القائمة الرئيسة
الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / رفع الستر عن شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

2023-12-11

صورة 1
رفع الستر عن شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

فقاعة التفكير: على شكل سحابة: سلسلة
أهل الأثر في مملكة البحرين

سلسلة

ينابيع الأنهار في فقه

الكتاب والسنة والآثار

 

 

                                         

 

 

 
  شكل بيضاوي: 41

 

 

 

 

 

رفع الستر

عن

شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر

دراسة أثرية منهجية علمية في ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع التابعين الكرام على شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر فيجب العمل بهذا الإجماع، ورفض اختلاف العلماء من بعدهم، وعدم الاعتداد به في الدين.

تأليف

فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري

 

شعارنا: أمن و أمان في الأوطان

بسم الله الرحمن الرحيم

عونك يا رب يسر

المقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، وبه أستعين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقاد الغر المحجلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد

فإن الفقه الأثري من أهم ميادين العلوم الشرعية، وقد جاءت الأدلة متضافرة في الحث على التفقه في دين الله تعالى، ومعرفة أحكام الشريعة.

قال تعالى: ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون[ [التوبة: 122].

عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).([1])

قال ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص165): (ونكر خيرا ليشمل القليل والكثير، والتنكير للتعظيم؛ لأن المقام يقتضيه.

ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين؛ أي: يتعلم قواعد الإسلام، وما يتصل بها من الفروع، فقد حرم الخير). اهـ

قلت: وليس ذلك إلا؛ لأن صحة العبادة وصلاح العمل كلاهما متوقف على الفقه في الدين جملة وتفصيلا.

قال تعالى: ]وقل رب زدني علما[ [طه: 114].

قال ابن حجر في رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص187): (واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم). اهـ

فالتفقه في الدين ينال العبد العزة في الدنيا والآخرة.

قلت: والفقه ثمرة العلوم كلها.

قال ابن الجوزي في ((صيد الخاطر)) (ص155): (دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته، ومن تأمل ثمرة الفقه، علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه الخلائق أبدا([2])). اهـ

وانطلاقا من هذه المكانة للفقه في الدين؛ فقد حرصت على وضع هذا الكتاب؛ وسميته: ((رفع الستر عن شرعية القنوت قبل الركوع في صلاة الوتر ))، ليكون سهلا ميسرا للمسلين، مع الحرص على ذكر الآثار بالإسانيد الصحيحة عن السلف الصالح.

وما توفيقي إلا بالله عليه أتوكل وبه أعتصم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

أبو عبد الرحمن الأثري

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من اعتصم بالمنهج نجا

ذكر الدليل من آثار السلف الصالح من الصحابة الكرام،

والتابعين الأفاضل في القنوت في صلاة الوتر في السنة كلها،

وخاصة في شهر رمضان المبارك، ويكون ذلك أحيانا،

ويكون الأفضل فعله قبل الركوع اقتداء بإجماع السلف الصالح

على هذا الحكم في صلاة الوتر

 

اعلم رحمك الله أنه لم يثبت عن النبي r أنه قنت في صلاة الوتر، أو علم أحدا من الصحابة y بقنوت الوتر([3])، بل ثبت عن النبي r أنه كان لا يقنت إلا في النوازل، فيدعو إلى أن ترفع النازلة، فيكون هذا الدعاء منه r عارضا لمناسبة نازلة، أو حاجة قائمة، كالدعاء لكشف ضر نازل، أو لطلب خير قائم([4])، وهكذا.

لكن يؤثر عن عامة أهل القرون المفضلة، وهم السلف الصالح من الصحابة y، والتابعين الكرام في القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع أحيانا، وهو الأفضل؛ أي: القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع اقتداء بالسلف الصالح، ويفعل في السنة كاملة لا على سبيل الدوام في كل ليلة، بل يفعل على فترات فيها؛ أي: يترك أكثر الليالي، وخاصة يترك أكثر ليالي شهر رمضان المبارك اقتداء بالقرون المفضلة([5]): ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90].

وإليك الدليل:

(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان لا يقنت إلا في النصف؛ يعني: من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص252)، وعبدالله بن أحمد في ((المسائل)) (96)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص206)، والمروزي في ((قيام الليل)) (ص315) من طريق ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وتابعه عبدالوهاب الثقفي عن أيوب السختياني به.

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص252)، وإسناده صحيح.

وذكره ابن قدامة في ((المغني)) (ج1 ص784)، والماركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (ج2 ص565).

(2) وعن نافع؛ (أن  ابن  عمر كان لا يقنت في الصبح، ولا في الوتر أيضا).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص106)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص207) من طريق معمر عن أيوب السختياني عن نافع به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

(3) وعن ابن مسعود t؛ (أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات؛ إلا في الوتر قبل الركوع).

أثر حسن

أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9165)، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص366) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين.

والطبري في ((تهذيب الآثار)) (666- مسند ابن عباس) من طريق أبي معاوية محمد بن حازم.

والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج1 ص253) من طريق أبي داود.

كلهم عن عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة المسعودي عن عبدالرحمن بن الأسود بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود t به.

قلت: وهذا سنده حسن، من أجل المسعودي، وهو صدوق، وقد اختلط قبل موته، وسماع الفضل بن دكين منه بالكوفة قديم قبل اختلاطه.([6])

قال الإمام أحمد رحمه الله في ((العلل)) (ج3 ص50): (كل من سمع من المسعودي بالكوفة؛ فهو جيد؛ مثل: وكيع، وأبي نعيم، وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد، فهو في الاختلاط؛ إلا من سمع بالكوفة). اهـ

قلت: فضابطه؛ أن من سمع من المسعودي ببغداد، فسماعه بعد الاختلاط، ومن سمع منه بالكوفة، فسماعه قبل الاختلاط.

وذكره ابن حجر في ((الدراية)) (ص193)؛ وصححه موقوفا، والهيثمي في ((الزوائد)) (ج2 ص137)؛ وحسنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص625) من طريق حفص عن ليث بن أبي سليم.

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص625) من طريق هشيم قال: أخبرنا ليث بن أبي سليم.

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9166) من طريق أبي العميس عتبة بن عبدالله.

كلاهما عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه: (أن عبدالله بن مسعود كان يوتر؛ فيقنت قبل الركوع).

وإسناده حسن، وقد حسنه الهيثمي في ((الزوائد)) (ج2 ص137)، وصححه الشيخ الألباني في ((الإرواء)) (ج2 ص166).

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9432) من طريق حجاج بن المنهال، ثنا حماد، عن أبي جمرة([7])، عن ابن مسعود t؛ (أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع، ولا يقنت في صلاة الفجر).

وإسناده حسن.

وذكره النووي في ((المجموع)) (ج4 ص24)، وابن المنذر في ((الإشراف)) (ج2 ص271)، والزيلعي في ((نصب الراية)) (ج2 ص124).

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254)، وأبو يوسف في ((الآثار)) (ص169)، ومحمد بن الحسن في ((الآثار)) (211)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص318) من طريق حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود t به.

وإسناده منقطع بين إبراهيم النخعي، وابن مسعود.([8])

قال الترمذي في ((السنن)) (ج2 ص564): (فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع). اهـ

وهذا اختيار ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254) أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

(4) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (كانوا يقولون القنوت بعدما يفرغ من القراءة). يعني: قبل الركوع.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فهذا التابعي الجليل الثقة الفقيه([9]) يروي عن عامة الصحابة، والتابعين في أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، كما هو صريح الأثر، وهذا مما يدل على عدم الالتفات إلى الخلاف الذي وقع ممن بعدهم من فقهاء المذاهب، اللهم غفرا.

قال تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ [الأنعام:90].

(5) وعن الأسود بن يزيد؛ (أن عمر([10])  قنت في الوتر قبل الركوع).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص247)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص318) من طريق هشيم قال: أخبرنا منصور عن الحارث العكلي عنإبراهيم عن الأسود بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره النووي في ((المجموع)) (ج4 ص24)، وابن المنذر في ((الإشراف)) (ج2 ص271).

وقال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) (ج1 ص335): (والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه، والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر). اهـ

(6) وعن علقمة بن قيس النخعي رحمه الله؛ (أن ابن مسعود، وأصحاب النبي r كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع).

أثر حسن

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248)، والطحاوي في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص367) من طريق هشام الدستوائي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة النخعي به.([11])

قلت: وهذا سنده حسن، من أجل حماد بن أبي سليمان، وهو صدوق وقد روى له أصحاب السنن، ورى له مسلم مقرونا، وبقية رجاله؛ رجال الصحيح، وقد حسنه ابن حجر في ((الدراية)) (ص194).

قال الشيخ الألباني في ((الإرواء)) (ج2 ص166): وهذا سند جيد، وهو على شرط مسلم.

وذكره ابن التركماني في ((الجوهر النقي)) (ج3 ص41) ثم قال: وهذا سند صحيح على شرط مسلم.

وأقره المباركفوري في ((تحفة الأحوذي)) (ج2 ص564)، على هذا التصحيح، وقال ابن حجر في ((الدراية)) (ص194): (وروى ابن أبي شيبة؛ بإسناد حسن عن علقمة: ((أن ابن مسعود، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع).

وذكره الزيلعي في ((نصب الراية)) (ج2 ص125).

وهذا شامل لجميع الصحابة y، وأنهم متفقون على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، أضف إلى ما صح من الآثار عن كثير من أفرادهم، بل وإجماع التابعين على هذه المسألة، وهذا مما يعطي الإجماع درجة اليقين في ثبوت هذه المسألة عنهم.([12])

فعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (كانوا يقولون القنوت بعدما يفرغ من القراءة). يعني: قبل الركوع.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في ((الاستذكار)) (ج1 ص355): (فإنهم أصحاب رسول الله r، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم، لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم، فأين المهرب عنهم دون ضعة، ولا أصل، وبالله التوفيق). اهـ

وقال المفسر الجصاص رحمه الله في ((أحكام القرآن)) (ج2 ص23): (القول إذا ظهر عن جماعة من الصحابة واستفاض، ولم يوجد له منهم مخالف، فهو إجماع وحجة على من بعدهم). اهـ

قلت: فأهل الحديث هم أعلم الناس بأقوال الصحابة الكرام؛ ممن ينقل أقوالا بلا إسناد.([13])

إذا فأصحاب رسول الله r عامتهم يرون أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، والله ولي التوفيق.

وقد بوب على هذه الآثار الحافظ ابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص205) بقوله: ذكر إثبات القنوت في الوتر.

(7) وعن البراء بن عازب t؛ (أنه كان يقنت قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص313)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص209) من طريق محمد بن فضيل عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم سليمان عن البراء بن عازب t به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره النووي في ((المجموع)) (ج4 ص24)، وابن المنذر في ((الإشراف)) (ج2 ص271).

(8) وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (القنوت في الوتر من السنة كلها قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص120) من طريق الأشعث عن الحكم عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وتابعه أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم النخعي به.

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254).

وإسناده صحيح.

وذكره النووي في ((المجموع)) (ج4 ص24).

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق هشيم قال: أخبرنا مغيرة عن إبراهيم النخعي قال: (كان يقول في قنوت الوتر قبل الركوع: إذا فرغ من القراءة).

وإسناده صحيح.

(9) وعن هشام؛ (أن الحسن البصري، وابن سيرين كانا يقنتان في الوتر قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص120) عنه به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن قدامة في ((المغني)) (ج1 ص784)، والنووي في ((المجموع)) (ج4 ص24).

(10) وعن المهلب بن أبي حبيبة قال: سألت سعيد بن أبي الحسن([14])؛ عن القنوت؟ فقال: (في النصف من رمضان؛ كذلك علمنا).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253) من طريق يحيى بن سعيد عن المهلب بن أبي حبيبة به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص206)، وابن قدامة في ((المغني)) (ج1 ص784).

(11) وعن الأعمش عن يحيى بن وثاب قال: (كان يصلي، ولا يقنت في الوتر حتى النصف). يعني: النصف من رمضان.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253) من طريق أبي معاوية عن الأعمش به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن المنذر في ((الأوسط)) (ج5 ص207)، والنووي في ((المجموع)) (ج4 ص24).

(12) وعن الزهري رحمه الله قال: (لا قنوت في السنة كلها، إلا في النصف الآخر من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص315) من طريق معمر عن الزهري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن قدامة في ((المغني)) (ج1 ص784)، وابن المنذر في ((الإشراف)) (ج2 ص271).

(13) وعن الحسن البصري رحمه الله؛ (أنه كان يقنت السنة كلها في الوتر؛ إلا النصف الأول من رمضان). يعني لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان.

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121)، والمروزي في ((صلاة الوتر)) (ص316) من طريق هشام عن الحسن البصري به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وتابعه عباد بن راشد عن الحسن البصري بلفظ: (أنه كان يقنت في النصف من رمضان).

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص253).

وإسناده صحيح.

وذكره النووي في ((المجموع)) (ج4 ص24).

(14) عن هشام، وإبراهيم النخعي قالا: (كان ابن سيرين لا يقنت من السنة شيئا، إلا النصف الآخر من رمضان).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص254)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121) عنهما به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره ابن قدامة في ((المغني)) (ج1 ص784)، وابن المنذر في ((الإشراف)) (ج2 ص271)، والنووي في ((المجموع)) (ج4 ص24).

(15) وعن معمر بن راشد الأزدي رحمه الله قال: (وإني لأقنت السنة كلها؛ إلا النصف الأول من رمضان، فإني لا أقنته).

أثر صحيح

أخرجه عبدالرزاق في ((المصنف)) (ج3 ص121).

وإسناده صحيح.

(16) وعن الأسود بن يزيد؛ (أنه كان يقنت في الوتر قبل الركعة).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق وكيع عن مسعر عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق حفص عن الحسن بن عبيدالله عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وذكره المروزي في ((صلاة الوتر)) (ص134).

(17) وعن سعيد بن جبير؛ (أنه كان يقنت في الوتر قبل الركوع).

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق ابن نمير عن إسماعيل بن عبد الملك عن سعيد بن جبير به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

(18) وعن إسماعيل بن علية قال: (رأيت أيوب، وكان يؤم أصحابه يتطوع بين التراويح، ويصلي في الطاق، ويقنت إذا مضت ست عشرة).

أثر صحيح

أخرجه أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (ج1 ص496) من طريق إسماعيل بن علية به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

قلت: فهذه الآثار كلها تدل على شرعية القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، وذلك أن الجميع من سلف علماء الأمة من الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان، لا خلاف بينهم في القنوت في الوتر قبل الركوع، فلا وجه لمخالفتهم بأقوال العلماء من بعدهم، ففعل القنوت في قيام الليل في شهر رمضان بعد الركوع، هو خارج من إجماعهم الصريح في هذا الحكم.

قال الحافظ ابن المنذر رحمه الله في ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (ج2 ص271): (روينا عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، وعبيدة السلماني، وحميد الطويل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، أنهم قنتوا ورأوا القنوت قبل الركوع، وبه قال إسحاق). اهـ

قلت: وعلى ذلك أجمع الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون الكرام، ولم يثبت عن أحد منهم أنه خلاف ذلك؛ أي: أن القنوت يكون قبل الركوع في صلاة الوتر، اللهم غفرا.

قال الحافظ الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص372): (وكانت هذه الآثار كلها على القنوت قبل الركوع عن رسول الله r([15])، وعن من ذكرنا القنوت عنه من أصحابه في الوتر، وكان القياس يشهد لهذا القول). اهـ

وقال الحافظ الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) (ج11 ص365): (قد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله r في قنوته في الوتر أنه كان قبل الركوع). اهـ

وقد بين العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((إرواء الغليل)) (ج2 ص168)؛ أن نفي أنس بن مالك t للقنوت بعد الركوع، إنما هو لقنوت الوتر، لا لقنوت النازلة، فقنوت الوتر يكون قبل الركوع.

قلت: إذا تنوعت آثار الصحابة الكرام، والتابعين الأفاضل في الدلالة على اتفاقهم على القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، وذلك من عدة طرق في الأسانيد، الواحد منها يكفي في إثبات ذلك عنهم؛ فكيف بها مجتمعة.

قال العلامة الشيخ الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (ج2 ص166): (والخلاصة أن الصحيح الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم هو القنوت قبل الركوع في الوتر!). اهـ

لذلك من الخطأ أن يقارن بين السلف، والخلف، لأن السلف اتفقوا على أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع، والخلف اختلفوا في القنوت في صلاة الوتر أبعد الركوع، أو قبله؟!: ]فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون [[الأنعام:82].

قلت: فما اتفق عليه الصحابة الكرام هو الصواب الذي لابد على المسلمين في بلدانهم أن يعملوا به في الشريعة المطهرة.([16])

قال تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [[الأنعام:90].

قلت: ومثل هذا الإجماع للصحابة الكرام قرره أهل العلم في كتبهم؛ من قول التابعي: (كان أصحاب رسول الله r....)، فكان ذلك ضمن ما يستدل به على إجماعهم.([17])

ومنه كفر تارك الصلاة، وهو قول عامة الصحابة الكرام وإجماعهم، فهذا الذي قرره أهل العلم في كتبهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العمدة)) (ج2 ص75): (ولأن هذا إجماع الصحابة). اهـ

وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) (ج1 ص372): (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: (كان أصحاب رسول الله r)، جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ

وقال العلامة المباركفوري رحمه الله في ((تحفة الأحوذي)) (ج7 ص309): (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: (كان أصحاب رسول الله r)، جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ

ونقل هذا الإجماع العلامة الشيخ ابن باز في ((الفتاوى)) (ج10 ص265)، والعلامة شيخنا ابن العثيمين في ((الفتاوى)) (ج12 ص134).

وبذلك يتقرر إجماع الصحابة على القول بأن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع([18])؛ لأنه مع نقل الاتفاق لم يثبت عن صحابي واحد أنه يخالف هذا، بل أكد هذا الاتفاق السلف من التابعين، وصح عند الحنفية ذلك.([19])

قال الإمام الطبري رحمه الله في ((تهذيب الآثار)) (ج1 ص367): (وقال آخرون: لا قنوت في شيء من الصلوات المكتوبة، وإنما القنوت في الوتر). اهـ

وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (كانوا يقولون القنوت بعدما يفرغ من القراءة). يعني: قبل الركوع.

أثر صحيح

أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج3 ص248) من طريق حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم النخعي به.

قلت: وهذا سنده صحيح.

وهذا يدل على إجماع التابعين أيضا أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع.

فعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: (إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله r، ومعرفة صحيحها من سقيمها، ثم يتبع إذا لم يكن لها مخالف، ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله r الأكابر، وأئمة الهدى يتبعون على ما قالوا، وأصحاب رسول الله r كذلك لا يخالفون، إذا لم يكن قول بعضهم لبعض مخالفا، فإن اختلفوا، نظر في الكتاب ؛ فأي: قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به، أو كان أشبه بقول رسول الله r أخذ به. فإذا لم يأت عن رسول الله r، ولا عن أحد من أصحاب النبي r، نظر في قول التابعين ؛ فأي: قولهم كان أشبه بالكتاب، والسنة أخذ به، وترك ما أحدث الناس بعدهم).([20])

وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قال: عندما سئل؛ يفتي بقول مالك، وهؤلاء - يعني العلماء -: (قال: لا!، إلا بسنة رسول الله r وآثاره، وما روي عن أصحابه، فإن لم يكن روي عن أصحابه شيء فعن التابعين).([21])

قلت: وهذا يدل على أن الإمام أحمد رحمه الله يرشد على التمسك بآثار الصحابة y، وآثار التابعين الكرام إذا ثبتت، ولا يلتفت إلى من خالف من بعدهم.

قال تعالى: ]أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [[الأنعام:90].

قلت: فلا يلتفت بعد هذا الإجماع إلى أقوال غيرهم ممن دونهم من أهل العلم الذين اختلفوا في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.

لذلك؛ ومن السييء ما يسلكه المقلدون للمذاهب من استخدامهم للمبادئ المنافية لعلم الكتاب والسنة، حيث أنهم يلجئون إلى شبه التقليد بما يعرف عندهم: بـ(اختلف العلماء على قولين!)، أو ما يسمى بـ(الفقه المقارن!)؛ فيصرفون النظر عن اتفاق السلف الصالح في الأحكام، بل ويتجاهلون الاتفاق، والآثار السلفية، ويقررون اختلاف المذاهب من بعدهم؛ ليسهل عليهم التعصب لآرائهم المذهبية المختلفة، والإفتاء بها في بلدانهم: ]ذلك مبلغهم من العلم [[النجم:30].

قلت: وهذه الآثار لا تحمل إلا على أن القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع.

فقد أجمع السلف الصالح على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع، والأدلة على ذلك كثيرة جدا، وكذلك ثبت عن التابعين، والخلاف في القنوت يكون قبله أو بعده؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.

قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.

وحكى الإجماع على ذلك جماعة من أهل العلم.

وهذا الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع في قيام رمضان أو غيره.

لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه المقلدة من إجماع الصحابة الكرام على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.

قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول من يقول أن القنوت في صلاة الوتر يكون بعد الركوع.

فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.

قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع في شهر رمضان، وغيره.

فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للرسولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة، سواء في المسائل الأصولية، أو المسائل الفروعية.

قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].

قالالمفسر القرطبي رحمه الله في ((جامع أحكام القرآن)) (ج8 ص335): (((ذا)) صلة؛ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ

قال تعالى: ] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

قلت: ووجه الاستدلال بها ([22])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([23])

 

والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول الله r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([24])

قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([25]) الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([26])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.

قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([27])

قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسولr ، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسولr  متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ

قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنينسببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا قوله تعالى: ]آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[ [البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة y.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم). اهـ

قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([28])، اللهم غفرا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول r. قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسولr  مخالف لله؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([29])

فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الاجماع فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الاجماع دليل آخر، كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع، وكل من هذه الاصول يدل على الحق تلازمها: فإن ما دل عليه الاجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول r أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الاجماع عليها إلا وفيها نص). اهـ

وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص57) عن إجماع الصحابة الكرام: (فهو إنما يدل على أن إجماعهم حجة). اهـ

قلت: وتقرير هذا، أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا.([30])

فاتباع غير سبيل المؤمنين، وحده حرام، ومتوعد عليه، بل يعتير من المشاقة، لأن المشاقة معناها: ترك العمل بما جاء به الرسول r، وصحابته الكرام.([31])

 فعن المزني والربيع قالا: (كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ، فقال له: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله r قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة).([32])

قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([33])؛ إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([34])

قلت: والاعتراضات التي ذكرها المقلدة على إجماع الصحابة الكرام؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفوها حتى يروجون فقه مذاهبهم.

قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي: جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير جانب الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.

وسبيل المرء؛ ما يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.

قلت: وإذا ثبت هذا لزم من المقلد أن يتبع غير سبيل الرسولr، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من تقليد فاسد في الفروع.

والله ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسولr، ويتبع غير سبيل المؤمنين في قول، أو عمل، أو اعتقاد، فيصدق عليه أنه خالف الإجماع.

والمراد من الاتباع ههنا نفس السلوك، والموافقة، لا مجرد الظن، ويؤيده قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ويسلك غير سبيل المؤمنين).([35])

قلت: فمخالفة المقلد؛ لاتباع الرسول r، والصحابة الكرام؛ تقضي بأن يكون من المخالفين لسبيلهم، وهذا المخالفة هي عين مشاقة رسول الله r، والصحابة الكرام؛ لأن المشاقة معناها ترك العمل بما جاء به من الإيمان، والسلوك فيه بغير منهج الصحابة الكرام، اللهم سلم سلم.  

قلت: فالمقلد هذا غير ناج من الوزر، لما وقع في المشاقة والمعاداة، والمخالفة، بعدما تبين له الهدى، وظهوره، وعلم صحة إجماع السلف على أن القنوت قبل الركوع، ثم يفعل المشاققة، ويعاند، ويصر على اتباع غير سبيلهم، وطريقهم، وهم ما هم عليه من دين الإسلام، والتمسك بأحكامه، فجعله الله تعالى واليا لما تولاه من الضلال، والعياذ بالله.([36])

فعن مطرف قال: سمعت مالكا يقول: (وسئل عن الداء العضال، فقال مالك: هو الهلاك في الدين).([37])

قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].

وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الفروع الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان لقوله تعالى:]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

ومنه؛ قوله تعالى ]يوم ندعوا كل أناس بإممهم[ [النساء:115]؛ أي: من أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.

فقوله تعالى :]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([38])، والعياذ بالله.

قلت: ولا شك أن مخالفة المقلد ما أجمع عليه الصحابة الكرام في القنوت قبل الركوع، هذا ضلال، لا مجرد أن هذه المسألة من المسائل الفقهية؛ كما يقال؛ لكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك المقلد إجماع الصحابة الكرام في هذه المسألة وغيرها، وهذه هي مشاقة r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار فافطن لهذا ترشد.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1068): (فلما جمع تعالى بين مشاقة الرسول r، وبين ترك اتباع سبيل المؤمنين في الوعيد؛ علم أن كل واحد منها يقتضي الوعيد). اهـ

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج3 ص218): (قوله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى[ أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول r، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.

وقوله تعالى: ]ويتبع غير سبيل المؤمنين[ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له،كما قال تعالى: ]فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون[ [القلم:44]، وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [[الصف:5]، وقوله: ]ونذرهم في طغينهم يعمهون[ [الأنعام:110]، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالى : ]احشروا الذين ظلموا وأزوجهم وما كانوا يعبدون ((22)) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ((23))[ [الصافات:22-23]، وقال تعالى: ]ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [[الكهف:53]). اهـ

قلت: فالوعيد يكون على اتباع غير سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام.

وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران:105].

وقال تعالى: ]إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159].

قلت: فالله تعالى لا يحب الأختلاف لا في الأصول، ولا في الفروع، فانتبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والإختلاف). اهـ

قلت: والعاصم من ذلك هو التمسك بمنهج السلف الصالح، ولزوم جماعتهم في الأصول، والفروع.

قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص430): (والجماعة؛ جماعة المسلمين، وهم: الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتباعهم هدى، وخلافهم([39]) ضلال). اهـ

وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ

قلت: ومن أمعن النظر في آثار التابعين، وجد أن التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابة الكرام في الدين.([40])([41])

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1103): (واحتج بأن التابعين احتجوا؛ بإجماع الصحابة). اهـ

إذا فيكون المخالف في ذلك خارقا للإجماع؛ لأن الإجماع أصل من أصول الدين، وحجة من الحجج الشرعية، والعمل به واجب، فلا يترك لاختلاف العلماء([42])من بعد الإجماع، فافهم لهذا ترشد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص57): (وكثير من النزاع قد يكون مبينا على أصل ضعيف إذا بين فساده ارتفع النزاع). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج4 ص14): (وكذالك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة، وطاعة الله تعالى ورسوله إلا بمخالفة ذلك، ومن تكلم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم، إنما تكلم فيه أهل الإيمان بمخالفة السنة والشريعة). اهـ

قلت: فالمتكلم في مسائل الخلاف لابد أن يحسن الكلام في ضوابط نقل الخلاف، وفي تمييز الأقوال الضعيفة من الصحيحة، وأن يتمكن من معرفة ما سبقه من إجماع، فيعمل بالإجماع ويطرح الخلاف، ولا يتوسع فيه، ولا يعمل به، لما يترتب من ذلك من الفرقة بين المسلمين.([43])

قلت: والخطأ ينشأ؛ إما من جهة عدم العلم بالحق، وإما من جهة فساد القصد، واتباع الهوى.

قال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى[ [النجم:23].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص384): (وأصل الضلال، اتباع الظن والهدى، كما قال تعالى في حق من ذمهم: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [ [النجم:23].، وقال في حق نبيه r  ]والنجم إذا هوى ((1)) ما ضل صاحبكم وما غوى ((2)) وما ينطق عن الهوى ((3)) إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 1-4]، فنزهه عن الضلال، والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج13 ص368): (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب). اهـ

قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده؛ فليس بالصواب قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82]).([44]) اهـ

وقال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص922): (الإختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة؛ إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)) (ج1 ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه، ويعتمد عليه). اهـ

قلت: خاصة إذا سبقه إجماع الصحابة الكرام، اللهم غفرا.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فإن كثيرا من مسائل الفروع لا يجوز التقليد فيها).([45]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله؛ كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ

قلت: وحكم القنوت في صلاة الوتر يكون قبل بإجماع الصحابة الكرام، فيجب أتباع إجماعهم([46])، والله ولي التوفيق.

قلت: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفهم في فتيا، أو حكم، وقد شهد لهم رسول الله r بالفضل!.

قال الإمام ابن  القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص18): (فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول الله r الذين هم سادات الأمة، وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى، وسنة نبيهم r، وقد شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم؛ كنسبتهم إليهم في الفضل والدين؛ كان الظن، والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم، والحق في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم الرأي السداد الذي لا رأي سواه). اهـ

وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (لو بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا لما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم r).([47])

وعن عبد الله بن داود الخريبي رحمه الله قال: (والله لو بلغنا أن القوم - يعني: الصحابة- لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه).([48])

قال ابن خزيمة: ((يريد أن الدين الاتباع)).

قلت: يجب الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فيما أحببنا، وكرهنا.

وعن عبد الله بن مسعود t أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد؛ فاختار محمدا r؛ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده؛ فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه r، فما رآه المؤمنون حسنا؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا؛ فهو عند الله قبيح).([49])

وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص425): (الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم). اهـ

وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص427): (إذا أجمع أهل عصر على شئ، كان إجماعهم حجة، ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ).اهـ

قلت: إذا لا يعتد باختلاف العلماء([50])بعد إجماع الصحابة y في أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع؛ لإجماع الصحابة الكرام على ذلك.

فعن أبي حاتم الرازي رحمه الله قال: ( العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق، ناسخ غير منسوخ، وما صحت الأخبار عن رسول الله r مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم؛ فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين، فعن أئمة الهدى من أتباعهم).([51])

 قلت: فما أجمع عليه الصحابة الكرام؛ فهو حجة شرعية، ويسقط اختلاف العلماء من بعدهم مع إجماعهم، ويعتذر لهم: أما بأن الإجماع لم يصل إليهم، أو تأولوه، أو دخل عليهم حديث ضعيف، فقالوا به، أو شكوا فيه بما ورد عنهم من القرائن أنه ليس بإجماع، أو غير ذلك من الاجتهادات التي يعذرون بها العلماء؛ دون غيرهم في الدول الإسلامية.([52])

قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص433): (فما أجمعوا عليه فهو حجة، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث). اهـ

قلت: فيجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عنه في أي بلد من البلدان الإسلامية.([53])

قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): (كما أن إجاعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه؛ فكمالم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ

وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: سن رسول الله r، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا).([54])

قلت: فإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.

فعن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير).([55]) أي: عند أختلافهم، فهو مخير بالدليل.

وعن أيوب السختياني رحمه الله قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([56])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص148): (فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((التسعينية)) (ج2 ص531): (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة، وتفرقت منه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). اهـ

قلت: ومنازعات أهل الأهواء والبدع هي خصومات مذمومة، مدارها على اختلاف التضاد، ويتكلم أهلها بغير علم، وقصد حسن، اللهم غفرا.

قال أبو داود في ((المسائل)) (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ

قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1057): (وسمي إجماعا؛ لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة). اهـ

قلت: ومن رد الإجماع أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة، كائنا من كان اللهم سلم سلم.

قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): (فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر، فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله). اهـ

قلت: فلا عذر لأحد بعد الإجماع في مخالفة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه مخالفة، قد بينت الأمور، وثبتت الحجة، واتقطع العذر، اللهم غفرا.

فعن سعيد بن المسيب رحمه الله: (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع، والسجود فنهاه سعيد بن المسيب عن ذلك، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟، قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة). وفي رواية: (إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل، إنه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين، قال: فانصرف، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة، قال: بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنة).([57])

قلت: وهذا من بدائع أجوبة الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله، وهو سلاح قوي على المقلدة الذين يستحسنون كثيرا من الخلافيات في الأحكام باسم الفقه في الدين، ثم ينكرون على أهل الأثر، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الأحكام، وهم في الحقيقة؛ إنما ينكرون الحق في الدين، ومن ذلك ردهم لإجماع الصحابة الكرام في الأحكام، فهؤلاء لهم وعيد شديد؛ لا من أجل أنهم تركوا مسألة فقهية، بل من أجل أنهم خالفوا حجة شرعية، وهو الإجماع، وعاندوا، وأصروا على أحكام بلدانهم المخالفة للشرع([58])، اللهم غفرا.

قلت: فوقعوا في الإفتراق الذي يريدون أن يفروا منه في بلدانهم، والله المستعان.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة).([59])

قلت: فهؤلاء المقلدة المتعصبة في بلدانهم يحبون الاختلاف بين العلماء في المسائل الفقهية، لذلك يرجعون إليه، ويفتون به دون الرجوع إلى الدليل، بل وترى كل بلد يخالف البلد الآخر في أحكام الدين بسبب المذهبية، والعصبية، والحزبية، ويحبون الاختلاف، بل ويتبعون أهواءهم في ذلك، ويكرهون الرجوع إلى ما أجمعوا عليه، فيقال للمتعصبة لبدانهم: ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة والاختلاف، اللهم سلم سلم.

قلت: فهلكوا في بلدانهم -كما هو مشاهد- وأهلكوا، والعياذ بالله.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة).([60])

وعن طاوس، قال: (رآني ابن عباس وأنا أصلي، بعد العصر فنهاني، فقلت: إنما كرهت أن تتخذ سلما، فقال ابن عباس: نهى رسول الله r عن الصلاة بعد العصر، وقال الله تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[. وما أدري تعذب عليها أم تؤجر).([61])

قلت: وتباهي المتعصبون بالخلافيات، فاختلفوا، وتفرقوا في البلدان، وتركوا الإجماع والائتلاف، فأصابهم ما أصاب الأمم من قبلهم، فحل بهم ما حذرهم به نبينا r من استعمال الآراء، وقيام الفتن، وانتشرت الأهواء فيهم، فألبسوا شيعا، مزقوا قطعا، وشمتت بهم الدول الكافرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله تعالى، وصدهم عن الحق، وميلهم إلى الاختلاف، وإيثارهم أهواءهم، ولله تعالى عقوبات في خلقه عند ترك أمره، ومخالفة رسله؛ فأشعلت نيران الفتن في بلدانهم، وصاروا إلى سبيل المخالفين؛ فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضية([62])، والله المستعان.([63])

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أصحاب محمد r، ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم هلكوا).([64])

وعن ثابت بن قطبة قال: سمعت عبد الله بن مسعود يخطب وهو يقول: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به).([65])

ويؤيده: قوله تعالى: ] واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [[آل عمران:103].

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (عليكم بالسبيل والسنة... وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة).([66])

قلت: وهذا يدل على ما كان عليه التابعون من حرص على سماع الحديث من الصحابة الكرام، والتثبت والضبط في الدين.

قلت: وهذا يدل على فضل الصحابة الكرام.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أنتم أكثر صياما، وأكثر صلاة، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله r وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: " كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة).([67])

قلت: وهذا يدل على أن من كان صادقا في إسلامه، واتباعه للصحابة الكرام، فأنه لا يعدل عن طريقتهم في أحكام الدين، اللهم غفرا.

فمن خالف ما عليه الصحابة الكرام في الأصول، والفروع، فقد خالف الله تعالى، ورسوله r، لأن العلماء مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله، فأي كتاب نشأ عن طريقة كتب السلف، والخلف المتضمنة للحكم، والدليل، وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة الكرام.([68])

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعـلام الموقعين)) (ج6 ص24): (أنهم -يعني الصحابة- إذا قالوا قولا، أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول، ومبتدعا له... وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور؛ فلا يجوز اتباعهم). اهـ

قال العلامة الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج13 ص135): (معنى الجماعة المرادة من هذه الأحاديث؛ جماعة أئمة العلماء والمجتهدون، فمن خرج مما عليه الأمة فقد مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المغنيون بقوله عليه السلام: (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)([69])، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع في النوازل، وهي تبع لها، فمعنى قوله r: (لن يجمع أمتي)؛ أي: لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وممن قال بهذا عبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف، وهو رأي الأصوليين). اهـ

وعن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: (عليكم بالجماعة؛ فإن الله لن يجمع أمة محمدr  على ضلالة).([70])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص237): (والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل([71]) الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله r). اهـ

قلت: فليس كل من تفقه في الدين عرف التأويل؛ لأن الفقه: هو فهم معنى النص، والحكم.

والتأويل: هو إدراك حقيقته التي يؤول إليها، وموقع الحكم.

فالراسخون فهموا معنى النصوص، ووجه الدلالة، وموقعها في الأنواع والأعيان.([72])

قلت: ومن قال من العلماء بأن القنوت في صلاة الوتر بعد الركوع، فإنه لم يبلغه الإجماع، ولو بلغه الإجماع لم يخالفه، أو ثبت عند العلماء الإجماع، لكن تأولوه، كما تأولوا الأحاديث المرفوعة.([73])

قلت: والظاهر أن العلماء المختلفين في القنوت في صلاة الوتر؛ لم يبلغهم إجماع الصحابة y، والتابعين الكرام، أو شكوا فيه، لأنه لو بلغهم إجماع السلف؛ لما وسعهم أن يخالفوه، لأنهم يعلمون أن الصحابة الكرام لا يجتمعون على خطأ في الدين.

قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص472): (ونعلم أن عامتهم -يعني الصحابة- لا تجتمع على خلاف  لسنة رسول الله r، ولا على خطأ إن شاء الله). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (ج1 ص248): (وأهل السنة الذين هم أهلها يردون ما عارض النص، والإجماع من هذه). اهـ

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج7 ص116): (السنة ما سنه النبي r، والخلفاء الراشدون من بعده، والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما، وحديثا). اهـ

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((التمسك بالسنة)) (ص32): (واتباع الشرع والدين متعين، واتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى، وبالظن، وبالعادات المردودة؛ مقت وبدعة). اهـ

قلت: فما أبعد المقلدة عن فقه السلف المجمع عليه في الشريعة؛ فإنهم يتركون فقههم، ويذهبون إلى فقه المذاهب الأربعة المختلف فيه في الشريعة!.

وهذا ينبؤ بخطر عظيم على المقلدة؛ لأن أكثرهم يحتج باختلاف الفقهاء من بعد إجماع الصحابة الكرام من أجل ترويج اعتقادهم الفاسد في الدين.

قلت: ومن فعل ذلك، ونصح ولم يتب، وأصر على باطله، فهو مبتدع ضال كائنا من كان، لا أن خالف في مسألة فقهية، لكن أراد أن يروج بدعته عن طريق الاحتجاج باختلاف العلماء، وهذا أصل الفرقة بين المسلمين، وذلك لمخالفته للإجماع الذي هو الأصل الثالث من أصول الشريعة المطهرة، هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.

قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في ((تلبيس إبليس)) (ص278): (قلة العلم أوجبت هذا التخليط). اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج1 ص42): (والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة!). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والإختلاف). اهـ

قلت: فالاختلاف أول ما يخرج في أناس يكون شبرا فيهم، ثم يزين الشيطان لهم اختلافهم -ولو كان في الفقه- ويلهمهم أن الصواب معكم في هذا الاختلاف دون غيركم، وأن غيركم خالفوا الصواب لما وصلتهم إليه مما يعتقدوه أنه الحق.([74])([75])

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج8 ص425): (فالبدع تكون أولها شبرا؛ ثم تكثر في الإتباع؛ حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ).اهـ

قال تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46].

قلت: وهذا التنازع المنهي عنه يكون في الأصول، والفروع سواء بسواء، اللهم غفرا.

قال الحافظ ابن حزم رحمه لله في ((الإحكام)) (ج5 ص64): (وقد نص تعالى على أن الإختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر، وسائر المعاصي). اهـ

وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)) (ج1 ص77): (وجملة القول أن الاختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة، كما قال تعالى ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46]). اهـ

فعن ابن مسعود رضي الله عنه: لما طلب منه موافقة أبي موسى رضي الله عنه؛ في مسألة: ((بنت، وبنت ابن، وأخت)) فأعطى البنت النصف، والأخت النصف؛ قال: (لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين).([76])

قلت: فجعل ابن مسعود رضي الله عنه القول الآخر خطأ، لا ينظر فيه، ولا يحتج به، وهذه شهادة صريحة بأن الحق عند الله تعالى واحد، وما عداه فخطأ.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله؛ معلقا على أثر ابن مسعود رضي الله عنه: (فجعل القول الآخر الذي جعله المصوبة صوابا عند الله ضلالا!، وهذا أكثر من أن يحيط به، إلا الله تعالى).([77]) اهـ

قلت: ولا شك أن كثرة الأقوال في الخلافيات في الأحكام تدل على أن الخلافيات هذه مقبولة في الجملة للنظر فيها، والبحث، والترجيح([78])، ولكن ليست الخلافيات كلها على مستوى واحد من الوجاهة، وسداد النظر، إذ منها: الهزيل، ومنها: القوى في الظاهر، ومنها: الشاذ، ومنها الذي يوافق جمهور العلماء([79])، ومنها: الذي يعتمد على حجة واهية، ومنها: ما يستند إلى أدلة قوية.

قلـــــت: فالرسول r هو القدوة في الدين، ثم أصحابه الكرام، لأن الله تعالى زكاهم، ولأن الرسول r رباهم، وتوفي وهو عنهم راض، ولم تظهر فيهم الأهواء، فإن الحق، والهدى يدوران معهم حيث داروا، ولم يجمعوا إلا على الحق؛ بخلاف غيرهم من المذاهب والبلدان، فإنهم قد يجمعون على خطأ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((العقيدة الواسطية)) (ص127): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ

وقال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [[التوبة:100].

وقال تعالى: ]قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم [ [التوبة:117].

فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا، فاتبعهم متبع عليه، فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان.

قلت: فدل على أن اتباعهم اتباع لدليل.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج3 ص474): (وتقليدهم -يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن رضي الله عنهم). اهـ

قلت: فلا يتحقق اتباعهم؛ إلا بالانقياد لهم، والإمتناع من مخالفتهم.([80])

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص556): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته، فهو متبع لهم؛ فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان). اهـ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص557): (أيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه). اهـ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص559): (من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا، بدليل أن من خالف مجتهدا من المجتهدين في مسألة بعد اجتهاد لا يصح أن يقال: اتبعه). اهـ

قلت: والاتباع لا بد أن يكون بإحسان، فيوافقهم في الأصول والفروع([81])هذا معنى: قوله تعالى: ]والذين اتبعوهم بإحسان[ [التوبة:100].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج3 ص98): (والحق: أن أهل السنة لم يتفقوا قط على خطأ). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء، واتباعا للآثار النبوية، فهم أعظم إيمانا وتقوى، وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم -يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الإتباع عام). اهـ

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص581): (وهذا يتناول ما أفتوا به، وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم من بينهم فيه شئ، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم، أو أكثر، أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون). اهـ

وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على ((الرسالة)) (ص534): (فمعنى الإجماع الذي يدندن حوله المتأخرون، معنى محدث مبتدع يبطلون به الحق من أقوال الصحابة، ويحقون به الباطل، فلا عبرة بخلاف تابعي، أو تابعين، أو إمام، أو أئمة، لقول الصحابي الذي لم يخالفه أحد من الصحابة([82])، وكل من بعد الصحابة ينتسب إلى السلف؛ باتباعه الصحابة، وليس بخلافه لهم).([83]) اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص200): (وللصحابة رضي الله عنهم فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين؛ كما أن لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول r لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول r، والتنزيل، وعاينوا الرسول r، وعرفوا من أقواله، وأفعاله، وأحوله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرون الذين لم يعرفوا ذلك، فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع، أو قياس). اهـ

وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص64): (...أن الصحابة رضي الله عنهم حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول r، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب، والمحامل التي لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله تعالى بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل الله تعالى فيهم من الخشية والزهد والورع؛ إلى غير ذلك من المناقب الجليلة، فهم أعرف بالتأويل، وأعلم بالمقاصد، فيغلب على الظن مصادفة أقوالهم وأفعالهم الصواب، أو القرب منه، والبعد عن الخطأ، هذا مالا ريب فيه، فيتعين المصير إلى أقوالهم). اهـ

وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ج2 ص312): (وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب، والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة؛ بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة؛ قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي r، وخلفائه الراشدين؛ كان أقرب إلى الحق.

ولهذا ترى اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشارا وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصورا.

فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها؛ لأن اتباعها يؤدي إلى محبتهم، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق؛ خلافا لمن زهد هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال! ولا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة!! وهذا خطأ وضلال؛ فالصحابة أقرب إلى الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم؛ من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم والتقوى والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول r). اهـ

وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص211): (ومن صفات أهل السنة: (اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)؛ لما خصلهم الله به من العلم والفقه، فقد شهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، وتلقوا عن الرسول r بدون واسطة، فهم أقرب إلى الصواب، وأحق بالاتباع بعد الرسول r، فاتباعهم يأتي بالدرجة الثانية بعد اتباع الرسول r؛ فأقوال الصحابة حجة يجب اتباعها إذا لم يوجد نص عن النبي r -لأن طريقهم أسلم وأعلم وأحكم- لا كما يقول بعض المتأخرين- أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ فيتبعون طريقة الخلف، ويتركون طريقة السلف).([84]) اهـ  

قلت: لذلك يحرم على قوم وصل إليهم إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة في الدين أن يصيروا إلى اختلاف لمن بعدهم من العلماء.

قال الفقيه ابن العربي المالكي رحمه الله في ((عارضة الأحوذي)) (ج9 ص10): (الأمة إذا اجتمعت على قول؛ فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر). اهـ

قلت: لذلك؛ فالاختلاف في الآراء؛ فإنه مخطور في العقول، محرم في الأصول والفروع، وهوسبب تعطيل أحكام الدين، ولو ترك الناس أن يختلفوا بما شاءوا لتفرقت مذاهبهم، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول r، وحجة الإجماع في الشريعة المطهرة.([85])

قلت: وهذا هو الذي عابه الله تعالى من التفريق في كتابه، اللهم غفرا.

قلت: وهذا يدل على أن الاختلاف في الفروع، والإصرار عليه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، هو بريد إلى نشأة البدع التي نشأ منها الإفتراق، وهذا ظاهر في المذهبيين المقلدين، والحزبيين السياسيين الذين سيطروا على الشؤون الإسلامية في البلدان الإسلامية كلها، اللهم غفرا.

قلت: والإمام أحمد رحمه الله جعل الخروج عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الأحكام الفقهية من مذهب أهل البدع، فما بالك في الخروج عن اجماعهم؟!.

وهو قول أهل السنة والجماعة.([86])

وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذا في رواية عبدالله، وأبي الحارث في الصحابة الكرام إذا اختلفوا؛ حين سئل: هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إن اختلفوا؟.

 

فقال الإمام أحمد: (أرأيت إن أجمعوا؟، له أن يخرج من أقاويلهم!؛ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا).([87])

فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة الكرام، أو ما يدل عليه، إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع، اللهم غفرا.

قلت: ولا نزاع بين العلماء القائلين بحجية الإجماع، إن إجماع الصحابة حجة، لتحقق معنى الإجماع بأركانه، وشروطه فيهم؛ إذ هو اتفاق المجتهدين من أمة محمدr.([88])

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1108): (فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف في المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين([89])، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يجز رفع إجماع الصحابة بإجماعهم؛ لأن إجماع الصحابة أقوى من إجماعهم، كما لو أجمعت على قول واحد، ثم أجمع التابعون على خلافه، وهذه طريقة معتمدة). اهـ

قلت: فإذا كان إجماع التابعين الأفاضل لا يرفع إجماع الصحابة الكرام، فكيف يرفع إجماعهم اختلاف العلماء الأعزاء من بعدهم؟!: ]إن هذا لشئ عجاب[ [ص :5].

لذلك لا يعتمد خلاف العلماء الأعزاء إذا تقدمه إجماع الصحابة الكرام، لأن اعتماد خلاف العلماء الأعزاء يتضمن إسقاط إجماع الصحابة الكرام، وهذا لا يمكن، لأن إجماعهم حجة شرعية.([90])

وقد وصف الإمام أحمد رحمه الله عن أخذ العلم في رواية: المروذي (ج4 ص1090-العدة)؛ فقال الإمام أحمد: (ينظر ما كان عن رسوله r؛ فإن لم يكن فعن الصحابة، فإن لم يكن فعن التابعين).

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1090): (إجماع أهل كل عصر حجة([91])، ولا يجوز إجماعهم على خطأ). اهـ

 

قلت: والأدلة وردت بعصمة جميع الصحابة الكرام إذا أجمعوا على أمر في الدين، فيجب العمل به من بعدهم.([92])

قلت: ولا يعتد بخلاف من خالفهم من العلماء، بل يطوى، ولا يروى!([93])

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1081): (وهذا كله يدل على أن اتباع المجمعين فيما أجمعوا عليه واجب). اهـ

قلت: وهذا عام؛ لا يجمعهم الله تعالى، ولا يجتمعون على خطأ.([94])

نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبدالله، وأبي الحارث: (يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا).([95])

وقال الإمام أحمد، في رواية الأثرم: (إذا اختلف أصحاب رسول الله r يختر من أقاويلهم، ولا يخرج عن قولهم إلى من بعدهم).([96])

قلت: وهذا قول جمهور العلماء؛ خلافا لبعض الحنفية، وبعض الظاهرية في القول: ((يجوز إحداث قول ثالث)).([97])

قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1113): (أن إجماعهم على قولين إجماع على بطلان ما عداهما، كما أن الإجماع على واحد؛ إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما). اهـ

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فأما إذا تأيد الإجماع عليه، قوي بالمصير إليه ففسق جاحده... هذا إذا انعقد الإجماع فسق مانعه). اهـ

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فإذا انعقد الإجماع به فسق مانعه ومخالفه)). اهـ

وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): ((باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه)): (إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين، فإن فعلوا ذلك لم يزل خلاف الصحابة. والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، وعلى بطلان ما عدا ذلك، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما، لم يجز ذلك، وكان خرقا للإجماع، وهذا بمثابة ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث؛ لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما، كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه، فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ 

وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): ((القول فيمن رد الإجماع)): (الإجماع على ضربين:

أحدهما: إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء، والصلوات وعددها وأوقاتها، وفرض الزكاة وأشباه ذلك.

والصرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم، وأن البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وأن لا وصية لوارث، وأن لا يقتل السيد بعبده، وأشباه ذلك.

فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله([98])). اهـ

ويدل عليه:

عن أبي نجيح العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).([99])

قال القاضي أبو يعلى رحمه الله في ((العدة)) (ج1ص1058): (الإجماع حجة قطعية يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ). اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص192): (والمقصود هنا أن الرسول r بين جميع الدين بالكتاب، والسنة، وأن الإجماع - إجماع الأمة- حق؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة). اهـ

قلت: إن الإجماع مستند معظم في الشريعة المطهرة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص270): (وحينئذ؛ فالإجماع مع النص دليلان، كالكتاب والسنة). اهـ

قلت: فالإجماع حجة قاطعة، يحرم مخالفته.([100])

قال الأصولي ابن عبدالشكور رحمه الله في ((مسلم الثبوت)) (ج2 ص213): (الإجماع حجة قطعا عن الجميع، ولا يعتد بشرذمة من الخوارج، والشيعة([101])، لأنهم حادثون بعد الاتفاق). اهـ

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في ((روضة الناظر)) (ص335) ((والإجماع حجة قاطعة). اهـ

وقال الأصولي الآمدي رحمه الله في ((الأحكام)) (ج1 ص200): (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل به على كل مسلم). اهـ

وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ

قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.

وسمي إجماعا لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة.([102])

 

 

هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،

وأن يجعله لي عنده يوم القيامة دخرا... وصلى الله وسلم وبارك

على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،

وآخر دعوانا أن الحمد الله

رب العالمين

 

 



([1]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج1 ص164)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج2 ص718).

([2]) وهذا مما لا خلاف فيه أن التفقه في الدين، ومعرفة أحكام شرع الله تعالى؛ بالقدر الذي يحتاج إليه المسلم فالأدلة من الكتاب والسنة والآثار؛ لعبادة ربه سبحانه من أوجب الواجبات بعد معرفة أصول الدين.

([3]) انظر: كتابي: ((جزء في تخريج حديث: القنوت في صلاة الوتر قبل الركوع)). ولله الحمد والمنة.

     قال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في ((القنوت)) (ج3 ص254- التحقيق): (الأحاديث التي جاء  فيها – القنوت في الوتر – قبل الركوع، كلها معلولة!). اهـ

([4]) انظر: ((الصحيح)) للبخاري (ج2 ص489)، و((الصحيح)) لمسلم (ج2 ص970).

([5]) وانظر: ((المسائل)) رواية ابن هانئ (ص108)، و((المسائل)) رواية صالح بن أحمد (ج1 ص435)، و((المسائل)) رواية عبدالله بن أحمد (ص90 و91)، و((الأوسط)) لابن المنذر (ج5 ص206)، و((تهذيب الآثار)) للطبري (ج1 ص367 و375)، و((مشكل الآثار)) للطحاوي (ج11 ص365).

([6]) وانظر: ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص586)، و((الكواكب النيرات)) لابن الكيال (ص286)، و((العلل)) لأحمد (ج1 ص124).

([7]) وقع تصحيف عند الطبراني؛ من أبي جمرة إلى أبي حمزة، والأول أصح، واسمه نصر بن عمران الضبعي، روى الحمادان عنه، وعنهما الحجاج بن المنهال.

     وانظر: ((تهذيب الكمال)) للمزي (ج29 ص363).

([8]) انظر: ((المراسيل)) لابن أبي حاتم (ص18)، و((تهذيب الكمال)) للمزي (ج2 ص239).

([9]) وانظر: ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص118).

([10]) قلت: وتصحف عنده عمر إلى ابن عمر، وهو خطأ؛ لأن الأسود مشهور بالرواية عن عمر بن الخطاب t؛ لا ابنه، لذا لم يذكره المزي في شيوخه، كما في ((تهذيب الكمال)) (ج3 ص234).

([11]) قلت: فهذا التابعي الكبير الفقيه الثقة الثبت يروي عن عامة الصحابة الكرام الإجماع على أن القنوت في صلاة الوتر يكون قبل الركوع.

     وانظر: ((تقريب التهذيب)) لابن حجر (ص689).

([12]) وانظر: ((مشكل الآثار)) للطحاوي (ج11 ص365 و372).

([13]) وانظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (ج32 ص240).

([14]) هو أخو الحسن البصري، وهو تابعي ثقة.

     انظر: ((التقريب)) لابن حجر (ص375).

([15]) لم يثبت عن رسول الله r القنوت قبل الركوع.

     انظر: ((المسائل)) لعبدالله بن أحمد (ص192)، و((زاد المعاد)) لابن القيم (ج1 ص334)، و((التحقيق)) لابن الجوزي (ج3 ص254).

([16]) قلت: ولا يعرف ذلك، ويفهمه إلا من اشتغل بعلم الحديث، وتطبيقه في الحياة الدنيا.

([17]) وانظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (ج2 ص280) و(ج3 ص326)، و((المغني)) لابن قدامة (ج1 ص181)، و((الاستذكار)) لابن عبد البر (ج1 ص355) و(ج8 ص12).

([18]) قلت: ويتبين أن الاختلاف الذي وقع من المتأخرين في القنوت في صلاة الوتر، لا يعتد به بعد إجماع السلف الصالح.

([19]) قلت: فدل إجماعهم على نسخ ما قد اختلف فيه أصحاب المذاهب، لأن الله تعالى لم يكن ليجمعهم إلا على الصواب في الدين.

([20]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي يعلى في ((طبقات الحنابلة)) (ج3 ص29).

     وإسناده صحيح.

([21]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي يعلى في ((طبقات الحنابلة)) (ج3 ص28).

     وإسناده صحيح.

([22]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي رحمه الله، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول. 

([23]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((الرسالة)) له (ص475)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و((الفقيه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص155)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و((الإحكام)) للآمدي (ج1 ص200).

([24]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.

([25]) والمشاقة: المعاداة.

([26]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى.

     قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.

     وانظر: ((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3 ص496)، و((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ج5 ص385).

([27]) انظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ج5 ص385).

([28]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1067).

([29]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر.

([30]) قلت: والإجماع سبيلهم، أو من سبيلهم، فيجب اتباعه، ويكون حجة على المخالفين له.

     وانظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (ج3 ص462)، و((إجمال الإصابة في أقوال الصحابة)) للعلائي (ص57)، و((الاعتصام)) للشاطبي (ج3 ص135)، و((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص18).

([31]) قلت: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف الصحابة الكرام، ويتبع غيرهم من العلماء في اختلافهم، فإنه متوعد له، وهذا يقتضي لحوق الإثم عليه: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].

([32]) أثر صحيح.

     أخرجه البيهقي في ((أحكام القرآن)) (ج1 ص52)، والسبكي في ((الطبقات الكبرى)) (ج2 ص19).

     وإسناده صحيح.

([33]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.

     وانظر: ((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص282)، و((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص357).

([34]) انظر: ((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص354)، و((معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول)) للجزري (ج2 ص75)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص338)، و((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص281)، و((الإجماع)) الباحسين (ص220)، و((الأحكام)) للآمدي (ج1 ص208).

([35]) وانظر: ((حجية الإجماع)) للسرميني (ص132)، و((التفسير الكبير)) للرازي (ج11 ص35)، و((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص190)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463).

([36]) وانظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463)، و((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3 ص496).

([37]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن المقرئ في ((المعجم)) (ص199).

     وإسناده صحيح.

([38]) وانظر: ((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص132)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463)، و((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3ص496).

([39]) قلت: خلافهم ضلال في الأصول، والفروع؛ سواء بسواء، اللهم سلم سلم.

([40]) قلت: فلا إنفكاك بين علو مكانتهم، وفضلهم، وخيرتهم، وعلمهم، وفقههم، فهم أصحاب المنهج الأسلم، والأحكم، والأعلم؛ كما أنهم خير الناس وأفضلهم.

([41]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1103).

([42]) قلت: فمن سوى بين أقوال السلف، وبين أقوال الخلف، فقد استوجب على نفسه المؤاخذة، والله المستعان.

([43]) قلت: والقائم بذكر مسائل الخلاف يحتاج على معرفة العلم بمعاني الكتاب والسنة، ثم العلم بمعاني عبارات المختلفين، ثم يبين الراجح من المرجوح في مسائل النزاع في الإحكام، والله ولي التوفيق.

     وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (ج1 ص75).

([44]) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ج4 ص1583).

([45]) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ج4 ص1589).

([46]) قلت: لأن لا يعتد بالخلاف في هذه المسألة بعد ثبوت إجماع السلف من الصحابة، والتابعين، رضي الله عنهم.

     والتابعون كانوا على منهاج النبوة، وسبيل الصحابة رضي الله عنهم، لم يغيروا، ولم يبدلوا، والله المستعان.

([47]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في ((المسند)) (224)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج4 ص227).

     وإسناده صحيح.

     ونقله عنه ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص27).

([48]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (403).

     وإسناده صحيح.

([49]) أثر حسن.

     أخرجه البيهقي في ((المدخل)) (49)، وفي ((الإعتقاد)) (ص208)، وابن النقور في ((الفوائد)) (32)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (861)، والقطيعي في ((زوائد فضائل الصحابة)) (541)، والآجري في ((الشريعة)) (ج2 ص413)، وأحمد في ((المسند)) (ج1 ص379)، والبزار في ((المسند)) (130)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (445)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج3 ص78)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3602)، وفي ((المعجم الكبير)) (8582)، والطيالسي في ((المسند)) (246)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص375)، والبغوي في ((شرح السنة)) (ج1 ص214).

     وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في ((الضعيفة)) (ج2 ص17)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (959)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (ج2 ص188).

([50]) قلت: والمراد أن اجتهاد العلماء من بعدهم يسقط مع إجماعهم؛ فلا يبحث، ولا يحتج به، فافهم لهذا ترشد.

([51]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص432).

     وإسناده صحيح.

([52]) وانظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص435).

([53]) قلت: فما أجمع عليه السلف فهو حجة، ويسقط الاجتهاد فيما يسمى بـ((المجالس، والهيئات، والمؤتمرات، واللجان، والجمعيات))، فلا يعتد مع إجماعهم، ومن رد إجماعهم أثم وضل، ووقع في الندامة، والويل يوم القيامة.

([54]) أثر حسن.

     أخرجه الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج3 ص386)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (230)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (134)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (455)، وفي ((شرف أصحاب الحديث)) (5)، والأصبهاني في ((الحجة)) (ج1 ص109)، والآجري في ((الشريعة)) (ص48)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (2326)، والخلال في ((السنة)) (ج4 ص127)، وعبدالله بن أحمد في ((السنة)) (ج1 ص357).

    وإسناده حسن.

([55]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص439)، وأبو داود في ((المسائل)) (277).

     وإسناده صحيح.

([56]) أثر صحيح.

     أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص438).

     وإسناده صحيح.

([57]) أثر حسن.

     أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص404)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص466)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (4755)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (386).

     وإسناده حسن.

([58]) وانظر: ((إوراء الغليل)) للشيخ الألباني (ج2 ص236).

([59]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) (ج7 ص75)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (158)، والآجري في ((الشريعة)) (ج1 ص123)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص555)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (133)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (ج3 ص723).

     وإسناد صحيح.

([60]) أثر صحيح.

     أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص296)، والمروزي في ((السنة)) (90)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص103)، وأحمد في ((الزهد)) (869)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (161)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1179)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج3 ص70)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص383)، والطوسي في ((الأمالي)) (484)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10488).

     وإسناده صحيح.

([61]) أثر حسن.

أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص115)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص453)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص381)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (369)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج1 ص278)، وابن عبدالبر في ((الجامع)) (ج2 ص1183)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص110)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج2 ص433)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج2 ص118)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج1 ص305)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (ج9 ص3134)، والبيهقي في ((المعرفة)) (ج1 ص129)، والشافعي في ((المسند)) (ج1 ص55)، وفي ((الرسالة)) (ص443).

     وإسناده حسن.   

([62]) وانظر: ((الإبانة الكبرى)) لابن بطة (ج1 ص163).

([63]) قلت: وقد مرت بهم سنوان طويلة، وهم يربوا أتباعهم على قول فلان، وفلان، أو مذهب فلان، ومذهب فلان... فكان ينبغي لهم أن يربوا أتباعهم على مذهب الصحابة الكرام، وفهمهم، لا على أقوال المذاهب!.

([64]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (815)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج5 ص77)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (776)، وفي ((نصيحة أهل الحديث)) (6)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج11 ص249)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص616)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (926)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص164)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (8589)، وفي ((المعجم الأوسط)) (ج7 ص311)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج8 ص49)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (101).

     وإسناده صحيح.

([65]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (ج3 ص723).

     وإسناده صحيح.

([66]) أثر حسن.

     أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (87)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج1 ص59)، والأصبهاني في ((الترغيب)) (469)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص252)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (250)، وعبدالله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (1091)، وأبو داود في ((الزهد)) (199)، وابن الجوزي في ((تلبيس إبليس)) (ص21).

     وإسناده حسن.

([67]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (501)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج7 ص124)، وابن الأعرابي في ((الزهد)) (ص42)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص136)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (ج7 ص374).

     وإسناده صحيح.

([68]) وانظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج6 ص30).

([69]) حديث ضعيف. ومعناه صحيح.

     أخرجه أحمد في ((المسند)) (ج6 ص396)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج2 ص314)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (82) وغيرهم مرفوعا.

     والحديث مشهور المتن، وله أسانيد كثيرة، وشواهد عديدة، وكلها ضعيفة.

([70]) أثر صحيح.

     أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (ج1 ص42).

     وإسناده صحيح.

([71]) إلا عند ورود شبهة عليهم؛ فيفصل لهم بالقدر الذي تندفع الشبهة عنهم.

([72]) انظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج1 ص332)، و((الموافقات)) للشاطبي (ج5 ص233).

([73]) وانظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (ج2 ص925)، و((الصحيحة)) للشيخ الألباني (ج1 ص175).

([74]) فلم تغن عنهم مراكزهم الدنيوية، ولم تنفعهم علومهم الجامعية في هذه المراكز فـ ]فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم:32].

     فالحذر الحذر من الانخداع بهم في البلدان الإسلامية...فمن انخدع بهم؛ فيا حسرة عليه خسر الدنيا ولآخرة: ]ذلك هو الخسران المبين[ [الحج:11].

([75]) وانظر: ((الإحكام)) لابن حزم (ص645).

([76]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج12 ص17 و124)، وأبوداود في ((سننه)) (ج3 ص312)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص415).

([77]) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (ج4 ص1583)

([78]) قلت: لذلك يجب البعد عن الشذوذ في الخلاف.

([79]) وليس هذا يعني أن الحق مع الجمهور، أو الأكثر فانتبه.

([80]) قلت: ومن لم يتبعهم فيما أجمعوا عليه، فهو غير متبع لهم، ولم يستحق الثناء، ولا الرضوان، اللهم سلم سلم.

     قلت: فالمخالف في الحكم لا يسمي موافقا، فكيف يسمى متبعا ؟!.

([81]) انظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج5 ص559 و560).

([82]) فما بالك إذا أجمع كل الصحابة رضي الله عنهم!.

([83]) قلت: والاتباع المقصود لا يتوقف على الإجماع، فانتبه.

([84]) كما فعل ربيع في حكم تارك الصلاة، والله المستعان.

([85]) وانظر: ((العزلة)) للخطابي (ص57).

([86]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص633)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).

([87]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص616)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).

([88]) وانظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص81)، و. ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص615)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص267و270).

([89]) بالدليل الذي يبين من هو على الصواب، ومن الذي على الخطأ. والله ولي التوفيق.

([90]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1112).

([91]) وانظر: ((التمهيد في أصول الفقه)) لأبي الخطاب (ج3 ص224)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ص317)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص372)، و((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (ج2 ص214).

([92]) قلت: والصحابة الكرام لهم مزية على غيرهم في الدين، فنتبه.

([93]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1098).

([94]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1083).

([95]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1113).

([96]) انظر: ((المصدر السابق)).

([97]) انظر: ((المصدر السابق)).

([98]) قلت: وهذا يدل أن المخالف للإجماع كل واحد بحسبه، يختلف في الحكم بالتكفير، أو التضليل، أو التفسيق وذلك بحسب بعده، وقربه عن الإجماع.

     وانظر: ((الأجوبة المفيدة)) للشيخ الفوزان (ص10).

([99]) حديث صحيح.

     أخرجه أبو داود في ((سننه)) (ج4 ص200 و201)، والترمذي في ((سننه)) (ج5 ص45)، وأحمد في ((المسند)) (ج4 ص126)، وابن حبان في ((صحيحه)) (ج1 ص104)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (ج1 ص19 و30) و(ج2 ص483)، والآجري في ((الأربعين)) (ص33 و34)، وفي ((الشريعة)) (ص46)، والبيهقي في ((المدخل)) (ص115)، ومحمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (ص26 و27)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص182)، وفي ((التمهيد)) (ج21 ص279)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص97)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (1/ق236/ط)، والقاضي عياض في ((الشفا)) (ج2 ص10 و11).

     وإسناده صحيح.

([100]) وانظر: ((تنقيح العضول)) للقرافي (ص275)، و((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص73).

([101]) قلت: فلا عبرة بمخالفتهم، لأنهم من أهل الأهواء والبدع، والله المستعان.

([102]) وانظر: ((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1057).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan