الرئيسية / كتب المراجعات مفرغة / درر الوعاء في شروط إجابة الدعاء
درر الوعاء في شروط إجابة الدعاء
|
درر الوعاء
في
شروط إجابة الدعاء
إعداد :
أم خديجة الدوسري الأثرية
شعارنا: أمن و أمان في الأوطان
بسم الله الرحمن الرحيم
درة نادرة
قوة الدعاء في حياة المؤمن القوي
عن الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله قال: (الدعاء سلاح المؤمن، والصبر سلاح المؤمن).
أثر صحيح
أخرجه الطيوري في ((الطيوريات)) (ج2 ص353)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج8 ص92).
وإسناده صحيح.
فالدعاء سلاح المؤمن القوي في الحياة الدنيا، وقرينه الصبر للثبات على المشقات والله ولي التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
عونك يا رب يسر
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون[ [آل عمران:102].
]يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا[ [النساء:1].
]يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[ [الأحزاب:70-71].
أما بعد،،
فشأن الدعاء عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، وما أشد حاجة العباد إلى الدعاء، بل ما أعظم ضرورتهم إليه، فالمسلم في هذه الدنيا لا يستغني عن الدعاء بحال من الأحوال.
فإن كان راعيا ولاه الله رعية؛ فما أحوجه إلى الدعاء، كي يثبت الله سلطانه، ويعينه على استعمال العدل في رعيته، ويحببه إلى رعيته، ويحبب الرعية إليه، وينصره على الأعداء في الخارج والداخل.
وإن كان داعيا إلى الله تعالى، فما أشد حاجته لدعاء ربه، وسؤاله الإعانة، والقبول، والتوفيق، والتسديد، ليثبت على الحق، و يصبر على عثار الطريق، ومشاقه، لتصغى إليه الأفئدة.
وإن كان مجاهدا في سبيل الله فما أعظم حاجته للدعاء، الذي يطلب به النصر، ويستنزل السكينة، والثبات في اللقاء، ويسأل ربه خذلان الأعداء، وإنزال الرعب في قلوبهم، وهزيمتهم، وتفرق كلمتهم.
وإن كان مريضا فما أشد فاقته، وأعظم حاجته للدعاء؛ ليستشفي به من مرضه، ويسأل به كشف كربته، وأن يمن الله عليه بالشفاء والعافية.
وبالجملة؛ فالمسلمون، بل ومن في الأرض كلهم جميعا بأمس الحاجة للدعاء، وإخلاصه لرب الأرض والسماء؛ ليصلوا بذلك إلى خيري الدنيا والآخرة.
فإذا كان الدعاء بهذه المنزلة العالية، والمكانة الرفيعة؛ فأجدر بالعبد أن يتفقه فيه، وأن يلم بشي من أحكامه، ولو على سبيل الإجمال؛ حتى يدعو ربه على بصيرة وهدى، بعيدا عن الخطأ والإعتداء؛ فذلك أرجى لقبول دعائه، وإجابة مسألته.([1])
ولذلك أعلموا إخواني أرشدكم الله تعالى أن للدعاء شروطا مفروضة لابد أن يأتي بها العبد لكي يقبل الله دعاءه، وهناك موانع في الدعاء لابد للعبد أن يتجنبها لكي لا تكون حائلا بينه وبين قبوله، وكذلك إن للدعاء آدابا يحسن بالعبد أن يقدمها بين يدي دعائه لمولاه، بل عليه أن يتجمل، ويتزين بها، فإن الله سبحانه خير من يتأدب العبد بين يديه سبحانه وتعالى، فها أنا أتلوا عليكم شروط الدعاء في هذا الكتاب الذي سميته: (درر الوعاء في شروط إجابة الدعاء).
وختاما: لا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري حفظه الله، الذي تفضل مشكورا بقراءة هذا الكتاب، ومراجعته، والتعليق عليه، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في موازين حسناته، وأن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، إنه سميع مجيب.
وأسأل المولى عز وجل أن يتقبله مني بقبول حسن، ويجعله للداعين إماما، وأن يدخر لي ثوابه إلى يوم لقائه، يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
كتبته
الفقيرة إلى الله
أم خديجة الدوسري الأثرية
بسم الله الرحمن الرحيم
رب تمم بالخير
ذكر الدليل على شروط الدعاء في الشريعة المطهرة
أولا: الإخلاص:([2])
الإخلاص: هو الذي تدور عليه دوائر الإجابة؛ فهو السبب الأعظم لإجابة الدعاء؛ فكلما اشتد الإخلاص، وقوي؛ كلما كانت الإجابة أولى وأحرى.([3])
قال تعالى: ]فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون [[غافر:14].
وقال تعالى: ]وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء [[البينه:5].
وقال تعالى: ]وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [[الأنبياء:87-88].
وعن ابن عباس t قال: (كنت خلف رسول الله r يوما، فقال: يا غلام , إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت
الصحف).([4])
قلت: فدل الحديث على أن العبد يجب عليه أن يدعو الله وحده، ولا يجوز أن يسأل غير الله تعالى، أو أن يدعو غيره معه، فإن ذلك الشرك بالله تعالى.
قال الطبراني رحمه الله في ((الدعاء)) (ج2 ص812): (باب الأمر بالإخلاص في الدعاء).
وقال الخطابي رحمه الله في ((شأن الدعاء)) (ص13): (فإن من شرائط صحته - يعني الدعاء - أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته). اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في ((المنتقى)) (ج1 ص42): (ولإجابة الدعاء شروط كثيرة وعظيمة؛ من أعظمها: الإخلاص لله تعالى في الدعاء؛ بأن لا يشرك مع الله أحدا؛ قال تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) [غافر: 14]؛ فالإخلاص في الدعاء بأن يدعو العبد ربه وحده لا شريك له، ولا يدعو معه غيره. هذا رأس الشروط). اهـ
وقال ابن عقيل رحمه الله في ((الفنون)) (ج2 ص750) : (يقال: لا يستجاب الدعاء بسرعة، إلا لمخلص، أو مظلوم). اهـ
ثانيا: المتابعة:([5])
فيجب على المسلم أن يكون متبعا للنبي r في كل عباداته في الدين؛ لقوله تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر
وذكر الله كثيرا [[الأحزاب:21].
وقال تعالى: ]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم [[آل عمران:32].
وعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).([6])
ثالثا: الثقة بالله تعالى، وأنه على كل شيء قدير:
فيجب على الداعي أن يثق بالله تعالى في دعائه له، و أن يكون عالما بأن الله وحده هو القادر على إجابة دعائه؛ فلا يجلب له النفع إلا الله، ولا يكشف عنه السوء إلا الله، وهذا هو التوحيد الخالص.([7])
قال تعالى: ]إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [[النحل:4].
وقال تعالى: ]وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير [[الأنعام:17].
وقال تعالى: ]وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم[[يس:82].
وعن أبي ذر t، عن النبي r فيما روى، عن الله تبارك وتعالى، أنه قال ((... يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر....).([8])
قلت: وهذا يدل على كمال قدرته، وكمال ملكه، وأن ملكه، وخزائنه لا تنفد، ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين: من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد.([9])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: (قال الله عز وجل: أنفق، أنفق عليك، وقال: يد الله([10]) ملأى لا تغيضها نفقة سحاء([11]) الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء([12]) والأرض، فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده([13]) الميزان، يخفض، ويرفع).([14])
قلت: فالمسلم إذا علم ذلك، فعليه أن يدعوا الله تعالى، وهو موقن بالإجابة، والله ولي التوفيق.
قال الطبراني رحمه الله في ((الدعاء)) (ج2 ص817): (باب الأمر بالإستكثار في الدعاء).
رابعا: حضور القلب، والخشوع، والرغبة فيما عند الله من الثواب، والرهبة من العقاب:
فيجب على الداعي أن يكون حاضر القلب، متفهما لما يقول، مستشعرا عظمة من يدعوه، إذ لا يليق بالعبد الذليل أن يخاطب ربه، ومولاه بكلام لا يعيه هذا الداعي، وبجمل قد اعتاد تكرارها دون فهم، أو إدراك لمعانيها، أو أن تجري على لسانه على سبيل العادة.([15])
قلت: فينبغي أن يكون قلب المسلم واعيا لدعائه، لأن ذلك يورث اليقين، وأدعى للعزم في المسألة، وهو مفتاح لكل خير.
قال تعالى: ]وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين [[الأنبياء:89-90].
وقال تعالى: ]وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين [[ الأنبياء:87-88].
وقال تعالى: ]وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين[[الأعراف:56].
قال النووي رحمه الله في ((الأذكار)) (ص356): (واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب). اهـ
وقال الخطابي رحمه الله في ((شأن الدعاء)) (ص13): (فإن من شرائط صحته – يعني الدعاء – أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته، وإظهار فقر، ومسكنة، وعلى حال ضرع، وخشوع). اهـ
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في ((المنتقى)) (ج1 ص43): (ومن أسباب قبول الدعاء، أو شروط قبول الدعاء؛ إقبال القلب على الله سبحانه وتعالى؛ بأن يدعو وهو موقن بالإجابة، ولا يدعو وهو في حالة غفلة، وفي حالة إعراض، يتكلم بما لا يحضره قلبه، ويوقن به إيمانه). اهـ
خامسا: الجزم في الدعاء، والعزم في المسألة:
فيجب على المسلم إذا سأل ربه أن يجزم بالدعاء.([16])
فعن أنس t قال: قال رسول الله r: (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له([17])، وفي رواية: (فإن الله لا مكره له).([18])
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: (إذا دعا أحدكم فلا يقول: إن شئت، وليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يعظم عليه شيء أعطاه).([19])
قال الطبراني رحمه الله في ((الدعاء)) (ج2 ص813): (باب الأمر بالعزيمة في الدعاء).
سادسا: حسن الظن بالله تعالى:
و حسن الظن: هو الباعث على العمل، والذي يلزم منه تحري الإجابة عند الدعاء، والقبول عند التوبة، والمغفرة عند الإستغفار، والإثابة عند العمل. وأما ظن والمغفرة، والإثابة، والإجابة مع الإصرار على الذنوب، والتقصير في العمل، فليس من حسن الظن في شيء، بل هو من الأماني الباطلة، الناشئة عن الجهل والغرور.([20])
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري t قال: سمعت رسول الله r قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل).([21])
وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني).(