الرئيسية / سلسلة ينابيع الآبار في تخريج الآثار / جزء في تخريج أثر: ((عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة)) وبيان: أن طريقة أهل الضلال في الدين؛ ترك الاحتجاج بالإجماع إذا خالف أهواءهم، واللجؤ إلى اختلاف العلماء؛ لأنه يوافق ضلالاتهم!
جزء في تخريج أثر: ((عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة)) وبيان: أن طريقة أهل الضلال في الدين؛ ترك الاحتجاج بالإجماع إذا خالف أهواءهم، واللجؤ إلى اختلاف العلماء؛ لأنه يوافق ضلالاتهم!
جزء
في تخريج أثر: ((عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام على تكفير تارك الصلاة))
وبيان:
أن طريقة أهل الضلال في الدين؛ ترك الاحتجاج
بالإجماع إذا خالف أهواءهم، واللجؤ إلى
اختلاف العلماء؛ لأنه يوافق
ضلالاتهم!
تأليف
فضيلة الشيخ فوزي بن عبدالله بن محمد الحميدي الأثري
ومعه:
قمع المدخلي المرجئ المعاند في تعديه على إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، واحتجاجه باختلاف العلماء من بعدهم! والإختلاف
في الدين ليس بحجة بإجماع العلماء!
بسم الله الرحمن الرحيم
الله ناصر كل صابر
درة نادرة
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج11 ص234): (الصدع بالحق عظيم يحتاج إلى قوة وإخلاص، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به، والقوى بلا إخلاص يحذل، فمن قام بهما كاملا فهو صديق، ومن ضعف فلا أقل من التألم، والإنكار بالقلب، ليس وراء ذلك إيمان!، فلا قوة إلا بالله). اهـ
قال تعالى : ] فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين [ [الحجر:94].
قلت: فالصدع بالحق على المخالفين عظيم يحتاج إلى علم، وإخلاص، بل يحتاج إلى صبر، واستمرار، وثبات، لأنه أمانة عظيمة.
وربيع هذا لا يستطيع أن يتحمل أمانة الصدع بالحق، لأنه لا يستطيع أن يصبر، ويستمر، ويثبت ([1]) على ذلك؛ لضعف علمه فلا قوة فيه، وضعف([2])عقله، وضعف جسمه([3]) أيضا.
لذلك عجز وخذل([4])بالقيام بهذه الأمانة العظيمة، وبسبب ذلك رجع إلى الاحتجاج بالاجتهادات الواهية، فسقط من عين علماء الحرمين والسنة، اللهم سلم سلم.
قلت: ومن اصطفى أحدا من الخلق لسيادة الأمة، لابد أن تكون فيه بسطة، وقوة في العلم، والجسم ومنه العقل، وإلا هلك وأهلك من اتبعه.([5])
قال تعالى: -عن اصطفائه طالوت لسيادة الملأ من نبي إسرائيل-: ]وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم [[الحجر:94].
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
الله عوني وبه توفيقي
إلماعة نادرة
قال إسحاق بن البهلول؛ قال: قلت ليزيد بن هارون: (أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا، قلت: أصلي خلف المرجئة ؟، قال: إنهم لخبثاء([6])).
أثر صحيح
أخرجه عبدالله بن أحمد في ((السنة)) (58)، والخلال في ((السنة)) (1699).
وإسناده صحيح.
وقال سلام بن أبي مطيع رحمه الله: (لئن ألقى الله بصحيفة الحجاج أحب ألي من أن ألقى الله بصحيفة عمرو بن عبيد).
أثر صحيح
أخرجه أبو عبيد الآجري في ((سؤالاته)) (ص137).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في ((تهذيب الكمال)) (ج12 ص300)، وابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (ج4 ص252).
قلت: لأن الحجاج بن يوسف الثقفي ظلم الدين من أجل دنياه، وعمرو بن عبيد المعتزلي ظلم الدين من أجل بدعته، فهذا أشد، والله المستعان.
قال الحافظ ابن عدي رحمه الله في ((الكامل)) (ج5 ص1763): (كان عمرو يغر الناس بتقشفه، وهو مذموم ضعيف الحديث جدا معلن بالبدع، وقد كفانا ما قاله فيه الناس([7])). اهـ
وقال الأوزاعي رحمه الله: (أول من تكلم في الإرجاء، رجل من أهل الكوفة، يقال له: قيس الماصر([8])).
أخرجه أبو عبيد الآجري في ((سؤالاته)) (ص33).
وإسناده صحيح.
وذكره المزي في ((تهذيب الكمال)) (ج21 ص486)، وابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (ج7 ص431).
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
طامة نادرة
لربيع المدخلي الحدادي
يرى صحة نقل عبدالله بن شقيق
لإجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة([9])!
في فتاويه البالية: (ج15 ص249)!، ثم ينقض ذلك بهواه، ويكذب في مقاله الأخير
لقد نقل ربيع الحدادي أثر عبدالله بن شقيق، وأقر على صحته([10])!، ولم يتعقبه بالتضعيف! في ((فتاويه البالية)) (ج15 ص249)؛ في الطبعة المعتمدة عنده، وهي المزعومة الشرعية الوحيدة!؛ التي طبعت بإذنه!، في سنة (1431ه).
وإليك الدليل:
فذكر ربيع الحدادي في ((فتاويه البالية)) (ج15 ص249): (السؤال: إذا كان الصحابة مجمعون على تكفير تارك الصلاة؛ فكيف يحق لمن بعدهم أن يحرفوا هذا الإجماع؟!.
الجواب: والله، يمكن لم يبلغهم الإجماع([11])، ويمكن ما فهموا من كلام عبدالله بن شقيق([12])أنه إجماع، ولهذا ما يحكي ابن تيمية إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، وإنما يحكي أن جمهورهم يكفر تارك الصلاة([13]).
هل عبدالله بن شقيق ذهب إلى الصحابة صحابيا صجابيا([14])؛ كلهم قال لهم هذا؟! هذه احتمالات بارك الله فيكم.
لو كان هذا الإجماع ينقل جيلا عن جيل مثل نقل الإجماع على وجوب الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فلن نجد أحدا يخالفه -إن شاء الله- من هؤلاء!). اهـ
قلت: وكلام ربيع هذا واضح في إقراره بصحة أثر عبدالله بن شقيق، فلماذا الآن يضعفه بهواه، بتقليده لمرجئة العصر في تضعيفهم للأثر، ثم إنه لم يأت بشئ جديد في تضعيفه للأثر، ويأتي الرد عليه إن شاء الله.
فمثل هذا التناقض؛ جدير بمثل هذا الكاتب؛ الذي هو ساقط بموازين الرجال، قبل سقوطه بموازين العلم، وذلك لكثرة كذبه، وتمويهه، وتدليسه، وتلونه، وضلاله، وغوايته، وعدائه لأهل السنة، وتهجمه على أعلامها، لقد أطال، وأكثر من الزخرفة والتمويه في الدين، فانظر إلى أي هوة سقط هذا الرجل، أبكذبه، وتضليله، وتلبيسه، أم بعظيم غفلته، وشدة حمقه، أم بضحالة عقله، واستفحال جهله!.
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
منكرة نادرة
في
تضعيف ربيع المدخلي لأثر عبدالله
بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام
في كفر تارك الصلاة
قال ربيع الحدادي في ((حداديته)) (ص2): (إن العلماء الذين استدلوا بأثر عبدالله بن شقيق لم يطلعوا على ما يدل على ضعفه سندا ومتنا([15])، ولو اطلعوا على ما يدل على ضعفه لما احتجوا به!). اهـ
وقال ربيع الحدادي في ((حداديته)) (ص17): (تقدم الكلام على ضعف أثر عبدالله بن شقيق إسنادا ومتنا!). اهـ
وقال ربيع المتعالم المغرور في ((تعالمه وغروره)) (ص22): (ضعف أثر عبدالله بن شقيق من جهة أخرى!). اهـ
وقال ربيع المتعالم المغرور في ((تعالمه وغروره)) (ص20): (وهذا مما يؤكد أن بشر بن المفضل لم يسمع من الجريري إلا بعد الاختلاط!). اهـ
وقال ربيع المتعالم المغرور في ((تعالمه وغروره)) (ص23): (ضعف الإسناد إلى عبدالله بن شقيق). اهـ
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الدليل على ضلالات
ربيع المدخلي الإرجائية في ((حداديته))،
و((تعالـمه وغروره))، وتخبطه وتخليطه في ((مسائل الإيمان))
فقد اطلعت على مقالات لربيع المرجئ؛ نشرها كعادته في ((شبكة خراب!)) تحت عنوان: ((حداديته))، وعنوان: (( تعلمه غروره))؛ يحاول في تلك المقالات جعل ((المرجئة)) من أهل السنة والجماعة في باب: ((الإيمان))، وقد وقع في متناقضات عجيبة، وخلط غريب، وخبط عجيب.
لذلك ينبغي التنبه لدسيسة خبيثة راجت عند الشباب على أيدي ((الفرقة الربيعية))([16]) الذي يتسمون بـ((أهل السنة))، صرفوا بها الشباب الذين يأتون نت جهتهم عن كتب السلف النافعة: ]وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون [ [الرخرف: 37].
وتلك الدسيسه هي قولهم؛ مثلا عن كتب السلفيين التي تتضمن بيان مذهب السلف الصالح في ((مسائل الإيمان))، والرد على ((المرجئة)) قديما وحديثا؛ يقولون: إن هذه الكتب على منهج ((الخوارج))!، فينبغي أن نتركها، ونشتغل بقراءة الكتب المعاصرة التي تكلمت عن ((مسائل الإيمان)) التي في ((شبكة سحاب)) وغيرها!
قال تعالى: ]قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ((103)) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [ [الكهف: 103-104].
قال فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((البيان)) (ص14): (فلا منافاة بين رد الباطل القديم، ورد الباطل الجديد؛ لئلا يغتر بهما، فالباطل يجب رده حيث كان قديمه وحديثه.
والله تعالى ذكر في القرآن ما كان عليه الكفرة السابقون، وما كان عليه الكفرة المتأخرون، ورد على الجميع). اهـ
قلت: فكتب أسلافنا أهل الحديث هي ذخيرتنا التي يجب أن نحافظ عليها، وأن نستفيد منها، ولا ننخدع بدسائس ربيع، والربيعيين الأعداء المغرضين الذين ساءهم ما في هذه الكتب من بيان الحق في ((مسائل الإيمان)) و((مسائل التكفير)) وغير ذلك، ورد باطلهم الذي ورثوه عن أسلافهم ((المرجئة))، فراحوا يثيرون الشبه حول كتب الأئمة.([17]) ([18])
لذلك حمل ربيع حملة شعواء على أهل السنة الذين يكفرون بترك العمل([19])، لأن هذا من نواقص الإسلام.
فوجه انتقاداته اللاذعة إلى تلك الاعتقادات السلفية، وتتلخص فيما يلي:
1) تضعيفه لأثر عبدالله بن شقيق في إجماع الصحابة الكرام في كفر تارك الصلاة!.([20])
2) رده لإجماع الصحابة الكرام في كفر تارك الصلاة!.([21])
3) لا يكفر تارك الصلاة على طريقة المرجئة، ليقرر عدم تكفير تارك جنس العمل بالكلية!.([22])
4) تشكيكه في صحة رواية: ((بشر بن المفضل)) عن الجريري!.([23])
5) تقريره أن بشر بن المفضل روى عن الجريري بعد الاختلاط!.([24])
6) تشكيكه في إجماع الصحابة الكرام!.([25])
7) عدم تكفيره لتارك الأعمال.([26])
8) رميه الشبهات على أحاديث الشفاعة لأهل التوحيد.([27])
9) ذكره اختلاف العلماء في ((تارك الصلاة)) ليتوصل إلى عدم تكفير تارك العمل.([28])
10) تقريره مذهب المرجئة.([29])
11) قوله: الإيمان قول وعمل؛ يزيد وينقص حتى لا يبقى منه إلا أدنى ؛ أدنى، أدنى من مثقال ذرة([30])، ولا يقول لا يبقى منه شئ!، لذلك كرر ((أدنى)) ثلاثا!.
هذا حاصل ما عاب به هذا المرجئ لاعتقاد السلف، وهذه انتقاداته حول منهج أهل الحديث، وهي انتقادات مرفوضة جملة وتفصيلا؛ لأنها تهدم، ولا تبني.
فعلى الكاتب أن يوفر على نفسه العناء، وعلى ((شبكة سحاب)) أن تكف عن نشر مثل تلك الآراء لربيع، وأن تتوب إلى الله تعالى، وتترك آراء ربيع، وترجع إلى علماء الحرمين في الرياض، وتتعهد أمامهم أن لا تنشر إلا ما هو بناء ومفيد؛ أداء لمسؤوليتها التي يفترض أن تكون رائدة للمسلمين نحو الأصلح.
اللهم فلك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول، ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل، فلنشرع الآن في المقصود بحول الله وقوته فنقول:-
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا
ذكر الدليل
على ثبوت أثر عبدالله بن شقيق العقيلي
في إجماع الصحابـــــــــــة الكرام على تكفير تارك الصــــــــــــــــــــــلاة
عن عبدالله بن شقيق العقيلي رحمه الله قال: (كان أصحاب محمد لايرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
أثر صحيح
أخرجه الترمذي في ((سننه)) (2622)، ومحمد المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (948)، والبغوي تعليقا في ((شرح السنة)) (211) من طريق قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بشر بن المفضل عن سعيد الجريري عن عبدالله بن شقيق العقيلي به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، على شرط الشيخين، وسعيد الجريري، وإن كان اختلط([31])، إلا أنه قد سمع منه بشر بن المفضل الرقاشي قبل الاختلاط.([32])
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((هدي الساري)) (ص425)؛ عن الجريري:(وما أخرج البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((شرح العلل)) (ص313)؛ عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن عليه، وبشر بن المفضل). اهـ
وأثبت الحافظ ابن عدي رحمه الله في ((الكامل)) (ج3 ص1228)؛ أن بشر بن المفضل سمع من الجريري قبل الاختلاط.
وقد أقره العلامة المقريزي في ((مختصر الكامل)) (ص388).
قلت: ويزداد قوة:
قال العلامة ابن الكيال رحمه الله في ((الكواكب النيرات)) (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
قلت: وهذا يدل أن بشر بن المفضل سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وهو من رجال الإمام البخاري رحمه الله، والإمام مسلم رحمه الله.([33])
قلت: ويؤكد هذا الأصل؛ قول الإمام أبي داود رحمه الله حيث قال: (أرواهم عن الجريري؛ إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).([34])
قلت: والمراد كل من سمع من أيوب، وبشر بن المفضل قد ثبت سماعه من أيوب.
وإليك الدليل:
قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (ج2 ص547): أخبرنا علي بن الحسين قال: سمعت علي بن عثمان اللاحقي يقول: أخبرنا بشر ابن المفضل قال: سمعت أيوب يثني على جرثومة بن عبدالله النساج.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قلت: وهذا يدل على أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري جيدة، وهي قبل الاختلاط، والله ولي التوفيق.
قلت: فأثبت الحفاظ أن بشر بن المفضل قد سمع من الجريري قبل الإختلاط، وقد عرفوا ذلك بالإستقراء والتتبع، ولما عندهم من غزارة العلم من هذا الفن، وهذا يدل على القرائن القوية في الدلالة على أن بشرا روى عن الجريري قبل الإختلاط.([35])
قلت: فلا يتجرأ أحد([36])بعدهم، فيسود صفحات بالتأويل الفاسد، والتكلف المهلك، ليبطل ما أثبته الحفاظ في صحة الإسناد في أثر عبدالله بن شقيق العقيلي.
قلت: إذا فإسناد بشر بن المفضل من قسم الصحيح المعتمد عند أئمة الحديث، وروايته عن الجريري صحيحة، كيف لا، وبشر بن المفضل ثقة ثبت في الحفظ.
قال الإمام أحمد رحمه الله عنه: (بشر بن المفضل إليه المنتهى في التثبت بالبصرة!).([37])
وقال معاوية بن صالح: ليحيى بن معين، من أثبت شيوخ البصريين، قال: (بشر بن المفضل، مع جماعة سماهم).([38])
وقال الإمام ابن المديني رحمه الله: (المحدثون صحفوا، وأخطؤوا؛ ما خلا أربعة: يزيد بن زريع، وابن عليه، وبشر بن المفضل، وعبدالوارث بن سعيد).([39])
وقال الإمام أبو داود رحمه الله: (ليس من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه؛ إلا بشر بن المفضل، وابن علية).([40])
وقال الإمام الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج1 ص309): (بشر بن المفضل ابن لاحق الإمام الثقة أبو إسماعيل الرقاشي الحافظ العابد).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التقريب)) (ص171): (بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، ثقة ثبت عابد).
وقال الإمام العجلي رحمه الله في ((معرفة الثقات)) (ج1 ص247): (بشر بن المفضل الرقاشي، ثقة فقيه، ثبت في الحديث، حسن الحديث، صاحب سنة).
قلت: فرواية بشر بن المفضل غاية في الصحة، لقوة القرائن التي ثبتت عند الحفاظ.
ولذلك تعلم أن الطريقة التي سلكها دعاة الإرجاء([41])لرد ما نص عليه الحفاظ من صحة رواية بشر بن المفضل عن الجريري؛ طريقة باطلة، لا تمت إلى أساليب أئمة الحديث بصلة، بل لفقوا قاعدة باطلة في تضعيف إسناد أثر عبدالله بن شقيق!، ووقعوا في تأويلات محدثة في معنى الأثر، ولم يسبقوا إليها، والله المستعان.
قلت: وقد كان من أئمة هذا الشأن، ومن أشدهم تحريا للسماع الصحيح؛ كالإمام البخاري، وغيره، ينصون على السماع الصحيح عندما يجدون قرائن قوية تدل عليه، ومن ذلك رواية بشر بن المفضل عن الجريري.([42])
قلت: ومع ذلك؛ فقد جهل هذا الجهول هذا كله؛ فوقع في الضلال والتضليل، والعلة والتعليل، ومن كان حاله حقيق بأن يرثى ماله، ويطرح مقاله، فيعرف أتباعه حقيقته وسريرته، نعوذ بالله من الخذلان.
قلت: ثم إن الجريري، وإن كان قد اختلط، لكن اختلاطه لم يكن فاحشا، وهذا يقوي القرائن الثابتة في صحة أثر عبدالله بن شقيق العقيلي رحمه الله؛ من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله في ((الثقات)) (ج6 ص351): (سعيد بن إياس الجريري من أهل البصره؛ وكان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين؛ ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات).
قلت: إذا فبشر بن المفضل الراوي عن الجريري بهذا اللفظ، هو ممن روى عنه قبل الاختلاط، وقد ثبتت روايته عنه قبل الاختلاط من أمرين:
أولا: بتنصيص الحفاظ روايته عنه قبل الاختلاط.
ثانيا: قوة القرائن الدالة على ثبوت روايته عنه قبل الاختلاط.
قلت: ومن القرائن الصحيحة أن الأثر على شرطهما؛ فتنبه لهذا الاتفاق على صحة رواية بشر بن المفضل عن سعيد الجريري قبل الاختلاط.([43])
وذكره الحافظ الزيلعي رحمه الله في ((تخريج أحاديث الكشاف)) (ج1 ص204)؛ ثم قال: (وهؤلاء رجال الصحيح).
وذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((الكافي الشاف)) (ص51)؛ ثم قال: (وإسناده صحيح).
وذكره الحافظ ابن الملقن رحمه الله في ((الإعلام)) (ج9 ص53)؛ ثم قال: (وروى هذا الترمذي عن عبدالله بن شقيق؛ بإسناد صحيح).([44])
وذكره الحافظ النووي رحمه الله في ((المجموع)) (ج3 ص16)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)) بإسناد صحيح).
وذكره الحافظ النووي في ((رياض الصالحين)) (ص382)؛ ثم قال: (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)): بإسناد صحيح).
وقال الحافظ العراقي رحمه الله في ((طرح التثريب)) (ج2 ص146): (روى الترمذي؛ بسند صحيح؛ من رواية عبدالله بن شقيق قال: (كان أصحاب رسول اللهr لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة).
وقال العلامة ابن علان رحمه الله في ((دليل الفالحين)) (ج6ص267): (رواه الترمذي في ((كتاب الإيمان)) من جامعه؛ بإسناد صحيح).
وذكره العلامة الألباني رحمه الله في ((صحيح سنن الترمذي)) (ج2ص329)؛ ثم قال: (صحيح).
وذكره العلامة الألباني رحمه الله أيضا في ((الثمر المستطات)) (ج1 ص52)؛ ثم قال: (وهو صحيح الإسناد).
وقال العلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص293): (فقد ثبت عن عبدالله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل أنه قال: (لم يكن أصحاب رسول الله r يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة). اهـ
قلت: ولم يختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صحة رواية بشر بن المفضل، وثبوتها، ولم يعلها أحد منهم، فقد صححها أيضا كل من: الحافظ السخاوي رحمه الله في ((الأجوبة المرضية)) (819)، والعلامة الألباني رحمه الله أيضا في ((صحيح الترغيب)) (ج1 ص367- الطبعة الجديدة الأخيرة المعتمدة([45])في سنة1421هـ)، والعلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص237)،([46]) وفي ((التحفة البازية)) (ج1 ص302).
قلت: وقد احتج بأثر عبدالله بن شقيق هذا الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص23)، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج22 ص48)، والعلامة ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص276)، وفي ((التحفة البازية)) (ج1 ص298)،([47])وهذا يدل على صحته عندهم، والله ولي التوفيق.
قلت: والأثر ذكره العلامة الطيبـي رحمه الله في ((شرح مشكاة المصابيح)) (ج2 ص148)، والعلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله في ((الزواجر)) (ج1 ص283)، والعلامة القاري في ((مرقاة المفاتيح)) (ج2 ص515)، والعلامة التبريزي رحمه الله في ((مشكاة المصابيح)) (ج1 ص256)، والعلامة المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (ج1 ص280).
قلت: واللفظ الذي سبق يكفي في ثبوت إجماع الصحابة رضي الله عنهم في تكفير تارك الصلاة، من رواية بشر بن المفضل عن الجريري.
قلت: ولم يتفرد به بشر عن الجريري، بل تابعه عبد الأعلى بن عبدالأعلى عن الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: (ما كانوا يقولون لعمل تركه رجل كفر غير الصلاة، فقد كانوا يقولون: تركها كفر).
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج11 ص49)، وفي ((الإيمان)) (137).
وإسناده صحيح.
وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الراوي عن الجريري للأثر هنا بهذا اللفظ، هو ممن روى عن الجريري قبل الإختلاط، فروايته أيضا عنه صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((هدي الساري)) (ص425) عن الجريري: (وما أخرج له البخاري من حديثه إلا عن عبدالأعلى، وعبدالوارث، وبشر بن المفضل، وهؤلاء سمعوا منه قبل الإختلاط).
وقال الحافظ العجلي رحمه الله في ((معرفة الثقات)) (ج1 ص394): (وعبدالأعلى من أصحهم سماعا؛ سمع منه قبل أن يختلط بثمان سنين).([48])
وقد تابعهما إسماعيل بن علية عن الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: (ما علمنا شيئا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة).
أخرجه الخلال في ((السنة)) (1378).
وإسناده صحيح.
وإسماعيل بن علية الراوي عن الجريري، هو ممن روى عنه قبل الإختلاط، فروايته عنه صحيحة.([49])
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((شرح العلل)) (ص313) عن الجريري: (وممن سمع منه قبل أن يختلط: الثوري، وابن علية، وبشر بن المفضل).
وقال أبو عبيد الآجري رحمه الله في ((سؤالاته)) (339): سمعت أبا داود يقول: (أرواهم عن الجريري إسماعيل ابن علية، وكل من أدرك أيوب؛ فسماعه من الجريري جيد).
قلت: فأثبت الحفاظ أن ابن علية قد سمع من الجريري قبل الإختلاط.
قلت: والشيخان انتقيا ما علما أن رواية: بشر عن الجريري قبل الإختلاط؛ فيقوى الأثر بذلك، وهذا صنيع الأئمة الذي يشير إلى اعتمادهم أن رواية بشر بن المفضل عن الجريري قبل الإختلاط، لأنهم قد صححوا الأثر لذاته، ويزداد قوة بالمتابعات الأخرى، وبإلفاظ لا تخرج عن المعنى الأول في المراد به إجماع الصحابة الكرام على الفهم الصحيح، لأن الألفاظ يفسر بعضها بعضا، اللهم غفرا.
قلت: وربيع المرجئ ينازع في دعوى الإجماع، ولا يدري ما يخرج من رأسه، لأنه يزعم أن عبدالله بن شقيق لم يلق جميع الصحابة، إنما أدرك عددا قليلا منهم، فلا يسلم بدعوى الإجماع، والرد عليه من وجوه:
1) أن كلام عبدالله بن شقيق صيغته أن هذه المقاله اجتمع عليها الصحابة رضي الله عنهم، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r...) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في ((نيل الأوطار)) (ج1 ص372) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة، لأن قوله: (كان أصحاب محمد r) جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك). اهـ
وقال العلامة المباركفوري رحمه الله في ((تحفة الأحوذي)) (ج7 ص309): (قول عبدالله بن شقيق هذا ظاهره يدل على أن أصحاب رسول اللهr كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العمدة)) (ج2 ص75): (هذا إجماع الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
وقال العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج10 ص265) معلقا على أثر عبدالله بن شقيق: (فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر؛ بإجماع الصحابة رضي الله عنهم). اهـ
ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((حكم تارك الصلاة)) (ص15)، ونقله كذلك شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص134).
2) أن عبدالله بن شقيق حاك للأجماع الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة الكرام.([50])
3) أن عبدالله بن شقيق حاك للإجماع، لا راويا عن الصحابة، وحاكي الإجماع لا يلزم أن يكون مدركا لجميع من نقل عنهم الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
فهذا الإمام محمد بن نصر المروزي، والإمام ابن عبدالبر، والإمام النووي، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين، وغيرهم ينقلون إجماع الصحابة الكرام في مواضع كثيرة، ولم يقل أحد من العلماء: إنهم لم يسمعوا من الصحابة الكرام، إذا فدعوى ربيع الهالك مردودة عليه.
قلت: وعبدالله بن شقيق لم يتفرد بذكر إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، بل حكاه جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن الصحابة الكرام في عهد رسول الله r؛ كما سوف يأتي، وكذلك نقل ذلك الحسن البصري رحمه الله.
4) نقل غير واحد من العلماء إجماع الصحابة على ذلك ولم أقف على قول أحد منهم يطعن في ذلك، أو يرده!.
وصنيع الشيخ الألباني رحمه الله يشير إلى اعتماده لهذا الوجه، لأنه قد صحح الأثر في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (564)، وذكر أن أثر جابر رضي الله عنه يشهد له، وصححه أيضا في ((صحيح الترمذي)) (2114)، وأثر جابر رضي الله عنه يدل على المعنى، فيزداد له أثر عبدالله بن شقيق قوة.
قلت: ومما يشهد لذلك أيضا؛ قول الحسن البصري رحمه الله حيث قال: (بلغني أن أصحاب رسول الله rكانوا يقولون: بين العبد، وبين أن يشرك، فيكفر؛ أن يدع الصلاة من غير عذر).([51])
وعن مجاهد بن جبر عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: قلت له: (ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله r قال: الصلاة).([52])
وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنه؛ وسأله رجل: أكنتم تعدن الذنب فيكم شركا؟ قال:لا؛ قال: (وسئل: ما بين العبد وبين الكفر؟، قال: ترك الصلاة).([53])
قلت: وهذا الآثار لا تحمل إلا على الكفر الأكبر، لقوله: (وبين أن يشرك فيكفر)؛ أي: يقع في شرك الكفر، ولقوله: (لا يفرق بين الكفر والإيمان إلا بترك الصلاة)، ولقوله: (أن يشرك فيكفر؛ أن يدع الصلاة).
قلت: وقد أجمع التابعون أيضا على كفر تارك الصلاة.
فعن أيوب السختياني رحمه الله قال: (ترك الصلاة كفر، لا يختلف فيه).([54])
قلت: فقد أجمع السلف الصالح على كفر تارك الصلاة، والأدلة على ذلك عن النبي r كثيرة جدا، وكذلك عن الصحابة، والتابعين، والخلاف في كفر تارك الصلاة؛ إنما وقع بعدهم، فلا يعتد به في الشريعة المطهرة، فافطن لهذا ترشد.
قلت: فالإجماع؛ إجماع السلف، ومن سواهم تبع لهم، اللهم غفرا.
وحكى الإجماع على ذلك جماعة؛ كإسحاق بن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم من أهل العلم.
قال الإمام المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص929): سمعت إسحاق بن راهويه يقول: (قد صح عن رسول الله r أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي rإلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر).
وأخرجه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج4 ص225).
وقال الإمام المروزي رحمه الله في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص925): (ثم ذكرنا الأخبار المروية عن النبي r في إكفار تاركها، وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتال من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن الصحابة الكرام مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك، ثم اختلف أهل العلم بعد ذلك في تأويل ما روي عن النبي r، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم في إكفار تاركها). اهـ
قلت: ومعلوم أن محمد بن نصر المروزي من أهل الاستقراء التام، والمعرفة الواسعة بأقوال أهل العلم، ومواضع الإجماع، والنزاع.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((تاريخ بغداد)) (ج3 ص315)؛ عن المروزي: (كان من أعلم الناس بإختلاف الصحابة([55])، ومن بعدهم في الأحكام). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج14 ص34)؛ عن المروزي: (يقال: إنه كان أعلم الأئمة بإختلاف العلماء على الإطلاق). اهـ
قلت: وهذا الآثار تدل على إجماع الصحابة الكرام على هذا الفهم، وهو كفر تارك الصلاة.
وقد أشار الحافظ ابن رجب رحمه الله على أن كثيرا من أهل الحديث على تكفير تارك الصلاة، مما يدل على أن من ينقل عن جمهور العلماء إنهم لا يكفرون تارك الصلاة، فهو خطأ لا يلتفت إليه في كتب الفقه، لأنهم يقصدون بالجمهور أصحاب المذاهب المعروفة، وهذا أيضا خطأ، فجمهور العلماء هم أكثر العلماء، فلا يقتصر على أصحاب المذاهب، لأنه أصطلاح لا يصح عند أهل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص21): (وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعا منهم، حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقول المرجئة). اهـ
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في ((فتح الباري)) (ج1 ص23): (وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر... وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق وحكى عليه إجماع أهل العلم).([56]) اهـ
قلت: لذلك لم نظفر بأي رجل من الصحابة الكرام، خالف ما ادعاه ربيع وأشكاله من إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
إذا فكيف تترك كل هذه الأدلة الواضحة، ويسمع بعد ذلك إلى من يحتج بالخلاف على الإجماع، مع أنهم قبلوا كثيرا من دعاوى الإجماع بما هو دون ذلك، والله المستعان.
قلت: فهذا الإجماع من أقوى الأدلة على بطلان قول ربيع المرجئ، وبه تعرف أن ما سبق من عبثه، وتلاعبه في تضعيف طرق الأثر لايجدي عنه شيئا، لأن العلماء حكوا الإجماع على صحته، بل حكوا على صحة إجماع الصحابة الكرام على كفر تارك الصلاة.
قلت: فإذا ثبت الإجماع، فمن خالف بعد ذلك، فهو محجوج بالإجماع السابق، ولو جعلنا الخلاف اللاحق سببا في زعزعة الثقة في الإجماع السابق؛ لسقط كثير من الإجماعات التي ادعاها أهل العلم، والعمل عليها حتى الآن، وفي هذا من المفسدة ما لا يخفى، اللهم غفرا.([57])
قلت: فالجميع محكوم بفهم صحابة رسول الله r، وهم مجمعون على كفر تارك الصلاة.
قلت: ولو طرد مذهب ربيع المرجئ في هذا القول، لما صح لنا إجماع في كل زمان، فإذا كان التابعي الجليل مثل عبدالله بن شقيق لا يقبل قوله بدعوى الإجماع، فمن الذي سيقبل قوله؟!.
ثم دع عنك ياربيع (لعل)، واجعلها في رأسك التالف، فالأصل أدعوى العالم -فضلا عن التابعي- بالإجماع؛ دعوى مقبولة، من يظهر خلافها، ولم تستطع أنت أن تظفر بصحابي واحد يقول بمثل قولك، بل ولم يصح عن عالم أنه ضعف أثر عبدالله بن شقيق، فلم يضعف الأثر إلا أشكالك من السفهاء([58])، والمعاندين!، اللهم سلم سلم.
فإن الأصل، والحجة إذا كان أمرا مجمعا عليه عند الصحابة الكرام، سواء في الأصول، أو الفروع؛ أن نقف على ما أجمعوا عليه، لأنهم هم جماعة المسلمين في الأمر الأول، وهذا هو التجمع المحمود، فمن خالف ذلك، فهو مشاق للرسولr ، واتبع غير سبيل المؤمنين، ووقع في التفرق، وهو على ضلالة.
قال تعالى: ]فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال[ [يونس:32].
قال المفسر القرطبي رحمه الله في ((جامع أحكام القرآن)) (ج8 ص335): ( ((ذا)) صلة؛ أي: ما بعد عبادة الإله الحق إذا تركت عبادته إلا الضلال... قال علماؤنا: حكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحق، والباطل منزلة ثالثة... والضلال حقيقته الذهاب عن الحق). اهـ
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
قلت: ووجه الاستدلال بها ([59])؛ أنه تعالى توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ وذلك يوجب اتباع سبيلهم، وإذا أجمعوا على أمر كان سبيلا لهم؛ فيكون اتباعه واجبا على كل واحد منهم، ومن غيرهم، وهو المراد بكون الإجماع حجة.([60])
والآية تدل أيضا على أن كل من اتبع غير سبيل المؤمنين، فقد شاق الرسول r، ومن شاق الرسول r اتبع غير سبيل المؤمنين، فلا يتحقق اتباع الرسول r؛ إلا باتباع سبيل المؤمنين أصحاب رسول الله r، ولزوم ما كانوا عليه من الدين: اعتقادا، وتلقيا وعبادة، ومعاملات، ودعوة؛ باتباع أقوالهم، وفتاويهم المنقولة عنهم بنقل الثقات.([61])
قلت: وهذا دليل على أن الإجماع حجة، لا يجوز مخالفته، كما لا يجوز مخالفة الكتاب والسنة، وجعل الله تعالى جزاء الذي يخالف الإجماع الوعيد الشديد، لأن الوعيد إنما ترتب في الآية الكريمة على من اتصف بمشاقة([62])الرسول r، واتباع سبيل غير المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، فمن خالف إجماعهم من بعدما تبين له الحق، واطلع عليه، وعمل بخلافه، وسلك سبيل العناد([63])، فقد اتبع غير سبيلهم، ولذلك جعل جزاءه الوعيد الشديد، وهذا على سبيل المبالغة، والتوكيد، وتفظيع الأمر وتشنيعه، اللهم سلم سلم.
قلت: والآية عامة في كل من خالف طريق المسلمين من السلف والخلف.([64])
قلت: والآية قرنت بين مشاقة الرسولr ، واتباع غير سبيل المؤمنين في استحقاق الإضلال، وصلي جهنم، ومشاقة الرسولr متلازمة مع اتباع غير سبيل المؤمنين، كما أن اتباع سبيل المؤمنين متلازم مع اتباع سبيل الرسول r؛ وعلى هذا علماء السلف.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1064): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى توعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فدل على أن اتباع سبيلهم واجب). اهـ
قلت: والآية جعلت مخالفة سبيل المؤمنين سببا لتولي سبل الضلال، وصلي جهنم، كما دلت على أن اتباع الرسول r، وهو من أعظم أصول الإسلام مستلزما لسلوك سبيل المؤمنين موجبا له، وسبيل المؤمنين هو أقوال، وأفعال الصحابة الكرام؛ دل على هذا قوله تعالى: ]آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون[ [البقرة:285]، والمؤمنون كانوا في عهد الرسول r هم الصحابة رضي الله عنهم.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1065): (لأنه ليس بين اتباع غير سبيلهم، وبين اتباع سبيلهم؛ قسم ثالث، وإذا حرم الله تعالى اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم). اهـ
قلت: وهذا وعيد من الله تعالى لمن يحيد عن الصحابة الكرام في الأصول، والفروع([65])، اللهم غفرا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص194): (فهكذا مشاقة الرسول r، واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم؛ وهذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا؛ فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم. فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك؛ وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول r. قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون؛ فإنه يكون منصوصا عن الرسول r، فالمخالف لهم مخالف للرسول r؛ كما أن المخالف للرسولr مخالف لله؛ ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول r: وهذا هو الصواب.([66])
فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول r، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس، ويعلم الاجماع فيستدل به؛ كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص، وهو دليل ثان مع النص، كالأمثال المضروبة في القرآن، وكذلك الاجماع دليل آخر، كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع، وكل من هذه الاصول يدل على الحق تلازمها: فإن ما دل عليه الاجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول r أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الاجماع عليها إلا وفيها نص). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص57) عن إجماع الصحابة الكرام: (فهو إنما يدل على أن إجماعهم حجة). اهـ
قلت: وتقرير هذا، أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا.([67])
فاتباع غير سبيل المؤمنين، وحده حرام، ومتوعد عليه، بل يعتير من المشاقة، لأن المشاقة معناها: ترك العمل بما جاء به الرسول r، وصحابته الكرام.([68])
فعن المزني والربيع قالا: (كنا يوما عند الشافعي إذ جاء شيخ، فقال له: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: سنة رسول الله r قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة).([69])
قلت: فالله تعالى توعد باتباع غير سبيل المؤمنين بضمه إلى مشاقة الرسول r التي هي كفر فيحرم([70])؛ إذ لا يضم مباح إلى حرام في الوعيد، وإذا حرم اتباع غير سبيلهم وجب اتباع سبيلهم؛ لأنه لا مخرج عنهما؛ أي: أنه لا توجد واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع كون الإجماع حجة.([71])
قلت: والاعتراضات التي ذكرها ربيع المدخلي على إجماع الصحابة الكرام؛ هي في الحقيقة اعتراضات متكلفة، وفاسدة، تكلفها حتى يروج بدعة الإرجاء في عدم تكفير تارك الأعمال في الشريعة المطهرة.([72])
قلت: والمشاقة: هي أن يكون واحد في شق؛ أي: جانب، والآخر في جانب آخر، فمشاق الرسول في جانب غير جانب الرسول r؛ أي: منازعه، ومخالفه فيما جاء به عن ربه سبحانه وتعالى.
وسبيل المرء؛ ما يختاره لنفسه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فسبيل المؤمنين إذن: ما يختارونه من قول، أو عمل، أو اعتقاد؛ فيصدق عليه ما يجمع عليه.
قلت: وإذا ثبت هذا لزم من ربيع أن يتبع غير سبيل الرسولr، بل ومشاقته r؛ واتباع غير سبيل المؤمنين أيضا بما جاء من اعتقاد فاسد فيه الإرجاء وغيره.
والله ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسولr، ويتبع غير سبيل المؤمنين في قول، أو عمل، أو اعتقاد، فيصدق عليه أنه خالف الإجماع.
والمراد من الاتباع ههنا نفس السلوك، والموافقة، لا مجرد الظن، ويؤيده قراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ويسلك غير سبيل المؤمنين).([73])
قلت: فمخالفة ربيع؛ لاتباع الرسول r، والصحابة الكرام؛ تقضي بأن يكون من المخالفين لسبيلهم، وهذا المخالفة هي عين مشاقة رسول الله r، والصحابة الكرام؛ لأن المشاقة معناها ترك العمل بما جاء به من الإيمان، والسلوك فيه بغير منهج الصحابة الكرام، اللهم سلم سلم.
قلت: فربيع هذا غير ناج من الوزر، لما وقع في المشاقة والمعاداة، والمخالفة، بعدما تبين له الهدى، وظهوره، وعلم صحة إجماع السلف على تكفير تارك الصلاة، ثم يفعل المشاققة، ويعاند، ويصر على اتباع غير سبيلهم، وطريقهم، وهم ما هم عليه من دين الإسلام، والتمسك بأحكامه، فجعله الله تعالى واليا لما تولاه من الضلال، والعياذ بالله.([74])
فعن مطرف قال: سمعت مالكا يقول: (وسئل عن الداء العضال، فقال مالك: هو الهلاك في الدين).([75])
قال تعالى: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ [البقرة:195].
وقال تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
والظاهر أن مضمون الآية: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف المؤمنين في اتباعه، ويتبع غيره في الاعتقادات الفاسدة، وينشرها بين الناس، فيدخل في الوعيد كائنا من كان لقوله تعالى: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
ومنه؛ قوله تعالى ]يوم ندعوا كل أناس بإممهم[ [النساء:115]؛ أي: من أئمة الضلالة، وغيرهم، الذين اتبعوا من الأحكام على غير سبيل الصحابة الكرام.
فقوله تعالى : ]نوله ما تولى[ [النساء:115]؛ أي: نجعله واليا لما تولاه من الضلال، فيضله ويتركه بينه، وبين ما اختار لنفسه من الضلال المبين([76])، والعياذ بالله.
قلت: ولا شك أن مخالفة ربيع ما أجمع عليه الصحابة الكرام في كفر تارك الصلاة، هذا ضلال، وزيغ، وانحراف، لا مجرد أن هذه المسألة من المسائل الفقهية؛ كما يقال؛ لكن الأمر أعظم من ذلك، وهو ترك ربيع إجماع الصحابة الكرام في هذه المسألة وغيرها، وهذه هي مشاقة r، واتباع غير سبيل المؤمنين، فهو متوعد له بالنار فافطن لهذا ترشد.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1068): (فلما جمع تعالى بين مشاقة الرسول r، وبين ترك اتباع سبيل المؤمنين في الوعيد؛ علم أن كل واحد منها يقتضي الوعيد). اهـ
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ((تفسيره)) (ج3 ص218): (قوله تعالى: ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى[ أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول r، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له.
وقوله تعالى: ]ويتبع غير سبيل المؤمنين[ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك، ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له،كما قال تعالى: ]فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون [ [القلم:44]، وقال تعالى: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [[الصف:5]، وقوله: ]ونذرهم في طغينهم يعمهون [ [الأنعام:110]، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال تعالى : ]احشروا الذين ظلموا وأزوجهم وما كانوا يعبدون ((22)) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ((23)) [ [الصافات:22-23]، وقال تعالى: ]ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [[الكهف:53]). اهـ
قلت: فالوعيد يكون على اتباع غير سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام.
وقال تعالى: ]ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم[ [آل عمران:105].
وقال تعالى: ] إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون[ [الأنعام:159].
قلت: فالله تعالى لا يحب الأختلاف لا في الأصول، ولا في الفروع،فانتبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والإختلاف). اهـ
قلت: والعاصم من ذلك هو التمسك بمنهج السلف الصالح، ولزوم جماعتهم في الأصول، والفروع.
قال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص430): (والجماعة؛ جماعة المسلمين، وهم: الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتباعهم هدى، وخلافهم([77])ضلال). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص66): (المعتمد أن التابعين أجمعوا على اتباع الصحابة فيما ورد عنهم، والأخذ بقولهم والفتيا به، من غير نكير من أحد منهم، وكانوا من أهل الاجتهاد أيضا). اهـ
قلت: ومن أمعن النظر في آثار التابعين، وجد أن التابعين لا يختلفون في الرجوع إلى أقوال الصحابة الكرام في الدين.([78]) ([79])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1103): (واحتج بأن التابعين احتجوا؛ بإجماع الصحابة). اهـ
إذا فيكون المخالف في ذلك خارقا للإجماع؛ لأن الإجماع أصل من أصول الدين، وحجة من الحجج الشرعية، والعمل به واجب، فلا يترك لاختلاف العلماء([80])من بعد الإجماع، فافهم لهذا ترشد.
قلت: ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفهم في فتيا، أو حكم، وقد شهد لهم رسول الله r بالفضل!.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص18): (فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول الله r الذين هم سادات الأمة، وقدوة الأئمة، وأعلم الناس بكتاب ربهم تعالى، وسنة نبيهم r، وقد شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، ونسبة من بعدهم في العلم إليهم؛ كنسبتهم إليهم في الفضل والدين؛ كان الظن، والحالة هذه بأن الصواب في جهتهم، والحق في جانبهم من أقوى الظنون، وهو أقوى من الظن المستفاد من كثير من الأقيسة، هذا ما لا يمتري فيه عاقل منصف، وكان الرأي الذي يوافق رأيهم الرأي السداد الذي لا رأي سواه). اهـ
وعن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: (لو بلغني عنهم -يعني: الصحابة- أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا لما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم r).([81])
وعن عبد الله بن داود الخريبي رحمه الله قال: (والله لو بلغنا أن القوم - يعني: الصحابة- لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه).([82])
قال ابن خزيمة: ((يريد أن الدين الاتباع)).
قلت: يجب الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم فيما أحببنا، وكرهنا.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد؛ فاختار محمدا r؛ فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده؛ فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه r، فما رآه المؤمنون حسنا؛ فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحا؛ فهو عند الله قبيح).([83])
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص425): (الإجماع ينعقد عندنا باتفاق العلماء، وإذا اتفقوا عليه كانت العامة تابعة لهم). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص427): (إذا أجمع أهل عصر على شئ، كان إجماعهم حجة، ولا يجوز اجتماعهم على الخطأ). اهـ
قلت: إذا لا يعتد باختلاف العلماء([84])بعد إجماع الصحابة رضي الله عنهم في أن من ترك الصلاة فقد كفر؛ لإجماع الصحابة الكرام على ذلك.
فعن أبي حاتم الرازي رحمه الله قال: ( العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق، ناسخ غير منسوخ، وما صحت الأخبار عن رسول الله r مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم؛ فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين، فعن أئمة الهدى من أتباعهم).([85])
قلت: فما أجمع عليه الصحابة الكرام؛ فهو حجة شرعية، ويسقط اختلاف العلماء من بعدهم مع إجماعهم، ويعتذر لهم: أما بأن الإجماع لم يصل إليهم، أو تأولوه، أو دخل عليهم حديث ضعيف، فقالوا به، أو شكوا فيه بما ورد عنهم من القرائن أنه ليس بإجماع، أو غير ذلك من الاجتهادات التي يعذرون بها العلماء؛ دون غيرهم في الدول الإسلامية.([86])
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص433): (فما أجمعوا عليه فهو حجة، ويسقط الاجتهاد مع إجماعهم، فكذلك إذا اختلفوا على قولين، لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث). اهـ
قلت: فيجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع، وأنه لا يجوز الخروج عنه في أي بلد من البلدان الإسلامية.([87])
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): (كما أن إجاعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه؛ فكمالم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: سن رسول الله r، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها تبصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا).([88])
قلت: فإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة يجب على المسلمين جميعا العمل به، ولا يجوز لهم مخالفته، وهذا هو الاتباع للسلف ومحبتهم، والاقتداء بهم.
فعن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: (الاتباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي r وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير).([89]) أي: عند أختلافهم، فهو مخير بالدليل.
وعن أيوب السختياني رحمه الله قال: (إذا بلغك اختلاف عن النبي r، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشد يدك به، فإنه الحق، وهو السنة).([90])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص148): (فطريقة السلف والأئمة: أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، ورد باطلا بباطل). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج7 ص672): (والمقصود هنا أن السلف كانوا أكمل الناس في معرفة الحق وأدلته، والجواب عما يعارضه). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((التسعينية)) (ج2 ص531): (فالواجب على المسلم أن يلزم سنة رسول الله، وسنة خلفائه الراشدين، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما تنازعت فيه الأمة، وتفرقت منه إن أمكنه أن يفصل النزاع بالعلم والعدل، وإلا استمسك بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، وأعرض عن الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعا؛ فإن مواضع التفرق والاختلاف عامتها تصدر عن اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولقد جاءهم من ربهم الهدى). اهـ
قلت: ومنازعات أهل الأهواء والبدع هي خصومات مذمومة، مدارها على اختلاف التضاد، ويتكلم أهلها بغير علم، وقصد حسن، اللهم غفرا.
قال أبو داود في ((المسائل)) (ص277): قلت لأحمد، الأوزاعي هو أتبع من مالك؟ قال: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء، ما جاء عن النبي r، وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1057): (وسمي إجماعا؛ لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة). اهـ
قلت: ومن رد الإجماع أثم، وله وعيد شديد يوم القيامة، كائنا من كان اللهم سلم سلم.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): (فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر، فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله). اهـ
قلت: فلا عذر لأحد بعد الإجماع في مخالفة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه مخالفة، قد بينت الأمور، وثبتت الحجة، واتقطع العذر، اللهم غفرا.
فعن سعيد بن المسيب رحمه الله: (أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع، والسجود فنهاه سعيد بن المسيب عن ذلك، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟، قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة). وفي رواية: (إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل، إنه لا صلاة بعد النداء إلا ركعتين، قال: فانصرف، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذبني الله بكثرة الصلاة، قال: بل أخشى أن يعذبك الله بترك السنة).([91])
قلت: وهذا من بدائع أجوبة الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله، وهو سلاح قوي على المقلدة الذين يستحسنون كثيرا من الخلافيات في الأحكام باسم الفقه في الدين، ثم ينكرون على أهل الأثر، ويتهمونهم بأنهم ينكرون الأحكام، وهم في الحقيقة؛ إنما ينكرون الحق في الدين، ومن ذلك ردهم لإجماع الصحابة الكرام في الأحكام، فهؤلاء لهم وعيد شديد؛ لا من أجل أنهم تركوا مسألة فقهية، بل من أجل أنهم خالفوا حجة شرعية، وهو الإجماع، وعاندوا، وأصروا على أحكام بلدانهم المخالفة للشرع([92])، اللهم غفرا.
قلت: فوقعوا في الإفتراق الذي يريدون أن يفروا منه في بلدانهم، والله المستعان.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة).([93])
قلت: فهؤلاء المقلدة المتعصبة في بلدانهم يحبون الاختلاف بين العلماء في المسائل الفقهية، لذلك يرجعون إليه، ويفتون به دون الرجوع إلى الدليل، بل وترى كل بلد يخالف البلد الآخر في أحكام الدين بسبب المذهبية، والعصبية، والحزبية، ويحبون الاختلاف، بل ويبعون أهواءهم في ذلك، ويكرهون الرجوع إلى ما أجمعوا عليه، فيقال للمتعصبة لبدانهم: ما تكرهون في الجماعة، خير مما تحبون في الفرقة والاختلاف، اللهم سلم سلم.
قلت: فهلكوا في بلدانهم -كما هو مشاهد- وأهلكوا، والعياذ بالله.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة).([94])
وعن طاوس، قال: (رآني ابن عباس وأنا أصلي، بعد العصر فنهاني، فقلت: إنما كرهت أن تتخذ سلما، فقال ابن عباس: نهى رسول الله r عن الصلاة بعد العصر، وقال الله تعالى: ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[. وما أدري تعذب عليها أم تؤجر).([95])
قلت: وتباهي المتعصبون بالخلافيات، فاختلفوا، وتفرقوا في البلدان، وتركوا الإجماع والائتلاف، فأصابهم ما أصاب الأمم من قبلهم، فحل بهم ما حذرهم به نبينا r من استعمال الآراء، وقيام الفتن، وانتشرت الأهواء فيهم، فألبسوا شيعا، مزقوا قطعا، وشمتت بهم الدول الكافرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله تعالى، وصدهم عن الحق، وميلهم إلى الاختلاف، وإيثارهم أهواءهم، ولله تعالى عقوبات في خلقه عند ترك أمره، ومخالفة رسله؛ فأشعلت نيران الفتن في بلدانهم، وصاروا إلى سبيل المخالفين؛ فأصابهم ما أصاب من قبلهم من الأمم الماضية([96])، والله المستعان.([97])
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أصحاب محمد r، ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم هلكوا).([98])
وعن ثابت بن قطبة قال: سمعت عبد الله بن مسعود يخطب وهو يقول: (يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنهما حبل الله الذي أمر به).([99])
ويؤيده: قوله تعالى: ] واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [[آل عمران:103].
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (عليكم بالسبيل والسنة... وإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة).([100])
وعن أبي العالية رحمه الله قال: (إن كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله r؛ فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة؛ فسمعناها من أفواههم).([101])
قلت: وهذا يدل على ما كان عليه التابعون من حرص على سماع الحديث من الصحابة الكرام، والتثبت والضبط في الدين.
قلت: وهذا يدل على فضل الصحابة الكرام.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (أنتم أكثر صياما، وأكثر صلاة، وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله r وهم كانوا خيرا منكم، قالوا: لم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: " كانوا أزهد في الدنيا، وأرغب في الآخرة).([102])
قلت: وهذا يدل على أن من كان صادقا في إسلامه، واتباعه للصحابة الكرام، فأنه لا يعدل عن طريقتهم في أحكام الدين، اللهم غفرا.
قلت: فمن خالف ما عليه الصحابة الكرام في الأصول، والفروع، فقد خالف الله تعالى، ورسوله r، لأن العلماء مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله، فأي كتاب نشأ عن طريقة كتب السلف، والخلف المتضمنة للحكم، والدليل، وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة الكرام.([103])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص24): (أنهم -يعني الصحابة- إذا قالوا قولا، أو بعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول، ومبتدعا له... وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور؛ فلا يجوز اتباعهم). اهـ
قال العلامة الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج13 ص135): (معنى الجماعة المرادة من هذه الأحاديث؛ جماعة أئمة العلماء والمجتهدون، فمن خرج مما عليه الأمة فقد مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المغنيون بقوله عليه السلام: (إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)([104])، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع في النوازل، وهي تبع لها، فمعنى قوله r: (لن يجمع أمتي)؛ أي: لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وممن قال بهذا عبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وجماعة من السلف، وهو رأي الأصوليين). اهـ
وعن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: (عليكم بالجماعة؛ فإن الله لن يجمع أمة محمدr على ضلالة).([105])
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص237): (والواجب أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل([106]) الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف، فإن الفرقة والاختلاف من أعظم ما نهى الله تعالى عنه ورسوله r). اهـ
قلت: فليس كل من تفقه في الدين عرف التأويل؛ لأن الفقه: هو فهم معنى النص، والحكم.
والتأويل: هو إدراك حقيقته التي يؤول إليها، وموقع الحكم.
فالراسخون فهموا معنى النصوص، ووجه الدلالة، وموقعها في الأنواع والأعيان.([107])
قلت: ومن قال من العلماء بعدم تكفير تارك الصلاة، فإنه لم يبلغه الإجماع، ولو بلغه الإجماع لم يخالفه، أو ثبت عند العلماء الإجماع، لكن تأولوه، كما تأولوا الأحاديث المرفوعة، على أنه كفر دون كفر؛ ولم يظهر لهم أن هذا الإجماع؛ إجماع على الكفر المخرج من الملة.([108])
قلت: والظاهر أن العلماء المختلفين في تكفير تارك الصلاة؛ لم يبلغهم إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين الكرام، أو شكوا فيه، لأنه لو بلغهم إجماع السلف؛ لما وسعهم أن يخالفوه، لأنهم يعلمون أن الصحابة الكرام لا يجتمعون على خطأ في الدين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في ((الرسالة)) (ص472): (ونعلم أن عامتهم -يعني الصحابة- لا تجتمع على خلاف لسنة رسول الله r، ولا على خطأ إن شاء الله). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص157): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (ج1 ص248): (وأهل السنة الذين هم أهلها يردون ما عارض النص، والإجماع من هذه). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((السير)) (ج7 ص116): (السنة ما سنه النبي r، والخلفاء الراشدون من بعده، والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما، وحديثا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((التمسك بالسنة)) (ص32): (واتباع الشرع والدين متعين، واتباع غير سبيل المؤمنين بالهوى، وبالظن، وبالعادات المردودة؛ مقت وبدعة). اهـ
قلت: فما أبعد المقلدة عن فقه السلف المجمع عليه في الشريعة؛ فإنهم يتركون فقههم، ويذهبون إلى فقه المذاهب الأربعة المختلف فيه في الشريعة!.
وهذا ينبؤ بخطر عظيم على المقلدة؛ لأن أكثرهم يحتج باختلاف الفقهاء من بعد إجماع الصحابة الكرام من أجل ترويج اعتقادهم الفاسد في الدين.
قلت: ومن فعل ذلك، ونصح ولم يتب، وأصر على باطله، فهو مبتدع ضال كائنا من كان، لا أن خالف في مسألة فقهية، لكن أراد أن يروج بدعته عن طريق الاحتجاج باختلاف العلماء، وهذا أصل الفرقة بين المسلمين، وذلك لمخالفته للإجماع الذي هو الأصل الثالث من أصول الشريعة المطهرة، هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة، والله ولي التوفيق.
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في ((تلبيس إبليس)) (ص278): (قلة العلم أوجبت هذا التخليط). اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج1 ص42): (والبدعة مقرونة بالفرقة، كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال أهل السنة والجماعة، كما يقال: أهل البدعة والفرقة!). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص285): (إن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والإختلاف). اهـ
قلت: فالاختلاف أول ما يخرج في أناس يكون شبرا فيهم، ثم يزين الشيطان لهم اختلافهم -ولو كان في الفقه- ويلهمهم أن الصواب معكم في هذا الاختلاف دون غيركم، وأن غيركم خالفوا الصواب لما وصلتهم إليه مما يعتقدوه أنه الحق.([109]) ([110])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج8 ص425): (فالبدع تكون أولها شبرا؛ ثم تكبر في الإتباع؛ حتى تصير أذرعا، وأميالا، وفراسخ). اهـ
قال تعالى: ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46].
قلت: وهذا التنازع المنهي عنه يكون في الأصول، والفروع سواء بسواء، اللهم غفرا.
قال الحافظ ابن حزم رحمه لله في ((الإحكام)) (ج5 ص64): (وقد نص تعالى على أن الإختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر، وسائر المعاصي). اهـ
وقال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في ((الضعيفة)) (ج1 ص77): (وجملة القول أن الإختلاف مذموم في الشريعة، فالواجب محاولة التخلص منه ما أمكن، لأنه من أسباب ضعف الأمة، كما قال تعالى ]ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم [[الانفال:46]). اهـ
فعن ابن مسعود رضي الله عنه: لما طلب منه موافقة أبي موسى رضي الله عنه؛ في مسألة: ((بنت، وبنت ابن، وأخت)) فأعطى البنت النصف، والأخت النصف؛ قال: (لقد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين).([111])
قلت: فجعل ابن مسعود رضي الله عنه القول الآخر خطأ، لا ينظر فيه، ولا يحتج به، وهذه شهادة صريحة بأن الحق عند الله تعالى واحد، وما عداه فخطأ.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله؛ معلقا على أثر ابن مسعود رضي الله عنه: (فجعل القول الآخر الذي جعله المصوبة صوابا عند الله ضلالا!، وهذا أكثر من أن يحيط به، إلا الله تعالى).([112]) اهـ
قلت: ولا شك أن كثرة الأقوال في الخلافيات في الأحكام تدل على أن الخلافيات هذه مقبولة في الجملة للنظر فيها، والبحث، والترجيح([113])، ولكن ليست الخلافيات كلها على مستوى واحد من الوجاهة، وسداد النظر، إذ منها: الهزيل، ومنها: القوى في الظاهر، ومنها: الشاذ، ومنها الذي يوافق جمهور العلماء([114])، ومنها: الذي يعتمد على حجة واهية، ومنها: ما يستند إلى أدلة قوية.
وليس كل خلاف جاء معتبــــــــــــــــــــــــرا
إلا خلافا له حظ من النظـــــــــــــــــــــــــــــــــر
قلت: والذي يتتبع خلاف الفقهاء، ويستفيد منه بقصد الاحتجاج به على رأيه، فيجتهد ليقول الرأي في الشئ يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، فقد تتبع الرخص المحرمة، ووقع في الإثم كائنا من كان!.
فذم السلف من يبحث عن تلك الرخص عن طريق اختلاف العلماء ويعمل بها، أو يشيعها بين الناس؛ ذما شديدا؛ لأنها تصير بفاعل ذلك فى استحلال ما حرم الله تعالى، ورسوله r.
فالمجتهد العالم قد يقول الرأي في الشئ يخالف حكم الله تعالى، ورسوله r، لا بقصد منه، بل باجتهاده ظنا منه أنه الصواب، فمن عمد إلى رخصة هذا العالم، أو ذاك مما أخطأوا فيه، فتتبعه ليأخذ به؛ فقد اجتمع فيه الشر، والعياذ بالله.([115])
والواجب في هذا أن ينظر في حكم الله تعالى، ورسوله r، فتقاس رخص المجتهدين بموافقتها للكتاب والسنة، أو مخالفتها لهما، فإن وافقت فهي رخصة شرعية يحبها الله، والأخذ بها حسن، وإن خالفت فلها حكمها من الحرمة والإثم، لأنه غير معذور بذكره للخلاف بهذه الطريقة، والاحتجاج به، والله المستعان.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).([116]) وفي رواية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
لذلك شغف هذا المرجئ بالخلافيات وغرائبها، حتى خرج بها عن الحد الشرعي، وهذه الخلافيات وغرائبها يكون فيها الحق والباطل، فإذا لم تحقق بالكتاب والسنة والآثار؛ فلا ينتفع بها العبد، بل تضره، ولأجل ذلك عيب على من طلب الخلافيات وغرائبها، والإغراق في تتبعها، وذكرها للناس([117])، والانشغال بجمع أقوال الفقهاء، والاحتجاج بها، والترخص بها في الدين، فمن فعل ذلك وقع في الزندقة.([118])
وقد حكى إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي رحمه الله؛ أنه دخل على الخليفة المعتضد بالله العباسي، قال: (فدفع إلي كتابا، فنظرت فيه، فإذا قد جمع له فيه الرخص من زلل العلماء، فقلت: مصنف هذا زنديق، فقال: ألم تصح هذه الأحاديث؟، قلت: بلى، ولكن من أباح المسكر بم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء، وما من عالم إلا وله زلة، ومن أخذ بكل زلل العلماء ذهب دينه، فأمر بالكتاب فأحرق).([119])
وقال عبدالله بن المبارك؛ ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رأني أبي، وأنا أنشد الشعر، فقال سليمان التيمي: (يا بني لا تنشد الشعر، فقلت: يا أبت كان الحسن البصري ينشد الشعر!، وكان محمد بن سيرين ينشد!، فقال؛ أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن!، وبشر ما في ابن سيرين! ([120]) اجتمع فيك الشر كله).([121])
قال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان الدليل)) (ص204): (وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين، ومن بعدهم؛ إلا وله أقوال، وأفعال خفي عليهم فيها السنة). اهـ
قلت: فمن ترك الاستدلال بالنصوص، وأقبل على الاستدلال بالخلافيات، فهذا قليل العلم، لا يعتد بعلمه في الشريعة المطهرة.([122])
لذلك خذر السلف من زلات العلماء، فالعالم عندما يخطئ، لا يقتصد خطأه عليه؛ بل يتابعه على ذلك جمع غفير من الناس، والله المستعان.
قلت: والمتكلم في منازعات الناس يتعين عليه العلم بالأحكام الكلية لمسائل الخلاف، وأصول الفقه فيها، ثم معرفة كيفية التخلص من هذا الخلاف بأدلة الكتاب والسنة والآثار، والله ولي التوفيق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص203): (ونحن نذكر ((قاعدة جامعة)) في هذا الباب لسائر الأمة، فنقول: لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب، وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج12 ص57): (وكثير من النزاع قد يكون مبينا على أصل ضعيف إذا بين فساده ارتفع النزاع). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج4 ص14): (وكذالك ما يذم من يذم من المنحرفين عن السنة والشريعة، وطاعة الله تعالى ورسوله إلا بمخالفة ذلك، ومن تكلم فيه من العلماء والأمراء وغيرهم، إنما تكلم فيه أهل الإيمان بمخالفة السنة والشريعة). اهـ
قلت: فالمتكلم في مسائل الخلاف لابد أن يحسن الكلام في ضوابط نقل الخلاف، وفي تمييز الأقوال الضعيفة من الصحيحة، وأن يتمكن من معرفة ما سبقه من إجماع، فيعمل بالإجماع ويطرح الخلاف، ولا يتوسع فيه، ولا يعمل به، لما يترتب من ذلك من الفرقة بين المسلمين.([123])
قلت: والخطأ ينشأ؛ إما من جهة عدم العلم بالحق، وإما من جهة فساد القصد، واتباع الهوى.
قال تعالى: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [ [النجم:23].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج3 ص384): (وأصل الضلال، اتباع الظن والهدى، كما قال تعالى في حق من ذمهم: ]إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى [ [النجم:23].، وقال في حق نبيه r ]والنجم إذا هوى ((1)) ما ضل صاحبكم وما غوى ((2)) وما ينطق عن الهوى ((3)) إن هو إلا وحي يوحى[ [النجم: 1-4]، فنزهه عن الضلال، والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه، فوصفه بالعلم، ونزهه عن الهوى). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج13 ص368): (فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم، فأما من حكى خلافا في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضا، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالا متعددة لفظا، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب). اهـ
وقد أوضح أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج1 ص75) عند كلامه على منهج السلف في الحكم على الألفاظ المجملة المتشابهة فقال: (وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث والنظر، والتتبع والاستقراء، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة؛ فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء.
وذلك يكون بشيئين:
أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون، حتى يحسن أن يطابق بين معاني التنزيل، ومعاني أهل الخوض في أصول الدين، فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه). اهـ
قلت: وربيع هذا لجهله بفقه الخلاف، لا يعرف المهم في تصنيف نوع الخلاف، والعلم بمرتبته([124])، لكي يتعامل معه على الشرع من الرد، أو القبول بل يضرب الضرب العشوائي الجاهلي، فيتبع هواه في الخلاف، ويذكره بطريقة خبيثة على طريقة تتبع الحيل من أجل أن يثبت صحة أقواله من دون علماء الحرمين والسنة، بل يصل به الأمر مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض أهل العلم، أو انتقاص أحد منهم بسبب أنهم بخالفوه في آرائه الضالة.([125])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى الكبرى)) (ج3 ص177) عن أهل العلم: (نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض، أو انتقاص أحد منهم، أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم([126])). اهـ
قلت: وإنما يقع في ذلك من أحد رجلين: رجل جاهل بمقاديرهم، ومعاذيرهم، أو رجل جاهل بالشريعة المطهرة.
لذلك فالناظر في واقعنا المعاصر؛ بإنصاف يلحظ فرقا واسعا، وبونا شاسعا بين مسالك علماء السنة في زماننا مثل: الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الفوزان، والشيخ عبدالله الغديان، والشيخ فالح الحربي، وغيرهم([127])؛ ومن سلك سبيلهم، وبين مسالك من دونهم من أهل الجهل المركب مثل: ربيع المدخلي، ومحمد المدخلي الربيعي، وعبيد الجابري الربيعي، وصالح السحيمي الربيعي، وأحمد بازمول الربيعي، وعبدالله البخاري الربيعي وغيرهم([128]) في تقرير الحق، ورد الباطل.
لذلك يجب معرفة الفرق بين علماء الحرمين والسنة الذين اشتهروا بعلمهم، وآثارهم، وفضلهم، وبين الوعاظ والقصاص ومن يتولى التدريس في المدارس، والجامعات من الأكاديميين من لم يتمكن في العلم ومسائله وأصوله وقواعده، ولم يفقه مقاصد الشريعة المطهرة.
فهؤلاء لا يعول عليهم في منهج النقد العلمي، ولا يجعل لهم قول وعمل في الدين، ولا تنسب إليهم فتوى في الإسلام.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الرد على البكري)) (ج1 ص170): هذا التفريق بين مسالك العلماء، ومسالك غيرهم في البيان، ومعرفة طبقاتهم في الإجتهاد فقال رحمه الله: (وليحذر العبد مسالك أهل الظلم والجهل، الذين يرون أنهم يسلكون مسالك العلماء، تسمع من أحدهم جعجعة ولا ترى طحنا، فترى أحدهم أنه في أعلى درجات العلم، وهو إنما يعلم ظاهرا من الحياة الدنيا، ولم يحم حول العلم الموروث عن سيد ولد آدم، وقد تعدى على الأعراض والأموال بكثرة القيل والقال؛ فأحدهم ظالم جاهل، لم يسلك في كلامه مسلك أصاغر العلماء، بل يتكلم بما هو من جنس كلام العامة الضلال، والقصاص الجهال، ليس في كلام أحدهم تصوير للصواب، ولا تحرير للجواب([129])؛ كأهل العلم أولى الألباب، ولا عنده خوض العلماء أهل الاستدلال والاجتهاد، ولا يحسن التقليد الذي يعرفه متوسطة الفقهاء؛ لعدم معرفته بأقوال الأئمة ومآخذهم.
والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل والتدليس ما ينفق على أهل الضلال والبدع، الذين لم يأخذوا علومهم عن أنوار النبوة، وإنما يتكلمون بحسب آرائهم وأهوائهم؛ فيتكلمون بالكذب والتحريف، فيدخلون في دين الإسلام ما ليس منه، وإن كانوا لضلالهم يظنون أنه منه، وهيهات هيهات، فإن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له). اهـ
قلت: ومن المناسبهنا أن نبين مسالك رؤوس الفرقة الربيعية الجامعيين، وهي الجهل بتقرير الحق، ورد الباطل، والظلم في نقد الأخطاء وتصويبها، وما يتضمنه كلامهم في منازعات الناس من تصوير ليس بصحيح، وتعبير ليس بفصيح، وليس عندهم التفصيل للجواب، ولا التحرير للخطاب، فهم الذين إذا تكلموا عمموا، وإذا حكموا ظلموا، وإذا رجحوا ألزموا، فلا للسنة نصروا، ولا للبدعة كسروا، بل ولا مع الخلق عدلوا، فهم أهل الجهل والظلم.([130])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج4 ص134) عند كلامه على الفرق بين من تولى التدريس من المجاهيل، وبين مقام العلماء الربانيين: (ولو كشف لنا عن اسم هذا المدرس، وهذا المدرس لبينا من جهله ما يبين حقيقة حاله، وهل في مجرد كون الرجل تولى التدريس في مثل دولة الترك الكفار، أو الحديثي العهد بالإسلام، ما يدل على فضيلة المدرس وديانته، حتى يجعل له قول؟ مع العلم بأن كثيرا ممن يتولى التدريس بجاه الظلمة الجهال يكون من أجهل الناس وأظلمهم؛ ولكن الذي يدل على فضيلة العلماء ما اشتهر من علمهم عند الناس، وما ظهر من آثار كلامهم، وكتبهم). اهـ
قلت: لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص231) عن أشكال رؤوس الفرقة الربيعية المفسدين([131]): (وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج28 ص233): (فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب، ويلبسونها على الناس، ولم تبين للناس: فسد أمر الكتاب، وبدل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين، لكنهم سماعون للمنافقين: قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا؛ وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين، كما قال تعالى: ]لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خللكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمعون لهم[. [التوبة:47]، فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم، فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين، فلا بد من التحذير من تلك البدع، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة من منافق([132])؛ لكن قالوا ظانين أنها هدى، وأنها خير، وأنها دين، ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج5 ص33): (والذي قصدنا الرد في هذه الفتيا عليهم: هم هؤلاء؛ إذ كان نفور الناس عن الأولين مشهورا، بخلاف هؤلاء؛ فإنهم تظاهروا بنصر السنة في مواضع كثيرة، وهم - في الحقيقة- لا للإسلام نصروا، ولا للفلاسفة كسروا). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاستقامة)) (ج1 ص254): (ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شئ من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء، ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم، ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج([133])، أو العبادة والأحوال). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((درء تعارض العقل والنقل)) (ج8 ص408): (وتحقيق الأمر أن الكلام بالعلم الذي بينه الله تعالى، وروسوله r مأمور به، وهو الذي ينبغي للإنسان طلبه.
وأما الكلام بلا علم فيذم، ومن تكلم بما يخالف الكتاب والسنة؛ فقد تكلم بلا علم، وقد يتكلم بما يظنه علما: إما برأى رآه، وإما بنقل بلغه، ويكون كلاما بلا علم، وهذا قد يعذر صاحبه تارة، وإن لم يتبع، وقد يذم صاحبه إذا ظلم غيره، ورد الحق الذي معه بغيا). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج2 ص529): (فمن اتقى الله راقب الله، واعترف بنقصه، ومن تكلم بالجاه وبالجهل، أو بالشر والبأو، فأعرض عنه، وذره في غيه، فعقباه إلى وبال، نسأل الله العفو والسلامة). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج2 ص730): (ما زال العلماء يختلفون في المسائل الصغار والكبار، والمعصوم من عصمه الله بالتجاء إلى الكتاب والسنة، وسكوت عن الخوض فيما لا يعنيه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الصارم المسلول)) (ج2 ص512): (وأخذ مذاهب العلماء من الإطلاقات([134])؛ من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أحوالهم يجر إلى مذاهب قبيحة). اهـ
قلت: وهذا فيه رد على ربيع المدخلي الذي قام بتتبع غرائب العلماء([135])، وحكايته لاطلاقاتهم، وعمومياتهم دون مراجهة لما فسروا بذلك كلامهم.([136])
قال ابن القيم رحمه الله في ((الصواعق المرسلة)) (ج2 ص1504): (ولا يمكن الرد على أهل الباطل إلا مع اتباع السنة من كل وجه([137])، وإلا فإذا وافقها الرجل من وجه، وخالفها من وجه، طمع فيه خصومه من الوجه الذي خالفها فيه، واحتجوا عليه بما وافقهم فيه من تلك المقدمات المخالفة للسنة). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((بيان تلبيس الجهمية)) (ج1 ص13)؛ في تعليله لأسباب البدع ومداخلها على أبي الحسن الأشعري: (كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم). اهـ([138])
قلت: لابد أن يكون مع الناقد عند رده على أهل الباطل دراية مفصلة بالحق، وأن يسلك طريقة أهل السنة في تقرير الحق، ودفع المعارضات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج6 ص505): (فلا يخرجن أحد الألفاظ المأثورة، وإن كان قد يقع تنازع في بعض معناها؛ فإن هذا الأمر لابد منه.
فالأمر كما قد أخبر به نبينا r، والخير كل الخير في اتباع السلف الصالح، والاستكثار من معرفة حديث رسول الله r، والتفقه فيه، والاعتصام بحبل الله، وملازمة ما يدعو إلى الجماعة والألفة؛ ومجانبة ما يدعو إلى الخلاف والفرقة؛ إلا أن يكون أمرا بينا قد أمر الله تعالى، وروسوله r فيه بأمر من المجانبة فعلى الرأس والعين). اهـ
قال تعالى: ]واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا[ [آل عمران:103].
قلت: وجه الاحتجاج بهذه الآية: أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق، سواء كان في الإصول، أو الفروع، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته.([139])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فالأحاديث والآيات الناهية عن الإختلاف في الدين المتضمنة لذمه، كلها شهادة صريحة؛ بأن الحق عند الله واحد، وما عداه فخطأ، ولو كانت تلك الأقوال -والآراء- كلها صوابا، لم ينه الله تعالى، ورسوله r عن الصواب، ولا ذمه).([140]) اهـ
قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فقد أخبر سبحانه أن الاختلاف ليس من عنده، وما لم يكن من عنده؛ فليس بالصواب قال تعالى: ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [[النساء:82]).([141]) اهـ
وقال الحافظ ابن عبدالبر رحمه الله في ((الجامع)) (ج2 ص922): (الإختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من علماء الأمة؛ إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان)) (ج1 ص350): (ليس كل خلاف يستروح إليه، ويعتمد عليه). اهـ
قلت: خاصة إذا سبقه إجماع الصحابة الكرام، اللهم غفرا.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فإن كثيرا من مسائل الفروع لا يجوز التقليد فيها).([142]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج18 ص51): (فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله؛ كذلك من لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم). اهـ
قلت: وحكم كفر تارك الصلاة بإجماع الصحابة الكرام، فيجب أتباع إجماعهم([143])، والله ولي التوفيق.
قلـــــت: فالرسول r هو القدوة في الدين، ثم أصحابه الكرام، لأن الله تعالى زكاهم، ولأن الرسول r رباهم، وتوفي وهو عنهم راض، ولم تظهر فيهم الأهواء، فإن الحق، والهدى يدوران معهم حيث داروا، ولم يجمعوا إلا على الحق؛ بخلاف غيرهم من المذاهب والبلدان، فإنهم قد يجمعون على خطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((العقيدة الواسطية)) (ص127): (ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله r باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار). اهـ
وقال تعالى: ]والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [[التوبة:100].
وقال تعالى: ]قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم [ [التوبة:117].
فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا، فاتبعهم متبع عليه، فهو متبع لهم، فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان.
قلت: فدل على أن اتباعهم اتباع لدليل.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج3 ص474): (وتقليدهم -يعني: الصحابة- اتباع لهم، ففاعله ممن رضي الله عنهم). اهـ
قلت: فلا يتحقق اتباعهم؛ إلا بالانقياد لهم، والإمتناع من مخالفتهم.([144])
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص556): (فوجه الدلالة: أن الله تعالى أثنى على من اتبعهم، فإذا قالوا قولا فاتبهم متبع عليه قبل أن يعرف صحته، فهو متبع لهم؛ فيجب أن يكون محمودا على ذلك، وأن يستحق الرضوان). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص557): (أيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الوقعين)) (ج5 ص559): (من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا، بدليل أن من خالف مجتهدا من المجتهدين في مسألة بعد اجتهاد لا يصح أن يقال: اتبعه). اهـ
قلت: والاتباع لا بد أن يكون بإحسان، فيوافقهم في الأصول والفروع([145])هذا معنى: قوله تعالى: ]والذين اتبعوهم بإحسان[ [التوبة:100].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((منهاج السنة)) (ج3 ص98): (والحق: أن أهل السنة لم يتفقوا قط على خطأ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج2 ص227): (ومعلوم أن السابقين الأولين أعظم اهتداء، واتباعا للآثار النبوية، فهم أعظم إيمانا وتقوى، وأما آخر الأولياء: فلا يحصل له مثل ما حصل لهم). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص560): (وأما تخصيص اتباعهم -يعني: الصحابة- بأصول الدين دون فروعه فلا يصح، لأن الإتباع عام). اهـ
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص581): (وهذا يتناول ما أفتوا به، وسنوه للأمة، وإن لم يتقدم من بينهم فيه شئ، وإلا كان ذلك سنته، ويتناول ما أفتى به جميعهم، أو أكثر، أو بعضهم؛ لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون). اهـ
وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على ((الرسالة)) (ص534): (فمعنى الإجماع الذي يدندن حوله المتأخرون، معنى محدث مبتدع يبطلون به الحق من أقوال الصحابة، ويحقون به الباطل، فلا عبرة بخلاف تابعي، أو تابعين، أو إمام، أو أئمة، لقول الصحابي الذي لم يخالفه أحد من الصحابة([146])، وكل من بعد الصحابة ينتسب إلى السلف؛ باتباعه الصحابة، وليس بخلافه لهم).([147]) اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص200): (وللصحابة رضي الله عنهم فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين؛ كما أن لهم معرفة بأمور من السنة، وأحوال الرسول r لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا الرسول r، والتنزيل، وعاينوا الرسول r، وعرفوا من أقواله، وأفعاله، وأحوله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرون الذين لم يعرفوا ذلك، فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع، أو قياس). اهـ
وقال الحافظ العلائي رحمه الله في ((إجمال الإصابة)) (ص64): (...أن الصحابة رضي الله عنهم حضروا التنزيل، وفهموا كلام الرسول r، واطلعوا على قرائن القضايا، وما خرج عليه الكلام من الأسباب، والمحامل التي لا تدرك إلا بالحضور، وخصهم الله تعالى بالفهم الثاقب، وحدة القرائح، وحسن التصرف، لما جعل الله تعالى فيهم من الخشية والزهد والورع؛ إلى غير ذلك من المناقب الجليلة، فهم أعرف بالتأويل، وأعلم بالمقاصد، فيغلب على الظن مصادفة أقوالهم وأفعالهم الصواب، أو القرب منه، والبعد عن الخطأ، هذا مالا ريب فيه، فيتعين المصير إلى أقوالهم). اهـ
وقال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ج2 ص312): (وإنما كان اتباع سبيلهم من منهج أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أقرب إلى الصواب، والحق ممن بعدهم، وكلما بعد الناس عن عهد النبوة؛ بعدوا من الحق، وكلما قرب الناس من عهد النبوة؛ قربوا من الحق، وكلما كان الإنسان أحرص على معرفة سيرة النبي r، وخلفائه الراشدين؛ كان أقرب إلى الحق.
ولهذا ترى اختلاف الأمة بعد زمن الصحابة والتابعين أكثر انتشارا وأشمل لجميع الأمور، لكن الخلاف في عهدهم كان محصورا.
فمن طريقة أهل السنة والجماعة أن ينظروا في سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فيتبعوها؛ لأن اتباعها يؤدي إلى محبتهم، مع كونهم أقرب إلى الصواب والحق؛ خلافا لمن زهد هذه الطريقة، وصار يقول: هم رجال ونحن رجال! ولا يبالي بخلافهم!! وكأن قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي قول فلان وفلان من أواخر هذه الأمة!! وهذا خطأ وضلال؛ فالصحابة أقرب إلى الصواب، وقولهم مقدم على قول غيرهم؛ من أجل ما عندهم من الإيمان والعلم، وما عندهم من الفهم السليم والتقوى والأمانة، وما لهم من صحبة الرسول r). اهـ
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله في ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص211): (ومن صفات أهل السنة: (اتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار)؛ لما خصلهم الله به من العلم والفقه، فقد شهدوا التنزيل، وسمعوا التأويل، وتلقوا عن الرسول r بدون واسطة، فهم أقرب إلى الصواب، وأحق بالاتباع بعد الرسول r، فاتباعهم يأتي بالدرجة الثانية بعد اتباع الرسول r؛ فأقوال الصحابة حجة يجب اتباعها إذا لم يوجد نص عن النبي r -لأن طريقهم أسلم وأعلم وأحكم- لا كما يقول بعض المتأخرين- أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ فيتبعون طريقة الخلف، ويتركون طريقة السلف).([148]) اهـ
قلت: لذلك يحرم على قوم وصل إليهم إجماع الصحابة من المهاجرين والأنصار في مسألة في الدين أن يصيروا إلى اختلاف لمن بعدهم من العلماء.
قال الفقيه ابن العربي المالكي رحمه الله في ((عارضة الأحوذي)) (ج9 ص10): (الأمة إذا اجتمعت على قول؛ فلا يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولا آخر). اهـ
قلت: لذلك؛ فالاختلاف في الآراء؛ فإنه مخطور في العقول، محرم في الأصول والفروع، وهوسبب تعطيل أحكام الدين، ولو ترك الناس أن يختلفوا بما شاءوا لتفرقت مذاهبهم، ولم تكن فائدة في بعثة الرسول r، وحجة الإجماع في الشريعة المطهرة.([149])
قلت: وهذا هو الذي عابه الله تعالى من التفريق في كتابه، اللهم غفرا.
قلت: وهذا يدل على أن الاختلاف في الفروع، والإصرار عليه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، هو بريد إلى نشأة البدع التي نشأ منها الإفتراق، وهذا ظاهر في المذهبيين المقلدين، والحزبيين السياسيين الذين سيطروا على الشؤون الإسلامية في البلدان الإسلامية كلها، اللهم غفرا.
قلت: والإمام أحمد رحمه الله جعل الخروج عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في الأحكام الفقهية من مذهب أهل البدع، فما بالك في الخروج عن اجماعهم؟!.
وهو قول أهل السنة والجماعة.([150])
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذا في رواية عبدالله، وأبي الحارث في الصحابة الكرام إذا اختلفوا؛ حين سئل: هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إن اختلفوا؟.
فقال الإمام أحمد: (أرأيت إن أجمعوا؟، له أن يخرج من أقاويلهم!؛ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا).([151])
فهل يقول عاقل بجواز الخروج عن قول نقل الإجماع فيه عن الصحابة الكرام، أو ما يدل عليه، إذا كان الخروج عن أقوالهم المختلفة من قول أهل البدع، اللهم غفرا.
قلت: ولا نزاع بين العلماء القائلين بحجية الإجماع، إن إجماع الصحابة حجة، لتحقق معنى الإجماع بأركانه، وشروطه فيهم؛ إذ هو اتفاق المجتهدين من أمة محمدr.([152])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1108): (فإن الصحابة إذا اختلفت على قولين، فقد أجمعت على تسويغ الخلاف في المسألة، والأخذ بكل واحد من القولين([153])، فإذا أجمع التابعون على أحد القولين لم يجز رفع إجماع الصحابة بإجماعهم؛ لأن إجماع الصحابة أقوى من إجماعهم، كما لو أجمعت على قول واحد، ثم أجمع التابعون على خلافه، وهذه طريقة معتمدة). اهـ
قلت: فإذا كان إجماع التابعين الأفاضل لا يرفع إجماع الصحابة الكرام، فكيف يرفع إجماعهم اختلاف العلماء الأعزاء من بعدهم؟!: ]إن هذا لشئ عجاب[ [ص :5].
لذلك لا يعتمد خلاف العلماء الأعزاء إذا تقدمه إجماع الصحابة الكرام، لأن اعتماد خلاف العلماء الأعزاء يتضمن إسقاط إجماع الصحابة الكرام، وهذا لا يمكن، لأن إجماعهم حجة شرعية.([154])
وقد وصف الإمام أحمد رحمه الله عن أخذ العلم في رواية: المروذي (ج4 ص1090-العدة)؛ فقال الإمام أحمد: (ينظر ما كان عن رسوله r؛ فإن لم يكن فعن الصحابة، فإن لم يكن فعن التابعين).
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1090): (إجماع أهل كل عصر حجة([155])، ولا يجوز إجماعهم على خطأ). اهـ
قلت: والأدلة وردت بعصمة جميع الصحابة الكرام إذا أجمعوا على أمر في الدين، فيجب العمل به من بعدهم.([156])
قلت: ولا يعتد بخلاف من خالفهم من العلماء، بل يطوى، ولا يروى!([157])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1081): (وهذا كله يدل على أن اتباع المجمعين فيما أجمعوا عليه واجب). اهـ
قلت: وهذا عام؛ لا يجمعهم الله تعالى، ولا يجتمعون على خطأ.([158])
نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبدالله، وأبي الحارث: (يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا).([159])
وقال الإمام أحمد، في رواية الأثرم: (إذا اختلف أصحاب رسول الله r يختر من أقاويلهم، ولا يخرج عن قولهم إلى من بعدهم).([160])
قلت: وهذا قول جمهور العلماء؛ خلافا لبعض الحنفية، وبعض الظاهرية في القول: ((يجوز إحداث قول ثالث)).([161])
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1113): (أن إجماعهم على قولين إجماع على بطلان ما عداهما، كما أن الإجماع على واحد؛ إجماع على بطلان ما عداه، ولا فرق بينهما). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فأما إذا تأيد الإجماع عليه، قوي بالمصير إليه ففسق جاحده... هذا إذا انعقد الإجماع فسق مانعه). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1130): (فإذا انعقد الإجماع به فسق مانعه ومخالفه)). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص435): ((باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه)): (إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، لم يجز للتابعين أن يتفقوا على أحد القولين، فإن فعلوا ذلك لم يزل خلاف الصحابة. والدليل عليه أن الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكل واحد من القولين، وعلى بطلان ما عدا ذلك، فإذا صار التابعون إلى القول بتحريم أحدهما، لم يجز ذلك، وكان خرقا للإجماع، وهذا بمثابة ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين، وانقرض العصر عليه، فإنه لا يجوز للتابعين إحداث قول ثالث؛ لأن اختلافهم على قولين إجماع على إبطال كل قول سواهما، كما أن إجماعهم على قول إجماع على إبطال كل قول سواه، فكما لم يجز إحداث قول ثان فيما أجمعوا فيه على قول؛ لم يجز إحداث قول ثالث فيما أجمعوا فيه على قولين). اهـ
وقال الحافظ الخطيب رحمه الله في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص434): ((القول فيمن رد الإجماع)): (الإجماع على ضربين:
أحدهما: إجماع الخاصة والعامة، وهو مثل: إجماعهم على القبلة أنها الكعبة، وعلى صوم رمضان، ووجوب الحج، والوضوء، والصلوات وعددها وأوقاتها، وفرض الزكاة وأشباه ذلك.
والصرب الآخر: هو إجماع الخاصة دون العامة، مثل ما اجتمع عليه العلماء من أن الوطء مفسد للحج، وكذلك الوطء في الصوم مفسد للصوم، وأن البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه، وأن لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، وأن لا وصية لوارث، وأن لا يقتل السيد بعبده، وأشباه ذلك.
فمن جحد الإجماع الأول استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ومن رد الإجماع الآخر فهو جاهل يعلم ذلك، فإذا علمه ثم رده بعد العلم، قيل له: أنت رجل معاند للحق وأهله([162])). اهـ
ويدل عليه:
عن أبي نجيح العرباض بن سارية t قال: (وعظنا رسول الله r موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).([163])
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله في ((العدة)) (ج1ص1058): (الإجماع حجة قطعية يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ). اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص192): (والمقصود هنا أن الرسول r بين جميع الدين بالكتاب، والسنة، وأن الإجماع - إجماع الأمة- حق؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة). اهـ
قلت: إن الإجماع مستند معظم في الشريعة المطهرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (ج19 ص270): (وحينئذ؛ فلإجماع مع النص دليلان، كالكتاب والسنة). اهـ
قلت: فالإجماع حجة قاطعة، يحرم مخالفته.([164])
قال الأصولي ابن عبدالشكور رحمه الله في ((مسلم الثبوت)) (ج2 ص213): (الإجماع حجة قطعا عن الجميع، ولا يعتد بشرذمة من الخوارج، والشيعة([165])، لأنهم حادثون بعد الاتفاق). اهـ
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله في ((روضة الناظر)) (ص335) ((والإجماع حجة قاطعة). اهـ
وقال الأصولي الآمدي رحمه الله في ((الأحكام)) (ج1 ص200): (اتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية، يجب العمل به على كل مسلم). اهـ
وقال القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله في ((العدة)) (ج4 ص1058): (الإجماع حجة مقطوع عليه، يجب المصير إليه، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ). اهـ
قلت: فالإجماع مقطوع عليه، ويصار إليه لكونه حجة، وتحرم مخالفته لكونه إجماعا، إذ الأمة لا تجتمع على باطل.
وسمي إجماعا لاجتماع الأقوال المتفرقة، والآراء المختلفة.([166])
فعن الإمام سفيان رحمه الله قال: (كان يقال إجماع آراء الجماعة، وعقولها مبرمة لصعاب الأمور).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقل)) (ص55) من طريق محمد حدثنا الحميدي عن سفيان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وعن الإمام عروة بن الزبير رحمه الله قال: (ليس الرجل الذي إذا وقع في الأمر تخلص منه، ولكن الرجل يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((العقل)) (ص60) من طريق عبدالرحمن بن صالح قال حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخيرا: يكون سوء الخاتمة لمن انحرف؛ لا لمن استقام:
قال الحافظ عبدالحق الاشبيلي رحمه الله في ((العاقبة)) (ص180): (إن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، [ما سمع بهذا قط، ولا علم به، والحمد الله]، وإنما يكون لمن كان له فساد في العقل، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب عليه ذلك، حتى ينزل به الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أن يكون لمن كان مسقيما لم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويأخذ في غير طريقه، فيكون عمله سببا لسوء خاتمته، وشؤم عاقبته، والعياذ بالله، قال تعالى:] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ [الرعد:11]). اهـ
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله في ((تذكرة الحفاظ)) (ج3 ص1177): (قد كان الحافظ سعد بن علي([167])هذا من رؤوس أهل السنة، وأئمة الأثر، وممن يعادي الكلام وأهله، ويذم الأراء والأهواء، فنسأل الله أن يختم لنا بخير، وأن يتوفانا على الإيمان والسنة.
فلقد قل من تمسك بمحض السنة، بل تراه يثني على السنة وأهلها، وقد تلطخ ببدع الكلام، ويجسر على الخوض في أسماء الله وصفاته، ويبادر إلى نفيها، ويبالغ بزعمه في التنزيه، وإنما كمال التنزيه تعظيم الرب عز وجل، ونعته بما وصف به نفسه تعالى). اهـ
قلت: فالفرار قبل حلول الدمار، وإياك ومضلات الأهواء: ]ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم [[آل عمران:101].
قلت: فهذا ظاهر إذا اعتبرنا البدعة من حيث هي معصية، فإن نظرنا إلى كونها بدعة؛ فذلك أعظم؛ لأن المبتدع؛ مع كونه مصرا على ما نهي عنه يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله، غير مسلم لها في تحصيل أمره؛ معتقدا في المعصية؛ أنها طاعة حيث حسن ما قبحه الشارع، ومن كان هكذا؛ فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة.([168])
قلت: وهذا هو المكر، والعياذ بالله.
قال تعالى: ] أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [ [الأعراف:99].
قال العلامة الشاطبي رحمه الله في ((الاعتصام)) (ج1 ص223): (والمكر: جلب السوء من حيث لا يفطن له، وسوء الخاتمة من مكر الله تعالى، إذ يأتي الإنسان من حيث لا يشعر، اللهم إنا نسألك العفو والعافية). اهـ
قلت: والذي مكر به بسود وجهه في الأخرة، والعياذ بالله.
قال تعالى:] يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [ [آل عمران: 106].
وحكى القاضي عياض رحمه الله في ((ترتيب المدارك)) (ج2 ص49)؛ عن الإمام مالك من رواية ابن نافع عنه؛ قال: (لو أن العبد ارتكب الكبائر كلها؛ بعد أن لا يشرك بالله شيئا، ثم نجا من هذه الأهواء؛ لرجوت أن يكون في أعلى جنات الفردوس؛ لأن كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء، وكل هوى ليس على رجاء؛ إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم).
قلت: ووجه ذلك ظاهر منبه عليه؛ إذ قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنة، فيلقي له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا أصل له، أو يزيد له فيه قيدا من رأيه، فيقبله قلبه، فإذا رجع إلى ما كان يعرفه، وجده مظلما، فإما أن يشعر به؛ فيرده بالعلم، أو لا يقدر على رده، وإما أن لا يشعر به؛ فيمضي مع من هلك، والعياذ بالله.([169])
%%%%%%%
بسم الله الرحمن الرحيم
الخاتمة الأثرية
وهي الضربة القاضية لرأي ربيع في مسألة تارك الصلاة
قلت: فيؤيد كل ما سبق أن ترك الصلاة؛ كفر في حد ذاته:
فعن القاسم بن مخيمرة قال: في قوله تعالى:] فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة [[مريم:59]، قال: (إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركا كان كفرا). وفي رواية: (ولو تركوها لصاروا بتركها كفارا).
أثر حسن
أخرجه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (ج7 ص2412)، والطبري في ((جامع البيان)) (ج16 ص98)، وابن المنذر في ((تفسيره)) (ج5 ص518-الدر المنثورة) من طرق عن القاسم بن مخيمرة به.
قلت: وهذا سنده حسن.
فذكر أن بمجرد ترك الصلاة؛ هو كفر في حد ذاته، ولو لم يكن جحودا، فافطن لهذا.
هذا آخر ما وفقني الله سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتاب النافع المبارك -إن شاء الله- سائلا ربي جل وعلا أن يكتب لي به أجرا، ويحط عني فيه وزرا،
وأن يجعله لي عنده يوم القيامة دخرا... وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين،
وآخر دعوانا أن الحمد الله
رب العالمين
([5]) قلت: وهلاك أتباع ربيع ظاهر منهم في البلدان، وذلك لاتباعهم له على ضعف في علمه، وجسمه، وعقله، وعدم حسن تدبيره في الحياة، وظنوا أن سيادتهم ترجع إليهم بمتابعته على ذلك، بل بمجرد مقابلة الأعداء بنشاط عشوائي بمثل نشاطهم، فوجهوا كل ما يملكون من وسائل في شبكاتهم المنهارة لمحاربتهم بذلك، وأهملوا العلم الشرعي إهمالا فاحشا، فبتلوا بالجهالات، والانشقاقات، والاختلافات، فهلكوا، والعياذ بالله.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي r قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين).
أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (817).
([7]) قلت: ما أشبة الليلة بالبارحة، فهذا ربيع يغر أتباعه الهمج بتقشفه، وهو ضعيف في العلم، ومعلن بالبدع، وقد كفانا شره ما قاله فيه علماء الحرمين والسنة.
([9]) قلت: فكيف تكون عنده، وهو في مقالته الجديدة ينقض ما فيها من أحكام، ويتبع هواه، لمسايرة أتباعه الهمج.
فهل المعتمدة ما في ((فتاويه البالية القديمة))، أو في ((فتاويه الجديدة العديمة))؟!، فبما يجيب أتباعه الغجر في ((شبكة خراب))؟!، وغيرها.
([10]) وهذا دأب ربيع الضال؛ التناقض البين، فإنه يكتب في القديم بحكم، ثم ينقضه في الجديد، وهو لا يشعر بذلك، بل دأبه ينسى ما يكتب في الفتاةى قديما وحديثا، فينقضها بعد كل حين، فلا يدري ما يخرج من رأسه، وهذا من بلاياه العظيمة، لأنه يكتب ولا يستحي من الله تعالى، ولا من خلقه، لذلك فهذا الرجل لا يعتمد عليه في الدين، فإنه هالك، والعياذ بالله.
وهذا من عجيب أمر هذا المدعي، أنه كثير المناقضة لنفسه، يقع فيما ينهى الآخرين عنه، ويتصف بما يذم الآخرين بتلبسه!.
([11]) وكلاكه هذا يدل على أنه يعلم بإجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، وثبوته عنده، ولكن الأهواء التي في النفوس، والعياذ بالله.
([13]) بل شيخ الإسلام ابن تيمية نقل إجماع الصحابة الكرام في تكفير تارك الصلاة، ومن عادة ربيع أنه يكذب في نقله عن أهل العلم، فاحذروه.
انظر: ((شرح العمدة)) لابن تيمية (ج2ص75).
([15]) قلت: بل إن العلماء الذين استدلوا بأثر عبدالله بن شقيق اطلعوا على ما يدل على صحته سندا ومتنا، من قبل أن تولد أنت في هذه الحياة، ولكن أنت تجهل ذلك بسبب تعالمك وغرورك، اللهم غفرا.
([16]) قلت: والمذاهب المنحرفة الجديدة؛ هي منحدرة عن مذاهب منحرفة قديمة.
قد رد عليها العلماء السابقون في كتبهم؛ فإذا عرفنا بطلان القديم، عرفنا بطلان ما انحدر عنه.
وانظر: ((البيان)) للشيخ صالح الفوزان (ص14).
([18]) قلت: ولكن؛ لا يزال –ولله الحمد- من أهل السمة بقية لا تنطلي عليهم هذه الشبه الزائفة ضد تراثهم المجيد.
([19]) وغير ذلك من اعتقاداتهم السلفية؛ والحامل له على ذلك جهلة باعتقاد السلف الصالح، وتخلفه العقلي عن استيعابه، وكسله الذي قعد به عن دراسته، ومتابعته؛ فتصور أن العيب في أهل السنة، والعيب إنما هو عيبه؛
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
([31]) قلت: واختلاطه لم يكن بالفاحش، وهذا لا يضر في الجملة.
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله في ((الثقات)) (ج6 ص351) عن الجريري: (وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه اختلاطا فاحشا، فلذلك أدخلناه في الثقات). اهـ
([35]) قلت: وأضف أن الحافظ محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، والحافظ مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله؛ روايا عن بشر بن المفضل عن الجريري في صحيحيهما، وهذا الإسناد متفق عليه عند الشيخين، فلا يرد ذلك بالتكلف والتعسف، فإن ذلك مسلك أهل الأهواء، والعياذ بالله.
قال ابن الكيال رحمه الله في ((الكواكب النيرات)) (ص184): (وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر بن المفضل). اهـ
([41]) قلت: وهؤلاء المرجئة ليس لهم سلف فيما ذهبوا إليه من تضعيف أثر عبدالله بن شقيق العقيلي في كفر تارك الصلاة بهذه الطريقة الفاسدة في تضعيف الأسانيد للأحاديث، وهذا أن دل، فإنه يدل على انحراف القوم في الدين، اللهم سلم سلم.
([43]) وانظر: ((تلخيص الحبير)) لابن حجر (ج2 ص720)، و((تخريج الأحاديث والآثار في الكشاف)) للزيلعي (ج1 ص204)، و((المجموع)) للنووي (ج9 ص252).
([44]) وقع عنده: (شقيق بن عبدالله)، وهو خطأ؛ صوابه: (عبدالله بن شقيق)، وهو الذي صوبه الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) (ص515)، وكذا في ((المجموع)) للنووي (ج3 ص18).
([45]) قلت: وهي الطبعة المعتمدة عند الشيخ الألباني رحمه الله في صحة الأحاديث والآثار في آخر حياته، والله ولي التوفيق.
([46]) وانظر: ((موسوعة الصلاة الصحيحة)) للثبتة (ج2 ص777)، و((آراء الإمام عبدالعزيز بن باز الفقهية)) للحاشدي (ج2 ص627).
([47]) قلت: فتضعيف المرجئة للأثر لا يقبل منهم، ولا يلتفت إليهم، لذلك نوافق، ونتابع ما اتفق عليه العلماء قديما وحديثا في صحته، اللهم غفرا.
([50]) وانظر: ((شرح العمدة)) لابن تيمية (ج2 ص75)، و((الصلاة)) لابن القيم (ص67)، و((التمهيد)) لابن عبدالبر (ج4 ص225)، و((فتح الباري)) لابن رجب (ج1 ص23)، و((الفتاوى)) للشيخ ابن باز (ج10 ص265)، و((الفتاوى)) لشيخنا ابن عثيمين (ج12 ص134).
أخرجه الخلال في ((السنة)) (ج4ص142)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج4 ص1829)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (87) من طريق محمد بن جعفر عن جعفر بن عوف عن الحسن البصري به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (893)، والخلال في ((السنة)) (1379)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (876)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (1538) من طريق يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق ثني أبان ابن صالح عن مجاهد بن جبر به.
قلت: وهذا سنده حسن.
أخرجه اللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج2 ص828)، وابن منده في ((الإيمان)) (2170)، والمروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (947)، والبغوي في ((شرح السنة)) (347)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج4 ص229)، والبيهقي في ((سننه الكبرى)) (ج3 ص366) من طريق زهير بن حرب عن أبي الزبير به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
أخرجه المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (ج2 ص925) من طريق محمد بن يحيى الذهلي ثنا محمد بن المفضل السدوسي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ومحمد بن المفضل ثقة تغير بآخرة، وقد روى عنه محمد بن يحيى الذهلي قبل الإختلاط.
انظر: ((حاشية كتاب المختلطين)) للعلائي (ص117).
([57]) قلت: والمرجئة لم يظفروا بصحابي واحد يقول بقولهم، بل ولم يصح لهم عن التابعين عن أحد غير الزهري رحمه الله، وهو من صغار التابعين، ولا يعتد بقوله في هذه المسألة لما ثبت من الكتاب والسنة والإجماع على تكفير تارك الصلاة، اللهم سلم سلم.
وانظر: ((الصلاة)) لابن القيم (ص67)، و((الترغيب والترهيب)) للمنذري (ج1 ص393).
([58]) قلت: وهل يقال عن أئمة السنة قد فاتهم تضعيف أثر عبدالله بن شقيق، ثم تأتي أنت فتضعفه، وأهل السنة يروون مالهم، وما عليهم، وأما أهل الأهواء من أمثالك لا يروون إلا مالهم، فليس لك وجه في تضعيف الأثر، فكيف نترك نهج الأئمة الرشيد، لمثل فهمك البعيد، ومن علم حجة على من لم يعلم.
([59]) قلت: وأول من احتج بهذه الآية هو الإمام الشافعي رحمه الله، ولعله كان أول من احتج للإجماع بنص من الكتاب، وبها احتج أكثر علماء الأصول.
([60]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((الرسالة)) له (ص475)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1064)، و((الفقيه والمتفقه)) للخطيب (ج1 ص155)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل ابن تيمية (ج1 ص615)، و((الإحكام)) للآمري (ج1 ص200).
([61]) قلت: والضلال المبين مخالفة سبيل المؤمنين، والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم!.
([63]) قلت: وكان ذنب من يعرف الحق، ويزيغ عنه أعظم من ذنب الجاهل، فهو أعظم جرما؛ لأنه اطلع على الحق، وعمل بخلاف ما يقتضيه على سبيل العناد لله تعالى.
قلت: وسبيل المؤمنين: هو الدين الحنيفي الذي هم عليه، فمن يشاقق الرسول r هو متبع غير سبيل المؤمنين ضرورة، ولكنه بدأ بالأعظم في الإثم، وأتبع بلازمه توكيدا.
وانظر: ((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3 ص496)، و((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ج5 ص385).
([65]) وانظر: ((الأحكام القرآن)) للشافعي (ج1 ص53)، و((العدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى (ج4 ص1067).
([66]) قلت: وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب المختلفة درست، وذهبت، فحكموا على من يخالف هذا المذاهب بالضلال، والشذوذ، فضيعوا آثار الصحابة الكرام وفقههم، وإجماعهم في الدين، ونسبوا إلى الخلافيات المذهبية؛ الحفظ والصحة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل الله بحفظه، فاعتبر.
([67]) قلت: والإجماع سبيلهم، أو من سبيلهم، فيجب اتباعه، ويكون حجة على المخالفين له.
وانظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (ج3 ص462)، و((إجمال الإصابة في أقوال الصحابة)) للعلائي (ص57)، و((الاعتصام)) للشاطبي (ج3 ص135)، و((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص18).
([68]) قلت: إن من يشاقق الرسول r، ويخالف الصحابة الكرام، ويتبع غيرهم من العلماء في اختلافهم، فإنه متوعد له، وهذا يقتضي لحوق الإثم عليه: ]نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا[ [النساء:115].
أخرجه البيهقي في ((أحكام القرآن)) (ج1 ص52)، والسبكي في ((الطبقات الكبرى)) (ج2 ص19).
وإسناده صحيح.
([70]) قلت: لأنه لا معنى لمشاقة الرسول r؛ إلا ترك الإيمان، وذلك لأن ترك الاتباع بالكلية هو من اتباع غير سبيل الرسول r، وهذا من الشقاق، بل هو اتباع غير سبيل الصحابة الكرام أيضا، فمن اختاره لنفسه، فقد اختار غير سبيل المؤمنين.
وانظر: ((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص282)، و((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص357).
([71]) انظر: ((الإبهاج في شرح المنهاج)) للسبكي (ج2 ص354)، و((معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول)) للجزري (ج2 ص75)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص338)، و((نهاية السول شرح منهاج الوصول)) للأسنوي (ج2 ص281)، و((الإجماع)) الباحسين (ص220)، و((الأحكام)) للآمدي (ج1 ص208).
([72]) قلت: لذلك لم يرض علماء الحرمين؛ اعتراضات ربيع في مسائل الإيمان، لأنه ذكرها على طريقة المرجئة القديمة.
([73]) وانظر: ((حجية الإجماع)) للسرميني (ص132)، و((التفسير الكبير)) للرازي (ج11 ص35)، و((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص190)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463).
([76]) وانظر: ((روح المعاني)) للآلوسي (ج5 ص132)، و((فتح القدير)) للشوكاني (ج1 ص463)، و((البحر المحيط)) لأبي حيان (ج3ص496).
([78]) قلت: فلا إنفكاك بين علو مكانتهم، وفضلهم، وخيرتهم، وعلمهم، وفقههم، فهم أصحاب المنهج الأسلم، والأحكم، والأعلم؛ كما أنهم خير الناس وأفضلهم.
([80]) قلت: فمن سوى بين أقوال السلف، وبين أقوال الخلف، فقد استوجب على نفسه المؤاخذة، والله المستعان.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (224)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج4 ص227).
وإسناده صحيح.
ونقله عنه ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج6 ص27).
أخرجه البيهقي في ((المدخل)) (49)، وفي ((الإعتقاد)) (ص208)، وابن النقور في ((الفوائد)) (32)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (861)، والقطيعي في ((زوائد فضائل الصحابة)) (541)، والآجري في ((الشريعة)) (ج2 ص413)، وأحمد في ((المسند)) (ج1 ص379)، والبزار في ((المسند)) (130)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (445)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج3 ص78)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3602)، وفي ((المعجم الكبير)) (8582)، والطيالسي في ((المسند)) (246)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص375)، والبغوي في ((شرح السنة)) (ج1 ص214).
وإسناده حسن، وقد حسنه الشيخ الألباني في ((الضعيفة)) (ج2 ص17)، والسخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (959)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (ج2 ص188).
([84]) قلت: والمراد أن اجتهاد العلماء من بعدهم يسقط مع إجماعهم؛ فلا يبحث، ولا يحتج به، فافهم لهذا ترشد.
([87]) قلت: فما أجمع عليه السلف فهو حجة، ويسقط الاجتهاد فيما يسمى بــــــ((المجالس، والهيئات، والمؤتمرات، واللجان، والجمعيات))، فلا يعتد مع إجماعهم، ومن رد إجماعهم أثم وضل، ووقع في الندامة، والويل يوم القيامة.
أخرجه الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (ج3 ص386)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (230)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (134)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (455)، وفي ((شرف أصحاب الحديث)) (5)، والأصبهاني في ((الحجة)) (ج1 ص109)، والآجري في ((الشريعة)) (ص48)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (2326)، والخلال في ((السنة)) (ج4 ص127)، وعبدالله بن أحمد في ((السنة)) (ج1 ص357).
وإسناده حسن.
أخرجه الخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص439)، وأبو داود في ((المسائل)) (277).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص404)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص466)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (4755)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (386).
وإسناده حسن.
أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) (ج7 ص75)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (158)، والآجري في ((الشريعة)) (ج1 ص123)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج4 ص555)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (133)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (ج3 ص723).
وإسناد صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص296)، والمروزي في ((السنة)) (90)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص103)، وأحمد في ((الزهد)) (869)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (161)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص1179)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج3 ص70)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص383)، والطوسي في ((الأمالي)) (484)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (10488).
وإسناده صحيح.
أخرجه الدارمي في ((المسند)) (ج1 ص115)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (ج2 ص453)، والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (ج1 ص381)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (369)، وفي ((السنن الصغرى)) (ج1 ص278)، وابن عبدالبر في ((الجامع)) (ج2 ص1183)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص110)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج2 ص433)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج2 ص118)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (ج1 ص305)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (ج9 ص3134)، والبيهقي في ((المعرفة)) (ج1 ص129)، والشافعي في ((المسند)) (ج1 ص55)، وفي ((الرسالة)) (ص443).
وإسناده حسن.
([97]) قلت: وقد مرت بهم سنوان طويلة، وهم يربوا أتباعهم على قول فلان، وفلان، أو مذهب فلان، ومذهب فلان... فكان ينبغي لهم أن يربوا أتباعهم على مذهب الصحابة الكرام، وفهمهم، لا على أقوال المذاهب!.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (815)، والهروي في ((ذم الكلام)) (ج5 ص77)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (776)، وفي ((نصيحة أهل الحديث)) (6)، وعبدالرزاق في ((المصنف)) (ج11 ص249)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج1 ص616)، وابن الأعرابي في ((المعجم)) (926)، وابن عدي في ((الكامل)) (ج1 ص164)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (8589)، وفي ((المعجم الأوسط)) (ج7 ص311)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج8 ص49)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (101).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (87)، واللالكائي في ((الإعتقاد)) (ج1 ص59)، والأصبهاني في ((الترغيب)) (469)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص252)، وابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (250)، وعبدالله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (1091)، وأبو داود في ((الزهد)) (199)، وابن الجوزي في ((تلبيس إبليس)) (ص21).
وإسناده حسن.
أخرجه الدرامي في ((المسند)) (583)، وأبو زرعة الرازي في ((التاريخ)) (924)، والفسوي في ((التاريخ والمعرفة)) (ج1 ص441)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (ج1 ص56)، والخطيب في ((الجامع لأخلاق الراوي)) (ج2 ص335)، وفي ((الرحلة في طلب الحديث)) (21).
وإسناده صحيح.
أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) (501)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (ج7 ص124)، وابن الأعرابي في ((الزهد)) (ص42)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (ج1 ص136)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (ج7 ص374).
وإسناده صحيح.
([104]) حديث ضعيف. ومعناه صحيح.
أخرجه أحمد في ((المسند)) (ج6 ص396)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (ج2 ص314)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (82) وغيرهم مرفوعا.
والحديث مشهور المتن، وله أسانيد كثيرة، وشواهد عديدة، وكلها ضعيفة.
([109]) فلم تغن عنهم مراكزهم الدنيوية، ولم تنفعهم علومهم الجامعية في هذه المراكز فـ ]فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [[الروم:32].
فالحذر الحذر من الانخداع بهم في البلدان الإسلامية...فمن انخدع بهم؛ فيا حسرة عليه خسر الدنيا ولآخرة: ]ذلك هو الخسران المبين[ [الحج:11].
([111]) أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (ج12 ص17 و124)، وأبوداود في ((سننه)) (ج3 ص312)، والترمذي في ((سننه)) (ج4 ص415).
([115]) قلت: وربيع بفعله هذا في جمعه اختلافات العلماء في الأحكام بهذه الطريقة المخزية، يعتبر من الذين يتتبعون رخص الفقهاء، ليروج اجتهاداته الفاسدة، اللهم غفرا.
([120]) قلت: وجواب الإمام سليمان التيمي رحمه الله من الأجوبة القامعة للمقلدة للعلماء بذكر اختلافاتهم، والاحتجاج بها.
أخرجه ابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (1766) و(1767).
وإسناده صحيح.
وذكره ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (ج5 ص236).
([122]) قلت: وربيع هذا سلك في أقواله تتبع الحيل، والرخص معا، فخالف الإجماع، لأن ذلك ليس من مسالك الإجتهاد، فافظن لهذا.
وهذا هو التقليد المذموم عند أهل العلم، فهو إذا تورط في الأحكام، ركن إلى التقليد، ومن تقليده ذكره لاختلاف العلماء، ويدعي أنه لا يقلد، اللهم غفرا.
وانظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج5 ص241).
([123]) قلت: والقائم بذكر مسائل الخلاف يحتاج على معرفة العلم بمعاني الكتاب والسنة، ثم العلم بمعاني عبارات المختلفين، ثم يبين الراجح من المرجوح في مسائل النزاع في الإحكام، والله ولي التوفيق.
وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (ج1 ص75).
([124]) فالخلاف في المهمات من المسائل؛ فهو غير الخلاف في دقيق العلم من المسائل الخفيفة التي عامة من تكلم فيها هم من أهل السنة والجماعة.
([126]) قلت: يجب على الحقيقة معرفة فضل أهل العلم، وحقوقهم ومقاديرهم، وترك كل ما يجر إلى تلمهم.
وانظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (ج3 ص178).
([127]) ولا عجب في ذلك فقد أجمعت الأمة على هدايتهم، ودرايتهم، والتفاوت في العلم له أثره في إصابه الحق قولا وعملا، والله ولي التوفيق.
([128]) قلت: ولا عجب في ذلك، فقد أجمعت الأمة على ضلالاتهم وجهلهم، والتفاوت في الجهل له أثره في البعد عن الحق قولا وعملا، والعياذ بالله.
قلت: وهؤلاء يظنون أنهم يسلكون مسالك علماء الحرمين والسنة، وهم أبعد الناس منهم، بل سلكوا مسالك الضلال والقصاص، فهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا.
وانظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص123)، و((الرد على البكري)) له (ج1 ص170).
([129]) وفي هذا المقام يتعين التفريق بين علماء الملة، وبين غيرهم، وبين من يحسن الكلام في فنون العلم، وبين من لا يحسن الكلام إلا في فن واحد.
([130]) وانظر: ((الرد على البكري)) لابن تيمية (ج1 ص170 و171)، و((الفتاوى)) له (ج11 ص43)، و((منهاج السنة)) له أيضا (ج4 ص134 و135)، و((إعلام الموقعين)) لابن القيم (ج1 ص332).
([131]) قلت: وبهذا يظهر خطأ من عكف على الرد على أهل البدع الظاهرين، مع إهمال الرد على أهل البدع الربعيين؛ إذ خطر هؤلاء على الشباب أشد، ومداخلهم عليهم خفية، والعياذ بالله.
([132]) قلت: ومن هنا؛ فإنه يتعين الرد على أهل البدع الربيعيين؛ حتى ولو كانت لهم ردود على بدع أخرى، فافطن لهذا.
وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (ج10 ص317)، و((الاستقامة)) له (ج1 ص354).
([133]) قلت: لذلك يجب التحذير من ربيع الضال، ولو أظهر ما أظهر بزعمه من العلم والسنة، والرد على أهل البدع، والله المستعان.
([134]) أي: إطلاقات الجمل، وتعميم الكلام فيها، وهو رد على ربيع في أخذه العموميات من أقوال العلماء، وتركه المفصل والمفسر من كلامهم، فجره ذلك إلى بدع قبيحة، والعياذ بالله.
([135]) قلت: وهذا المسلك ورطه بالأخذ بالشاذ، والتعلق برخص المتأخرين، بل جره إلى تقرير أصول فاسدة في الإعتقاد.
([136]) حتى زعم ربيع أن المجمل والمفصل، والمطلق والمفسر لا يكون في كلام العلماء، بل لا يكون إلا في كلام الله تعالى، ورسوله r، اللهم غفرا.
وانظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (ج2 ص226).
([137]) قلت: ودخل الاعتقاد الفاسد على ربيع بسبب خبرته بالكلام خبرة مفصلة عندما كان مع الإخوانيين والسروريين، وغيرهم من أهل الكلام، وخبرته بالسنة مجملة.
قلت: ومن هنا دخل الخطأ على ربيع واتباعه من جهة نقص خبرتهم بالسنة، ولذلك آل هذا الأمر بهم إلى البدع، وموافقتهم لأهل البدع في أصولهم.
وانظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (ج1 ص13)، و((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (ج4 ص1504).
([138]) قلت: وهذا الذي وقع فيه ربيع تماما، لضعف خبرته بالسنة، وافق المرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والخوارج وغيرهم في بعض أصولهم، بل ونسبها إلى أصول أهل السنة والجماعة!، فظلم نفسه في الدنيا والآخره.
وانظر: ((منهاج السنة)) لابن تيمية (ج5 ص254).
([143]) قلت: لأن لا يعتد بالخلاف في هذه المسألة بعد ثبوت إجماع السلف من الصحابة، والتابعين، رضي الله عنهم.
والتابعون كانوا على منهاج النبوة، وسبيل الصحابة رضي الله عنهم، لم يغيروا، ولم يبدلوا، والله المستعان.
([144]) قلت: ومن لم يتبعهم فيما أجمعوا عليه، فهو غير متبع لهم، ولم يستحق الثناء، ولا الرضوان، اللهم سلم سلم.
قلت: فالمخالف في الحكم لا يسمي موافقا، فكيف يسمى متبعا ؟!.
([150]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص633)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([151]) وانظر: ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص616)، و((العمدة في أصول الفقه)) للقاضي أبي يعلى الحنبلي (ج4 ص1059).
([152]) وانظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (ص81)، و. ((االمسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ج2 ص615)، و((الفتاوى)) لابن تيمية (ج19 ص267و270).
([155]) وانظر: ((التمهيد في أصول الفقه)) لأبي الخطاب (ج3 ص224)، و((المسودة في أصول الفقه)) لآل تيمية (ص317)، و((روضة الناظر)) لابن قدامة (ج1 ص372)، و((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (ج2 ص214).
([162]) قلت: وهذا يدل أن المخالف للإجماع كل واحد بحسبه، يختلف في الحكم بالتكفير، أو التضليل، أو التفسيق وذلك بحسب بعده، وقربه عن الإجماع.
وانظر: ((الأجوبة المفيدة)) للشيخ الفوزان (ص10).
أخرجه أبو داود في ((سننه)) (ج4 ص200 و201)، والترمذي في ((سننه)) (ج5 ص45)، وأحمد في ((المسند)) (ج4 ص126)، وابن حبان في ((صحيحه)) (ج1 ص104)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (ج1 ص19 و30) و(ج2 ص483)، والآجري في ((الأربعين)) (ص33 و34)، وفي ((الشريعة)) (ص46)، والبيهقي في ((المدخل)) (ص115)، ومحمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (ص26 و27)، وابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم)) (ج2 ص182)، وفي ((التمهيد)) (ج21 ص279)، والحاكم في ((المستدرك)) (ج1 ص97)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (1/ق236/ط)، والقاضي عياض في ((الشفا)) (ج2 ص10 و11).
وإسناده صحيح.