الرئيسية / ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار / جزء في تخريج أثر: عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة
جزء في تخريج أثر: عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة
|
||||||
جزء
في تخريج أثر:
((عبدالله بن شقيق في إجماع
الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة))
تخريج:
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
شعارنا:
أمن وأمان في الأوطان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا جزء حديثي آخر من السلسلة العلمية: ((سلسلة ينابيع الأنهار في فقه الكتاب والسنة والآثار)) (14) خرجت فيه أثر: ((عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة))، وسقت أسانيده الصحيحة، وشواهده المفيدة، وذلك لما تعدى عليه بعض الحدادية بالتضعيف في مقال له، فملأه بالتدليس، والتلبيس، والتحريف.
هذا؛ والله تعالى من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وكتب
أبو عبدالرحمن الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا
ذكر الدليل
على ثبوت أثر عبدالله بن شقيق العقيلي
في إجماع الصحابـــــــــــة الكرام على تكفير تارك الصــــــــــــــــــــــلاة
عن عبدالله بن شقيق العقيلي رحمه الله قال: (كان أصحاب محمد لايرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (2622)، ومحمد المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (948)، والبغوي تعليقا في ((شرح السنة)) (211) من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن سعيد الجريري عن عبدالله بن شقيق العقيلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، على شرط الشيخين، وسعيد الجريري، وإن كان اختلط([1])، إلا أنه قد سمع منه بشر بن المفضل الرقاشي قبل الاختلاط.([2])
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((هدي الساري)) (ص425)؛ عن الجريري:(وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((شرح العلل)) (ص313)؛ عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن عليه، وبشر بن المفضل). اهـ
وأثبت الحافظ ابن عدي رحمه الله في ((الكامل)) (ج3 ص1228)؛ أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط.
وقد أقره العلامة المقريزي في ((مختصر الكامل)) (ص388).
قلت: ويزداد قوة:
قال العلامة ابن الكيال رحمه الله في ((الكواكب النيرات)) (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
قلت: وهذا يدل أن بشر بن المفضل سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وهو من رجال الإمام البخاري رحمه الله، والإمام مسلم رحمه الله.([3])
قلت: ويؤكد هذا الأصل؛ قول الإمام أبي داود رحمه الله حيث قال: (أرواهم عن الجريري؛ إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).([4])
قلت: والمراد كل من سمع من أيوب، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب.
وإليك الدليل:
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص547): أخبرنا علي بن الحسين قال: سمعت علي بن عثمان اللاحقي يقول: أخبرنا بشر ابن المفضل قال: سمعت أيوب يثني على جرثومة بن عبدالله النساج.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: وهذا يدل على أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري جيدة، وهي قبل الاختلاط، والله ولي التوفيق.
قلت: فأثبت الحفاظ أن بشر بن المفضل قد سمع من الجريري قبل الإختلاط، وقد عرفوا ذلك بالإستقراء والتتبع، ولما عندهم من غزارة العلم من هذا الفن، وهذا يدل على القرائن القوية في الدلالة على أن بشرا روى عن الجريري قبل الإختلاط.([5])
قلت: فلا يتجرأ أحد([6])بعدهم، فيسود صفحات بالتأويل الفاسد، والتكلف المهلك، ليبطل ما أثبته الحفاظ في صحة الإسناد في أثر عبدالله بن شقيق العقيلي.
قلت: إذا فإسناد بشر بن المفضل من قسم الصحيح المعتمد عند أئمة الحديث، وروايته عن الجريري صحيحة، كيف لا، وبشر بن المفضل ثقة ثبت في الحفظ.
قال الإمام أحمد رحمه الله عنه: (بشر بن المفضل إليه المنتهى في التثبت بالبصرة!).([7])
وقال معاوية بن صالح: ليحيى بن معين، من أثبت شيوخ البصريين، قال: (بشر بن المفضل، مع جماعة سماهم).([8])
وقال الإمام ابن المديني رحمه الله: (المحدثون صحفوا، وأخطؤوا؛ ما خلا أربعة: يزيد بن زريع، وابن عليه، وبشر بن المفضل، وعبدالوارث بن سعيد).([9])
وقال الإمام أبو داود رحمه الله: (ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه؛ إلا بشر بن المفضل، وابن علية).([10])
وقال الإمام الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص309): (بشر بن المفضل ابن لاحق الإمام الثقة أبو إسماعيل الرقاشي الحافظ العابد).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التقريب)) (ص171): (بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، ثقة ثبت عابد).
وقال الإمام العجلي رحمه الله في ((معرفة الثقات)) (ج1 ص247): (بشر بن المفضل الرقاشي، ثقة فقيه، ثبت في الحديث، حسن الحديث، صاحب سنة).
قلت: فرواية بشر بن المفضل غاية في الصحة، لقوة القرائن التي ثبتت عند الحفاظ.
ولذلك تعلم أن الطريقة التي سلكها دعاة الإرجاء([11])لرد ما نص عليه الحفاظ من صحة رواية بشر بن المفضل عن الجريري؛ طريقة باطلة، لا تمت إلى أساليب أئمة الحديث بصلة، بل لفقوا قاعدة باطلة في تضعيف إسناد أثر عبدالله بن شقيق!، ووقعوا في تأويلات محدثة في معنى الأثر، ولم يسبقوا إليها، والله المستعان.
قلت: وقد كان من أئمة هذا الشأن، ومن أشدهم تحريا للسماع الصحيح؛ كالإمام البخاري، وغيره، ينصون على السماع الصحيح عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه، ومن ذلك رواية بشر بن المفضل عن الجريري.([12])
قلت: ثم إن الجريري، وإن كان قد اختلط، لكن اختلاطه لم يكن فاحشا، وهذا يقوي القرائن الثابتة في صحة أثر عبدالله بن شقيق العقيلي رحمه الله؛ من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله في ((الثقات)) (ج6 ص351): (سعيد بن إياس الجريري من أهل البصره؛ وكان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين؛ ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات).
قلت: إذا فبشر بن المفضل الراوي عن الجريري بهذا اللفظ، هو ممن روى عنه قبل الاختلاط، وقد ثبتت روايته عنه قبل الاختلاط من أمرين:
أولا: بتنصيص الحفاظ روايته عنه قبل الاختلاط.
ثانيا: قوة القرائن الدالة على ثبوت روايته عنه قبل الاختلاط.
قلت: ومن القرائن الصحيحة أن الأثر على شرطهما؛ فتنبه لهذا الاتفاق على صحة رواية بشر بن المفضل عن سعيد الجريري قبل الاختلاط.([13])
وذكره الحافظ الزيلعي رحمه الله في ((تخريج أحاديث الكشاف)) (ج1 ص204)؛ ثم قال: (وهؤلاء رجال الصحيح).
وذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((الكافي الشاف)) (ص51)؛ ثم قال: (وإسناده صحيح).
وذكره الحافظ ابن الملقن رحمه الله في ((الإعلام)) (ج9 ص53)؛ ثم قال: (وروى هذا الترمذي عن عبدالله بن شقيق؛ بإسناد صحيح).([14])
وذكره الحافظ النووي رحمه الله في ((المجموع)) (ج3 ص16)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)) بإسناد صحيح).
وذكره الحافظ النووي في ((رياض الصالحين)) (ص382)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)): بإسناد صحيح).
وقال الحافظ العراقي رحمه الله في ((طرح التثريب)) (ج2 ص146): (روى الترمذي؛ بسند صحيح؛ من رواية عبدالله بن شقيق قال: (كان أصحاب رسول اللهr لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
وقال العلامة ابن علان رحمه الله في ((دليل الفالحين)) (ج6ص267): (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)) من جامعه؛ بإسناد صحيح).
وذكره العلامة الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن الترمذي)) (ج2ص329)؛ ثم قال: (صحيح).
وذكره العلامة الألباني رحمه الله أيضا في ((الثمر المستطات)) (ج1 ص52)؛ ثم قال: (وهو صحيح الإسناد).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص293): (فقد ثبت عن عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل أنه قال: (لم يكن أصحاب رسول الله r يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة). اهـ
قلت: ولم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة رواية بشر بن المفضل، وثبوتها، ولم يعلها أحد منهم، فقد صححها أيضا كل من: الحافظ السخاوي رحمه الله في ((الأجوبة المرضية)) (819)، والعلامة الألباني رحمه الله أيضا في ((صحيح الترغيب)) (ج1 ص367- الطبعة الجديدة الأخيرة المعتمدة([15])في سنة1421هـ)، والعلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص237)،([16]) وفي ((التحفة البازية)) (ج1 ص302).
قلت: وقد احتج بأثر عبدالله بن شقيق هذا الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص23)، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج22 ص48)، والعلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص276)، وفي ((التحفة البازية)) (ج1 ص298)،([17])وهذا يدل على صحته عندهم، والله ولي التوفيق.
قلت: والأثر ذكره العلامة الطيبـي رحمه الله في ((شرح مشكاة المصابيح)) (ج2 ص148)، والعلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله في ((الزواجر)) (ج1 ص283)، والعلامة القاري في ((مرقاة المفاتيح)) (ج2 ص515)، والعلامة التبريزي رحمه الله في ((مشكاة المصابيح)) (ج1 ص256)، والعلامة المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (ج1 ص280).
قلت: واللفظ الذي سبق يكفي في ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم في تكفير تارك الصلاة، من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قلت: ولم يتفرد به بشر عن الجريري، بل تابعه عبد الأعلى بن عبدالأعلى عن الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: (ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة، فقد كانوا يقولون: تركها كفر).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج11 ص49)، وفي ((الإيمان)) (137).
وإسناده صحيح.
وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الراوي عن الجريري للأثر هنا بهذا اللفظ، هو ممن روى عن الجريري قبل الإختلاط، فروايته أيضا عنه صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((هدي الساري)) (ص425) عن الجريري: (وما أخرج له البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الإختلاط).
وقال الحافظ العجلي رحمه الله في ((معرفة الثقات)) (ج1 ص394): (وعبدالأعلى من أصحهم سماعا؛ سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين).([18])
وقد تابعهما إسماعيل بن علية عن الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: (ما علمنا شيئا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة).
أخرجه الخلال في ((السنة)) (1378).
وإسناده صحيح.
وإسماعيل بن علية الراوي عن الجريري، هو ممن روى عنه قبل الإختلاط، فروايته عنه صحيحة.([19])
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((شرح العلل)) (ص313) عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن علية، وبشر بن المفضل).
وقال أبو عبيد الآجري رحمه الله في ((سؤالاته)) (339): سمعت أبا داود يقول: (أرواهم عن الجريري إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).
قلت: فأثبت الحفاظ أن ابن علية قد سمع من الجريري قبل الإختلاط.
قلت: والشيخان انتقيا ما علما أن رواية: بشر عن الجريري قبل الإختلاط؛ فيقوى الأثر بذلك، وهذا صنيع الأئمة الذي يشير إلى اعتمادهم أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري قبل الإختلاط، لأنهم قد صححوا الأثر لذاته، ويزداد قوة بالمتابعات الأخرى، وبإلفاظ لا تخرج عن المعنى الأول في المراد به إجماع الصحابة الكرام على الفهم الصحيح، لأن الألفاظ يفسر بعضها بعضا، اللهم غفرا.
قلت: وربيع المرجئ ينازع في دعوى الإجماع، ولا يدري ما يخرج من رأسه، لأنه يزعم أن عبدالله بن شقيق لم يلق جميع الصحابة، إنما أدرك عددا قليلا منهم، فلا يسلم بدعوى الإجماع، والرد عليه من وجوه:
1) أن كلام عبدالله بن شقيق صيغته أن هذه المقاله اجتمع عليها الصحابة رضي الله عنهم، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r...) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) (ج1 ص372) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ
وقال العلامة المباركفوري رحمه الله في ((تحفة الأحوذي)) (ج7 ص309): (قول عبدالله بن شقيق هذا ظاهره يدل على أن أصحاب رسول اللهr كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العمدة)) (ج2 ص75): (هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص265) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((حكم تارك الصلاة)) (ص15)، ونقله كذلك شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص134).
2) أن عبدالله بن شقيق حاك للأجماع الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة الكرام.([20])
3) أن عبدالله بن شقيق حاك للإجماع، لا راويا عن الصحابة، وحاكي الإجماع لا يلزم أن يكون مدركا لجميع من نقل عنهم الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
فهذا الإمام محمد بن نصر المروزي، والإمام ابن عبدالبر، والإمام النووي، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين، وغيرهم ينقلون إجماع الصحابة الكرام في مواضع كثيرة، ولم يقل أحد من العلماء: إنهم لم يسمعوا من الصحابة الكرام، إذا فدعوى ربيع الهالك مردودة عليه.
قلت: وعبدالله بن شقيق لم يتفرد بذكر إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، بل حكاه جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن الصحابة الكرام في عهد رسول الله r؛ كما سوف يأتي، وكذلك نقل ذلك الحسن البصري رحمه الله.
4) نقل غير واحد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك ولم أقف على قول أحد منهم يطعن في ذلك، أو يرده!.
وصنيع الشيخ الألباني رحمه الله يشير إلى اعتماده لهذا الوجه، لأنه قد صحح الأثر في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (564)، وذكر أن أثر جابر رضي الله عنه يشهد له، وصححه أيضا في ((صحيح الترمذي)) (2114)، وأثر جابر رضي الله عنه يدل على المعنى، فيزداد له أثر عبدالله بن شقيق قوة.
قلت: ومما يشهد لذلك أيضا؛ قول الحسن البصري رحمه الله حيث قال: (بلغني أن أصحاب رسول الله rكانوا يقولون: بين العبد، وبين أن يشرك، فيكفر؛ أن يدع الصلاة من غير عذر).([21])
وعن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: قلت له: (ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله r قال: الصلاة).([22])
وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنه؛ وسأله رجل: أكنتم تعدن الذنب فيكم شركا؟ قال:لا؛ قال: (وسئل: ما بين العبد وبين الكفر؟، قال: ترك الصلاة).([23])
قلت: وهذا الآثار لا تحمل إلا على الكفر الأكبر، لقوله: (وبين أن يشرك فيكفر)؛ أي: يقع في شرك الكفر، ولقوله: (لا يفرق بين الكفر والإيمان إلا بترك الصلاة)، ولقوله: (أن يشرك فيكفر؛ أن يدع الصلاة).
قلت: وقد أجمع التابعون أيضا على كفر تارك الصلاة.
فعن أيوب السختياني رحمه الله قال: (ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه).([24])
قلت: فقد أجمع السلف الصالح على كفر تارك الصلاة، والأدلة على ذلك عن النبي r كثيرة جدا، وكذلك عن الصحابة، والتابعين، والخلاف في كفر تارك الصلاة؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.
وحكى الإجماع على ذلك جماعة؛ كإسحاق بن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم من أهل العلم.
قال الإمام المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص929): سمعت إسحاق بن راهويه يقول: (قد صح عن رسول الله r أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي rإلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر).
وأخرجه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج4 ص225).
وقال الإمام المروزي رحمه الله في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص925): (ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي r في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة الكرام مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي r، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في إكفار تاركها). اهـ
قلت: ومعلوم أن محمد بن نصر المروزي من أهل الاستقراء التام، والمعرفة الواسعة بأقوال أهل العلم، ومواضع الإجماع، والنزاع.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((تاريخ بغداد)) (ج3 ص315)؛ عن المروزي: (كان من أعلم الناس بإختلاف الصحابة([25])، ومن بعدهم في الأحكام). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج14 ص34)؛ عن المروزي: (يقال: إنه كان أعلم الأئمة بإختلاف العلماء على الإطلاق). اهـ
قلت: وهذا الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو كفر تارك الصلاة.
وقد أشار الحافظ ابن رجب رحمه الله على أن كثيرا من أهل الحديث على تكفير تارك الصلاة، مما يدل على أن من ينقل عن جمهور العلماء إنهم لا يكفرون تارك الصلاة، فهو خطأ لا يلتفت إليه في كتب الفقه، لأنهم يقصدون بالجمهور أصحاب المذاهب المعروفة، وهذا أيضا خطأ، فجمهور العلماء هم أكثر العلماء، فلا يقتصر على أصحاب المذاهب، لأنه أصطلاح لا يصح عند أهل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقول المرجئة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص23): (وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر... وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم).([26]) اهـ
قلت: لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه ربيع وأشكاله من إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.
قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول ربيع المرجئ، وبه تعرف أن ما سبق من عبثه، وتلاعبه في تضعيف طرق الأثر لايجدي عنه شيئا، لأن العلماء حكوا الإجماع على صحته، بل حكوا على صحة إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
قلت: فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.([27])
قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على كفر تارك الصلاة.
%%%%%%%
فهرس الموضوعات
الرقم |
الموضوع |
الصفحة |
1 |
المقدمة. .................................................... |
2 |
2 |
ذكر الدليل على ثبوت أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة....................... |
3 |
3 |
ذكر الدليل من أقوال أئمة الحديث على أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط... وهم: الحافظ البخاري، والحافظ مسلم، والحافظ ابن عدي، والحافظ ابن رجب، والحافظ ابن حجر، والحافظ المقريزي. |
4 |
4 |
ذكر الدليل على القرائن القوية في أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط........................................ |
5و6و7 |
5 |
ذكر الدليل على تصحيح العلماء لأثر عبدالله بن شقيق وهم: الحافظ الزيلعي، والحافظ ابن الملقن، والحافظ النووي، والحافظ العراقي، والعلامة ابن علان، والعلامة الألباني، والعلامة ابن باز، والعلامة ابن عثيمين وغيرهم. |
8 |
6 |
ذكر الدليل على المتابعات لرواية بشر بن المفضل |
9 |
7 |
ذكر الدليل على ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة................................................. |
10 |
8 |
ذكر الدليل على صحة بعض الآثار على إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة................................................. |
10 |
9 |
ذكر الدليل على إجماع التابعين على كفر تارك الصلاة..................................................... |
10 |
10 |
ذكر الدليل على أن كثيرا من أهل الحديث -من بعد التابعين- على تكفير تارك الصلاة، وهم الجمهور مما يدل على أن أقوال البعض أن قول جمهور العلماء على عدم تكفير تارك الصلاة قول لا يصح، ولا يعتد به في الشريعة، لأنهم يقصدون بالجمهور فقهاء المذاهب الأربعة!............................................. |
10 |
([1]) قلت: واختلاطه لم يكن بالفاحش، وهذا لا يضر في الجملة.
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله في ((الثقات)) (ج6 ص351) عن الجريري: (وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات). اهـ
([5]) قلت: وأضف أن الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، والحافظ مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله؛ روايا عن بشر بن المفضل عن الجريري في صحيحيهما، وهذا الإسناد متفق عليه عند الشيخين، فلا يرد ذلك بالتكلف والتعسف، فإن ذلك مسلك أهل الأهواء، والعياذ بالله.
قال ابن الكيال رحمه الله في ((الكواكب النيرات)) (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
([11]) قلت: وهؤلاء المرجئة ليس لهم سلف فيما ذهبوا إليه من تضعيف أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في كفر تارك الصلاة بهذه الطريقة الفاسدة في تضعيف الأسانيد للأحاديث، وهذا أن دل، فإنه يدل على انحراف القوم في الدين، اللهم سلم سلم.
([13]) وانظر: ((تلخيص الحبير)) لابن حجر (ج2 ص720)، و((تخريج الأحاديث والآثار في الكشاف)) للزيلعي (ج1 ص204)، و((المجموع)) للنووي (ج9 ص252).
([14]) وقع عنده: (شقيق بن عبدالله)، وهو خطأ؛ صوابه: (عبدالله بن شقيق)، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) (ص515)، وكذا في ((المجموع)) للنووي (ج3 ص18).
([15]) قلت: وهي الطبعة المعتمدة عند الشيخ الألباني رحمه الله في صحة الأحاديث والآثار في آخر حياته، والله ولي التوفيق.
([16]) وانظر: ((موسوعة الصلاة الصحيحة)) للثبتة (ج2 ص777)، و((آراء الإمام عبدالعزيز بن باز الفقهية)) للحاشدي (ج2 ص627).
([17]) قلت: فتضعيف المرجئة للأثر لا يقبل منهم، ولا يلتفت إليهم، لذلك نوافق، ونتابع ما اتفق عليه العلماء قديما وحديثا في صحته، اللهم غفرا.
([20]) وانظر: ((شرح العمدة)) لابن تيمية (ج2 ص75)، و((الصلاة)) لابن القيم (ص67)، و((التمهيد)) لابن عبدالبر (ج4 ص225)، و((فتح الباري)) لابن رجب (ج1 ص23)، و((الفتاوى)) للشيخ ابن باز (ج10 ص265)، و((الفتاوى)) لشيخنا ابن عثيمين (ج12 ص134).
أخرجه الخلال في ((السنة)) (ج4ص142)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج4 ص1829)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (87) من طريق محمد بن جعفر عن جعفر بن عوف عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (893)، والخلال في ((السنة)) (1379)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (876)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (1538) من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق ثني أبان ابن صالح عن مجاهد بن جبر به.
قلت: وهذا سنده حسن.
أخرجه اللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج2 ص828)، وابن منده في ((الإيمان)) (2170)، والمروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (947)، والبغوي في ((شرح السنة)) (347)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج4 ص229)، والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص366) من طريق زهير بن حرب عن أبي الزبير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص925) من طريق محمد بن يحيى الذهلي ثنا محمد بن المفضل السدوسي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ومحمد بن المفضل ثقة تغير بآخرة، وقد روى عنه محمد بن يحيى الذهلي قبل الإختلاط.
انظر: ((حاشية كتاب المختلطين)) للعلائي (ص117).
([27]) قلت: والمرجئة لم يظفروا بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد غير الزهري رحمه الله، وهو من صغار التابعين، ولا يعتد بقوله في هذه المسألة لما ثبت من الكتاب والسنة والإجماع على تكفير تارك الصلاة، اللهم سلم سلم.
وانظر: ((الصلاة)) لابن القيم (ص67)، و((الترغيب والترهيب)) للمنذري (ج1 ص393).