الرئيسية / سلسلة أصول الفقه الأثري / الأشجار الوردية في معرفة السنة التركية
الأشجار الوردية في معرفة السنة التركية
سلسلة
من شعار أهل الحديث
81 |
الأشجار الوردية
في
معرفة السنة التركية
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، سيدنا محمد البشير النذير، والسراج المنير، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وعلى آله وصحابته والتابعين.
أما بعد:
فهذا كتاب لطيف، نافع للأمة الإسلامية، فيه: دراسة، أثرية، أصولية، لقاعدة شرعية، وهي: عظيمة النفع في تطبيقها في واقع الحياة.
* وهي: السنة التركية، وهي: نوع من أنواع سنته r الفعلية.
* وهذه السنة التركية، هي المسلوكة في الدين، وهي التي كان عليها الرسول r، وخلفاؤه الراشدون، والصحابة y، وهي أصل في الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم، لما في مخالفتها من الوقوع في البدع المهلكة في الدنيا والآخرة.
فعن العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). ([1])
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ج2 ص121): (وفي أمره r: باتباع سنته، وسنة خلفائه الراشدين، بعد أمره بالسمع والطاعة: لولاة الأمر، عموما دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة، كاتباع سنته). اهـ.
* والترك لغة: ترك الشيء، تركا، وتركانا: طرحه، وخلاه، وفارقه. ([2])
قلت: وهذا الترك، داخل تحت التكليف، فهو معدود من الأفعال المكلف بها في الشرع.
* وهذا الترك التشريعي، وهو ما تركه الرسول r، بيانا للشرع.
وهذا القسم: من تركه r، هو المراد من السنة التركية.
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص290): (فإن تركه r: سنة، كما أن فعله سنة([3])، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا: ترك ما فعله، ولا فرق). اهـ.
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص365): (لأن ترك العمل به من النبي r في جميع عمره، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم؛ قد تقدم أنه نص في الترك، وإجماع من كل من ترك؛ لأن عمل الإجماع كنصه). اهـ.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص615): (فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا، محضا، أو راجحا: لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r، وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص.
* وإنما كمال محبته، وتعظيمه في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته، باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث له، والجهاد على ذلك، بالقلب، واليد، واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان). اهـ.
قلت: فلا بد من النظر فيما تركه النبي r من العبادات، وتركه صحابته الكرام من بعده r، والتابعون الأفاضل.
* وهذا القسم من تركه r، هو المراد من السنة التركية، فيجب ترك ما تركه r في الدين.
قال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج4 ص191): (لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، تكون في التروك). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «مناسك الحج والعمرة» (ص42): (ومن المقرر عند ذوي التحقيق، من أهل العلم: أن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله r، بقوله، ولم يتقرب هو بها، إلى الله تعالى بفعلها: فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية، فما تركه r من تلك العبادات، فمن السنة تركها). اهـ.
وقال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «قواطع الأدلة» (ج3 ص311): (إذا ترك النبي r شيئا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه). اهـ
وقال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج2 ص165): (وإذا نقل عن النبي r: أنه ترك كذا، كان أيضا من السنة الفعلية). اهـ.
* والسنة التركية: لها أثر في إبطال البدع التي يفعلها المبتدعة، بسبب استدلالهم بالعموميات في الدين!، فأحدثوا في الدين، من العبادات البدعية الكثيرة، وهي مردودة عليهم لا تقبل منهم في الشرع. ([4])
عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة ڤ قالت: قال رسول الله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). ([5])
وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). ([6])
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي / في «شرح العقيدة الطحاوية» (ص593): (وصاروا يبتدعون من الدلائل، والمسائل ما ليس بمشروع، ويعرضون عن الأمر المشروع). اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص172): (فأما ما تركه -يعني: النبي r- من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة y؛ فيجب القطع: بأن فعله بدعة وضلالة([7])، ويمتنع القياس في مثله). اهـ.
قلت: فكل ما لم يرد من الأمور العملية، والأمور العلمية، في الكتاب والسنة، ولم يؤثر عن الصحابة y، والتابعين لهم بإحسان، فهي: بدعة وضلالة، وإن فعلها الناس.
قال تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس: 32].
وقال تعالى: ]والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم[ [يونس: 25].
* فالله العظيم؛ أسأل أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يكتبنا في زمرة الذابين عن سنة نبيه r، إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الرحمن الأثري
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على أن النبي r إذا ترك حكما من الأحكام، وجب علينا تركه، والاقتداء به r، لأن ذلك من السنة التركية في الشريعة المطهرة
قال تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا[ [الأحزاب: 21].
قلت: لقد كان لكم، أيها المؤمنون في أقوال رسول الله r، وأفعاله: قدوة حسنة، تتأسون بها.
* فالزموا سنته، فإنما يسلكها ويتأسى بها من كان يرجو الله تعالى، واليوم الآخر.([8])
قال الحافظ ابن كثير / في «تفسير القرآن العظيم» (ج6 ص350): (هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله r، في أقواله، وأفعاله، وأحواله). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص527): (وليس التأسي خاصا بأفعاله، بل بأفعاله وأقواله، فمن تابعه على فعله، فهو: متأس، من أجل أنه فعل، ومن امتثل أمره، فهو: متأس؛ لأنه تابعه). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص505): (قول الله تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب: 21]؛ فإن ظاهر الآية، أن تتأسى بكل قول يقوله، وبكل فعل يفعله). اهـ.
وقال الإمام الشافعي / في «جماع العلم» (ص11): (لم أسمع أحدا -نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم- يخالف في أن فرض الله تعالى اتباع أمر رسول الله r، والتسليم لحكمه؛ بأن الله تعالى لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله تعالى، أو سنة رسوله r، وأن ما سواهما تبع لهما). اهـ.
وقال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].
وقال تعالى: ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر[ [النساء: 59].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص529): (فائدة: الأصل في أوامر الرسول r: الطاعة، قال تعالى: ]فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[ [النور: 63].). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص500): (وقوله: «وهي حجة»؛ يعني: سنة الرسول r: حجة؛ القولية، والفعلية... فما تركه فهو: سنة، كما أن ما فعله فهو: سنة). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص457): (وقوله: «والسنة وهي مخبرة عن حكم الله تعالى»: خبر بالقول، وخبر بالفعل؛ ولهذا نقول: إن السنة: إما قول، وإما فعل، وإما إقرار؛ فهي مخبرة عن حكم الله تعالى). اهـ.
* وبذلك يعلم أن الاحتجاج بالسنة: أصل ثابت من أصول هذا الدين. ([9])
قلت: وهذه الأدلة تدل على الترك التشريعي، وهو ما تركه r بيانا للشرع، كتركه للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة.
* وهذا القسم من تركه r، هو المراد من السنة التركية، فيجب ترك ما تركه r في الدين. ([10])
قال الفقيه الزركشي / في «البحر المحيط» (ج4 ص191): (لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، تكون في التروك). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص172): (والترك الراتب: سنة، كما أن الفعل الراتب: سنة.
* فأما ما تركه r من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة y: فيجب القطع بأن فعله بدعة وضلالة). اهـ.
وقال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص282): (وأما نقلهم لتركه r فهو نوعان، وكلاهما سنة:
* أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا، ولم يفعله، كقوله في شهداء أحد: «ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم»، وقوله: في صلاة العيد: «لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء».
* والثاني: عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم، ودواعيهم: أو أكثرهم، أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدا؛ علم أنه: لم يكن، وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين، وهم يؤمنون على دعائه دائما.
* ومن الممتنع أن يفعل ذلك، ولا ينقله عنه صغير، ولا كبير، ولا رجل، ولا امرأة البتة، وهو مواظب عليه هذه المواظبة، لا يخل به يوما واحدا؛ وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة، فإن تركه r سنة، كما أن فعله سنة). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني / في «مناسك الحج والعمرة» (ص42): (ومن المقرر عند ذوي التحقيق، من أهل العلم: أن كل عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله r، بقوله، ولم يتقرب هو بها، إلى الله تعالى بفعلها: فهي مخالفة لسنته؛ لأن السنة على قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية، فما تركه r من تلك العبادات، فمن السنة تركها). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «الفتاوى» (ج14 ص216): (وأما إذا دعي الناس للتحاكم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r: فعلا لما فعل، وتركا لما ترك؛ فإن عليهم قبول ذلك، وإن خالف ما اعتادوه، قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[ [الأحزاب: 36]). اهـ.
وقال العلامة الشوكاني / في «إرشاد الفحول» (ص42): (تركه r للشيء، كفعله له في التأسي به فيه). اهـ.
قلت: فالذي يصوم في العشر الأول من ذي الحجة، فهذا لم يتأس برسول الله r، وخالف سنته في صومه هذا، والله المستعان.
قال تعالى: ]هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين[ [القصص: 15].
وقال تعالى: ]أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون[ [العنكبوت: 50 و51].
وقال تعالى: ]وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون[ [النور: 56].
وعن عائشة ڤ قالت: (ما رأيت رسول الله r صائما في العشر قط). وفي رواية: (أن النبي r لم يصم العشر). ([11])
* يعني: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
قلت: فالترك هذا معدود من الأفعال المكلف بها في الشرع. ([12])
وبوب الإمام أبو الحسن علي بن بلبان بن عبد الله المصري الحنفي، وهو من أئمة الحنفية / في «الإحسان» (ج8 ص372)؛ ذكر الإباحة للمرء ترك صوم العشر من ذي الحجة وإن أمن الضعف لذلك.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ: قالت: «ما رأيت رسول الله r صام العشر قط».([13])
قلت: وهذا يدل على أن النبي r لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، فوجب ترك هذا الصيام، لأن هذا الترك، من السنة التركية.
وبوب الحافظ أبو داود في «السنن» (ج4 ص102)؛ باب: في فطر العشر.
* ثم ذكر حديث عائشة ڤ: قالت: «ما رأيت رسول الله r صائما العشر قط».([14])
قال الإمام أبو المظفر السمعاني / في «قواطع الأدلة» (ج3 ص311): (إذا ترك النبي r شيئا من الأشياء وجب علينا متابعته فيه). اهـ
وقال الفقيه الشيخ عبد العزيز بن باز / في «الفتاوى» (ج1 ص343): (عليك أن تأخذ بالحق، وأن تتبع الحق إذا ظهر دليله، ولو خالف فلانا، وعليك أن لا تتعصب وتقلد تقليدا أعمى). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص104): (في القصة -أي: قتال مانعي الزكاة- دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة ويطلع عليها آحادهم، ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال كيف خفي ذا على فلان والله الموفق). اهـ
* فوقع هذا الترك من النبي r على وجه التشريع والبيان.
* فترك النبي r فعل الصوم، ليبين لأمته أن المشروع في هذا الصوم تركه، وعدم فعله.
قال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج2 ص165): (وإذا نقل عن النبي r: أنه ترك كذا، كان أيضا من السنة الفعلية). اهـ.
قلت: فصيام تسع ذي الحجة الأولى، لم يثبت فيها دليل بخصوصه في العشر من ذي الحجة.
* وقد بين أهل العلم، الحكمة من ترك النبي r، وصحابته y: الصوم في العشر الأول من ذي الحجة، وذلك للتقوي على العبادات الأخرى، من صلاة، ودعاء، وأذكار، وغير ذلك، لأن فعل الصوم يضعف عن فعل بعض العبادات. ([15])
* ولم يكن هناك أي حديث عن رسول الله r في استحباب صومه بغير عرفة، وبينت الأحاديث عن النبي r، وعن الصحابة، وبعض التابعين عدم صومه؛ فالأولى اتباع ذلك، والتفرغ للعبادة من دعاء، وغيره في يوم عرفة لما فيه من الخير العظيم.
وذكر هذا الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج21 ص161) بقوله: (وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة، وغير عرفة للدعاء). اهـ.
وقال الحافظ الطبري / في «تهذيب الآثار» (ج1 ص364): (وأما كراهة من كره صومه -يعني: يوم عرفة- من أصحاب رسول الله r، والتابعين في غير عرفة، ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....). اهـ
قلت: وثبت عن ابن مسعود t أنه لم يصم العشر الأول من ذي الحجة، لأنه يضعفه عن الصلاة، وغيرها.
فعن عبد الرحمن بن يزيد: (أن عبد الله لا يكاد يصوم، فإذا صام، صام ثلاثة أيام من كل شهر، ويقول: إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة، والصلاة أحب إلي من الصوم).
أثر صحيح
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج7 ص418) من طريقين عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
* والذين أفتوا بالصوم في العشر الأول من ذي الحجة، قد استدلوا بحديث عام([16])، في فعل الأعمال الصالحة، ويستثنى من الأعمال الصالحة، ترك الصوم فقط، لأن النبي r تركه، واقتدى بعده صحابته y في ترك الصوم في العشر من ذي الحجة، فوجب تركه، لأن سنة الترك، دليل خاص، يقدم على كل عموم. ([17])
قلت: والسنة التركية تعتبر من الأمور التعبدية، وأن مخالفة هذه السنة، يدخل تحت معنى الابتداع في الدين.
* وذلك أن من تعبد الله تعالى بعبادة، لم يفعلها النبي r، فهو مشمول، بقوله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). ([18])
وبوب عليه الحافظ النووي / في «المنهاج» (ج8 ص612)؛ باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور.
* وهذا الحديث: أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: «الأعمال بالنيات»، ميزان للأعمال في باطنها.
* فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى، فليس لعامله فيه ثواب.
* فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله تعالى، ورسوله r، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، ورسوله r، فليس من الدين في شيء. ([19])
قال تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[ [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ [الشورى: 21].
قال الإمام ابن رجب / في «جامع العلوم والحكم» (ص52): (فهذا الحديث: يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع، فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره، فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينه وشرعه، كالمراد: بقوله في الرواية الأخرى: «من أحدث في أمرنا هذا ليس منه».
فالمعنى إذا: أن من كان عمله خارجا عن الشرع وليس متقيدا به، فهو مردود.
وقوله r: «ليس عليه أمرنا»، إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة، وتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشرع موافقا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجا عن ذلك، فهو مردود). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح مسلم» (ج8 ص612): (قوله r: «من أحدث في أمرنا هذا»([20]): الأمر هنا بمعنى: الشأن، والمراد به: الشريعة التي جاء بها نبي الله r.
وقوله: «ما ليس منه»؛ أي: ما لم يكن ثابتـا فيه؛ لأن كل ما لم يكن ثابتـا فليس منه؛ فإن الأصل في العبادات المنع، حتى يقوم دليل على مشروعيتها، ويراد بذلك أيضا ما هو أوسع، وهو تحريم ما أحل الله عز وجل؛ فإن تحريم ما أحل الله إحداث في دين الله تعالى ما ليس منه، فيكون هذا التحريم مردودا على صاحبه.
إذن: تحليل الحرام، وتحريم الحلال داخل في هذا الحديث، ولهذا يعتبر هذا الحديث ميزان الأعمال الظاهرة، وحديث عمر t: «إنما الأعمال بالنيات»؛ ميزان الأعمال الباطنة). اهـ.
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «التعليق على صحيح البخاري» (ج16 ص201): (قوله r: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ وعملا: نكرة في سياق الشرط، فتعم كل عمل، سواء كان عبادة، أو معاملة، أو قضاء، أو غير ذلك، وقوله r: «فهو رد»، أي: مردود). اهـ.
* ومن هنا يتبين أصل مهم: وهو أن سنة الترك تتميز بها البدع، وتعرف، وذلك أن مخالفة سنة الترك بدعة في الدين. ([21])
قال الفقيه ابن النجار / في «شرح الكوكب المنير» (ج2 ص196): (وأما التأسي في الترك: فهو أن تترك ما تركه، لأجل أنه تركه). اهـ.
قلت: فالسنة التركية، هي حجة شرعية معتبرة، وذلك أن ترك الرسول r للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة: دليل على تحريمه؛ فيجب حينئذ ترك ما تركه رسول الله r. ([22])
* وقد اجتمعت القرائن الدالة على مواظبته r على ترك الصوم في العشر الأول من ذي الحجة.
* ولو أن الرسول r فعل هذا الصوم، لتوافرت همم الصحابة y، ودواعيهم على نقله؛ فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدث به في مجمع أبدا، علم أنه لم يكن هذا الصوم المزعوم في شهر ذي الحجة. ([23])
قلت: فهذه السنة التركية، تدخل تحت السنة النبوية المطهرة، ويحصل بها معرفة الحكم الشرعي.
قال تعالى: ]فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون[ [الأعراف: 158].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «فتح ذي الجلال والإكرام» (ج3 ص324): (في الحديث: «إن العمرة للعمرة»؛ لا تدل على أنه ينبغي للإنسان وهو في مكة، أن يكثر من التردد إلى الحل ليأتي بعمرة، لماذا؟؛ لأن السنة التركية، كالسنة الفعلية، فمادام النبي r لم يفعل ذلك، دل على أنه ليس بمشروع.
* أما ما يفعله العامة الآن من كونهم يترددون إلى الحل بحيث يصل الأمر إلى أن يأتي بعمرة في أول النهار، وعمرة في آخر النهار فهذا ليس بصحيح). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني /: (الفرق بين السنة الفعلية، والسنة التركية: وبخاصة أن مثل هذا الاصطلاح أعرف أنه غريب، ولا غرابة في ذلك؛ لأننا نعيش في غربة عجيبة من العلم، والبعد عن فقه الكتاب والسنة.
* أقول: وذلك لأن بعض السلف الأولين: من الصحابة الموقرين الممجدين، وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان t صاحب رسول الله r، كان يقول تأييدا لما قلناه آنفا، من أن السنة قد تكون تركية؛ أي: تركها الرسول r، وما فعلها، فنحن لا نفعلها، ولو كان مظهرها مظهر عبادة من العبادات، بل قد تكون هي حقيقة عبادة في ذاتها، فنحن نفعل كما فعل رسول الله r، نجهر في الصلاة حيث جهر، ونسر حيث أسر، لأن الرسول r ترك)([24]). اهـ.
وقال العلامة الشيخ الألباني /: (نحن نتعبد باتباع سنة الرسول r، في سنته الفعلية، كذلك: نتعبد في اتباع الرسول r في سنته التركية؛ لأن هذه السنة التي تركها الرسول r، لو كان في فعلها خير، لفعله الرسول r، من جهة، ثم لاقتدت به الأمة، وسلف الأمة، من جهة أخرى، وهذه أمثلتها كثيرة، وكثيرة جدا، من أشهرها: ترك الرسول r الأذان لصلاة العيدين، وترك الأذان لصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف) ([25]). اهـ.
قلت: فالله تعالى، أوجب على الرسول r أن يبين الشرع، إما بالقول، وإما بالفعل، وبيان هذا الترك للصوم في العشر الأولى من ذي الحجة، حصل بفعله r، فوجب ترك هذا الصوم. ([26])
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص515): (قوله: «فواجب عليه»، فيجب على الرسول r، أن يبين، لقوله تعالى: ]فإنما عليك البلاغ[ [آل عمران: 20]، وقوله تعالى: ]ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك[ [المائدة: 67]؛ فإذا فعل النبي r، فعلا مشروعا وجب عليه أن يبينه للناس، فإذا بينه بالقول، أو الفعل عند الحاجة، حصل المقصود). اهـ.
وقال الحافظ البخاري في «صحيحه» (ج9 ص92)؛ باب: الاقتداء بسنن رسول الله r، وقول الله تعالى: ]واجعلنا للمتقين إماما[ [الفرقان: 74].
قلت: فلا بد أن تمتثله على الوجه الذي فعله الرسول r، بترك ذلك الصوم، لأنه r تركه، فإن خالفت، وفعلت ذلك الصوم، فلست بمتأس بالرسول r.
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص527): (فائدة: التأسي فعلك، كما فعل لأجل أنه فعل: صحيح، فالتأسي الذي أمر الله تعالى به بقوله: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[ [الأحزاب: 21]؛ هو أن تفعل الشيء لأنه r فعل، فلا بد من هذا، لأنك إذا شعرت هذا الشعور، فأنت متبع له تمامـا؛ قال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله[ [آل عمران: 31]). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج1 ص280): (وذلك: لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل؛ فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان، أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك). اهـ.
* يا معشر المقلدة، أخبروني عن هذا الصوم في أول ذي الحجة، والذي تدعون الجهلة إليه: أشيء دعا إليه رسول الله r، أو فعله، لا.
* وهل هو شيء دعا إليه صحابة رسول الله r، أو فعلوه في الدين، لا.
* وليس يخلو أن تقولوا: إنكم علمتم بهذا الصوم، ولم يعلم به الرسول r، ولا صحابته الكرام، وهذا باطل بلا شك. ([27])
قال الإمام ابن القيم / في «إعلام الموقعين» (ج2 ص290): (فإن تركه r: سنة، كما أن فعله سنة([28])، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا: ترك ما فعله، ولا فرق). اهـ.
وقال العلامة الشاطبي / في «الاعتصام» (ج1 ص365): (لأن ترك العمل به من النبي r في جميع عمره، وترك السلف الصالح له على توالي أزمنتهم؛ قد تقدم أنه نص في الترك، وإجماع من كل من ترك؛ لأن عمل الإجماع كنصه). اهـ.
ومنه: قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص615): (فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا، محضا، أو راجحا: لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r، وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص.
* وإنما كمال محبته، وتعظيمه في متابعته، وطاعته، واتباع أمره، وإحياء سنته، باطنا وظاهرا، ونشر ما بعث له، والجهاد على ذلك، بالقلب، واليد، واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان). اهـ.
قلت: فلا بد من النظر فيما تركه النبي r من العبادات، وتركه صحابته الكرام من بعده r، والتابعون الأفاضل.
* فهذا الصوم المزعوم، لم يفعله النبي r، ولا الصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، فهو بدعة في الدين.
قلت: فكل عبادة لم يتعبد بها الرسول r، وأصحابه y، فلا تتعبدوا بها، لأنها بدعة، فاتقوا الله يا معشر المقلدة، وخذوا طريق السلف الصالح في الدين. ([29])
فعن عبد الله بن مسعود t قال: (إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها، وإن ما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين). ([30])
وعن حذيفة بن اليمان t قال: (يا معشر القراء استقيموا، فقد سبقتم سبقا بعيدا، فإن أخذتم يمينا وشمالا، لقد ضللتم ضلالا بعيدا). ([31])
* وكتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز / يسأله عن القدر، فكتب: (أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه r، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك - بإذن الله – عصمة.
ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مقصر، وما فوقهم من محسر([32])، وقد قصر قوم دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فغلوا). ([33])
وقال الإمام الطرطوشي / في «الحوادث والبدع» (ص74)؛ في إبطاله لبعض البدع: (ولو كان هذا لشاع وانتشر، وكان يضبطه طلبة العلم، والخلف عن السلف، فيصل ذلك إلى عصرنا، فلما لم ينقل هذا عن أحد ممن يعتقد علمه، ولا ممن هو في عداد العلماء، علم أن هذه حكاية العوام([34])، والغوغاء). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ج2 ص798)؛ في إنكاره لبعض البدع: (ومعلوم أنه لو كان هذا مشروعا مستحبا يثيب الله تعالى عليه، لكان النبي r أعلم الناس بذلك، ولكان يعلم أصحابه ذلك، ولكان أصحابه y أعلم بذلك، وأرغب فيه ممن بعدهم.
* فلما لم يكونوا يلتفتون إلى شيء من ذلك علم أنه من البدع المحدثة، التي لم يكونوا يعدونها: عبادة، وقربة، وطاعة، فمن جعلها عبادة، وقربة وطاعة، فقد اتبع غير سبيلهم، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى). اهـ.
* وسئل تقي الدين السبكي / في «الفتاوى» (ج2 ص549)؛ عن بعض المحدثات، فقال: (الحمد لله: هذه بدعة، لا يشك فيها أحد، ولا يرتاب في ذلك، ويكفي أنها لم تعرف في زمن النبي r، ولا في زمن أصحابه
قلت: فهذا أصل في الدين، أن ترك النبي r، قد تقترن به قرائن تجعل من هذا الترك حجة قاطعة؛ فيتعين إذ ذاك متابعته r في هذا الترك.
* وأقرب هذه القرائن، أن يقترن بتركه r، ترك السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان. ([35])
والأصل في ذلك: أن كل عبادة اتفق على تركها الرسول r، وسلف الأمة من بعده، فهي بلا شك بدعة وضلالة ليست من الدين.
* فإذا تواطأ النبي r، وسلف الأمة من بعده على ترك عبادة، فهذا دليل قاطع على أنها بدعة.
قلت: فما هو المانع من صوم النبي r للعشر الأول من ذي الحجة، وكذا الصحابة y.
* فلم يمنعهم عن فعل هذه العبادة: مانع، ولم يشغلهم عن بيان هذه العبادة: شاغل، مما يتبين أن هذا الصوم ليس من الدين، فيجب تركه. ([36])
* ومن هنا يتبين أن كل عبادة من العبادات ترك فعلها السلف الصالح، من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم؛ فإنها تكون بدعة في الدين.
ومنه: قال الفقيه العز بن عبد السلام / في «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» (ص9): (ومما يدل على ابتداع هذه الصلاة ([37])، أن العلماء الذين هم: أعلام الدين، وأئمة المسلمين، من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، وغيرهم، ممن دون الكتب في الشريعة مع شدة حرصهم على تعليم الناس الفرائض، والسنن، لم ينقل عن أحد منهم أنه ذكر هذه الصلاة، ولا دونها في كتابه، ولا تعرض لها في مجالسه.
* والعادة تحيل أن تكون مثل هذه: سنة، وتغيب عن هؤلاء الذين هم: أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، وهم: الذين إليهم الرجوع في جميع الأحكام من الفرائض والسنن، والحلال والحرام). اهـ.
قلت: فاستدل الفقيه العز بن عبد السلام، في إنكار صلاة الرغائب، وبيان بدعيتها على قاعدة: ترك السلف الصالح لها. ([38])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية / في «الفتاوى» (ج26 ص172): (فأما ما تركه -يعني: النبي r- من جنس العبادات، مع أنه لو كان مشروعا لفعله، أو أذن فيه، ولفعله الخلفاء بعده، والصحابة y؛ فيجب القطع: بأن فعله بدعة وضلالة([39])، ويمتنع القياس في مثله). اهـ.
* ومن هنا يظهر لكل ذي بصيرة أن العمل بالسنة التركية أمر متعين شرعا، وهو ضرورة دينية، لا بد من المصير إليها، وذلك أن الاحتجاج بسنة الترك، مبني على أدلة ثابتة راسخة.
* وأضف إلى ذلك: كمال هذا الدين، واستغناءه التام عن زيادات الجاهلين، واستدراكات المستدركين، فقد أتم الله تعالى هذا الدين، فلا ينقصه أبدا، ورضيه فلا يسخطه أبدا. ([40])
قال تعالى: ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[ [المائدة: 3].
وعن العرباض بن سارية t، عن النبي r قال: (وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء، لا يزيغ عنها إلا هالك). ([41])
قلت: وبين النبي r هذا الدين، وقام بواجب التبليغ خير قيام، فلم يترك أمرا من أمور هذا الدين: صغيرا كان، أو كبيرا؛ إلا بلغه لأمته.
قال تعالى: ]يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك[ [المائدة: 67].
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين / في «شرح مختصر التحرير» (ص502): (ولا يمكن أن يبلغ شيئـا مما جاء به إلا وهو صادق). اهـ.
* إذا فعدم الاحتجاج، بسنة الترك، وإهدار العمل بها، والغفلة عنها: يلزم منه الوقوع في مفاسد شرعية، ومحاذير دينية، فمن ذلك:
المفسدة الأولى: القول بعدم قيام الرسول r، بواجب التبليغ، وأن الرسول r لم يعلم أمته بعض الدين.
المفسدة الثانية: القول بضياع بعض الدين، وأن الرسول r فعل هذه العبادة وبلغها للأمة، لكن الصحابة y: كتموا نقل ذلك.
المفسدة الثالثة: فتح باب الابتداع، والإحداث في الدين عامة، وفي باب العبادات خاصة، دون قيد، ولا شرط. ([42])
المفسدة الرابعة: الإفتاء في الدين بأحاديث العموم، وترك أحاديث الخصوص، وفي هذا من المفسدة ما فيها، بل هو مذهب أهل الأهواء، من الخوارج وغيرهم.
قال تعالى: ]ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين[ [الحاقة: 44-47].
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد لله
رب العالمين
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1) |
المقدمة..................................................................................................... |
5 |
2) |
ذكر الدليل على أن النبي إذا ترك حكما من الأحكام، وجب علينا تركه، والاقتداء به، لأن ذلك من السنة التركية في الشريعة المطهرة.... |
11 |
أخرجه أبو داود في «سننه» (ج4 ص200 و201)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص104)، وفي «المجروحين» (ج1 ص109)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص19 و30)، و(ج2 ص483)، والآجري في «الأربعين» (ص33 و34)، وفي «الشريعة» (ص46)، والبيهقي في «المدخل» (ص115)، ومحمد بن نصر المروزي في «السنة» (ص26)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ج2 ص182)، وفي «التمهيد» (ج21 ص279)، والهروي في «ذم الكلام» (ص34)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص97)، والمزي في «تهذيب الكمال» (1/ق/236/ط)، والقاضي عياض في «الشفا» (ج2 ص10 و11)، وابن الجوزي في «الحدائق» (ج1 ص544).
وإسناده صحيح.
([4]) وهذا أصل؛ في أن سنة الترك، هي دليل خاص، يقدم على كل عموم.
* فأثر سنة الترك في تخصيص العموم، هو أصل في الشريعة المطهرة.
([5]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص959)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص200)، وابن ماجه في «سننه» (ج1 ص7)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص240 و270)، وابن حبان في «صحيحه» (ج1 ص115 و116)، والدارقطني في «السنن» (ج4 ص224 و225)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (ج1 ص231)، وأبو يعلى في «المسند» (ج8 ص70)، وأبو عوانة في «صحيحه» (ج4 ص18)، وابن عدي في «الكامل» (ج1 ص247)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص97 و98).
([6]) أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا بصيغة الجزم (ج4 ص355)، و(ج13 ص317)، وفي «خلق أفعال العباد» موصولا (ص69 و70)، ومسلم في «صحيحه» (ج3 ص1343 و1344)، وأحمد في «المسند» (ج6 ص146 و180 و256)، وأبو داود في «سننه» (ج4 ص200)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص28)، والبيهقي في «المدخل» (ص180)، والدارقطني في «السنن» (ج4 ص227)، وابن جماعة في «مشيخته» (ج1 ص563) من طريق عبد الله بن جعفر، عن سعد بن إبراهيم، عن القاسم، عن عائشة ڤ به.
([8]) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (ج6 ص350)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج2 ص290)، و«جماع العلم» للشافعي (ص11 و12)، و«شرح الكوكب المنير» لابن النجار (ج2 ص190)، و«الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص31 و32)، و«جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ج2 ص121)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج1 ص282)، و(ج26 ص172)، و«فتح ذي الجلال والإكرام» لشيخنا ابن عثيمين (ج3 ص324)، و«شرح مختصر التحرير» له (ص505 و527).
([9]) وانظر: «مفتاح الجنة» للسيوطي (ص34)، و«الفتاوى» لابن تيمية (ج19 ص85 و86)، و«قواطع الأدلة» للسمعاني (ج2 ص190)، و«جماع العلم» للشافعي (ص11 و12)، و«إعلام الموقعين» لابن القيم (ج1 ص49 و50)، و(ج2 ص289)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص496 و505 و527).
([15]) انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج21 ص161)، و«تهذيب الآثار» للطبري (ج1 ص364)، و«مشكل الآثار» للطحاوي (ج7 ص418).
([16]) وهو حديث ابن عباس ﭭ، عن النبي r قال: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر).
أخرجه البخاري في «صحيحه» (ج2 ص457).
* فقالوا: بالصيام، لدخوله في الأعمال الصالحة، وسنة الترك، تقضي على هذا الاجتهاد، وتنقضه.
([19]) وانظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص52)، و«التعليق على صحيح البخاري» لشيخنا ابن عثيمين (ص202).
([21]) انظر: «الترغيب عن صلاة الرغائب الموضوعة» للعز بن عبد السلام (ص9)، و«الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص74)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص390)، و«صون المنطق» للسيوطي (ص150)، و«شرح مختصر التحرير» لشيخنا ابن عثيمين (ص457 و458).
([23]) وكأن هذا المقلد يقول: إن النبي r، وصحابته الكرام، لم يعلموا بهذا الصوم، وعلمه هو!.
* فيا لكع بن لكع: فهل النبي r والصحابة الكرام لم يعلموا بهذا الصوم، وتعلمه أنت، والعامة الجهلة: ]إن هذا لشيء عجاب[ [سورة ص: 5].
([29]) انظر: «الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع» للسيوطي (ص62)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ج2 ص390 و718)، و«الشريعة» للآجري (ص63)، و«الحوادث والبدع» للطرطوشي (ص174)، و«الاعتصام» للشاطبي (ج1 ص365).
([34]) وهذا مثل: حكاية صوم العشر الأولى من ذي الحجة، فإن ذلك حكاية ممن ينتسب إلى العلم، وهو من فصيلة العوام.
([37]) يعني: صلاة الرغائب المبتدعة.
وهي: اثنتا عشرة ركعة، تصلى بين العشائين، ليلة أول جمعة في شهر رجب، بكيفية مخصوصة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وسورة القدر ثلاث مرات، وسورة الإخلاص اثنتي عشرة مرة.
انظر: «الإبداع في مضار الابتداع» لابن محفوظ (ص58).
أخرجه ابن ماجة في «سننه» (43)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص126)، والحاكم في «المستدرك» (ج1 ص96)، وفي «المدخل إلى الصحيح» (ج1 ص55)، والآجري في «الشريعة» (ص47)، والطبراني في «المعجم الكبير» (ج18 ص247)، وفي «مسند الشاميين» (2017)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ج1 ص27)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (ص482)، والمخلص في «سبعة مجالس من أماليه» (ج4 ص164)، والزنجاني في «المنتقى من فوائده» (ص50).
وإسناده حسن.