الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / فرح النفس بثبوت آثار الصحابة بفطر الصائم بغروب الشمس
فرح النفس بثبوت آثار الصحابة بفطر الصائم بغروب الشمس
|
فرح النفس
بثبوت آثار الصحابة
بفطر الصائم بغروب الشمس
تأليف
العلامة أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره
ومعه:
إجماع الصحابة الكرام في تعجيل الفطر بغروب الشمس مباشرة
شعارنا: أمن و أمان في الأوطان
بسم الله الرحمن الرحيم
حسبي الله ونعم الوكيل
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن السلف الصالح من صحابة وتابعين بإحسان، كانوا على منهج متكامل، واضح المعالم في القول والعمل، والهدي والاعتقاد، وكانوا قد ذبوا عن دين الله عز وجل، ونفوا عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ففتحوا أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله في ((الانتصار لأصحاب الحديث)) (ص44): (وأما أهل الحق -وهم: الصحابة والتابعون لهم بإحسان- فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع لهم من معقولهم، وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه، وشكروا الله عز وجل حيث أراهم ذلك ووقفهم عليه، وإن وجدوه مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم، وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم؛ فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق). اهـ
قلت: ومما دفعني لذكر آثار الصحابة، ومن تابعهم بإحسان رضي الله عنهم في تعجيل الفطر بغروب الشمس لما لهذه الآثار من قيمة علمية لا يدرك مداها إلا من له يد طولى في علم الحديث؛ حيث إن منهج السلف الصالح الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في إبراز السنن جملة وتفصيلا.
لذلك فكتابي هذا الذي بين أيدينا المسمى: بــ((فرح النفس بثبوت آثار الصحابة بفطر الصائم بغروب الشمس))؛ وهو يحتوي على الآثار في تعجيل الفطر بغروب الشمس، فعلينا الاقتداء بهذه الآثار في هذه المسألة: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام: 90]، والله ولي التوفيق.
أبو عبد الرحمن الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
من تمسك بالسنة نجا
ذكر الدليل من الآثار
على تعيين غروب الشمس الذي يسن للصائم تعجيل فطره عنده، وتعجيل فطره بمغيب قرص الشمس كله، وله تعجيل فطره أحيانا قبل مغيب قرص الشمس بيسير، وذلك عند تقارب غروبها، لأن الأمر فيه سعة؛ بل هذا يسمى غروبا في الدين فلا نحجر واسعا([1])
(1) عن عبد الكريم بن أبي المخارق رحمه الله قال: ((من عمل النبوة: تعجيل الفطر، والاستيناء([2]) بالسحور)).
أثر صحيح
أخرجه أبو مصعب الزهري في ((الموطأ)) (ج1 ص299)، والبغوي في ((شرح السنة)) تعليقا (ج6 ص254)، والقعنبي في ((الموطأ)) (ص321)، والحدثاني في ((الموطأ)) (ص412) من طريق مالك –وهو في ((الموطأ)) (ج1 ص158) رواية يحيى- قال: سمعت عبد الكريم بن أبي المخارق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) (ج2 ص290).
(2) وعن محمد بن كعب قال: ((أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت دابته، ولبس ثياب السفر، وقد تقارب غروب الشمس، فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب، فقلت له: سنة؛ قال: نعم)).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (ج2 ص318)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص247)، والدارقطني في ((السنن)) (ج2 ص188) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم، أخبرني محمد بن المنكدر، عن محمد بن كعب به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في ((حديث إفطار الصائم ...)) (ص22).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
فقوله: ((وقد تقارب غروب الشمس))؛ يدل على أن الشمس لم تغرب بالكلية، بل يرى قرصها بقرب الأرض، وهذا يسمى غروبا؛ كما يدل عليه الأثر.([3])
قلت: فلا عبرة بهذا المستوى من الشمس، فإن النهار قد انتهى عند العرب، فيجوز للصائم أن يفطر، وإن كان قرص الشمس لم يغب عن الناظرين، وحلت صلاة المغرب، لأن المغرب في الأصل: موضع الغروب، فإذا وصلت الشمس جهة المغرب، وفي هذا المستوى من موضع الغروب، فهذا يسمى غروبا عند الصحابة رضي الله عنهم، لأن الشمس بعدت، ودخلت في الغروب.([4])
قال الفقيه البهوتي رحمه الله في ((كشاف القناع)) (ج1 ص235): (وقت المغرب: وهو في الأصل: مصدر غربت الشمس؛ بـ((فتح الراء وضمها)) غروبا، ومغربا، ويطلق في اللغة: على وقت الغروب ومكانه). اهـ
قلت: فالمغرب سمي بذلك لفعلها وقت الغروب؛ إذ الغروب في اللغة البعد، أو وقته، أو مكانه فإذا كانت الشمس بعيدة في مستوى الغروب، فهي قد غربت، وإن كان قرصها لم يغب([5])، لأن هذا يسمى غروبا.([6])
ومنه؛ قول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (ج10 ص62): (والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (ج10 ص63): (فدل على أن قرب الشيء قد يعبر به عنه، والمراد مفهوم). اهـ
قلت: فهذا قرب قرص الشمس من الأرض، يعتبر هذا القرب غروبا، لأن العرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه.([7])
وهذا يدل على أن بقية النهار بعد غروب الشمس يسمى ليلا، مع أن النهار لم يغب بالكلية، أي: أنه لا عبرة بوجود شيء من آخر النهار([8])، وذلك لأن العرب تسمي ذلك ليلا؛ حتى مع وجود النهار([9])، فافهم لهذا.
(3) وعن أبي العالية رحمه الله؛ أنه قال في الوصال في الصيام، قال: ((قال الله تبارك وتعالى: ]ثم أتموا الصيام إلى الليل [ [البقرة: 187] وإذا جاء الليل فهو مفطر، ثم إن شاء صام وإن شاء ترك)).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص134)، والطبري في ((جامع البيان)) (ج3 ص264).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن تيمية في ((شرح العمدة)) (ج3 ص134).
(4) وعن سهيل بن عمرو رضي الله عنه قال: ((لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر في شهر رمضان، ويخيل إلى الشمس لم تغرب من تعجيل فطره)).
حديث حسن
أخرجه أبو أحمد الحاكم في ((الأسامي والكنى)) (ج3 ص171) من طريقين عن محمد بن عمر العامري عن ابن مرسا قال: سمعت سهيل بن عمرو رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده حسن.
فقوله: ((ويخيل إلى الشمس لم تغرب))؛ فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يفطر، وقرص الشمس لم يغب بالكلية، وهذا في حكم الغروب المعروف بين العرب، فانتبه.
(5) وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال لرجل من القوم: انزل فاجدح لي بشيء وهو صائم، فقال: الشمس يا رسول الله ! قال: انزل فاجدح لي، قال: فنزل فجدح له فشرب، وقال: ولو ترآها([10]) أحد على بعيره لرآها، يعني الشمس، ثم أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى المشرق، قال: إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم)).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص226) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في ((مختصر صحيح البخاري)) (ج1 ص571): (زاد عبد الرزاق (4/226/7594): ((ولوترآها أحد على بعيره لرآها، يعني: الشمس))، وسنده صحيح على شرط الشيخين).
وذكره ابن تيمية في ((شرح العمدة)) (ج3 ص412) وأقره؛ برواية ابن عيينة عن الشيباني عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه وفيه: (قال: فلو نزا أحد على بعيره لرآها؛ (يعني: الشمس)، ثم أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده قبل المشرق).
قلت: وهذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر مع وجود قرص الشمس لم يغيب كله، وشدة ضيائها، لقوله: ((يا رسول الله الشمس))، وقوله: (إن عليك نهارا)، وقوله: ((ولو تراآها احد على بعيره لرآها؛ يعني الشمس!))، مع أنه قال: ((فلما غابت الشمس))، فهذا يسمى عندالعرب غروبا، وهو نهاية الشمس([11])، فافطن لهذا ترشد.
قلت: والعبرة بغروب الشمس، أو قرب الغروب، ولا حاجة إلى أن يزول النور القوي، أو الحمرة، بل بمجرد ما يغيب قرص الشمس، أو قارب يفطر الصائم، كما فعل الصحابة الكرام.([12])
قال الإمام أحمد رحمه الله: (تعجيل الفطر يستحب).([13])
(6) وعن أيمن المكي قال: ((دخلت على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فأفطر على عرق([14])، وأنا أرى أن الشمس لم تغرب)). وفي رواية: ((فرآه يفطر قبل مغيب القرص!)).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص22)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (ج3 ص195) من طريق وكيع.
وأخرجه سعيد بن منصور في ((السنن)) (ج4 ص196- فتح الباري)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (ج3 ص195) من طريق سفيان؛ كلاهما عن عبدالواحد بن أيمن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
عبدالواحد بن أيمن القرشي، قال ابن معين عنه: ((ثقة))، وقال أبو حاتم: ((ثقة))، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (ج7 ص24)، وقال الذهبي في ((الكاشف)) (ج2 ص191): ((ثقة))، وروى له البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه))، وقال البزار: ((مشهور ليس به بأس))، وقال النسائي: ((ليس به بأس)).([15])
وأيمن المكي القرشي، والد عبدالواحد بن أيمن، قال أبو زرعة: ((ثقة))، ووافقه الذهبي، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (ج1 ص47)، وروى له البخاري في ((صحيحه))، ([16]) وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص157): ((ثقة)).
وقال العلامة الشيخ الألباني رحمه الله في ((مختصر صحيح البخاري)) (ج1 ص571): (وصله سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (3/ 12)؛ بسند صحيح). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (ج4 ص196): (وصله سعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، وقال: ((دخلنا على أبي سعيد، فأفطر، ونحن نرى أن الشمس لم تغرب)).
وذكره العيني في ((عمدة القاري)) (ج9 ص130)، والقسطلاني في ((إرشاد الساري)) (ج4 ص589).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العمدة)) (ج3 ص416): (وعن أيمن المكي: ((أنه نزل على أبي سعيد الخدري، فرآه يفطر قبل مغيب القرص)). رواه سعيد بن منصور). اهـ
قلت: أفطر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وقرص الشمس لم يغيب([17])، بل لم يلتفت إلى موافقة من عنده على ذلك، بل طبق السنة في تعجيل الإفطار، وهذا هو الإتباع الذي يجب أن يتمسك به كل مسلم.([18])
قال الفقيه العيني رحمه الله في ((عمدة القاري)) (ج9 ص130)؛ بعدما ذكر أثر أبي سعيد الخدري: (وجه ذلك أن أبا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا على ذلك، ولا التفت إلى موافقة من عنده على ذلك، فلو كان يجب عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك). اهـ
(6) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أنه أفطر حين غاب قرص الشمس)).
أثر صحيح
أخرجه البخاري تعليقا في ((صحيحه)) (ج4 ص196)، وذكره ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (ج3 ص194)، وابن بطال في ((شرح صحيح البخاري)) (ج4 ص101).
وبوب البخاري في ((صحيحه)) (ج4 ص196)؛ باب: متى يحل فطر الصائم.
قلت: فمرة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أفطر قبل غياب قرص الشمس، ومرة أفطر حين غاب قرص الشمس([19])، وهذا الأمر واسع، فمن أفطر قبل غياب قرص الشمس بقليل، فلا ينكر عليه، ومن أفطر حين غاب قرص الشمس، فلا ينكر عليه؛ فهذا، وهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه يسمى غروبا في عهدهم، فلا نحجر واسعا.
قال الفقيه ابن بلبان رحمه الله في ((أخصر المختصرات)) (ص147): (وسن تعجيل فطر، وتأخير سحور). اهـ
قلت: فيسن تعجيل فطره إذا تحقق غروب الشمس على رطب، أو تمر، أو ماء، أو غير ذلك، لما ثبت في السنة النبوية، والآثار السلفية.([20])
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في ((المقنع)) (ص65): (ويستحب تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وأن يفطر على التمر، إن لم يجد فعلى الماء). اهـ
وقال الحافظ النووي رحمه الله في ((المنهاج)) (ج3 ص150): (ويسن تعجيل الفطر على تمر، وإلا فماء). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر بعد تيقن غروب الشمس بتمر، أو ماء، أو غير ذلك مستحب في الشريعة المطهرة.([21])
قلت: ويجوز الفطر بناء على غلبة الظن بغروب الشمس؛ ودليل ذلك: ما أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (1823) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: ((أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس))، فأنهم لم يفطروا على علم؛ لكن أفطروا على غلبة الظن، وأنهم لو أفطروا على علم ما طلعت الشمس.
قال الفقيه الشيخ البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام)) (ج3 ص153): (قال تعالى: ((ثم أتموا الصيام إلى الليل)) [البقرة: 187]، فهذا يقتضي أن الإفطار عند غروب الشمس، فقد أجمعوا على أن الصوم ينقضي، ويتم بتمام الغروب، وأن السنة أن يفطر إذا تحقق الغروب، وأن له الفطر بغلبة الظن اتفاقا، إقامة له مقام اليقين). اهـ
قلت: وهذه قاعدة شرعية عظيمة في تعيين الغروب الذي يفطر عليه الصائم حتى بغلبة الظن، لأن الأصل هنا دخول الليل بغروب الشمس، ولو بالظن وذهاب النهار، ولا عبرة بالنور الباقي، والصفرة في السماء، فافهم لهذا ترشد.
قلت: فإذا تيقن أن الشمس غربت، فيفطر، وإذا غلب على ظنه أنها غربت، فيفطر.
قال الحافظ الترمذي رحمه الله في ((السنن)) (ج2 ص237): (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: استحبوا تعجيل الفطر، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق). اهـ
قلت: فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، ولم يؤخروه تأخير أهل الكفر في الخارج، وأهل البدع في الداخل، اللهم غفرا.
قال الفقيه الشيخ البسام رحمه الله في ((توضيح الأحكام)) (ج3 ص153): (ما يؤخذ من الحديثين:
1) استحباب تعجيل الفطر، وقد اتفق العلماء على استحباب تعجيل الفطر، إذا تحقق غروب الشمس برؤية، أو بخبر ثقة، أو غلب على ظنه الغروب.
2) أن تعجيل الفطر دليل على بقاء الخير عند من عجله، وزوال الخير عمن أخره.
3) الخير المشار إليه هو اتباع السنة، ولا شك أنه سبب خيري الدنيا والآخرة ... فالشارع الحكيم يطلب من المسلمين ألا يشابهوا أهل الكتاب في عباداتهم، فتعجيل الفطر شعار يفرق بين صيام أهل الإسلام، وأهل الكتاب، وبين سوء المخالفة، وحسن الاتباع، والاقتداء.
4) هذا الحديث من المعجزات النبوية؛ فإن تأخير الإفطار هو طريقة بعض الفرق الضالة). اهـ
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله في ((سبل السلام)) (ج2 ص304): (والحديث دليل على استحباب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار من يجوز العمل بقوله، وقد ذكر العلة وهي مخالفة اليهود والنصارى). اهـ
قلت: وتأخير الفطر عن غروب الشمس صار شعارا لأهل البدع المخالفين، وسمة لهم([22])، والعياذ بالله.
قال الفقيه الطيبي رحمه الله في ((الكاشف)) (ج4 ص179): (ويدخل في معناه: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الذي يتلوه ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر))؛ لأن فيه مخالفة أهل الكتاب، وكانوا يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ثم صار في ملتنا شعارا لأهل البدع، وهذه هي الخصلة التي لم يرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم). اهـ
وقال العلامة اللكنوي رحمه الله في ((التعليق الممجد)) (ج2 ص204): (قوله: ((والعامة))؛ أي: جمهور علماء أهل السنة خلافا؛ للشيعة المبتدعة حيث لم يفطروا حتى تشتبك النجوم). اهـ
قلت: فتعجيل الفطور سنة متبعة فيها التمييز الصريح بين أهل السنة، وبين أهل الكفر في الخارج، وأهل البدعة في الداخل؛ لأن الله تعالى يأمر بمثل هذه السنن لما فيها من مخالفة الديانات الكفرية، والديانات البدعية، فيتفرد الدين الإسلام بهذه السنن العظيمة، وبهذا التميز العظيم في أحكامه، ونظامه للعباد في الحياة الدنيا.
وقال العلامة السندي رحمه الله في ((كفاية الحاجة)) (ص673): (قوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن اليهود يؤخرون))؛ تعليل لما ذكر بأن فيه مخالفة لأعداء الله تعالى، فما دام الناس يراعون مخالفة أعداء الله تعالى ينصرهم الله، ويظهر دينهم). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر، وتأخير السحور من خصائص هذه الأمة، لأنها تخالف الكفرة، والمبتدعة الذين يزعمون أن تأخير الفطر بعد غروب الشمس، أو لاشتباك النجوم([23])، هو الأفضل.
(7) وعن أبي عطية الوادعي قال: دخلت أنا ومسروق، على عائشة فقلنا: يا أم المؤمنين، رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة، قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا عبد الله؛ يعني: ابن مسعود قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم). والآخر: أبو موسى رضي الله عنه وفي رواية: ((رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلاهما لا يألوا عن الخير)).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (1099)، وابن أبي مريم في ((مما أسند سفيان الثوري من حديثه)) (280)، وأبو داود في ((سننه)) (2354)، والترمذي في ((سننه)) (702)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2471)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج4 ص144)، والفريابي في ((الصيام)) (ص60 و61)، والبغوي في ((شرح السنة)) (ج6 ص254)، وأحمد في ((المسند)) (ج6 ص48)، وابن راهويه في ((المسند)) (1480)، وأبو عوانة في ((المستخرج)) (ج3 ص119)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص273) من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية الوادعي به.
قلت: فإذا غربت الشمس، فأفطر؛ لأن تعجيل الفطر بالغروب من الفضائل، وهو من السنة النبوية.([24])
قلت: والحكمة في تعجيل الفطر لأمور منها:
1) أن الله تعالى كريم، والكريم يحب أن يتمتع الناس بكرمه.
2) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الخارج من اليهود والنصارى.
3) أن في ذلك مخالفة لأعداء الله تعالى في الداخل من الرافضة، والإباضية، والصوفية، والحزبية.
4) أن ذلك يقوي العبد على الطاعة، وعلى حاجاته، وأرحم به.
5) أن ذلك فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والتأسي به صلى الله عليه وسلم.
6) أن في ذلك ظهور الدين وعلوه.
7) أن في ذلك ظهور الخيرية في المسلمين.
8) أن في ذلك ظهور الخيرية في الفرد.
قلت: والمراعى في ذلك غيبوبة جرمها، وقرصها المستدير، دون أثرها وشعاعها، ... ولا عبرة بمغيب الحمرة في السماء عمن في الأرض، ولو غابت في خلف الجبال، فينظر إلى جهة المشرق، فإذا طلعت الظلمة كان دليلا على مغيب الشمس، ولا عبرة بطلوع الحمرة في رؤوس الجبال، فالمراعى غييوبة قرص الشمس في الجبال والسهول، لأن الغروب الشرعي هو غروب جميع قرص الشمس.([25])
(8) وعن حميد الطويل قال: ((كنا عند أنس بن مالك رضي الله عنه وكان صائما فدعا بعشائه، فالتفت ثابت البناني ينظر إلى الشمس، وهو يرى أن الشمس لم تغب، فقال أنس لثابت: لو كنت عند عمر رضي الله عنه لأحفظك)). يعني: لغضب عليك.
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص56) من طريق محمد بن عبد الأعلى، حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال سمعت حميد الطويل([26]) به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
(9) وعن قيس بن أبي حازم قال: ((أتي عمر بن الخطاب بإناء فيه شراب عند الفطر، فقال لرجل: اشرب لعلك من المسوفين، تقول سوف سوف([27]))).
أثر حسن
أخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص56)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص23) من طريق عبد الواحد بن غياث، حدثنا أبو عوانة، عن بيان بن بشر الأحمسي، عن قيس بن أبي حازم به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: فلا تكونوا من المسوفين بفطركم، ولا تنتظروا الأذان بفطركم، فإذا غربت الشمس فأفطروا، فإن ذلك من السنة، اللهم غفرا.
(16) وعن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: ((كنت جالسا عند عمر، إذ جاءه راكب من أهل الشام، فطفق عمر يستخبره عن حالهم، فقال: هل يعجل أهل الشام الإفطار؟ قال: نعم، قال: لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجوم انتظار أهل العراق)). وفي رواية: ((ولم يتنطعوا تنطع أهل العراق)).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص225)، والفريابي في ((الصيام)) (ص54 و55)، والجوهري في ((أماليه)) (ج8 ص613 –كنز العمال) من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكر هذا الأثر ابن الأثير في ((النهاية)) (ج5 ص74)؛ ثم قال: ((لم يتنطعوا))؛ أي: يتكلفوا القول والعمل ... ويستحب للصائم أن يعجل الفطر بتناول القليل من الفطور).
قلت: وترى ممن ينتسب إلى العلم يفتي أن المعتبر في الفطر غروب الشمس لا الأذان، ثم تراه يفطر على الأذان الحالي الذي هو على ((التقويم الفلكي))!، فخالف السنة، وتنطع في الدين ووافق الكفرة، والمبتدعة!، ولابد والله المستعان.
قال الحافظ القسطلاني رحمه الله في ((إرشاد الساري)) (ج4 ص593): (وأما ما يفعله الفلكيون، أو بعضهم من التمكين بعد الغروب بدرجة، فمخالف للسنة، فلذا قل الخير، والله يوفقنا إلى سواء السبيل). اهـ
(10) وعن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أنه لم يكن ينتظر المؤذن في الإفطار، وكان يعجل الفطر)).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص57) من طريق وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن حميد الطويل به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: وتأخير الإفطار عن غروب الشمس؛ إنما يفعل ذلك الكفرة: من اليهود والنصارى في الخارج، والمبتدعة: من الرافضة والإباضية في الداخل.([28])
قال الفقيه الكلوذاني رحمه الله في ((الهداية)) (ص101): (ويستحب له تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس). اهـ
قلت: فمذهب أهل السنة من أهل العلم استحباب تعجيل الإفطار بغروب الشمس([29])، والله المستعان.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وأحب تعجيل الفطر، وتأخير السحور اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم).([30])
(11) وعن أبي رجاء قال: ((كان ابن عباس يبعث مرتقبا يرقب الشمس، فإذا غابت أفطر، وكان يفطر قبل الصلاة([31]))).
أثر صحيح
أخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص58)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص227) من طريقين عن عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو رجاء به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن بطال في ((شرح صحيح البخاري)) (ج4 ص104).
وأخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص58) من طريق إسحاق بن يوسف، حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن أبي رجاء قال: ((كنت أشهد ابن عباس عند الإفطار في رمضان فيضع طعامه، ثم يبعث مرتقبا يرقب الشمس، فإذا قال: قد وجبت قال: كلوا. قال: وكنا نفطر قبل الصلاة عند ابن عباس في رمضان)).
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص21) من طريق زياد بن الربيع عن أبي جمرة الضبعي: ((أنه كان يفطر مع ابن عباس في رمضان، فكان إذا أمسى، بعث ربيبا له يصعد ظهر الدار، فلما غربت الشمس أذن فيأكل، ونأكل فإذا فرغ أقيمت الصلاة فيقوم يصلي، ونصلي معه)).
وإسناده صحيح.
قال ابن عبد البر رحمه الله في ((الاستذكار)) (ج10 ص41): (وقد روي عن ابن عباس، وطائفة أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة). اهـ
قلت: فلا تفطروا حين يبدو الظلام، فإن ذلك فعل اليهود والنصارى في الخارج، وفعل الرافضة والحزبية في الداخل([32])، اللهم سلم سلم.
(12) وعن علقمة، قال: ((أتي عبد الله بجفنة، فقال للقوم: «ادنوا فكلوا» فاعتزل رجل منهم، فقال له عبد الله: ما لك؟ قال: إني صائم، فقال عبد الله: «هذا، والذي لا إله غيره، حين حل الطعام لآكل)).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
(13) وعن مجاهد، قال: ((إني كنت لآتي ابن عمر بفطره، فأغطيه استحياء من الناس أن يروه([33]))).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص22) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه الفريابي في ((الصيام)) (ص58) من طريق جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: ((كنت آتي ابن عمر بشرابه، وإني لأخفيه من الناس من تعجيله إفطاره)).
وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص226) من طريق ابن عيينة، عن منصور، أو ليث، عن مجاهد قال: ((إن كنت لآتي ابن عمر بالقدح عند فطره فأستره من الناس، وما به إلا الحياء يقول: من سرعة ما يفطر)).
وإسناده صحيح.
قلت: فمن السنة التبكير في الإفطار([34])، والله المستعان.
(14) وعن عمرو بن ميمون رحمه الله، وهو من أكبر التابعين قال: ((كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا)).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص226)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص398)، والفريابي في ((الصيام)) (ص59)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج3 ص154-الزوائد)، والخلعي في ((الخلعيات)) (ص329) من طريق سفيان الثوري، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون به.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه ابن حجر في ((فتح الباري)) (ج4 ص199)، والنووي في((المجموع)) (ج6 ص326)، واللكنوي في ((التعليق الممجد)) (ج2 ص204).
وذكره الهيثمي في ((الزوائد)) (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في ((الكبير))، ورجاله رجال الصحيح.
وذكره ابن بطال في ((شرح صحيح البخاري)) (ج4 ص104)، واللكنوي في ((التعليق الممجد)) (ج2 ص204).
وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص118)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج3 ص154-الزوائد) من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حريث، قال: ((كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا)).
وإسناده لا بأس به في المتابعات.
وذكره الهيثمي في ((الزوائد)) (ج3 ص154) ثم قال: رواه الطبراني في ((الكبير))، ورجاله رجال الصحيح.
قلت: فإذا ابتدع الناس بدعة تأخير الفطر عن غروب الشمس، فقل لهم هل أنتم أهدى، وأفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا إنكم لمتمسكون بطرف ضلالة، لأنكم خالفتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يعجلون الإفطار، وأنتم تؤخرون الإفطار؛ فوافقتم اليهود، والنصارى، والرافضة فوقعتم في الشر: ]فسوف يلقون غيا[ [مريم: 59]، اللهم غفرا.
قال تعالى: ]فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم[ [البقرة: 59].
قلت: فعلى الناس أن يتحروا رؤية غروب الشمس، فإذا غربت أفطروا مباشرة، ولم ينتظروا الأذان الحالي الذي يؤذن على ((التقويم الفلكي))، لأنه متأخر عن غروب الشمس، لأن للفطر وقتا كوقت الصلاة تماما، وإلا وقعوا في البدعة التي وقع فيها اليهود والنصارى، والرافضة والحزبية، وهي تأخير الإفطار عن غروب الشمس، اللهم سلم سلم.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة)).([35])
قلت: وهؤلاء يصلون ولكن لم ينتفعوا بصلاتهم من الناحية التأثر بها، وطلب الزيادة بمعرفة السنة جملة وتفصيلا، والله المستعان؟!.
(15) وعن عبد الرحمن بن يزيد، قال: ((كنا مع عبد الله في طريق مكة، فلما غربت الشمس قال: هذا غسق الليل، ثم أذن، ثم قال: هذا والله الذي لا إله إلا هو وقت هذه الصلاة)).([36])
قال الحافظ البيهقي في ((فضائل الأوقات)) (ص294): ما يستحب من تعجيل الفطر وتأخير السحور.
(16) وعن عبد الله بن يزيد، قال: ((لم أر أحدا كان أعجل إفطارا من سعيد بن المسيب، كان لا ينتظر مؤذنا، ويؤتى بقدح من ماء؛ فيشربه بنفس واحد، لا يقطعه حتى يفرغ منه)).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج8 ص158)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (ج1 ص395) من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الله بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال ابن عبد البر: وهذا أصح عن سعيد بن المسيب.
(15) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: ((إن من السنة تعجيل الإفطار)).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج4 ص23) من طريق وكيع، عن أبي العنبس عمرو بن مروان، قال: سمعت إبراهيم النخعي به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فدل هذا على إجماع العلماء على أن إذا غربت الشمس دخل وقت صلاة المغرب، ودخل فطر الصائم([37])، والله المستعان.
قال الحافظ أبو العباس القرطبي رحمه الله في ((المفهم)) (ج3 ص157): (التعجيل احفظ للقوة، وارفع للمشقة وأوفق للسنة، وأبعد عن الغلو والبدعة). اهـ
قلت: ويظهر الفرق هنا بين أهل السنة، وبين أهل البدعة.
قال القاضي عياض رحمه الله في ((إكمال المعلم)) (ج4 ص37): (بقايا شعاع الشمس، وما بعد مغيبها لا يلتفت إليه، ولا يستحقه أمد الصوم، وأن مغيب قرصها أوجب الفطر ودخل الليل، أو أن التعجيل بالإفطار أولى وأحق). اهـ
قلت: فتعجيل الفطر من خصائص هذه الأمة، ولا تزال بخير ما دامت تحافظ على هذه السنة.([38])
قال الفقيه العيني رحمه الله في ((شرح سنن أبي داود)) (ج2 ص285): (أن التأخير لما كان سببا لزوال الخير كان التعجيل سببا لاستجلابه). اهـ
(16) وعن عروة بن عياض، يخبر عبد العزيز بن عبد الله أنه: ((يؤمر أن يفطر الإنسان قبل أن يصلي، ولو على حسوة)).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص227) من طريق ابن جريج قال: سمعت عروة بن عياض، يخبر عبد العزيز بن عبد الله به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن بطال في ((شرح صحيح البخاري)) (ج4 ص104).
قلت: وهذه الآثار موافقة لما ثبت في السنة النبوية من الأمر بتعجيل الإفطار بغروب الشمس، ولا ينتظر الأذان، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((المحلى بالآثار)) (ج6 ص240): (ومن السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وإنما هو مغيب الشمس عن أفق الصائم، ولا مزيد). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((الاستذكار)) (ج10 ص40): (وفي هذا فضل تعجيل الفطر، وكراهة تأخيره). اهـ
قلت: فمن سنن الصوم تعجيل الفطر عند غروب الشمس، وقبل الصلاة.([39])
قلت: وهذا يدل على أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب، ولم يتأخروا عن ذلك.([40])
قال الفقيه الدمياطي رحمه الله في ((إعانة الطالبين)) (ج2 ص384): (ولما صح أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه، لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة، والخير ليس إلا في اتباعها:
وكل خير في اتباع من سلف، * * وكل شر في ابتداع من خلف). اهـ
(17) وعن ابن عوسجة قال: ((كان علي يأمرنا أن نفطر قبل الصلاة، ويقول: إنه أحسن لصلاتكم)).([41])
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الجزء النافع المبارك -إن شاء الله - سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا، وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
([1]) قلت: وتنطع الفلكيون، ومن تابعهم ممن ينتسب إلى العلم في تأخير الفطر للصائم إلى الأذان على حسب ((التقويم الفلكي!))، الذي يكون معه بعض سواد الليل، فخالفوا السنة!، وهم يظنون على السنة!، اللهم غفرا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج4 ص199): (تنبيه؛ من البدع المنكرة: ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان ... وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة لتمكين الوقت زعموا فأخروا الفطر وعجلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر). اهـ
([3]) قلت: وهذا كله واسع؛ فمن شاء أفطر قبل الصلاة على وجود قرص الشمس بيسير من الأرض أحيانا، ومن شاء أفطر بمغيب قرص الشمس كله، وكل ذلك من تحقق غروب الشمس، ولا بأس من فعل هذا، وهذا، والله ولي التوفيق.
انظر منه؛ ((الموطأ)) للإمام محمد بن الحسن (ج2 ص205).
([4]) وانظر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج4 ص246)، و((المصباح المنير)) للفيومي (ص230)، و((لسان العرب)) لابن منظور (ج6 ص3225).
([9]) ومثله: غروب الشمس عند الصحابة الكرام يطلق عليه غروبا مع وجود قرص الشمس بيسير في آخر النهار، والله المستعان.
([11]) قلت: ولا يلتفت إلى من لم يفقه هذا الحكم في تعجيل الإفطار على هذه الطريقة في هذا العصر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر ولم يلتفت إلى قول بلال رضي الله عنه، والله المستعان.
([12]) ممن يدعي أنه صاحب علم، فيفتي جماهير العامة بخلاف السنة، وهو يظن أنه على السنة، فوقع في الجهل المركب، وهو لا يشعر، اللهم غفرا.
لذلك يجب على العبد أن يبحث عن الآثار الصحيحة التي تبين له الحكم الصحيح في الدين.
([15]) انظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (ج18 ص447)، و((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (ج6 ص343)، و((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (ج6 ص19)، و((التاريخ)) للدوري (ج2 ص376).
([16]) انظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (ج3 ص451)، و((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم (ج1 ص318)، و((ميزان الاعتدال)) للذهبي (ج1 ص284)، و((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (ج1 ص345).
([17]) قلت: ولا يستطيع أحد ممن يزعم أنه يعجل الفطر في هذا الزمان ممن ينتسب إلى العلم؛ أن يفطر وقرص الشمس لم يغيب، لأن يصيبه وسواس في نفسه، هل صومه صحيح، أو لا؟!، بل هؤلاء لم يفطروا بغروب الشمس بالكلية؛ لأنهم يفطرون مع الأذان الذي هو متأخر عن غروب الشمس، اللهم غفرا.
([19]) قلت: والعجب ممن ينتسب إلى العلم يفتي الناس أن يفطروا على غروب الشمس، فإذا هو يفطر على الأذان الحالي، وهو متأخر عن غروب الشمس بزمن ليس باليسير، فخالف السنة، ووافق المبتدعة، لأنه يفطر على ((التقويم الفلكي))، والله المستعان.
([20]) وانظر: ((غاية المطلب)) لأبي بكر الجراعي (ص178)، و((هداية الراغب)) لابن قائد (ص298)، و((الروض المربع)) للبهوتي (ص236)، و((كشاف القناع)) له (ج2 ص153)، و((الذخيرة)) للقرافي (ج2 ص332)، و((الكافي)) لابن قدامة (ج1 ص360)، و((الإحكام شرح أصول الأحكام)) لابن القاسم (ج2 ص249)، و((الحاشية على كنز الراغبين)) للقليوبي (ج2 ص98)، و((منهاج الطالبين)) للنووي (ج2 ص98)، و((المختصر)) لخليل (ج1 ص204)، و((كفاية الطالب الرباني)) للمنوفي (ج1 ص555).
([21]) وانظر: ((نهاية المحتاج)) للرملي (ج3 ص150)، و((الوسيط)) للغزالي (ج1 ص424)، و((كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار)) للحصني (ص189)، و((غاية الاختصار)) لأبي شجاع (ص189)، و((المنهج القويم)) للهيتمي (ج2 ص364)، و((الحاشية)) للجرهزي (ج2 ص364)، و((فتح المعين)) للمعبري (ص273)، و((الحاشية على منهج الطلاب)) للجمل (ج3 ص532)، و((بلغة السالك)) للصاوي (ج1 ص517)، و((فتح الوهاب)) للأنصاري (ج1 ص210)، و((تجريد العناية)) لابن اللحام (ص83)، و((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (ج1 ص455)، و((الذخيرة)) للقرافي (ج1 ص393)، و((المختصر)) للخرقي (ج1 ص613)، و((الحاشية على كفاية الطالب)) للعدوي (ج1 ص555)، و((الحاشية على منهج الطلاب)) للجمل (ج3 ص532)، و((بلغة السالك)) للصاوي (ج1 ص517).
([24]) وانظر: ((الثمر الداني)) للآبي (ص176)، و((شرح مختصر خليل)) للخرشي (ج3 ص17)، و((الحاشية على شرح الخرشي)) للعدوي (ج3 ص17)، و((تبيين الحقائق)) للزيلعي (ج2 ص211)، و((فيض القدير)) للمناوي (ج2 ص1416)، و((رمز الحقائق)) للعيني (ج1 ص135)، و((النهر الفائق)) لابن نجيم (ج2 ص5)، و((الحاشية على منهج الطلاب)) للجمل (ج3 ص432).
([25]) وانظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (ج2 ص24)، و((فتح الباري)) لابن رجب (ج3 ص661)، و((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (ج1 ص80)، و((منهاج الطالبين)) للنووي (ج1 ص167)، و((المبدع في شرح المقنع)) لأبي إسحاق الحنبلي (ج1 ص343)، و((الحاشية على كفاية الطالب)) للعدوي (ج1 ص315)، و((كفاية الطالب الرباني)) للمنوفي (ج1 ص315)، و((الثمر الداني)) للآبي (ص57)، و((أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري)) للخطابي (ج1 ص445)، و((شرح سنن النسائي)) للسيوطي (ج2 ص258)، و((الحاشية على سنن النسائي)) للسندي (ج2 ص258).
([26]) وتصحف: ((الطويل)) إلى ((الحارث))؛ ولعل الناسخ أخطأ في نسبته، لأن من شيوخ المعتمر؛ حميد الطويل، ولا يوجد من شيوخه حميد الحارث.
انظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (ج28 ص250).
([29]) وانظر: ((الواضح في شرح مختصر الخرقي)) لابن أبي القاسم (ج1 ص61).
ولأن في تعجيل الفطر، وتأخير السحور قوة لجسده، ومعونة لأداء عبادته.
انظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (ج3 ص444).
([32]) وانظر: ((فيض القدير)) للمناوي (ج2 ص1427)، و((التعليق الممجد)) للكنوي (ج2 ص204)، و((سبل السلام)) للصنعاني (ج2 ص304)، و((الكاشف)) للطيبي (ج4 ص179)، و((الإمداد)) للشيخ الفوزان (ج2 ص381)، و((القبس)) لابن العربي (ج2 ص478)، و((إكمال إكمال المعلم)) للآبي (ج4 ص32)، و((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (ج2 ص42).
أخرجه اللالكائي في ((الاعتقاد)) (126)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (205)، والمروزي في ((السنة)) (836)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) (191).
وإسناده صحيح.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج9 ص264 و365) من وجهين.
وأورده الهيثمي في ((الزوائد)) (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده صحيح.
وأورده الهيثمي في ((الزوائد)) (ج1 ص311)؛ ثم قال: وإسناده حسن.
([37]) وانظر: ((المخلص الفقهي)) للشيخ الفوزان (ج1 ص105)، و((فتح ذي الجلال والإكرام)) لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص23)، و((فيض القدير)) للمناوي (ج2 ص794 و795)، و((الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)) لابن الملن (ج5 ص309)، و((إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص566).
([38]) وانظر: ((إكمال إكمال المعلم)) للأبي (ج4 ص32)، و((مكمل إكمال الإكمال)) للسنوسي (ج4 ص32)، و((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (ج3 ص157)، و((مختصر سنن أبي داود)) للمنذري (ج3 ص235)، و((نيل الأوطار)) للشوكاني (ج4 ص217).
([39]) وانظر: ((كنز الراغبين)) للمحلي (ج2 ص98)، و((نيل الأوطار)) للشوكاني (ج4 ص217)، و((مشكاة المصابيح)) للتبريزي (ج4 ص791)، و((الحاشية على كنز الراغبين)) للقليوبي (ج2 ص98)، و((الغرر البهية)) للأنصاري (ج3 ص584)، و((جواهر الإكليل)) للآبي (ج1 ص204)، و((كفاية الطالب الرباني)) للمنوفي (ج1 ص555)، و((مرقاة المفاتيح)) للقاري (ج4 ص478)، و((سبل السلام)) للصنعاني (ج2 ص305)، و((التنوير)) له (ج11 ص98)، و((الحاشية على مراقي الفلاح)) للطحطاوي (ج14 ص631)، و((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص138)، و((فيض القدير)) للمناوي (ج2 ص1424).