القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه: تخريج حديث: عمار بن ياسر رضي الله عنه في تقديم: (مسح الكفين على مسح الوجه)

2023-12-08

صورة 1
جزء فيه: تخريج حديث: عمار بن ياسر رضي الله عنه في تقديم: (مسح الكفين على مسح الوجه)

 

 

 

 

 

 

 

 

جزء فيه:

تخريج حديث: عمار بن ياسر t

في تقديم: (مسح الكفين على مسح الوجه)

 

 

 

بقلم:

العلامة المحدث الفقيه

فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه وجعل الجنة مثواه

 

    

وبالله استعين وحسبي الله ونعم الوكيل

المقدمة

 

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد،

فهذا جزء حديثي في بيان حال حديث: «عمار بن ياسر t في التيمم»، حيث جمعت فيه طرق، وروايات هذا الحديث، مع الكلام عليها جرحا وتعديلا، وبيان عللها والحكم عليها، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه.

وإنما أردت في هذا الجزء أن نتعبد الله تعالى بما شرعه في كتابه، وفيما ثبت، وصح عن النبي r، فلا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة، ولا حسنة) ([1]).اهـ

هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجزء جميع الأمة، وأن يتقبل مني هذا الجهد، ويجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه، ورعايته إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

                                                                                  أبو عبدالرحمن

فوزي بن عبدالله الأثري

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                                                                                                

ذكر الدليل على إعلال حديث التيمم

في تقديم: «مسح الكفين على مسح الوجه» ([2])،

 والصحيح بتقديم: «مسح الوجه على مسح الكفين».

 

عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: (كنت جالسا مع عبد الله، وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أن رجلا أجنب، فلم يجد الماء شهرا، أما كان يتيمم ويصلي، فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا[. [المائدة: 6]؛ فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا، لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد. قلت: وإنما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم، فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله r في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت([3]) في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي r، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه([4]). فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟).

وزاد يعلى([5])، عن الأعمش، عن شقيق: (كنت مع عبد الله، وأبي موسى، فقال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: إن رسول الله r بعثني أنا وأنت، فأجنبت، فتمعكت بالصعيد، فأتينا رسول الله r فأخبرناه، فقال: إنما كان يكفيك هكذا. ومسح وجهه وكفيه واحدة).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (347)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص693) من طريق محمد بن سلام السلمي قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة الأسدي قال فذكره.

وأخرجه مسلم في «صحيحه» (368)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص176)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص539) من طريق يحيى بن يحيى، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وابن نمير، ثلاثتهم: عن أبي معاوية عن الأعمش به؛ بلفظ: (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، ووجهه).

وأخرجه أبو داود في «سننه» (321) من طريق محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش به، بلفظ: (فضرب بيده على الأرض فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه).

وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (308)، وفي «المجتبى» (ج1 70 و171)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص540) من طريق محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش به بلفظ: (وضرب بيديه على الأرض ضربة، فمسح كفيه ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على كفيه ووجهه).

وأخرجه أحمد في «المسند» (ج4 ص264) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش به.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص157 و158) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش به، بلفظ: (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه).

وأخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج» (811) من طريق سهل بن عثمان ثنا أبو معاوية عن الأعمش به، بلفظ: (فبدأ بكفيه ثم وجهه ضربة واحدة).

قلت: ففي هذه الروايات كلها قدم أبو معاوية وهو: محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي، وكان من أوثق الناس في الأعمش بعد سفيان الثوري، وشعبة.

قلت: ومع هذا فقد كان يخطيء قليلا في حديث الأعمش، وسببه أنه لم يكتب عنه، بل كان يحدث من حفظه، لأنه كان أعمى، يقال: عمي، وهو: ابن ثمان سنين، أو أربع سنين([6]).

قلت: فقدم مسح الكفين ثم الوجه تارة؛ بلفظ: «ثم»، وتارة بـ «الواو».

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (347)، وأبو داود في «سننه» (321)؛ بذكر: «الكفين» ثم عطف: «الوجه» عليها بـ «ثم».

وأكثر الرواة على عدم العطف بـ «ثم»، لأن بعضهم يقدم: «الكفين» على: «الوجه»، ويعطف بـ «الواو»، ولا تقتضي الترتيب، بعكس «ثم»، وممكن «ثم» تأتي للجمع؛ كما هنا، وليس للترتيب، كما تدل عليه الروايات الأخرى، فتنبه.

هكذا رواه: ابن نمير، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن العلاء، وعلي بن حرب، وابن أبي شيبة، ويوسف بن موسى، وسلم بن جنادة؛ كلهم: عن أبي معاوية به([7]).

قلت: والغلط إنما هو من أبي معاوية قطعا، وهو حافظ لحديث: الأعمش، ولكنه ربما غلط فيه.

قال عبدالله بن أحمد / في «العلل» (ج1 ص541) عن أبيه: (أبو معاوية من أحفظ أصحاب الأعمش، قلت له: مثل سفيان؟. قال: لا، سفيان في طبقة أخرى، مع أن أبا معاوية يخطيء في أحاديث من أحاديث الأعمش([8])).

وقال محمد بن سعد المقرئ /: (سئل عبد الرحمن بن مهدي: من أثبت في الأعمش بعد الثوري؟ فقال: ما أعدل بوكيع أحدا، فقال له رجل: يقولون أبو معاوية، فنفر من ذلك، وقال: أبو معاوية عنده كذا وكذا وهما) ([9]). يعني في حديث الأعمش.

وكذلك: فقد رواه جماعة عن الأعمش، ولم يذكروا التقديم، خالفوا فيه أبا معاوية.

رواه يعلى بن عبيد، والوليد بن القاسم، وحفص بن غياث([10])، وعبدالواحد بن زياد.

قلت: وقد وهم أبو معاوية في هذا الحديث في ثلاثة مواضع:        

الوهم الأول: قوله: (إنه مسح الوجه بعد الكفين)، فذكره كما هو عند البخاري في «صحيحه» (347).

وكذلك عند أحمد في «المسند» (ج4 ص264)، بلفظ: «ثم».

وكذلك مرت الألفاظ الأخرى، وفيها: «ثم»، و «الواو» ([11]).

وخالفه: الوليد بن القاسم الهمداني، وعبدالواحد بن زياد، ويعلى بن عبيد؛ فرووه: عن الأعمش، فذكروا بتقديم «الوجه على الكفين».

أخرجه مسلم في «صحيحه» (1368)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص265)، وفي «العلل» (ج3 ص370)، وابن حبان في «صحيحه» (1305)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (876)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص424)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص539)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج6 ص225) من طريق عبدالواحد بن زياد عن الأعمش به؛ بلفظ: (وضرب بيديه إلى الأرض فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه).

وفي رواية: (ومسح وجهه مسحة واحدة بضربة واحدة).

وأخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقا (347)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص265)، وفي «العلل» (ج3 ص370)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (877)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص211 و226)، وفي «معرفة السنن» (322)، وابن حبان في «صحيحه» (1304)، والسراج في «حديثه» (2574)، وفي «المسند» (ق/20/ط)، و (ص35 و36)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص423)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص693) من طريق يعلى بن عبيد عن الأعمش به؛ بلفظ: (ومسح وجهه، وكفيه واحدة). وفي رواية: (ومسح وجهه مسحة واحدة).

وأخرجه أبو عوانة في «المسند الصحيح» (875) من طريق الوليد بن القاسم الهمداني عن الأعمش  به؛ بلفظ: (ثم ضرب بإحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه، ثم مسح إحداهما بالأخرى).

قلت: وهذا هو المحفوظ في حديث: «التيمم»، وهو تقديم: «مسح الوجه على الكفين».

قال الحافظ أبو عوانة / في «المسند الصحيح» (ج1 ص255) عقب الحديث: (ورواه غير: أبي معاوية عن الأعمش، فقال: بيديه إلى الأرض، فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه).اهـ

وقال الحافظ البيهقي / في «السنن الكبرى» (ج1 ص211): (أشار البخاري إلى رواية: يعلى بن عبيد، وهو أثبتهم سياقة للحديث). اهـ

وقد أنكر الحافظ ابن رجب / أيضا في «فتح الباري» (ج2 ص89 و90) تقديم مسح الكفين على مسح الوجه.

قلت: ووجه إخراج الإمام البخاري /: لهذا الحديث، فقد ذكر قبله حديث: حفص بن غياث، وعقب حديث: أبي معاوية؛ برواية: يعلى، ليبين خلاف: أبي معاوية في تقديم: «مسح الكفين على الوجه».

وفي رواية: لأبي معاوية وافق فيها الجماعة في تقديم: «مسح الوجه» على «الكفين».

فأخرجه السراج في «المسند» (ق/20/ط) و(ص35 و36)، وفي «حديثه» (ج3 ص225)، وابن خزيمة في «صحيحه» (270) من طريق إسحاق بن إبراهيم، ويوسف بن موسى، قالا: حدثنا أبو معاوية، ويعلى بن عبيد، قالا: ثنا الأعمش، عن شقيق عن عمار بن ياسر t عن النبي r قال: (كان يكفيك هكذا، وضرب بيده الأرض، فمسح وجهه وكفيه). وفي رواية: (ثم تمسح بهما وجهك وكفيك).

وإسناده صحيح.

ويؤيده : ما رواه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال عمار بن ياسر t: فقال النبي r: (إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك، وكفيك). وفي رواية: (إنما كان يكفيك هكذا، وضرب النبي r بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (338)، و(339)، و(340)، و(341)، و(342)، و(343)، ومسلم في «صحيحه» (368)، وأبو داود في «سننه» (326)، والنسائي في «السنن الكبرى» (303)، و(304)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص169 و170)، وابن ماجه في «سننه» (569)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص265 و320)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص255 و256)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج1 ص134 و135)، والبغوي في «شرح السنة» (308)، والطيالسي في «المسند» (ج2 ص30)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص295)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص79 و131 و132)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص51 و55)، وفي «الإقناع» (ج1 ص65 و66)، وابن الجارود في «المنتقى» (125)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص404)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص112)، و «أحكام القرآن» (ج1 ص105)، وأبو يعلى في «المسند» (ج3 ص183)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص176 و177)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص427 و431)، والسراج في «المسند» (12)، وفي «حديثه» (2552)، والمحاملي في «الآمالي» (241)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص2019 و214 و216)، وفي «الخلافيات) (816)، والذهبي في «السير» (ج9 ص364 و365)، و (ج13 ص499 و500)، وفي «تذكرة الحفاظ» (ج3 ص951)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج19 ص271)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (ج1 ص233)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص225)، والحازمي في «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ» (51)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص541)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص680 و682) من طرق عن شعبة قال: حدثني الحكم بن عتبة عن ذر بن عبدالله المرهبي عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى به.

وأخرجه أبو داود في «سننه» (327)، والترمذي في «سننه» (144)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص263)، والدارمي في «المسند» (745)، وابن الجارود في «المنتقى» (126)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (ج1 ص147)، و(ج7 ص302)، والنسائي في «السنن الكبرى» (306)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص112)، وفي «أحكام القرآن» (ج1 ص105)، وابن خزيمة في «صحيحه» (ج1 ص134)، والبزار في «المسند» (ج4 ص227)، وابن حبان في «صحيحه» (ج4 ص132)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص541)، وأبو يعلى في «المسند» (ج3 ص183 و204)، والدارقطني في «السنن» (13)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص260)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص291)، والشاشي في «المسند» (ج2 ص430)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص51)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج2 ص250)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (ج1 ص173)، والسراج في «المسند» (13)، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف» (ج1 ص233)، وفي «جامع المسانيد» (ج6 ص226)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج19 ص286)، والطوسي في «مختصر الأحكام» (127)، و(128)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (ج10 ص133)، والطبري في «جامع البيان» (ج4 ص113)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطار، كليهما: عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبدالرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر t (أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في التيمم: ضربة للوجه والكفين). وفي رواية: (ضربة واحدة للوجه، والكفين).

وإسناده صحيح، وقد صححه الدارمي في «المسند» (ج1 ص208).

وقال الترمذي: حديث عمار، حديث حسن صحيح.

وقال ابن راهوية: (حديث عمار في التيمم للوجه والكفين: هو حديث صحيح) ([12]).

وقال إسحاق بن هانئ / في «المسائل» (ج1 ص12): (سئل أحمد عن التيمم؟ قال: ضربة واحدة للوجه والكفين، قيل له: ليس في قلبك شيء من حديث عمار؟ قال: لا).

وقال حرب الكرماني /: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل / يقول: (والتيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، يبدأ بوجهه، ثم يمسح كفيه: إحداهما بالأخرى. قيل له: صح حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؟ قال: نعم، قد صح) ([13]).

وقال الحافظ أبو عوانة / في «المسند الصحيح» (ج1 ص303): (بيان صفة التيمم: وأنه ضربة واحدة بالكفين، ومسح الشمال على اليمين، والدليل على أنه يمسح الكف اليسرى بظهر كف اليمنى).اهـ

وقال الحافظ ابن عبدالبر / في «التمهيد» (ج19 ص287): (أكثر الآثار المرفوعة عن عمار t في هذا الحديث، إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين).اهـ

وقال الإمام أحمد / كما في «المسائل» لابنه صالح (540): (ضربة للوجه، والكفين على حديث عمار).

وقال الحافظ الترمذي / في «السنن» (ج1 ص180): (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

منهم: علي، وعمار، وابن عباس.

وغير واحد من التابعين:

منهم: الشعبي، وعطاء، ومكحول، قالوا: التيمم ضربة للوجه والكفين، وبه يقول: أحمد، وإسحاق) ([14]).اهـ

وقال العلامة السندي / في «حاشيته على مسند الإمام أحمد» (ج4 ص328): (قوله r: «ضربة للكفين والوجه»؛ ظاهره: اتحاد الضربة للعضوين، وهو مشكل عند من يقول بلزوم التعدد).اهـ

وروى أبو الجهيم([15]) بن الحارث بن الصمة الأنصاري t قال: (أقبل النبي r من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه، ويديه، ثم رد عليه السلام).

أخرجه البخاري في «صحيحه» (337)، ومسلم في «صحيحه» معلقا([16]) (369)، وأبو داود في «سننه» (329)، والنسائي في «السنن الكبرى» (ج1 ص194)، وفي «السنن الصغرى» (ج1 ص165)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص169)، و(ج5 ص456)، وابن خزيمة في «صحيحه» (274)، وعبدالحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص537)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (ج2 ص187)، والبغوي في «مصابيح السنة» (ج1 ص239)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص675)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص257)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (ج2 ص73)، و(ج4 ص193)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج» (ج1 ص405)، وفي «معرفة الصحابة» (ج5 ص2850)، والدولابي في «الكنى والأسماء» (ج1 ص65)، وأبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (ج3 ص193)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (ج1 ص85 و86)، وابن عبدالبر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (ج11 ص180)، وابن حبان في «صحيحه» (ج3 ص85)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص294)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج3 ص177)، والعطار في «غرر الفوائد» (ص114)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص205)، وفي «الخلافيات» (ج2 ص510)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص283 و284)، وابن الجارود في «المنتقى» (127)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص176 و177)، وابن الجوزي في (التحقيق في مسائل الخلاف» (ج1 ص236)، وابن الأثير في «أسد الغابة» (ج6 ص64) من طريق عبدالرحمن بن هرمز الأعرج قال: سمعت عميرا مولى ابن عباس به.

قلت: وهذه الأحاديث تدل على أن تقديم: «مسح الكفين» على «مسح الوجه» غير محفوظ في الحديث.

وكذلك يعل حديث عمار بن ياسر:

قوله تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم[  [النساء: 43].

     وقوله تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[؛  [المائدة: 6].

قال الحافظ ابن عبدالبر / في «التمهيد» (ج19 ص287): (وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار t فمضطرب مختلف فيه). اهـ

وقال الإمام أحمد /: (رواية: أبي معاوية عن الأعمش في تقديم: «مسح الكفين على الوجه» غلط) ([17]).

الوهم الثاني: قوله: (إن أبا موسى الأشعري t هو: القائل لعبدالله بن مسعود t: «إنما كرهتم هذا لهذا؟، قال: نعم).

وقد جاء مصرحا في رواية: أبي داود في «سننه» (321)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص264)، والدارقطني في «السنن» (ج1 ص179)، ولفظه: (فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم). ولم يذكر مسلم في «صحيحه» (368) هذه العبارة.

وخالفه: يعلى بن عبيد، والوليد بن القاسم الهمداني، وحفص بن غياث، وعبدالواحد بن زياد؛ فقالوا: «أن السائل هو الأعمش، والمسئول: هو أبو وائل شقيق بن سلمة».

ولفظهم: (قال الأعمش: فقلت لشقيق: فما كرهه إلا لهذا).

وفي رواية: (قال الأعمش: فقلت لشقيق: أما كان لعبدالله: غير ذلك؟ قال: لا).

أي: أن حجة ابن مسعود t في عدم التيمم لمن لم يجد الماء خشيت أن يترخص الناس إذا برد عليهم الماء يبادرون إلى التيمم.

وهذا الحديث:

أخرجه البخاري في «صحيحه» (346)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص265)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (875)، وابن حبان في «صحيحه» (1304)، و(1307)، وابن عبدالبر في «التمهيد» (ج19 ص272)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (ج1 ص99)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص691)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح» (ج1 ص296).

قال الحافظ ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص89 و90): (وفي حديث: أبي معاوية الذي خرجه البخاري، هاهنا: شيئان أنكرا على أبي معاوية:

أحدهما: ذكره «مسح الوجه» بعد: «مسح الكفين»؛ فإنه قال: (ثم مسح وجهه).

وقد اختلف في هذه اللفظة على أبي معاوية، وليست هي في رواية مسلم... فاختلف على أبي معاوية في ذكر: «مسح الوجه»، وعطفه: هل هو «بالواو»، أو بلفظ: «ثم».

الثاني: أنه ذكر أن أبا موسى هو القائل: لابن مسعود: (إنما كرهتم هذا لهذا، فقال ابن مسعود: نعم). وقد صرح بهذا في رواية: أبي داود عن الأنباري.

وإنما روى أصحاب الأعمش، منهم: حفص بن غياث، ويعلى بن عبيد، وعبد الواحد بن زياد: أن السائل هو الأعمش، والمسئول: هو شقيق أبو وائل).اهـ

وقال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص456): (قلت: وإنما كرهتم هذا لهذا، قائل ذلك هو: شقيق، قاله: الكرماني، وليس كما قال، بل هو الأعمش، والمقول له: شقيق، كما صرح بذلك في رواية: حفص التي قبل هذه).اهـ

الوهم الثالث: ذكر احتجاج: أبي موسى الأشعري t للآية أولا، ثم احتج بحديث: عمار بن ياسر t؛ لعمر بن الخطاب t.

وفي رواية: يعلى بن عبيد، والوليد بن القاسم، وحفص بن غياث، وعبدالواحد بن زياد: (أن الاحتجاج بحديث: عمار بن ياسر t أولا، ثم إن ابن مسعود t لما قال له: ألم تر عمر t لم يقنع بذلك؟، فقال له أبو موسى t: فدعنا من قول عمار، فكيف نصنع بهذه الآية؟، فاحتج أبو موسى t بالآية).

وهذا الحديث: أخرجه البخاري في «صحيحه» (346)، وأحمد في «المسند» (ج4 ص265)، وابن حبان في «صحيحه» (1304)، و(1305)، و(1307)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (875).

قال الحافظ ابن حجر / في «فتح الباري» (ج1 ص456): (ظاهره أن ذكر أبي موسى لقصة: عمار متأخر عن احتجاجه بالآية، وفي رواية: حفص الماضية احتجاجه بالآية متأخر عن احتجاجه بحديث: عمار.

ورواية: حفص أرجح، لأن فيها زيادة تدل على ضبط ذلك وهي قوله: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟).اهـ

الخلاصة:

وهم أبو معاوية في هذا الحديث في ثلاثة مواضع:

الأول: تقديمه، لـ «مسح الكفين» على «مسح الوجه» في التيمم.

الثاني: أن أبا موسى الأشعري t: هو القائل: لابن مسعود t: (إنما كرهتم هذا لهذا).

والصحيح: أن الأعمش هو: القائل ذلك؛ لشقيق بن سلمة.

الثالث: أن أبا موسى الأشعري t حاج: ابن مسعود t بالآية أولا، ثم بحديث عمار t.

والصحيح: عكس ذلك؛ أي: أن الاحتجاج بحديث: عمار أولا، ثم احتج أبو موسى بالآية.

 

                                               والله ولي التوفيق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة......................................................................................................

2

2)

ذكر الدليل على إعلال حديث التيمم في تقديم: «مسح الكفين على مسح الوجه»،  والصحيح بتقديم: «مسح الوجه على مسح الكفين»................................................................................

4

 



([1]) انظر: «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص162).

([2]) كذلك مخالف لأصول الآية في تقديم: «مسح الوجه على مسح الكفين» في التيمم؛ في قوله تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم [؛  [النساء: 43].

     وقوله تعالى: ]فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[؛  [المائدة: 6].

([3]) تمرغت: تقلبت.

([4]) (ثم مسح بها وجهه): الظاهر أن المراد بـ (ثم) هنا الجمع، وليس الترتيب، لما دلت عليه الروايات الأخرى.

([5]) هذه الرواية: عند البخاري في «صحيحه» معلقة هكذا(ج1 ص133).

([6]) وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (ج25 ص123)، و«تاريخ بغداد» للخطيب (ج5 ص244)، و«الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج6 ص398)، و«الثقات» لابن حبان (ج7 ص442)، و«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (136)، و«التاريخ» لأبي زرعة الدمشقي (ج1 ص203)، و«العلل» لأحمد (ج1 ص362 و378 و512).

([7]) رواية: ابن نمير، ويحيى بن يحيى، وابن أبي شيبة: بـ(كفيه ووجهه).

     أخرجها مسلم في «صحيحه» (1368)، وغيره.

     ورواية: اسحاق بن راهويه: (وجهه وكفيه).

     أخرجها السراج في «المسند» (6)، و(7)، وفي «حديثه» (2573)، وغيره.

     ورواية: محمد بن العلاء: (على كفيه ووجهه).

     أخرجها النسائي في «السنن الكبرى» (304)، وفي «المجتبى» (320)، وغيره.

     ورواية: يوسف بن موسى: (وجهك وكفيك).

     أخرجها ابن خزيمة في «صحيحه» (270)، وغيره.

     ورواية: سلم بن جنادة: (ومسح بهما وجهه، ومسح كفيه).

     أخرجها الطبري في «جامع البيان» (ج7 ص92).

     ورواية: علي بن حرب: (مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، ووجهه).

     أخرجها أبو عوانة في «المسند الصحيح» (878).

([8]) فالإمام أحمد أعرف بحديث: أبي معاوية، لحديث الأعمش، فهو من شيوخ الإمام أحمد، وقد روى عنه هذا الحديث خاصة.

([9]) أثر صحيح

     أخرجه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (ج1 ص230 و231).

     وإسناده صحيح.

([10]) وحديث حفص بن غياث: أخرجه البخاري في «صحيحه» (346)، مختصرا، وليس فيه ذكر كيفية التيمم.

([11]) وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (ج2 ص87).

([12]) أخرجه الترمذي في «السنن» (ج1 ص181).

([13]) نقله عنه ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص61).

([14])وقد روي هذا الحديث؛ بلفظ: (التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين)، وهو معلول، لا يصح.

وانظر: «إرواء الغليل» للشيخ الألباني (ج1 ص185).

([15]) وانظر: «الكنى» للبخاري (ج8 ص20)، و«الإكمال» لابن ماكولا (ج7 ص28)، و«تكملة الإكمال» لابن نقطة (ج3 ص621)، و«تهذيب التهذيب» لابن حجر (ج12 ص61)، و«الأسامي والكنى» لأبي أحمد الحاكم (ج3 ص191).

([16]) وانظر: «تقييد المهمل» للغساني (ص546)، و«المعلم» للمازري (ج1 ص257)، و«المنهاج» للنووي (ج4 ص163)، و«مختصر سنن أبي داود» للمنذري (ج1 ص204)، و«التقييد والإيضاح» للعراقي (ص36).

([17]) نقله عنه ابن رجب / في «فتح الباري» (ج2 ص91)؛ رواية: ابن عبدة.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan