القائمة الرئيسة
الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / زينة الستر في سنية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

2023-12-11

صورة 1
زينة الستر في سنية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

فقاعة التفكير: على شكل سحابة: سلسلة
أهل الأثر في مملكة البحرين

سلسلة

ينابيع الأنهار في فقه

الكتاب والسنة والآثار

 

 

                                         

 

 

 
  شكل بيضاوي: 42

 

 

 

 

 

زينة الستر

في  

سنية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

 

تأليف

فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

ومعه:

إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع التابعين الكرام في شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

شعارنا: أمن و أمان في الأوطان

بسم الله الرحمن الرحيم

عونك يا رب يسر

المقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقاد الغر المحجلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد

فإن الفقه الأثري من أهم ميادين العلوم الشرعية، وقد جاءت الأدلة متضافرة في الحث على التفقه في دين الله تعالى، ومعرفة أحكام الشريعة.

قال تعالى: ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[ [التوبة: 122].

وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).([1])

قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص165): (ونكر خيرا ليشمل القليل والكثير، والتنكير للتعظيم؛ لأن المقام يقتضيه.

ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين؛ أي: يتعلم قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم الخير). اهـ

قلت: وليس ذلك إلا؛ لأن صحة العبادة وصلاح العمل كلاهما متوقف على الفقه في الدين جملة وتفصيلا.

قال تعالى: ]وقل رب زدني علما[ [طه: 114].

قال ابن حجر في رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص187): (واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم). اهـ

فبالتفقه في الدين ينال العبد العزة في الدنيا والآخرة.

قلت: والفقه ثمرة العلوم كلها.

قال ابن الجوزي رحمه الله في ((صيد الخاطر)) (ص155): (أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه، علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه الخلائق أبدا([2])). اهـ

وانطلاقا من هذه المكانة للفقه في الدين؛ فقد حرصت على وضع هذا المختصر([3]) في سنية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر، ليكون سهلا ميسرا للمسلين، مع الحرص على ذكر الآثار بالإسانيد الصحيحة عن السلف الصالح.

وما توفيقي إلا بالله عليه أتوكل وبه أعتصم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من اعتصم بالآثار نجا

ذكر الدليل من آثار السلف الصالح من الصحابة الكرام،

والتابعين الأفاضل في القنوت في صلاة الوتر في السنة كلها،

وخاصة في شهر رمضان المبارك، ويكون ذلك أحيانا،

ويكون الأفضل فعله قبل الركوع اقتداء بإجماع السلف الصالح

على هذا الحكم في صلاة الوتر

 

اعلم رحمك الله أنه لم يثبت عن النبي r أنه قنت في صلاة الوتر، أو علم أحدا من الصحابة y بقنوت الوتر([4])، بل ثبت عن النبي r أنه كان لا يقنت إلا في النوازل، فيدعو إلى أن ترفع النازلة، فيكون هذا الدعاء منه r عارضا لمناسبة نازلة، أو حاجة قائمة، كالدعاء لكشف ضر نازل، أو لطلب خير قائم([5])، وهكذا.

لكن يؤثر عن عامة أهل القرون المفضلة، وهم السلف الصالح من الصحابة y، والتابعين الكرام في القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع أحيانا، وهو الأفضل؛ أي: القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع اقتداء بالسلف الصالح، ويفعل في السنة كاملة لا على سبيل الدوام في كل ليلة، بل يفعل على فترات فيها؛ أي: يترك أكثر الليالي، وخاصة يترك أكثر ليالي شهر رمضان المبارك اقتداء بالقرون المفضلة([6]): ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90].

وإليك الدليل:

(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان لا يقنت إلا في النصف؛ يعني: من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص252)، وعبدالله بن أحمد في ((المسائل)) (96).

وإسناده صحيح.

 (2) وعن نافع؛ (أن  ابن  عمر كان لا يقنت في الصبح، ولا في الوتر أيضا).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص106)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص207).

وإسناده صحيح.

(3) وعن ابن مسعود t؛ (أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات؛ إلا في الوتر قبل الركوع).

أثر حسن

أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9165)، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص366)، والطبري في ((تهذيب الآثار)) (666- مسند ابن عباس).

وإسناده حسن.

(4) وعن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه: (أن عبدالله بن مسعود كان يوتر؛ فيقنت قبل الركوع).

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص625)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (9166).

وإسناده حسن.

قال الترمذي في ((السنن)) (ج2 ص564): (فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع). اهـ

وهذا اختيار ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254) أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

(5) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (كانوا يقولون القنوت بعدما يفرغ من القراءة). يعني: قبل الركوع.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248).

وإسناده صحيح.

قلت: فهذا التابعي الجليل الثقة الفقيه([7]) يروي عن عامة الصحابة، والتابعين في أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، كما هو صريح الأثر، وهذا مما يدل على عدم الالتفات إلى الخلاف الذي وقع ممن بعدهم من فقهاء المذاهب، اللهم غفرا.

قال تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90].

(6) وعن الأسود بن يزيد؛ (أن عمر([8])  قنت في الوتر قبل الركوع).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص247)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص318).

وإسناده صحيح.

قال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) (ج1 ص335): (والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه، والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر). اهـ

(7) وعن علقمة بن قيس النخعي([9]) رحمه الله؛ (أن ابن مسعود، وأصحاب النبي r كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248)، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص367).

قلت: وهذا سنده حسن، من أجل حماد بن أبي سليمان، وهو صدوق وقد روى له أصحاب السنن، ورى له مسلم مقرونا، وبقية رجاله؛ رجال الصحيح، وقد حسنه ابن حجر في ((الدراية)) (ص194).

قال الشيخ الألباني في ((الإرواء)) (ج2 ص166): وهذا سند جيد، وهو على شرط مسلم.

وذكره ابن التركماني في ((الجوهر النقي)) (ج3 ص41) ثم قال: وهذا سند صحيح على شرط مسلم.

وأقره المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (ج2 ص564)، على هذا التصحيح.

وذكره الزيلعي في ((نصب الراية)) (ج2 ص125).

وهذا شامل لجميع الصحابة y، وأنهم متفقون على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، أضف إلى ما صح من الآثار عن كثير من أفرادهم، بل وإجماع التابعين على هذه المسألة، وهذا مما يعطي الإجماع درجة اليقين في ثبوت هذه المسألة عنهم.([10])

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((الاستذكار)) (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم، لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم، فأين المهرب عنهم دون ضعة، ولا أصل، وبالله التوفيق). اهـ

وقال المفسر الجصاص رحمه الله في ((أحكام القرآن)) (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف، فهو إجماع وحجة على من بعدهم). اهـ

قلت: فأهل الحديث هم أعلم الناس بأقوال الصحابة الكرام؛ ممن ينقل أقوالا بلا إسناد...([11]) إذا فأصحاب رسول الله r عامتهم يرون أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع.

 (8) وعن البراء بن عازب t؛ (أنه كان يقنت قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص313)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص209).

وإسناده صحيح.

 (9) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (القنوت في الوتر من السنة كلها قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص120)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254).

وإسناده صحيح.

(10) وعن هشام؛ (أن الحسن البصري، وابن سيرين كانا يقنتان في الوتر قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص120).

وإسناده صحيح.

 (11) وعن المهلب بن أبي حبيبة قال: سألت سعيد بن أبي الحسن([12])؛ عن القنوت؟ فقال: (في النصف من رمضان؛ كذلك علمنا).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253).

وإسناده صحيح.

 (12) وعن الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: (كان يصلي، ولا يقنت في الوتر حتى النصف). يعني: النصف من رمضان.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253).

وإسناده صحيح.

 (13) وعن الزهري رحمه الله قال: (لا قنوت في السنة كلها، إلا في النصف الآخر من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص315).

 وإسناده صحيح.

(14) وعن الحسن البصري رحمه الله؛ (أنه كان يقنت السنة كلها في الوتر؛ إلا النصف الأول من رمضان). يعني لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان.

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص316)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253).

وإسناده صحيح.

 (15) وعن هشام، وإبراهيم النخعي قالا: (كان ابن سيرين لا يقنت من السنة شيئا، إلا النصف الآخر من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121).

وإسناده صحيح.

(16) وعن معمر بن راشد الأزدي رحمه الله قال: (وإني لأقنت السنة كلها؛ إلا النصف الأول من رمضان، فإني لا أقنته).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121).

وإسناده صحيح.

(17) وعن الأسود بن يزيد؛ (أنه كان يقنت في الوتر قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248).

وإسناده صحيح.

 (18) وعن سعيد بن جبير؛ (أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248).

وإسناده صحيح.

 (19) وعن إسماعيل بن علية قال: (رأيت أيوب، وكان يؤم أصحابه يتطوع بين التراويح، ويصلي في الطاق، ويقنت إذا مضت ست عشرة).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (ج1 ص496).

وإسناده صحيح.

قلت: فهذه الآثار كلها تدل على شرعية القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، وذلك أن الجميع من سلف علماء الأمة من الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان، لا خلاف بينهم في القنوت في الوتر قبل الركوع، فلا وجه لمخالفتهم بأقوال العلماء من بعدهم، ففعل القنوت في قيام الليل في شهر رمضان بعد الركوع، هو خارج من إجماعهم الصريح في هذا الحكم.([13])

وقد بين العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((إرواء الغليل)) (ج2 ص168)؛ أن نفي أنس بن مالك t للقنوت بعد الركوع، إنما هو لقنوت الوتر، لا لقنوت النازلة، فقنوت الوتر يكون قبل الركوع.([14])

قال العلامة الشيخ الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (ج2 ص166): (والخلاصة أن الصحيح الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم هو القنوت قبل الركوع في الوتر!). اهـ

لذلك من الخطأ أن يقارن بين السلف، والخلف، لأن السلف اتفقوا على أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، والخلف اختلفوا في القنوت في صلاة الوتر أبعد الركوع، أو قبله؟!: ]فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون [[الأنعام:82].

قلت: فما اتفق عليه الصحابة الكرام هو الصواب الذي لابد على المسلمين في بلدانهم أن يعملوا به في الشريعة المطهرة.([15])

قال تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [[الأنعام:90].

قلت: ومثل هذا الإجماع للصحابة الكرام قرره أهل العلم في كتبهم؛ من قول التابعي: (كان أصحاب رسول الله r....)، فكان ذلك ضمن ما يستدل به على إجماعهم.([16])

قلت: وسبق إجماع التابعين([17]) أيضا أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع([18])... وسبق

 فلا يلتفت بعد هذا الإجماع إلى أقوال غيرهم ممن دونهم من أهل العلم الذين اختلفوا في هذه المسألة...

لذلك؛ ومن السييء ما يسلكه المقلدون للمذاهب من استخدامهم للمبادئ المنافية لعلم الكتاب والسنة، حيث أنهم يلجئون إلى شبه التقليد بما يعرف عندهم: بـ(اختلف العلماء على قولين!)، أو ما يسمى بـ(الفقه المقارن!)؛ فيصرفون النظر عن اتفاق السلف الصالح في الأحكام، بل ويتجاهلون الاتفاق، والآثار السلفية، ويقررون اختلاف المذاهب من بعدهم؛ ليسهل عليهم التعصب لآرائهم المذهبية المختلفة، والإفتاء بها في بلدانهم([19]): ]ذلك مبلغهم من العلم [[النجم:30].

قلت: وهذه الآثار لا تحمل إلا على أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع.

فقد أجمع السلف الصالح على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، والأدلة على ذلك كثيرة جدا، وكذلك ثبت عن التابعين، والخلاف في القنوت يكون قبله أو بعده؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.

قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.

وحكى الإجماع على ذلك جماعة من أهل العلم.

وهذا الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع في قيام رمضان أو غيره.

لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه المقلدة من إجماع الصحابة الكرام على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.

قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول من يقول أن القنوت في صلاة الوتر يكون بعد الركوع.

فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.

قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع في شهر رمضان، وغيره.

فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للرسولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة، سواء في المسائل الأصولية، أو المسائل الفروعية.([20])

قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].

وقال تعالى: ] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

قلت: ووجه الاستدلال بها؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([21])

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم). اهـ

قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([22])، اللهم غفرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ

وقال أبو داود في ((المسائل)) (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).

قلت: فهؤلاء المقلدة المتعصبة في بلدانهم يحبون الاختلاف بين العلماء في المسائل الفقهية، لذلك يرجعون إليه، ويفتون به دون الرجوع إلى الدليل، بل وترى كل بلد يخالف البلد الآخر في أحكام الدين بسبب المذهبية، والعصبية، والحزبية، ويحبون الاختلاف، بل ويتبعون أهواءهم في ذلك، ويكرهون الرجوع إلى ما أجمعوا عليه، فيقال للمتعصبة لبدانهم: ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة والاختلاف ([23])، اللهم سلم سلم.

قلت: ومن قال من العلماء بأن القنوت في صلاة الوتر بعد الركوع، فإنه لم يبلغه الإجماع، ولو بلغه الإجماع لم يخالفه، أو ثبت عند العلماء الإجماع، لكن تأولوه، كما تأولوا الأحاديث المرفوعة.([24])

قلت: والظاهر أن العلماء المختلفين في القنوت في صلاة الوتر؛ لم يبلغهم إجماع الصحابة y، والتابعين الكرام، أو شكوا فيه، لأنه لو بلغهم إجماع السلف؛ لما وسعهم أن يخالفوه، لأنهم يعلمون أن الصحابة الكرام لا يجتمعون على خطأ في الدين.

قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص472): (ونعلم أن عامتهم -يعني الصحابة- لا تجتمع على خلاف  لسنة رسول الله r، ولا على خطأ إن شاء الله). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

قلت: لذلك يحرم على قوم وصل إليهم إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة في الدين أن يصيروا إلى اختلاف لمن بعدهم من العلماء.

قال الفقيه ابن العربي المالكي رحمه الله في ((عارضة الأحوذي)) (ج9 ص10): (الأمة إذا اجتمعت على قول؛ فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر). اهـ

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،

وأن يجعله لي عنده يوم القيامة دخرا... وصلى الله وسلم وبارك

على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،

وآخر دعوانا أن الحمد الله

رب العالمين

 

 



([1]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج1 ص164)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج2 ص718).

([2]) وهذا مما لا خلاف فيه أن التفقه في الدين، ومعرفة أحكام شرع الله تعالى؛ بالقدر الذي يحتاج إليه المسلم بالأدلة من الكتاب والسنة والآثار؛ لعبادة ربه سبحانه من أوجب الواجبات بعد معرفة أصول الدين.

([3]) وقد اختصرته من كتابي: (رفع الستر عن شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر) ولله الحمد والمنة.

([4]) انظر: كتابي: ((جزء في تخريج حديث: القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع)). ولله الحمد والمنة.

     قال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في ((القنوت)) (ج3 ص254- التحقيق): (الأحاديث التي جاء  فيها – القنوت في الوتر – قبل الركوع، كلها معلولة!). اهـ

([5]) انظر: ((الصحيح)) للبخاري (ج2 ص489)، و((الصحيح)) لمسلم (ج2 ص970).

([6]) وانظر: ((المسائل)) رواية ابن هانئ (ص108)، و((المسائل)) رواية صالح بن أحمد (ج1 ص435)، و((المسائل)) رواية عبدالله بن أحمد (ص90 و91)، و((الأوسط)) لابن المنذر (ج5 ص206)، و((تهذيب الآثار)) للطبري (ج1 ص367 و375)، و((مشكل الآثار)) للطحاوي (ج11 ص365).

([7]) وانظر: ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص118).

([8]) قلت: وتصحف عنده عمر إلى ابن عمر، وهو خطأ؛ لأن الأسود مشهور بالرواية عن عمر بن الخطاب t؛ لا ابنه، لذا لم يذكره المزي في شيوخه، كما في ((تهذيب الكمال)) (ج3 ص234).

([9]) قلت: فهذا التابعي الكبير الفقيه الثقة الثبت يروي عن عامة الصحابة الكرام الإجماع على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

     وانظر: ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص689).

([10]) وانظر: ((مشكل الآثار)) للطحاوي (ج11 ص365 و372).

([11]) وانظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (ج32 ص240).

([12]) هو أخو الحسن البصري، وهو تابعي ثقة.

     انظر: ((التقريب)) لابن حجر (ص375).

([13]) وانظر: ((مشكل الآثار)) للطحاوي (ج11 ص365 و372).

([14]) لم يثبت عن رسول الله r القنوت قبل الركوع.

انظر: ((المسائل)) لعبدالله بن أحمد (ص192)، و((زاد المعاد)) لابن القيم (ج1 ص334)، و((التحقيق)) لابن الجوزي (ج3 ص254).

([15]) قلت: ولا يعرف ذلك، ويفهمه إلا من اشتغل بعلم الحديث، وتطبيقه في الحياة الدنيا.

([16]) وانظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (ج2 ص280) و(ج3 ص326)، و((المغني)) لابن قدامة (ج1 ص181)، و((الاستذكار)) لابن عبد البر (ج1 ص355) و(ج8 ص12).

([17]) قلت: ويتبين أن الاختلاف الذي وقع من المتأخرين في القنوت في صلاة الوتر، لا يعتد به بعد إجماع السلف الصالح.

([18]) قلت: فدل إجماعهم على نسخ ما قد اختلف فيه أصحاب المذاهب، لأن الله تعالى لم يكن ليجمعهم إلا على الصواب في الدين.

([19]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1057 و1058)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص192 و270)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ص335)، و((الفقه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص434).

([20]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) (ج4 ص1083 و1108 و1113)، و((المسودة في أصول االفقه)) لآل ابن تيمية (ص317)، و((التمهيد في أصول الفقه)) لأبي الخطاب (ج3 ص224)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص67)، و((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (ج9 ص10)، و((شرح العقيدة الواسطية)) لشيخنا ابن عثيمين (ج2 ص312).

([21]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((الرسالة)) له (ص475)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و((الفقيه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص155)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و((الإحكام)) للآمدي (ج1 ص200)، و((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ج5 ص385)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص194)، و((تفسير القرآن)) لابن كثير (ج3 ص218).

([22]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1067)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص194)، و((إجمال الإصابة في أقوال الصحابة)) للعلائي (ص57).

([23]) وانظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج6 ص24)، و((الاعتصام)) للشاطبي (ج13 ص135).

([24]) وانظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (ج2 ص925)، و((الصحيحة)) للشيخ الألباني (ج1 ص175).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan