الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / كشف الوعاء عن حديث لحم البقر داء
كشف الوعاء عن حديث لحم البقر داء
كشف الوعاء
عن
حديث لحم البقر داء
تأليف:
أبي عبدالرحمن فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد،
هذا جزء حديثي في بيان حال حديث: (ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء؛ يعني: البقر).
جمعت فيه طرق وروايات هذا الحديث، مع الكلام عليها جرحا وتعديلا، وبيان عللها والحكم عليها، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجزء جميع الأمة، وأن يتقبل مني هذا الجهد، ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه، ورعايته إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو عبدالرحمن
فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن وبارك يا كريم
عن مليكة بنت عمرو قالت: قال رسول الله r في البقر: (ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء).
حديث منكر
أخرجه أبو داود في ((المراسيل)) (ص316)، وابن الجعد في ((المسند)) (ج2 ص964)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج25 ص42)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/130/ط)، وابن منده في ((معرفة الصحابة)) (ص335 -المقاصد)، وابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) تعليقا (ج4 ص396)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج9 ص345)، وابن الأثير في ((أسد الغابة)) تعليقا (ج7 ص270)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (ق1698/3/ط) من طرق عن زهير بن معاوية قال حدثتني امرأة من أهلي عن مليكة به.
قلت: وهذا سنده ضعيف وله علتان:
الأولى: جهالة المرأة التي روى عنها زهير بن معاوية.
الثانية: الإرسال، فإن مليكة بنت عمرو: هي السعدية، لم توثق وذكرها الحافظ ابن حجر في ((الإصابة)) (ج4 ص396) في القسم الأول اعتمادا على هذا الحديث المنكر، مع أنه تردد في ((التقريب)) (ص753) فقال: يقال لها صحبة، ويقال تابعية من الثالثة.
وقال ابن حجر في ((الأجوبة)) (ص72): (أخرجه الطبراني وابن منده، وفي السند امرأة مبهمة).
وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (ص335): (رجاله ثقات، لكن الراوية عن مليكة لم تسم).
وذكره الهيثمي في ((المجمع)) (ج5 ص90)؛ ثم قال: رواه الطبراني، والمرأة لم تسم، وبقية رجاله ثقات.
تنبيه:
وقد وصفها الراوي عنها زهير بن معاوية بالصدق، وأنها امرأته؛ عند ابن الجعد في ((المسند)) (ج2 ص964).
قلت: وهذا التعديل لا يعتمد عليه كما هو معلوم في مصطلح الحديث فتنبه.
وأخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (ج5 ص103) من طريق زهير عن امرأة من أهله عن مليكة بنت عمرو الجعفية أنها قالت لها عائشة به.
قلت: وهذا سنده كسابقه؛ لا يحتج به.
وله شاهد: أخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص404) من طريق سيف بن مسكين عن عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده تالف؛ وله علتان:
الأولى: سيف بن مسكين البصري.
قال عنه ابن حبان يأتي بالمقلوبات، والأشياء الموضوعة، لا يحل الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات على قلتها.([1])
الثانية: عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي مختلط.([2])
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، وتعقبه الذهبي بقوله: (سيف وهاه ابن حبان).
قلت: فهذا خبر موضوع، فلا يصلح أن يكون بحال من الأحوال شاهد للمرسل.
وله شاهد أيضا: أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (ج6 ص2141) من طريق محمد بن زياد الطحان عن ميمون عن ابن عباس به.
قلت: وهذا سنده تالف كسابقه؛ فيه محمد بن زياد الطحان، وهو متهم بالكذب.([3])
وله شاهد آخر: أخرجه أبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/57/ط) من طريق عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب به.
قلت: وهذا سنده ضعيف، وله علتان:
الأولى: عبد الحميد بن صيفي بن صهيب الرومي، وهو مجهول.([4])
الثانية: صيفي بن صهيب الرومي، وهو مجهول.([5])
قلت: ثم إن في متنه ما ينكر، وهو قوله: (ولحمها داء)، وكيف يكون ذلك وقد أحلها الله تعالى في كتابه في قوله: ]ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين[([6])، ولا يحل الله إلا الطيبات.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه ضحى عن نسائه بالبقر).
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج10 ص5)، ومسلم في ((صحيحه)) (ج2ص873) عن عائشة رضي الله عنها.
قال الزركشي في ((التذكرة)) (ص148): (فإن في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر) وهو لا يتقرب بالداء). اهـ
قلت: وبهذا يتبين نكارة الزيادة، وهي قوله: (ولحمها داء).
نعم ثبت الحديث بدون هذه الزيادة المنكرة.
أخرجه الطيالسي في ((المسند)) (ص48)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص197)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج9 ص345)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/127/ط)، والبزار في ((المسند)) (ج4 ص283)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (ج5 ص285)، والفاكهي في ((حديثه)) (ص322)، والحربي في ((غريب الحديث)) (ج1 ص69)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج9 ص272)، وحرب الكرماني في ((مسائله)) (ص305) من طريق المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا: (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم([7]) من كل الشجر).
قلت: وهذا سنده رجاله ثقات؛ إلا أن المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة قد اختلط.([8])
لكن تابعه ستة عليه:
(1) سفيان الثوري.
أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (ج7 ص625)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/11/ط)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج24 ص422)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج4 ص326) من طريقين عنه.
قلت: وهذا سنده صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني في ((الصحيحة)) (ج4 ص208).
(2) الربيع بن الركين.
أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص371)، والبزار في ((المسند)) (1452 و1453)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص196)، والبغوي في ((الجعديات)) (ج2 ص807)، والشاشي في ((المسند)) (ج2 ص198) من طريق شعبة عنه.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه الربيع بن سهل بن الركين، وهو ضعيف.([9])
(3) أبو حنيفة.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج10 ص16)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/11/ط)، و(ق/127/ط)، وأبو يوسف الأنصاري في ((الآثار)) (ص235)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج4 ص326) من طريقين عنه.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ضعفه النسائي، وابن سعد، وأحمد، وابن معين، وابن عدي، والدارقطني، وعبد الحق، وغيرهم.([10])
(4) أبو وكيع الجراح بن مليح.
أخرجه البغوي في ((الجعديات)) (ج2 ص806)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/127/ط)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (ج5 ص103) من طريق أبي الربيع الزهراني عنه.
قلت: وهذا سنده حسن.
(5) إبراهيم بن مهاجر.
أخرجه أبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/56/ط).
وإسناده ضعيف فيه إبراهيم بن مهاجر البجلي سيء الحفظ؛ كما في ((التقريب)) لابن حجر (ص116).
وذكره الدارقطني في ((العلل)) (ج6 ص28).
(6) أيوب بن عائذ الطائي.
ذكره الدارقطني في ((العلل)) (ج6 ص28).
قال الدارقطني في ((العلل)) (ج6 ص28): (يرويه قيس بن مسلم، واختلف عنه:
فرواه إبراهيم بن مهاجر، وأيوب بن عائذ الطائي، وأبو حنيفة، وأبو وكيع الجراح بن المليح، والمسعودي، عن قيس، عن طارق، عن عبد الله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال الفريابي: عن الثوري، عن قيس بن مسلم، وقال عبد الرحمن بن مهدي: عن سفيان، عن رجل، عن قيس.
وقيل: أن الثوري لم يسمعه من قيس، وإنما أخذه عن يزيد أبي خالد، عن قيس، وهو عنده مرسل، ورفعه صحيح.
وقال مسعر: عن قيس، عن طارق، عن عبد الله، موقوفا). اهـ
وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج9 ص260)، الطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج9 ص271)، والذهبي في ((معجم الشيوخ)) (ج1 ص85) من طريق الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر).
قلت: وهذا سنده صحيح.
وأخرجه موقوفا أيضا الطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج9 ص272) من طريق المسعودي به.
وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ج4 ص370 و371)، وفي((الإغراب)) (ص313)، وأبو نعيم في ((الطب النبوي)) (ق/12/ط)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج24 ص421)، والدارقطني في ((العلل)) (ج6 ص28)، وعبد بن حميد في ((المنتخب)) (ص197)، وأحمد في ((المسند)) (ج4 ص315)، والبغوي في ((الجعديات)) (ج2 ص806) من طرق عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب مرسلا به.([11])
قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (ج24 ص421): (المحفوظ في هذا الحديث طارق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وقال الدارقطني في ((العلل)) (ج6 ص28): (وقيل: أن الثوري لم يسمعه من قيس، وإنما أخذه عن يزيد أبي خالد، عن قيس، وهو عنده مرسل، ورفعه صحيح). اهـ
قلت: فالحديث ثابت بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين