الرئيسية / سلسلة أصول الفقه الأثري / النهج الفريد في جامع مسائل التقليد
النهج الفريد في جامع مسائل التقليد
سلسلة أصول الفقه الأثري
|
3 |
النهج الفريد
في
جامع مسائل التقليد
تأليف
العلامة المحدث الفقيه فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثواه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
وملجأي إلى الله تعالى
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70 و71].
أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فهذا كتاب حافل في موضوعه، مفيد في بابه، جمعت فيه جملة من مسائل التقليد، ورأيت من المفيد نشرها؛ لإفادة طلبة العلم في معرفة فقه أحكام التقليد، للحذر من فتنة التقليد الأعمى، والتعصب القاتل.
قال الحافظ الذهبي $ في «السير» (ج20 ص142): (فينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشغب بذكر غريب المذاهب، لا في الأصول، ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيرا، بل تثير شرا، وعداوة، ومقتا: للصلحاء، والعباد من الفريقين، فتمسك بالسنة، والزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فرده إلى الله تعالى، ورسوله ﷺ ، وقف، وقل: الله ورسوله أعلم). اهـ
هذا؛ وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
كتبـه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
رب يسر
تأصيل المسائل والقواعد في التقليد
المسألة الأولى: أن التقليد إنما أبيح للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يجاوز بها بمحلها.
فيقلد المسلم عند الضرورة المجتهد العدل الذي استوت أحواله في دينه، واعتدلت أقواله وأفعاله بالصلاح في الأصول والفروع.
وقام بأداء أوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه، وظهر منه سمات الخير فيه، وحكم بالكتاب والسنة والآثار.
ويرجع إليه طلبة العلم في الدين، ويأخذ الناس عنه الفتاوى، ويبحث في العلم في كل حين.
وقد أجمع أهل العلم على جواز تقليد من توافرت فيه هذه الصفات من الاجتهاد والعدالة. ([1])
قال تعالى: ]وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (43) بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ [النحل: 43].
قلت: فالله تعالى جعل السؤال عن البينات، وهي الأدلة والحجج.
و«البينات» جار ومجرور؛ متعلق بـ«نوحي»؛ أي: نوحي إليهم بالبينات.
ويجوز أن يتعلق بمحذوف؛ تقديره: بعثوا بالبينات، فأرسلناهم بالبينات والزبر. ([2])
قلت: فهذه الآية تعم كل من لا يعلم؛ في كل ما لا يعلم مما لا يتمكن من معرفته بنفسه. ([3])
قال العلامة الشنقيطي $ في «أضواء البيان» (ج3 ص274): (قوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر[؛ أن من جهل الحكم: يجب عليه سؤال العلماء والعمل بما أفتوه به). اهـ
وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].
قلت: فعلى المسلم أن يتحرى في الأمر، ويسأل أهل العلم، ويستوضحهم في الدين.
وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص599)؛ باب: من له الفتوى والحكم.
وقال تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173].
قلت: فيصار إلى التقليد عند الضرورة.
قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص43): (وهذا هو الواجب على كل مسلم؛ إذ اجتهاد الرأي إنما يباح للمضطر؛ كما تباح له الميتة والدم عند الضرورة: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة: 173].
وكذلك الاجتهاد في التقليد، والاجتهاد في القياس إنما يصار إليه عند الضرورة.([4])
فعن أحمد بن حنبل قال: سألت الشافعي عن القياس، فقال: (عند الضرورات).
أثر صحيح
أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص631) من طريق أبي بكر بن زياد الفقيه قال: سمعت الميموني يقول: سمعت أحمد بن حنبل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج4 ص43).
وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص638)؛ باب تقليد العامي للعالم.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص244): (فالمقلد ليس بعالم؛ إنما هو حاك فقط، يحكي قول غيره، العالم هو الذي يفتش عن حكم المسألة في الكتاب والسنة، وأقوال العلماء، وأما مجرد أن يأخذ كتاب: «زاد المستقنع» – مثلا - أو غيره من كتب الفقه، ويفتي بحسبه، فهذا ليس من العلماء، لكن الضرورات لها أحكام، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلمة أعجبتني، وهي: «أن التقليد بمنزلة أكل الميتة، لا يجوز إلا عند الضرورة»، وكذلك استفتاء المقلد بمنزلة أكل الميتة؛ يجوز إذا لم نجد عالما مجتهدا). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص136): (ومذهب مالك وجمهور العلماء رضوان الله عليهم: وجوبه – أي: في الاجتهاد والنظر في الأدلة -، وإبطال التقليد؛ لقوله تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16]، وقد استثنى مالك $ أربع عشرة صورة؛ لأجل الضرورة؛ ثم ذكر منها: يجب على العوام – عند الضرورة - تقليد المجتهدين في الأحكام، ويجب عليهم الاجتهاد في أعيان المجتهدين؛ كما يجب على المجتهدين الاجتهاد في أعيان الأدلة، وهو قول جمهور العلماء). اهـ
وعن وهب بن منبه $ قال: (الفقيه: العفيف الزاهد؛ المتمسك بالسنة، أولئك أتباع الأنبياء في كل زمان). ([5])
وعن معاذ بن جبل ﭬ قال: (فإن أعجبك العالم فقلده دينك، وإن زل فلا يزهدنك ذلك فيه، فإن العبد يذنب، ثم يتوب فيتاب عليه).([6])
وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولا ينبغي أن يفتي حتى تكون له نية، وكفاية، ووقار، وسكينة، وقوة على ما هو فيه). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح نظم الورقات» (ص211): (نقول: إن التقليد يجوز عند الضرورة، ودليله: قوله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر[ [الأنبياء: 7]، لكنه قيد ذلك: بقوله تعالى: ]إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]، فإذا كنا نعلم؛ فإننا لا نسأل؛ لأننا بعلمنا نكون من أهل الذكر.
فالتقليد يجوز عند الضرورة، كما قلنا، لكن يجب على المقلد إذا تبين له الحق أن يدع التقليد). اهـ
وقال الفقيه الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص527): (يجوز للعامي أن يقلد المجتهد في فروع الشرع)([7]). اهـ
وقال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج5 ص336): (فتاوى المجتهدين بالنسبة إلى العوام كالأدلة الشرعية بالنسبة إلى المجتهدين). اهـ
يعني: في اللزوم عند الضرورة.
وذكر الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص535)؛ عن بعض أهل العلم: (أنه يجوز لمن بعد الصحابةتقليد الصحابة([8]) ﭫ). اهـ
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين: طالب العلم المبتدئ هل يبدأ في طلب العلم بالبحث عن الأدلة أم يقلد في ذلك أئمة أحد المذاهب: ما توجيه سماحتكم حفظكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الطالب المبتدئ في العلم يجب عليه البحث عن الدليل بقدر إمكانه ؛ لأن المطلوب الوصول إلى الدليل، ولأجل أن يحصل له التمرن على طلب الأدلة، وكيفية الاستدلال فيكون سائرا إلى الله على بصيرة وبرهان، ولا يجوز له التقليد إلا لضرورة؛ كما لو بحث فلم يستطع الوصول إلى نتيجة، أو حدثت له حادثة تتطلب الفورية، فلم يتمكن من معرفة الحكم بالدليل قبل فوات الحاجة إليها، فله حينئذ أن يقلد بنية أنه متى تبين له الدليل رجع إليه).([9]) اهـ
قلت: فالتقليد في دين الله تعالى لا يجوز، لا تقليد حي، ولا ميت، إلا عند الضرورة القصوى.
قلت: ويتعين على المسلم أن يطلب حكم الله تعالى، وحكم رسوله ﷺ في أحكام الأصول، وأحكام الفروع.
قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ص586): (ينبغي للمتعلم أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة، وعرف بالستر والصيانة). اهـ
وعن محمد بن سيرين $ قال: (إنما هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم).
أثر صحيح
أخرجه مسلم في «مقدمة: صحيحه» (ج1 ص14)، وابن سمعون في «الأمالي» (73)، والجوهري في «مسند الموطأ» (ص36)، والطيوري في «الطيوريات» (57)، و(58)، و(60)، والهروي في «ذم الكلام» (1381)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (844)، و(845)، و(846)، وفي «الكفاية» (ص121)، والدارمي في «المسند» (399)، (438)، و(343)، وابن خير في «الفهرسة» (ص8)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج2 ص15)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج2 ص194)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص278)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص252) من طريق مهدي بن ميمون، وأيوب، وابن عون وغيرهم؛ كلهم عن محمد بن سيرين به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال تعالى: ]ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون[ [آل عمران: 79].
عن مجاهد $ قال: في قوله تعالى: ]كونوا ربانيين[ [آل عمران: 79]؛ قال: «الربانيون: الفقهاء».([10])
وعن أبي رزين $ قال: في قوله تعالى: ]كونوا ربانيين[ [آل عمران: 79]؛ قال: «فقهاء علماء».([11])
قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص133): (أما من يسوغ له التقليد فهو العامي: الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية، فيجوز له أن يقلد عالما، ويعمل بقوله، قال الله تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].
وقال تعالى: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [[النساء: 59].
قلت: والعلماء من أولي الأمر، فيجوز طاعتهم إذا وافقوا الكتاب والسنة، وتقليدهم عند الضرورة.([12])
فعن ابن عباس ﭭ قال: في قوله: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [[النساء: 59]، قال: (يعني: أهل الفقه والدين، وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3506)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص765)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص185)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص123)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج5 ص419)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، والطبري في «جامع البيان» (9867)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص638)، والواحدي في «الوسيط في تفسير القرآن» تعليقا (ج1 ص71) من طريق عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح حدثنا علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﭭ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (ج2 ص238)، وأبو المظفر السمعاني في «تفسير القرآن» (ج1 ص440)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص505).
وعبد الله بن صالح المصري كاتب الإمام الليث بن سعد، وهو صدوق مأمون، وقد روى هذه الصحيفة بعد أن كتبها، وهو ثبت في كتابه. ([13])
وعلي بن أبي طلحة نهل التفسير من مناهل تفسير التابعين، لأنه نشأ في عصر كان زاخرا بالعلماء الذين تتلمذوا على أيدي الصحابة ﭫ.
منهم: مجاهد بن جبر المكي، وسعيد بن جبير الأسدي، وعكرمة مولي ابن عباس، وغيرهم ممن برز في علم تفسير كتاب الله تعالى.
فأخذ علي بن أبي طلحة التفسير عنهم في صحيفته، واشتهرت صحيفته في التفسير بين العلماء. ([14])
وقد احتج بها الإمام أحمد، والإمام البخاري، والإمام النحاس، والإمام الذهبي وغيرهم. ([15])
قلت: وبين علي بن أبي طلحة، وبين ابن عباس مجاهد أحيانا، وسعيد بن جبير أحيانا، وعكرمة أحيانا.
فإسناده يعتبر صحيحا على الأصل، ووافق الثقات، ولم يوجد ما ينكر في المتن، فهو موافق للأصول في الدين.
وقد تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس ﭭ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم [[النساء: 59]؛ قال: (العلماء).
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (ج3 ص942) من طريق محمد بن كثير المصيصي عن هارون بن حيان عن خصيف بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به في المتابعات والشواهد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص505).
وتابعه عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ﭭ به.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (90) من طريق محمد بن عبيد الله عن عطاء بن أبي رباح.
وإسناده ضعيف، لا يصح.
قال الإمام الطحاوي $ في «مشكل الآثار» (ج4 ص184): (أفلا ترى أن ابن عباس ﭭ قد وصف أولي الأمر بطاعة الله عز وجل، وتعليم الناس معاني دينهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر). اهـ
وعن عطاء بن أبي رباح $ قال: (في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (أولو الفقه والعلم، وطاعة الرسول: اتباع الكتاب والسنة). وفي رواية: (أهل العلم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3501)، والدارمي في «المسند» (ج1 ص297)، وسعيد بن منصور في«تفسير القرآن» (ج4 ص1289)، وابن وهب في «تفسير القرآن» (ج2 ص9)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص1289)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص639)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج4 ص184)، والطبري في «جامع البيان» (9869)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (101)، و(102)، و(103)، وعبد بن حميد في «تفسير القرآن» (ص103)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص72) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1417) من طريق هشيم، ويعلى بن عبيد، وعبد الله بن المبارك؛ كلهم: عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الشوكاني في «فتح القدير» (ج1 ص481)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506)، وفي «مفتاح الجنة» (ص36)، وابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).
وعن مجاهد بن جبر $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (يعني: أولي الفقه في الدين والعقل). وفي رواية: (هم: أهل العلم). وفي رواية: (الفقهاء).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص166)، وابن أبي الدنيا في «العقل» (70)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج3 ص1290)، وفي «المدخل إلى علم السنن» (ج2 ص640)، وآدم بن أبي إياس في «تفسير القرآن» (ص161 و162)، ومسلم بن خالد في «تفسير القرآن» (ق/8/ط)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص213)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص293)، والطبري في «جامع البيان» (9866)، و(9868)، و(9874)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص765) من طريق ورقاء، وشبل، وابن علية، وسفيان الثوري، وحصين بن عبد الرحمن؛ كلهم: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).
وأخرجه أبو خيثمة في «العلم» (ص124)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (93)، وتمام الرازي في «الفوائد» (ج1 ص370)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج3 ص292)، وابن وهب في «الجامع في تفسير القرآن» (ج1 ص100)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (ج4 ص1287)، والطيوري في «الطيوريات» (ج2 ص435 و436)، والطبري في «جامع البيان» (ج5 ص94)، ووكيع في «نسخته» (20) من طرق عن الأعمش عن مجاهد قال: هم: (الفقهاء والعلماء).
قلت: وهذا سنده صحيح، والأعمش توبع على الإسناد.
وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (ج8 ص254)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3507)، والطبري في «جامع البيان» (9864)، وسعيد بن منصور في «تفسير القرآن» (653)، و(656)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (97)، و(98)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1418)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص73)، وعبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ج1 ص166) من طريق سفيان الثوري، وإسماعيل بن زكريا، ومندل العنزي، وعبد الله بن إدريس، وأبي جعفر الرازي؛ كلهم: عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: (هم: الفقهاء والعلماء). وفي رواية: (أهل العلم، وأهل الفقه).
وإسناده حسن في المتابعات، والليث بن أبي سليم قد توبع على الإسناد.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).
وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (95) من طريق أبي سعيد الأشج حدثنا تليد عن منصور عن مجاهد قال: (الفقهاء).
وإسناده ضعيف، لا يصح.
وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (99) من طريق معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن مجاهد به.
وإسناده حسن في المتابعات.
وعن الحسن البصري $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: (أولي الفقه والعلم). وفي رواية: (هم: العلماء).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (ق/20/ط)، و(ج1 ص166)، والطبري في «جامع البيان» (9871)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (ج2 ص474)، وابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (3514)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (104)، وآدم بن أبي إياس في «العلم» (ص97)، وسعيد بن منصور في «السنن» (ج4 ص1289)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (269)، وابن المنذر في «تفسير القرآن» (ج2 ص766) من طريق معمر، ومنصور بن زاذان، والمبارك بن فضالة؛ كلهم: عن الحسن البصري به.
قلت: هذا سنده صحيح.
وذكره ابن كثير في «تفسير القرآن» (ج3 ص149).
وعن أبي العالية الرياحي $ قال: في قوله تعالى: ]وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ قال: هم: أهل العلم، ألا ترى أنه يقول سبحانه: ]ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].
أثر حسن
أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج12 ص213)، والطبري في «جامع البيان» (9873) من طريق وكيع، وابن أبي جعفر عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية به.
قلت: وهذا سنده حسن في المتابعات، والشواهد.
وعلقة ابن أبي حاتم في «تفسير القرآن» (ج4 ص327).
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج2 ص64)، والسيوطي في «الدر المنثور» (ج4 ص506).
وقال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].
ولذلك لا يجوز للمقلد عند الضرورة العدول عن تقليد المجتهد الرباني.
وقال تعالى: ]واتقوا الله ويعلمكم الله [[البقرة: 282].
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «العلم» (ص168): (والأرجح أن يأخذ بما يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب؛ لكون قائله أعلم، وأورع). اهـ
وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين، ويلزمه إن بان له الأرجح تقليده، ويقدم الأعلم على الأورع، ويخير مستويين). اهـ
المسألة الثانية: أهمية التقليد تظهر في أمر واحد عند الاضطرار، والضرورة، وذلك أن الاجتهاد بمعرفة الحكم بدليله يتعسر أحيانا.
فيتعذر على المسلم معرفة الدليل بأسرع وقت ممكن، فيحتاج إلى مزيد وقت للنظر والبحث أحيانا.
وذلك للحصول على الحكم الصحيح من الكتاب والسنة، فمتى سيبلغ ليعرف الحكم الشرعي، فكانت الحاجة للتقليد قوية في هذا الوقت الحرج.
فيقلد المسلم العالم الثقة في دينه([16])، لأنه لو لم يقلد فقد وقع في الحرج، ولعله يؤدي به إلى هلاكه.
فرفع التقليد عن المسلم في هذا الوقت الحرج، والضرر المنفي في الشرع المطهر.([17])
قلت: والشرع المطهر لا يأتي بما فيه حرج، والتقليد بهذه الطريقة يحصل منه العلم، وطمأنينة القلب في الدين. ([18])
وقال تعالى: ]وما جعل عليكم في الدين من حرج [[الحج: 78].
وقال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].
وقال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص406): (الجواب: أن تلك الأمور – يعني: شعائر الإسلام الظاهرة - إن انتهت إلى حد الضرورة بطل التقليد بالضرورة، ولا نزاع في ذلك، لأن تحصيل الحاصل محال لاسيما والتقليد إنما يفيد الظن الذي هو دون الضرورة بكثير، وإن لم ينته إلى حد الضرورة تعين التقليد للحاجة في النظر إلى أدوات مفقودة في حق العامي). اهـ
وقال الإمام ابن حزم $ في «المحلى بالآثار» (ج2 ص149): (ولا يحل لأحد أن يقلد أحدا، لا حيا ولا ميتا، وعلى كل أحد من الناس الاجتهاد حسب طاقته، فمن سأل عن دينه فإنما يريد معرفة ما ألزمه الله عز وجل في هذا الدين، ففرض عليه إن كان أجهل البرية أن يسأل عن أعلم أهل موضعه بالدين الذي جاء به رسول الله ﷺ فإذا دل عليه سأله، فإذا أفتاه قال له: هكذا قال الله عز وجل ورسوله؟ فإن قال له: نعم. أخذ بذلك وعمل به أبدا، وإن قال له هذا رأيي، أو هذا قياس، أو هذا قول فلان، وذكر له صاحبا أو تابعا أو فقيها قديما أو حديثا، أو سكت أو انتهره أو قال له: لا أدري. فلا يحل له أن يأخذ بقوله، ولكنه يسأل غيره.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ [النساء: 59]؛ فلم يأمر الله عز وجل قط بطاعة بعض أولي الأمر، فمن قلد عالما أو جماعة علماء فلم يطع الله تعالى، ولا رسوله ﷺ، ولا أولي الأمر، وإذا لم يرد إلى من ذكرنا فقد خالف أمر الله عز وجل، ولم يأمر الله عز وجل قط بطاعة بعض أولي الأمر دون بعض.
فإن قيل: فإن الله عز وجل قال: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43]. وقال تعالى: ]ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم[ [التوبة: 122].
قلنا: نعم، ولم يأمر الله عز وجل أن يقبل من النافر للتفقه في الدين رأيه، ولا أن يطاع أهل الذكر في رأيهم، ولا في دين يشرعونه لم يأذن به الله عز وجل، وإنما أمر تعالى بأن يسأل أهل الذكر عما تعلموه من الذكر الوارد من عند الله تعالى فقط، لا عمن قاله من لا سمع له ولا طاعة، وإنما أمر الله تعالى بقبول نذارة النافر للتفقه في الدين فيما تفقه فيه من دين الله تعالى الذي أتى به رسول الله ﷺ لا في دين لم يشرعه الله عز وجل، ومن ادعى وجوب تقليد العامي للمفتي فقد ادعى الباطل، وقال قولا لم يأت به قط نص قرآن، ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، وما كان هكذا فهو باطل؛ لأنه قول بلا دليل، بل البرهان قد جاء بإبطاله، قال الله تعالى ذاما لقوم قالوا: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب: 67] والاجتهاد إنما معناه بلوغ الجهد في طلب دين الله عز وجل الذي أوجبه على عباده). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص137): (انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجر)([19]). اهـ
المسألة الثالثة: يجوز تقليد المسلم المتمكن من الاجتهاد، والعلم في فن من فنون العلم عند الضرورة؛ مثل: الفقه، أو الحديث، أو التفسير، أو غير ذلك؛ إذا اعتدلت أقواله وأفعاله بالصلاح في الدين، لأن يعتبر من أهل العلم في الدين.
وذهب إليه عامة أهل العلم، لأن المجتهد قد لا توجد، أو توجد لكنه لا يعرف هذه المسألة، لأن العلم لا يحاط به. ([20])([21])
قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
قلت: فيجوز تقليد من له نوع اجتهاد في العلم، لأن الاجتهاد يتجزأ.
فيقلد المسلم عند الضرورة المجتهد في نوع من العلم، أو في مسائل، أو في مسألة، لأن وصل إلى العلم بها وبدليلها.
قلت: وليس من شرط المجتهد أن يكون عالما بكل مسألة ترد إليه، فمن عرف كتاب الله تعالى، وسنة نبيه ﷺ؛ نصا واستنباطا استحق الاجتهاد، أو بعض الاجتهاد؛ يعني: متوسطا في الاجتهاد.
قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص713): (الاجتهاد يتجزأ).اهـ
وقال الإمام الزركشي $ في «البحر المحيط» (ج8 ص242): (مسألة الصحيح جواز تجزؤ الاجتهاد، بمعنى أنه يكون مجتهدا في باب دون غيره). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص13): (ولا يقولن قائل: من لم يعرف الأحاديث كلها لم يكن مجتهدا، لأنه إن اشترط في المجتهد علمه بجميع ما قاله النبي ﷺ، وفعله فيما يتعلق بالأحكام.
فليس في الأمة على هذا مجتهد، وإنما غاية العالم: أن يعلم جمهور ذلك ومعظمه، بحيث لا يخفى عليه إلا القليل من التفصيل، ثم إنه قد يخالف ذلك القليل من التفصيل الذي يبلغه فيكون معذورا). اهـ
والحاصل: أن المجتهد لابد أن يكون محيطا بأدلة الشرع، متمكنا من اقتباس الأحكام منها، عارفا بفقهها، ولغتها، فاهما بأصول الحديث، ضابطا لأصول الفقه، عالما بالتفسير. ([22])
والمقصود: أنه لابد أن تثبت له الملكة في العلم. ([23])
وقال العز بن عبد السلام $ في «قواعد الأحكام» (ج2 ص135): (لا يجب تقليد الأفضل، وإن كان هو الأولى؛ لأنه لو وجب تقليده لما قلد الناس الفاضل والمفضول في زمن الصحابة والتابعين من غير نكير.
بل كانوا مسترسلين في تقليد الفاضل والأفضل، ولم يكن الأفضل يدعو الكل إلى تقليد نفسه، ولا المفضول يمنع من سأله عن وجود الفاضل، وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل). اهـ
قلت: لذا لا يخلو العصر من مجتهد مطلق، أو مجتهد متمكن، أو مجتهد في جزء، لأنه لا يخلو عصر من طلبة علم من أهل الحديث، وهم: أهل الاجتهاد في التمكن في أحكام الأصول والفروع في الدين.([24])
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «بلغوا عني ولو آية».([25])
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح رياض الصالحين» (ج5 ص431): (بلغوا عني: يعني بلغوا الناس بما أقول، وبما أفعل، وبجميع سنته عليه الصلاة والسلام «بلغوا عني ولو آية» من كتاب الله: ولو هنا للتقليل، يعني: لا يقل الإنسان أنا لا أبلغ إلا إذا كنت عالما كبيرا، لا، إنما يبلغ الإنسان ولو آية بشرط أن يكون قد علمها، وأنها من كلام الرسول ﷺ، ولهذا قال في آخر الحديث: «ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»: من كذب على الرسول متعمدا يعلم أنه كاذب، فليتبوأ مقعده من النار، هنا اللام للأمر لكن المراد بالأمر هنا الخبر، يعني: فقد تبوأ مقعده من النار؛ والعياذ بالله، أي: فقد استحق أن يكون من ساكني النار؛ لأن الكذب على الرسول ليس كالكذب على واحد من الناس؛ الكذب على الرسول كذب على الله عز وجل، ثم هو كذب على الشريعة). اهـ
وعن ثوبان ﭬ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله».([26])
قلت: وهذا الحديث يدل على أن أهل الحديث؛ هم: الطائفة المنصورة الناجية، وهي التي تقوم بنشر العلم والسنة بين الناس على مر العصور، وكر الدهور إلى قيام الساعة؛ كما قال الإمام أحمد، والإمام ابن المديني، والإمام البخاري، والإمام ابن المبارك وغيرهم.([27])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص12): (فلا يجوز أن يدعي انحصار حديث رسول الله ﷺ في دواوين معينة، ثم لو فرض انحصار حديث رسول الله ﷺ فيها، فليس كل ما في الكتب يعلمه العالم، ولا يكاد ذلك يحصل لأحد، بل قد يكون عند الرجل الدواوين الكثيرة وهو لا يحيط بما فيها).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص5): (وأما إحاطة واحد بجميع حديث رسول الله ﷺ، فهذا لا يمكن ادعاؤه قط). اهـ
وقال الفقيه النفراوي $ في «الفواكه الدواني» (ج2 ص357) عن المقلد: (ولكن بشرط أن لا يتتبع رخص المذاهب وإلا امتنع إجماعا؛ إلا أن يضطر لتقليد الرخصة يوما؛ فيجوز للضرورة). اهـ
قلت: وإن كان عالما لم يبلغ درجة الاجتهاد، فيجوز له أن يفتي، ويجتهد في البحث، وغلب على ظنه الحكم فيحكم([28])، وكذلك طالب العلم يجوز له أن يفتي بما علم من الفقه، وقد اجتهد فيه.([29])
قال الحافظ ابن عبد البر $ في «جامع بيان العلم» (ج2 ص993): (وقال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين، وإدراك المعلوم على ما هو فيه، فمن بان له الشيء فقد علمه). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص262): (كل إنسان يجتهد على قدر حاله، والاجتهاد أنواع: اجتهاد مطلب، وغيره؛ مثل: إذا كان الإنسان مثلا: طالب علم، يقرأ بعض الكتب، وإذا رأى هذا القول أرجح، والحديث، أو النص الشرعي يدعمه، أو عن فلان معروف بالتحقيق، ثم اختار هذا القول؛ فهذا نوع من الاجتهاد). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص262): (وهناك مجتهد مفيد في مذهب إمامه، ومثل المجتهد في مسألة واحدة، كأن يكون مجتهدا في الفرائض فقط، أو في علم الأصول فقط، أو في المعاملات فقط، أو في مسائل الحج، أو مسائل العبادات فقط، وهذا هو المقصود بتجزء الاجتهاد، وهو لا بأس به). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص263): (مطلوب من الإنسان أن يجتهد في تحري معرفة الحلال والحرام والأحكام). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص264): (الاجتهاد معناه: الاجتهاد في الفتوى، أو الاجتهاد في الحكم.
هذا معناه: أن الإنسان إذا أراد أن يفتي اجتهد، أو أن يحكم بين الناس اجتهد، أو أن يبين حكما شرعيا اجتهد.
بمعنى أنه يبحث، ويراجع، ويتحرى القول الذي هو أقرب للصواب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرب لمدلول الآيات الكريمة، أو الأحاديث النبوية، والنصوص الشرعية هذا هو الاجتهاد، فإذا كان الإنسان يحسن هذا الشيء؛ فذلك هو الاجتهاد). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص265): (أما إذا وجد إنسان يجتهد ولو اجتهادا محدودا أو ضيقا، بمعنى: أن يجتهد لكل واقعة، أو لكل حادثة، أو يبحث عن القول الراجح، أو الدليل في بعض القضايا؛ فإنه نافع). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن غصون $ في «الفتاوى» (ج13 ص265): (ولهذا فإن على كل إنسان أن يجتهد، وأن يتحرى معرفة الحق، والوصول إليه ثم العمل به.
وهو: يعني أن على كل إنسان يستطيع أن يجتهد إذا كان عنده معرفة، وملكة، ويقدر على أخذ الأحكام من كتب التفاسير، وكتب الحديث، وكتب أهل العلم أن يفعل ذلك.
فإن كان الإنسان عنده مؤهل، وعنده قدرة، وفي وسعه أن يأخذ الأحكام من مظانها من كتب أهل العلم؛ فإن مثل هذا يجتهد، ويأخذ من الأقوال ما يعتقد أنه أقرب للحق، وأقرب للدليل.
وهذا واجب على كل مسلم؛ إذ النبي ﷺ واحد فليس هناك أحد يشارك النبي ﷺ في تحتم وجوب الطاعة). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص144): (فاتفقوا على تعينه في حقه، وإن كان لم يجتهد؛ فأكثر أهل السنة على أنه لا يجوز له التقليد، وهو مذهب مالك $). اهـ
قال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].
قلت: ومن يبلغ درجة أهلية النظر، والاستدلال، والترجيح، وعرف مذهب العلماء، ومعرفته بالقواعد، والأصول، وله قوة للاستنباط من أدلة الأحكام الشرعية، فهذا يتعين عليه العمل بالاجتهاد في الدين.
وقد بين الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص216)؛ أنه ليس من شروط الاجتهاد في مسألة بلوغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل، بل متى علم أدلة المسألة الواحدة، وطرق النظر فيها، فهو مجتهد، وإن جهل حكم غيرها.
قلت: فيجوز تجزؤ الاجتهاد في الشريعة المطهرة.
قال الإمام الزركشي $ في «البحر المحيط» (ج8 ص242): (فهذا هو المجتهد في الجزئي، والمتجه أنه يجب عليه العمل بما قام عنده على الدليل، ولا يسوغ له التقليد). اهـ
وقال الإمام ابن عابدين $ في «حاشيته على الدر المختار» (ج1 ص68): (ولا يخفى أن ذلك لمن كان أهلا للنظر في النصوص، ومعرفة محكمها من منسوخها). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص141): (يجوز أن يحصل صفة الاجتهاد في فن دون فن، وفي مسألة دون مسألة؛ خلافا لبعضهم). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص140): (اتفقوا على جواز الاجتهاد بعد وفاته عليه السلام). اهـ
قلت: وهذا يعتبر في الاجتهاد الوسط، وإن كان غير معتبر؛ فهو مقلد.
قلت: فمن ترجح عنده تقليد عالم بالدليل بما قضى اجتهاده في الدين، وبذل جهده في اتباع ما أنزل الله تعالى، فلا يجوز الإنكار عليه، ويقال له يجب عليك أن تقلد العالم الأخر مع علمه بخطئه في الحكم([30])، أو باجتهاده فيه في الجملة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص292): (فمن ترجح عنده تقليد الشافعي – يعني: باجتهاده - لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك([31]) ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي ([32])، ونحو ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص452): (وأما تقليد من
بذل جهده في اتباع ما أنزل الله تعالى، وخفي عليه بعضه، فقلد فيه من هو أعلم منه([33])، فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور). اهـ
قلت: وباب الاجتهاد في ذاته مفتوح، وفضل الله تعالى واسع؛ لكن لابد أن يكون الاجتهاد على معاني الكتاب والسنة.
قلت: ولا يخلو عصر من العصور من مجتهد؛ سواء كان مطلقا، أو متوسطا في الدين، وهو مذهب الحنابلة، وعدد من الشافعية، والمالكية، واختاره الإمام ابن دقيق العيد وغيره([34])، وهو الصحيح.
عن المغيرة بن شعبة ﭬ عن النبي ﷺ قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون). ([35])
قلت: فمن قام بحفظ الفقه، وفهمه ونقله، فهذا يعتمد نقله، وفتواه في الدين.
قلت: فليستح من يدعي على أنه لا اجتهاد اليوم، ولا يوجد أي مجتهد اليوم في الدين. ([36])
قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج1 ص452): (أنه سبحانه ذم من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء.
وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق السلف والأئمة الأربعة على ذمه وتحريمه.([37])
وأما تقليد من بذل جهده في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور). اهـ
قلت: والمسلم إذا أدى مستطاعه في الاجتهاد في الأحكام، فلا بأس بعد ذلك أن يقلد مجتهدا من أهل العلم الربانيين.
قلت: ومع قولنا بأن الاجتهاد لم ينقطع بعد، فهو لا يستلزم أن يسلم لكل من يدعي الاجتهاد أنه مجتهد؛ كالمتعالم وغيره.
نعم إن شهدت له علومه، ووجدت فيه علامات القبول، فهذا يسلم له ذلك وإلا فلا. ([38])
قلت: وأما من اعتمد على مجرد نقل الفتوى من غيره؛ بدون فهم، وربما زعم أنه فهمها، أو حرفها، فما أبعد هذا عن درجة الاجتهاد، والأتباع. ([39])
وهذا حال أهل هذا الزمان من المذهبيين، والحزبيين، بل هو حال أكثر الناس منذ أزمان، مع دعواهم الوصول إلى الغايات، والانتهاء إلى النهايات، وهم لم يرتقوا عن درجة البدايات اللهم غفرا.
قال الإمام الذهبي $ في «السير» (ج8 ص92): (ولم يبق اليوم، إلا هذه المذاهب الأربعة، وقل من ينهض بمعرفتها([40])، كما ينبغي، فضلا عن أن يكون مجتهدا).([41]) اهـ
المسألة الرابعة: يحرم تقليد المتساهل([42])،والمميع في الدين، وهو من لا يعطي الفتوى حقها من النظر، ولا يقوم بموجب النظر والبحث في العلم، وهو يتناقض في كل حين في الفتاوى، وينشر الضلال في المسلمين؛ مع زعمه أنه يبحث، ويفتي بالسنة!، وهو ليس كذلك، بل هو كسلان في العلم، وهو لا يشعر.
وقد أجمعت الأمة على تحريم تقليد المتساهل في الفتوى، وتتبع الرخص فيها، والمراد: أخذ المقلد أسهل، وأخف أقوال أهل العلم عليه في المسائل.([43])
قال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].
وقال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص22): (وذلك أن غاية كثير من العلماء أن يعلم قول أهل العلم الذين أدركهم في بلاده، ولا يعلم أقوال جماعات غيرهم). يعني: من أهل العلم في البلدان الأخرى!.
وقال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ويحرم التساهل فيها، - يعني: الفتوى - وتقليد معروف به([44]». اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص22): (وكثيرا من المتأخرين لا يعلم إلا قول اثنين، أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين، وما خرج عن ذلك، فإنه عنده يخالف الإجماع؛ لأنه لا يعلم به قائلا، وما زال يقرع سمعه خلافه). اهـ
وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص324): (ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها). اهـ
وبوب الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص327)؛ ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ
وقال الحافظ ابن الصلاح $ في «علوم الحديث» (ص56): (لا تقبل رواية - أو فقه - من عرف بالتساهل في سماع الحديث). اهـ
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص46): (يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص248): (والتساهل في الفتوى لاشك أنه حرام، ولو قيل: إنه من كبائر الذنوب لم يبعد، لأن الله قال: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33]، فلا يجوز التساهل). اهـ
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص46): (ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح مختصر التحرير» (ج2 ص51): (وقوله: (ويرد متساهل في رواية)؛ الذي يعلم أنه يتساهل بالرواية ترد روايته). اهـ
وجاء عن الذهبي $ في «ميزان الاعتدال» (ج3 ص484)؛ في ترجمة: (محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق؛ أنه قال عنه: (محدث فاضل مكثر، لكنه يحدث من غير أصول، ذهبت أصوله، وهذا التساهل قد طم، وعم!). اهـ
وقال الحافظ الذهبي $ في «السير» (ج16 ص388)؛ في ترجمة: «الوراق» هذا: (التحديث من غير أصل قد عم اليوم، وطم!). اهـ
قلت: رحم الله الإمام الذهبي كيف لو أدرك زماننا!.
المسألة الخامسة: يحرم تقليد العالم الفاسق مطلقا، لأنه ليس بأهل للفتوى في الدين، والفسق: هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية.
وقد صرح أهل العلم، بأنه لا يجوز تقليد الفاسق، ومنع التقليد له بإجماع العلماء على ذلك، وقد نقله غير واحد من أهل العلم. ([45])
قال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].
قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص324): (ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها، ومن لم يكن من أهلها منعه منها، وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها). اهـ
وبوب الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص327)؛ ما جاء من الوعيد لمن أفتى وليس هو من أهل الفتوى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ
قلت: فلا يعتد بفتاوى أهل التساهل في الدين، ممن عدهم العوام من العلماء في الدين، لأنهم يتكلمون في الأحكام بغير علم، فلذلك يتناقضون في الفتاوى على حسب جهلهم في الدين. ([46])
قال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج4 ص62): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف؛ كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك). اهـ
المسألة السادسة: يحرم تقليد المتعالم الجاهل مطلقا، لأن الجهل ضد العلم، والجاهل غير العالم، وقد صرح أهل العلم بمنع الجاهل من الفتوى، ومنع المسلم من تقليده في الدين.
وقد أجمعت الأمة على منع تقليد الجاهل مطلقا، وذلك لأنه تضييع لأحكام الشريعة المطهرة([47])، ومن شروط التقليد كون المقلد مجتهدا في معرفة الدليل أحيانا، وهذا الشرط ممنوع هنا.
قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين $ في «شرح الكافية الشافية» (ج1 ص182): (البلاء كل البلاء من الجاهل([48])جهلا مركبا؛ الذي يجادلك بغير علم، ويتكلم بين العامة بغير علم، ويتكلم مع العلماء بالمجادلة بغير علم). اهـ
عن الإمام سفيان الثوري $ قال: (تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر([49])، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).
أثر صحيح
أخرجه أبو الفتح المقدسي في «الحجة» (577)، وعبد الله بن المبارك في «الزهد»؛ «زيادات» نعيم بن حماد : (ص18)، والبيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1651)، وفي «شعب الإيمان» (ج2 ص308)، و(ج7 وص36)، وأحمد في «العلل» (ج3 ص118)، والآجري في «مسألة الطائفين» (ص26)، وفي «أخلاق العلماء» (ص61)، وفي «فرض طلب العلم» (39)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص192)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج6 ص377)، و(ج7 ص36) من طرق عن سفيان الثوري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص351).
قال الإمام أبو الفتح المقدسي $ في «الحجة» (ج2 ص570)؛ باب: التحذير من علماء السوء؛ ممن ترك كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، واعتمد على رأيه، وجلب الناس بمنطقة، وتزين لهم بعلمه وزهده، وتصنع بقراءته وتعبده؛ وما يصدون بذلك عن الحق، ويقطعون عن الخير، ويمنعون من طلب العلم.
وعن الإمام عبدالله بن المبارك $ قال: (كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، ومن شر فتنة العابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون).([50])
قال الإمام ابن القيم $ في «مفتاح دار السعادة» (ج1 ص160): (الناس إنما يقتدون بعلمائهم وعبادهم فإذا كان العلماء فجرة والعباد جهلة عمت المصيبة بهما وعظمت الفتنة على الخاصة والعامة). اهـ
وقال الإمام ابن القيم $ في «إغاثة اللهفان» (ج1 ص160): (ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة، وجده من هذين المفتونين([51])). اهـ
وعن الإمام سفيان الثوري $ قال: (كان يقال: العلماء ثلاثة: عالم بالله يخشى الله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بالله عالم بأمر الله يخشى الله، فذاك العالم الكامل، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله لا يخشى الله، فذلك العالم الفاجر).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (375)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج7 ص370)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1919) من طريق علي بن خشرم، ومحمد بن يوسف قالا: سمعنا سفيان الثوري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن الإمام أبي مسلم الخولاني $ قال: (العلماء ثلاثة: فرجل عاش في علمه وعاش معه الناس فيه، ورجل عاش في علمه ولم يعش معه فيه أحد، ورجل عاش الناس في علمه وكان وبالا عليه).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (373)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج14 ص55)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص121) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: قال أبو مسلم الخولاني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه معمر الأزدي في «الجامع» (20472)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1546)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج2 ص283) من طريق أيوب عن أبي قلابة $ قال: (العلماء ثلاثة...).
وإسناده صحيح.
وعن أبي عمران الجوني عن هرم بن حيان أنه قال: (إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر بن الخطاب ﭬ، فكتب إليه، وأشفق منها: ما العالم الفاسق؟، قال: فكتب إليه هرم: يا أمير المؤمنين، والله ما أردت به إلا الخير: يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، فيشبه على الناس، فيضلون).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (308)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (ج7 ص96) من طريق سهل بن محمود، وبشر بن الحكم قالا: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره الذهبي في «السير» (ج4 ص49).
وعن الإمام الفضيل بن عياض $ قال: (إنما هما عالمان: عالم دنيا، وعالم آخرة، فعالم الدنيا: علمه منشور، وعالم الآخرة: علمه مستور، فاتبعوا عالم الآخرة، واحذروا عالم الدنيا، لا يصدنكم بشره، ثم تلا هذه الآية: ]إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله[ [التوبة:34].
الأحبار: العلماء.
والرهبان: العباد.
أثر صحيح
أخرجه الآجري في «أخلاق العلماء» (ص86)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج8 ص92) من طريق أبي يعلى، والفضل بن زياد قالا: سمعنا عبدالصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن رجب في «شرح حديث أبي الدرداء»: «العلماء ورثة الأنبياء» (ص330).
وعن الإمام سفيان بن عيينة $ قال: (أجهل الناس من ترك ما يعلم، وأعلم الناس من عمل بما يعلم، وأفضل الناس أخشعهم لله عز وجل).
أثر صحيح
أخرجه الدارمي في «المسند» (342) من طريق أحمد بن محمد عن سفيان بن عيينة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام ابن رجب $: (وهكذا كان حال العلماء الربانيين؛ كالحسن، وسفيان، وأحمد).([52]) اهـ
قلت: فترى هذا العالم المفتون عنده شيء من العلم، ويطلق عليه اسم العالم عند العامة، وهو عند السلف ليس بعالم؛ لأنه ليس بعالم بالله تعالى، ولا يخشاه.([53])
فهذا كان عند السلف هو العالم المفتون، وإن نسب عند العامة بالعلم، فهي نسبة صورية في الظاهر، وهو من المقلدة على الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر $ في «فتح الباري» (ج13 ص316): (أهل الجهل ليسوا عدولا، وكذلك أهل البدع، فعرف أن المراد بالوصف.... أهل السنة والجماعة، وهم: أهل العلم الشرعي، ومن سواهم، ولو نسب إلى العلم: فهي نسبة صورية لا حقيقية).اهـ
وترى العالم الآخر عنده من العلم، وقد جمع بين العلم بالله تعالى، والعلم بأمره وخشيته، فجمع بين العلمين الذي عليه علماء السلف، وسلك كلا الطريقين، فجمع بين الأمرين، فهذا العالم الرباني.
قال تعالى: ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[ [فاطر:28].
قلت: من يخشى الله تعالى فهو عالم.([54])
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «أثر العلماء» (ص16): (وبين سبحانه أن العلماء هم أخشى الناس لله تعالى، فقال تعالى: ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[ [فاطر:28]. اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «أثر العلماء» (ص16): (العلماء: هم الذين يعرفون شرع الله تعالى، ويفقهونه، ويعملون به؛ المتبعون لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، والسلف الصالح على هدى وبصيرة). اهـ
وقال الإمام ابن رجب $ في «سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز» (ج2 ص481): (علماء السلف كانوا يقسمون العلماء ثلاثة أقسام:
قسم يعرفون الله، ويخشونه، ويحبونه، ويتوكلون عليه، وهم: العلماء بالله تعالى.
وقسم يعرفون أمر الله تعالى، ونهيه وحلاله وحرامه، وهم العلماء بأمر الله تعالى.
وقسم يجمعون بين الأمرين([55])، وهم أشرف العلماء، حيث جمعوا بين العلم بالله، والعلم بأمر الله.
وكذلك أكثر السلف يجمعون بين العلم بالله تعالى الذي تقتضي خشيته، ومحبته والتبتل إليه، وبين العلم بالله تعالى الذي يقتضي معرفة الحلال والحرام، والفتاوى والأحكام). اهـ
عن أنس بن مالك ﭬ أن رسول الله ﷺ قال: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل). وفي رواية: (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل).([56])
وقال الإمام الخطابي $ في «العزلة» (ص320): (يريد: والله أعلم ظهور الجهال المنتحلين للعلم المترئسين على الناس به قبل أن يتفقهوا في الدين، ويرسخوا في علمه). اهـ
وقال الإمام الخطابي $ في «العزلة» (ص320): (قد أعلم رسول الله ﷺ أن آفة العلم ذهاب أهله وانتحال الجهال، وترؤسهم على الناس باسمه.
وحذر الناس أن يقتدوا بمن كان من أهل هذه الصفة، وأخبر أنهم ضلال مضلون). اهـ
وقال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ج2 ص293): (فظهر بهذا أن أكمل العلماء وأفضلهم: العلماء بالله، وبأمره الذين جمعوا بين العلمين، وتلقوهما معا من الوحيين – أعني: الكتاب والسنة - وعرضوا كلام الناس في العلمين معا على ما جاء في الكتاب والسنة، فما وافق قبلوه وما خالف ردوه). اهـ
وقال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص317): (ومن جمع هذه العلوم: فهو من العلماء الربانيين، العلماء بالله، العلماء بأمر الله، وهم أكمل ممن قصر علمه على العلم بالله دون العلم بأمره). اهـ
قلت: فمن قايس بين الأمرين: عرف فضل العلماء بالله تعالى وبأمره؛ على العلماء([57]) بالله فقط.
قال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص330): (وهكذا كان حال العلماء الربانيين: كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد). اهـ
وعن الإمام الشعبي $ قال: (اتقوا الفاجر من العلماء، والجاهل من المتعبدين؛ فإنهما آفة لكل مفتون).([58])
قلت: فإنه قد يقال: للمرء عالم وهو فاجر، وقد يقال: للمرء عابد وهو جاهل.([59])
وبوب الحافظ البيهقي في «المدخل» (ج2 ص748)؛ باب: ما يكره لأهل العلم، وغيرهم من التكبر والتجبر، وإلزام الناس مخاطبتهم بما يخاطب به الجبابرة، والسكون إليه، والسرور به.
قال تعالى: ]فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة[ [النحل:36].
وعن محمد بن حرب قال: قال عبد الله بن حسن؛ لابنه: (يا بني: احذر الجاهل).([60])
وعن سلمة بن بلال قال: كان فتى يعجب علي بن أبي طالب ﭬ، فرآه يوما، وهو يماشي رجلا متهما، فقال له:
فلا تصحب أخا الجهل |
|
|
وإيــــــــــاك وإيــــــــــــاه |
فكـم مـن جاهـــل أردى |
|
|
حليمــــا حيـن آخـــــاه([61]) |
قلت: والجاهل هذا هو الأحمق؛ الذي يجب هجره، وعدم تقليده في الدين.
فعن يسير بن عمرو قال: (اهجر الأحمق، فليس للأحمق خير من هجرانه).([62])
قال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص164): (والواجب على العاقل ترك صحبة الأحمق). اهـ
وقال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص164): (أظلم الظلمات الحمق).اهـ
وقال الحافظ ابن حبان $ في «روضة العقلاء» (ص167): (ومن شيم([63]) الأحمق: العجلة، والخفة، والعجز، والفجور،، والجهل).اهـ
قلت: فالعاقل يجب عليه مجانبة من هذا نعته، وترك مخالطة من هذه صفته.
وهذا الجاهل ليس من أهل الذكر.
وقال تعالى: ]قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].
وقال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].
وقال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم[ [الأسراء:36].
وقال تعالى: ]فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ [القصص:50].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص29): (ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى ويصرعه، حتى ينصر ما يعلم أنه باطل، أو من يجزم بصواب قول، أو خطئه، من غير معرفة منه بدلائل ذلك القول نفيا وإثباتا؛ فإن هذين في النار.
كما قال النبي ﷺ: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة، فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار: فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه)
وعن إسحاق بن راهويه قال: قال سفيان بن عيينة: (أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيه، وأجهل الناس بالفتوى أنطقهم فيه).([65])
وقال العلامة الشاطبي $ في «الاعتصام» (ج2 ص234) عن الجاهل المفتي: (وإن لم نعتبره فلابد من رجوعه إلى درجة العامي). اهـ
وعن عبد الله بن المعتز $: (كما لا ينبت المطر الكثير الصخر، كذلك لا ينفع البليد كثرة التعليم).([66])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص274): (يحرم اتباع من يتكلم بلا علم). اهـ
قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ص584): (والبلادة داء عسير برؤه، عظيم ضره). اهـ
وإن عناء أن تفهم جاهلا |
|
|
فتحسب جهلا أنه منك أفهم([67]) |
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» (ص47): (وقد فرق الله بينهما من هذا الوجه، فأثاب المجتهد على اجتهاده([68])، وأثاب العالم على علمه ثوابا لم يشركه فيه ذلك الجاهل). اهـ
وقال الإمام ابن رجب $: (واعلم أنه إنما أهلك أهل العلم([69])، وأوجب إساءة ظن الجهال بهم ، وتقديم جهال المتعبدين عليهم ما دخل عليهم من الطمع في الدنيا).([70]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص286): (وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل، فيغر الناس، ويكذب على الله تعالى، ورسوله ﷺ، ويغير دينه، ويحرم ما لم يحرمه الله، ويوجب ما لم يوجبه الله تعالى، والله المستعان). اهـ
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص ﭬ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).([71])
المسألة السابعة: يحرم تقليد مجهول الاجتهاد، أو مجهول العدالة، ولا أخذ العلم عليه، وقد صرح أهل العلم بالمنع من تقليده، وذلك لأنه جاهل في الدين، ولو كان من أهل العلم لأشتهر بين أهل السنة بالعلم، فكيف يجوز تقليد مجهول الحال في الدين، وذهب أكثر أهل العلم إلى المنع من تقليده([72])، حتى تعلم عدالته.
قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص715): (ويلزم ولي الأمر عند الأكثر منع من لم يعرف بعلم، أو جهل حاله، ولا تصح من مستور الحال([73]».اهـ
قلت: فلا يجوز تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل أن يؤخذ بقوله، وذلك بأن يقلد أقواما يجهل أحوالهم، ولم يعلم أهليتهم، وأحقيتهم للتقليد، أو يقلدهم لمجرد الهوى.
قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[ [الأسراء:36].
قلت: فنهى الله تعالى المسلم أن يقفوا ما ليس له بعلم، والشخص إذا قلد من لم يعرف أهليته للتقليد فقد قفا ما ليس له به علم.([74])
قال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح مختصر التحرير» (ص644): (لا يجوز أن تقدم إلا على ما علمت جوازه، ودليل ذلك: قول الله تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا[ [الأسراء:36]. اهـ
قلت: فكل من وجب قبول قوله، فلابد من معرفة حاله.
قال تعالى: ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض[ [المؤمنون:71].
قال الإمام ابن جماعة $ في «المنهل الروي» (ص261): (أجمع جماهير أئمة العلم بالحديث، والفقه، والأصول على أنه يشترط فيمن يحتج بحديثه العدالة والضبط.
فالعدالة: أن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق، وخوارم المروءة.
تعرف العدالة: بتنصيص عدلين عليها، أو بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل([75])، أو غيرهم من العلماء([76])، وشاع الثناء عليه([77]) بها كفى فيها). اهـ
المجهول: هو غير المعروف، وهو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه والحديث، ولا عرفه العلماء بالعلم.
فلا يجوز الاحتجاج به، ولا تقوم به حجة.
ذكر ذلك الإمام ابن الصلاح في: «علوم الحديث» (ص223)، والحافظ ابن حجر في: «النكت» (ج1 ص387)، والحافظ الخطيب في: «الكفاية» (ص88)، والحافظ السيوطي في: «تدريب الراوي» (ج1 ص372)، وغيرهم.
وهو مجهول الحال إذا عرف شخصه؛ فهو خفي من حيث العدالة فهو مجهول العدالة.
ويسمى المجهول بالنقل؛ أي هو ممن لا يعرف عنه الاشتغال بالعلم، ولا بتلقي العلم عن الشيوخ.
المسألة الثامنة: وإذا كان في البلد جماعة من المجتهدين الربانيين، فيجوز للمسلم أن يقلد عند الضرورة ما شاء منهم([78])، وعلى ذلك جمهور العلماء.([79])
قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7]؛ أي: فيسأل المسلم أي مجتهد في العلم، ولا يكلف أكثر من ذلك عند الضرورة، لرفع الحرج عنه في الدين.
وقال تعالى: ]وفوق كل ذي علم عليم[ [يوسف: 76].
وقال تعالى: ]لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [[البقرة: 286].
وقال تعالى:]وما جعل عليكم في الدين من حرج [[الحج: 78].
وقال تعالى: ]فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم[ [البقرة:173].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص274): (وإذا قلد غيره حيث يجوز ذلك كان جائزا، أي: ليس اتباع أحدهم واجبا على جميع الأمة كاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم). اهـ
قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص410): (ولا يلزم الفرض إلا من أطاقه).اهـ
وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص127): (وقد قيل: إن العامي يقلد أوثق المجتهدين في نفسه، ولا يكلف أكثر من ذلك). اهـ
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «التعليق على مقدمة المجموع» (ص312): (هذا هو الأصل؛ لأن المسألة مسألة علم، فيقلد الأعلم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص127): (وأما الجواب عن تقليد العامي، فهو أن فرضه: تقليد من هو من أهل الاجتهاد). اهـ
قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولعامي تقليد مفضول من المجتهدين، ويلزمه إن بان له الأرجح تقليده، ويقدم الأعلم على الأورع، ويخير مستويين). اهـ
وقال العلامة الخزرجي $ في «فتح المجيد» (ص63): (لا يقلد إلا من علمت أهليته، ولو بالاستفاضة، وهي دون التواتر، وفوق خبر الواحد). اهـ
وقال الإمام أبو علي الطبري $: (فرضه اتباع عالمه بشرط أن يكون عالمه مصيبا، كما يتبع عالمه بشرط أن لا يكون مخالفا للنص).([80]) اهـ
: يجوز للمسلم تقليد العالم الرباني الميت عند الضرورة، وذهب إلى ذلك جمهور العلماء؛ لأن العلوم لا تموت بموت أصحابها، ولا تفقد بفقد أصحابها، ولذا يعتد بها في الخلاف والإجماع. ([81])
والقول بالجواز هو مذهب الحنفية، والمالكية، وأكثر الشافعية، وأكثر الحنابلة.
وكذلك يجوز للعامي التقليد عند الضرورة، وعليه أن يقلد الصحابة([82]) ڤ إذا لم يجد من يقلده من العلماء الربانيين الأحياء.
قال الإمام البربهاري $ في «شرح السنة» (ص517): (واعلم أن الدين إنما هو بالتقليد([83])، والتقليد لأصحاب رسول الله ﷺ). اهـ
قلت: لأن العلم لا يموت بموت صاحبه، لذلك يعتد بقول العالم الميت إذا وافق الكتاب والسنة، وهذا بالإجماع.
قال تعالى: ]فاتقوا الله ما استطعتم [[التغابن: 16].
وقال تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [[النساء: 83].
قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص118): (اعلم أن فتاوى الصحابة ﭫ أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين، وهلم جرا، وكلما كان العهد بالرسول ﷺ أقرب كان الصواب أغلب... والصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم؛ فإن التفاوت بين علوم المتقدمين، والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين).([84]) اهـ
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص55): (وفي جواز تقليد الميت وجهان: الصحيح جوازه؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص366): (وأما جهة الراي والتنازع، فإن تنازع العلماء، واختلافهم في صفات العبادات، بل وفي غير ذلك من أمور الدين صار شبهة لكثير من أهل الأهواء من الرافضة وغيرهم). اهـ
قلت: فكل صاحب هوى قد يجد من شاذ الآراء، أو مشتبهها ما يفتن به، ويلبس على الناس دينهم، اللهم غفرا.
وقال العلامة الخزرجي $ في «فتح المجيد» (ص65): (يجوز تقليد الميت على الصحيح). اهـ
قال الحافظ البيهقي $ في «جزء الجويباري» (ص227): (فزجر المصطفى ﷺ في هذا الخبر - يعني: (من قال في كتاب الله برايه فأصاب فقد أخطأ)([85])- عن الكلام في كتاب الله بالرأي، وسنته مقيسة عليه حتى لا يحل لأحد أن يقول: قال رسول الله إلا بعد التثبت والعلم به، كما لا يحل لأحد أن يقول في كتاب الله برأيه إلا بعد المعرفة به، وسماع ممن يعرفه). اهـ
فاتباع الآراء والرجال دون ما جاء به الرسول ﷺ اتباع للهوى، وعدول عن الصراط المستقيم.
قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام: 153].
فالصراط المستقيم واحد، والحيد عنه يكون إلى سبل متشعبة، ولقد قال ابن مسعود ﭬ: «ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر». وفي رواية: (فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
أثر صحيح
أخرجه اللالكائي في «الاعتقاد» (ج1 ص93)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج9 ص166)، وأبو نعيم في «الحلية» (ج1 ص136)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» تعليقا (ج2 ص989) من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود به.
وإسناده صحيح.
وذكره الهيثمي في «الزوائد» (ج1 ص180)؛ ثم قال: (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح).
وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص147) من طريق هبيرة، وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال: (إذا وقع الناس في الشر، قل: لا أسوة لي في الشر).
وأخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (ج1 ص132) من طريق الأعمش عن أبي عبد الرحمن قال: قال عبد الله فذكره.
وأخرجه ابن حزم في «الإحكام» (ج6 ص97) من طريق ابن وهب أخبرني من سمع الأوزاعي يقول: حدثني عبدة بن أبي لبابة أن ابن مسعود به.
وهذا إسناد منقطع فيه راوي لم يسم.
وذكره ابن القيم في «إعلام الموقعين» (ج3 ص461).
قال العلامة الشاطبي $ في «الموافقات» (ج4 ص63): (الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها، وإن كثر الخلاف؛ كما أنها في أصولها كذلك ولا يصلح فيها غير ذلك... قال تعالى: ]وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون[ [الأنعام: 153]. فبين أن طريق الحق واحد، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها). اهـ
قلت: فمن رد الحق مرج عليه أمره، واختلط عليه، والتبس عليه وجه الصواب فلم يدر أين يذهب، كما قال تعالى: ]بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج[ [ق:5].
وعن العرباض بن سارية ﭬ عن النبي ﷺ قال: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي). ([86])
قال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج2 ص223): (أنه ﷺ قال في نفس هذا الحديث: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا» وهذا ذم للمختلفين، وتحذير من سلوك سبيلهم، وإنما كثر الاختلاف وتفاقم أمره بسبب التقليد وأهله، وهم الذين فرقوا الدين وصيروا أهله شيعا، كل فرقة تنصر متبوعها، وتدعو إليه، وتذم من خالفها، ولا يرون العمل بقولهم حتى كأنهم ملة أخرى سواهم.
هذا والنبي واحد والقرآن واحد والدين واحد والرب واحد؛ فالواجب على الجميع أن ينقادوا إلى كلمة سواء بينهم كلهم، وأن لا يطيعوا إلا الرسول، ولا يجعلوا معه من يكون أقواله كنصوصه، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله؛ فلو اتفقت كلمتهم على ذلك وانقاد كل واحد منهم لمن دعاه إلى الله ورسوله، وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة لقل الاختلاف). اهـ
المسألة العاشرة: ويحرم على المسلم أن يقلد عند اختلاف الفتوى، وليس له أيضا اتباع هواه، ولا الأخذ بالاستحسان، بل يجب عليه الاجتهاد في طلب الدليل على قدر استطاعته، لأن أحد القولين خطأ، ولأن الحق واحد، وقد تعارضت عليه الفتوى، فيلزمه الأخذ بأرجحهما بالدليل([87])، وقد أجمع الصحابة ڤ، والتابعون عن النهي عن التقليد في الأحكام، وكذلك أجمع العلماء من أهل الحديث المتقدمين على ذلك، وهو قول جمهور العلماء من المتأخرين. ([88])
قلت: فيجب الاجتهاد في طلب الدليل، وإبطال التقليد.
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص47): (ينبغي أن لا يقتصر في فتواه على قوله: في المسألة خلاف، أو قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو يرجع إلى رأي القاضي، ونحو ذلك.
فهذا ليس بجواب، ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به، فينبغي أن يجزم له بما هو الراجح، فإن لم يعرفه توقف حتى يظهر أو يترك الإفتاء). اهـ
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص47): (يلزم المفتي أن يبين الجواب بيانا يزيل الإشكال). اهـ
وقال الإمام النووي $ في «المجموع» (ج1 ص54): (إذا لم يكن عارفا بأهليته، فلا يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم، وانتصب للتدريس والإقراء، وغير ذلك من مناصب العلماء بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص249): (وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة تقليد فلان، أو فلان، فهذا لا يقوله مسلم!). اهـ
وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116): (وقد صح إجماع جميع الصحابة ڤ؛ أولهم عن آخرهم وإجماع جميع التابعين؛ أولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من أن يقصد منهم أحد إلى قول إنسان منهم، أو ممن قبلهم فيأخذه كله). اهـ
قلت: فثبت الإجماع من السلف على النهي عن التقليد لما ثبت في الكتاب والسنة والآثار التمسك بالفتاوى الصحيحة عند الاختلاف، والتنازع في الأصول والفروع.
قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116)؛ عن الذي يأخذ بآراء الرجال: (أنه قد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها؛ واتبع غير سبيل المؤمنين، نعوذ بالله من هذه المنزلة). ([89]) اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص420): (لا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهد، ولا للعوام عند الجمهور؛ لقوله تعالي: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [[الإسراء: 36]، ولعظم الخطر في الخطأ). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص405): (مذهب مالك، وجمهور العلماء وجوب الاجتهاد، وإبطال التقليد). اهـ
قلت: وبناء على ذلك يجب على جميع المكلفين البحث، والنظر، والاستدلال.
وانعقد الإجماع على وجوب العلم بالله تعالى، ومعرفته، وتوحيده. ([90])
والعلم لا يحصل بالتقليد؛ لأن العلم هو التصديق الجازم المطابق الذي لا يقبل الشك، وهذا لا يحصل بالتقليد.
قال تعالى: ]وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون [[العنكبوت: 12].
قلت: فأمروهم أن يقلدوهم في سبيلهم الباطل مع حمل الخطايا، فرد الله تعالى عليهم قولهم، وكذبهم في ذلك، فدل ذلك على أنه لا يصح التقليد، وأنه مذموم في الدين. ([91])
قال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص144): (ولا يجوز التقليد في أصول الدين لمجتهد ولا للعوام عند الجمهور لقوله تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم [[الإسراء: 36]، ولعظم الخطر في الخطأ). اهـ
قلت: فيحرم التقليد في أصول الدين؛ مثل: أركان الإسلام ونحوها.
وقد أجمعت الأمة على عدم إشاعة التقليد فيها، ولأنها ثبتت تواترا، ونقلته الأمة من خلفها عن سلفها، فمعرفة العامي لها مثل معرفة العالم في الأصل، فالناس متساوون في طرق علم ذلك. ([92])
قال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص132): (يعلم ضرورة من دين الرسول ﷺ كالصلوات الخمس، والزكوات، وصوم شهر رمضان، والحج، وتحريم الزنا، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك: فهذا لا يجوز التقليد فيه، لأن الناس كلهم يشتركون في إدراكه، والعلم به، فلا معنى للتقليد فيه). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص394) في الترجيح: (والأكثرون اتفقوا على التمسك به). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص406): (وأما التقليد في الفروع، فحجة الجمهور؛ قوله تعالي: ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [[التوبة: 122]. اهـ
قلت: فلا يجوز التقليد في الفروع؛ ما دام يتبين بسهولة صحة الحكم بدليله.([93])
وقال الإمام القرافي $ في «شرح تنقيح الفصول» (ص405): (وقد استثنى مالك $ أربع عشرة صورة؛ لأجل الضرورة؛ الأولى: قال ابن القصار: قال مالك يجب على العوام تقليد المجتهدين في الأحكام). اهـ
وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص867): (وبهذا تعلم: أن المنع من التقليد إن لم يكن إجماعا؛ فهو مذهب الجمهور). اهـ
وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص867): (هذه من حكاية الإجماع على عدم جواز تقليد الأموات... وكذلك ما سيأتي من أن عمل المجتهد برأيه إنما هو رخصة له عند عدم الدليل، ولا يجوز لغيره أن يعمل به بالإجماع.
فهذان الإجماعان يجتثان التقليد من أصله، فالعجب من كثير من أهل الأصول حيث لم يحكوا هذا القول، إلا عن بعض المعتزلة!). اهـ
وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868)؛ عن السلف في القرون الأولى: (فإنه لا تقليد فيهم ألبتة، ولا عرفوا التقليد، ولا سمعوا به). اهـ
وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص870): (ومن لم يسعه ما وسع أهل هذه القرون الثلاثة، الذين هم خير قرون هذه الأمة على الإطلاق، فلا وسع الله عليه.
وقد ذم الله تعالى المقلدين في كتابه العزيز في كثير من الآيات فقال تعالى: ]إنا وجدنا آباءنا [[الزخرف: 23]، وقال تعالى: ]اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[ [التوبة: 31]، وقال تعالى: ]إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا[ [الأحزاب: 67].اهـ
وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص119): (وإنما افترض الله تعالى علينا اتباع رسوله محمد ﷺ فمن اتبعه وأقر به مصدقا بقلبه، ولسانه فقد وفق، وهو مؤمن حقا). اهـ
وقال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص114): (والتقليد حرام ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان). اهـ
قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[ [النساء: 82].
وقال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء: 115].
وقال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا[ [النجم: 28].
وقال تعالى: ]من يطع الرسول فقد أطاع الله[ [النساء: 80].
وقال تعالى: ]وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[ [الحشر: 7].
وقال تعالى: ]وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك[ [المائدة: 49].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا[ [النساء: 59].
قال الإمام ابن حزم $ في «النبذ» (ص116): (فلم يبح الله تعالى الرد إلى أحد عند التنازع دون القرآن وسنة نبيه ﷺ). اهـ
وقال تعالى: ]واتقوا الله ويعلمكم الله[ [البقرة: 282].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله[ [الحجرات: 1].
وقال تعالى: ]ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه[ [الطلاق: 1].
وقال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].
وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون[ [الأعراف: 3].
وقال تعالى: ]فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب[ [الزمر: 17 و18].
قلت: فعلى القول بتحريم التقليد، فالمقلد آثم لتركه النظر في الدليل من عالم من أهل السنة والجماعة، واعتماده على التقليد الأعمى.([94])
والله تعالى نهى المسلم عن اتباع ما ليس له به علم، ومنه التقليد الأعمى.
قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم[ [الأسراء:36].
وقال تعالى: ]وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون[ [الأعراف:33].
فالآية دلت على تحريم القول على الله بلا علم، والتقليد قول على الله بلا علم فيكون محرما.
قلت: وعلى هذا فالحرج موجود فيمن يقلد بدون نظر من يخطئ ويصيب، فيترتب عليه ضياع الأمور وفسادها، بخلاف النظر، والاستدلال، فيكون به صلاح الأمور واستقامتها. ([95])
قال الإمام الشافعي $ في «الرسالة» (ص505): (أما الكتاب والسنة فيدلان على ذلك، لأنه إذا أمر النبي ﷺ بالاجتهاد، فالاجتهاد أبدا لا يكون إلا على طلب شيء، وطلب الشيء لا يكون إلا بدلائل). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص142): (والمنقول عن مالك $ أن المصيب واحد([96])، واختاره الإمام فخر الدين الرازي). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص43): (وهو قول عامة السلف، والفقهاء: أن حكم الله تعالى واحد). اهـ
وقال الإمام القرافي $ في «الذخيرة» (ج1 ص141)؛ عن تصويب المجتهدين في أصول الدين ([97]): (اتفق سائر العلماء على فساده). اهـ
وقال الإمام الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص539): (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام). اهـ
وقال الحافظ الخطيب $ في «الفقيه والمتفقه» (ج2 ص128)؛ عن التقليد في أصول الدين: (فلا يجوز فيه التقليد). اهـ
وقال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868)؛ عن السلف في القرون الثلاثة الأولى: (فإنه لا تقليد فيهم ألبتة، ولا عرفوا التقليد، ولا سمعوا به.
بل كان المقصر منهم: يسأل العالم عن المسألة التي تعرض له فيفتيه بالنصوص التي يعرفها من الكتاب والسنة، وهذا ليس من التقليد في شيء، بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة، والسؤال عن الحجة الشرعية).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج20 ص251): (وليس لأحد أن يعارض الحديث عن النبي ﷺ بقول أحد من الناس). اهـ
وقال العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله $ في «تيسير العزيز الحميد» (ص546): (وكلام أحمد في ذمه التقليد، وإنكار تأليف كتب الرأي كثير مشهور). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص262): (والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنا من كان المخالف لذلك). اهـ
المسألة الحادية عشرة: إذا عرف المقلد نصا، ودليلا شرعيا يخالف المجتهد الذي قلده، راجعه فيه؛ فإن ظهر الدليل للمجتهد، ترك المقلد قول المجتهد الذي قلده، ولزمه أن يتمسك بالدليل والنص في الدين.([98])
وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [[الأعراف: 3].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «رفع الملام» (ص43): (وهو قول عامة السلف، والفقهاء: أن حكم الله واحد). اهـ
وقال الإمام النووي $ في «روضة الطالبين» (ج11 ص150): (إن تبين أنه خالف قطعيا؛ كنص كتاب، أو سنة متواترة، أو إجماع، أو ظنا محكما بخبر الواحد، أو بالقياس الجلي، فيلزمه نقض حكمه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص273): (وقد يراد بالشرع قول: أئمة الفقه، كأبي حنيفة، والثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وغيرهم؛ فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالاختلاف شر؛ والله تعالى يقول: ]ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك [[هود: 118-119]، والأدلة الشرعية من القرآن والسنة لا تكاد تحصى في النهي عن الاختلاف.
لذلك يجب جمع الأمة على قول واحد، وهو القول الراجح بدلا من تشتيت الأمة، وتفريقها إلى مذاهب متفرقة في الدين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج7 ص71): (ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه). اهـ
قال الإمام القرافي $ في «الفروق» (ج2 ص109): (تنبيه: كل شيء أفتى فيه المجتهد، فخرجت فتياه فيه على خلاف الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح، لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس، ولا يفتي به في دين الله تعالى.
فإن هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه، وما لا نقره شرعا؛ بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا؛ إذا لم يتأكد، وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا، والفتيا بغير شرع حرام، فالفتيا بهذا الحكم حرام). اهـ
قال الإمام أحمد $: (من قلد الخبر، رجوت له أن يسلم إن شاء الله).([99])
قلت: ومراد الإمام أحمد $ بذلك الالتزام بالنص، والتقيد به، وعدم الخروج عنه إلى رأي فلان، وعلان.([100])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفرقان» (ص273): (وقد يراد بالشرع قول: أئمة الفقه، كأبي حنيفة، والثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وداود، وغيرهم، فهؤلاء أقوالهم يحتج لها بالكتاب والسنة). اهـ
وقال الفقيه الرازي $ في «المحصول» (ج2 ص539): (لا يجوز التقليد في أصول الدين، لا للمجتهد، ولا للعوام... لنا: أن تحصيل العلم في أصول الدين واجب على الرسول ﷺ؛ فوجب أن يجب علينا، وإنما قلنا: أنه كان واجبا على الرسول ﷺ: لقوله تعالى: ]فاعلم أنه لا إله إلا الله [[محمد: 19]. وإنما قلنا: إنه لما كان واجبا على الرسول ﷺ وجب أيضا على أمته؛ لقوله تعالى: ]واتبعوه [[الأعراف: 158]. اهـ
المسألة الثانية عشرة: التمذهب هذا لم يلزم في عصر أوائل الأمة، وهم: الصحابة([101]) ﭫ، فلا يلزمنا.
قلت: ولو جاز هذا التمذهب لسوف يتبع العبد أي: مذهب شاء بما يناسب هواه([102])، وهذا يؤدي إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه([103])، ومتخيرا بين التحريم والتحليل ما يوافق هواه؛ كما يفعل المقلدة في هذا الزمان في البلدان الإسلامية([104]).
قال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص94): (والحق أن الرسول ﷺ ما ألزم الناس أن يلتزموا بمذهب واحد من الأئمة بعينه، وإنما أوجب أتباعه ﷺ، فمن خالف سنة رسول الله ﷺ بعد ثبوتها كان خلافه مردودا عليه، ولم يكن معذورا قط). اهـ
وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص86): (فالتقليد المذهبي صار داء عضالا، وبلاء عظيما، عم هذا البلاء العالم، ولا نجد من يؤثر ما صح من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ على ما في كتبهم، وأقوال مشايخهم؛ إلا أفرادا قليلين). اهـ
وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص49): (فإن كان الأمر هكذا، فالحذر كل الحذر من التقليد الجامد، لأنه لا شك أن من يقلد مذهبا واحدا بعينه في كل مسألة ربما يترك العمل بكثير من الأحاديث الصحاح ويخالفها، ولا شك أنه ليس هذا إلا ضلال، فلهذا قد صرح كثير من المحققين من الحنفية وغيرهم: أنه لا يلزم تقليد مذهب بعينه). اهـ
قال الإمام ابن النجار $ في «مختصر التحرير» (ص716): (ولا يلزمه - يعني: العامي - التمذهب بمذهب يأخذ برخصه وعزائمه، ولا أن لا ينتقل من مذهب عمل به فيتخير، ويحرم عليه تتبع الرخص ويفسق به). اهـ
قلت: إن التمذهب قاد الأمة إلى التعصب في مراحل التاريخ حتى وصل الحال بهم إلى أن يكفر بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، ويترك بعضهم الصلاة خلف بعض، وهكذا، مما أدى إلى تسلط الأعداء على الأمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج22 ص254): (من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها حتى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أبي حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعي وغيره حتى يخرج عن الدين، والمنتسب إلى أحمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وفي المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا، وكل هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه، وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب، وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه؛ فإن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع). اهـ
قلت: ووجد من المتمذهبين من يتعصبون لمذاهبهم حتى بلغ الحال ببعضهم إلى حد التكفير، والاقتتال، والحق وسط بين الغالي، والجافي. ([105])
ففرقوا الأمة، وجعلوها شذر مذر: ]من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم: 32].
قال العلامة الشوكاني $ في «أدب الطلب» (ص85) عن المقلدة: (فضموا إلى شنعة التقليد شنعة أخرى هي أشنع منها، وإلى بدعة التعصب بدعة أخرى هي أفضع منها). اهـ
قلت: والمقلد المتعصب يكون على جهالة، أو باطل، فإذا جاءه صاحب السنة وبين له الحجة، فتراه أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص، وإن ذلك المسلم هو الذي هداه، فلا يعترف بخطئه.
ولهذا ترى من المتعصبين من المنتسبين إلى العلم من يشق عليه الاعتراف بخطئه إذا تبين له الحق من غيره، ويشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له.
بل إذا كان غيره هو الذي بين الحق، فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافا لذلك المبين بالعلم، والفضل، والإصابة، فيعظم ذلك في عيون الناس، ولعله يتبعه كثير منهم. ([106])([107])
وإنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من المتعصبة من يحرص على تخطئة غيره، وهو على خطأ.
قلت: ويصل بالحاقد المتعصب في عدم رجوعه إلى الحق، ونظره إلى اتباعه، بأن يفر من صاحب الحق ويقول لأتباعه الذين تركوه، وأن يقول: مثل ما حكى الله تعالى عن فرعون: ]قال آمنتم له قبل أن آذن لكم [[طه: 71].
قلت: بل قد يقول لهم: أنه سيلبس عليكم دينكم، ويلقي في قلوبكم الشبهات: ]إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [[غافر: 26]؛ ولكن: ]والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون [[يوسف: 21].
قلت: وكم يزعم المقلدة المتعصبة على أنهم يأخذون بالحق، ويتركون آراء الرجال... لكن ذلك إن صح نظريا.
أما عند التطبيق؛ فتأخذهم العزة بالإثم، ويتبعون أهواءهم الظاهرة والخفية؛ نسأل الله العافية.
وقد يكون الحق في صف القليل لا الكثير، أو الضعيف لا القوي، أو الفقير لا الغني.
إذا فالحق لا يعرف كثرة ولا قلة، ولا شهرة ولا خفاء، ولا صغرا ولا كبرا، ولا ضعفا ولا قوة، ولا غنى ولا فقرا؛ إن الحق لا يعرف إلا بالحجة والبرهان، فلا يعرف في مذاهب شتى.
قلت: وقد يكون الحق في صف الصغير لا الكبير، فلابد هنا أن نترك التعصب ونقف مع الصغير، ونصره على الكبير، ولا يكون ذلك إلا بترك التقليد والتعصب للكبير كائنا من كان.([108])
ولا يكون المسلم عالما حتى يسمع ممن هو أسن منه، ومن هو مثله، ومن هو دونه في السن([109])، هذه طريقة علماء الأثر.
قال الإمام ابن مفلح $ في «الآداب الشرعية» (ج2 ص110)؛ فصل: في أخذ العلم عن أهله وإن كانوا صغار السن.
وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين $ في «شرح نظم الورقات» (ج2 ص51): (فالحاصل: أنه إذا استفتاك شخص مقلد، وقال: ما هو مذهب فلان في كذا؟.
وأنت تعرف أن الصواب في خلافه، فإنه لا يجوز أن تفتيه؛ لأنك إذا أفتيته فقد أفتيته أن يخالف الحق، الذي تعلم أو يغلب على ظنك أنه الحق). اهـ
وقال الحافظ الذهبي $ في «السير» (ج8 ص94): (ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه التزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل، ولاح له الدليل، وقامت عليه الحجة، فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لا بالتشهي). اهـ
وقال الإمام ابن القيم $ في «إعلام الموقعين» (ج4 ص262): (هل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة، أم لا؟، لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به؛ إذ لا واجب؛ إلا ما أوجبه الله تعالى، ورسوله ﷺ ، ولم يوجب الله تعالى، ولا رسوله ﷺ على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة، مبرأ أهلها من هذه النسبة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية $ في «الفتاوى» (ج19 ص69): (من نصب إماما: فأوجب طاعته مطلقا اعتقادا أو حالا، فقد ضل في ذلك؛ كأئمة الضلال الرافضة الإمامية، حيث جعلوا في كل وقت إماما معصوما تجب طاعته، فإنه لا معصوم بعد الرسول ﷺ، ولا تجب طاعة أحد بعده في كل شيء). اهـ
وسئل العلامة الشيخ صالح بن علي بن غصون $: ما حكم الشرع في الاختلاف بين المذاهب الأربعة، والعمل بها وما أفضل المذاهب؟
فأجاب فضيلته: (المذاهب الأربعة كلها والحمد لله مذاهب خير وعلم وهدى، والأئمة الأربعة هم أعلام علماء، اشتهروا بما وهبهم الله من العلم، وبما أعطوا من الفضل، والزهد والتقوى، وما لهم من المكانة في صدر هذه الأمة، ومن أجل ذلك صار لكل واحد منهم أتباع يأخذون عنه ويكتبون، ويدونون كتبا على مذهبه، وما من واحد من الأئمة الأربعة يرى أن قوله واجب الاتباع، أو أنه أولى بالصواب من غيره، بل كل منهم يرى أنه مجتهد، وأنه معرض للخطأ والصواب، وكلهم يعتقدون أن المخطئ له أجر الاجتهاد، أجر واحد وهو عن اجتهاده، وأن له أجرين حال الإصابة: أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ولا أحد منهم يعتقد أن متابعة هؤلاء الأئمة واجبة وفرض، وأنما هذا لا يكون إلا للنبي ﷺ، فهو وحده متابعته وطاعته واجبة، ولا يسوغ لأحد أن يلتمس غير طريق محمد بن عبد الله ﷺ.
وأئمتنا وأسلافنا رحمهم الله، ما أحد منهم قال: إن هذا المذهب أرجح كفة من المذهب الثاني، فالمذاهب كلها بنيت على اجتهاد، وعلى بذل جهود جبارة في تحري العلم المتلقى من كتاب الله، ومن سنة رسول الله ﷺ، وليس أحد ملزما بأن يتبع مذهبا بعينه، بل الإنسان مخير إن أراد أن يتفقه على أحد المذاهب الأربعة، فهو طيب يتفقه على واحد منها، وإن كان لديه قدرة أن يتفقه خارج المذاهب الأربعة، فليس هناك أحد يمنعه، لكن بشرط أن يكون عنده من المؤهلات والقدرة ما يجعله قادرا على أن يأخذ الأحكام من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، ويختار الذي يراه أنه الأرجح.
والذي عليه أهل التحقيق، وأهل الاعتدال من العلماء هو أنهم يبحثون فإذا رأوا القول الذي هو أقرب للدليل من الكتاب أو من السنة أخذوا به، سواء كان هذا القول في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، أو في مذهب الإمام الشافعي، أو في مذهب الإمام مالك، أو في مذهب الإمام أبي حنيفة، لا فرق بين إمام وإمام، ولا فرق بين مذهب ومذهب، والأئمة رحمهم الله كلهم ثابت عنهم أنه كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي ﷺ، فقد قال الإمام مالك: «كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب القبر»، يعني النبي ﷺ، وقال الإمام الشافعي: «إذا صح الحديث فهو مذهبي»، وقال الإمام أبو حنيفة: «ما جاء عن النبي ﷺ فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وما جاء عمن بعدهم فهم رجال ونحن رجال». ([110]) اهـ
وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص38): (وأما المذاهب فهي آراء أهل العلم وأفهامهم في بعض المسائل واجتهاداتهم، وهذه الآراء، والاجتهادات، والفهوم لم يوجب الله تعالى، ولا رسوله ﷺ على أحد اتباعها، فإن فيها الصواب والخطإ، ولا صواب خالصا إلا ما ثبت عن رسول الله ﷺ، وكثيرا ما ذهب الأئمة إلى مسألة، فبان لهم الحق في غيرها فرجعوا عنها!!).([111]) اهـ
وقال العلامة المعصومي $ في «هدية السلطان» (ص38): (وأما اتباع مذهب من هذه المذاهب الأربعة أو غيرها، فليس بواجب ولا مندوب، وليس على المسلم أن يلتزم واحدا منها بعينه، بل من التزم واحدا منها بعينه في كل مسألة فهو متعصب مخطئ مقلد تقليدا أعمى، وهو ممن فرقوا دينهم وصاروا شيعا، وقد نهى الله تعالى عن التفرق في الدين؛ فقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء [[الأنعام: 159]. وقال تعالى: ]ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم: 31 -32].
فدين الإسلام دين واحد، لا مذاهب فيه ولا طرق يجب اتباعها إلا طريق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، قال الله تعالى: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [[يوسف: 108] وهذه المذاهب قد كثر فيها التنازع من المقلدين لها بغير علم! وقد قال الله تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين[ [الأنفال: 46]. وقال جل جلاله آمرا بالاتحاد والاعتصام بكتابه: ]واعتصموا بحبل الله جميعاولا تفرقوا [[آل عمران: 103]. اهـ
المسألة الثالثة عشرة:
أركان التقليد:
أركان التقليد فيما ظهر لي ثلاثة:
(1) مقلد: بكسر اللام، وهو اسم فاعل من التقليد، وهو المكلف الذي يلتزم قول غيره، أو مذهبه ممن ليس مذهبه حجة في ذاته.
(2) مقلد: بفتح اللام، وهو اسم مفعول، وهو من يلتزم مذهبه الذي ليس حجة في ذاته.
(3) مقلد فيه: وهو العلم الذي حصل التقليد، والالتزام فيه. ([112])
* حكم التقليد:
الشريعة المطهرة؛ شريعة ربانية: وهي شاملة كاملة، لم تترك قضية، ولا مشكلة في الحياة؛ إلا وعالجتها، ولا جانبا؛ إلا وأحاطت به.
والتقليد قضية من القضايا التي تواجه الشعوب... والتقليد: هو مرض يفتك بالشعوب، ويهدم كيانها إذا لم يعالج بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله ﷺ، وبآثار الصحابة ﭫ.
ومن ناحية الحكم الشرعي للتقليد: فهو يختلف باختلاف نوعه، وكيفيته، ومدى خطورته وأثره، كما يختلف باختلاف المقلد والمقلد، والعلاقة الشرعية بينهما، واعتقاد المقلد في تقليده للمبتدعة والكفرة:
(1) فيكون التقليد كفرا إذا كان في العقائد؛ لأصول الإسلام، أو الأحكام القطعية في الشريعة، كالتقليد لعقائد المبتدعة، والكفرة في عقائدهم الباطلة.
(2) ويكون التقليد فسقا؛ حين يكون في الأخلاق الفاسدة، وارتكاب المعاصي؛ كشرب المسكرات ونحوه.
(3) ويكون التقليد مباحا، كالتقليد في الإنتاج المادي، والأمور العسكرية وغير ذلك.
(4) ويكون التقليد واجبا؛ كالتقليد للصحابة الكرام في الأصول والفروع.
(5) ويكون التقليد ضرورة؛ كالتقليد لعلماء السنة في الدين.
ﭑ ﭑ ﭑ
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
2 |
2) |
تأصيل المسائل والقواعد في التقليد.................................................... |
4 |
3) |
المسألة الأولى......................................................................................... |
4 |
4) |
المسألة الثانية .......................................................................................... |
19 |
5) |
المسألة الثالثة........................................................................................... |
21 |
6) |
المسألة الرابعة......................................................................................... |
32 |
7) |
المسألة الخامسة...................................................................................... |
35 |
8) |
المسألة السادسة...................................................................................... |
36 |
9) |
المسألة السابعة........................................................................................ |
49 |
10) |
المسألة الثامنة.......................................................................................... |
51 |
11) |
المسألة التاسعة........................................................................................ |
53 |
12) |
المسألة العاشرة....................................................................................... |
58 |
13) |
المسألة الحادية عشرة............................................................................. |
68 |
14) |
المسألة الثانية عشرة................................................................................ |
70 |
15) |
المسألة الثالثة عشرة................................................................................ |
79 |
([1]) وانظر: «روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص390)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص271)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص382)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج4 ص403)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص403 و405)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج6 ص201)، و«نهاية السول» للإسنوي (ج3 ص265)، و«جمع الجوامع» للسبكي (ج2 ص384)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص13)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص102 و103)، و«الحاشية على الروض المربع» لابن قاسم (ج7 ص593)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص208)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص280)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص177)، و«المحصول» للرازي (ج6 ص24).
([2]) وانظر: «أضواء البيان» للشنقيطي (ج3 ص274 و275)، و«البحر المحيط» لأبي حيان (ج5 ص630 و631)، و«الجدول في إعراب القرآن» لصافي (ج14 ص271 و272)، و«التبيان في إعراب القرآن» لأبي البقاء العكبري (ج2 ص796 و797)، و«الشافي الوجيز في إعراب كتاب الله العزيز» للسنجاري (ص335).
أخرجه آدم بن أبي إياس في «العلم» (156)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (ج5 ص97)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج58 ص438).
وإسناده صحيح.
([8]) وذهب إلى تقليد الصحابي: الإمام الشافعي وغيره.
وانظر: «المحصول» للرازي (ج2 ص564)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1133)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج3 ص329)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص130 و131).
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (177)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص326).
وإسناده صحيح.
أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (179)، والطبري في «جامع البيان» (ج3 ص326).
وإسناده صحيح.
([12]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج5 ص94)، و«المسند» للدارمي (ج1 ص72)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص14).
([13]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج2 ص693)، و«هدي الساري» لابن حجر (ص434)، و«تقريب التهذيب» له (ص515).
([14]) فعلي بن أبي طلحة يروي عن ابن عباس من كتاب، وهو كتاب صحيح، إلا ما خالف فيه الحفاظ الثقات، وقد روى عن ابن عباس بطريق الوجادة، وقد أجاز العلماء العمل بذلك اعتمادا على ما يوثق به؛ مثل: الإمام الشافعي وغيره.
([15]) وانظر: «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (ص14)، و«صحيفة علي بن أبي طلحة» (ص24 و25 و26)، و«الجامع الصحيح» من كتاب «التفسير» للبخاري (ج6 ص20)، و«الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي (ج2 ص188)، و«ميزان الاعتدال» للذهبي (ج3 ص134)، و«علوم الحديث» لابن الصلاح (ص294).
([17]) والله تعالى أمر العامي وغيره بسؤال أهل العلم عما حكم الله تعالى به في أي حكم في الأصول والفروع.
قال تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [النحل: 43].
فأمر الله تعالى في هذه الآية سؤال العالم الرباني، ولم يأمر بسؤال أي أحد، فأفهم لهذا ترشد.
([18]) قلت: فالتقليد هنا ليس معناه تقديم آراء الرجال على الوحي المنزل من الله تعالى. فأنتبه.
فالتقليد المذموم: هو قبول قول الرجل بلا حجة في الدين.
قال العلامة الشوكاني $ في «إرشاد الفحول» (ص868): (التقليد إنما هو العمل بالرأي، لا بالرواية). اهـ
([20]) انظر: «المستصفى» للغزالي (ج2 ص384)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص402)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص401)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص418)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج20 ص204 و212)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص275)، و«الطرق الحكمية» له (ص174 و175)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص353)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص473)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص24)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص533)، و«بيان المختصر» للأصفهاني (ج3 ص291)، و«فتح المجيد في أحكام التقليد» للخزرجي (ص63)، و«روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص103)، و«إرشاد النقاد» للصنعاني (ص142)، و«إرشاد المقلدين عند اختلاف المجتهدين» للشنقيطي (ص174).
([25]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (3274)، وابن الفرات في «حديثه» (ق/43/ط)، وابن قراجا في «معجم الشيوخ» (ص268)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص159)، والترمذي في «سننه» (2669)، وأبو خيثمة في «العلم» (45)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج13 ص157).
([26]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (ج3 ص523)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص450)، والترمذي في «سننه» (ج4 ص504)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص3).
([27]) وانظر: «السنن» للترمذي (ج4 ص485)، و«ذم الكلام» للهروي (ج3 ص292)، و«شرف أصحاب الحديث» للخطيب (ص30 و57 و61)، و«الدينار» للذهبي (ص63)، و«معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص3)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج13 ص306)، و«الحجة» للأصفهاني (ج1 ص246)، و«الصحيحة» للشيخ الألباني (ج1 ص543).
([29]) وانظر: «الذخيرة» للقرافي (ج1 ص144)، و«الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى» لأبي الخير الطيب (ص164).
([33]) وهذا في الجملة يسمي: تقليدا، وإلا فهو الاتباع، فتنبه.
فنحن لسنا مقلدين، بل متبعون على حسب الاجتهاد الوسط، وهذه مرتبة وسطية بين الاجتهاد المطلق، والتقليد المذموم، وهذه المرتبة يستطيع عليها أكثر الخلق، فعليهم أن يطلبوا العلم لنيل هذه المرتبة في الدين، ليعرفوا أحكام الأصول والفروع، فلا عذر لجاهل على وجه الأرض في هذا الزمان بما بينا.
وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص121)، و«الدرر السنية» (ج1 ص57).
([34]) وانظر: «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (ج3 ص339)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص624)، و«البحر المحيط» للزركشي (ج8 ص236 و340)، و«الفتاوى الكبرى» لابن حجر الهيتمي (ج4 ص302).
([36]) فلا يدري هذا المسكين أن الله تعالى هيأ لكل زمان رجاله في العلم؛ فهم: يقومون بهذا الدين على حسب اجتهادهم في كل زمان.
([37]) والمشكلة: ظن المقلدة بأن أئمة المذاهب الأربعة هم واضعوها.
والواقع: أن الإمام أبا حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد؛ هم متبعون للكتاب والسنة والآثار.
ولم يضعوا لهم هذه المذاهب، بل ما فعله هؤلاء الأئمة، إلا هو تحرير لقواعدهم، ولأصولهم التي تخيروها على وفق ما فهموه من الكتاب والسنة والآثار، فأفهم لهذا.
([38]) قلت: أما من ليس كذلك، كالمقلد، أو المتعالم، فهو موزور غير مأجور، ولو أصاب الحكم.
وانظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (ج12 ص13)، و«المحلى بالآثار» لابن حزم (ج2 ص149).
([41]) قلت: والناس في هذا الزمان؛ ممن لم يتفقهوا على أهل الحديث، فهم غاية ما عندهم إلا الثقافة الجامعية، يأخذون من هنا وهناك، والله المستعان.
([43]) انظر: «روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص111)، و«الفتاوى» له (ص167)، و«المسودة» آل تيمية (ص537)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (ج2 ص91 و92)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص588)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص282)، و«الفتاوى الكبرى» للهيتمي (ج4 ص324)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص31)، و«الصحاح» للجوهري (ج3 ص1041)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص272)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج6 ص307)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص285).
([45]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص352)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص63)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص403)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«المسودة» آل تيمية (ص555)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص545)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص545)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص156)، و«معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (ج4 ص502)، و«المنهل الروي» لابن جماعة (ص261)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص261).
([47]) انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«المدخل لمذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«الذخيرة» للقرافي (ج1 ص140)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص402)، و«التقليد» للشثري (ص129).
([48]) مثل: «القرضاوي»، و«عبد الرحمن بن عبد الخالق»، و«سفر الحوالي»، و«سلمان العودة»، و«عدنان عرعور»، و«علوي السقاف»، و«ربيع المدخلي»، و«عبيد الجابري»، و«صالح السحيمي»، و«سليمان الرحيلي»، و«إبراهيم الرحيلي»، و«محمد العريفي»، و«ناصر العمر»، و«عبد المجيد الزنداني»، و«عائض القرني» وغيرهم من أهل الجهل المركب.
قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في «البيان» (ص12): (الذين يعملون بلا علم؛ هؤلاء أهل الضلال). اهـ
([49]) قلت: ولا شك أن فتنة هؤلاء فتنة لكل مفتون.
فإن الناس يتشبهون بهؤلاء لما يظنون أنهم من العلماء في الدين والعلم؛ فهم حجة لكل مفتون.
أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج1 ص666) من طريق أحمد بن زهير نا محمد بن المقاتل نا ابن المبارك به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
([54]) وانظر: «جامع البيان» للطبري (ج22 ص132)، و«جامع بيان العلم» لابن عبد البر (1195)، و«شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» لابن رجب (ص391).
([55]) قال الإمام ابن رجب $ في «سيرة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز» (ج2 ص481): (وأما المتأخرون: فقل فيهم من جمع بين العلمين الذي كان عليه علماء المسلمين). اهـ
([56]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5231)، ومسلم في «صحيحه» (2671)، والآجري في «فرض طلب العلم» (67)، والخطابي في «العزلة» (ص320).
قال الإمام ابن رجب $ في «شرح حديث أبي الدرداء: العلماء ورثة الأنبياء» (ص318): (ونحن إنما نقول إن العلماء بالله، والعلماء بأمره أفضل من العباد، ولو كان العباد من العلماء بالله). اهـ
أخرجه البيهقي في «المدخل إلى علم السنن» (1650)، وفي «شعب الإيمان» (ج3 ص315)، والمزي في «تهذيب الكمال» (ج14 ص36) من طريق سفيان بن هارون البرجمي حدثنا محمد بن نشر قال: قال الشعبي به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وانظر: «الإكمال» لابن ماكولا (ج1 ص276).
أخرجه أبو داود في «سننه» (3573)، والترمذي في «سننه» (1322)، والنسائي في «سننه» (ج3 ص461)، وابن ماجه في «سننه» (2315) عن بريدة ﭬ.
([68]) قلت: فهذا اجتهد، فقال باجتهاد، وله من نشر العلم ما يغمر فيه خطأه في الدين.
وانظر: «رفع الملام» لابن تيمية (ص47).
([71]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج1 ص33)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص208)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص31)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج3 ص456)، وابن ماجة في «سننه» (ج1 ص20)، وأحمد في «المسند» (ج2 ص162).
([72]) وانظر: «روضة الناظر وجنة المناظر» لابن قدامة (ج2 ص384)، و«الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (ج4 ص311)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص544)، و«المجموع» للنووي (ج1 ص70)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص269)، و«أضواء البيان» للشنقيطي (ج7 ص542)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص403).
([75]) وهذه الطريق أقوى في إثبات العدالة من مجرد تزكية شخص، أو شخصين يجوز عليهما الخطأ في اجتهادهما.
([77]) من تزكيته: وذلك أن ينص عالم، أو اثنان من علماء السنة على أن فلانا ثقة، أو عدل، أو ما يقوم مقام هذا القول من العبارات، فتقبل هذه التزكية.
ولا تقبل تزكية المتمشيخة، ولا من الدكاتيرة، ولا من المقلدة، ولا من المتعالمة، ولا من المتمذهبة للشخص، ولا يلتفت لها، ولا يعتد بها في الدين.
كذلك تعرف العدالة: باختيار الأحوال، وتتبع الأقوال والأفعال التي تصدر من الشخص، ولم يبدل في الدين، ولم يحرف، ولم يغير في العلم والفتاوى.
والنظر إلى كتبه، وشروحه، ودروسه في العلم التي يحصل معها العلم، وأنه عالم من علماء أهل السنة والأثر من ناحية غلبة الظن بالعدالة.
([78]) وانظر: «التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص403)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص316)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج2 ص385)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص271)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص408)، و«المسودة» لآل تيمية (ص462)، و«المستصفى» للغزالي (ج2 ص390)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص390)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص527)، و«نهاية السول» للإسنوي (ص701 و702).
([79]) قلت: وجمهور العلماء على تقديم الأعلم، لأن الأعلم أقرب إلى إصابة الحق لقوته في العلم.
وإذا علم الأفضل منهم لزمه تقليده، وإن لم يعلمه يخير.
([81]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص279)، و«المسودة» لآل تيمية (ص522)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص70)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص385)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص515)، و«إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص499)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص527)، و«روضة الطالبين» للنووي (ج11 ص99)، و«المجموع» له (ج1 ص55)، و«فتح المجيد في أحكام التقليد» للخزرجي (ص65 و66)، و«مقدمة في أصول الفقه» لابن القصار (ص170).
([82]) والصحابة الكرام ما كانوا يفتون بالتقليد مبلغين به عن فلان، وفلان، بل كانوا مبلغين عن نبيهم ﷺ، فهم له: رواة لا مقلدون، ولا مقلدون، فأفهم لهذا.
([84]) قلت: وأما المتأخرون من مقلدي الأئمة يأخذون بفتوى إمامهم، ويتركون فتوى الصحابة، والتابعين، بل ويتركون فتوى: سفيان الثوري وابن المبارك، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وابن راهويه، وابن المديني، والبخاري، وحماد بن سلمة، وابن أبي ذئب، وغيرهم، اللهم غفرا.
أخرجه الترمذي في «سننه» (ج5 ص200)، وأبو داود في «سننه» (ج3 ص320) من حديث جندب ﭬ.
وإسناده ضعيف فيه سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف؛ كما في «التقريب» لابن حجر (ص421).
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200)، والترمذي في «سننه» (ج5 ص45) وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص18)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص16) بإسناد صحيح.
([87]) قلت: فالمسلم مطالب باتباع الكتاب والسنة، فمتى غلب على ظنه أن قول مفت هو حكم الله تعالى فوجب عليه العمل به.
([88]) وانظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (ج4 ص118)، و«عمدة القاري» للعيني (ج5 ص361)، و«نزهة الخاطر» لابن بدران (ج2 ص444)، و«إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول» للشوكاني (ص866)، و«القول المفيد في حكم التقليد» له (ص69)، و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص5 و6 و7)، و«النبذ في أصول الفقه» لابن حزم (ص114 و117)، و«المحلى بالآثار» له (ج2 ص149)، و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص68)، و«المسودة» آل تيمية (ص458)، و«شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص420)، و«سلم الوصول» للمطيعي (ص731).
([90]) وانظر: «الإحكام» للآمدي (ج4 ص300)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص51)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص537)، و«فواتح الرحموت» للأنصاري (ج2 ص401)، و«نهاية السول» للإسنوي (ص702 و703).
([91]) قلت: فالعوام يشاركون العلماء في معرفة الله تعالى، وطرق توحيده، لأنها أمور يدركها العبد بالأدلة، ويتفكر فيها بعقله، فيعلم بما يدركه من توحيد الله تعالى.
([92]) وانظر: «القول المفيد» للشوكاني (ص64)، و«إرشاد الفحول» له (ص266)، «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (ص430)، و«شرح السنة» للبغوي (ج1 ص289)، و«التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (ج4 ص398)، و«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد» لابن بدران (ص389)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص538)، و«صفة الفتوى» لابن حمدان (ص53).
([93]) وانظر: «إرشاد الفحول» للشوكاني (ص267)، و«القول المفيد» له (ص64)، و«الإحكام» لابن حزم (ج2 ص233).
([94]) وانظر: «شرح السنة» للبغوي (ج1 ص289)، و«إرشاد الفحول» للشوكاني (ص266)، و«التمهيد» لأبي الخطاب (ج4 ص396)، و«روضة الناظر» لابن قدامة (ج5 ص382)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج4 ص433)، و«المدخل» لابن بدران (ص389)، و«الإحكام» للآمدي (ج4 ص300)، و«المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص528 و532).
([95]) وتقليد المسلم للعالم ضرورة لا يحصل به فساد، ولا ضياع البتة، لأن ذلك تدعو إليه حاجته من الأحكام.
وهذا أيسر على النفوس، لأن ما جاء عن النبي ﷺ من العلم النافع أفضل للناس.
قال تعالى: ]ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ [القمر: 17].
ففهم الشريعة ميسور لمن أراده.
وانظر: «المحصول في علم أصول الفقه» للرازي (ج2 ص522)، و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» لابن تيمية (ص24 و25 و26).
([97]) فليس كل مجتهد بمصيب في الأصول والفروع، لذلك فيجب الرجوع إلى الدليل عند التنازع، ليتبين الراجح من المرجوح.
وانظر: و«الفقيه والمتفقه» للخطيب (ج2 ص121)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص714)، و«سلم الوصول» للمطيعي (ص731).
([98]) وانظر: «الفتاوى» لابن تيمية (ج7 ص71)، و(ج19 ص262)، و(ج20 ص225)، و«الاتباع» لابن أبي العز (ص23)، و«المسودة» آل تيمية (ص411)، و«العدة في أصول الفقه» لأبي يعلى (ج4 ص1217)، و«المسائل» للكرماني (ج3 ص978)، و«شرح نظم الورقات» لشيخنا ابن عثيمين (ص210 و211).
([101]) فيجب التسليم لفقهاء الصحابة الكرام، لأنه السلامة في الدين.
فإذا رغبت في معرفة فقه الصحابة ﭫ، فأطلب الفقه عند أهل الحديث، وهم يعلمونك فقه الصحابة ﭫ، فتكون بعد ذلك من الطلبة الفقهاء.
قال العلامة الشوكاني $ في «أدب الطلب» (ص182): (لا ينبغي لعالم أن يدين بغير ما دان به السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الوقوف على ما تقتضيه أدلة الكتاب والسنة). اهـ
([102]) وكم رأينا من المقلدة، وهم يتلقطون فتاوى أهل العلم بدون رواية، ولا دراية؛ ثم يزعمون أنهم يحكمون الأدلة، فإذا هي أقوال من سبقهم أخذوها بالتقليد!.
قال الحافظ الخطيب $ في «جامع لأخلاق الراوي» (ج2 ص174): (فإن العلم هو: الفهم والدراية، وليس بالإكثار، والتوسع في الرواية). اهـ
([103]) وإن عدنا للواقع والحقيقة، فكم يزعم اليوم ممن ينتسبون إلى العلم؛ الاجتهاد في الأحكام، ولم يجدوا أثره، ولا رسمه، وإن نظرت إلى ما يفتون به، فهم مقلدة متعصبة لأي مذهب من المذاهب المتحزبة.
قال تعالى: ]أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون[ [يونس: 35 و36].
لذلك لا تكونوا إمعة تقولون إن قلد الناس قلدنا، وإن تمسكوا تمسكنا، ولكن وطنوا أنفسكم على التمسك بالكتاب والسنة مطلقا، سواء قلد الناس أو تمسكوا.
([104]) انظر: «بدعة التعصب المذهبي» للعباسي (ص88)، و«إجابة السائل» للصنعاني (ص466)، و«أدب الطلب» للشوكاني (ص41 و85)، و«مختصر التحرير» لابن النجار (ص716)، و«أصول الفقه» للزحيلي (ج2 ص1126 و1137).