الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / زحف الزلزال للتعاون مع حاكم البلاد لمجاهدة أهل الضلال
زحف الزلزال للتعاون مع حاكم البلاد لمجاهدة أهل الضلال
|
زحف الزلزال
للتعاون مع
حاكم البلاد لمجاهدة أهل الضلال
والمراد: بذل الجهد من المسلمين في جهاد الأعداء المعاندين المحاربين، والمنافقين المفسدين، والمبتدعين الضالين، والمتهمين المجرمين؛ لإعلاء كلمة الله تعالى، ويكون الدين كله لله وحده، في الوطن لحماية الإسلام والمسلمين.
تأليف
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله، ونفع به، وأطال عمره
شعارنا:
أمن وأمان في الأوطان
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن بفضلك
درة نادرة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج35 ص16): (فطاعة الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم؛ فمن أطاع الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله.
ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية، والمال؛ فإن أعطوه أطاعهم؛ وإن منعوه عصاهم: فما له في الآخرة من خلاق).اهـ يعني: نصيب.
قال تعالى: ]من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا[ [الأحزاب: 23].
بسم الله الرحمن الرحيم
عونك يا رب يسر
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد،
فلا بد لكل نعمة من حاسد، ولكل حق من جاحد ومعاند([1])... قد اتخذ بطر الحق، وغمط الناس سلما إلى ما يحبه من الباطل ويرضاه ... ولا يعرف من المعروف، ولا ينكر من المنكر إلا ما وافق إرادته، وهاتف هواه ... يستطيل على المسلمين وبلدانهم بأصغريه، ويجالس أهل الغي([2]) والجهالة، ويزاحمهم بركبتيه ... قد ارتوى من ماء آجن وتضلع، واستشرف إلى مراتب العلماء([3]) وتطلع يركض في ميدان جهله مع الجاهلين، ويبرز عليهم في الجهالة فيظن أنه من السابقين، وهو عند الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين الكرام عن تلك الوراثة النبوية بمعزل، وإذا أنزل الورثة منازلهم منها؛ فمنزله منها أقصى، وأبعد منزل.
نزلوا بمكة في قبائل هاشم
ونزلت بالبيداء أبعد منزل
وعياذا بك ممن جعل الملامة بضاعته، والعذل نصيحته، فهو دائما يبدي في الملامة ويعيد، ويكرر على العذل؛ فلا يفيد، ولا يستفيد!.
بل عياذا بك من عدو في صورة ناصح، وولي في مسلاخ بعيد كاشح، يجعل عداوته، وأذاه حذرا وإشفاقا، وتنفيره، وتخذيله إسعافا، وإرفاقا!.
وإذا كانت العين لا تكاد إلا على هؤلاء تفتح، والميزان بهم يخف، ولا يرجح، فما أحرى اللبيب بأن لا يعيرهم من قلبه جزءا من الالتفاف، ويسافر في طريق مقصده بينهم سغره إلى الأحياء بين الأموات.
ولقد تكشفت لنا أهداف العصبية الردية، والفئة الضالة التي تحركها دوافع تجارية مصلحية، وإحن حزبية خبيثية في الخارج والداخل؛ تنوعت دوافعها، ولكنها اجتمعت على محاربة الإسلام والمسلمين في الدول الإسلامية ... وحفر الأخاديد في طريق المد الدعوي الإسلامي الذي تشهده الدول العالمية ... وذلك في صورة تجريح البلدان الإسلامية؛ خاصة البلدان الخليجية ... لأن نار الحقد، والحسد، والبغضاء في قلوبهم لم تنطفئ، وكيف يخمد أوارها، وفيها ينفح ذوو العدوات، والشهوات، والشبهات، ويمنونهم: ]وما يعدهم الشيطان إلا غرورا[ [النساء: 120]، ليغرروا بالمخدوعين بهم ... فتراهم مع إعلامهم، ومجالسهم يبحثون عن زلة ليجعلوا منها العلة، وعن عثرة ليدعوا إلى النفرة، وتراهم يجعلون من الحبة قبة، ومن النملة فيلا!... وتراهم ينسجون من الرمال جبالا، وظنوا أنهم شوهوا سمعة البرآء، ولطخوا صورة الإسلام، والمسلمين في بلدانهم... فهيهات ... هيهات.
فأولئك سحقا لهم سحقا، ومحقا لهم محقا، وتعسا لهم تعسا، فأولى لهم ثم أولى لهم... وهذه تنبيهات من رأس القلم؛ لقمع إجرام من تعدى وظلم في الدول الإسلامية ... قد ينقلها ناقل، ويتقبلها قابل، ويتهوك فيها جاهل، فيتحير عاقل، فيصيب قوما بجهالة؛ فترتد على محدثها، ومبتدعها بالندامة، والملامة، والويل يوم القيامة.
ولذلك رأيت تسطيرها؛ لتكون قوة للمسترشد، وبيانا للمتحير، وتبصرة للمهتدي، ومقتلا للخراصين، ونصحا لإخواننا المسلمين ... ولا تغرنكم البرقة؛ فإنها فجر كاذب، ولا تهولنكم المفاجأة؛ فإن الحكومات الإسلامية ينخلونهم نخلا، فيبقى اللباب، ويعيش على النخالة دواب!.
علما إذا تتبعنا ذيول المشكلة من المجرمين من ((الشيعة))، و((الخوارج))، و((النصرانية))، و((الشيوعية))؛ مع الحكومات الإسلامية، لوجدناها نابعة مع الدول الإسلامية من عوامل عدة منها:
(1) الوصول إلى كرسي الحكم!.
(2) قضايا مالية!.
(3) شعور بالحسد على الحكومات الإسلامية!.
(4) العدوان الشيعي، والعدوان الخارجي!.
(5) تحريض من جهات أخرى ((غربية))، و((إرانية))، و((ثورية)) لها مصلحة في إسقاط الدول الإسلامية!.
قلت: والآن لا يسع الجيوش الإسلامية في البلدان الإسلامية إلا أن يذبوا عن دولهم الإسلامية، ويردوا كيد الكائدين، ويقمعوا المجرمين؛ قمعا لم يكن لهم بالحسبان، لما عرضوا أنفسهم بين مخالب الحاسدين، وأنياب البغاة المعتدين!.
وهذا الكتاب يجيب عن هذه الأمور المعضلة، وهو كاف وشاف في تبيين جهاد المجرمين في الداخل والخارج مع ولاة أمورنا، والتعاون معهم في دفع شرهم عن الوطن والمواطنين؛ إما بالسيف والسنان، أو الحجة والبيان.([4])
قال تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ [المائدة: 2].
قال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((الإحكام)) (ج1 ص28): (وقال تعالى: ]ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح[([5])؛ ولا غيظ أغيظ على الكفار، والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة، وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا، فهي أدعى إلى الحق، وأنصر للدين من السلاح الشاكي، والأعداد الجمة، وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم، إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين، وأول ما أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال؛ فلما قامت الحجة وعاندوا الحق أطلق الله تعالى السيف حينئذ، وقال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة[([6])؛ وقال تعالى: ]بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق[([7]).
ولا شك في أن هذا إنما هو بالحجة؛ لأن السيف مرة لنا، ومرة علينا، وليس كذلك البرهان؛ بل هو لنا أبدا، ودامغ لقول مخالفينا ومزهق له أبدا، ورب قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيرا فأزهقته، منها: يوم الحرة، ويوم قتل عثمان رضي الله عنه، ويوم قتل الحسين، وابن الزبير رضي الله عنهم ولعن قتلتهم، وقد قتل أنبياء كثير، وما غلبت حجتهم قط.
وقد علمنا عز وجل الحجة على الدهرية في قوله تعالى: ]وكل شيء عنده بمقدار[([8])؛ وقوله تعالى: ]وأحصى كل شيء عددا[([9])، وعلمنا الحجة على الثنوية بقوله تعالى: ]لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدت[([10])؛ وعلى النصارى، وعلى جميع الملل). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج9 ص397): (فلا يجوز لأهل العلم السكوت، وترك الكلام للفاجر، والمبتدع، والجاهل، فإن هذا غلط عظيم، ومن أسباب انتشار الشر، والبدع، واختفاء الخير، وقلته، وخفاء السنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ص274): (فإن البدع في الدين سبب الفواحش وغيرها من المنكرات؛ كما أن إخلاص الدين لله تعالى سبب التقوى، وفعل الحسنات). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله –وهو يحذر من المجرمين في الأرض-: (أن أسامة بن لادن من المفسدين في الأرض، ويتحرى طرق الشر الفاسدة، وخرج عن طاعة ولي الأمر).([11]) اهـ
قلت: فأهل الضلال؛ فارقوا جادة الحق، وخرجوا عن طاعة ولي الأمر، ونابذوا الخلق والحق، ونقضوا الأمة في أمنها، وناقضوها في إيمانها ... وهذا كاف في تحذير العباد، وإنقاذ البلاد.
فليتق الله تعالى كل ناظر فيه؛ من قبل أن تتبدى له مكنوناته وخوافيه: ]يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم[ [الشعراء: 88 و89].
اللهم فعياذا بك ممن قصر في العلم، والدين باعه، وطالت في الجهل، وأذى عبادك ذراعه؛ فهو لجهله يرى الإحسان إساءة، والسنة بدعة، والعرف نكرا، ولظلمه يجزي بالحسنة سيئة كاملة، وبالسيئة الواحدة عشرا، اللهم غفرا.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر).([12])
قلت: فترك جهاد المبتدعة الضلال مع الحاكم المخالف في الدين يفضي إلى قطع الجهاد، وظهور المبتدعة على المسلمين، واستئصالهم، وظهور كلمة المبتدعة، وفي ذلك من الفساد العظيم في الوطن، والله المستعان.
قال الإمام مالك رحمه الله: (يقاتل العدو مع كل بر، وفاجر من الولاة).([13])
قلت: والجهاد شرع مع الحاكم عدل أو ظلم لأسباب، وهي:
1) الدفاع عن الدين والوطن([14])، والدفاع عن المصالح العامة والخاصة.
قال تعالى: ]ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز[ [الحج:40].
وقال تعالى: ]وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين[ [التوبة:36].
2) المنع من انتشار الفساد، ومنع الظلم في الوطن.([15])
قال تعالى: ]ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين[ [البقرة:251].
قال الفقيه ابن عابدين الحنفي رحمه الله في ((رد المحتار على درر المختار)) (ج4 ص122): (أن المقصود هو إخلاء الأرض من الفساد). اهـ
3) الدفع للعدوان، والانتصار للحق، في الوطن.([16])
قال تعالى: ]الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور[ [الحج:41].
قال الفقيه الكاساني الحنفي رحمه الله في ((بدائع الصنائع)) (ج2 ص121): (لأن القتال ما فرض لعينه بل للدعوة إلى الإسلام، والدعوة دعوتان: دعوة بالبنان، وهي القتال ودعوة بالبيان، وهو اللسان، وذلك بالتبليغ). اهـ
اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه
أبو عبد الرحمن فوزي الحميدي الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي، وعوني إنه كريم
ذكر الدليل على وجوب الجهاد في الداخل أو الخارج
مع حاكم البلاد لأهل الضلالة ظلم، أو عدل من أجل حماية
المسلمين وبلدانهم، وحماية مصالحهم ومساجدهم وعباداتهم
عن سليمان بن قيس اليشكري قال: قلت لجابر بن عبد الله رضي الله عنه: يكون علينا الإمام الجائر الظالم, أقاتل معه أهل الضلالة؟ قال: (نعم عليه ما حمل وعليكم ما حملتم).
أثر صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج12 ص449)، وحنبل في ((جزئه)) (77) من طريق حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان عن سليمان بن قيس اليشكري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وتابعه أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سئل إن كان علي إمام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا؟ ليس بي حبه، ولا مظاهرته قال جابر رضي الله عنه: (قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم، وعلى الإمام ما حمل، وعليك ما حملت([17])).
أخرجه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (ج8 ص2625 و2626) من طريق ابن المبارك، أنبأ ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) (ج6 ص214).
قلت: وهذا الأثر يدل على وجوب التعاون مع حاكم البلاد في محاربة أهل الضلالة من الشيعة، والخوارج، والشيوعية، والحزبية، وغيرهم.([18])
قال تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم[ [المائدة: 33].
وعن الإمام الزهري رحمه الله؛ فيمن حارب جماعة المسلمين في علانية، أو غيلة، أو فساد، قال: (والإمام ولي عقوبته يقتله بقتل إن قتل في علانية، أو غيلة([19]) بالفساد بما فرض الله على أهل الفساد؛ من ذلك قتل المسلم على المال يكون معه، أو قطع السبيل بالخرابة([20])، أو اللصوصية في العلانية، أو الغيلة، أو الغارة على المسلمين، وأهل الذمة، والفساد المشهور في الأرض، والردع الذي يعادي فيه ولي الأمر، ويظهر فيه معصيته حتى يعظم فيه الفساد، كل هذا مما ذكر الله في الآية([21]): ]من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم[ [المائدة: 32 و33].
وعن الإمام الزهري رحمه الله قال: (مضت السنة في المحارب الخارب([22]) إذا قتل عدوانا، وبغيا، وفسادا في الأرض وغيلة في الدين ولم يصب من الأموال شيئا أن الأئمة ولاة قبله يقتلونه ... وإذا أصاب الأموال، ولم يقتل قطعت يده، ورجله من خلاف).([23])
وعن الإمام الزهري رحمه الله قال: (نرى أن يقتل من قتل، ويقطع من غصب الأموال، ويجتهد في من أخاف الناس، وإن قطع فيهما الإمام أو رأى غير ذلك اتبع فيهم رأيه وينكل من يأوي من أحدث في الدين).(
وعن الإمام أبي الزناد رحمه الله قال: (اللصوص الذين يقطعون الطريق ولا يخشون السلطان، وهم يقتلون ويسلبون من استطاعوا ذلك منه، فكل أولئك ينزله المسلمون بمنزلة المحارب، لا يجيب دعوتهم، والقطع فيهم، ويخيف سبيلهم، فإن ذلك ما فعل الوالي فيهم، فهو إن شاء الله صواب من صلب منهم أو قتل أو قطع أو نفي).([25])
وعن الإمام يزيد بن أبي حبيب رحمه الله قال: (إن الذي يفسد في الأرض، إن قتل وجب عليه القتل).([26])
وعن الإمام عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: في أناس حاربوا الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسعوا في الأرض فسادا: (وكتب إليهم؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يمضي قضاء الله فيهم فليكتب بذلك([27]): ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف[ [المائدة: 33].
وعن الإمام الليث بن سعد رحمه الله قال؛ في الذي يقتل، ويأخذ المال: (أنه يصلب حيا ويطعن بالحربة حتى يموت، والذي يقتل بغير صلب أنه يقتل بالسيف).([28])
وعن الوليد بن مسلم قال: أخبرني مالك بن أنس: (أن قتل الغيلة –يعني: الاغتيال- عنده بمنزلة المحاربة!).([29])
قلت: فمن تحيز لطائفة يقطع الطريق، ويخوف الناس، ويفسد في البلد؛ فهو لص محارب، فيحارب، ويقام عليه العقاب من قتل، أو حبس، أو غير ذلك.([30])
وعن ابن جريج قال: (قلت: لعطاء بن أبي رباح: ما يحل لي قتال الحرورية -يعني: الخوارج- قال: إذا قطعوا السبيل، وأخافوا الآمن).([31])
وعن الإمام الأوزاعي رحمه الله قال: في الحرورية؛ (إذا خرجوا فسفكوا الدماء؛ فقتالهم حلال).([32])
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (فلا أعلم أحدا أحق بالقتال، والقتل من الحرورية).([33])
والحرورية: إحدى فرق الخوارج الضالة.
وعن الإمام طاووس رحمه الله: (أنه كان يحرض في قتال الحرورية).([34]) يعني: الخوارج.
وعن الوليد بن مسلم قال: قلت لمالك بن أنس: تكون محاربة في المصر؟ -يعني: داخل البلد- قال: (نعم, والمحارب عندنا من حمل السلاح على المسلمين في مصر، أو خلاء).([35])
قلت: فمن تعدى على المسلمين في البلد من تخريب، أو حرق، أو قتل، أو تفجير، أو غير ذلك؛ فهو محارب لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين.([36])
وعن عطاء الخراساني، والكلبي قالا: في قوله تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله[ [المائدة: 33]؛ (في اللص الذي يقطع الطريق؛ فهو محارب، فإن قتل وأخذ المال صلب).([37])
قلت: كما يفعل الشيعة في الطرقات، حيث أنهم يقطعون الطرق بالتخريب، والحريق، والإخافة، والتفجير، والتعدي، وغير ذلك، فهؤلاء يعتبرون في الشرع من المحاربين المفسدين في الوطن.([38])
قال تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم[ [المائدة: 33].
قلت: فمن أفسد في الأرض، ونقض العهد مع المسلمين، فقد حارب الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيقام فيه الحد.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن نفرا من عكل([39]) قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأسلموا، فاجتووا([40]) المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من أبوالها، وألبانها، فقتلوا رعاتها، واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة([41])، فأتي بهم فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، ولم يحسمهم([42])، وتركهم
حتى ماتوا([43])، فأنزل الله تعالى: ]إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله[ [المائدة: 33].
وعن أبي قلابة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رهطا من عكل، ثمانية، قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله ابغنا رسلا، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود، فانطلقوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، حتى صحوا وسمنوا، وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم، فأتى الصريخ النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب، فما ترجل النهار حتى أتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وطرحهم بالحرة، يستسقون فما يسقون، حتى ماتوا، قال أبو قلابة: قتلوا وسرقوا وحاربوا الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسعوا في الأرض فسادا).([44])
قلت: نزلت آية المحاربين في العرنيين.([45])
* والتعاون مع حاكم البلاد في محاربة أهل الضلالة من الجهاد في سبيل الله؛ ويكون بأمرين:
الأول: بالسلاح والسنان، وهذا خاص بالجيش، والشرطة فقط؛ لأنهم تحت أمر الحاكم، فلا يرفعوا سلاحا، ولا قوة إلا بأمره، وهذا من الجهاد في سبيل الله تعالى.
الثاني: بالحجة والبيان([46])، وهذا عام للجميع ممن عنده علم بالكتاب والسنة والآثار، وهذا هو الجهاد الأكبر!، وهو أساس النوع الأول.
قلت: فإن فعل الناس ذلك حمى الله تعالى البلد من كيد أهل الكفر في الخارج، وكيد أهل الضلالة في الداخل؛ لأن هذا الدفاع هو حماية للمسلمين، وبلدانهم، ومحل عبادتهم لله تعالى([47])، فافهم لهذا ترشد.([48])
قال تعالى: ]كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [ [البقرة: 216].
وقال تعالى: ]انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون[ [التوبة:41]، وهي عامة في وجوب الجهاد على جميع المسلمين، ولكنها خصصت بالآية: ]وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [[التوبة: 122]، وبالآية ]لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما[ [النساء : 95].([49])
وقال تعالى: ]إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم[ [التوبة: 111].
وقال تعالى: ]ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون[([50]) [البقرة: 179].
وقال تعالى: ]أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير [ [الحج :39].
وقال تعالى: ]وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين[ [البقرة:190].
وقال تعالى: ]قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين[ [التوبة: 14].
وقال تعالى: ]وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين[ [آل عمران: 146].
وقال تعالى: ]الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين[ [الأنفال: 66].
وقال تعالى: ]ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ [آل عمران: 169 و170].
وقال تعالى: ]فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين[ [الحجر: 94].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (16) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير[ [الأنفال: 15 و16].
وقال تعالى: ]وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير[ [الحج: 78].
وقال تعالى: ]وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين [[التوبة:36].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل[ [التوبة: 38].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون[ [الأنفال:45].
وقال تعالى: ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون[ [الأنفال:60].
وقال تعالى: ]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير[ [التوبة:73].
وقال تعالى: ]وجاهدهم به جهادا كبيرا [[الفرقان:52].
وقال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين [[التوبة: 123].
وقال تعالى: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير[ [الأنفال: 39].
وقال تعالى: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين[ [البقرة:193].
قلت: وهذه الآيات تدل على وجوب بذل الجهد من المسلمين في قتال الكافرين المعاندين المحاربين في الخارج، والمبتدعين الضالين في الداخل؛ لإعلاء كلمة الله تعالى.([51])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة؛ فمات مات ميتة جاهلية).([52])
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا؛ فمات إلا مات ميتة جاهلية).([53])
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).([54])
قال القاضي عياض رحمه الله في ((إكمال المعلم)) (ج5 ص477): (قوله صلى الله عليه وسلم: (التارك لدينه المفارق للجماعة): عام في كل مفارق للإسلام؛ بأي: ردة كانت بينة، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (المفارق للجماعة)، حجة على قتل الخوارج، وأهل البدع، وغيرهم، وقتلهم إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحق عليهم، وقاتلوا على ذلك، وفي قتال أهل البغي وقتلهم، وفي كل خارج على الجماعة، كان خروجه كفرا، أو غيره). اهـ
قلت: لأن يحتمل خروجه عن الجماعة خروجا يترك به الجماعة، أو يبغي عليها([55])، فيقاتل على ذلك حتى يفيء إلى دينه، والى الجماعة، وليس بكافر، ويمكن أن يكون خروجه كفرا، أو ردة.([56])
قال الحافظ النووي رحمه الله في ((المنهاج)) (ج11 ص165): (ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة، أو بغي، أو غيرهما، وكذا الخوارج). اهـ
قلت: لأن المبتدع مفارق للجماعة، لما فيه من الضلالة، والعياذ بالله.
قال العلامة السنوسي رحمه الله في ((مكمل إكمال الإكمال)) (ج6 ص111): (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المفارق للجماعة)): حجة على قتل الخوارج، وأهل البدع؛ والظاهر أن المفارق صفة التارك، وهي صفة عامة يدخل فيها الخوارج، ومن ذكر معهم). اهـ
وقال الحافظ القرطبي رحمه الله في ((المفهم)) (ج5 ص40): (قوله صلى الله عليه وسلم: (المفارق للجماعة) ظاهره: أنه أتى به نعتا جاريا على التارك لدينه؛ لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام، فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه يلحقبهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسملين، وإن لم يكن مرتدا؛ كالخوارج، وأهل البدع). اهـ
وقال الإمام ابن هبيرة رحمه الله في ((الإفصاح)) (ج1 ص262): (جواز قتل من خرج ببدعة على الإمام، وصار له حزب وشوكة). اهـ
وقال أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((الأحكام السلطانية)) (ص54): (فإن تظاهروا باعتقادهم -يعني: الخوارج- وهم على اختلاطهم بأهل العدل، أوضح لهم الإمام فساد ما اعتقدوا، وبطلان ما ابتدعوا؛ ليرجعوا عنه إلى اعتقاد الحق وموافقة الجماعة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((السياسة الشرعية)) (ص364): (وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أنه أمر بقتال الخوارج). اهـ
وعن نافع قال: (قيل لابن عمر: إن نجدة يقول: إنك كافر، وأراد قتل مولاك، إذ لم يقل: إنك كافر، فقال عبد الله: كذب والله ما كفرت منذ أسلمت قال نافع وكان ابن عمر حين خرج نجدة يرى قتاله).([57])
وعن عمير بن إسحاق قال: ذكروا الخوارج عند أبي هريرة رضي الله عنه فقال: (أولئك شرار الخلق).([58])
وعن عاصم بن شميخ، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: ويداه هكذا يعني ترتعشان من الكبر: (لقتال الخوارج أحب إلي من قتال عدتهم من أهل الشرك).([59])
وعن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه ذكر ما يلقى الخوارج عند القرآن فقال: (يؤمنون عند محكمه ويهلكون عند متشابهه).([60])
وعن رجاء بن حيوة: (أنه كتب إلى هشام بن عبد الملك: بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان –القدري([61])-، ولقتل غيلان وصالح أحب إلي من قتل ألفين من الروم).([62])
أثر صحيح
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في ((التاريخ)) (ص162)، والفريابي في ((القدر)) (ص184)، والآجري في ((الشريعة)) (ص209)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (1850)، واللالكائي في ((الاعتقاد)) (1327) من طريق الوليد بن أبي السائب عن رجاء بن حيوة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال إبراهيم بن أبي عبلة: كنت عند عبادة نسي -ثقة فاضل- فأتاه آت فقال: إن أمير المؤمنين –يعني: هشاما- قد قطع يدي غيلان، ورجليه، وصلبه قال: ما تقول؟ قال: قد فعل، قال: (أصاب -والله- فيه القضاء والسنة، لأكتبتن إلى أمير المؤمنين، فلأحسنن له رأيه)، وفي لفظ: (فلأحسنن له ما صنع)، وفي لفظ: (فإن قتل غيلان من فتوح الله العظام على هذه الأمة).
أثر صحيح
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في ((التاريخ)) (ص161)، واللالكائي في ((الاعتقاد)) (ص1328)، والفريابي في ((القدر)) (ص185)، والآجري في ((الشريعة)) (ص209)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (2228)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (ص1851) من طريقين عن عبدالله بن سالم الأشعري، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سئل أبي عن الخوارج، فقال: (هم قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم).([63])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولم يحرض -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- إلا على قتال أولئك المارقين الذين خرجوا من الإسلام([64])، وفارقوا الجماعة، واستحلوا دماء من سواهم من المسلمين وأموالهم. فثبت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام، وإن تكلم بالشهادتين).([65]) اهـ
وقال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (مراد الشيخ -يعني: ابن تيمية- أن يقاتل حتى يكون الدين لله، سواء كان المقاتلون كفارا أم مسلمين، ولهذا نقاتل الخوارج، ونقاتل الطائفة الممتنعة عن شعائر الإسلام ولو كانت تنتسب للإسلام).([66]) اهـ
قلت: إذا يجب أن يقاتلوا، وأن لا يبقى منهم أحد بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن فسادهم عظيم، وشرهم كبير، اللهم سلم سلم.
وقال الحافظ النووي رحمه الله في ((شرح صحيح مسلم)) (ج7 ص169): (وجوب قتال الخوارج، والبغاة، وهو أجماع العلماء). اهـ
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله عن خوارج العصر: (نعوذ بالله من حال السوء، هؤلاء منافقون، هؤلاء ضالون، هؤلاء في قلوبهم مرض وحقد على الأسلام وأهله، الذي يدعو إلى الخروج عن طاعة الأمام، والذي يدعو إلى التمرد على السلطة، والذي يدعو إلى الفوضى، هذا في قلبه نفاق، وفي قلبه مرض كبته الله وأذله.
هذا والعياذ بالله من دعاة السوء، ومن المرجفين في الأمة، ومن الذين في قلوبهم حقد على الإسلام وأهله، ومن الذين يحبون نشر الفوضى بالمجتمع المسلم ... هؤلاء مغرضون مفسدون، قال الله تعالى: ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)[ [البقرة: 11 و12]، من يدعو أي إنسان إلى الخروج عن طاعة الأمام، وعن السمع والطاعة، فأسيئوا به الظن بأنه منافق، وبأنه فاجر، ولا عهد له، ولا دين، ولا أمانة له، لأن والعياذ بالله هذه الدعوات تدعو إلى الفوضى، وإلى سفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الأعراض فمجتمعنا ولله الحمد مجتمع مسلم يخضع لقيادة مسلمة...).([67])
قلت: فهذا هو ((جهاد)) النبي r، وصحابته الكرام، والأئمة العلماء؛ لأهل الضلالة، فأنقذ الله تعالى بهم الناس من الضلال المبين، ومن الشرك والكفر، إلى الإيمان والتوحيد في الدين.
((فجهاد)) النبي r، وأصحابه y لأهل الضلالة أعظم ((الجهاد))؛ فصبروا وبذلوا أموالهم وأنفسهم، بل جاهدوا أقرب الناس لهم؛ لأجل إعلاء كلمة الله تعالى.
قلت: وميدان الجهاد من أوسع ميادين التربية العلمية:
فالصحابة الكرام شاركوا النبي r في كل ميادين ((الجهاد))، جهاد النفس، وجهاد المال، وجهاد الدعوة، في كل أوجه الخير تسابقوا، وبعد أن فازوا، ونالوا مرتبة الرضى، ورضي الله عنهم.
قلت: فالحذر الحذر أن يصدك جاهل عن ((الجهاد الأكبر))، اللهم سلم سلم.
قال محمد بن يحيى الذهلي: سمعت يحيى بن يحيى يقول: (الذب عنالسنة أفضل من الجهاد في سبيل الله.
قال محمد: قلت ليحيى: الرجل ينفق ماله، ويتعب نفسه، ويجاهد، فهذا أفضل منه؟! قال: نعم؛ بكثير).([68])
وعلى هذا مضى أئمتنا، فيرون أن ((جهاد)) المبتدعة هو الأصل، و((جهاد)) الكفار، والملحدين هو الفرع عن ذلك الأصل.([69])
قال العلامة الشيخ السعدي رحمه الله في ((وجوب التعاون بين المسلمين)) (ص7): (الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم، وأخلاقهم، وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية، وهذا النوع هو أصل ((الجهاد)) وقوامه، وعليه يتأسس.
النوع الثاني: وهو ((جهاد)) يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين من الكفار، والمنافقين، والملحدين، وجميع أعداء الدين ومقاومتهم). اهـ
قال تعالى: ]وجاهدوا في الله حق جهاده[ [الحج:78].
قال سبط ابن الجوزي رحمه الله في ((الجليس الصالح)) (ص110): (و((الجهاد)) خمسة أنواع... وذكر منها: و((جهاد)) مع أصحاب الباطل بالعلم والحجة، وذلك لقوله تعالى: ]وجاهدوا في الله حق جهاده[، وقوله تعالى: ]وجادلهم بالتي هي أحسن[ [النحل:125]، يعني: بالحجة). اهـ
قلت: فنقد أهل البدع، وأهل التحزب، وأهل التعالم بالعلم والحجة من ((الجهاد)) فتأمل، ويجب على الحاكم أن يجاهدهم أيضا بالمنع والعقوبة، وغير ذلك.
قلت: إذا؛ فمواجهة هؤلاء حماية لديار المسلمين من أن تغتال من تحتها، ((بجهاد)) المنافقين، والحزبيين الذين يتسللون الصفوف لواذا.
قال تعالى: ]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير[ [التوبة:73].
قال العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ((الدعوة إلى الله)) (ص25): (وإنما الواجب، والمشروع هو الأخذ بما بينه الله عز وجل في آية النحل، وهو قوله تعالى: ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة[ [النحل: 125]؛ إلا إذا ظهر من المدعو العناد، والظلم؛ فلا مانع من الإغلاظ عليه، كما قال الله تعالى: ]ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم[ [التحريم: 9]؛ وقال تعالى: ]ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم[ [العنكبوت:46]). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان).([70]) اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة)) (ج1 ص70): (فقوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين:
الأول: جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير.
والثاني: الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الائمة، وهو افضل الجهادين لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه. قال تعالى في سورة الفرقان، وهي مكية: ]ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا (51) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا[ [الفرقان:51 -52]). اهـ
وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r أنه قال: (لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق، إذا علمه).
قال: أبو سعيد الخدري: (فما زال بنا البلاء حتى قصرنا).
حديث صحيح
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (ج4 ص419)، وابن ماجه في ((سننه)) (ج2 ص1328)، وأحمد في ((المسند)) (ج3 ص44)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج3 ص98)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج11 ص346)؛ بإسناد صحيح.
والحديث صححه الشيخ الألباني في ((الصحيحة)) (ج1 ص322).
قال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (ج1 ص325): (وفي الحديث: النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس, أو طمعا في المعاش، فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء، كالضرب والشتم، وقطع الرزق, أو مخافة عدم احترامهم إياه, ونحو ذلك, فهو داخل في النهي، ومخالف للنبي r, و إذا كان هذا حال من يكتم الحق وهو يعلمه، فكيف يكون حال من لا يكتفى بذلك، بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء، ويتهمهم في دينهم و عقيدتهم، مسايرة منه للرعاع, أو مخافة أن يتهموه هو أيضا بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم واتهامهم?! فاللهم ثبتنا على الحق, وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين). اهـ
قال أبو عبد الرحمن العمري رحمه الله: (إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله، بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهى خوفا ممن لا يملك لك ضرا ولا نفعا).([71])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الصارم المسلول)) (ج3 ص735): (أن المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد).([72]) اهـ
وعن البراء بن عازب t قال: سمعت رسول الله r يقول لحسان بن ثابت: (اهجهم، أو هاجهم وجبريل معك).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج6 ص351)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج4 ص1933).
وفي رواية للبخاري في ((صحيحه)) (ج1 ص652)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج4 ص1933) من حديث أبي هريرة بلفظ: (اللهم أيده بروح القدس).
وفي رواية للبخاري في ((صحيحه)) (ج10 ص652) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: (إن جبريل معك ما دمت تنافح عن رسول الله r).
وفي رواية لمسلم في ((صحيحه)) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: (اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق بالنبل).([73])
قلت: فأهل البدع في الداخل أضر على الإسلام من أهل الكفر في الخارج!.
قال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي رحمه الله في ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص222): (واعلم رحمك الله أن الإسلام، وأهله أتو من طوائف ثلاث:
الأولى: فطائفة([74]) ردت أحاديث الصفات، وكذبوا رواتها، فهؤلاء أشد ضررا على الإسلام، وأهله من الكفار.
الثانية: وأخرى([75]) قالوا بصحتها وقبولها، ثم تأولوها، فهؤلاء أعظم ضررا من الطائفة الأولى.
الثالثة([76]): جانبوا القولين الأولين، وأخذوا بزعمهم ينزهون وهم يكذبون، فأداهم ذلك إلى القولين، وكانوا أعظم ضررا من الطائفتين الأولتين). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص479): (وقد اتفق أهل العلم بالأحوال أن أعظم السيوف التي سلت على أهل القبلة ممن ينتسب إليها، وأعظم الفساد الذي جرى على المسلمين؛ ممن ينتسب إلى أهل القبلة، إنما هو من الطوائف المنتسبة إليهم، فهم أشد ضررا على الدين وأهله). اهـ
وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((الصحيحة)) (221): (تشبث به -يعني: الحديث- وعض عليه بالنواجذ، ودع عنك آراء الرجال، فإنه إذا ورد الأثر بطل النظر!). اهـ
وقال الإمام شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح بلوغ المرام)) (ج5 ص30): (القلب إذا انشغل بالباطل لم يبق للحق فيه محل؛ كما أنه إذا انشغل بالحق لم يبق فيه للباطل محل). اهـ
قلت: إذا فأهل البدع والأهواء – ولا سيما دعاتهم – وأهل الشر بأصنافهم، الذين يشكلون على الناس في دينهم، وعقائدهم أعظم الأخطار أبعد وأبعد عن وجوب العدل في مقام النصيحة، والتحذير من شرورهم وبدعهم، وهذا ما عليه الكتاب والسنة، وما عليه أئمة الأمة، وأعلامها، وهداتها.
قال الإمام ابن هبيرة رحمه الله: وفي حديث أبي سعيد الخدري: (في قتال الخوارج)، قال: (وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين، والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح، وحفظ رأس المال أولى).([77]) اهـ
وعن أنس t أن رسول الله r قال: (جاهدوا المشركين؛ بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم).
حديث صحيح
أخرجه أبو داود في ((سننه)) (354)، وأحمد في ((المسند)) (ج3 ص251)، وأبو يعلى في ((المسند)) (ج6 ص468)، وابن حزم في ((الإحكام)) (ج1 ص29)، وابن حبان في ((صحيحه)) (ج7 ص104). بإسناد صحيح.
قال النووي رحمه الله في ((رياض الصالحين)) (ص515): (رواه أبو داود بإسناد صحيح).
وقال ابن حزم رحمه الله في ((الإحكام)) (ج1 ص29): (وهذا الحديث في غاية الصحة).
قلت: فدل الحديث على وجوب ((جهاد)) المشركين باللسان واليد، وكذلك ((جهاد)) المبتدعين باللسان واليد؛ كما فعل أئمتنا رحمهم الله، بل رأوا جهادهم أكبر الجهادين.
وعن الإمام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي رحمه الله قال؛ بهداة: (عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت).
أثر صحيح
أخرجه محمد بن طاهر المقدسي في ((المنثور من الحكايات)) (ص389)، والذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) تعليقا (ج18 ص509)، وفي ((تذكرة الحفاظ)) تعليقا (ج3 ص1184)، وابن رجب في ((ذيل طبقات الحنابلة)) (ج1 ص53 و54) من طريق ابن طاهر قال: سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول: فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وذكره ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (ج1 ص227).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((البداية والنهاية)) (ج14 ص40): (الطريق إلى الله تعالى لا بد له من أعداء فاعدين عليه؛ أهل فصاحة، وعلم، وحجج، والواجب أن تتعلم من دين الله تعالى ما يصير سلاحا لك؛ فجند الله تعالى هم الغالبون بالحجة، واللسان؛ كما أنهم الغالبون بالسيف، والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق، وليس معه سلاح). اهـ
قلت: فمنذ ظهور ظلام البدعة، وأهل السنة يصيحون بأهلها، ويحذرون الناس منهم، ويهجرونهم، ويتركون السلام عليهم، ولا يجالسونهم، وغير ذلك من وسائل محاربتهم ومباينتهم، ورسموا هذا المنهج لمن يأتي بعدهم ممن درج على طريقتهم، وسار على هديهم.
فعن عاصم الأحول، قال: قال قتادة رحمه الله: (يا أحول إن الرجل إذا ابتدع بدعة ينبغي لها أن تذكر حتى تحذر).([78])
قلت: وقد عد العلماء هذا التحذير من باب النصيحة لعامة المسلمين، وبينوا أن هذا الأمر لا يعد من الغيبة المحرمة، فعن كثير بن زياد رحمه الله أنه قال: (يقال أهل الأهواء لا حرمة لهم).([79])
لذلك لم يعد العلماء ذكر المبتدعة بأسمائهم وتحذير الناس منهم من الغيبة، وقد جمع بعض أهل العلم الحالات التي تخرج من الغيبة المحرمة في بيتين فقال:
القــــــــــــــدح ليس بغيبة في ستــــــــة متظلم ومعرف ومحـــــــــــــــــــــــــــــذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر([80])
قلت: والمقصود أن التحذير من أهل البدع من واجبات أهل العلم التي لا يجوز لهم التخلي عنها.([81])
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: (أوجب الله على العلماء إعزاز الدين، وإذلال المبتدعين، فسلاح العالم علمه؛ كما أن سلاح الملك سيفه وسنانه، فكما لا يجوز للملوك إغماد أسلحتهم عن الملحدين والمشركين، لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائغين والمبتدعين.
فمن ناضل عن الله، وأظهر دين الله كان جديرا أن يحرسه الله تعالى بعينه التي لا تنام، ويعزه بهزه الذي لا يضام.
خصوصا، وقد قال القشيري: سمعت أبا علي الدقاق يقول: ((من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس)).([82])
فالساكتون عصاة آثمون مندرجون تحت؛ قوله تعالى: ]كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)[ [المائدة: 79]([83])). اهـ
قلت: ولم يزل أهل العلم يرون أن الرد على أهل البدع، والفرق المنتسبة إلى الإسلام واجب لا يجوز التنازل، أو التخلي عنه، وهي وظيفة شرعية، من مهام العلماء، لحراسة الملة، والذب عنها.([84])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج9 ص233): (وهذه الأمة -ولله الحمد- لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده، وهم لما هداهم الله به يتوافقون في قبول الحق، ورد الباطل رأيا ورواية من غير تشاعر ولا تواطؤ). اهـ
وكانوا يعدون الرد على المخالف، والمبتدع، والذب عن السنة من الجهاد في سبيل الله تعالى.
وروى الهروي في ((ذم الكلام)) (ج6 ص200)؛ بسند حسن عن محمد البلخي قال: (كنت مع ابن أبي شريح في طريق غور، فأتاه إنسان في بعض تلك الجبال، فقال له: إن امرأتي ولدت لستة أشهر، فقال: هو ولدك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش)([85])؛ فعاود فرد عليه كذلك، فقال الرجل: (أنا لا أقول بهذا)، فقال: (هذا الغزو)([86])؛ وسل، عليه السيف فأكببنا عليه، وقلنا: جاهل لا يدري ما يقول).
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج16 ص527)؛ تعلقا على هذا الأثر: (احتمى للسنة وغضب لها).
قلت: بل مجرد تبليغ السنة إلى الناس من أعظم الجهاد، وأفضله، والله المستعان.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((جلاء الأفهام)) (ص415): (وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه، وكرمه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة)) (ج1 ص217): (ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير!.
والثاني: الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل وهو جهاد الائمة([87])، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: ]ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا (51) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا (52)[ [الفرقان: 51 و52]؛ فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين). اهـ
وقال الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله؛ في إحدى رسائله: (وقد بلغني ما من الله به عليك، من جهادك أهل البدع، والإغلاظ في الإنكار على الجهمية المعطلة ومن والاهم; وهذا من أجل النعم، وأشرف العطايا، وهو من أوجب الواجبات الدينية.
فإن الجهاد بالعلم والحجة، مقدم على الجهاد باليد والقتال، وهو من أظهر شعائر السنة، وآكدها، وإنما يختص به في كل عصر ومصر: أهل السنة، وعسكر القرآن، وأكابر أهل الدين والإيمان؛ فعليك بالجد والاجتهاد، واعتد به من أفضل الزاد للمعاد، قال تعالى: ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار[ [غافر: 51 و52]).([88]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجب على كل من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم، وقطع حججهم وأضاليلهم، أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم، ويزيف دلائلهم، ذبا عن الملة الحنيفية، والسنة الصحيحة الجلية).([89]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص231): (ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة؛ فإن بيان حالهم، وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم، ويصلي، ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله، ودينه، ومنهاجه، وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب، وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). اهـ
وقال الإمام أبو عمرو الداني رحمه الله في ((الرسالة الوافية)) (ص288): (ومن الواجب على السلاطين، وعلى العلماء إنكار البدع والضلالات، وإظهار الحجج، وبيان الدلائل من الكتاب والسنة، وحجة العقل، حتى يقطع عذرهم، وتبطل شبههم، وتمويهاتهم). اهـ
قلت: وكلام السلف في وجوب جهاد المبتدعة أكثر من أن يحصى، وهو مبثوث في كتب العقائد، بل ولهم في ذلك مصنفات خاصة في نقض البدع بأصولها، بل وفي الرد على أهل البدع بأعيانهم رحمهم الله، ما أعظم محبتهم لدين الله، وما أنصحهم لعباد الله.
ولم يزل علماء هذه الدعوة السلفية المباركة ينفاحون عن السنة، ويردون على أهل البدع، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك.
فعن عبد الله بن مسعود t أن رسول الله r قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان، حبة خردل).([90])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((حكم السماع)) (ص69): (ويجب الإنكار على هذا المبتدع وأمثاله بحسن القصد، بحيث يكون المقصود طاعة الله ورسوله، لا اتباع الهوى، ولا منافسة، ولا غير ذلك، قال تعالى: ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[ [الأنفال:39].
فالمقصود أن يكون الدين كله لله، ولا دين إلا شرعه الله تعالى على ألسن رسله، وفي الصحيحين: (أن النبي r قيل له: يا رسول الله، الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟، فقال: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله))).([91]) فيكون المقصود علو كلمة الله، وظهور دين الله، وأن يعلم المسلمون كلهم إنما عليه المبتدعون المراؤون ليس من الدين، ولا من فعل عباد الله الصالحين؛ بل من فعل أهل الجهل، والضلال، والإشراك بالله تعالى، الذين يخرجون عن توحيده، وإخلاص الدين له، وعن طاعة رسله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((نقض المنطق)) (ص12): (الراد على أهل البدع مجاهد). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((إبطال وحدة الوجود)) – في رده على الصوفية -: (فهذه المقالات وأمثالها، من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها، وأنه باطل، والواجب إنكارها، فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين، أولى من إنكار دين اليهود والنصارى، الذي لا يضل به المسلمون). اهـ
قلت: وهذا الإمام أحمد رحمه الله يرى أنه يستعان باليهود والنصارى، ولا يستعان بأهل البدع، اللهم غفرا.
قال المروزي للإمام أحمد رحمه الله: (أيستعان باليهود والنصارى وهم مشركون، ولا يستعان بالجهمي؟
قال الإمام أحمد رحمه الله: يا بني، يغتر بهم المسلمون، وأولئك لا يغتر بهم المسلمون).([92])
قلت: فهؤلاء هم أعيان ورؤوس أهل السنة، وهذا من أقوالهم، ]فهل من مدكر[ [القمر:15].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج35 ص414): (فإذا كان الرجل مخالطا في السير لأهل الشر يحذر عنه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج5 ص253): (والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة). اهـ
قلت: ومما سيواجه حراس السنة، بل لعله أسوأ ما يواجهونه نفثات المخذلين، والمقصرين من المنتسبين إلى السنة، فترى الملطخ بجراح التمييع، الكاتم للحق؛ والمقصر في الدين؛ إذا قام أخوانه من أهل السنة بنصر السنة وأهلها، وقمع البدعة وأهلها؛ تجده يخذل عن ذلك، ويظهر ذلك من الدين، بل ويرجف في المدينة على أهل السنة لتنفير الناس عنهم.
قال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((شرح السنة)) (ص69): (القصد هو بيان الحق، وهذه أمانة حملها الله تعالى العلماء، فلا يجوز السكوت عن أمثال هؤلاء، لكن مع الأسف؛ لو يأتي عالم يرد على أمثال هؤلاء قالوا: هذا متسرع إلى غير ذلك من الوساوس، فهذا لا يخذل أهل العلم أن يبينوا للناس شر دعاة الضلال). اهـ
قلت: ولا ينبغي للجماعات الإسلامية، والجمعيات الحزبية اليوم أن يضيق صدرها من ((الجهاد الأكبر)) لأنه من القيام بالقسط، اللهم سدد سدد!.
قلت: وفي الرد على المخالف دفاع عن الإسلام من جهتين:
الأولى: الخطر الخارجي([93]) وهو الكافر المحض، الذي لم يعرف نور الإسلام، بما يكيده للإسلام، والمسلمين من غزو يحطم في مقوماتهم العقدية، والسلوكية، والسياسية...
والثانية: مواجهة التصدع الداخلي([94]) في الأمة بفشو فرق، ونحل، وجماعات طاف في أفئدة شباب الأمة... إذ التصدع الداخلي تحت لباس الدين يمثل انكسارا في رأس مال المسلمين، وقد كان للسالكين في ضوء الكتاب والسنة –الطائفة المنصورة– الحظ الوافر، والمقام في جبر كسر المسلمين بردهم إلى الكتاب والسنة، وذلك بتحطيم ما قامت عليه تلك الفرق المفرقة من مآخذ باطلة في ميزان الشرع.([95])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص232)؛ في أهل البدع وأشياعهم: (إذ تطهير سبيل الله، ودينه، ومنهاجه، وشرعته، ودفع بغي هؤلاء، وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإنهؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب، وما فيها من الدين إلا تبعا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء، وقد قال النبي r: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم؛ وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))([96])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج2 ص132) عن المبتدعة: (ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم، بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب؟... وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ، والعلماء، والملوك، والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص466): (وقسم آخر: أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه، ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس، بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع، ويعاقبونهم؛ بل لعلهم يذمون الكلام في السنة، وأصول الدين ذما مطلقا؛ لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب، والسنة، والإجماع، وما يقوله أهل البدعة والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة، كما يقر العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة، وبعض المتفقهة، والمتصوفة، والمتفلسفة). اهـ
قلت: و((الجهاد))([97]) من أعظم الوسائل لتزكية العبد نفسه حتى تستقيم على شرع الله سبحانه.
قال تعالى: ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين[ [العنكبوت:69].
وعن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: (ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين وقمع الظالمين، وأعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مجاهدة النفوس في طاعة الله، وهو الجهاد الأكبر).([98])
قلت: ((فالجهاد)) بالحجة والبرهان... أو يمكن القول بأن ((الجهاد)) مجاهدة العدو الخارجي والداخلي، ولا شك أن العدو الداخلي عندما يكون أمار بالسوء فهو عدم لصاحبه، وخطره أشد من خطر العدو الخارجي، لأنه لا يقتصر في إهلاكه لصاحبه على إيقاع الضرر به في دنياه، وإنما يجعله يخسر الدنيا والأخرة، وذلك هو الخسران المبين.
قال أبو الفضل الآلوسي رحمه الله في ((روح المعاني)) (ج21 ص24): (جهاد النفس هو الجهاد الأكبر). اهـ
قلت: وبذلك يتبين أن ((الجهاد الأكبر)) شاق على النفس، وأن هذه المشقة تزداد كلما ازدادت عداوة أهل الأهواء، وتحكم الأهواء فيهم، ولذلك كان لزاما على العبد أن يتحلى بالصبر، والمصابرة ليفلح في مجاهدته.
قلت: فالصبر زاد المجاهد، والدافع لاستمراره وتقويته، ومن عدم الصبر لم يفلح في ((جهاده الأكبر)).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((عدة الصابرين)) (ص18): (الصبر ثبات باعث العقل، والدين في مقابل باعث الهوى والشهوة). اهـ
وقال تعالى: ]وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج[ [الحج:78].
قلت: وبهذا يتبين ضرورة ((الجهاد الأكبر)) وخطر إهماله، أو الاستسلام للأهواء المضلة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)) (ج2 ص260): (وإذا اعتقد أن صاحب الحق لا ينصره الله تعالى في الدنيا والآخرة، بل قد تكون العاقبة في الدنيا للكفار والمنافقين -والحزبيين والمبتدعين- على المؤمنين، وللفجار الظالمين، على الأبرار المتقين، فهذا من جهله بوعد الله تعالى، ووعيده). اهـ
وقال تعالى: ]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير[ [التوبة:73].
قال العلامة الشيخ السعدي رحمه الله في ((تفسيره)) (ص344): (]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير[، أي: بالغ في جهادهم والغلظة عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم.
وهذا ((الجهاد)) يدخل فيه ((الجهاد)) باليد، و((الجهاد)) بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان، والسيف، والبيان.
ومن كان مذعنا للإسلام بذمة أو عهد، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان، ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر، فهذا ما لهم في الدنيا). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)) (ج3 ص5): (لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة فيى الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة: كان رسول الله r في الذروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان، والدعوة والبيان، والسيف والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد بقلبه ولسانه ويده، ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا، وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه، فقال: ]ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا (51) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا[ [الفرقان:51 -52] فهذه سورة مكية، أمره فيها بجهاد الكفار بالحجة، والبيان، وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: ]يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير[ [التوبة:73].
فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا.
ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض - مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه - كان للرسل صلوات الله عليهم وسلامه من ذلك الحظ الأوفر، وكان لنبينا صلوات الله، وسلامه عليه من ذلك أكمل الجهاد وأتمه). اهـ
وقال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((الإحكام)) (ج1 ص28): (قال تعالى: ]ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح[ [التوبة:120]؛ ولا غيظ أغيظ على الكفار، والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة، وقد تهزم العساكر الكبار، والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا، فهي أدعى إلى الحق، وأنصر للدين من السلاح الشاكي، والأعداد الجمة، وأفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم، إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة محمد r عندهم، فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد من المسلمين. وأول ما أمر الله عز وجل نبيه محمدا r أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال!، فلما قامت الحجة وعاندوا الحق، أطلق الله تعالى عليهم السيف حينئذ؛ وقال تعالى: ]قل فلله الحجة البالغة[ [الأنعام:149]؛ وقال تعالى: ]بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق[ [الأنبياء:18].
ولا شك في أن هذا إنما هو بالحجة؛ لأن السيف مرة لنا، ومرة علينا!، وليس كذلك البرهان، بل هو لنا أبدا!، ودامغ لقول مخالفينا، ومزهق له أبدا. ورب قوة باليد قد دمغت بالباطل حقا كثيرا فأزهقته، منها يوم الحرة، ويوم قتل عثمان t، ويوم قتل الحسين، وابن الزبير y، ولعن قتلتهم، وقد قتل أنبياء كثير، وما غلبت حجتهم قط.
وقد علمنا عز وجل الحجة على الدهرية في قوله تعالى: ]وكل شيء عنده بمقدار[ [الرعد:8]، وقوله تعالى: ]وأحصى كل شيء عددا[ [الجن:28]؛ وعلمنا الحجة على الثنوية بقوله تعالى: ]لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا[ [الأنبياء:22]؛ وعلى النصارى وعلى جميع الملل).اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج9 ص397): (فلا يجوز لأهل العلم السكوت، وترك الكلام للفاجر، والمبتدع، والجاهل، فإن هذا غلط عظيم، ومن أسباب انتشار الشر، والبدع، واختفاء الخير، وقلته، وخفاء السنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ص274): (فإن البدع في الدين سبب الفواحش، وغيرها من المنكرات؛ كما أن إخلاص الدين لله تعالى سبب التقوى، وفعل الحسنات). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج7 ص629): (المستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل). اهـ ولابد!.
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((إعانة المستفيد)) (ج1 ص337): (وأخطر ما على الأمة الآن الدعاة الجهال الذين لا يعرفون العلم، ويدعون الناس بجهل، وضلال). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((شرح السنة)) (ص69): (السلف ما سكتوا عن أمثال هؤلاء؛ بل فضحوهم، وردوا عليهم، لعلمهم بخطرهم على الأمة، ونحن لا يسعنا أن نسكت عن شرهم، بل لا بد من بيان ما أنزل الله تعالى). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج14 ص166): (والله عم الفساد، وظهرت البدع، وخفيت السنن، وقل القوال بالحق، بل لو نطق العالم بصدق، وإخلاص لعارضه عدة من علماء الوقت، ولمقتوه وجهلوه؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله).اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج7 ص385): (من كان داعية إلى بدعة؛ فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس، وإن كان في الباطن مجتهدا، وأقل عقوبته أن يهجر فلا يكون له مرتبة في الدين لا يؤخذ عنه العلم، ولا يستقضى، ولا تقبل شهادته ونحو ذلك). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((روضة المحبين)) (ج1 ص474): (إن الشيطان إذا رأى من العبد ضعف عزيمة، وهمة، وميلا إلى هواه طمع فيه، وصرعه، وألجمه بلجام الهوى، وساقه حيث أراد، ومتى أحس منه بقوة عزم، وشرف نفس، وعلو همة لم يطمع؛ فيه إلا اختلاسا). اهـ
وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في ((الإبانة الكبرى)) (ج2 ص54): (من سمع الحق فأنكره بعد علمه له فهو من المتكبرين على الله , ومن نصر الخطأ فهو من حزب الشيطان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فكشف عورات هؤلاء-يعني: المبتدعة([99])- وبيان فضائحهم -وفساد قواعدهم- من أفضل الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: ((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن رسوله))([100])).([101]) اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((المنتقى)) (ج1 ص318): (فإن الفتنة إنما حدثت، وتحدث بين شباب المسلمين؛ بسبب الإصغاء إلى الأفكار الوافدة المشبوهة، والإعراض عن المنهج الصحيح). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((المنتقى)) (ج1 ص312): (ربما يكون ممن ينتسبون للدعوة، لهم أغراض، وأهواء يدعون إليها، ويريدون تحقيقها على حساب الدعوة، وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة، والغيرة على الدين). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (واعلم أنه لا يستقر للعبد قدم في الإسلام حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله، وأن الهدى هدى الله، وأن الحق دائر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجودا وعدما، وأنه لا مطاع سواه، ولا متبوع غيره، وأن كلام غيره يعرض على كلامه، فإن وافقه قبلناه، لا لأنه قاله بل لأنه أخبر به عن الله تعالى ورسوله، وإن خالفه رددناه، ولا يعرض كلامه صلى الله عليه وسلم على آراء القياسيين -يعني: أهل الآراء- ولا على عقول الفلاسفة، والمتكلمين، ولا أذواق المتزهدين، بل تعرض هذه كلها على ما جاء به، عرض الدراهم المجهولة على أخبر الناقدين، فما حكم بصحته فهو منه المقبول، وما حكم برده فهو المردود).([102]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج9 ص34): (فالعبد مفتقر إلى الله في أن يهديه، ويلهمه رشده. وإذا حصل له علم بدليل عقلي، فهو مفتقر إلى الله في أن يحدث في قلبه تصور مقدمات ذلك الدليل، ويجمعها في قلبه، ثم يحدث العلم الذي حصل بها. وقد يكون الرجل من أذكياء الناس، وأحدهم نظرا، ويعميه عن أظهر الأشياء، وقد يكون من أبلد الناس، وأضعفهم نظرا، ويهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فلا حول ولا قوة إلا به، فمن اتكل على نظره واستدلاله، أو عقله ومعرفته، خذل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة كثيرا ما يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))([103]) ويقول في يمينه: ((لا ومقلب القلوب))([104])، ويقول: ((والذي نفسي بيده))([105]) ويقول: ((ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه))([106])). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج9 ص24)؛ عن الكفرة في الخارج، والمبتدعة في الداخل: (ولكن يصير غالب هؤلاء مداهنين لعوامهم مضلين لهم عن سبيل الله أو يصيرون منافقين زنادقة لا يقرون بحق ولا بباطل بل يتركون الحق كما تركوا الباطل، فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون، وإما زنادقة منافقون لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((المنتقى)) (ج1 ص322): (فالذين ينتسبون إلى الدعوة اليوم فيهم مضللون يريدون الانحراف بالشباب، وصرف بالشباب عن الدين الحق، وتفريق جماعة المسلمين، والإيقاع في الفتنة([107])، والله سبحانه وتعالى حذرنا من هؤلاء: ]لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين[ [التوبة: 47]؛ فليس العبرة بالانتساب، أو فيما يظهر، بل العبرة بالحقائق، وبعواقب الأمور.
والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدعوة يجب أن ينظر فيهم: أين درسوا؟ ومن أين أخذوا العلم؟، وأين نشؤوا؟، وما هي عقيدتهم؟، وتنظر أعمالهم، وآثارهم في الناس، وماذا أنتجوا من الخير؟، وماذا ترتب على أعمالهم من الإصلاح؟؛ يجب أن تدرس أحوالهم قبل أن يغتر بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لابد منه، خصوصا في هذا الزمان، الذي كثر فيه دعاة الفتنة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة بأنهم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا([108])، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الفتن؛ قال: ((دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم؛ قذفوه فيها))([109]) سماهم دعاة!.
فعلينا أن نتبه لهذا، ولا نحشد في الدعوة كل من هب ودب، وكل من قال: أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعو إلى الله! لابد من النظر في واقع الأمر، ولابد من النظر في واقع الأفراد والجماعات([110])؛ فإن الله سبحانه وتعالى قيد الدعوة إلى الله بالدعوة إلى سبيل الله؛ قال تعالى: ]قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين[ [يوسف: 108]؛ دل على أن هناك أناسا يدعون لغير الله، والله تعالى أخبر أن الكفار يدعون إلى النار، فقال: ]ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه[ [البقرة: 221]؛ فالدعاة يجب أن ينظر في أمرهم). اهـ
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة ذخرا... وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
([4]) انظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (ج3 ص5)، و((الفتاوى)) للشيخ ابن باز (ج9 ص397)، و((تيسير الكريم الرحمن)) للشيخ السعدي (ص344)، و((روح المعاني)) للآلوسي (ج21 ص24)، و((نقض المنطق)) لابن تيمية (ص12)، و((شرح صحيح مسلم)) للنووي (ج7 ص169).
([17]) قلت: يشير جابر بن عبد الله رضي الله عنه إلى قوله تعالى: ]فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا[ [النور: 54].
وإلى قوله صلى الله عليه وسلم؛ عندما قال له سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه: أرأيت إن كان علينا أمراء يأخذون منا الحق، ولا يعطونا؟ قال: صلى الله عليه وسلم: (فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (1846)، والترمذي في ((سننه)) (2199)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج15 ص85) من حديث وائل الحضرمي رضي الله عنه.
([19]) أي: الرجل يخدع الرجل، فيخلوا به فيقتله، وهو الاغتيال.
انظر: ((جامع البيان)) للطبري (ج6 ص210)، و((رائد الطلاب)) لجبران (ص595).
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص10)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص11)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده حسن.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص11)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (ج10 ص109)؛ باب المحاربة.
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص17)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص21)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص25)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن وهب في ((المحاربة)) (ص35)؛ باب: ما جاء في المحارب والقاطع للسبيل.
وإسناده صحيح.
أخرجه الطبري في ((جامع البيان)) (ج6 ص210).
وإسناده صحيح.
قلت: فالذي يغتال يعتبر محاربا.
([30]) وانظر: ((المحاربة)) لابن وهب (ص36)؛ باب: ما جاء في قتل الحرورية، و((جامع البيان)) للطبري (ج5 ص210)، و((التمهيد)) لابن عبد البر (ج23 ص324).
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج10 ص117)؛ باب: قتال الحرورية، وابن وهب في ((المحاربة)) (ص11)؛ باب: ما جاء في قتل الحرورية.
وإسناده صحيح.
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج10 ص120)؛ باب: قتال الحرورية، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (ج8 ص89).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن عبد البر في ((التمهيد)) (ج23 ص324).
([36]) قلت: فليس المحارب فقط من كان يتعدى من الخارج، بل يعتبر محاربا من تعدى أيضا على الناس في الداخل، كالرافضة، والخوارج، والحزبية، وغيرهم.
قلت: بل هم: اللصوص المجاهرون بلصوصيتهم، بل هم: المكابرون المفسدون، فيجب قتالهم، وقمعهم في الوطن، لأنهم في حكم المحاربين المفسدين الذين يحاربون الإسلام باسم الإسلام؟!، ويحاربون الدين باسم الدين؟!، ويحاربون السنة باسم السنة؟!، ويحاربون السلفية باسم السلفية؟!
قال تعالى: ]أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض[ [المائدة: 33].
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج6 ص117)، و(ج10 ص108)؛ باب: المحاربة، وفي ((تفسيره)) (ج1 ص188)، والطبري في ((جامع البيان)) (ج5 ص210).
وإسناده صحيح.
([38]) وانظر: ((المحاربة)) لابن وهب (ص9)؛ باب: ما جاء في المحارب، والقاطع للسبيل، و((جامع البيان)) للطبري (ج5 ص210)، و((الاستذكار)) لابن عبد البر (ج8 ص89)، و((التمهيد)) له (ج23 ص324).
([40]) أي: أصابهم الجوى؛ وهو المرض، وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها.
انظر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج1 ص318).
([42]) أي فقأ أعينهم بحديدة محماة، أو غيرها، ولم يقطع عنهم الدم بالكي.
انظر: ((النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (ج1 ص386)، و(ج2 ص403).
([43]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (233)، و(3018)، ومسلم في ((صحيحه)) (1671)، وأبو داود في ((سننه)) (4364)، و(4366)، والترمذي في ((سننه)) (72)، و(1845)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11143)، وابن ماجه في ((سننه)) (2578)، وعبد الرزاق في ((المصنف)) (17132)، وأحمد في ((المسند)) (ج20 ص85 و267 و341)، والنحاس في ((ناسخه)) (ص383)، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (ج4 ص86)، وفي ((السنن الكبرى)) (ج8 ص62)، والطبري في ((جامع البيان)) (ج8 ص365).
([48]) لذلك وجب التعاون في محاربة أهل الضلالة في البلد.
قال تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ [المائدة: 2].
([49]) وانظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (ج4 ص277)، و((الأم)) للشافعي (ج4 ص90)، و((مغني المحتاج)) للشربيني (ج4 ص209)، و((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (ج1 ص263)، و((المغني)) لابن قدامة (ج8 ص345) .
([50]) قلت: وإقامة القصاص على أهل الضلالة من الرافضة، والحزبية، والخوارج يؤدي إلى تحقيق الأمن، وتقليص الجريمة، وقمع الفساد في الوطن.
([51]) وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج6 ص2)، و((سبل السلام)) للصنعاني (ج7 ص237)، و((الشرح الممتع)) لشيخنا ابن عثيمين (ج8 ص8)، و((نيل الأوطار)) للشوكاني (ج5 ص6)، و((المغني)) لابن قدامة (ج13 ص10)، و((المحلى بالأثار)) لابن حزم (ج7 ص291)، و((زاد المعاد)) لابن القيم (ج3 ص10)، و((الفتاوى)) لابن باز (ج18 ص70).
([55])كالإخوانية، والتراثية، والأشعرية، والسرورية، والقطبية، والصوفية، واللادنية، والربيعية، والداعشية وغيرهم، فهؤلاء خرجوا عن جماعة المسلمين بما أحدثوا من البدع السياسية والاعتقادية، اللهم غفرا.
([56]) انظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (ج5 ص477)، و((إكمال إكمال المعلم)) للأبي (ج6 ص111)، و((شرح صحيح مسلم)) لشيخنا ابن عثيمين (ج5 ص549)، و((المفهم)) للقرطبي (ج5 ص40).
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج8 ص89 – الاستذكار) بإسناد صحيح.
وذكره ابن عبد البر في ((التمهيد)) (ج23 ص324).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج15 ص305) من طريق أبي أسامة عن ابن عون عن عمير بن إسحاق به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج15 ص305) من طريق وكيع عن عكرمة بن عمار عن عاصم بن شميخ به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج15 ص313) من طريق يحيى بن آدم قال : حدثنا ابن عيينة عن معمر، عن ربعي عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
([61]) قال الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (ج4 ص258): (غيلان بن أبي غيلان المقتول في القدر، ضال مسكين).اهـ
([62]) لأن عند السلف الصالح أهل البدع في الداخل أخطر من أهل الكفر في الخارج، فأفطن لهذا؛ فأنه منهج سلفي محض.
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج15 ص325) من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت مصعب بن سعد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (ج7 ص2392)، وابن جرير في ((التفسير)) (ج9 ص33) من وجه آخر.
([64]) وهذا قول آخر لابن تيمية رحمه الله في تكفيره للخوارج، بقوله: (الذين خرجوا من الإسلام). وهذا القول هو الذي يعتمد من قوله، لأنه موافق للنصوص.
أخرجه عبدالغني المقدسي في ((الأمر بالمعروف)) (50)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج8 ص284)، وابن أبي الدنيا في ((الأمر بالمعروف)) (ص45) بإسناد صحيح.
وذكره ابن الجوزي في ((صفة الصفوة)) (ج2 ص181).
وأبو عبدالرحمن العمري هذا هو عبد الله بن عبدالعزيز العدوي المدني الإمام القدوة الزاهد العابد.
انظر: ((السير)) للذهبي (ج8 ص373)، و((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (ج8 ص283).
ولذلك تجد أهل التحزب بجميع أنواعهم يحاربون أهل السنة على ما عندهم من قوة فيفشلون، وأهل السنة يحاربون أهل التحزب على ما عندهم من علم فينتصرون، وهذا ظاهر ولله الحمد.
([75]) وهم جمهور الأشاعرة الذين قبلوا النصوص، وفضلوا جانب التأويل لمعانيها، وقد وصفهم ابن القيم أشد الناس اضطرابا.
أخرجه الدارقطني في ((أخبار عمرو بن عبيد)) (5)، والعقيلي في ((الضعفاء)) (ج3 ص280)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج5 ص97 و98)، والداني في ((الرسالة الوافية)) (209)، واللالكائي في ((السنة)) (ج1 ص154)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (ج2 ص335).
وإسناده صحيح.
أخرجه الداني في ((الرسالة الوافية)) (208)، واللالكائي في ((السنة)) (ج1 ص159).
وإسناده صحيح.
([80]) انظر: ((رياض الصالحين)) للنووي (ص580)، و((القواعد الكبرى)) للعز ابن عبد السلام (ج1 ص153)، و((الذخيرة)) للقرافي (ج13 ص240).
([84]) وانظر: ((الكافية الشافية)) لابن القيم (ص19)، و((جلاء الأفهام)) له (ص514)، و((جامع بيان العلم)) لابن عبد البر (ج1 ص151).
([87]) وكلام ابن القيم رحمه الله هو كلام العلماء العقلاء، فإن جهاد العلماء لا يمكن أن يشاركهم فيه كل أحد، أما جهاد السيف فيستوي فيه العالم والجاهل، والطائع والعاصي، بل وحتى السني، والمبتدع؛ كما هو مشاهد، ولذلك كان جهاد العلماء أعلى أنواع الجهاد وأفضلها، وسيرة الإمام أحمد أكبر مثال على ذلك، فتنبه رعاك الله.
([94]) كـ(الإخوان المسلمين، والقطبيين، والمذبذبين، والسروريين، والصوفيين، والتبليغيين، والمرجئيين، والترابيين، والتراثيين، والداعشيين، والأشعريين وغيرهم).
([97]) فإن ذلك وظيفة اللسان الذي جعله النبي r أحد وسائل تغيير المنكر، والذي تتحقق به المرتبة الثانية من مراتب تغيير المنكر بعد مرتبة التغيير باليد.
([100]) أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (ج4 ص1935)؛ من حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها، وفيه عنها فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لحسان: (إن روح القدس لا يزال يؤيدك، ما نافحت عن الله ورسوله).
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (ج3 ص304)، وابن ماجه في ((سننه)) (ج2 ص260)، وأحمد في ((المسند)) (ج4 ص182). بإسناد صحيح.
([105]) الروايات التي تذكر هذا اليمين كثيرة؛ انظر: مثلا ((صحيح مسلم)) (ج1 ص186 و320)، و(ج2 ص915)، و(ج3 ص1238)، و(ج4 ص1798).
أخرجه أحمد في ((المسند)) (ح4 ص182)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص80)، والآجري في ((الشريعة)) (ص318)، والطبراني في ((مسند الشامين)) (582)، والبغوي في ((شرح السنة)) (89) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه بإسناد صحيح.