الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه تخريج حديث: ((تسحر النبي صلى الله عليه وسلم في طلوع النهار))
جزء فيه تخريج حديث: ((تسحر النبي صلى الله عليه وسلم في طلوع النهار))
|
جزء
فيه تخريج حديث:
((تسحر النبيr في طلوع النهار))
تخريج:
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
بسم الله الرحمن الرحيم
رب اختم بخير
توطئة أثرية
في
إجماع السلف الصالح على أن صفة الفجر هو النور المنتشر في الأرض
قال الحافظ ابن حزم رحمه الله في ((المحلى بالآثار)) (ج6 ص234): (فهؤلاء: أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن مسعود، وحذيفة، وعمه خبيب، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، فهم أحد عشر من الصحابة، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه؛ ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود ولم يدركه. ومن التابعين: محمد بن علي، وأبو مجلز، وإبراهيم، ومسلم، وأصحاب ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وجابر بن زيد. ومن الفقهاء: معمر، والأعمش). اهـ
والله ولي التوفيق
õõõõõõõ
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الدليل على استحباب تأخير
السحور إلى أن يطلع النهار
عن شقيق بن سلمة قال: ((انطلقت أنا وزر بن حبيش إلى حذيفة وهو في دار الحارث بن أبي ربيعة، فاستأذنا عليه، فخرج إلينا، فأتى بلبن، فقال: اشربا، فقلنا: إنا نريد الصيام، قال: وأنا أريد الصيام، فشرب، ثم ناول زرا فشرب، ثم ناولني فشربت([1])، والمؤذن يؤذن في المسجد، قال: فلما دخلنا المسجد أقيمت الصلاة، وهم يغلسون([2]))).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (ج4 ص230).
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8937)، والطبري في ((تفسيره)) (3000) عن إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن أبيه قال: ((خرجت مع حذيفة إلى المدائن في رمضان، فلما طلع الفجر، قال: هل كان أحد منكم آكلا أو شاربا؟، قلنا: ما رجل يريد الصوم فلا ثم سرنا حتى استبطأناه في الصلاة، ثم نزل فصلى)). وفي رواية: (فنزل فتسحر ثم صلى).
وإسناده صحيح، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في ((تعليقه على تفسير الطبري)) (ج3 ص518). وذكره ابن تيمية في ((شرح العمدة)) (ج3 ص433)، والقرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن)) (ج2 ص319).
وتابع يزيد بن شريك التيمي؛ زر بن حبيش على هذا الحكم.
فأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (2463)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج4 ص142) عن زر بن حبيش قال: ((تسحرت مع حذيفة، ثم خرجنا إلى الصلاة فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين وأقيمت الصلاة، وليس بينهما إلا هنيهة([3]))).
وإسناده صحيح.
وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ج3 ص111)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج4 ص142)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (ج6 ص232) والذهبي في ((المعجم المختص)) (ص63) عن زر بن حبيش قال: ((قلنا لحذيفة: أي ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع)).
وإسناده حسن. وقال الذهبي: هذا حديث حسن الإسناد.
وذكره الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (ج4 ص136)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (ص164)،وابن بطال في ((شرح صحيح البخاري)) (ج4 ص36)، والقرطبي في ((المفهم)) (ج3 ص152).
وأخرجه الطبري في ((تفسيره)) (3012 و3014)، وأحمد في ((المسند)) (ج5 ص396 و400 و405)، وابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (ج6 ص232)، وابن ماجه في ((سننه)) (1695) عن زر بن حبيش عن حذيفة t قال ((كان النبي r يتسحر وأنا أرى مواقع النبل. قال: قلت أبعد الصبح؟ قال: هو الصبح إلا أنه لم
تطلع الشمس)).([4])
وإسناده حسن، وقد صححه ابن حزم في ((المحلى بالآثار)) (ج6 ص232).
وذكره ابن تيمية في ((شرح العمدة)) (ج3 ث432)، ثم قال:رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه. بإسناد صحيح.
وفي رواية: قال زر بن حبيش: ((فأخذ حذيفة t يحلب من جانب، وأحلب أنا من جانب، فناولني، فقلت: ألا ترى الصبح؟ فقال: اشرب، فشربت، ثم جئت إلى باب المسجد، فأقيمت الصلاة، فقلت له أخبرني بآخر سحور تسحرته مع رسول الله فقال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع الشمس)).
وقد رواه عن عاصم بن أبي النجود خلق من الثقات؛ فانتبه.
وأخرجه الطحاوي في ((أحكام القرآن)) (ج1 ص453)، وفي ((شرح معاني الآثار)) (ج2 ص52)، وفي ((مشكل الآثار)) (ج14 ص126) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: ((تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد، فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان فدخلت عليه، فأمر بلقحة فحلبت، وبقدر فسخنت، ثم قال: ادن فكل، فقلت: إني أريد الصوم، فقال: وأنا أريد الصوم، فأكلنا وشربنا، ثم أتينا المسجد، فأقيمت الصلاة، ثم قال حذيفة: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أبعد الصبح؟ قال: نعم، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس)).
وإسناده حسن.
وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (ج3 ص111)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج4 ص142) من طريق عمرو بن علي، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا أبو يعفور، قال: حدثنا إبراهيم، عن صلة بن زفر، قال: ((تسحرت مع حذيفة، ثم خرجنا إلى المسجد فصلينا ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة، فصلينا)).
وإسناده صحيح، وقد تابع صلة بن زفر؛ زر بن حبيش على هذا الحكم!.
قلت: وهذا الحديث يبين أن الضوء قد اتضح جيدا، وهذا فعل النبي r في تأخير السحور، كل ذلك من أجل ألا يقع الصائم في الحرج، فيتضرر من الجوع والعطش في نهار رمضان.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في ((شرح معاني الآثار)) (ج2 ص52): (ففي هذا الحديث عن حذيفة t؛ أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد الصوم ويحكي مثل ذلك، عن رسول الله r). اهـ
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله في ((مشكل الآثار)) (ج14 ص127): (فكان في هذا الحديث: أن ذلك الطعام الذي كان من رسول الله r كان بعد طلوع الفجر). اهـ
قال الإمام أبو بكر بن عياش رحمه الله: ما كذب عاصم، على زر، ولا زر، على حذيفة، قال: قلت له: يا أبا عبد الله ((تسحرت مع النبي r؟ قال: نعم هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع)).([5])
قلت: فهذا جاء بصيغة في التوكيد موثقة، قصد بها أبو بكر بن عياش رحمه الله رفع شبهة الخطإ، أو التزيد في الرواية([6])، فافطن لهذا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج4 ص137): (روي عن حذيفة من طرق صحيحة). اهـ
قلت: ثم إنه يبعد هذا الحديث وغيره التأويلات التي وردت من قبل بعض أهل العلم، تأكيد حذيفة رضي الله عنه بقوله: ((إلا أن الشمس لم تطلع))، فإنه ظاهر في كون المراد حقيقة النهار، لا قرب النهار.([7])
ففي هذا الحديث عن حذيفة رضي الله عنه أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد الصوم، ويحكي مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.([8])
وهذا الحديث يبين أن إمساك النبي r، والصحابة الكرام كان في النهار الشرعي الذي يقال فيه نهار لانتشار النور في البيوت، والطرق عند طلوع الفجر الصادق، كما في قوله تعالى: ]وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187].
وهذا يدل على جواز الأكل والشرب عند بداية طلوع الفجر الصادق حتى يتضح النهار ويقال: ((أصبحت، أصبحت)).
قال الحافظ الطبري رحمه الله في ((تفسيره)) (ج3 ص524): (وعلة من قال هذا القول: أن القول إنما هو النهار دون الليل.
قالوا: وأول النهار طلوع الشمس، كما أن آخره غروبها.
قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر لوجب أن يكون آخره غروب الشفق قالوا: وفي إجماع الحجة على أن آخر النهار غروب الشمس دليل واضح، على أن أوله طلوعها.
قالوا: وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر أوضح الدليل على صحة قولنا).([9]) اهـ
قلت: والتبيين للفجر تبينه في الطرق، والبيوت، وقد أجمع عليه السلف؛ منهم: عمر، وعثمان، وحذيفة، وابن عباس، وطلق بن علي، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.([10])
قال المفسر ابن عطية رحمه الله في ((المحرر الوجيز)) (ج2 ص92): (وروي عن عثمان بن عفان، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وطلق بن علي، وعطاء بن أبي رباح، والأعمش وغيرهم أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق، وعلى رؤوس الجبال). اهـ
وقال الحافظ ابن المنذر رحمه الله في ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (ج3 ص188): (وروينا عن علي أنه قال حين صلى الفجر: ((الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود))، وروى عن حذيفة: ((أنه لما طلع الفجر تسحر، ثم صلى))، وروى معنى ذلك عن ابن مسعود). اهـ
وقال الإمام ابن المنذر رحمه الله: (وذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت([11])). اهـ
قلت: فلا بد للإمساك أن ينتشر النور، والضوء في الطرقات، لأن هذا هو الفجر
الصادق الذي تجري عليه الأحكام الشرعية، لا السواد المظلم الذي يمسك عليه الناس في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قلت: وهذا مفهوم التبين الذي ذكره الله تعالى في كتابه، بقوله: ]حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187].
فقوله تعالى: ]حتى يتبين[، أي: يتضح نوره، وينتشر في الطرقات للناس، فهنا يجب على الصائم أن يمسك عن الأكل، والشرب لا مجرد طلوع الفجر ابتداء، لأن في هذا الوقت لم يتبين الفجر الصادق جيدا، فافهم لهذا ترشد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العمدة)) (ج2 ص408): (الوقت الذي يجب صيامه من طلوع الفجر الثاني إلى مغيب قرص الشمس؛ لقوله تعالى: ]حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر[ [البقرة: 187]). اهـ
([1]) قلت: وكثير من الناس الآن يقدمون السحور بوقت كثير عن الفجر الصادق، لأنهم يعتمون على ((التقويم الفلكي))، والله المستعان.
([2]) قلت: وقوله: ((وهم يغلسون)) أن يصلون عند طلوع الفجر ابتداء، والغلس آخر الظلمة من الليل، أي: الغلس: اختلاط ضوء الصبح بظلمة الليل بحيث لا يبلغ الإسفار.
وانظر: ((الحاشية على كفاية الطالب)) للعدوي (ج1 ص308)، و((الثمر الداني)) للأزهري (ص105).
([4]) قلت: وهذا التبين الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم، وفسرته السنة، وفسرته الآثار عن السلف، ولله ولي التوفيق.
وهذا نص من النبي r أن الانتظار إلى أن يتبين مواقع النبل، وينتشر الضوء،: وحتى يتبين الأبيض من الأسود: ]من الفجر[ [البقرة: 187].
أخرجه الطبري في ((تفسيره)) (3012) بإسناد صحيح، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في ((تعليقه على تفسير الطبري)) (ج3 ص519).
([7]) وانظر: ((ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)) للأتيوبي (ج20 ص351).
وهذا يرد أيضا تأويل الجصاص في ((أحكام القرآن)) (ج1 ص219)، وتأويله غير صحيح، لأن قول حذيفة رضي الله عنه هذا صريح في إرادته طلوع النهار حقيقة، لا قرب النهار، فتنبه.
([8]) وانظر: ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (ج2 ص52)، و((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (ج3 ص227)، و((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (ج4 ص37)، و((المفهم)) للقرطبي (ج3 ص152 و157)، و((البحر المحيط)) لأبن حيان (ج2 ص85).
([9]) وعلى هذا لو أراد الصائم أن يمسك عن الأكل والشرب عند انتشار النور في البيوت والطرق فلا بأس، ولا يجوز الإنكار عليه، لأن هذا من فعل النبي r، وأبي بكر الصديق t، وعلي بن أبي طالب t، وحذيفة r، والصحابة رضي الله عنهم، والسلف رحمهم الله.
وانظر: ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (ج3 ص226 و227).