القائمة الرئيسة
الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء فيه: بيان شذوذ زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»

2023-12-08

صورة 1
جزء فيه: بيان شذوذ زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»

                سلسلة

      ينابيع الآبار في تخريج الآثار

 

                                                                                              

 

47

 

 

                                                                                              

 

 

جزء فيه:

بيان شذوذ

زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»

 

 

 

تأليف

فضيلة الشيخ المحدث الفقيه

أبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله الحميدي الأثري

حفظه الله ورعاه

 

    

المقدمة

 

الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله، وصحبه ومن اهتدى بهداه، إلى يوم الدين.

أما بعد،

فإن علم العلل: هو أدق علوم الحديث، وأعمقها غورا، وأكثرها أهمية، وأصعبها تناولا.

* لما يترتب عليه من تدقيق في الألفاظ، وثبت في الأسانيد، وسعة في الطرق، والروايات، واطلاع في علوم عدة.

* وهذا العلم لا يخوضه؛ إلا من علا في الفهم كعبه، واتسعت رقعة معارفه، ودرايته، إذ القاصر فيه مخبط، والناقص فيه مخلط.

* أما الناقد المعلل؛ فهو كالصيرفي في نقده المغشوش من الذهب؛ قياسا على ما عنده من صفوة.

قال الحافظ ابن حجر / في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (ج2 ص711): (وهذا الفن أغمض أنواع الحديث، وأدقها مسلكا، ولا يقوم به، إلا من منحه الله تعالى: فهما غائصا، واطلاعا حاويا، وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة.

* ولذلك لم يتكلم فيه، إلا أفراد من أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك؛ لما جعل الله لهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه؛ دون غيرهم: ممن لم يمارس ذلك). اهـ

* وهذا الكتاب: الذي نقدمه اليوم؛ لطلبة العلم، محققا: في كيفية إعلال الإمام مسلم /، لحديث: «أفلح وأبيه إن صدق» في «المسند الصحيح» (2548)؛ وهذا يبين جهود الإمام مسلم /، في حفظ السنة النبوية، والحرص على كشف ضعف أسانيدها، ومتونها.

* فأهل الحديث؛ فإنهم: يعلمون يقينا، أن مثل هذا الكتاب، له أهمية في العلم، لما حواه من نفائس، ودرر، يقصر دونها، كثير من أدعياء العلم، ومنتسبي المشيخة المزعومة، فلا هم فهموها، ولا أرادوا لأتباعهم الرهبان، حقا: أن يفهموها، فخابوا كلهم: وخسروا الدنيا والآخرة.

هذا: وأسأل الله أن يرزقني الإخلاص، والصواب، وأن ينفع بهذا الكتاب.

وصلى الله: وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

 

                                                                                               كتبه

أبو عبد الرحمن الأثري  

 

 

    

ذكر الدليل

على ضعف زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»، ولم تثبت في الحديث عن طلحة بن عبيد الله t قال: قال رسول الله r؛ للأعرابي: (أفلح وأبيه إن صدق)

 

قد جاء في حديث طلحة بن عبيد الله t، أن النبي r: قال للأعرابي الذي سأله، عن أحكام الإسلام، فأخبره، فقال r: (أفلح وأبيه، إن صدق).

حديث معلول: بلفظ: «وأبيه»

أخرجه مسلم في «المسند الصحيح» (2548) من طريق يحيى بن أيوب، وقتيبة، كلاهما: عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله t به.

قلت: ومراد الحافظ مسلم في ذكره للفظ: «أفلح وأبيه»، ليعله بما قبله، وبما بعده.

* وقد أعله الحافظ مسلم /، بما قبله، فذكر، الرواية القوية، بدون: «أفلح وأبيه إن صدق»، بل صح عنده؛ بلفظ: «أفلح إن صدق»، بدون: «وأبيه».

* فقدم الحديث: الذي في غاية الصحة، من رواية: مالك بن أنس بلفظ: «أفلح إن صدق»، ثم بعد ذلك ذكر الحديث المعلول بلفظ: «أفلح وأبيه إن صدق».

* فالحافظ مسلم: كما التزم بالصحة في: «المسند الصحيح»، أيضا: التزم، بذكر: «العلل» في موضعها من الأبواب من كتابه.

* وغرضه تعليله فيما يظهر، ويظهر جدا من سوقه للأسانيد والمتون، لأن غرضه كان بيان ما فيها من علل.

قال الحافظ مسلم / في «المسند الصحيح» (ج1 ص40): حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي، عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن أبي سهيل، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله، يقول: (جاء رجل إلى رسول الله r من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول حتى دنا من رسول الله r، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله r: خمس صلوات في اليوم، والليلة، فقال: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل علي غيره؟، فقال r: لا، إلا أن تطوع، وذكر له رسول الله r الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟، قال r: لا، إلا أن تطوع، قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: والله، لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه، فقال رسول الله r: أفلح إن صدق).

* ثم ذكر اللفظ الثاني في الحديث، ليعله بالحديث الذي قبله.

فقال الحافظ مسلم / في «المسند الصحيح» (ج1 ص40): حدثني يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، جميعا: عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله، عن النبي r: بهذا الحديث، نحو حديث مالك، غير أنه قال: (فقال رسول الله r: أفلح، وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق).

* فالحديث الأول: كان عنده أصح لديه في هذا الباب؛ بلفظ: «أفلح إن صدق».

من رواية: مالك بن أنس.

* ثم خرج الحديث الثاني، ليبين إعلاله للحديث؛ بلفظ: «أفلح وأبيه، إن صدق»، برواية: إسماعيل بن جعفر المدني.

* فالحديث: المحفوظ، هو: «أفلح إن صدق»، من رواية: مالك بن أنس.

* وهذا أولى من رواية، من روى؛ بلفظ: «أفلح وأبيه»، لأنها رواية، منكرة، تردها الأحاديث الصحاح، ولم تقع: في رواية: مالك بن أنس، أصلا. ([1])

* ومالك بن أنس: أحفظ، وأثبت، في الحديث، من إسماعيل بن جعفر المدني.([2])

وقد وافق إسماعيل بن جعفر المدني، لمالك بن أنس؛ بعدم ذكره لزيادة: «أفلح وأبيه، إن صدق»، في موضعين: من رواية: أبي عمر الدوري، وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز، عند ابن نصر في «الوتر» (ص270 و271)، فذكرها بلفظ: «أفلح، إن كان صدق، أو دخل الجنة إن كان صدق».

وهذا يؤكد: إن إسماعيل بن جعفر المدني، لم يضبط هذا اللفظ من الحديث.

* وقد ضبطه مالك بن أنس.

* وأخطأ: إسماعيل بن جعفر المدني، فيه: مرتين، مرة: بزيادة: «وأبيه»، ومرة: بالشك: «أفلح وأبيه، إن صدق، دخل الجنة وأبيه؛ إن صدق»، ورد هكذا: بالشك.

* والمحفوظ: في حديث: أبي سهيل نافع بن مالك، من رواية: مالك بن أنس، بدون هذه الزيادة بلفظ: «أفلح إن صدق».

لذلك: فإن الحافظ مسلما، قد أشار إلى إعلال: هذه الزيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»، التي خالف فيها، إسماعيل بن جعفر المدني، من هو أوثق منه، وأضبط للحديث.

فأتبع الحافظ مسلم: رواية مالك بن أنس، بعد أن ساق لفظها: «أفلح إن صدق»، برواية: إسماعيل بن جعفر المدني؛ فلم يسق لفظها، تماما، وإنما أشار لموضع المخالفة منها مختصرا، وهي: «أفلح وأبيه إن صدق، ودخل الجنة وأبيه إن صدق».

* ثم أردف بعد هذه الرواية، رواية: سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك t؛ بلفظ: «لئن صدق ليدخلن الجنة» للتأكيد بشذوذ: زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق».

فقال الإمام مسلم / في «المسند الصحيح» (ج1 ص41): حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد، حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك t قال: (نهينا أن نسأل رسول الله r عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله، ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟، قال r: صدق، قال: فمن خلق السماء؟، قال r: الله، قال: فمن خلق الأرض؟، قال r: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال، وجعل فيها ما جعل؟، قال r: الله، قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟، قال r: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا، وليلتنا؟، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟، قال: صدق، قال: ثم ولى، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي r: لئن صدق ليدخلن الجنة).

قلت: فوجه إخراج مسلم، للحديث (11)، فإنه ليبين علته، من حديث إسماعيل بن جعفر المدني.

* ورواه بعد أن ذكر، حديث مالك بن أنس، وساق فقط الخلاف في حديث: إسماعيل بن جعفر المدني.

* وقد وعد الحافظ مسلم /، أنه سوف يعلل بعض الأحاديث، ويأتي بها في أبوابها، وهي معلولة. ([3])

* وقد جاء بها في مواضعها من الأبواب، من اختلافهم: في الأسانيد، أو المتون.([4]) 

* فذكر أنه سيذكر أخبارا معللة في مواضع من كتابه، سيبينها، ويشرحها؛ فمنها: أن يورد الحديث؛ بإسناد، ثم يذكر أسانيد له، مبينافيها الاختلاف في الرواية.

* إذا فلا غرابة، أن يعل الأئمة حديثا في «صحيح مسلم»، وذلك أن الإمام مسلما نفسه: أعل بعض الأحاديث بحسب ما ذكر في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص17)، وطبق ذلك التعليل في الأبواب من كتابه، والله المستعان.

قال الحافظ مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص17): (قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله، بعض ما يتوجه به، من أراد سبيل القوم، ووفق لها.

* وسنزيد إن شاء الله تعالى، شرحا، وإيضاحا، في مواضع من الكتاب، عند ذكر الأخبار المعللة، إذا أتينا عليها في الأماكن، التي يليق بها الشرح، والإيضاح، إن شاء الله تعالى). اهـ

* وما هذا إلا اعتراف بقصور البشر، ونقص علمهم، وعجر قدرتهم، فمن هنا كانت كتب أهل العلم، على مر العصور محلا: للنقد والتصحيح، والمراجعة والتصويب.

* وقد ذكر الإمام مسلم / في كتابه، لعدد من علل الأحاديث، في عدة من الأبواب ([5])، وذلك لحماية الشريعة المطهرة، وصيانة السنة النبوية، أن يدخل فيها ما ليس منها، وهذا يعرفه من أتي فهما في أصول الحديث، وتخريجه، وعلله.

وقد أشار الإمام مسلم / إلى هذه العلل في «صحيحه» في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8)؛ فقال /: (وسنزيد، إن شاء الله تعالى، شرحا، وإيضاحا في مواضع من الكتاب، عند ذكر الأخبار المعللة، إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح، والإيضاح). اهـ

قلت: وهذا صريح في أنه يورد في «صحيحه» أحاديث معللة؛ أي: ضعيفة، يبين ضعفها في أبوابها.

* فهل نصدق الإمام مسلما، أم نصدق المقلدة المتعصبة في علل الأحاديث في «صحيحه».

قلت: وهذا التعليل من الإمام مسلم /، لا يعرفه، إلا أهل الشأن، ولا يفهم هذا المأخذ الدقيق، إلا أهل الحديث في كل زمان.

* فكتاب الإمام مسلم /، جمع فيه الأحاديث الصحيحة، وذكر أحاديث ذات علل خفية؛ بقصد إعلالها، لا يدركها؛ إلا المتأمل لها من أهل الحديث، العارف بطريقته في كتابه.

وقد أشار الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص47)؛ إلى أنه يورد أخبارا معللة في «صحيحه» ليبين أنها منتقدة.

* وهناك أحاديث سكت عنها، وربما ضعفها في مواضع أخر، وما ذاك إلا لاشتهار عللها عند أهل الصنعة، فلا يصح والحالة هذه أن ينسب إليه تقوية الحديث، بمجرد ذكره في كتابه، لأنه سكت عنه بحسب شهرته، ونكارته، وعلته([6])، عند أهل الشأن.

* فالإمام مسلم /، كما التزم بالصحة في «صحيحه»، أيضا التزامه بذكره العلل في موضعها ([7])، وقد واعد بذلك في: «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8).

* وقد ذكر القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج1 ص105)؛ أن الإمام مسلما، ذكر العلل في الأبواب([8]) من: «صحيحه»، مما يدل أن ليس كل حديث في كتابه: يحتج به في السنة، لأنه ذكر أحاديث ضعيفة، فلا بد من التمييز بين ما احتج بها على شرطه، وبين مالم يحتج به([9])، بل ذكرها للتعليل ليعرفها الناس، فيتركوها، ولا يحتج بها.

* وقد بين الإمام مسلم لهم ذلك.

فقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8): (فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثا، فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة، والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة، مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة). اهـ

* والقوم ينشرون الأحاديث المعللة بين العوام، ثم يقولون أن هذه الأحاديث أخرجها الإمام مسلم في «صحيحه»!، وهي ليست كذلك، بل هي خرجت من أكياسهم.

* ولقد بين الإمام مسلم حال هذا الصنف من الناس.

فقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8): (ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة؛ بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها). اهـ

وقال الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8): (وكذلك: من الغالب على حديثه المنكر، أو الغلط، أمسكنا أيضا عن حديثهم، وعلامة المنكر في حديث المحدث، إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره، من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث، غير مقبوله، ولا مستعمله).اهـ

وقال الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي / في «مقدمة الإلزامات والتتبع» (ص13): (وأما مسلم /، فقد صرح في أول: «صحيحه»، أنه سيذكر بعض الأحاديث؛ ليبين علتها). اهـ

قلت: وهذا يظهر أن الإمام مسلما، أورده لبيان الاختلاف في الحديث؛ متنا، وسندا، وبيان العلل التي في الحديث، كما هي عادته في «صحيحه»، في عدد من الأبواب، وهو الصواب. ([10])

* وقد نبه الإمام مسلم / في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص8)؛ على مثل هذه العلل، وقد وفى بذلك، كما هو واضح في هذا الحديث، وغيره من الروايات.

قال الحافظ الرشيد العطار / في «غرر الفوائد» (ص512): (وإنما أورده مسلم: من الوجهين المذكورين عن أيوب، لينبه على الاختلاف عليه في إسناده). اهـ

وقال القاضي عياض / في «إكمال المعلم» (ج5 ص369): (وقد أدخل هذه الآثار كلها مسلم: وأرى مسلما، أدخل هذه الروايات، ليبين الخلاف فيها.

وهي وشبهها: عندي من العلل التي وعد بذكرها في مواضعها.

وظن ظانون: أنه يأتي بها مفردة، فقالوا: توفى قبل تأليفها).اهـ

قلت: ويظن المقلدة، أن سكوت الإمام البخاري، والإمام مسلم عن عدد من الأحاديث الموجودة في صحيحيهما([11])، هو من الإقرار على صحتها كلها، وهذا قصور في العلم([12])، والفهم معا.

* فلا يجوز للباحث أن ينسب إلى الإمام البخاري: أنه احتج بهذا الحديث في «صحيحه»، أو أورده في كتابه على جهة الاحتجاج به([13])، لأن الاحتجاج معنى أوسع من تقوية الحديث، أو الإسناد بغيره. ([14])

* فلذلك لا بد من جمع الأحاديث، حتى يتبين المعلول منها، لأن العجلة في هذا الشأن تقتضي نسبة قول إلى عالم لم يقله، وتصحيح حديث لم يصححه، والافتيات عليه في هذا الباب ليس بالأمر الهين في الدين.

قلت: فالإمام مسلم /؛ التزم بالصحة في «صحيحه»، مع التزامه أيضا، بذكر العلل، واختلاف الأسانيد في موضعها. ([15])

قال الإمام النووي / في «المنهاج» (ج1 ص175)؛ عن العلل التي في كتاب الإمام مسلم: (ذكرها في أبوابه، من هذا الكتاب الموجود، وقد تقدم بيان هذا واضحا في الفصول). اهـ

* واعلم أنك لا تعلم؛ معنى: أصول الحديث على وجه التفصيل والإجمال، قبل معرفة علم العلل والتخريج، الذي هو أصل هذا العلم، لأن إدراك العقول، لهذا الشأن لا يكون، إلا على هذا الأصل. ([16])

قلت: ومن عادة الإمام مسلم / أيضا في «صحيحه»، أنه: عند سياق الروايات المتفقة في الجملة، يقدم الأصح، فالأصح، فقد تقع الرواية المؤخرة في الإجمال، أو في الخطأ، ليبين الرواية المقدمة.

قال العلامة الشيخ المعلمي / في «الأنوار الكاشفة» (ص230): (من عادة مسلم في «صحيحه»، أنه: عند سياق الروايات المتفقة في الجملة، يقدم الأصح، فالأصح، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال، أو خطأ، تبينه الرواية المقدمة في ذاك الموضع). اهـ

وقال العلامة الشيخ المعلمي / في «الأنوار الكاشفة» (ص29): (عادة مسلم، أن يرتب روايات الحديث، بحسب قوتها: يقدم الأصح، فالأصح). اهـ

قلت: فمن عادة الإمام مسلم / أحيانا، أن يرتب الروايات في كل باب، بحسب صحتها، فيبدأ، بأصح العبارات: لفظا وسندا، ثم يتبعها بالروايات الأخرى التي تشهد لها.

* وقد تكون تلك الشواهد صحيحة، لكن من مخارج أخرى؛ كـ«اختلاف الصحابي»، أو تكون حسنة الإسناد؛ كـ«رواية اللين»، أو تكون ضعيفة؛ ذكرها الإمام مسلم للتنبيه عليها، وأحيانا يذكر الإسناد فقط، ويقول: بـ«نحوه»، ويكون هناك اختلاف في اللفظ، أو يكون هناك اختصار، وإجمال، لكن تبينه الرواية المتقدمة الصحيحة.

* إذا: لم يصح الحديث؛ بلفظ: «أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق».([17])

* وبهذا اللفظ: أخرجه أبو داود في «سننه» (ج1 ص292) من طريق سليمان بن داود الزهراني.

* وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (ج2 ص61)، وفي «المجتبى» (ج4 ص120 و121)، وابن خزيمة في «مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي r» (ج1 ص409 و410)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص280)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج16 ص158 و159) من طريق علي بن حجر المروزي.

* وأخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص105 و106)، وفي «معرفة الصحابة» (ج1 ص101)، وسفيان بن الحسن النسوي «الأربعين» (ص46 و47)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج25 ص54 و55) من طريق قتيبة بن سعيد البغلاني.

* وأخرجه ابن الأعرابي في «المعجم» (ج2 ص674) من طريق سعيد بن سليمان الواسطي.

* وأخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص105 و106)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج16 ص158 و159) من طريق يحيى بن أيوب المقابري.

* وأخرجه ابن المقرئ في «الأربعين» (27) من طريق أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ.

* وأخرجه الدارمي في «المسند» (ج2 ص986) من طريق يحيى بن حسان التنيسي.

* وأخرجه الشاشي في «المسند» (ج1 ص79)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج2 ص466) من طريق داود بن رشيد.

* وأخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج2 ص292) من طريق حجاج بن إبراهيم الأزرق.

* وأخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص105 و106)، وابن الأعرابي في «المعجم» (ج2 ص674)، وابن بشران في «البشرانيات» (ص282) من طريق عاصم بن علي بن عاصم.

* وأخرجه علي بن حجر السعدي في «الحجريات» (ص516)؛ جميعهم: عن إسماعيل بن جعفر المدني، عن أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله التيمي t، أن أعرابيا جاء إلى رسول الله r؛ فذكر الحديث، وقال في آخره: (أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق).

حديث شاذ؛ بهذه: الزيادة.

* ومدار الحديث، على إسماعيل بن جعفر المدني، وقد أخطأ في ذكره؛ لزيادة: «أفلح وأبيه إن صدق... »، وهي غير محفوظة.

قلت: وما من ثقة، إلا يهم ويغلط، حتى شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وغيرهما، وليس من شرط الثقة أن لا يهم.

* وقد أعل: زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»، الحافظ ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج25 ص55 و56)؛ حيث، ذكر حديث: «أفلح وأبيه إن صدق»، من حديث: إسماعيل بن جعفر المدني.

* ثم أعله، بحديث: مالك بن أنس، بلفظ: «أفلح إن صدق».

* والرواية المحفوظة: هي رواية: مالك بن أنس، في حديث نافع  بن مالك الأصبحي، بدون هذه الزيادة، وهي: «أفلح وأبيه إن صدق»، وهي منكرة، لا تصح.

قال الشيخ الألباني / في «الضعيفة» (ج10 ص762): (لم ترد فيها تلك الزيادة: «وأبيه»، فدل ذلك على أنها زيادة شاذة، غير محفوظة). اهـ

* وقد خالف: إسماعيل بن جعفر المدني، بذكره هذه الزيادة، من هو أوثق منه، وأضبط في الحديث، وهو: مالك بن أنس.

* وقد شك أيضا: إسماعيل بن جعفر المدني، في الحديث، أنه روى: هاتين الجملتين بالشك: «أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق».

ورواه عنه: هكذا بالشك: قتيبة بن سعيد، ويحيى بن حسان، وعلي بن حجر، وأبو عمر الدوري، ويحيى بن أيوب، وعاصم بن علي.

* وأخطأ إسماعيل بن جعفر المدني، مرة: «وأبيه»، ومرة: بالشك؛ يعني: مرتين أخطأ.

وهذا مما يؤكد: أن إسماعيل بن جعفر المدني، لم يضبط الحديث، ولم يتابع على هذا الحديث.

* وقد ضبطه: مالك بن أنس، بلفظ: «أفلح إن صدق»، عند جميع الرواة الذين رووا عنه هذا الحديث.

قال الحافظابن عبد البر / في «التمهيد» (ج16 ص158): (هذا حديث صحيح: لم يختلف، في إسناده، ولا في متنه، إلا أن إسماعيل بن جعفر: رواه عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله t؛ إن أعرابيا جاء إلى رسول الله r... فذكر معناه سواء، وقال في آخره: «أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق»). اهـ

وقال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد» (ج14 ص367): (والحلف بالمخلوقات: كلها في حكم الحلف بالآباء، لا يجوز شيء من ذلك، فإن احتج محتج: بحديث، يروى عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك... قيل له: هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث، من حديث من يحتج به.

* وقد روى هذا الحديث: مالك، وغيره، عن أبي سهيل: لم يقولوا ذلك فيه.

* وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث، وفيه: «أفلح والله إن صدق، أو دخل الجنة والله إن صدق»، وهذا أولى من رواية، من روى: «وأبيه» لأنها لفظة: منكرة، تردها الآثار الصحاح). اهـ

وقال الشيخ الألباني / في «الضعيفة» (ج10 ص759): (إذا عرفت هذا؛ فقد تمهد لدينا، إمكانية ترجيح، رواية: مالك، على رواية: إسماعيل بن جعفر، بمرجحات ثلاثة:

الأول: أن مالكا أوثق من إسماعيل بن جعفر؛ فإن هذا -وإن كان ثقة-؛ فمالك أقوى منه، في ذلك وأحفظ.

الثاني: أن مالكا، لم تختلف الرواة عليه في ذلك؛ خلافا لإسماعيل بن جعفر؛ فمنهم: من رواه عنه؛ مثل: رواية؛ مالك.

الثالث: أنني وجدت، لروايته شاهدا، بل شواهد، خلافا: لرواية إسماعيل). اهـ

* فهو: حديث منكر، بهذه الزيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»، وهي غير محفوظة في الحديث.

قال الشيخ الألباني في «الضعيفة» (ج10 ص750): «منكر».

وأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (1891) من طريق قتيبة بن سعيد، عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله t به، بدون: زيادة: «وأبيه»، بل بلفظ: «أفلح إن صدق»، وهذا يدل أن الإمام البخاري يعل هذه الزيادة.

قال الشيخ الألباني / في «الضعيفة» (ج10 ص757): (فالبخاري، لم يذكر في روايته: عن قتيبة، تلك الزيادة). اهـ

وقال الشيخ الألباني / في «الضعيفة» (ج10 ص762): (وبالجملة: فهذه شواهد ثلاثة([18])؛ لحديث مالك بن أنس: من رواية أنس، وابن عباس، وأبي هريرة، لم ترد فيها تلك الزيادة: «وأبيه»، فدل ذلك على أنها: زيادة شاذة، غير محفوظة). اهـ

* إذا: المحفوظ، حديث: مالك بن أنس في «الموطأ» (ج1 ص248 و249)، وحديثه: أصح.

وأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح» (46)، و(2678)، ومسلم في «المسند الصحيح» (11)، وأبو داود في «سننه» (ج1 ص291)، والنسائي في «السنن الكبرى» (319)، و(2400)، وفي «المجتبى» (ج1 ص226 و227)، و(ج8 ص118)، والشافعي في «الأم» (ج2 ص150)، وفي «السنن المأثورة» (2)، وفي «الموطأ» (ص412)، وفي «الرسالة» (ج1 ص49)، وفي «المسند» (24)، و(234)، وأحمد في «المسند» (ج1 ص162)، وأبو عوانة في «المسند الصحيح» (ج1 ص348)، و(ج2 ص47)، وأبو مصعب الزهري في «الموطأ» (531)، وأبو القاسم البغوي في «حديث مصعب بن عبد الله الزبيري» (86)، وابن حبان في «المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع» (ج5 ص11)، والقعنبي في «الموطأ» (300)، وابن نصر في «تعظيم قدر الصلاة» (400)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (276)، والبزار في «المسند» (ج3 ص148)، وأبو نعيم في «المسند المستخرج على صحيح مسلم» (ج1 ص105)، وفي «معرفة الصحابة» (ج1 ص100)، وابن الجارود في «المنتقى في السنن المسندة» (144)، وابن زنجويه «الأموال» (1095)، والحدثاني في «الموطأ» (172)، والحداد في «جامع الصحيحين» (82)، وابن المنذر في «الأوسط» (ج2 ص317)، وفي «الإقناع» (15)، والشاشي في «المسند» (ج1 ص77 و78)، والحسن بن سفيان النسوي في «الأربعين» (3)، وابن الأعرابي في «المعجم» (1344)، والجوهري في «مسند الموطأ» (731)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (ج3 ص474 و475 و476)، والقشيري في «الأربعين» (180)، والبعلي في «الأربعين» (15)، وابن أبي شريح في «الأحاديث المائة الشريحية» (ق/119/ط)، والعلائي في «بغية الملتمس» (5)، وابن سيد الناس في «الأجوبة» (ق/83/ط)، والذهبي في «معجم الشيوخ» (ج2 ص131)، وابن المقير في «الأحاديث والفوائد» (ق/3/ط)، والحميدي في «جذوة المقتبس» (65)، والطائي في «الأربعين» (2)، وابن حجر في «الإمتاع» (6)، وفي «توالي التأنيس» (254)، والمؤيد الطوسي في «الأربعين» (5)، والروياني في «مسند الصحابة» (ج3 ص140)، وأبو بكر التوقاني في «حديثه» (ق/1/ط)، والسيوطي في «أحاديث منتقاة من الطبقات الكبرى» (ج2 ص411)، وابن حزم في «المحلى بالآثار» (ج2 ص228)، والبغوي في «شرح السنة» (ج1 ص65)، وأبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (428)، واللالكائي في «الاعتقاد» (ج4 ص834)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ج1 ص361)، و(ج2 ص8 و467)، وفي «السنن الصغير» (227)، وفي «الخلافيات» (1396)، وفي «معرفة السنن» (ج1 ص388 و390)، و(ج2 ص282)، وابن بكير في «الموطأ» (ج1 ص421 و422 و423)، وابن منده في «الإيمان» (ج1 ص278 و279)، والرافعي في «أخبار قزوين» (ج2 ص59)، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الشرعية الكبرى» (ج1 ص557)، وابن عبد البر في «التمهيد» (ج14 ص367)، وابن بشكوال في «غوامض الأسماء المبهمة» (ج1 ص55)، والخلعي في «الخلعيات» (682)، وابن الجوزي في «جامع المسانيد» (ج3 ص434)، وابن القاسم في «الموطأ» (267)، والقسطلاني في «إرشاد الساري» (ج1 ص228)، وابن أبي صفرة في «المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح» (ج1 ص179 و180)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ج25 ص54 و55 و56)، وابن الحاجب في «العوالي عن مالك بن أنس» (26)، وابن طرخان في «مشيخته» (95) من طريق إسحاق بن الحسن الحراني، وإسماعيل بن أبي أويس، وعبد الله بن وهب، وإسحاق بن عيسى الطباع، وعبد الله بن نافع، وعبد الله بن يونس التنيسي، وعبد الرحمن بن مهدي، ومطرف بن عبد الله، وقتيبة بن سعيد، ومعن بن عيسى القزاز، ويحيى بن يحيى الليثي، وغيرهم؛ جميعهم: عن مالك بن أنس، في «الموطأ» (ق /105/ط)، عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك الأصبحي، عن أبيه؛ أنه سمع طلحة بن عبيد الله t به؛ بلفظ: «أفلح إن صدق».

* فلم تصح زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق»، في هذا الحديث، وهي زيادة شاذة([19])، مخالفة: لما رواه الإمام مالك بن أنس. ([20])

* لم يذكرها البخاري، من رواية: مالك بن أنس، ومن رواية أيضا: إسماعيل بن جعفر المدني، مما يؤكد على شذوذها.

فأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «الصوم»، في باب: «وجوب صوم رمضان» (1891) من طريق قتيبة بن سعيد، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله: (أن أعرابيا جاء إلى رسول الله r ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال r: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا، فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال r: شهر رمضان؛ إلا أن تطوع شيئا، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله r شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا، فقال رسول الله r: أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق).

فرواه البخاري: من طريق إسماعيل بن جعفر المدني، ولم يذكر قوله: «وأبيه»، وهذا يدل على شذوذها أيضا من حديث: إسماعيل بن جعفر المدني، وأنه وافق مالك بن أنس في الحديث.

وأخرجه البخاري في «الجامع المسند الصحيح»، في كتاب: «الحيل»، في باب: «في الزكاة»، (6956) من طريق قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله t: (أن أعرابيا جاء إلى رسول الله r ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟، فقال r: الصلوات الخمس؛ إلا أن تطوع شيئا، فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الصيام؟، قال r: شهر رمضان؛ إلا أن تطوع شيئا، قال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟، قال: فأخبره رسول الله r شرائع الإسلام. قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئا، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله r: أفلح إن صدق، أو: دخل الجنة إن صدق).

قلت: فهذه الزيادة، ليست عند البخاري في «الجامع المسند الصحيح».

* لذلك: استنكرت هذه الزيادة، من الحديث، وهي منكرة.

وخلاصة القول:

أخرج مسلم في «صحيحه» (11)، هذا الحديث، من طريق إسماعيل بن جعفر المدني، وفيه؛ أن النبي r قال: «أفلح وأبيه إن صدق»، من طريق يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد؛ جميعا، عن إسماعيل بن جعفر المدني، عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله t به.

قلت: وهذا إسناد، رجاله: كلهم، ثقات، رجال الشيخين، غير يحيى بن أيوب، فهو من رجال مسلم.

* وقد توبع:

فأخرجه أبو داود (392)، و(3252) من طريق سليمان بن داود العتكي.

وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (135) من طريق سعيد بن سليمان.

وأخرجه الطحاوي في «بيان مشكل أحاديث رسول الله r» (ج2 ص292) من طريق حجاج بن إبراهيم.

وأخرجه ابن خزيمة في «مختصر المختصر من المسند الصحيح» (306) من طريق علي بن حجر.

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (ج4 ص201) من طريق عاصم بن علي.

وأخرجه أبو نعيم في «المسند المستخرج» (90) من طريق أبي الربيع سليمان بن داود، وقتيبة بن سعيد، وعاصم بن علي، ويحيى بن أيوب.

وأخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج6 ص158) من طريق يحيى بن أيوب، وعلي بن حجر.

وأخرجه الدارمي في «المسند» (1578) من طريق يحيى بن حسان، وغيرهم: كلهم، عن إسماعيل بن جعفر المدني به بلفظ: (أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق)، وفي رواية: (ودخل الجنة)، بحذف «أو»، عند أبي داود.

هكذا: قال إسماعيل بن جعفر المدني، عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله t به.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (1891)، و(6956) من طريق قتيبة بن سعيد.

وأخرجه النسائي في «المجتبى» (ج4 ص120) من طريق علي بن حجر، كلاهما: عن إسماعيل بن جعفر المدني به، وفيه قوله: «أفلح إن صدق».

* فحذف البخاري، عمدا([21])، كلمة: «وأبيه»، وتبعه النسائي، مع أن قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، يروونها: عن إسماعيل بن جعفر المدني،بإثباتها.

* وخالفه: مالك بن أنس، فرواه عن أبي سهيل، بهذا الإسناد، فقال فيه: (أفلح إن صدق).

ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «صحيحه» (46)، و(2678)، ومسلم في «صحيحه» (11)، وأبو داود في «السنن» (391)، وغيرهم.

* وهم: إسماعيل بن جعفر، في قوله: «أفلح وأبيه إن صدق».

والصحيح: هو ما رواه مالك بن أنس، وفيه قال: «أفلح إن صدق».

* وأذكر هذا للاعتضاد، في حديث جابر بن زيد الأزدي:

فرواه أبو عبيدة: مسلم بن أبي كريمة التميمي، عن جابر بن زيد الأزدي قال: بلغني عن طلحة بن عبيد الله t: فذكر الحديث، وفيه، قال رسول الله r: (أفلح إن صدق). ([22])

* وكذلك: إسماعيل بن جعفر المدني، رواه على الشك، عند الأكثر، فقال: (أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق).

قال الحافظ ابن عبد البر / في «التمهيد» (ج14 ص367)؛ عن زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»: (هذه لفظة، غير محفوظة، في هذا الحديث، من حديث: من يحتج به، ثم ذكر لفظ: «أفلح والله إن صدق»؛ وقال: وهذا أولى من رواية: من روى: «وأبيه»، لأنها لفظة: منكرة، تردها الآثار الصحاح). اهـ

قلت: وأما ما ذهب إليه عدد من أهل العلم، من تأويل هذه اللفظة، فلا حاجة له، إذ لم يصح عن النبي r. ([23]) 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

فهرس الموضوعات

الرقم

الموضوع

الصفحة

1)

المقدمة.....................................................................................................

2

2)

ذكر الدليل على ضعف زيادة: «أفلح وأبيه إن صدق»، ولم تثبت في الحديث عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله؛ للأعرابي: (أفلح وأبيه إن صدق)............................................................................

4

 

 

 



([1]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج14 ص367)، و«الضعيفة» للشيخ الألباني (ج10 ص762).

([2]) انظر: «الضعيفة» للشيخ الألباني (ج10 ص759).

([3]) انظر: «مقدمة الصحيح» لمسلم (ج1 ص18).

([4]) انظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص86 و87).

([5]) ومع ذلك: اعتمد المقلدة على ما يورده الإمام مسلم / في كتابه من الأحاديث، في حيز الاحتجاج بها، وهي معلولة عنده في أصوله!.

     * بل وينسبون إليه تقوية الأحاديث بمجرد إخراجها في كتابه، مع أنه عند البحث، والتحقيق فيها، لا تثبت هذه الأحاديث على شرطه في «الصحيح»، فتنبه.

([6]) وهذا مما أدى اجتهاده في «صحيحه».

([7]) فإذا جاءت في ثنايا الأبواب بين عللها، على طريقة أئمة الجرح والتعديل، فعلمها من علم، وجهلها من جهل.

     يقول تعالى: ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ [الأنبياء: 7].

     ويقول تعالى: ]وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا [ [النساء:83].

([8]) وانظر: «المنهاج» للنووي (ج1 ص49 و50).

([9]) قال الإمام مسلم في «صحيحه» (ج1 ص4): (ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام، إلا بأن يوقفه على التمييز غيره). اهـ

([10]) وانظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص105)، و(ج5 ص369)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج5 ص607)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج5 ص607)، و«مقدمة الإلزامات والتتبع» للشيخ الوادعي (ص13)، و«التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص19)، و«مقارنة المرويات» للشيخ اللاحم (ج2 ص481).

([11]) بل المقلدة ينسبون إليه تقوية حديث بمجرد سكوت الإمام البخاري، أو الإمام مسلم عن الحديث، وإخراجهما للحديث في «الصحيح»، وهذا من الفهم الخاطئ، مع أنهما أشارا إلى علة الحديث، وهذا الجهل من هذا الباحث يحملهما ما لم يرد عنهما في كتابيهما.

([12]) وهذا مما ينبغي التنبيه عليه، والتيقظ له.

([13]) فالواجب تحرير المعنى المراد قبل نسبة الحكم إلى الإمام البخاري، وكذلك إلى الإمام مسلم.

     لأن الأحاديث، والأسانيد في «الصحيح»، تتفاوت في الصحة، والضبط، والإتقان.

([14]) فيكون الإمام البخاري نقد الحديث، وبين علته في «كتابه»، ولم يسكت عنه.

     لكن في باب آخر غير الذي وقف عليه الباحث، لم يذكر العلة فيه، لأمر ما.

([15]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص22)، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج1 ص105)، و«المنهاج» للنووي (ج1 ص175)، و«الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج» للسيوطي (ج1 ص92).

([16]) وانظر: «التعليق على صحيح مسلم» لشيخنا ابن عثيمين (ج1 ص37).

([17]) وانظر: «التمهيد» لابن عبد البر (ج14 ص367)، و«الضعيفة» للشيخ الألباني (ج10 ص762).

([18]) انظر: «الضعيفة» للشيخ الألباني (ج10 ص759 و760 و761 و762).

([19]) وقد أشار مسلم إلى إعلالها، كما سبق.

([20]) ولذلك: فلسنا بحاجة إلى تأويلها، وتكلف القول في معانيها.

     * وانظر: في تأويلها، «فتح الباري» (ج1 ص107)، و«المنهاج» للنووي (ج1 ص168)، و(ج11 ص105)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج10 ص29)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص19)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج1 ص363)، و(ج9 ص124).

([21]) وإنما حذفها البخاري؛ لعلمه: أنها، وهم.

([22]) أخرجه الربيع بن حبيب البصري في «المسند» (55).

([23]) انظر: «المنهاج» للنووي (ج1 ص168)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص107)، و«طرح التثريب» للعراقي (ج7 ص134 و135)، و«السنن الكبرى» للبيهقي (ج10 ص29)، و«التمهيد» لابن عبد البر (ج16 ص158)، و«بيان مشكل أحاديث رسول الله r» للطحاوي (ج2 ص294)، و«عون المعبود» للآبادي (ج2 ص40).


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan