الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه: ضعف أثر الإمام الزهري الذي يوهم أنه لا يكفر تارك الصلاة
جزء فيه: ضعف أثر الإمام الزهري الذي يوهم أنه لا يكفر تارك الصلاة
سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار
|
38 |
جزء فيه:
ضعف أثر الإمام الزهري
الذي يوهم
أنه لا يكفر تارك الصلاة
تأليف
فضيلة الشيخ المحدث الفقيه
أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري
حفظه الله ورعاه
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ذكر الدليل
على ضعف: أثر الإمام الزهري /
الذي يوهم أنه لا يكفر تارك الصلاة
عن إبراهيم بن سعد عن الزهري، أنه سئل: عن الرجل، يترك الصلاة؟، قال: (إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينا، غير دين الإسلام: قتل، وإن إنما هو: فاسق، ضرب ضربا مبرحا، وسجن).
أثر ضعيف
* هذا الأثر اختلف عليه على الإمام الزهري، في إسناده، ومتنه، واضطرب فيه الرواة.
الأول: فرواه محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب([1])؛ أنه سئل: عن الرجل، يترك الصلاة؟، قال: (إن كان إنما تركها أنه ابتدع دينا، غير دين الإسلام: قتل، وإن إنما هو: فاسق، ضرب ضربا مبرحا، وسجن) ([2]).
أخرجه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (ج2 ص957)، بهذا الإسناد: وذكر السؤال، والسائل هنا مبهم.
قلت: وهذا سنده شاذ، وقد أغرب فيه محمد بن يحيى عن الثقات، وخالف الأصول، فلا يقبل نقله هنا، فافهم لهذا.
وليس فيه: «ومجونا، وتهاونا»، «ويسجن حتى يرجع»، و«والذي يفطر رمضان من غير علة مثل ذلك».
الثاني: ورواه زكريا بن يحيى قال: حدثنا إبراهيم بن سعد قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يترك الصلاة؟، قال: (إن كان إنما يتركها يبتغي دينا غير الإسلام، قتل، وإن كان إنما هو فاسق من الفساق، ضرب ضربا شديدا، وسجن، والذي يفطر رمضان من غير علة مثل ذلك).
أخرجه الخلال في «أحكام أهل الملل» (ص482).
قلت: وهذا سنده كسابقه، وقد جاء السؤال من إبراهيم بن سعد مباشرة إلى الزهري، وهذا من الاختلاف، وزيد فيه: «ضربا شديدا، والذي يفطر رمضان من غير علة مثل ذلك».
رغم الرواية واحدة، من هذا الوجه.
الثالث: رواه شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: أنه سئل عن تارك الصلاة، فقال: (إذا ترك الرجل الصلاة؛ لأنه ابتدع دينا غير الإسلام: قتل، وإن كان إنما فعل ذلك فسقا ومجونا، وتهاونا؛ فإنه يضرب ضربا مبرحا، ويسجن حتى يرجع).
أخرجه ابن عبد البر في «الاستذكار» (ج5 ص353)، بهذا الإسناد؛ تعليقا، وذكر السؤال.
قلت: وهذا سنده معضل، لا يحتج به، ولا يثبت، وقد زيد فيه: «ومجونا، وتهاونا».
وفيه: «حتى يرجع».
الرابع: رواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: (إذا ترك الرجل الصلاة، فإن كان إنما تركها، لأنه ابتدع دينا، غير الإسلام: قتل، وإن كان إنما هو فاسق، فإنه يضرب ضربا مبرحا، ويسجن حتى يرجع).
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص240)؛ بهذا الإسناد؛ تعليقا، ولم يذكر السؤال.
قلت: وهذاسنده كسابقه، معضل، لا يحتج به.
وليس فيه: «ومجونا، وتهاونا».
فروي مرة: عن إبراهيم بن سعد عن الزهري، ومرة: عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري؛ مع الاختلاف في المتن، وقد سبق.
* ثم هذا الأثر ليس بصريح في عدم تكفير تارك الصلاة، والأمر مشتبه، والقاعدة في المتشابه في العلم، أن يحمل المتشابه على المحكم، لوضوح الأدلة في تكفير تارك الصلاة.
وأن الإمام الزهري /؛ لم يثبت عنه أنه قال: «تارك الصلاة لا يكفر»، ولا يمكن له أن يخالف: إجماع الصحابة، والتابعين، في تكفير تارك الصلاة.
* فالأثر ليس بصحيح مادام خالف الإجماع أيضا. ([3])
قلت: ويدل على ضعف هذا الأثر أن الإمام الزهري / يكفر: تارك «الصلاة»، و«الزكاة»، و«الصيام»، و«الحج»، وهذا قوله: يدل على أن: «الصلاة» من الإيمان، وأن الإيمان عنده: قول وعمل.
وهذا مذهب الإمام الزهري / في: تارك الصلاة.
قال الإمام ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج4 ص240): (وابن شهاب: القائل ما ذكرنا، هو القائل: أيضا في؛ قول النبي r: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، قال الزهري: «كان ذلك في أول الإسلام، ثم نزلت الفرائض بعد»، وقوله هذا: يدل على أن الإيمان عنده: قول وعمل).اهـ
* وهذا يدل على أن الإمام الزهري: يكفر من ترك لواحد من الأركان؛ منها: «الصلاة»، لأنه يرى أن الأدلة المطلقة ابتداء: نزلت قبل فرض الفرائض، وإن الإيمان: قول وعمل، فمن لم يصل عنده: ترك العمل، لأن الفرائض نزلت للعمل بها في الدين.
فعن الإمام الزهري / قال: (كان هذا قبل أن تنزل الفرائض، ثم نزلت، نرى أن الأمر انتهى إليها). وفي رواية: (كان ذلك في أول الإسلام، ثم نزلت الفرائض بعد).
أثر صحيح
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج4 ص240)، وفي «الاستذكار» (ج16 ص326)؛ روى هذا الأثر عن الزهري: سفيان بن حسن الواسطي. ([4])
وإسناده صحيح.
* وهذا الأثر: أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في «شرح العمدة» (ج2 ص79)؛ ثم قال: (أما الأحاديث المطلقة في «الشهادتين»... فإنها مطلقة عامة، وأحاديث الصلاة مقيدة خاصة، فيبنى المطلق على المقيد).
وقال ابن التركماني في «الجوهر النقي» (ج7 ص188): (وقال الزهري /: «كان هذا قبل أن تنزل الفرائض»).
والأثر: ذكره المقريزي في «إمتاع الأسماع» (ج6 ص288)، والجصاص في «الفصول في الأصول» (ج2 ص287)، وابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (ج1 ص523).
وعن الزهري قال: قال هشام بن عبد الملك: أبلغك، أن رسول الله r: أمر مناديا ينادي: «من قال: لا إله إلا الله، فله الجنة»؟، قال: قلت: نعم، وذاك قبل أن تنزل الفرائض، ثم نزلت الفرائض، فينبغي على الناس: أن يعملوا، بما افترض الله تعالى عليهم).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (1218)، والخلال في «السنة» (ج1 ص609) من طريق أبي عبد الرحمن الرقي قال: ثنا الحسن –يعني: أبا مليح- عن الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قلت: فبين الإمام الزهري /، عن الأدلة المطلقة في الشهادتين، دون الفرائض، نزلت قبل نزول فريضة: «الصلاة»، وسائر الفرائض؛ من «زكاة»، و«صيام»، و«حج»، وقيل: نزول الحدود. ([5])
* فهي أدلة مطلقة عامة في الشهادتين، وأحاديث الصلاة مقيدة خاصة، فيبنى المطلق على المقيد في العلم.
فعن أبي الحارث قال: سألت أبا عبد الله: أحمد بن محمد بن حنبل، قلت: إذا قال الرجل: «لا إله إلا الله»، فهو مؤمن؟، قال: (كذا كان بدء الإيمان، ثم أنزلت الفرائض: «الصلاة»، و«الزكاة»، و«صوم رمضان»، و«حج البيت»).
أثر صحيح
أخرجه الخلال في «السنة» (ج1 ص481) من طريق محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث: حدثهم، فذكره.
قلت: وهذا سنده صحيح.
وقال الحافظ الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص552): (اعلموا رحمنا الله وإياكم: أن الله تعالى، بعث محمدا إلى الناس كافة، ليقروا بتوحيده، فيقولوا: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله».
* فكان من قال هذا موقنا من قلبه، وناطقا بلسانه أجزأه، ومن مات على هذا فإلى الجنة.
* فلما آمنوا بذلك: وأخلصوا توحيدهم، فرض عليهم: «الصلاة» بمكة، فصدقوا بذلك، وآمنوا، وصلوا). اهـ
وقال الإمام الخلال في «السنة» (ج1 ص481)؛ ذكر بدء الإيمان: كيف كان، والرد على المرجئة؛ لأنه: نزلت الفرائض بعد قول: «لا إله إلا الله».
وقال الحافظ الآجري / في «الشريعة» (ج2 ص552): (فإن احتج: محتج، بالأحاديث التي رويت: «من قال: لا إله، إلا الله دخل الجنة»، قيل له: هذه كانت؛ قبل نزول الفرائض.
* وهذا قول علماء المسلمين: ممن نفعهم الله تعالى بالعلم، وكانوا أئمة يقتدى بهم؛ سوى: «المرجئة» الذين خرجوا عن جملة: ما عليه الصحابة، والتابعون، لهم بإحسان، وقول: الأئمة الذين لا يستوحش من ذكرهم).اهـ
قلت: ومما يدل أيضا على ضعف الأثر، أن الإمام الزهري /، يرى أن: «الصلاة» من الإيمان، فمن تركها فقد ترك الإيمان، وأن الإيمان: قول وعمل.
فعن الإمام الزهري / قال: (فنرى أن الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في «الإيمان» (538)، وعبد الله بن أحمد في «السنة» (729)، والخلال في «السنة» (ج1 ص549 و550) من طرق عن معمر عن الزهري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
قال الإمام عبد الله بن أحمد / في «السنة» (ج1 ص636): (قال الفضيل بن عياض /: ويقول أهل السنة: إن الله عز وجل، قرن العمل بالإيمان، وإن فرائض الله عز وجل من الإيمان، قالوا: ]والذين آمنوا وعملوا الصالحات[ [البقرة: 82]، فهذا موصول، العمل بالإيمان).
قلت: ومن الاستحالة أن يخالف الإمام الزهري /([6])، أصول السلف في الإيمان، فلا يكفر تارك الصلاة، وقد أجمع التابعون على هذا الحكم.
قال الإمام البخاري / في «صحيحه» (ص1300)؛ باب: وسمى النبي r، الصلاة: عملا.
ﭑ ﭑ ﭑ
([2]) هذا المتن مخالف لأصول الإمام الزهري / في تكفيره من ترك لواحد من أركان الإسلام، منها: «الصلاة».
([3]) وعلى فرض صحته، وتصريحه في عدم تكفير تارك الصلاة، فإن خلافه لا يؤثر على الإجماع، لأن أهل العلم، لا يعدون انفراد الواحد من أهل العلم ناقضا لإجماع من قبله من السلف.
وانظر: «الرد على الجهمية» للدارمي (ص108)، و«الأوسط» لابن المنذر(ج1 ص411).