم الأدوات لاستنباط الأحكام الشرعية من النصوص استنباطا صحيحا.
وإغفاله يؤدي إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح في الشريعة المطهرة.
قال الحافظ النووي / في «التقريب» (ص90): (هذا فن من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف، وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا، فيوفق بينهما، أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون الغواصون على المعاني). اهـ
وقال الحافظ النووي / في «التقريب» (ص90): (يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بهما). اهـ
قلت: ويخفى الجمع على عدد من أهل العلم، ولا يخفى على الآخرين.
وقال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين) ([6]). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص144): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، والغواصون على المعاني الدقيقة). اهـ
قلت: لذلك لا بد من مسلك الجمع بين أدلة غروب الشمس.
والجمع: ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال جمعته: فاجتمع، ومنه: التآلف، والتوافق.([7])
والجمع: وسيلة إلى التوفيق، فلا توافق بين النصوص إلا بعد الجمع بين ما ظاهره التعارض.
فالجمع وسيلة، والتوفيق نتيجة.
فالتوفيق: هو بيان التآلف بين النصوص التي ظاهرها التعارض، وذلك بالجمع بينها، ليعمل بها معا.
والجمع اصطلاحا: هو بيان التآلف بين حديثين نبويين متقابلين ظاهرا، ليعمل بهما معا. ([8])
قلت: فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
* وقد ذهب إلى ذلك جمهور الأصوليين من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية، وغيرهم. ([9])
قال تعالى: ]إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما[ [النساء: 35]؛ أي: الألفة، والوفاق.([10])
وعن الإمام ابن خزيمة / أنه قال: (لا أعرف أنه روي عن النبي r حديثان بإسنادين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما). ([11])
وقال العلامة الصنعاني / في «توضيح الأفكار» (ج2 ص423): (فإن كان الأول – يعني: الجمع- عمل بهما جميعا كل واحد منهما فيما حمل عليه). اهـ
قلت: أن يكون الجمع بينهما ممكنا.
وقال الحافظ النووي / في «إرشاد طلاب الحقائق» (ج2 ص573): (أحدهما: يمكن فيه الجمع، فيتعين ويجب العمل بالحديثين معا). اهـ
وقال الحافظ الخطيب / في «الكفاية» (ج2 ص558): (فكل خبرين علم أن النبي r تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين). اهـ
وقال الإمام الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص258): (هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الفقه والحديث، وقواعده مقررة في أصول الفقه). اهـ
وقال الإمام ابن الملقن / في «المقنع» (ج2 ص481): (يمكن الجمع بينهما، فيتعين المصير إليه، والقول بهما معا). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «الرسالة» (ص216): (ولم نجد عنه شيئا مختلفا فكشفناه: إلا وجدنا له وجها يحتمل به ألا يكون مختلفا). اهـ
وقال الخطيب البغدادي / في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص222): (قال الشافعي: «وكلما احتمل حديثان أن يستعملا معا، استعملا معا، ولم يعطل واحد منهما الآخر». قلت: وهذا القول صحيح). اهـ
وقال الإمام القرافي / في «شرح تنقيح الفصول» (ص421): (وإذا تعارض دليلان فالعمل بكل واحد منهما من وجه، أولى من العمل بأحدهما دون الآخر). اهـ
وقال الإمام السبكي / في «شرح الإبهاج» (ج3 ص210): (وإذا تعارض، فإنما يرجح أحدهما على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما.
* فإن أمكن –ولو من وجه- فلا يصار إلى الترجيح؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما بالكلية؛ لأن الأصل في الدليل الإعمال لا الإهمال). اهـ
قلت: فإذا أمكن الجمع بين الأدلة، فيتعين، ويجب العمل بها جميعا؛ لأن الأصل في الأدلة الحكم بها لا تركها.([12])
ويكون الجمع بتأويل صحيح؛ لأن الجمع بين النصوص يتم بتأويل أحد الدليلين، أو كليهما حتى يوافق الدليل الآخر في التفسير في المعنى، فيحمل هذا على حكم، وهذا على حكم، وهما في أصل واحد. ([13])
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص24): (القرآن عربي كما وصفت، والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها، ليس لأحد أن يحيل منها ظاهرا إلى باطن، ولا عاما إلى خاص؛ إلا بدلالة من كتاب الله تعالى، فإن لم تكن فسنة رسول الله r تدل على أنه خاص دون عام، أو باطن دون ظاهر، أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابا ولا سنة، وهكذا السنة، ولو جاز في الحديث أن يحال الشيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله، كان أكثر الحديث يحتمل عددا من المعاني، ولا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره، ولكن الحق فيها واحد؛ لأنها على ظاهرها وعمومها؛ إلا بدلالة عن رسول الله، أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام، وباطن دون ظاهر، إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه). اهـ
قلت: فلا خلاف بين العلماء الذين يعتد بقولهم في أصول الفقه في وجوب حمل اللفظ على ظاهره، وعدم جواز تأويل([14]) شيء من هذه النصوص بغير ظاهرها، لأن ألفاظ النصوص ورد فيها إفطار النبي r، والصحابة رضي الله عنهم والشمس وهي طالعة. ([15])
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص24): (وسمعت عددا من متقدمي أصحابنا، وبلغني عن عدد من متقدمي أهل البلدان في الفقه، معنى هذا القول لا يخالفه). اهـ
* وهذه الألفاظ لا تقبل التأويل، ولا تصرف عن ظاهرها؛ لأنها من المحكم المفسر بنفسه، وظاهره، وشروطه في أصول الفقه.
* فهذا اللفظ المحكم الذي لا يحتمل التأويل، فيكون صريحا في الحكم، فلا يقال أنه من المتشابه، بل يجب أن يحكم بظاهر النص، إلا بقرينة تصرفه عن ظاهره.([16])
قلت: فإذا تعارض عام وخاص مثلا، جمع بينهما بحمل العام على الخاص، فيصرف النص العام عن عمومه ليوافق النص الخاص، وإذا تعارض مطلق ومقيد، جمع بينهما بحمل المطلق على المقيد، فيصرف النص المطلق عن إطلاقه، ليوافق النص المقيد، وإذا تعارض متشابه ومحكم([17])، جمع بينهما بحمل المتشابه على المحكم، ليوافق النص المحكم، كما يؤول الأمر فيصرف من الوجوب إلى الاستحباب، ويؤول النهي فيصرف من التحريم إلى الكراهة، لدليل دل على ذلك. ([18])
* إذا لا يجوز صرف النص العام المحكم عن عمومه وحكمه، فيقال بالجمع إذا تعارض متشابه ومحكم بدون دليل يدل على ذلك، فيجمع بينهما بحمل المتشابه على المحكم ليوافق المذهب فقط.
بل يجب حمل كل نص على ظاهره، ثم الجمع بينهما على الأصول والقواعد بالمعنى الصحيح لكل نص منهما في العلم، كما بين علماء الأصول، وقد سبق ذلك.
قلت: وهذا المعنى يدل على الحكم دلالة صريحة لا يحتمل التأويل، أو الصرف عن ظاهره؛ لأن المعنى الذي صرف إليه في الجمع([19]) هو اللفظ مما يحتمله اللفظ بحيث يكون موافقا للغة العربية([20])،([21]) وهذا الأصل لا يقوم به إلا العلماء الذين جمعوا بين الحديث والفقه والأصول، لإصابة الحكم الصحيح.
قال الإمام النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص61): (إذا تعارض حديثان في الظاهر؛ فلا بد من الجمع بينهما، أو ترجيح أحدهما، وإنما يقوم بذلك غالبا الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه، والأصوليون المتمكنون في ذلك، الغائصون على المعاني الدقيقة، الرائضون أنفسهم في ذلك، فمن كان بهذه الصفة لم يشكل عليه شيء من ذلك إلا النادر في بعض الأحيان). اهـ
وقال الإمام الوزير / في «تنقيح الأنظار» (ص258): (هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الفقه والحديث، وقواعده مقررة في أصول الفقه). اهـ
وقال الإمام ابن الصلاح / في «علوم الحديث» (ص144): (وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه، والغواصون على المعاني الدقيقة). اهـ
قلت: فيشترط فيمن ينتسب إلى العلم للجمع بين النصوص في أحكام الأصول والفروع التي يوهم ظاهرها التعارض ما يأتي:
(1) أن يكون عالما بمواضع الإجماع للصحابة والسلف والأئمة؛ حتى لا يؤدي الحكم المستخرج من النصوص المتعارضة ظاهرا إلى حكم مخالف لإجماع الصحابة والسلف.
(2) أن يكون عالما بآيات الأحكام، وبأصول التفسير، وبتفاسير الصحابة والسلف، خاصة في المسائل التي يريد فيها الجمع بين النصوص بحمل العام على الخاص مثلا، وبحمل المتشابه على المحكم، وبحمل المطلق على المقيد وهكذا.
(3) أن يكون عالما بأحاديث الأحكام الصحيحة المتعلقة بالمسألة التي يريد فيها الجمع بين النصوص، وبآثار الصحابة، والسلف، حتى يستفيد منها في الجمع، وحتى لا ينابذ الحكم المستخرج من النصين مع حديث نبوي.
(4) أن يكون عالما بفقه الصحابة والسلف، وبأصول الفقه الصحيح، خاصة في المسائل التي يريد فيها الجمع بين النصوص بحمل العام على الخاص مثلا، وبحمل المتشابه على المحكم، وبحمل المطلق على المقيد وهكذا.
(5) أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ؛ حتى لا يستدل بنص ثبت نسخه، أو يجمع بين نص ناسخ، وآخر منسوخ.
(6) أن يتعلم من النحو، واللغة ما يحتاج إليه لفهم القرآن والسنة على لغة الصحابة رضي الله عنهم.
(7) أن يكون عالما بأسباب ورود النصوص التي يريد الجمع بينها؛ حتى يفهم النص على وجهه الصحيح.
قلت: والذي أفتى به أصحاب الفضيلة في مسألة منع إفطار الصائم والشمس وهي طالعة - يعتبر اجتهادا منهم، لأن النصوص التي ثبتت في الغروب هذا من المنطوق([22])، فلا مجال لتركها لدلالتها الواضحة في هذه المسألة.
فهي تقدم على هذا الاجتهاد؛ لافتقار هذا الاجتهاد إلى أدلة من الكتاب، أو السنة تدل على التعارض بين المحكم والمتشابه، ولا يجوز ترك العمل بالنصوص مع إمكان العمل بها جميعا. ([23])
ومما يؤكد لهذا الجمع: أن من قواعد الجمع أيضا بين نصوص الأحكام الموهمة للتعارض، الجمع ببيان اختلاف الحال أو المحل، والجمع بجواز كلا الأمرين المذكورين في النصوص، والجمع بالأخذ بالزيادة غير المنافية للمزيد على النص الآخر.
* وهذا الجمع كله وارد في نصوص الغروب الجزئي للشمس، والغروب الكلي لها، فهذا له صفة، وهذا له صفة، فيكون الجمع ببيان اختلاف الحال أو المحل في الحكم على الشيء الواحد، وهو الغروب بحكمين مختلفين في النصوص في الظاهر.
* فتحمل نصوص الغروب الجزئي بقيد الغروب والشمس طالعة، وتحمل نصوص الغروب الكلي بقيد غروب الشمس بالكلية، فيقيد كل واحد منهما في حاله ومحله، وإن خالف كل واحد منهما الآخر في الظاهر. ([24])
* لأن يلتقي كل واحد منهما في معنى الغروب، فلا يضر هذا الاختلاف في الظاهر جمعا بين النصوص، فهذا في محله، وهذا في محله، وهذا له صفة، وهذا له صفة.
* وذلك بتنزيل كل واحد من الحكمين على حال أو محل يختلف عن الحال أو المحل الذي أنزل عليه النص الآخر في الجملة. ([25])
* وبهذا يرتفع التعارض بين الحكمين المختلفين؛ لاختلاف موضع كل واحد منهما، وعدم تواردهما على محل واحد إلا في معنى الغروب عند العرب، ويعمل بالدليلين كل في موضعه([26])، فهذا في الغروب الجزئي، وهذا في الغروب الكلي. ([27])
قال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، وبهذا في وقت؛ كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم).اهـ
* ولا خلاف بين الأصوليين في جواز الجمع بين النصوص ببيان اختلاف الحال أو المحل، ثم تبيين الصواب في النصوص. ([28])
وقد بين الإمام الشافعي /؛ بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «اختلاف الحديث» (ص42) فقال: (ولا يقال لشيء من هذه الأحاديث: مختلف مطلقا، ولكن الفعل فيها يختلف من وجه أنه مباح، لا اختلاف الحلال والحرام، والأمر والنهي).اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص44): (فهي مشتبهة متقاربة). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص64): (وإنما يجهل هذا من جهل لسان العرب). اهـ
وقال الإمام النووي / بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص125): (فهي دالة على جواز الأمور الثلاثة، وأن الجميع سنة، ويجمع بين الأحاديث بأنه r فعل ذلك في مرات!). اهـ
ومنه:
قال الإمام النووي /؛ بمثل: هذه الأحكام المتنوعة في «شرح صحيح مسلم» (ج2 ص354): (واتفق العلماء على جوازها كلها، واختلفوا في الأفضل منها). اهـ
قلت: والمقصود أنه لا بد من العمل بجميع الأدلة وعدم إهمال بعضها.
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص70): (وليس من هذه الأحاديث شيء مختلف عندنا). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص72): (فبهذه الأحاديث كلها نأخذ، وليس منها واحد يخالف عندنا واحدا). اهـ
قلت: للجمع بين الأحاديث، والعمل بها جميعا.
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص78): (والحجة عليه؛ الحجة عليهم). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص78): (فالحجة عليه بثبوت الخبر عن رسول الله r). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص166): (وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص194): (وبهذا كله نأخذ، وليس فيه حديث يخالف صاحبه). اهـ
ومنه:
قال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص208): (وبهذه الأحاديث كلها نأخذ، وهي من الجمل التي يدل بعضها على بعض، ومن سعة لسان العرب). اهـ
وقال الإمام الشافعي / في «اختلاف الحديث» (ص40): (منها: ما يكون اختلافا في الفعل من جهة أن الأمرين مباحان، ومنها: ما يختلف، ومنها: ما لا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه؛ بمعنى: كتاب الله، أو أشبه؛ بمعنى: سنن النبي r).اهـ
ومنه:
قال الفقيه ابن رشد / في «بداية المجتهد» (ج1 ص251) عن أنواع الأحكام: (وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن هذا كله على التخيير). اهـ
قلت: ثم هذا الجمع بالأخذ بالزيادة غير المنافية في حال ورود نصين، في أحدهما زيادة صحيحة لا توجد في الآخر، وكانت غير منافية للمزيد عليه، فيجمع بين النصين بقبول الزيادة، فيعمل بهما فيما التقيا فيه، وبالزيادة فيما دلت عليه، لأن النص المشتمل على زيادة يتضمن النص الذي ليس فيه تلك الزيادة. ([29])
* فيكون في ذلك جمع بين النصين، وفي ترك الزيادة إهمال لأحد النصين، وهذا لا يجوز بإجماع الأصوليين. ([30])
قلت: فالتوفيق يزيل التعارض الظاهري في النصوص، وذلك بالجمع بينهما، فيعمل بها جميعا.
* وإذا نظرنا إلى أدلة الغروب بدرجاته الثلاثة، تبين لك ثبوت الشروط في الجمع بينهما، وهي:
(1) ثبوت الحجية في النصوص.
(2) تساوي النصوص في التآلف.
(3) لم يعلم تأخر هذه النصوص بعضها عن بعض.
لذلك فوجب العمل بها جميعا، وهذا أولى من إهمال بعضها.([31])
قال الحافظ النووي / في «شرح صحيح مسلم» (ج1 ص149): (ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به). اهـ
وقال الحافظ الحازمي / في «الاعتبار» (ص11): (وإن كان الناسخ منفصلا نظرت: هل يمكن الجمع بينهما أم لا؟.
فإن أمكن الجمع جمع، إذ لا عبرة بالانفصال الزماني مع قطع النظر في التنافي.
* ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة كان أولى صونا لكلامه عن سمات النقص؛ ولأن في ادعاء النسخ إخراج الحديث عن المعنى المفيد، وهو على خلاف الأصل). اهـ
وقال العلامة اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص192): (والحق الحقيقي بالقبول الذي يرتضيه الفحول في هذا الباب أن يقال: علم التاريخ لا يوجب كون المؤخر ناسخا، والآخر منسوخا، ما لم يتعذر الجمع بينهما). اهـ
(4) أن يكون التأويل صحيحا؛ فهذا التأويل يتم بالجمع بين الأدلة حتى تتوافق الأدلة في الحكم، فالتأويل الصحيح لأدلة الغروب، بحمل بعض الأدلة على الغروب الجزئي، وبعض الأدلة على الغروب الكلي؛ كما ثبت في لغة العرب.
وهذا التأويل توفرت فيه شروط التأويل، وهي:
(1) أن يكون التأويل موافقا للغة العربية.
(2) أن يكون اللفظ قابلا للتأويل في ظاهر النص.
(3) أن يقوم على التأويل دليل صحيح على ظهور اللفظ في مدلوله.([32])
قال الإمام المحلي / في «شرح جمع الجوامع» (ج2 ص362): (فإن أمكن الجمع والترجيح فالجمع أولى منه على الأصح). اهـ
قلت: وبهذا الجمع يعمل بكلا الدليلين، فيعمل بهذا النص فيما تناوله، ويعمل بهذا النص فيما تناوله، لعموم السنة بمنطوقها.
قال تعالى: ]ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء[ [النحل: 89].
وقال تعالى: ]لتبين للناس ما نزل إليهم[ [النحل: 44].
والنبي r قد يكون بيانه للكتاب بالكتاب أو بالسنة، وقد يكون بيانه للسنة بالكتاب أو بالسنة.
والمقصود بالآية: لتبين للناس ما يحتاج إلى بيان؛ يعني: يدل هذا على أن السنة([33]) تأتي مبينة للقرآن، لأنها وحي من عند الله تعالى.([34])
قال العلامة اللكنوي / في «الأجوبة الفاضلة» (ص196): (والذي يظهر اعتباره هو تقديم الجمع على الترجيح؛ لأن في تقديم الترجيح يلزم ترك العمل بأحد الدليلين من غير ضرورة داعية إليه، وفي تقديم الجمع يمكن العمل بكل منهما على ما هو عليه). اهـ
قلت: فالعمل بالأدلة ولو من وجه، أولى من إلغاء بعضها.
قال الفقيه السبكي / في «الإبهاج» (ج3 ص210): (إنما يترجح أحد الدليلين على الآخر إذا لم يمكن العمل بكل واحد منهما، فإن أمكن ولو من وجه دون وجه، فلا يصار إلى الترجيح بل يصار إلى ذلك، -يعني: الجمع- لأنه أولى من العمل بأحدهما دون الآخر، إذ فيه إعمال الدليلين، والإعمال أولى من الإهمال). اهـ
قلت: لأن الأدلة قائمة بأصل الحجية بنفسها، وكلها من عند الله تعالى، ومن عند رسوله r، وقد فسرها الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم، وأفعالهم، فلا ترجح الأدلة على الأخرى؛ إلا عند تعذر الجمع، فافهم لهذا ترشد.([35])
قال الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج1 ص158): (إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية، والحديث - فيما يظن من لا يعلم - ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك؛ لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكل من عند الله عز وجل، وكل سواء في باب وجوب الطاعة). اهـ
قلت: وهذا الجمع يسمى بجواز أخذ الأمرين على سبيل التخيير؛ لأن أفعال الرسول r لا تتعارض، ولا يتصور تعارضها، وأن ما يرد من أفعال مختلفة في أمر واحد ما هي إلا صور متنوعة يجوز للمكلف فعل هذا، وفعل هذا على سبيل التخيير.([36])
وهذا يعبر عنه بالتنويع: فيحمل الحديث الآخر على البعض الآخر، وذلك بحسب القرائن التي تحف بالحديثين، والتي ترشد إلى محل كل واحد من الحديثين في الموضع.([37])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك - إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
02 |
2) |
ذكر الدليل على تفنيد الشبهة في الفتوى، وذلك بإمكان الجمع بين أدلة الغروب؛ بحمل كل من الغروبين على درجته في جهة الـمغرب، وقد جاءت السنة بهذا الأصل؛ يعني: بأصل الجمع بين الأدلة، وقد بين العلماء هذا الأصل........................................................ |
8 |
([1]) فهذا الأصل من أهم الأصول التي يحتاج إلى معرفته أهل العلم، لأن الجهل به يؤدي بالناظر إلى التخبط، وعدم الوصول إلى الحكم الصحيح في الأصول والفروع.
وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص273).
([2]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج5 ص213)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص243)، و«الموافقات» للشاطبي (ج5 ص342)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص607)، و«المحصول» للرازي (ج5 ص380)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج1 ص534)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج4 ص410)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج3 ص89)، و«العلم» لشيخنا ابن عثيمين (ص52 و53 و158 و159)، و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص22 و24 و25 و26 و27).
([5]) وانظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص243)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج2 ص195)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص394)، و«الموافقات» للشاطبي (ج5 ص342)، و«المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص472)، و«الإحكام من أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص294)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج2 ص964)، و«أصول الفقه» لابن مفلح (ج4 ص1584)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج3 ص1028)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج4 ص426)، و«الإبهاج شرح المنهاج» لابن السبكي (ج7 ص2728)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص167).
([6]) مثل: أصحاب الفتوى، فقد خفي عليهم الجمع بين الأدلة في إفطار الصائم في الغروب، فأفتوا بأنها من المتشابه، فأخطئوا ولا بد، لأن هذه الفتوى مخالفة لحكم الرسول r، وصحابته الكرام، لأن هذا الحكم من المحكم الواضح.
([7]) وانظر: «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج1 ص479)، و«معجم مفردات ألفاظ القرآن» للأصفهاني (ص94 و95)، و«القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص729 و730).
([8]) وانظر: «منهج التوفيق والترجيح بين مختلف الحديث» للسوسوة (ص140 و143)، و«التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية» للبرزنجي (ج1 ص212)، و«التقريب» للنووي (ص90)، و«تدريب الراوي» للسيوطي (ج2 ص283)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص144)، و«توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار» للصنعاني (ج2 ص423 و424).
([9]) وانظر: «إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ج2 ص740)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص395)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص173)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج5 ص406)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» لابن السبكي (ج7 ص2729)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج3 ص1030)، و«التذكرة في أصول الفقه» للحنبلي (ص329)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص609).
أخرجه ابن الصلاح في «علوم الحديث» (ص144)، والخطيب في «الكفاية في معرفة أصول علم الرواية» (1316)، وابن الملقن في «المقنع» تعليقا (ج2 ص482).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» (ص270)، والنووي في «إرشاد طلاب الحقائق» (ج2 ص573).
([12]) وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج1 ص149)، و«إرشاد طلاب الحقائق» له (ج2 ص571)، و«الشذا الفياح» للأبناسي (ج2 ص472)، و«اختصار علوم الحديث» لابن كثير (ص269)، و«فتح المغيث» للسخاوي (ج3 ص75)، و«المقنع في علوم الحديث» لابن الملقن (ج2 ص480)، و«رسوم التحديث» للجعبري (ص85)، و«الملخص في معرفة علم الحديث» لأبي إسحاق المكي (ص144)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص236).
([13]) مثل: الأدلة التي ثبتت في الغروب، منها: ما يحمل على الغروب الجزئي، ومنها: ما يحمل على الغروب الكلي؛ لأن الأصل فيها هو الغروب.
قال الحافظ ابن كثير / في «اختصار علوم الحديث» (ص269): (وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين، فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوع من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحد منهما، أو يفتي بهذا في وقت، وبهذا في وقت؛ كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
هكذا يجمع بين الأدلة على الأصول، لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
وانظر: «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج3 ص333)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص8)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص203)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص194)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج2 ص787)، و«الأم» للشافعي (ج1 ص21).
([14]) أن يكون اللفظ قابلا للتأويل، فإن لم يكن قابلا للتأويل، فإن تأويله يكون فاسدا، كما أولت نصوص إفطار النبي r، وأصحابه الكرام والشمس طالعة بدون دليل في حمل المتشابه على المحكم!.
([15]) وهذه الألفاظ هي: من المحكمة المفسرة، فلا تقبل التأويل، ولا صرفها عن ظاهرها، لأنها ثبتت بمنطوقها؛ أي: فهي سنة بمنطوقها.
([16])قلت: ولم يتطرق هذا الحمل في نصوص الغروب أصلا، لا على قرب، ولا على بعد، فإنها نصوص قائمة في معناها، فلا تحتمل إلا الظاهر في الحكم، وهو إفطار الصائم والشمس وهي طالعة.
([17]) بشرط أن يؤدي هذا الجمع بين النصوص إلى بطلان أحد النصين؛ لأن ذلك يكون إهمالا لأحد النصين، ولا فائدة من الجمع حينئذ، كما يشترط عدم بطلان نص شرعي آخر، فإن ذلك دليل على عدم صحة الجمع، وأنه غير مراد الله تعالى.
كما فعل أصحاب الفتوى في مسألة الغروب، حيث جمعوا بين الأدلة بحمل المتشابه على المحكم بزعمهم، وهذا الجمع مخالف لشروط أئمة الأصوليين، كما سبق ذلك.
وانظر: «المستصفى من علم الأصول» للغزالي (ج2 ص53)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص459)، و«روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج3 ص960)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج2 ص1444)، و«إحكام الفصول في أحكام الأصول» للباجي (ج2 ص728)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج4 ص273).
([18]) وانظر: «اختلاف الحديث» للشافعي (ص24)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص49)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص33)، و«الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (ج2 ص166)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص203)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج3 ص333)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج3 ص67)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص8).
([21]) وانظر: «البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص32)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص586)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص194)، و«الواضح في أصول الفقه» لابن عقيل (ج2 ص10)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج3 ص334)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج1 ص230)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج1 ص7 و12).
([24]) لذلك أفطر النبي r والصحابة الكرام والشمس طالعة، وأفطروا أيضا والشمس قد غربت بالكلية، فهذا أحيانا، وهذا أحيانا، وهذا من تيسير الدين على الناس.
([25]) قلت: وفي نصوص الغروب الجزئي زيادة وهي: «إفطار الصائم والشمس طالعة» على نصوص «إفطار الصائم والشمس قد غربت بالكلية».
* وهي زيادة مقبولة عند الأصوليين في الجمع بالأخذ بالزيادة، لأن الزيادة: وهي إفطار الصائم والشمس طالعة غير منافية للمزيد على النصوص الأخرى، لأنها من الغروب عند العرب.
([27]) وانظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص249)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص395)، و«الأم» للشافعي (ج1 ص93)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص85)، و«قواطع الأدلة في الأصول» للسمعاني (ج1 ص197)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج5 ص407)، و«الإبهاج في شرح المنهاج» لابن السبكي (ج7 ص2732)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج1 ص230)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج2 ص91).
([28]) فيكون الجمع بجواز كلا الأمرين في حال ورود فعلين تشريعيين عن النبي r مختلفين، بأن يفعل هذا الفعل على صفة، وهذا على صفة.
وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج24 ص132).
([29]) وبمثل: هذه الزيادة إفطار النبي r، وأصحابه رضي الله عنهم والشمس طالعة، فهي زيادة يجب قبولها؛ لأنها وجدت في النصوص الأخرى.
وقد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على الجمع بين النصوص بقبول الزيادة غير المنافية إذا كانت صحيحة في السنة.
([30]) وانظر: «فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص221)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج3 ص153)، و(البحر المحيط» للزركشي (ج3 ص385)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص541)، و«الفصول في الأصول» للجصاص (ج3 ص177)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص419)، و«الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم (ج2 ص246)، و«اللمع في أصول الفقه» للشيرازي (ص173)، و«منهج التوفيق» للسوسوة (ص185).
([31]) وانظر: «توضيح الأفكار» للصنعاني (ج2 ص423)، و«معالم السنن» للخطابي (ج4 ص174)، و«شرح صحيح مسلم» للنووي (ج12 ص243)، و«المغني» لابن قدامة (ج14 ص130)، و«الأجوبة الفاضلة» للكنوي (ص192)، و«الموافقات» للشاطبي (ج3 ص105 و106).
([32]) وانظر: «الأحكام» للآمدي (ج3 ص75)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ص92)، و«المستصفى» للغزالي (ج1 ص398)، و«البرهان في أصول الفقه» للجويني (ج1 ص531)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص19)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج3 ص459)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص177)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص245 و252).
([34]) وانظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص730)، و«المحصول في أصول الفقه» للرازي (ج3 ص77)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج2 ص314)، و«التحبير في شرح التحرير» للمرداوي (ج6 ص2651)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج1 ص361).
([35]) ولجأ أصحاب الفتوى إلى ترجيح الأدلة على الأخرى.
* وهذا فيه نظر؛ لأن لا يلجأ إلى الترجيح؛ إلا عند تعذر الجمع.
وقد شدد الإمام ابن حزم / في «الإحكام» (ج1 ص158)؛ في وجوب الجمع بين الأحاديث، واعتبره المسلك الوحيد لدفع التعارض في الظاهر.
* فهو يرى أن أي حديث ليس أولى بالأخذ من الحديث الآخر.