الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / هداية الحيارى إلى إزالة تصاليب النصارى
هداية الحيارى إلى إزالة تصاليب النصارى
|
هداية الحيارى
إلى
إزالة تصاليب النصارى
تأليف
العلامة أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره
شعارنا:
أمن وأمان في الأوطان
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم قونا
ذكر الدليل على وجوب إزالة الصلبان على قدر المستطاع
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه). وفي رواية: (فيه تصاليب إلا نقضه).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (5952)، وأبو داود في ((سننه)) (4151)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9706)، وأحمد في ((المسند)) (24261) من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا عمران بن حطان عن عائشة رضي الله عنها به.
õ وقضبه: معناه قطعه، لأن القضب معناه: القطع.
õ والتصليب: ما كان على صورة الصليب.([1])
قال الإمام الخطابي رحمه الله في ((أعلام الحديث)) (ج3 ص2159): (وفي سائر الروايات ((إلا قضبه))؛ أي: قطعه، و((التصاليب)): أشكال الصليب، وإنما كان يفعل ذلك؛ لأن النصارى يعيدون الصليب، فكره أن يكون شيء من ذلك في بيته صلى الله عليه وسلم). اهـ
وقال العلامة العظيم آبادي رحمه الله في ((عون المعبود)) (ج11 ص206): (باب في الصليب في الثوب؛ أي: صورة الصليب فيه، والصليب: بفتح الصاد، وكسر اللام، هو الذي للنصارى، وصورته أن توضع خشبة على أخرى على صورة التقاطع يحدث منه المثلثان على صورة المصلوب، وأصله أن النصارى يزعمون أن اليهود صلبوا عيسى عليه السلام؛ فحفظوا هذا الشكل تذكرا لتلك الصورة الغريبة الفظيعة، وتحسرا عليها وعبدوه!). اهـ
وقال الإمام الخطابي رحمه الله في ((معالم السنن)) (ج3 ص337): (قضبه؛ معناه: قطعه، والقضب: القطع، والتصليب: ما كان على صورة الصليب). اهـ
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج10 ص385): (((لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب)): جمع صليب؛ كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبا تسمية بالمصدر ... ((إلا نقضه)) والمعنى: يزيل الصورة مع بقاء الثوب على حاله، والقضب: وهو القطع يزيل صورة الثوب). اهـ
قلت: فيحرم ترك التصاليب النصرانية في البيوت، ويجب طمسها، أو إزالتها بالكلية منها، سواء في الثياب، أو الحيطان، أو الفرش، أو الأوراق، أو الدفاتر، أو الحقائب، أو المراكب، أو الأماكن([2])، أو غير ذلك على قدر المستطاع: ]فاتقوا الله ما استطعتم[ [التغابن:16]، والذي لا يستطيع أن يزيل التصاليب النصرانية الكفرية، فينكر بقلبه، ولا يرضى بذلك، وهذا أضعف الإيمان، وإلا أثم، اللهم غفرا.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).([3])
قلت: فمن كره بقلبه، ولم يستطع إنكارا بيد، ولا لسان؛ فقد برئ من الإثم، وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته، واستطاعته؛ فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بهذا الفعل وتابع، فهو العاصي لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم([4])، والويل يوم القيامة، اللهم سلم سلم.
فعن طارق بن شهاب قال: (جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر، قال: بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف، وينكر قلبه المنكر).([5])
قال الفقيه ابن بطال رحمه الله في ((شرح صحيح البخاري)) (ج9 ص176): (لم يكن يترك صلى الله عليه وسلم في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه: فدخل في ذلك جميع وجوه استعمال الصور في البسط، واللباس وغيره، ... وفي الحيطان، والثياب، وغيرها). اهـ
قلت: ونقض التصاليب؛ أي: تغيير هيئتها بكسر، ونحوه.([6])
فعن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته).([7])
قال الفقيه الكرماني في ((الكواكب الدراري)) (ج21 ص135): (التصاليب؛ أي: التصاوير؛ كالصليب، يقال: ثوب مصلب؛ أي: عليه نقش؛ كالصليب الذي للنصارى، و(نقضه)؛ أي: كسره، وأبطله، وغير صورته). اهـ
قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح صحيح البخاري)) (ج5 ص615):
وفي هذا دليل على وجوب بعد المسلم عن شعار الكفار، وأنه لا يجوز للمسلم أن يجعل عنده شيئا يكون شعارا للكفار). اهـ
قلت: والنصارى يتخذون الصليب شعارا دينيا لهم، ولذلك يتبركون به، ويجعلونه على كنائسهم، ويعلقونه على صدورهم مما يدل على أنهم يتخذونه دينا.
ونظير ذلك تهنئة الكفار، فتهنئة الكفار بأعيادهم حرام بلا شك، لأن ذلك من شعاراتهم الدينية الكفرية، فلا يرضى المسلم بذلك.([8])
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (السعيد من وعظ بغيره).([9]) يعني: من قبل النصيحة سعد في الدنيا والآخرة.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
([1]) وانظر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج2 ص465)، و((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (ج18 ص104)، و((فتح الباري بشرح صحيح البخاري)) لابن حجر (ج10ص385)، و((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للآبادي (ج11 ص207)، و((مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود)) للسيوطي (ج4 ص365).
([2]) وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج10 ص385)، و((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (ج9 ص176)، و((فتح الرباني)) للبنا (ج17 ص282).
([3]) أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (49)، وأبو داود في ((سننه)) (1140)، والترمذي في ((سننه)) (2173)، والنسائي في ((سننه)) (ج8 ص111)، وابن ماجه في ((سننه)) (4013).
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج7 ص275)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (8564).
وإسناده صحيح.
وذكره الهيثمي في ((الزوائد)) (ج7 ص275) ثم قال: ورجاله رجال الصحيح.
([6]) انظر: ((تحفة الباري بشرح صحيح البخاري)) للأنصاري (ج6 ص48)، و((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (ج12 ص727)، و((عمدة القاري بشرح صحيح البخاري)) للعيني (ج18 ص104).